أبو علي الثقفي الإمام المحدث الفقيه العلامة الزاهد العابد، شيخ خراسان، أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن ابن عبد الوهاب، الثقفي النيسابوري الشافعي الواعظ، من ولد الحجاج.
مولده بقهستان في سنة أربع وأربعين ومائتين.
سمع من: محمد بن عبد الوهاب الفراء، وموسى بن نصر الرازي، وأحمد بن ملاعب الحافظ، ومحمد بن الجهم السمري، وطبقتهم. سمع في كبره.
حدث عنه: أبو بكر الصبغي، وأبو الوليد الفقيه، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد الحاكم، وآخرون.
قال الحاكم: شهدت جنازته، فلا أذكر أني رأيت بنيسابور مثل ذلك الجمع، وحضرت مجلس وعظه، وأنا صغير، فسمعته يقول في دعائه: إنك أنت الوهاب الوهاب الوهاب.
قال شيخنا الصبغي: شمائل الصحابة والتابعين، أخذها مالك الإمام عنهم، وأخذها عن مالك يحيى بن يحيى التميمي، وأخذها عن يحيى محمد بن نصر المروزي، وأخذها عن ابن نصر أبو علي الثقفي.
قال الحاكم: وسمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: دخلت على ابن سريج ببغداد، فسألني: على من درست فقه الشافعي بخراسان؟ قلت: على أبي علي الثقفي. قال: لعلك تعني: الحجاجي الأزرق؟ قلت: بلى. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه.
وسمعت أبا العباس الزاهد، يقول: كان أبو علي في عصره حجة الله على خلقه.
وسمعت الصبغي، يقول: ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد أبو علي الثقفي من العراق.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: لقي أبو علي الثقفي أبا حفص النيسابوري، وحمدون القصار، وكان إماما في أكثر علوم الشرع، مقدما في كل فن منه. عطل أكثر علومه، واشتغل بعلم الصوفية، وقعد، وتكلم عليهم أحسن كلام في عيوب النفس، وآفات الأفعال: ومع علمه وكماله خالف الإمام ابن خزيمة في مسائل التوفيق والخذلان، ومسألة الإيمان، ومسألة اللفظ، فألزم البيت، ولم يخرج منه إلى أن مات وأصابه في ذلك محن.
ومن قوله: يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء.
وقال: أف من أشغال الدنيا إذا أقبلت، وأف من حسراتها إذا أدبرت، العاقل لا يركن إلى شيء إن أقبل كان شغلا، وإن أدبر كان حسرة.
وقال أبو بكر الرازي: سمعته، يقول: ترك الرياء للرياء أقبح من الرياء.
وعنه قال: هوذا أنظر إلى طريق نجاتي مثل ما أنظر إلى الشمس، وليس أخطو خطوة.
وكان كثيرا ما يتكلم في رؤية عيب الأفعال.
مات أبو علي في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
ابن عبد ربه وابن بلال:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 492

محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن عبد الأحد الإمام الجليل القدوة الأستاذ أبو على الثقفى الجامع بين العلم والتقوى والمتمسك من حبال الشريعة بالسبب الأقوى والسالك للطريقة التى لا عوج فيها والحاوى للصفات التى ليس سوى المصطفين الأخيار تصطفيها
قال فيه الحاكم الإمام المقتدى به في الفقه والكلام والوعظ والورع والعقل والدين
قال وطلب العلم على كبر السن فإن ابتداءه كان التصوف والزهد والورع
وقال غيره كان إماما في أكثر علوم الشرع مقدما في كل فن عطل أكثر علومه واشتغل بعلم الصوفية وتكلم عليهم أحسن كلام وبه ظهر التصوف بنيسابور
سمع بنيسابور من محمد بن عبد الوهاب وأقرانه
وبالرى من موسى بن نصر وأقرانه
وببغداد من أحمد بن حيان بن ملاعب ومحمد بن الجهم السمرى وأقرانهما
روى عنه أبو بكر بن إسحاق وغيره من الأئمة
وتفقه على محمد بن نصر المروزى
ولقى في التصوف أبا جعفر وحمدون القصار
قال الحاكم سمعت عبد الرحمن بن أحمد الصفار يقول سمعت أبا بكر ابن إسحاق
يقول سمعت أبا القاسم الشيروانى يقول ما ولد في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضى الله عنهم أعقل من أبى على الثقفى
وحكى أن أبى بكر الشبلى بعث رجلا من أهل العلم قاصدا إلى نيسابور وأمره أن يعلق مجلسى أبى على الثقفى بالغداة والعشى لسنة كاملة ويحملها إلى حضرته فحضر الرجل وكان يحضر المجلس بحيث لا يعلم به في غمار الناس ويعلق كلامه في المجلسين إلى أن تمت السنة فانصرف إلى بغداد وعرض على الشبلى تلك المجالس وقد أفرد منها مجالس الغدوات من مجالس العشى فتأملها الشبلى فقال كلام هذا الرجل بالغدوات في علم الحقائق معجز وكلامه بالعشيات ردى فاسد بعيد عن تلك العلوم وذلك أنه كان يخلو ليله بسره فيصفو كلامه بالغدوات فقال له الشبلى هل رأيت بداره شيئا من الفرش والأوانى التى يتجمل بها أهل الدنيا فقال أما الفرش فنعم وكنت أرى طستا دمشقيا في زاوية من زوايا البيت فصاح الشبلى ثم قال فهذا الذى يغير عليه أحواله
وروى بسنده إلى ابن خزيمة أنه استفتى في مسائل فدعا بدواة ثم قال لأبى على الثقفى أجب فأخذ أبو على القلم وجعل يكتب الأجوبة ويضعها بين يدى ابن خزيمة وهو ينظر فيها ويتأمل مسألة مسألة فلما فرغ منها قال له يا أبا على ما يحل لأحد منا بخراسان أن يفتى وأنت حى
وروى عن أبى العباس ابن سريج أنه قال ما جاءنا من خراسان أفقه منه
وعن أبى عثمان الحيرى إنه لينفعنى في نفسى إذا نظرت إلى خشوع هذا الفتى يعنى أبا على الثقفى رحمه الله
قال الحاكم توفى أبو على الثقفى ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وهو ابن تسع وثمانين سنة
قال وشهدت الصلاة عليه ودفنه ولا أذكر أنى رأيت بنيسابور بعده مثل ذلك الجمع
قال وسمعته يقول في دعائه إنك أنت الوهاب الوهاب الوهاب ولست أحفظ عنه غيرها
قلت ومن ذكائه حفظ هذا القدر فقد كان عمره يوم وفاة الثقفى سبع سنين وقد أطال الحاكم في ترجمة الأستاذ أبى على وأجاد فيها
ومن كلمات أبى على رحمه الله
يا من باع كل شئ بلا شئ واشترى لا شئ بكل شئ
وقال أف من أشغال الدنيا إذا هى أقبلت وأف من حسراتها إذا هى أدبرت والعاقل من لا يركن إلى شئ إذا أقبل كان شغلا وإذا أدبر كان حسرة
وقال أربعة أشياء لابد للعاقل من حفظهن الأمانة والصدق والأخ الصالح والسريرة
وقال لو أن رجلا جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ومن لم يأخذ أدبه من آمر له وناه يريه عيوب أعماله ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات
وقال ليس شئ أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شئ أولى بأن تغلبه من هواك
وقال من غلبه هواه توارى عنه عقله
وقال الغفلة وسعت على الخلق الطريق في معايشهم وأفعالهم والورع واليقظة ضيقا عليهم ذلك
وقال من صحب الأكابر على غير طريق الحرمة حرم فوائدهم وبركات نظرهم ولا يظهر عليه من أنوارهم شئ
قال بعضهم حضرت مجلس أبى على فتكلم في المحبة وأحوال المحبين وأنشد في خلال تلك الأحوال

ومن المسائل عنه رحمه الله
قال أبو عاصم إن لأبى على كتابا أجاب فيه عن الجامع الصغير لمحمد بن الحسن
وقال وفيه ذكر أنه إذا قال أنت طالق إن شئت فقالت شئت إن كان كذا أو إن شاء فلان
قال أبو حنيفة إن كان لشيء مضى وقع وإن كان بشئ مستقبل لم يقع وبطل خيارها
قال الثقفى فيه احتمالان أحدهما أنه يقع في الحال إذا وجد في المجلس والثانى أنه يقع في الحالين إذا وجد في المجلس أو بعده
وقال أبو على الزجاجى لا يقع بحال
قلت الاحتمالان غريبان وما ذكره الزجاجى هو المذهب ووراءه وجه في الرافعى عن الحناطى أنه يصح تعليق المشيئة ويقع الطلاق إذا قال المعلق
بمشيئته شئت ولكن لم يتعرض القائل لهذا الوجه إلى أنه هل يكون هذا دائما أو يختص بالمجلس وفقه أبى حنيفة دقيق
ونظير المسألة لو قالت الزوجة طلقنى بألف درهم فقال أنت طالق على الألف إن شئت
قال الأصحاب في باب الخلع ليس بجواب لما فيه من التعليق بالمشيئة بل هو كلام يتوقف على مشيئة مستأنفة
قال القاضى الحسين في أول باب صفة الصلاة من تعليقته بعد ما حكى قول أبى حنيفة أنه لو نوى في بيته أنه يخرج يصلى في المسجد صح وإن عزبت نيته بعده ما نصه سألت أبا على الثقفى عن هذا فقال عندنا أنه يجوز ذلك إذا لم يخطر بباله شئ آخر إلى أن يدخل في الصلاة فلو كان الأمر كما ذكره لم يبق بيننا وبينه فيه خلاف
قلت أبو على الثقفى هذا رجل حنفى رآه القاضى حسين أما أبو على صاحبنا صاحب هذه الترجمة فلم يدركه أشياخ القاضى فضلا عنه نبهت عليه لئلا يقع فيه الغلط

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 3- ص: 192