الشيخ عباس بن ملا علي النجفي ولد سنة 1244 ببغداد وتوفي في أواسط رمضان سنة 1276 بالنجف ودفن في الصحن الشريف تجاه باب الرواق الكبير. كان أبوه من الزهاد المتفقهين والمجتهدين يحيى الليل بالعبادة هاجر سنة 1245 من بغداد إلى النجف وولد العباس رضيع فنشأ في النجف مشغولا بتحصيل العلم والأدب.
وتخرج على الأكثر بالسيد حسين الطباطبائي واختص به وله فيه مدائح كثيرة ثم رجع فأقام قليلا في بغداد ولقي كثيرا من أدبائها وشعرائها مثل عبد الباقي العمري وعبد الغفار الأخرس والشيخ جابر الكاظمي وغيرهم من أدباء وغيرهم من أدباء آل الألوسي وآل جميل وجرت بينه وبين كثير منهم مراسلات ومحاضرات. وقال في (الطليعة) كان فاضلا أديبا جميل الشكل حسن الصوت لطيف المعاشرة وقاد الفهم حاد الذهن وسيما ذا عارضة شديدة وهمة عالية مشاركا في العلوم على صغره وفيه يقول عبد الباقي العمري:
تسامى على الأقران فهو أجلهم | وأكبرهم عقلا وأصغرهم سنا |
عديني وامطلي وعديني | وديني بالصبابة فهي ديني |
ومني قبل بينك بالأماني | فإن منيتي في أن تبيني |
سلي شهب الكواكب عن سهادي | وعن عد الكواكب فاسأليني |
صلي دنفا بحبك أوقفته | نواك على شفا جرف المنون |
أما وهوى ملكت به فؤادي | وليس وراء ذلك من يمين |
لأنت اعز من نفسي عليها | ولست أرى لنفسي من قرين |
أما لنواكم أمد فيقضى | إذا لم تقض عندكم ديوني |
هبوني أن لي ذنبا ومالي | سوى كلفي بكم ذنبا هبوني |
ألست بكم أكابد كل هول | وأحمل في هواكم كل هون |
أصون هواكم والدمع يهمني | دما فيبوح بالسر المصون |
وتعذلني العواذل إذ تراني | أكفكف عارض الدمع الهتون |
أعاذلتي دعي عذلي وذوقي | بهم ما ذقته ثم اعذليني |
يمينا لا سلوتهم يمينا | وشلت إن سلوتهم يميني |
جفوني بعد وصلهم وبانوا | فسحي الدمع ويحك يا جفوني |
لقد طعنوا بقلبي يوم ساروا | فها هو بين هاتيك الظعون |
فمن لميتم اصمت حشاه | سهام حواجب وعيون عين |
إذا ما عن ذكركم عليه | يكاد يغص بالماء المعين |
رهين في يد الأشواق عان | فيا لله للعاني الرهين |
إذا ما الليل جن بكيت شجوا | وطارحت الحمائم في الغصون |
ولو أبقت لي الزفرات صوتا | لأسكت السواج بالحنين |
بنفسي من وفيت لها وخانت | وهيهات الوفي من الخؤون |
أضن على النسيم يهب وهنا | برياها وما أنا بالضنين |
فإن أك دونها شرفا فإني | لأحسب هامة العيوق دوني |
ومن مثلي بيوم وغى وجود | وأي فتى له حسبي وديني |
ومن ذا في المكارم لي يداني | وهل لي في المكارم من قرين |
وكم لي من مآثر كالدراري | وكم فضل خصصت به مبين |
فمن عزم غداة الروع ماض | كحد السيف تحمله يميني |
وحلم لا توازيه الرواسي | إذا ما خف ذو الحلم الرزين |
وبأس عند معترك المنايا | تقاعس دونه أسد العرين |
فها أنا محرز قصب المعالي | وما جاوزت نصف الأربعين |
أنت وحياض الموت بيني وبينها | وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل |
إلام تسر وجدك وهو باد | وتلهج بالسلو وأنت صب |
وتخفي فرط حبك خوف واش | وهل يخفي لأهل الحب حب |
ولولا الحب لم تك مستهاما | على خديك للعبرات سكب |
وإن ناحت على الأغصان ورق | يحن إلى الرصافة منك قلب |
تحن لها وإن لحت اللواحي | وتذكرها وإن غضبوا فتصبوا |
وتصبو للغوير وشعب نجد | وغير الصب لا يصيبه شعب |
نعم شب الهوى بحشاك نارا | وكم للشوق من نار تشب |
تشب ومنزل الأحباب دان | فهل هي بعد الدار تخبو |
أجل بان التجلد يوم بانوا | وأظلم بعدهم شرق وغرب |
فلي من لاعج الزفرات زاد | ولي من سافح العبرات سرب |
وبين القلب والأشجان سلم | وبين النوم والأجفان حرب |
وليس هوى المهى إلا عذاب | ولكن العذاب بهن عذب |
لحا الله الحوادث كم رمتني | بفادحة لها ظهري اجب |
ايثك يا أبا سلمان وجدا | قصاراه عداك الخطب هلك |
وأشكو من جفاك إليك ما بي | وهل شاك إليك ومنك يشكو |
إليك أبا الأمين أبث وجدا | بدايته غشاك الستر هتك |
بنفسي أنت قمت مقام نفسي | لذلك صرت مني إلي تشكو |
كذا وجد والأحسن أن يقول: | (لذا مني إلي غدوت تشكو) |
أبا الحسين برغمي أن أزورك من | فج عميق ولا أحظى بلقياكا |
لكن يهون عندي الخطب أني قد | شاهدت مذ فاتني معناك مغناك |
شام بالأبرقين برقا فهاما | وامق هاج صبوة وغراما |
ذكرته الصبا ليالي انس | سلفت بالحمى فزاد هياما |
حبذا بالحمى زمان تقضى | بين تلك الشعاب لو كان داما |
كم به جاد لي الحبيب بوصل | وبه نلت من زماني المراما |
أفتدي شادنا إذا ما تثنى | أخجل السمر والغصون قواما |
قام يسعى بأكؤس كالدراري | للندامى تنقض جاما فجاما |
فسقاني كأسا به عدت حيا | بعد ما كدت أن ألاقي الحماما |
كاس راح تريح قلب المعنى | أن تجلت له وتبري السقاما |
فترى الشمس أن أدار مداما | وترى البدر أن أماط لثاما |
هاتها هاتها فقد حللتها | حرمات الهوى وكانت حراما |
ذمة للهوى إذا لم تراعيها | فمن ذا الذي يراعي ذمام |
سعد عن لي بذكر الغواني | فالعنا زال والسرور أقاما |
أو ما تبصر الرياض ابتهاجا | اطلعت من جيوبها الاكماما |
وغصون الهنا تميس ارتياحا | وثغور السعود تبدي ابتاسما |
حي بالرقمتين حيا أقاموا | حبذا منزل لهم ومقام |
انعموا بالوصال عيني زمانا | ثم صدوا فصد عنها المنام |
وصلوني حتى إذا ملكوا القلب | جفوني فاعتاد جسمي السقام |
لم يراعوا عند الوداع ذمام | لمحب وللمحب ذمام |
أمن العدل أنهم يوم بانوا | أيقظوا جفني القريح وناموا |
ضربوا في ربى زرود خياما | لا تناءت تلك الربي والخيام |
ما حنيني إلى زرود ولا رامة | لولاكم ما بها لي مرام |
إنما أنتم المنى حيث كنتم | ولقلبي أني أقمتم هيام |
فسلام على الغميم إذا ما | فيه كنتم ولا عداه الغمام |
وإذا في دار السلام أقمتم | فعلى ذلك المقام السلام |
يا خليلي والهوى خلياني | أن مثلي على الهوى لا يلام |
وأسعداني على البكا فجفوني | نزفت ماءها الدموع السجام |
لست أصغي لا والهوى لعذول | كيف يصغي لعاذل مستهام |
أهل ودي هل يسمح الدهر يوما | بلقاكم وتسعف الأيام |
عللونا ولو بطيف خيال | عل يطفى بين الضلوع اوام |
قد سئما من الحياة وملت | لنواكم أرواحها الأجسام |
لم يدع قط صد كم لي حياة | إنما الصد للمحب حمام |
نم دمعي على هواكم والدمع= | على كل ذي هوى نمام |
شاطرتكم عواذلي بعذابي | فتقاسمن جسمي الأسقام |
بي من الوجد والصبابة ما لو | بشمام لماد منه شمام |
كبد بالجوي تشب وجسم | ناحل شفه الجوى والسقام |
وجفون قريحة وسهاد | وعويل وزفرة وضرام |
وفؤاد يحن شوقا إليكم | كلما ناح في الغصون حمام |
لي فيكم بدر سباني سناه | لو تجلى للناسكين لهاموا |
بظلام من فاحم الشعر داج | وجبين ينجاب عنه الظلام |
وقوام تخاله الغصن لينا | أن تثنى سباك ذاك القوام |
لا تطيب المدام عندي ولكن | من لمى ريقه تطيب المدام |
كم رمتنا ألحاظة بسهام | ما درينا أن اللحاظ سهام |
مقل كالحسام تفتك لكن | ليس تنبو يوما وينبو الحسام |
يا حبيبا لديه قتلي مباح | في سبيل الهوى ووصلي حرام |
منك شمس الضحى استمدت سناها | واستعارت ألحاظها الآرام |
يعذب اللوم فيك وهو عذاب | فليلمني بحبك اللوام |
أنت دون الأنام ما لك رقي | وقيادي وتحت رقي الأنام |
لك ألقى الهوى زمامي وقدما | أنا ممن يلقى إليه الزمام |
كيف يستامني الزمان هوانا | أو مثلي على الهوان يسام |
لي نفس تأبى المقام على الذل | ولو أنها هلاها الحسام |
بروحي غريرا بالرصافة قلبه | لدى ظبية لمياء خلفه رهنا |
وقالبه في الكرخ علم أهله | فنون جنون وهو في غيرهم جنا |
له في الهوى العذري عذر إذا لوى | لبان اللوى عطفا وحن على المغنى |
أتشجيه سعدى والرباب وأنه | يحاول أن يقضي اللبانة من لبني |
إذا ما انتضى من جفن عينيه مرهفا | رجوت فؤادي أن يكون له جفنا |
يميت ويحيي هجره ووصاله | فلي قربه أبقى ولي بعده أفنى |
بعيد ويبدي من طوته يد النوى | وأخنى عليه ما على لبد اختى |
تكلم عيناه القلوب بغمزها | وتتلو إلى السلوان أن عدتم عدنا |
وهيهات عن قلبي تطيش سهامه | وقد صار منه قاب قوسين أو أدنى |
يغادرنا والغدر ملء جفونه | ويتركنا ما دام منفصلا عنا |
نحورا بلا عقد كؤوسا بلا طلى | جسوما بلا روح حروفا بلا معنى |
تغيب به عنا إذا كان حاضرا | وأن غاب عنا مثل غيبته غبنا |
ترينا نعيما بعد بؤس شؤونه | فمن سيرة حزنا ومن صورة حسنا |
ومن قسوة لينا ومن سخط رضى | ومن كدر صفوا ومن بخل منا |
تعلمت الحرباء منه تلونا | فتأخذ عنه كل آونة لونا |
يروح ويغدو والقلوب بكفه | فآونة يسرى وآونة يمنى |
هو المشتري الأرواح في نقد وصله | فهل مدع في بيع مهجته الغبنا |
قضيب إذا ما اهتز ظبي اذارنا | سنان إذا ما لاح سهم أذارنا |
بغير جناح طار عني وأنه | لحر وشأن الحر أن يألف الوكنا |
علي تجنى قبل ما ناظري جنى | ورود خدود في يد الفكر لا تجنى |
إذا قلت قلبي أين حل أجابني | فهل لك من كل به تعرف الاينا |
ويبسم عن برق فأبكي بمدمع | إذا شمت ذاك البرق تحسب ذا مزنا |
لقد زارني والليل زر جيوبه | علينا ونام النجم عنا وما نمنا |
وبات يعاطينا سلافة ريقه | فلله ما أحلى ولله ما اهنى |
إلى أن رأينا الليل غطى ذراعه | ضياء نهار صبحه شمر الردنا |
ومد يدا تجني من الزهر نرجسا | حكى من عيون العين مقلتها الوسنى |
تباشره لاحت فصاحت بلابل | وغنى هزار الدوح في الروضة الغنا |
غواني الخيف عن نعت غواني | وعانيهن لا ينفك عاني |
غوان لا يزار لهن مغنى | ولكن في القلوب لها مغاني |
نماني للعلى شرفي وفضلي | إذا قال الغبي أبي نماني |
كفاني أنني لعلاي دانت | بنو العلياء من قاص وداني |
وحسبي أنني من حيث أبدو | أشار الناس نحوي بالبنان |
صبرت على ما لو أطل قليله | على هذه الدنيا أحال نهارها |
فلله دهري ما أشد اعتداءه | ولله نفسي ما أجل اصطبارها |
أيها الخائف المروع قلبا | من وباء أولى فؤادك رعبا |
لذ بأمن المخوف صنو رسول الله | خير الأنام عجما وعربا |
وأحبس الركب في حمى خير حام | حبست عنده بنو الدهر ركبا |
وتمسك بعزه والثم الترب | خضوعا له فبورك تربا |
وإذا ما خشيت يوما مضيقا | فامتحن حبه تشاهده رحبا |
واستثره على الزمان تجده | لك سلما من بعد ما كان حربا |
فهو حصن اللاجي ومنجع الآمل | والملتجى لمن خاف خطبا |
من به تخصب البلاد إذا ما | أمحل العام واشتكى الناس جدبا |
وبه تفرج الكروب وهل من | أحد غيره يفرج كربا |
يا غياثا لكل داع وغوثا | ما دعاه الصريخ إلا ولبي |
وغماما سحت غوادي أياديه | فأزرت بواكف الغيث سكبا |
كيف تغضي وذي مواليك أضحت | للردى مغنما وللموت نهبا |
أو ترضى مولاي حاشاك ترضى | أن يروع الردى لحزبك سربا |
أو ينال الزمان بالسوء قوما | أخلصتك الولا واصفتك حبا |
لست أنحو سواه لا وعلاه | ولو أني قطعت أربا فإربا |
في حماه أنخت رحلي علما | أن من حل جنبه عز جنبا |
لست أعبا بالحادثات ومن | لاذ بآل العبا فذا ليس يعبا |
تذكرت بالزوراء عهدا تقدما | فسالت دموعي عند ذكراه عندما |
فكم لي على الزوراء حسرة مغرم | وهل حسرة تغني على البعد مغرما |
وكم لي بهاتيك المعاهد وقفة | حبست بها ركبي عشيا مسلما |
أبث بها وجدي وتعرب عن جوى | دموعي فيغدو الرسم بالنقط معجما |
خليلي عوجا بالركاب على حمى | نأى لا نأى حيا الحيا ذلك الحمى |
قفا بي ولو لوث الإزار لعلما | نروي ثراها بالدموع لعلما |
قفا علنا نقضي ولو بعض حقها | وننشد أطلالا تعفت وارسما |
نناشد عجما من طلول دوارس | وهل لفصيح أن يناشد أعجما |
لعل زمانا بالرصافة عائد | وهل نافع قولي لعل وليتما |
سقاها الحيا ما كان أطيبها لنا | وما كان أهنا العيش فيها وأنعما |
ونسم في أرجائها نفس الصبا | يضوع أريج المسك من حيث نسما |
فيا طالما دهري بها كان مشرقا | وأن هو أمسى بعدها اليوم مظلما |
ليالي بتنا لا نراقب عندها | رقيبا ولا نخشى وشاة ولوما |
فيا لفؤاد غادرته يد الهوى | للحظ عيون العين نهبا مقسما |
ومن ذا لأجفان على السهد عودت | وحاربها طيب الهوى أن تهوما |
وقائلة خفض عليك فللهوى | شؤون وأن كنت المشوق المتيما |
لئن صد حينا من تحب فطالما | عليك بوصل جاد دهرا وأنعما |
ويا رب أمر ساء ليلا فما انجلى | له الصبح حتى عاد بالبشر معلما |
وهل يستطيع الصبر صب متيم | أخو مقلة عبري جرى دمعها دما |
ألم تعلمي أني وأن جئت آخرا | إذا عد أهل الحب كنت المقدما |
أما والهوى العذري حلفة صادق | يبر إذا آلى يمينا وأقسما |
لئن خانني في الحب من لا أخونه | فودي له هيهات أن يتصرما |
لحا الله دهرا لو أصابت يلملما | حوادثه يوما لهدت يلملما |
أيحسبني أرضى بعيش مذمم | وما الموت إلا أن أعيش مذمما |
ولي نفس حر لو رأت أن ريها | يشاب بضيم لاستمرت على الظما |
ولا حملتني الخيل أن لم أخض بها | غمار المنايا وهي فاغرة فما |
وإن لم تغص البيد مني بفيلق | فلا حملت كفي لدى الروع مخذما |
لي الله كم لي وقفة بعد وقفة | مع الدهر ردت علا الدهر أجذما |
على أنها الأيام لا در درها | إذا نحتك الشهد دافته علقما |
ومذ لم أجد في الدهر من ملجأ سوى | أبي محسن يحمي النزيل ولا حمى |
أنخت به رحلي على رغم حاسد | وما زلت آناف الحواسد مرغما |
مليك له ألقى الزمان قياده | فأشرق من داجيه ما كان مظلما |
هو البحر زخارا هو البدر مشرفا | هو الغيث هطالا هو الليث مقدما |
أخو راحة تهمي وتلثم تارة | فما خلقت إلا لتهمي وتلثما |
فتى لم يزل مغرى بمجد وسؤدد | إذا كان مغرى غيره في هوى الدمى |
ألا بأبي من تيم القلب حبها | وأسقمني والحب يضني ويسقم |
مهاة بنفسي افتديها وأسرتي | وأن لامني فيها وشاة ولوم |
من العدل أن لا سهم لي من وصالها | وفي كبدي منها على البين أسهم |
فهل علمت ماذا يقاسي بحبها | أخو كلف فيها معنى متيم |
براه هواها وهو يكتم ما به | من الوجد لو أن الهوى كان يكتم |
يروح ويغدو من هواها على جوى | ممض ودمع فاض أكثره دم |
فما بين دمع من دم القلب مسبل | ونار جوى بين الجوانح تضرم |
بها لم يزل بادي الصبابة مغرما | وما كل من أبدى الصبابة مغرم |
تخالف منه القلب والجسم مذ نأت | فذا منجد شوقا وذياك متهم |
لقد كان يرضى بالخيال مسلما | ولكن جفا حتى الخيال المسلم |
من لصب لا يرى عنكم براحا | سامه الدهر على الرغم انتزاحا |
بحشاه لعبت أيدي الهوى | فغدا في طاعة الشوق وراحا |
شد ما أمسى يعاني دنف | أثخنته أسهم البين جراحا |
تترامى قلص العيس به | فربى طورا وأطوارا بطاحا |
ود من طول النوى لو أنه | قبلها مات ولو مات استراحا |
حبذا العيش بجرعاء الحمى | فلقد كان بها العيش رغيدا |
لا عدا الغيث رباها فلكم | أنجز الدهر لنا فيها الوعودا |
ولكم فيها قضينا وطرا | وسحبنا للهوى فيها برودا |
يا رعى الله الدمى كم غادرت | من عميد وأله القلب عميدا |
ولكم قاد هواها سيدا | فغدا قسرا على الرغم مسودا |
وبنفسي غادة مهما رنت | أخجلت سرب المها عينا وجيدا |
جرحت ألحاظها الأحشاء مذ | جرحت ألحاظنا منها الخدود |
رصدت كنز لئالي ثغرها | بأفاع أرسلتهن جعودا |
وحمت ورد لماها بظبا | من لحاظ تورد الحتف الاسودا |
يا مهاة بين سلع والنقا | سلبت رشدي وقد كنت الرشيدا |
ولقتلي عقدت تيها على | قدها اللدن من الشعر بنودا |
ما سبتني البيض لولاك وأن | كن عينا قاصرات الطرف غيدا |
يا رعاها الله من غادرة | جحدت ودي ولم ترع العهودا |
منعت طرفي الكرى من بعدما | كان من وجنتها يجني الورودا |
ما الذي ضرك لو عدت فتى | عد أيام اللقا يا مي عيدا |
وتعطفت على ذي أرق | لم تذق بعدك عيناه الهجودا |
كم حسود فيك قد أرغمته | فعلام بي أشمت الحسودا |
جدت بالنفس وضنت باللقا | فبفيض الدمع يا عيني جودا |
نظمت ما نثرته أدمعي | من لئال كثناياها عقودا |
يا نزولا بزرود وهم | في سويداي وأن حلوا زرودا |
قد مضت بيضا ليالينا بكم | وغدت بعدكم الأيام سودا |
كنت قبل أشكو صدكم | ثم بنتم فتمنيت الصدودا |
هل لأيام النوى أن تنقضي | ولأيام تقضت أن تعودا |
أو قد البين بقلبي جذوة | كلما هبت صبا زادت وقودا |
عللونا بلقاكم فالحشا | أوشكت بعد نواكم أن تبيدا |
وإذا عن لقلبي ذكركم | خدد الدمع بخدي خدودا |
شد ما كابدت من يوم النوى | أنه كان على القلب شديدا |
ناشدوا ريح الصبا عن كلفي | أنها كانت لأشواقي بريدا |
أنا ذاك الصب والعاني الذي | بهواكم لم يزل صبا عميدا |
حلت عن نهج الوفا يامي أن | أنا حاولت عن الحب محيدا |
وإذا ما أخلق النأي الهوى | فغرامي ليس ينفك جديدا |
لم يدع بينكم لي جلدا | ولقد كنت على الدهر جليدا |
من عذيري من هوى طل دمي | وصدود جرع القلب صديدا |
بي من الأشجان ما لو أنه | بالرواسي الشم كادت أن تميدا |
لو طلبتم لي مزيدا في الهوى | ما وجدتم فوق ما بي مزيدا |
خذ بالبكاء فما عليك ملام | فلقد عفا للظاعنين مقام |
وألم بي بالسفح من وادي الغضا | لو كان يجدي في الجوى الإلمام |
لله بالزوراء أي رزية | ماد العراق لوقعها والشام |
من بعد بعدك قل على الدنيا العفا | وعلى المعالي والعلوم سلام |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 419