أبو عامر الجرجاني الفضل بن إسماعيل التميمي، أبو عامر الجرجاني:
كان أديبا أريبا فاضلا مليح الخط صحيح الضبط حسن التأليف، له نظم ونثر.
له كتاب: البيان في علوم القرآن. وكتاب عروق الذهب في أشعار العرب. وكتاب سلوة الغرباء. وقلائد الشرف في الشعر، وغير ذلك.
سمع من أبي سعد ابن رامش وأبي نصر ابن رامش المقرئ وأبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي.
كان موجودا في حياة الحافظ عبد الغافر، وذكره الباخرزي في الدمية.
ومن شعره في هرة:
إن لي هرة خضبت شواها | دون أولاد منزلي بالرقون |
ثم قلدتها لخوفي عليها | ودعات ترد شر العيون |
كل يوم أعولها قبل أهلي | بزلال صاف ولحم سمين |
وهي تلعابة إذا ما رأتني | عابس الوجه وارم العرنين |
فتغني طورا وترقص طورا | وتلهى بكل ما يلهيني |
لا أريد الصلاء إن ضاجعتني | عند برد الشتاء في كانون |
وإذا ما حككتها لحستني | بلسان كالمبرد المسنون |
وإذا ما جفوتها استعطفتني | بأنين من صوتها ورنين |
وإذا ما وترتها كشفت لي | عن حراب ليست متاع العيون |
أملح الخلق حين تلعب بالفا | ر فتلقيه في العذاب المهين |
وإذا مات حسه أنشرته | بشمال مكرومة أو يمين |
وتصاديه بالغفول فإن را | م انجحارا علته كالشاهين |
وإذا ما رجا السلامة منها | عاجلته ببطشة التنين |
وكذاك الأقدار تفترس المر | ء وتغتاله بقطع الوتين |
بينما كان في نشاط وأنس | إذ سقاه ساق بكاس المنون |
علقتها بيضاء ظامئة الحشا | تسبي القلوب بحسنها وبطيبها |
مثل الشقائق في احمرار خدودها | للناظرين وفي اسوداد قلوبها |
وقد يستقيم المرء فيما ينوبه | كما يستقيم العود في عرك أذنه |
ويرجح من فضل الكلام إذا مشى | كما يرجح الميزان من فضل وزنه |
إني بليت بشادن | بلواه عندي تستحب |
فإذا بلوت طباعه | فالماء يشرب وهو عذب |
وإذا نضوت ثيابه | فاللوز يقشر وهو رطب |
وقصار وصفي أنه | فيما أحب كما أحب |
أصبحت مثل عطارد في طبعه | إذ صرت مثل الشمس في الإشراق |
فلذاك ما ألقاك يوما واحدا | إلا قضيت علي بالإحراق |
قد ضاق صدري من صدور زماننا | فهم جماع الشر بالإجماع |
يتضارطون فإن شكوت ضراطهم | شفعوا سماع الضرط بالإسماع |
هذا يفرقع بالضراط وذاكم | يرمي بمثل حجارة المقلاع |
ومن البلية أن تعاشر معشرا | يتضارطون الدهر بالإيقاع |
ونائم عن سهري قال لي | وقد طواني حبه طيا |
أأنت حي بعد قلت انتبه | فالميت في النوم يرى حيا |
عذيري من شادن أغضبوه | فجرد لي مرهفا باتكا |
وقال: أنا لك يا ابن الوكيل | وهل لي رجاء سوى ذلكا؟ |
عود لسانك أن يليـ | ـن على الخطابة والخطاب |
وتعهد الفكر الحديـ | ـد بصرفه في كل باب |
فتآكل السيف الصقيـ | ـل بطول مكث في القراب |
لا تنكرن حق الأديـ | ـب لأن تعرى من ثيابه |
فالسيف أهيب ما يكو | ن إذا تجرد من قرابه |
ما في زمانك واحد | لو قد تأملت الشواهد |
فاشهد بصدق مقالتي | أو لا فكذبني بواحد |
قد مات في دهرنا الكرام ومن | يعرف قدر الثناء والمدح |
وإن شككتم في الذي قلته | فكذبوني بواحد سمح |
تختم في اليسار فلست تلقى | طراز الكم إلا في اليسار |
وما نقصوا اليمين به ولكن | لباس الزين أولى بالصغار |
كذاك ترى الأباهم عاطلات | وهن على الأكف من الكبار |
إني بليت بحاجب حجب الورى | بمطاله عن نيله المطلوب |
أبت الملاحة أن تفتح عينه | إلا بقدر تبسم المكروب |
استرزق الله فالأرزاق في يده | ولا تمد إلى غير الإله يدا |
وحاذر الدهر أن يلقاك منفردا | فمهرك النرد مأخوذ إذا انفردا |
يا رب كوماء خضبت نحرها | بمدية مثل القضاء السابق |
كأنها والدم جاش حولها | سوسنة زرقاء في الشقائق |
وسيوف إذا بدت في جراح | قلت هذا بنفسج في شقيق |
ينشد الجسم روحه من ظباها | ودماه بين النقا والعقيق |
ادرع الصبر وكن آخذا | بالرفق والإشفاق والخوف |
ولا تكن أعجل من فيشة | عنانها أطلق في الجوف |
أوجعت قلبك إذ أهديت لي مائة | فالله يجزيك عني يا أبا الفرج |
الضرط في ذقنك المنتوف شاربه | والأير في است أمك المنهوكة الشرج |
يا ذا الذي ضاف أبا مجد | فبات في جوع وفي جهد |
تغد في البيت إذا ضفته | فخبزه في ربعة الند |
أتهرب مع فرسي يا خبيث | أراحني الله من شركا |
ولست أظنك تقوى عليه | وإن أنت دققت في فكركا |
فإن مقيلي على ظهره | وإن مبيتي على ظهركا |
أما تستحي ويك من منظرك | ومن سوء ما شاع من مخبرك |
وتزعم أنك أنت الخطيب | فلم يخطبون على منبرك؟ |
ما أبو عامر سوى اللطف شيء | إنه جملة كما هو روح |
كل ما لا يلوح من سر معنى | عند تفكيره فليس يلوح |
هذا سروري بأبي عامر | مغرقي في لجه الغامر |
فتى إذا جاراه في مفخر | مساجل خاطر بالخاطر |
النثر جسم وهو روح له | والنظم عين وهو كالناظر |
أرى أهل نيسابور كالمعدن الذي | ينال الجدى منه بحفر المعاول |
إذا فزعوا كانوا بغاثا مسفة | وإن أمنوا طاروا بريش الأجادل |
أقول له لما تلبس خلعة | تحشرج فيها من أولي العلم عالم |
رأيتك مثل النعش لم ير لابسا | لخلعته إلا وفي الحي مأتم |
خذوا صفة الزمان عني فإن لي | لسانا عن الأوصاف غير قصير |
حقاق كأمثال الكرات تضمنت | فصوص بلخش في غشاء حرير |
يا نرجسا لم تعد قامته | سهم الزمرد حين ينتسب |
فرصافه عظم وقذته | قطع اللجين وفوقه ذهب |
وسهم من الميناء فضض رأسه | بقدرة باريه وذهب فوقه |
يغايظ أحداق الغواني وإنها | تراجع إن قيست به ويفوق هو |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0