المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله، ابو محمد، زكي الدين المنذري: عالم بالحديث والعربية، من الحفاظ المؤرخين. له (الترغيب والترهيب - ط) و (التكملة لوفيات النقلة - خ) اجزاء منه، و (اربعون حديثا - ط) رسالة، و (شرح التنبيه) و (مختصر صحيح مسلم - خ) و (مختصر سنن ابو داود - ط) اصله من الشام، ومولده ووفاته بمصر.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 30

الحافظ زكي الدين المنذري عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد، الحافظ الإمام زكي الدين. أبو محمد المنذري الشامي ثم المصري الشافعي. ولد سنة إحدى وثمانين وخمس ماية غرة شعبان بمصر -وقرأ القرآن على الأرتاحي. وتفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي. وتأدب على أبي الحسين ابن يحيى النحوي. وسمع من أبي عبد الله الأرتاحي، وعبد المجيد بن زهير، وإبراهيم بن البتيت، ومحمد بن سعيد المأموني، والمطهر بن أبي بكر البيهقي، وربيعة اليمني الحافظ، وأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، وأبي الجود غياث بن فارس؛ والحافظ ابن المفضل، وبه تخرج وهو شيخه. وبمكة من يونس الهاشمي، وأبي عبد الله ابن البناء. وبطيبة من جعفر بن محمد بن أموسان، ويحيى ابن عقيل بن رفاعة. وبدمشق من ابن طبرزد، ومحمد بن الزنف، والخضر بن كامل، والكندي، وعبد الجليل ابن مندويه وخلق. وسمع بحران والرها والإسكندرية وأماكن. وخرج لنفسه معجما كبيرا مفيدا. قال الشيخ شمس الدين: سمعناه. روى عنه الدمياطي والشريف عز الدين، وأبو الحسين ابن اليونيني، والشيخ محمد القزاز، والفخر إسماعيل ابن عساكر، وعلم الدين سنجر الدواداري، وقاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد، وإسحاق ابن الوزيري، والأمين عبد القادر الصعبي، والعماد محمد ابن الجرايدي، وأحمد الدفوني، ويوسف ابن الخنثى وطائفة سواهم. ودرس بالجامع الظافري بالقاهرة مدة. ثم ولي مشيخة الدار الكاملية للحديث، وانقطع بها نحوا من عشرين سنة، مكبا على التصنيف والتخريج والإفادة والرواية. وأول سماعه سنة إحدى وتسعين؛ ولو استمر يسمع لأدرك إسنادا عاليا، ولكنه فتر نحوا من عشر سنين. سمع من الحافظ عبد الغني، ولم يظفر بسماعه منه، وأجاز له. وسمع شيئا من أبي الحسن ابن نجا الأنصاري. وله رحلة إلى الإسكندرية أكثر فيها عن أصحاب السلفي. قال الدمياطي: هو شيخي ومخرجي؛ أتيته مبتدئا وفارقته معيدا.
توفي الشيخ زكي الدين سنة ست وخمسين وست ماية -وقال السراج الوراق يرثيه؛ ومن خطه نقلت:

ومن مناقبه الصالحة؛ ما ذكره لي قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي؛ قال: لما توفي ابنه محمد صبر، واحتسب، ولم يخرج مع جنازته؛ بل اتبعه إلى باب المدرسة الكاملية لا غير، ولم يرح إلى قبره، ولا كان يزوره وكان ولده محمد معيدا عنده في الكاملية وكانت بينه وبين الشيخ شرف الدين الدمياطي صورة جرت العادة بها بين المتناظرين في الطلب والاشتغال، وكان الشيخ زكي الدين يعرف ما بينهما من التحاسد والعداوة؛ ولما مات محمد كان الشيخ شرف الدين في الحجاز؛ فلما وصل من الحجاز جاء إليه الشيخ زكي الدين إلى بيته؛ فدق عليه الباب؛ فقال: من؟ قال: أنا عبد العظيم! فخرج إليه مدهوشا لحرمته وعظمته فقال له: محمد مات! وقد وليتك مكانه في الإعادة! رحمهم الله أجمعين.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19- ص: 0

عبد العظيم الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل، المصري، الشافعي.
ولد في غرة شعبان، سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
وسمع من: أبي عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي، وهو أول شيخ لقيه، وذلك في سنة إحدى وتسعين، ومن عمر بن طبرزذ، وهو أعلى شيخ له، ومن أبي الجود غياث المقرئ، وست الكتبة بنت علي ابن الطراح، ومن يونس بن يحيى الهاشمي، لقيه بمكة، وجعفر بن محمد بن آموسان، أملى عليه بالمدينة، وعلي بن المفضل الحافظ، ولازمه مدة، وبه تخرج، وعبد المجيب بن زهير الحربي، وإبراهيم بن البتيت، وأبي روح البيهقي، وأبي عبد الله ابن البناء الصوفي، وعلي بن أبي الكرم ابن البناء الخلال، وأبي المعالي محمد بن الزنف، وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي الفتوح ابن الجلاجلي، وأبي المعالي أسعد بن المنجي
مصنف ’’الخلاصة’’ـ وأحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري، وأحمد بن عبد الله السلمي العطار، والشيخ أبي عمر بن قدامة، وداود بن ملاعب، وأبي نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي، والإمام موفق الدين ابن قدامة، وأبي محمد عبد الله بن عبد الجبار العثماني، وموسى بن عبد القادر الجيلي، والعلامة أبي محمد عبد الله بن نجم شاس المالكي، والقاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلي، وعبد الجليل بن مندويه الأصبهاني، والواعظ علي بن إبراهيم بن نجا الأنصاري -سمعه يعظ- ونجيب بن بشارة السعدي، سمع منه كتاب ’’العنوان’’، وعبد العزيز بن باقا، ومحمد بن عماد، وأبي المحاسن بن شداد، وأبي طالب بن حديد، وخلق كثير لقيهم بالحرمين ومصر والشام والجزيرة.
وعمل ’’المعجم’’ في مجلد، و’’الموافقات’’ في مجلد، واختصر ’’صحيح مسلم’’، و’’سنن أبي داود’’، وتكلم على رجاله، وعزاه إلى ’’الصحيحين’’ أو أحدهما أو لينه، وصنف شرحا كبيرا ’’للتنبيه’’ في الفقه، وصنف ’’الأربعين’’، وغير ذلك.
وقرأ القراءات على أبي الثناء حامد بن أحمد الأرتاحي، وتفقه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي الشافعي، وأخذ العربية عن: أبي الحسين يحيى بن عبد الله الأنصاري.
قال الحافظ عز الدين الحسيني: درس شيخنا بالجامع الظافري، ثم ولي مشيخة الدار الكاملية، وانقطع بها عاكفا على العلم، وكان عديم النظر في علم الحديث على اختلاف فنونه، ثبتا، حجة، ورعا، متحريا، قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه، وانتفعت به كثيرا.
قلت: حدث عنه أبو الحسين اليونيني، وأبو محمد الدمياطي، والشرف الميدومي، والتقي عبيد، والشيخ محمد القزاز، والفخر ابن عساكر، وعلم الدين الدواداري، وقاضي القضاة ابن دقيق العيد، وعبد القادر بن محمد الصعبي، وإسحاق بن إبراهيم الوزيري، والحسين بن أسد ابن الأثير، وعلي بن إسماعيل بن قريش المخزومي، والعماد ابن الجرائدي، وأبو العباس ابن الدفوفي، ويوسف بن عمر الختني، وخلق سواهم، ودرس بالجامع الظافري مدة قبل مشيخة الكاملية، وكان يقول: إنه سمع من الحافظ عبد الغني، ولم نظفر بذلك، وأجاز له مروياته، وكان متين الديانة، ذا نسك وورع وسمت وجلالة.
قال شيخنا الدمياطي: هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئا، وفارقته معيدا له في الحديث.
ثم قال: توفي في رابع ذي القعدة، سنة ست وخمسين وست مائة، ورثاه غير واحد بقصائد حسنة.
وقال الشريف عز الدين أيضا: كان شيخنا زكي الدين عالما بصحيح الحديث وسقيمه، ومعلوله وطرقه، متبحرا في معروفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إماما حجة.
قلت: ومات معه في هذه السنة: أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد مقتولا شهيدا عند أخذ بغداد وابناه أحمد وعبد الرحمن وأعمامه علي وحسن وسليمان ويوسف وحبيب بنو الخليفة الظاهر، وابنا عمه؛ حسين ويحيى ولدا علي، وملك الأمراء مجاهد الدين أيبك الدويدار، وسليمان شاه، وفتح الدين ابن كر وعدة أمراء كبار، والمحتسب عبد الرحمن ابن الجوزي، وأخوه؛ تاج الدين عبد الكريم، والقاضي أبو المناقب محمود بن أحمد الزنجاني عالم الوقت، وشرف الدين محمد بن محمد بن سكينة قاتل حتى قتل، ونقيب العلوية أبو الحسن علي ابن النسابة، وشيخ الشيوخ صدر الدين ابن النيار، وابن أخيه عبد اله، ومهذب الدين عبد الله بن عسكر البعقوبي، والقاضي برهان الدين القزويني، والقاضي إبراهيم النهر فصلي، والخطيب عبد الله بن عباس الرشيدي، وشيخ التجويد علي ابن الكتبي، وتقي الدين الموسوي نقيب المشهد، وشرف الدين محمد بن طاوس العلوي، وخلق من الصدور قتلوا صبرا، وأستاذ الدار محيي الدين يوسف ابن الجوزي، وسيد الشعراء جمال الدين يحيى بن يوسف الصرصري، وشيخ القراء عفيف الدين المرجى بن الحسن بن شقيراء الواسطي السفار، وعالم الإسكندرية أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، والحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد ابن البكري، وشيخ اللغة شرف الدين الحسين بن إبراهيم الإربلي، والصاحب بهاء الدين زهير بن محمد المهلبي البصري الشاعر، وصاحب الكرك الملك الناصر داود ابن المعظم عيسى ابن العادل، وخطيب بيت الأبار عماد الدين داود بن عمر المقدسي خطيب دمشق، والشيخ الزاهد أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي بعيذاب، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد الفاسي بحلب، ومقرئ الموصل الإمام محمد بن أحمد بن أحمد الحنبلي شعلة شابا، وخطيب مردا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المقدسي الحنبلي، والمسند ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي القرشي، والمحدث شمس الدين علي بن مظفر النشبي الدمشقي، وخلق سواهم في تاريخي الكبير.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المؤدب، أخبرنا عبد العظيم الحافظ أخبرنا محمد بن حمد في سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة، أنبأنا علي بن الحسين الموصلي، أخبرنا علي بن الحسن بن قسيم، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق القاضي، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ’’كان إذا اعتكف، يدني إلي رأسه، فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان’’. أخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي.
الكفرطابي، خطيب مردا:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 462

عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة ابن سعد المنذري الحافظ الكبير الورع الزاهد زكي الدين أبو محمد المصري
ولي الله والمحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقيه على مذهب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتجى الرحمة بذكره ويستنزل رضا الرحمن بدعائه
كان رحمه الله قد أوتي بالمكيال الأوفى من الورع والتقوى والنصيب الوافر من الفقه وأما الحديث فلا مراء في أنه كان أحفظ أهل زمانه وفارس أقرانه له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه وحفظ أسماء الرجال حفظ مفرط الذكاء عظيمه والخبرة بأحكامه والدراية بغريبه وإعرابه واختلاف كلامه
ولد في غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة
تفقه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي بن الوراق
وسمع من أبي عبد الله الأرتاحي وعبد المجيب بن زهير ومحمد بن سعيد المأموني والمطهر بن أبي بكر البيهقي وربيعة اليمني الحافظ والحافظ الكبير علي بن المفضل المقدسي وبه تخرج وسمع بمكة من أبي عبد الله بن البناء وطبقته وبدمشق
من عمر بن طبرزد ومحمد بن وهب بن الزنف والخضر بن كامل وأبي اليمن الكندي وخلق
وسمع بحران والرها والإسكندرية وغيرها
وتفقه وصنف شرحا على التنبيه وله مختصر سنن أبي داود وحواشيه كتاب مفيد ومختصر صحيح مسلم وخرج لنفسه معجما كبيرا مفيدا وانتقى وخرج كثيرا وأفاد الناس
وبه تخرج الحافظ أبو محمد الدمياطي وإمام المتأخرين تقي الدين ابن دقيق العيد والشريف عز الدين وطائفة وعمت عليهم بركته وقد سمعنا الكثير ببلبيس على أبي الطاهر إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن علي بن سيف بإجازته منه
قال الذهبي وما كان في زمانه أحفظ منه
قلت وأما ورعه فأشهر من أن يحكى
وقد درس بالآخرة في دار الحديث الكاملية وكان لا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة حتى إنه كان له ولد نجيب محدث فاضل توفاه الله تعالى في حياته ليضاعف له في حسناته فصلى عليه الشيخ داخل المدرسة وشيعه إلى بابها ثم دمعت عيناه وقال أودعتك يا ولدي لله وفارقه سمعت أبي رضي الله عنه يحكي ذلك وسمعته أيضا يحكي عن الحافظ الدمياطي أن الشيخ مرة خرج من الحمام وقد أخذ منه حرها فما أمكنه المشي فاستلقى على الطريق إلى جانب حانوت فقال له الدمياطي يا سيدي أما أقعدك على
مصطبة الحانوت وكان الحانوت مغلقا فقال في الحال وهو في تلك الشدة بغير إذن صاحبه كيف يكون وما رضي
وسمعت أبي رضي الله عنه أيضا يحكي أن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام كان يسمع الحديث قليلا بدمشق فلما دخل القاهرة بطل ذلك وصار يحضر مجلس الشيخ زكي الدين ويسمع عليه في جملة من يسمع ولا يسمع وأن الشيخ زكي الدين أيضا ترك الفتيا وقال حيث دخل الشيخ عز الدين لا حاجة بالناس إلي
ومن شعره

توفي في الرابع من ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة وهي السنة المصيبة بأعظم المصائب المحيطة بما فعلت من المعائب المقتحمة أعظم الجرائم الواثبة على أقبح العظائم الفاعلة بالمسلمين كل قبيح وعار النازلة عليهم بالكفار المسمين بالتتار
ولا بأس بشرح واقعة التتار على الاختصار وحكاية كائنة بغداد لتعتبر بها البصائر وتشخص عندها الأبصار وليجري المسلمون على ممر الزمان دموعهم دما وليدري المؤرخون بأنهم ما سمعوا بمثلها واقعة جعلت السماء أرضا والأرض سما
فنقول استهلت سنة أربع وخمسين وستمائة وخليفة المسلمين إذ ذاك أمير المؤمنين المستعصم بالله الإمام أبو أحمد عبد الله الشهيد بن المستنصر بالله أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور بن الظاهر بأمر الله أبي النصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بالله أبي محمد الحسن ابن الإمام المستنجد بالله أبي المظفر يوسف ابن الإمام المقتفي لأمر الله
أبي عبد الله محمد ابن الإمام المستظهر بالله أحمد ابن الإمام المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله ابن الأمير ذخيرة الدين أبي العباس محمد ابن الإمام القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله ابن الإمام القادر بالله أبي العباس أحمد ابن ولي العهد الأمير إسحاق ابن الإمام المقتدر بالله أبي الفضل جعفر ابن الإمام المعتضد بالله أبي العباس أحمد ابن ولي العهد أبي أحمد طلحة الموفق بالله ابن الإمام المتوكل على الله جعفر ابن الإمام المعتصم بالله أبي اسحاق محمد ابن الإمام أمير المؤمنين هارون الرشيد ابن الإمام أمير المؤمنين المهدي بالله أبي عبد الله محمد ابن الإمام المنصور أبي جعفر عبد الله أمير المؤمنين أخي أول خلفاء العباس أمير المؤمنين أبي العباس عبد الله السفاح بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أجمعين
وكان المستنصر والد المستعصم ذا همة عالية وشجاعة وافرة ونفس أبية وعنده إقدام عظيم واستخدم جيوشا كثيرة وعساكر عظيمة وكان له أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشجاعة والشهامة وكان يقول إن ملكنى الله الأرض لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وانتزع البلاد من التتار وأستأصلهم فلما توفي المستنصر كان الدويدار والشرابي أكبر الأمراء وأعظمهم قدرا فلم يريا تقليد الخفاجي الأمر خوفا منه وآثروا المستعصم علما منهما بلينه وانقياده وضعف رأيه لتكون لهما الكبرياء فأقاموه واستوزر مؤيد الدين محمد بن محمد بن علي العلقمي وكان فاضلا أديبا وكان شيعيا رافضيا في قلبه غل على الإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به
وكان ابن العلقمي معاديا للأمير أبي بكر بن الخليفة وللدويدار لأنهما كانا من أهل السنة ونهبا الكرخ ببغداد حين سمعا عن الروافض أنهم تعرضوا لأهل السنة وفعلا بالروافض أمورا عظيمة ولم يتمكن الوزير من مدافعتهما لتمكنهما فأضمر في نفسه الغل وتحيل في مكاتبة التتار وتهوين أمر العراق عليهم وتحريضهم على أخذها ووصل من تحيله في المكاتبة إليهم أنه حلق رأس شخص وكتب عليه بالسواد وعمل على ذلك دواء صار المكتوب فيه كل حرف كالحفرة في الرأس ثم تركه عنده حتى طلع شعره وأرسله إليهم وكان مما كتبه على رأسه إذا قرأتم الكتاب فاقطعوه فوصل إليهم فحلقوا رأسه وقرءوا ما كتبه ثم قطعوا رأس الرسول
وكتب الوزير إلى نائب الخليفة بإربل وهو تاج الدين محمد بن صلايا وهو أيضا شيعي رسالة يقول فيها نهب الكرخ المكرم والعترة العلوية وحسن التمثيل بقول الشاعر
فلهم أسوة بالحسين حيث نهب حريمه وأريق دمه
وقد عزموا لا أتم الله عزمهم ولا أنفذ أمرهم على نهب الحلة والنيل بل سولت لهم أنفسهم أمرا فصبر جميل والخادم قد أسلف الإنذار وعجل لهم الإعذار
قلت وهذه الأبيات كلها في غاية الحسن خاطب بها علوان بن المقنع أمير المؤمنين وهي
فكان جوابي بعد خطابي لا بد من الشنيعة بعد قتل جميع الشيعة ومن إحراق كتاب الوسيلة والذريعة فكن لما نقول سميعا وإلا جرعناك الحمام تجريعا إلى أن يقول فلأفعلن بلبي كما قال المتنبي
ولآتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولأخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون
فكن لهذا الأمر بالمرصاد وترقب أول النحل وآخر صاد
ذكر أمور كانت مقدمات لهذه الواقعة
لما كان الخامس من جمادى الآخرة من هذه السنة كان ظهور النار بالمدينة النبوية وقبلها بليلتين ظهر دوى عظيم ثم زلزلة عظيمة ثم ظهرت تلك النار في الحرة قريبا من قريظة يبصرها أهل المدينة من الدور وسالت أودية منها بالنار إلى وادي شظا سيل الماء وسالت الجبال نيرانا وسارت نحو طريق الحاج العراقي فوقفت وأخذت تأكل الأرض أكلا ولها كل يوم صوت عظيم من آخر الليل إلى ضحوة واستغاث الناس بنبيهم صلى الله عليه وسلم وأقلعوا عن المعاصي واستمرت النار فوق الشهر وهي مما أخبر بها المصطفى صلوات الله عليه حيث يقول لا تقوم الساعة حتى
تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الإبل ببصرى وقد حكى غير واحد ممن كان ببصرى بالليل ورأى أعناق الإبل في ضوئها
غرق بغداد
زاد الدجلة زيادة مهولة فغرق خلق كثير من أهل بغداد ومات خلق تحت الهدم وركب الناس في المراكب واستغاثوا بالله وعاينوا التلف ودخل الماء من أسوار البلد وانهدمت دار الوزير وثلثمائة وثمانون دارا وانهدم مخزن الخليفة وهلك شيء كثير من خزانة السلاح
حريق المسجد النبوي الشريف
وفي ليلة الجمعة مستهل شهر رمضان احترق مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابتداء حريقه من زاويته الغربية فأحرقت سقوفه كلها وذاب رصاصها ووقع بعض أساطينه واحترق سقف الحجرة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
ذكر خروج هولاكو بن قان تولى بن جنكزخان
اجتمع هو وعساكره التى لا يحصى عددها ولا يدرك مددها ولا يعدد عددها ولا يدرك وإن تأمل الطرف أمدها في مجلس المشورة واتفقوا على الخروج في يوم معلوم فسار في المغول من الأردو على مهله يقتلع القلاع ويملك الحصون وأطاع الله له البلاد والعباد وصار لا يصبح يوم إلا وسعده في ازدياد حتى إنه حلق في يوم على صيد فاصطاد ثمانية من السباع فأنشد بعضهم إذ ذاك
وملك قلاع الإسماعيلية كلها وجميع بلاد الروم وصار لا يمر بمدينة إلا وصاحبها بين أمرين إما مطيع فيقدم إلى مخيم هولاكو وهو مخيم عظيم المنظر كبير الحشمة معمول من الأطلس الأخمر تحتوشه جنود القندس والقاقم فيقبل الأرض وينعم عليه بما يقتضيه رأيه ثم يخرب بلاده التي كان فيها ويصيرها قاعا صفصفا على قاعدة جده جنكزخان ويكون المتولى لخرابها هو ذلك الملك وإما عاص وقل وجدان ذلك فلا يعصى عليه غير ساعات معدودة ثم يحيط به القضاء المقدور ويحول بين رأسه وعنقه الصارم المشهور
وتوجهت الملوك على اختلاف ندائها وامتناع سلطانها وعظم مكانها إلى عتباته فمنهم من أمنه وأعطاه فرمانا ورجعه إلى بلده ومنهم من فعل به غير ذلك على ما يقتضيه البأساء التي أخبر عنها شيطان جده وابتدعها من عنده كل ذلك والخليفة غافل عما يراد به
ثم تواترت الأخبار بوصول هولاكو إلى أذربيجان بقصد العراق وكاتب صاحب الموصل لؤلؤ الخليفة يستنهضه في الباطن وما وسعه إلا مداراة هولاكو في الظاهر وأرسل الخليفة نجم الدين البادرائي رسولا إلى الملك الناصر صاحب دمشق يأمره بمصالحة الملك المعز وأن يتفقا على حرب التتار فامتثلا أمر الخليفة وفيما بين ذلك تأتي الكتب إلى الخليفة فإن وصلت ابتداء إلى الوزير لم يوصلها إليه وإن وصلت إلى الخليفة أطلع الوزير فيثبطه ويغشه حين يستنصحه
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وستمائة وفيها مات الملك المعز أيبك التركماني صاحب مصر وتسلطن بعده ولده الملك المنصور علي بين أيبك وترددت رسل هولاكو إلى بغداد وكانت القرابين منهم واصلة إلى ناس بعد ناس من غير تحاش منهم في ذلك ولا خفية والناس في غفلة عما يراد بهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا
ثم دخلت سنة ست وخمسين وستمائة ذات الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وكان القان الأعظم هولاكو قد قصد الألموت وهو معقل الباطنية الأعظم وبها المقدم علاء الدين محمد بن جلال الدين حسن الباطني المنتسب في مذهبه إلى الفاطميين العبيديين فتوفي علاء الدين ونزل ولده إلى خدمة هولاكو وسلم قلاعه فأمنه
ثم وردت كتب هولاكو إلى صاحب الموصل لؤلؤ في تهيئة الإقامات والسلاح فأخذ يكاتب الخليفة سرا ويهيء لهم ما يريدون جهرا والخليفة لا يتحرك ولا يستيقظ فلما أزف اليوم الموعود وتحقق أن العدم موجود جهز رسوله يعدهم بأموال عظيمة ثم سير مائة رجل إلى الدربند يكونون فيه ويطالعونه بالأخبار فقتلهم التتار أجمعين وركب السلطان هولاكو إلى العراق وكان على مقدمته بايجو نوين وأقبلوا من جهة البر الغربي عن دجلة فخرج عسكر بغداد وعليهم ركن الدين الدويدار فالتقوا على نحو مرحلتين من بغداد وانكسر البغداديون وأخذتهم السيوف وغرق بعضهم في الماء وهرب الباقون ثم ساق بايجو نوين فنزل القرية مقابل دار الخلافة وبينه وبينها دجلة وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سورا على عسكره وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورد إلى المستعصم وقال إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية وينصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه
فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى باب الطاغية هولاكو ولا حول ولا قوة إلا باالله العلي العظيم فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربوا أعناقهم وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلب
أولاده فضرب أعناقهم وأما الخليفة فقيل إنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر به ليقتل فقيل لهولاكو إن هذا إن أهريق دمه تظلم الدنيا ويكون سبب خراب ديارك فإنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبين الحكيم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس على المسلمين فقيل إن الخليفة غم في بساط وقيل رفسوه حتى مات ولما جاءوا ليقتلوه صاح صيحة عظيمة وقتلوا أمراءه عن آخرهم ثم مدوا الجسر وبذلوا السيف ببغداد واستمر القتل ببغداد بضعا وثلاثين يوما ولم ينج إلا من اختفى
وقيل إن هولاكو أمر بعد ذلك بعد القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف النصف من ذلك تسعمائة ألف غير من لم يعد ومن غرق ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئا وقد مات الكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثم حفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدار فيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بها خبيئة ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وأن يفعل معهم المسلمون ذلك في شهر رمضان فألزم المسلمون بالفطر في رمضان وأكل الخنزير وشرب الخمر ودخل هولاكو إلى دار الخليفة راكبا لعنه الله واستمر على فرسه إلى أن جاء إلى سدة الخليفة وهي التي تتضاءل عندها الأسود ويتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها وانتهك الحرم من بيت الخليفة وغيره
وأعطى دار الخليفة لشخص من النصارى وأريقت الخمور في المساجد والجوامع ومنع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
هذه بغداد لم تكن دار كفر قط جرى عليها هذا الذي لم يقع منذ قامت الدنيا مثله وقتل الخليفة وإن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف له هوان الدين والبلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين وهذا أمر قدره الله تعالى فثبط له عزم هذا الخليفة ليقضي الله ما قدره
ولقد حكي أن الخليفة كان قاعدا يقرأ القرآن وقت الإحاطة بسور بغداد فرمى شخص من التتار بسهم فدخل من شرفات المكان الذي كان فيه وكانت واحدة من بناته بين يديه فأصابها السهم فوقعت ميتة
ويقال كتب الدم على الأرض إذا أراد الله أمرا سلب ذوي العقول عقولهم وإن الخليفة قرأ ذلك وبكى وإن هذا هو الحامل على أن أطاع الوزير في الخروج إليهم
ولله ما فعلت زوجة أمير المؤمنين قيل إن هولاكو دعاها ليواقعها فشرعت تقدم له تحف الجواهر وأصناف النفائس تشغله عما يرومه فلما عرفت تصميمه على ما عزم عليه اتفقت مع جارية من جواريها على مكيدة تخيلتها وحيلة عقدتها فقالت لها إذا نزعت ثيابك وأردت أن أقدك نصفين بهذا السيف فأظهري جزعا عظيما فأنا إذ ذاك أقول لك افعلي أنت هذا بي فإن هذا سيف من ذخائر أمير المؤمنين وهو لا يؤثر إذا ضرب به ولا يجرح شيئا فإذا أنت ضربتيني فليكن الضرب بكل قواك على نفس المقتل
ثم جاءت إلى هولاكو وقالت هذا سيف الخليفة وله خصوصية وهي أنه يضرب به الرجل فلا يجرحه إلا إذا كان الضارب الخليفة ثم دعت الجارية وقالت أجرب بين يدي السلطان فيها فلما عاينت الجارية السيف مصلتا والضرب آتيا صاحت صيحة عظيمة وأظهرت الجزع شديدا فقالت السيدة رضى الله عنها ويلك أما علمت أنه سيف أمير المؤمنين مالك أتخشينه أما تعرفينه خذيه واضربيني به فأخذته فضربتها به فقدتها نصفين وماتت وما ألمت بعار ولا جعلت فراش ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشا للكفار فتحسر هولاكو وعلم أنها مكيدة
وقد رأيت مثل هذه الحكاية جرى في الزمن الماضي لبعض الصالحات راودها عن نفسها بعض الفاجرين كما حكى ذلك الدبوسي من الحنفية في كتابه روضة العلماء
ويحكى أن شخصا من أهل مصر قال كنت نائما حين بلغ خبر بغداد وأنا متفكر كيف فعل الله ذلك فرأيت في المنام قائلا يقول لا تعترض على الله فهو أعلم بما يفعل فاستيقظت واستغفرت الله تعالى
وأما الوزير فإنه لم يحصل على ما أمل وصار عندهم أخس من الذباب وندم حيث لا ينفعه الندم ويحكى أنه طلب منه يوما شعير فركب الفرس بنفسه ومضى ليحصله لهم وهذا يشتمه وهذا يأخذ بيده وهذا يصفعه بعد أن كانت السلاطين تأتي فتقبل عتبة داره
والعساكر تمشي في خدمته حيث سار من ليله ونهاره وأن امرأة رأته من طاق فقالت له يا ابن العلقمي هكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين فخجل وسكت وقد مات غبنا بعد أشهر يسيرة ومضى إلى دار مقبره ووجد ما عمل حاضرا
وأما ابن صلايا نائب إربل فإن هولاكو ضرب عنقه
ثم جاءت رسل هولاكو إلى الملك الناصر صاحب الشام وصورة كتابه إليه يعلم سلطان ملك ناصر أنه لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدموها فأعدمناهم أجمعين ذلك بما قدمت أيديهم وبما كانوا يكسبون وأما ما كان من صاحب البلدة فإنه خرج إلى خدمتنا ودخل تحت عبوديتنا فسألناه عن أشياء كذب فيها فاستحق الإعدام أجب ملك البسيطة ولا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات فساعة وقوفك على كتابنا نجعل قلاع الشام سماءها أرضا وطولها عرضا وأرسل غير ما كتاب في هذا المعنى
ثم في سنة سبع وخمسين وستمائة نزل على آمد وبعث إلى صاحب ماردين يطالبه فجعل صاحبها يتعلل بالمرض وأرسل أولاده وهداياه جهرا إلى هولاكو وأرسل في الباطن يستحث الملك الناصر على محاربة التتار ثم عبر له جيش عظيم إلى الفرات بعد أن استولى على حران والرها والجزيرة فجاء الخبر إلى صاحب حلب فجفل الناس بها
وعظم الخطب وعم البلاء ثم قاربوا حلب فخرج إليهم جماعة من عسكرها فهزموهم ونازلوا البلدة وقتلوا خلقا كثيرا ثم رحلوا عنها طالبين أعزاز وكان المقدم على هذا الجيش أسموط بن هولاكو ثم عبر هولاكو الفرات بنفسه في المحرم سنة ثمان وخمسين وستمائة ونازلت عساكره حلب وركبوا الأسوار من كل ناحية بعد أن نقبوا وخندقوا فهرب المسلمون إلى جهة القلعة وبذلت التتار السيف في العالم وامتلأت الطرقات بالقتلى وبقي القتل والنهب والحريق إلى رابع عشر صفر ثم نودي برفع السيف وأذن المؤذنون يومئذ بالجامع وأقيمت الخطبة والصلاة ثم أحاطوا بالقلعة وحاصروها
وأرسل صاحب حلب إلى الملك الناصر صاحب الشام يستحثه ووصل الخبر إلى دمشق بأخذهم حلب فهرب الملك الناصر بعد أن كان جبى الأموال وجمع الجموع ونزل على برزة بعساكر عظيمة ثم رأى العجز فهرب ووصلت رسل التتار إلى دمشق وقرئ الفرمان بأمان أهل دمشق وما حواليها
وأما حماة فإن صاحبها كان حضر إلى برزة ليتجهز مع الملك الناصر فلما سمع أهل البلد في غيبته بأخذ حلب أرسلوا إلى هولاكو يسألون عطفه وسلموا البلد وهرب صاحب حماة مع الملك الناصر فسارا نحو مصر فلما وصلا قطيا تقدم صاحب حماة وهو الملك المنصور ودخل مصر وبقى الناصر في عسكر قليل فتوجهوا إلى تيه بني إسرائيل خوفا من المصريين
وأما التتار فوصلوا إلى غزة واستولوا على ما خلفهم وتسلموا قلعة دمشق وجعلوا بها نائبا ثم تفرقوا في بلاد الشام يفعلون ما يختارون وطافوا في دمشق برأس
الملك الكامل الشهيد صاحب ميافارقين وقد كانوا حاصروه سنة ونصفا وما زال ظاهرا عليهم إلى أن فنى أهل البلد لفناء الأقوات
ثم سار الناصر وأخوه وحاشيته إلى هولاكو وكان جاء كتاب هولاكو قبل وصوله إلى دمشق فقرئ بدمشق وصورته أما بعد فنحن جنود الله بنا ينتقم ممن عتا وتجبر وطغى وتكبر ونحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد وقتلنا النساء والأولاد فأيها الباقون أنتم بمن مضى لاحقون وأيها الغافلون أنتم إليهم تساقون ونحن جيوش الهلكة لا جيوش الملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لا يرام ونزيلنا لا يضام وعدلنا في ملكنا قد اشتهر ومن سيوفنا أين المفر
ونحن إليكم صائرون ولكم الهرب وعلينا الطلب
دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأهلكنا العباد وأذقناهم العذاب
وشمخت النصارى بدمشق وصاروا يرفعون الصليب ويمرون به في الأسواق والخمر معهم يرشونه على المساجد والمصلين ومن رأى الصليب ولا يقوم له عاقبوه
وأما المصريون فإنه سلطنوا الملك المظفر قطز واجتمعوا وطلبوا شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام وحضر إليهم بيبرس البندقداري يستحثهم ويهون عليهم

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 8- ص: 259

عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعيد، الإمام العالم العلامة الحافظ، أبو محمد زكي الدين المنذري الشافعي المصري.
سمع الكثير، ورحل، وطلب، وصنف، وخرج، واختصر «مسلم» و «سنن أبي داود» و «الترغيب والترهيب» وغير ذلك. توفي سنة ست وخمسين وستمائة، يوم السبت الرابع من ذي القعدة بدار الحديث الكاملة، ودفن بالقرافة، وكان ثقة حجةً زاهداً متحرياً.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 6- ص: 1

عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد الحافظ الكبير الإمام الثبت شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد المنذري الشامي ثم المصري
ولد في غزة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وتفقه وطلب هذا الشأن فبرع فيه وتخرج بالحافظ أبي الحسن بن المفضل وولي مشيخة الكاملية وانقطع بها عشرين سنة
وكان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحراً في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله فقيها بمعرفة غريبه واختلاف ألفاظه إمامًا حجة ثبتاً ورعاً متحرياً وبه تخرج
الشرف الدمياطي
ألف الترغيب والترهيب واختصر صحيح مسلم وسنن أبي داود ومات في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 504

والحافظ المتقن ولي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري المصري الشافعي

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 208

عبد العظيم
ابن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد، الإمام، الحافظ الكبير، الحجة، زكي الدين، أبو محمد، المنذري، الشامي، ثم المصري.
ولد في شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
وقرأ القرآن بالسبع، وتفقه، وعني بهذا الشان، وبرع فيه، وكان من بحور العلم.
وأول سماعه في سنة إحدى وتسعين.
سمع أبا عبد الله الأرتاحي، وعبد المجيب بن زهير، والحافظ أبا الحسن المقدسي، وصحبه، وتخرج به، وسمع بدمشق من ابن طبرزد، والكندي، ومحمد بن الزنف، وسمع بحران والإسكندرية والرها، والمدينة، وبيت المقدس.
وعمل ’’المعجم’’، واختصر ’’صحيح مسلم’’، و’’سنن أبي داود’’، وجمع وصنف.
حدث عنه: الدمياطي، وابن الظاهري، وابن دقيق العيد، وأبو الحسين اليونيني، وإسحاق بن الوزيري، وخلق.
درس بالجامع الظافري بالقاهرة، ثم ولي مشيخة الكاملية، وانقطع بها ينشر العلم عشرين سنة.
قال الشريف عز الدين الحافظ: كان شيخنا زكي الدين عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه، عالماً بصحيحه وسقيمه، ومعلوله وطرقه، متبحراً في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيماً بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إماماً، حجة، ثبتاً، ورعاً، متحرياً فيما يقوله، متثبتاً فيما يرويه، قرأت عليه قطعةً حسنة من حديثه، وانتفعت به انتفاعاً كثيراً.
وقال الدمياطي: هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئاً، وفارقته معيداً له في الحديث.
قال: وتوفي في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مئة.
وفيها: مات تحت السيف خلقٌ لا يحصون ببغداد، منهم: الخليفة المستعصم بالله. والعلامة الأديب الزاهد سيد الشعراء جمال الدين يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري الحنبلي الضرير. والعلامة محيي الدين يوسف ابن الشيخ الإمام جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي. ومات بالإسكندرية العلامة المحدث أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي، وله ثمان وسبعون سنة. والملك الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل. والصاحب البهاء زهير بن محمد بن علي المهلبي الشاعر. والمسند أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي ابن خطيب القرافة الناسخ. والشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي. وأبو حفص عمر بن أبي نصر بن عوة الجزري التاجر. والمقرئ العلامة شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي، وله ثلاث وثلاثون سنة. والمسند خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدير الحنبلي. وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف الفاسي بحلب.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 4- ص: 1

عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللَّه الحافظ زكي الدين أبو محمد.
المنذري الشامي ثم المصري، ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بمصر، أتقن القراءات وبرع في العربية والفقه، وتفقه على أبى القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشى، وسمع الحديث من جماعة منهم الحافظ على بن المفضل وبه تخرَّج، وله رحل، وخرَّج لنفسه معجماً مفيداً وصنف ’’مختصر السنن’’ وهو مفيد، ’’واختصر صحيح مسلم’’، وخرَّج بعض أحاديث ’’المهذب’’ بأسانيده في مجلد رأيته إلى قبيل البيوع، ورأيت له بعض شرح التنبيه، روى عنه ابن دقيق العيد والدمياطي وغيرهما، ودرَّس بالجامع الطائري المعروف الآن بجامع الفكاهير ثم بالكاملية وانقطع بها عشرين سنة يصنف ويفيد، وما كان يخرج منه إلا لصلاة الجمعة حتى أنه مات له ولد نجيب فصلى عليه بها وشيعه إلى بابها وقال له: أودعتك يا ولدى للَّه وفارقه، وحكى الدمياطى أنه خرج مرة من الحمام وقد أخذ منه حرها فما أمكنه المشى فاستلقى على الطريق إلى جانب حانوت، فقال له: يا سيدى ما أقعدك على مصطبة الحانوت وكان مغلقاً فقال في تلك الشدة بغير إذن صاحبه: كيف يكون. وما رضى، وتخرَّج به -رضي اللَّه عنه- علماء في فنون من العلم، وكان إماماً بارعاً حجة ثقة، مات سنة ست وخمسين وستمائة ورثاه الناس. ومن شعره:-

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1