المقبلي صالح بن مهدي بن علي المقبلي: مجتهد من اعيان الفقهاء. ولد في قرية مقبل (في جهة لاعة، من بلاد كوكبان، باليمن، في الشمال الغربي من صنعاء) ونشأ في ثلا وتعلم فيها وفي كوكبان. وكان على مذهب الامام زيد، فنبذ التقليد. وناظره بعض المشايخ بصنعاء، فأدت المناظرة إلى المنافرة، فعاف المقام باليمن، فرحل بأهله إلى مكة (سنة 1080 هـ) فأشتهر، وكتب فيها مؤلفاته، وتوفي بها. من كتبه (العلم الشامخ في ايثار الحق على الاباء والمشايخ - ط) و (الابحاث المسددة في مسائل متعددة’’ و: ولاتحاف لطلبة الكشاف’’ انتقد فيه كشاف الزمخشري، في التفسير، و (المنار على البحر الزخار - خ) في فقه الزيدية. وكان كثير الحط على المعتزلة، في بعض المسائل الكلامية، وعلى الشعرية في بعض اخر، وعلى الصوفية في غالب مسائلهم، وعلى المحدثين في نواحي غلوهم، ولايبالي بمن يخالفه، حين يجد الدليل، كائنا من كان 1.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 197

صالح بن مهدي بن علي بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن عبد الله ابن سليمان بن أسعد بن منصور المقبلي ثم الصنعاني ثم المكي
ولد في سنة 1047 سبع وأربعين وألف في قرية المقبل من أعمال بلاد كوكبان وأخذ العلم عن جماعة من أكابر علماء اليمن منهم السيد العلامة محمد بن إبراهيم بن المفضل كان ينزل للقراءة عليه من مدينة ثلا إلى شبام كل يوم وبه تخرج وانتفع ثم دخل بعد ذلك صنعاء وجرت بينه وبين علمائها مناظرات أوجبت المنافرة لما فيه من الحدة والتصميم على ما تقتضيه الأدلة وعدم الالتفات إلى التقليد ثم ارتحل إلى مكة ووقعت له امتحانات هنالك واستقر بها حتى مات في سنة 1108 ثمان واحدى عشرة مائة كتبت مولده فيما علق بذهني من كتبه فإنه ذكر فيها ما يفيد ذلك وهو ممن برع في جميع علوم الكتاب والسنة وحقق الأصولين والعربية والمعاني والبيان والحديث والتفسير وفاق في جميع ذلك وله مؤلفات مقبولة كلها عند العلماء محبوبة إليهم متنافسون فيها ويحتجون بترجيحاته وهو حقيق بذلك وفي عباراته قوة وفصاحة وسلاسة تعشقها الأسماع وتلتذ بها القلوب ولكلامه وقع في الأذهان قل أن يمعن في مطالعته من له فهم فيبقى على التقليد بعد ذلك وإذا رأي كلاما متهافتاً زيفه ومزقه بعبارة عذبة حلوة وقد أكثر الحط على المعتزلة في بعض المسائل الكلامية وعلى الأشعرية في بعض آخر وعلى الصوفية في غالب مسائلهم وعلى الفقهاء في كثير من تفريعاتهم وعلى المحدثين في بعض غلوهم ولا يبالي إذا تمسك بالدليل بمن يخالفه كائنا من كان فمن مؤلفاته الفائقة حاشية البحر الزخار للإمام المهدي المسماة بالمنار سلك فيها مسلك الإنصاف ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب ولكن قد قيد نفسه بالدليل لا بالقال والقيل ومن كان كذلك فهو المجتهد الذي إذا أصاب كان له أجران وإن أخطأ كان له أجر ومنها العلم الشامخ اعترض فيه على علماء الكلام والصوفية ومنها في الأصول نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب جعله حاشية عليه ذكر فيها ما يختاره من المسائل الأصولية ومنها في التفسير الإتحاف لطلبة الكشاف انتقد فيه على الزمخشري كثيراً من المباحث وذكر ما هو الراجح لديه ومنها الأرواح النوافخ والأبحاث المسددة جمع مباحث تفسيرية وحديثية وفقهية وأصولية ولما وقفت عليه في أيام الطلب كتبت فيه أبياتاً وأشرت فيها إلى سائر مؤلفاته وهي

وقد كان ألزم نفسه السلوك مسلك الصحابة وعدم التعويل على تقليد أهل العلم في جميع الفنون ولما سكن مكة وقف عالمها البرزنجى محمد ابن عبد الرسول المدني على العلم الشامخ في الرد على الآباء والمشايخ فكتب عليه اعتراضات فرد عليه بمؤلف سماه الأرواح النوافخ
فكان ذلك سبب الإنكار عليه من علماء مكة ونسبوه إلى الزندقة بسبب عدم التقليد والاعتراض على أسلافهم ثم رفعوا الأمر إلى سلطان الروم فأرسل بعض علماء حضرته لاختباره فلم يرمنه إلا الجميل وسلك مسلكه وأخذ عنه بعض أهل داغستان ونقلوا بعض مؤلفاته وقد وصل بعض العلماء من تلك الجهة إلى صنعاء وكان له معرفة بأنواع من العلم فلقيته بمدرسة الإمام شرف الدين بصنعاء فسألته عن سبب ارتحاله من دياره هل هو قضاء فريضة الحج فقال لي بلسان في غاية الفصاحة والطلاقة انه لم يكن مستطيعاً وإنما خرج لطلب البحر الزخار للإمام المهدي أحمد بن يحيى لأن لديهم حاشية المنار للمقبلي وقد ولع بمباحثها أعيان علماء جهاتهم داغستان وهي خلف الروم بشهر حسبما أخبرني بذلك قال وفى حال مطالعتهم واشتغالهم بتلك الحاشية يلتبس عليهم بعض أبحاثها لكونها معلقة على الكتاب الذي هي حاشية له وهو البحر فتجرد المذكور لطلب نسخة البحر ووصل إلى مكة فسأل عنه فلم يظفر بخبره عند أحد فلقي هنالك السيد العلامة إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير فعرفه أن كتاب البحر موجود في صنعاء عند كثير من علمائها قال فوصلت إلى هنا لذلك ورايته في اليوم الثاني وهو مكب في المدرسة على نسخة من البحر يطالعها مطالعة من له كمال رغبة وقد سر بذلك غاية السرور وما رأيت مثله في حسن التعبير واستعمال خالص اللغة وتحاشي اللحن في مخاطبته وحسن النغمة عند الكلام فإني أدركت لسماع كلامه من الطرب والنشاط ما علاني معه قشعريرة ولكنه رحمه الله مات بعد وصوله إلى صنعاء بمدة يسيرة ولم يكتب الله له الرجوع بالكتاب المطلوب إلى وطنه والمترجم له مع اتساع دائرته في العلوم ليس له التفات إلى اصطلاحات المحدثين في الحديث ولكنه يعمل بما حصل له عنده ظن صحته كما هو المعتبر عند أهل الأصول مع أنه لا ينقل الأحاديث إلا من كتبها المعتبرة كالأمهات وما يلتحق بها وإذا وجد الحديث قد خرج من طرق وان كان فيها من الوهن ما لا ينتهض معه للاحتجاج ولا يبلغ به إلى رتبة الحسن لغيره عمل به وكذلك يعمل بما كانت له علل حفيفية فينبغي للطالب أن يتثبت في مثل هذه المواطن وقد ذكر في مؤلفاته من أشعاره ولكنها سافلة بخلاف نثره فإنه في الذروة ومن أحسن شعره أبياته التي يقول فيها
وقد أجاب عليه بعض جارودية اليمن بجواب أقذع فيه وأوله
ثم هجاه بعض الجارودية فقال
وبعده بيت أقذع فيه وهكذا شأن غالب أهل اليمن مع علمائهم ولعل ذلك لما يريده الله لهم من توفير الأجر الأخروي وكان ينكر ما يدعيه الصوفية من الكشف فمرضت ابنته زينب في بيته من مكة وكان ملاصقاً للحرم فكانت تخبره وهي من وراء جدار بما فعل في الحرم وكان يغلق عليها مراراً وتذكر أنها تشاهد كذا وكذا فيخرج إلى الحرم فيجد ما قالت حقاً وذكر رحمه الله في بعض مؤلفاته أنه أخذ في مكة على الشيخ إبراهيم الكردي المتقدم ذكره

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 288