أبو القاسم الشاعر علي بن أفلح بن محمد، أبو القاسم العبسي الكاتب، الأديب الفاضل الشاعر، له ديوان شعر، وديوان ترسل، وكتب خطا حسنا، له أهاج ومثالب في أعراض الناس، فأوجب ذلك مقته، وخاف من جماعة في بغداد، كان المسترشد بالله قد أعطاه أربعة آدر في درب الشاكرية، فهدمها، وأنشأها دارا مليحة عالية، وأعطاه الخليفة خمسمائة دينار ومائة جذع، ومائتا ألف آجرة، وأجرى عليه معلوما فغرم على الدار عشرين ألف دينار، وكان فيها حمام لمستراحها أنبوب، إن فرك يمينا جرى سخنا، وإن فرك شمالا، جرى باردا ثم إنه ظهر عنه أنه يكاتب دبيس فنم عليه بوابه، فهرب، وانتقل إلى تكريت، واستجار ببهروز الخادم، ثم آل الأمر إلى أن عفى عنه، وعاد إلى بغداد، وأقام بها إلى أن توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
ومن شعره:
أستغفر الله من نظم القريض فقد | أقلعت عنه فما لي فيه من أرب |
إذ لست أنفك في نظميه من فزع | أمسى ينغص عندي لذة الأدب |
إذا صدقت بهجوي الناس كخفتهم | وإن مدحت خشيت الله في الكذب |
لما أتاني بها المدير على | عاتقه من شعاعها ألق |
حسوتها مسرعا مخافة أن | تلبث في راحتي فتحترق |
قالوا انحنى كبرا فقلت سفاهة | يلقاك من لم يتئد في قيله |
سكن الحبيب شغاف قلبي ثاويا | مخنوت منعكفا على تقبيله |
لا غرومي جزعي لبينهم | يوم النوى وأنا أخو الفهم |
فالقوس من خشب تئن إذا | ما كلفوها فرقة السهم |
لله أحباب نأت بهم | أيدي النوى ففراقهم جلل |
بعدوا فدمع العين منهمر | ونأوا فنار الشوق تشتعل |
هذا وما بعدت مسافتهم | إذ قربوا للبين واحتملوا |
رحلوا ولكن في الفؤاد ثووا | فكأنهم رحلو وما رحلوا |
كم إلى كم يكون هذا التجني | كل يوم تعتب منك يضني |
ما تحيلت في رضاك وبالغ ـ | ـ ت بفن إلا سخطت بفن |
لست تصغي إلى هداية نصحي | أنت أهدى إلى صلاحك مني |
ما أتاني الغرام فيك بأمري | وكذا لا يجي السلو بإذني |
ما بعد حلوان للمشتاق سلوان | عز العزاء وبان الصبر مذ بانوا |
دعني وتسكاب دمعي من مدامعه | فللشؤون ولي من بعدهم شان |
ما العيش بعدهم مما ألذ به | أني يلذ بغير النوم وسنان |
هم الحياة وقد بانوا الغداة فهل | يصح بعد ذهاب الروح جثمان |
يا صاحبي أقلا من ملامكما | فإن لومكما ظلم وعدوان |
أين الشجي من خلي ما أحب ولا | هاجت له بنوى الأحباب أشجان |
هذه الخيف وهاتيك منى | فترفق أيها الحادي بنا |
واحبس الركب علينا ساعة | نندب الربع ونبك الدمنا |
فلذا الموقف أعددنا الأسى | ولذا اليوم الدموع تقتنى |
زمنا كانوا وكنا جيرة | يا أعاد الله ذاك الزمنا |
بيننا يوم أثيلات مني | كان عن غير تراض بيننا |
آه من رئم كحيل طرفه | بين عينيه نضال وقنا |
ترك الجاني لم يعرض له | وابتلى ظلما بريئا ما جنى |
وما عشقي له وحشا لأني | كرهت الحسن واخترت القبيحا |
ولكن غرت أن أهوى مليحا | وكل الناس يهوون المليحا |
بأبي من رأيته يتثنى | فهو من لينه يحل ويعقد |
حسدوه على الجمال فقالوا | أعرج والمليح مازال يجسد |
هو غصن والحسن في الغصن النا ـ | ـ عم ما كان مائلا يتأود |
حمدت بوابك إذ ردني | وذمه غيري على رده |
لأنه قلدني نعمة | يستوجب الإغراق في حمده |
أراحني من قبح ملقاك لي | وكبرك الزائد في حده |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0