أبو زهير مهلهل بن نصير بن حمدان التغلبي استشهد سنة 339 وهو غاز ببلاد الروم.
قال ابن خالويه: أبو زهير مهلهل بن حمدان أفرس العرب وأشعرها قتل الشاري وقد استفحل أمره بديار ربيعة.
وقال: وله شعر مليح أكثره في مكاتبات إلى أبي فراس واجتمع على أبي فراس قوم من العرب ببالس وعلى بالس جيهان بن عرفجة العميري وكثير بن عوسجة القريطي فلقيهما فأظفره الله بهم وقتل وجه بني قريط فكتب إليه أبو زهير مهلهل بن نصر بن حمدان:
يا خير منتجب ينميه خير أب | مخيلتي فيك لم تكذب ولم تخب |
إن كان وجهك لم تخطط عوارضه | فأنت كهل الحجى والفضل والأدب |
وقفت يا ابن سعيد وقفة شهرت | ما زلت أدعوك فيها فارس العرب |
سلي عني سرات بني كلاب | ببالس عند مشتجر العوالي |
لقيناهم بأسياف قصار | كفين مؤونة الأسل الطوال |
وولى بابن عوسجة كثير | وساع الخطو في ضنك المجال |
تدور به أماء بني قريط | وتسأله النساء عن الرجال |
يقلن له السلامة خير غنم | وإن الذل في ذاك المقال |
وجيهان تولت عنه بيض | عدلن إلى الصريح من الموالي |
وعادوا سامعين لنا فعدنا | إلى المعهود من كرم الفعال |
ونحن متى رضينا بعد سخط | أسونا ما جرحنا بالنوال |
لقد سخنت عيون الروم لما | فتحنا عنوة حصن العيون |
وبالصفصاف جرعنا علوجا | شدادا منهم كأس المنون |
ودوخنا بلادهم بجرد | سواهم شزب قب البطون |
عليهم من ربيعة كل قرم | فقيد المثل منقطع القرين |
وأوردها بطن اللقان وظهره | يطأن بها القتل خفاف حواذر |
أخذن بأنفاس الدمستق وابنه | وعثرنا بالسجام من هو عاثر |
وجبن بلاد الروم ستين ليلة | نغاور ملك الروم فيمن نغاور |
تخر لنا تلك المعاقل سجدا | وترمي لنا بالأمر تلك المطامر |
وما زال منا جار خرشنة امرؤ | يراوحها في غارة ويباكر |
ومنا الأغر بن الأغر مهلهل | خليلي إذا ذم الخليل المعاشر |
فإن أدع لللأواء فهو محارب | وإن أسع للعلياء فهو مظافر |
ولما أظل الخوف دار ربيعة | ولم يبق إلا ما حمته الحفائر |
شفى داءها يوم الشراة بوقعة | جدود بني شيبان فيها العواثر |
أيا ظالما أمسى يعاتب منصفا | أتلزمني ذنب المسيء تعجرفا |
بدأت بتنميق العتاب مخافة الـ | ـعتاب وذكرى بالجفا خشية الجفا |
فوافى على علات عتبك صابرا | وألفى على حالات ظلمك منصفا |
وكنت إذا صافيت خلا منحته | بهجرانه وصلا ومن غدره وفا |
فهيج لي هذا الكتاب صبابة | وجدد لي هذا العتاب تأسفا |
فإن أدنت الأيام دارا بعيدة | شفا القلب مظلوم من القلب واشتفى |
فإن كنته أقررت بالذنب ثانيا | وإن كنته أمسكت عنك تألفا |
إلا ما لمن أمسى يراك وللبدر | وما لمكان أنت فيه وللقطر |
تحليت بالتقوى وأفردت بالعلى | وأهلت للجلى وحليت بالفخر |
لقد سمتني لما ابتدأت بمدحتي | يدا لا أؤدي شكرها آخر الدهر |
فإن أنا لم أمنحك صدق مودتي | فما لي إلى المجد المؤثل من غدر |
أيا بن الكرام الغر جاءت كريمة | (أيا بن الكرام الصيد والسادة الغر) |
فضلت بها أهل القريض فأصبحت | تحية أهل البدو مؤنسة الحضر |
وإنك في عذب الكلام وجزله | لتغرف من بحر وتنحت من صخر |
ومثلك معدوم الشبيه من الورى | وشعرك معدوم الشبيه من الشعر |
كأن على ألفاظه ونظامه | بدائع ما حاز الربيع من الزهر |
إلى الله أشكو من فراقك لوعة | طويت لها سر الضلوع على جمر |
وحسرت مشتاق إذا اشتاق قلبه | تعلل بالشكوى وعاد إلى الصبر |
فعد يا زمان القرب في خير عيشة | وأنعم بال ما بدا كوكب دري |
وعش يا ابن نصر ما استهلت غمامة | تروح على عز وتغدو على نصر |
هو الطلل العافي وهاتا معالمه | فبح بهوى من أنت في القلب كاتمه |
وقد كنت ذا علم بما يصنع الهوى | وما جاهل شيئا كمن هو عالمه |
ومن ذاق طعم الحب مثلي فإنه | عليم بأن الحب مر مطاعمه |
وما الغادة الحسناء صينت وإنما | أذيلت من الدمع المصون كرائمه |
وما العيس سارت بالجآذر غدوة | ألا إنما صبري استقلت عزائمه |
وليس بذي وجد فتى كتم الهوى | وليس بصب من ثنته لوائمه |
وقفنا فسقينا المنازل أدمعا | هي الوبل والأجفان منها غمائمه |
لقد جارت الأيام فينا بحكمها | ومن ينصف المظلوم والخصم حاكمه |
وكيف يرجى للكليم إفاقة | إذا ما عدا يوما وآسيه كالمه |
وإني رأيت الدهر أجور حاكم | سواء معاديه معا ومسالمه |
سل الدهر عني هل خنعت لحكمه | وهل راعني أصلاله وأراقمه |
وهل موضع في البر ما جبت أرضه | ولا وطأته من بعيري مناسمه |
ولا صحبتني قط إلا مطيتي | وعضب حسام مخذم الحد صارمه |
وإن انفراد المرء في كل مشهد | لخير من استصحاب من لا يلائمه |
ونحن أناس يعلم الله إننا | إذا جمع الدهر الغشوم شكائمه |
إذا نزل الخطب الجليل فإننا | نصابره حتى تضيق حيازمه |
ونسمح حتى يسأم الأخذ أهله | ونصفح حتى يسأم الجرم جارمه |
وإن جاءنا عاف فأنا معاشر | نشاطره أموالنا ونقاسمه |
بنينا من العلياء مجدا مشيدا | وما شائد مجدا كمن هو هادمه |
سل المجد عنا يعلم المجد إننا | بنا وطدت أركانه ودعائمه |
أخي وابن عمي يا ابن نصر نداء من | أقيمت لطول الهجر منك مآتمه |
فودك ود لا الزمان يبيده | ولا النأي يفنيه ولا الهجر ثالمه |
ولو رمت يوما أن تريم صبابتي | إليك أزال الشوق ما أنا رائمه |
فواعجبا بالسيف لما انتضيته | من الجفن لم يورق بكفك قائمه |
وواعجبا للطرف لما ركبته | غداة الوغى كيف استقلت قوائمه |
بليث إذا ما الليث حاد عن الوغى | وغيث إذا ما للغيث أكدت سواجمه |
تعلم وقيت السوء أن مدامعي | لبعداك مثل العقد أوهاه ناظمه |
وإني مذ زمت ركابك للنوى | شديد اشتياق عازب القلب هائمه |
وقد علم الأقوام إنك يا أبا | زهير بدئ الشعر فينا وخاتمه |
فلا تحسبن عني الجواب موشحا | بعقد من الدر الذي أنت ناظمه |
وقد علمت بما لاقته منا | قبائل يعرب وابنا نزار |
لقيناهم بأرماح طوال | تبشرهم بأعمار قصار |
أأبا الفوارس لو رأيت مواقفي | والخيل من تحت الفوارس تنحط |
لقرأت منها ما تخط يد الوغى | والبيض تشكل والأسنة تنقط |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 167