ابن جرير الطبري محمد بن جرير بن يزيد الطبري، ابو جعفر: المؤرخ المفسر الامام. ولد في آمل طبرستان، استوطن بغداد و توفي بها و عرض عليه القضاء فامتنع و المظالم فأبى. له (اخبار الرسل و الملوك-ط) يعرف بتاريخ الطبري في 11 جزءا و (جامع البيان في تفسير القران-ط) يعرف بتفسير الطبري في 30 جزءا و (اختلاف الفقهاء –ط) و (المسترشد) في علوم الدين و (القرا آت) و غير ذلك وهو من الثقات المؤرخين، قال ابن الاثير: ابو جعفر أوثق من نقل التاريخ و في تفسيره ما يدل على علم غزير و تحقيق و كان مجتهدا في احكام الدين لا يقلد احدا بل قلده بعض الناس و عملوا بقوله و ارائه و كان اسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحا.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 69
ابن جرير الطبري رجلان سني وشيعي فالأول أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد وقيل يزيد بن كثير بن غالب صاحب التفسير والتاريخ
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 262
ابن جرير الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري وقيل يزيد بن كثير بن غالب صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، كان إماما في فنون كثيرة منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة وكان من الأيمة المجتهدين لم يقلد أحدا وكان أبو الفرج المعافى بن زكرياء النهرواني الآتي ذكره إن شاء الله تعالى على مذهبه، وكان ابن جرير ثقة في نقله وتاريخ أصح التواريخ، ومن المنسوب إليه:
إذا أعسرت لم يعلم صديقي | وأستغني فيستغني صديقي |
حيائي حافظ لي ماء وجهي | ورفقي في مطالبتي رفيقي |
ولو أني سمحت ببذل وجهي | لكنت إلى الغنى سهل الطريق |
لن تستطيع لأمر الله تعقيبا | فاستنجد الصبر أو فاتبع الخوبا |
قام ناعي العلوم أجمع لما | قام ناعي محمد بن جرير |
سبحان من ليس له أنيس | ولا له في عرشه جليس |
لأحمد منزل لا شك عال | إذا وافى إلى الرحمن وافد |
فيدنيه ويقعده كريما | على رغم لهم في أنف حاسد |
على عرش يغلفه بطيب | على الإكبار يا باغ وعاند |
إلا هذا المقام يكون حقا | كذاك رواه ليث عن مجاهد |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 2- ص: 0
الطبري الإمام ابن جرير الطبري، اسمه: محمد بن جرير تقدم ذكره في المحمدين في مكانه.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
الطبري الإمام محمد بن جرير
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري المحدث الفقيه المقرئ المؤرخ المعروف المشهور: مات فيما ذكره أبو بكر الخطيب يوم السبت لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة ودفن يوم الأحد بالغداة في دار برحبة يعقوب، ولم يغير شيبه، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيرا. ومولده سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وكان أسمر الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيح اللسان.
قال غير الخطيب: ودفن ليلا خوفا من العامة لأنه يتهم بالتشيع، وأما الخطيب فإنه قال: ولم يؤذن به أحد، فاجتمع على جنازته من لا يحصي عددهم إلا الله، وصلي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب.
قال: وسمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وأحمد بن منيع البغوي وأحمد بن حميد الرازي وأبا همام الوليد بن شجاع وأبا كريب محمد بن العلاء، وعدد خلقا كثيرا من أهل العراق والشام ومصر. وحدث عنه أحمد بن كامل القاضي وغيره، واستوطن بغداد وأقام بها إلى حين وفاته.
قال: وكان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله عز وجل، عارفا بالقرآن بصيرا بالمعاني، فقيها بأحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك، وكتاب في تفسير القرآن لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه، لم يتممه.
وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه.
قال الخطيب: وسمعت علي بن عبيد الله اللغوي السمسمي يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة، قال: وقال أبو حامد الاسفرائني الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا أو كلاما هذا معناه.
وحدث عن القاضي أبي عمر عبيد الله بن أحمد السمسار وأبي القاسم بن عقيل الوراق أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحوا مما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال:
إنا لله ماتت الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر التفسير.
وحدث فيما أسنده الى أبي بكر ابن بالويه قال، قال لي أبو بكر محمد بن إسحاق، يعني ابن خزيمة: بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير، قلت:
نعم كتبنا التفسير عنه إملاء، قال: كله؟ قلت: نعم، قال: في أي سنة؟ قلت من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين، قال: فاستعاره مني أبو بكر ورده بعد سنين، ثم
قال: نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة؛ قال: وكانت الحنابلة تمنع منه ولا تترك أحدا يسمع عليه.
وأنشد محمد بن جرير:
إذا أعسرت لم أعلم رفيقي | وأستغني فيستغني صديقي |
حيائي حافظ لي ماء وجهي | ورفقي في مطالبتي رفيقي |
ولو أني سمحت ببذل وجهي | لكنت إلى الغنى سهل الطريق |
خلقان لا أرضى طريقهما | تيه الغنى ومذلة الفقر |
فإذا غنيت فلا تكن بطرا | وإذا افتقرت فته على الدهر |
ألا إن إخوان الثقات قليل | فهل لي الى ذاك القليل سبيل |
سل الناس تعرف غثهم من سمينهم | فكل عليه شاهد ودليل |
يسيء أميري الظن في جهد جاهد | فهل لي بحسن الظن منه سبيل |
تأمل أميري ما ظننت وقلته | فإن جميل القول منك جميل |
قد رفع العجاج ذكري فادعني | باسمي إذا الأنساب طالت يكفني |
سبحان من ليس له أنيس | ولا له في عرشه جليس |
سبحان من ليس له أنيس | ولا له في عرشه جليس |
لأحمد منزل لا شك عال | إذا وافى إلى الرحمن وافد |
فيدنيه ويقعده كريما | على رغم لهم في أنف حاسد |
على عرش يغلفه بطيب | على الأكياد من باغ وعاند |
له هذا المقام لديه حقا | كذاك رواه ليث عن مجاهد |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2441
محمد بن جرير ابن يزيد بن كثير، الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان.
مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومائتين وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، عن أبي روح الهروي، أخبرنا زاهر المستملي، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا محمد بن جرير الفقيه، ومحمد بن إسحاق الثقفي، قالا: حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا الحسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي قال لضباعة: ’’حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني’’، حديث حسن غريب من أعلى ما عندي عن ابن جرير.
سمع: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسماعيل بن موسى السدي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، ومحمد بن أبي معشر -حدثه بالمغازي عن أبيه- ومحمد بن حميد الرازي، وأحمد بن منيع، وأبا كريب محمد بن العلاء، وهناد بن السري، وأبا همام السكوني، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وبندارا، ومحمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع، والفضل بن الصباح، وعبدة بن عبد الله الصفار، وسلم بن جنادة، ويونس بن عبد الأعلى، ويعقوب الدورقي، وأحمد بن المقدام العجلي، وبشر بن معاذ العقدي، وسوار بن عبد الله العنبري، وعمرو بن علي الفلاس، ومجاهد بن موسى، وتميم بن المنتصر، والحسن بن عرفة، ومهنى
ابن يحيى، وعلي بن سهل الرملي، وهارون بن إسحاق الهمداني، والعباس بن الوليد العذري، وسعيد بن عمرو السكوني، وأحمد ابن أخي ابن وهب، ومحمد بن معمر القيسي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن عبد الله بن بزيع، وصالح بن مسمار المروزي، وسعيد بن يحيى الأموي، ونصر بن عبد الرحمن الأودي، وعبد الحميد بن بيان السكري، وأحمد بن أبي سريج الرازي، والحسن بن الصباح البزار، وأبا عمار الحسين بن حريث، وأمما سواهم.
واستقر في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد.
حدث عنه: أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني -وهو أكبر منه- وأبو القاسم الطبراني، وأحمد بن كامل القاضي، وأبو بكر الشافعي، وأبو أحمد بن عدي، ومخلد بن جعفر الباقرحي، والقاضي أبو محمد بن زبر، وأحمد بن القاسم الخشاب، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، وأبو جعفر أحمد بن علي الكاتب، وعبد الغفار بن عبيد الله الحضيني، وأبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، والمعلى بن سعيد وخلق كثير.
قال أبو أبو سعيد بن يونس: محمد بن جرير من أهل آمل، كتب بمصر، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال الخطيب: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب: كان أحد أئمة العلماء يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في ’’أخبار الأمم وتاريخهم’’ وله كتاب ’’التفسير’’ لم يصنف مثله، وكتاب سماه ’’تهذيب الآثار’’ لم أر سواه في معناه، لكن لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
قلت: كان ثقة، صادقا، حافظا، رأسا في التفسير، إماما في الفقه، والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك.
قرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد.
ذكر أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني: أن مولده بآمل.
وقيل: إن المكتفي أراد أن يحبس وقفا تجتمع عليه أقاويل العلماء، فأحضر له ابن جرير، فأملى عليهم كتابا لذلك، فأخرجت له جائزة، فامتنع من قبولها، فقيل له: لا بد من قضاء حاجة، قال: أسأل أمير المؤمنين أن يمنع السؤال يوم الجمعة، ففعل ذلك.
وكذا التمس منه الوزير أن يعمل له كتابا في الفقه، فألف له كتاب ’’الخفيف’’ فوجه إليه بألف دينار، فردها.
الخطيب: حدثني أبو الفرج محمد بن عبيد الله الشيرازي الخرجوشي: سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، سمعت محمد ابن أحمد الصحاف السجستاني، سمعت أبا العباس البكري يقول: جمعت الرحلة بين ابن جرير، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أصلي صلاة الخيرة، قال: فاندفع في الصلاة، فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا، فدفعها إليه، ثم قال: وأيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه خمسين دينارا، وكذلك للروياني، وابن خزيمة، ثم قال: إن الأمير كان قائلا بالأمس، فرأى في المنام أن المحامد جياع قد طووا كشحهم، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم: إذا نفذت، فابعثوا إلي أحدكم.
وقال أبو محمد الفرغاني في ’’ذيل تاريخه’’ على ’’تاريخ الطبري’’، قال: حدثني أبو علي هارون بن عبد العزيز، أن أبا جعفر لما دخل بغداد، وكانت معه بضاعة يتقوت منها، فسرقت فأفضى به الحال إلى بيع ثيابه وكمي قميصه، فقال له بعض أصدقائه: تنشط لتأديب بعض ولد الوزير أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان؟ قال: نعم، فمضى الرجل، فأحكم له أمره، وعاد فأوصله إلى الوزير بعد أن أعاره ما يلبسه، فقربه الوزير ورفع مجلسه، وأجرى عليه عشرة دنانير في الشهر، فاشترط عليه أوقات طلبه للعلم والصلوات والراحة، وسأل إسلافه رزق شهر، ففعل، وأدخل في حجرة التأديب، وخرج إليه الصبي -وهو أبو يحيى- فلما كتبه أخذ الخادم اللوح، ودخلوا مستبشرين، فلم تبق جارية إلا أهدت إليه صينية فيها دراهم ودنانير، فرد الجميع وقال: قد شورطت على شيء، فلا آخذ سواه، فدرى الوزير ذلك، فأدخلته إليه وسأله، فقال: هؤلاء عبيد وهم لا يملكون فعظم ذلك في نفسه.
وكان ربما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء فيقبله، ويكافئه أضعافا لعظم مروءته.
قال الفرغاني: وكتب إلي المراغي يذكر أن المكتفي قال للوزير: أريد أن أقف وقفا، فذكر القصة وزاد: فرد الألف على الوزير ولم يقبلها، فقيل له: تصدق بها، فلم يفعل، وقال: أنتم أولى بأموالكم وأعرف بمن تصدقون عليه.
قال الخطيب: سمعت علي بن عبيد الله اللغوي يحكي: أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
قال الخطيب: وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الإسفراييني الفقيه أنه، قال: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرا.
قال الحاكم: سمعت حسينك بن علي يقول: أول ما سألني ابن خزيمة فقال لي: كتبت عن محمد بن جرير الطبري؟ قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: لأنه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، قال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر.
قال الحاكم: وسمعت أبا بكر بن بالويه يقول: قال لي: أبو بكر بن خزيمة: بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير؟ قلت: بلى، كتبته عنه إملاء، قال: كله؟ قلت: نعم، قال: في أي سنة؟ قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين ومائتين، قال: فاستعاره مني أبو بكر، ثم رده بعد سنين، ثم قال: لقد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.
قال أبو محمد الفرغاني: تم من كتب محمد بن جرير كتاب ’’التفسير’’ الذي لو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب، كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد مستقصى لفعل. وتم من كتبه كتاب ’’التاريخ’’ إلى عصره، وتم أيضا كتاب ’’تاريخ الرجال’’ من الصحابة والتابعين، وإلى شيوخه الذين لقيهم، وتم له كتاب ’’لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام’’ وهو مذهبه الذي اختاره، وجوده، واحتج له، وهو ثلاثة وثمانون كتابا، وتم له كتاب ’’القراءات والتنزيل والعدد’’، وتم له كتاب ’’اختلاف علماء الأمصار’’، وتم له كتاب ’’الخفيف في أحكام شرائع الإسلام’’ وهو مختصر لطيف، وتم له كتاب ’’التبصير’’ وهو رسالة إلى أهل طبرستان، يشرح فيها ما تقلده من أصول الدين، وابتدأ بتصنيف كتاب ’’تهذيب الآثار’’ وهو من عجائب كتبه، ابتداء بما أسنده الصديق مما صح عنده سنده، وتكلم على كل حديث منه بعلله وطرقه، ثم فقهه، واختلاف العلماء وحججهم، وما فيه من المعاني والغريب، والرد على الملحدين، فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالي، وبعض ’’مسند ابن عباس’’، فمات قبل تمامه.
قلت: هذا لو تم لكان يجيء في مائة مجلد.
قال: وابتدأ بكتابه ’’البسيط’’ فخرج منه كتاب ’’الطهارة’’ فجاء في نحو من ألف وخمس مائة ورقة، لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين، وحجة كل قول، وخرج منه أيضا أكثر كتاب الصلاة، وخرج منه آداب الحكام، وكتاب ’’المحاضر والسجلات’’، وكتاب ’’ترتيب العلماء’’ وهو من كتبه النفيسة، ابتدأه بآداب النفوس وأقوال الصوفية، ولم يتمه، وكتاب ’’المناسك’’، وكتاب ’’شرح السنة’’ وهو لطيف، بين فيه مذهبه واعتقاده، وكتابه ’’المسند’’ المخرج، يأتي فيه على جميع ما رواه الصحابي من صحيح وسقيم، ولم يتمه، ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود تكلم في حديث غدير خم، عمل كتاب ’’الفضائل’’ فبدأ بفضل أبي بكر، ثم عمر، وتكلم على تصحيح حديث غدير خم، واحتج لتصحيحه، ولم يتم الكتاب.
وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم، فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته -رحمه الله- بما كان يرد عليه من حصة من ضيعة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة.
وحدثني هارون بن عبد العزيز، قال: قال أبو جعفر: استخرت الله وسألته العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلاث سنين، فأعانني.
القاضي أبو عبد الله القضاعي: حدثنا علي بن نصر بن الصباح، حدثنا أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم ابن عقيل الوراق: أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه! فقال: إنا لله! ماتت الهمم، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك، ثم أملاه على نحو من قدر ’’التاريخ’’.
قال أحمد بن كامل القاضي: أربعة كنت أحب بقاءهم: أبو جعفر بن جرير، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا أحفظ.
قال الفرغاني: وحدثني هارون بن عبد العزيز: قال لي أبو جعفر الطبري: أظهرت مذهب الشافعي، واقتديت به ببغداد عشر سنين، وتلقاه مني ابن بشار الأحول أستاذ بن سريج. قال هارون: فلما اتسع علمه أداه اجتهاده وبحثه إلى ما اختاره في كتبه.
قال الفرغاني: وكتب إلي المراغي، قال: لما تقلد الخاقاني الوزارة وجه إلى أبي جعفر الطبري بمال كثير، فامتنع من قبوله، فعرض عليه القضاء فامتنع، فعرض عليه المظالم فأبى، فعاتبه أصحابه وقالوا: لك في هذا ثواب، وتحيي سنة قد درست. وطمعوا في قبوله المظالم، فباكروه ليركب معهم لقبول ذلك، فانتهرهم وقال: قد كنت أظن أني لو رغبت في ذلك لنهيتموني عنه. قال: فانصرفنا خجلين.
أبو الفتح بن أبي الفوارس: أخبرنا محمد بن علي بن سهل ابن الإمام -صاحب محمد بن جرير: سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم، وجرى ذكر علي -رضي الله عنه- ثم قال: محمد بن جرير: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى، أيش هو؟ قال: مبتدع. فقال ابن جرير إنكارا عليه: مبتدع مبتدع! هذا يقتل.
وقال مخلد الباقرحي: أنشدنا محمد بن جرير لنفسه:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي | أستغني فيستغني صديقي |
حيائي حافظ لي ماء وجهي | ورفقي في مطالبتي رفيقي |
ولو أني سمحت بماء وجهي | لكنت إلى العلا سهل الطريق |
خلقان لا أرضى فعالهما | بطر الغنى ومذلة الفقر |
فإذا غنيت فلا تكن بطرا | وإذا افتقرت فته على الدهر |
لن تستطيع لأمر الله تعقيبا | فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا |
وافزع إلى كنف التسليم وارض بما | قضى المهيمن مكروها ومحبوبا |
إن الرزية لا وفر تزعزعه | أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا |
ولا تفرق ألاف يفوت بهم | بين يغادر حبل الوصل مقضوبا |
لكن فقدان من أضحى بمصرعه | نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا |
إن المنية لم تتلف به رجلا | بل أتلفت علما للدين منصوبا |
أهدى الردى للثرى إذ نال مهجته | نجما على من يعادي الحق مصبوبا |
كان الزمان به تصفو مشاربه | فالآن أصبح بالتكدير مقطوبا |
كلا وأيامه الغر التي جعلت | للعلم نورا وللتقوى محاريبا |
لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا | ما استوقف الحج بالأنصاب أركوبا |
إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة | أعاد منهجها المطموس ملحوبا |
لا يولج اللغو والعوراء مسمعه | ولا يقارف ما يغشيه تأنيبا |
تجلو مواعظه رين القلوب كما | يجلو ضياء سنا الصبح الغياهيبا |
لا يأمن العجز والتقصير مادحه | ولا يخاف على الإطناب تكذيبا |
ودت بقاع بلاد الله لو جعلت | قبرا له لحباها جسمه طيبا |
كانت حياتك للدنيا وساكنها | نورا فأصبح عنها النور محجوبا |
لو تعلم الأرض من وارت لقد خشعت | أقطارها لك إجلالا وترحيبا |
إن يندبوك فقد ثلت عروشهم | وأصبح العلم مرثيا ومندوبا |
ومن أعاجيب ما جاء الزمان به | وقد يبين لنا الدهر الأعاجيبا |
أن قد طوتك غموض الأرض في لحف | وكنت تملأ منها السهل واللوبا |
حدث مفظع وخطب جليل | دق عن مثله اصطبار الصبور |
قام ناعي العلوم أجمع لما | قام ناعي محمد بن جرير |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 165
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الإمام الجليل المجتهد المطلق أبو جعفر الطبري من أهل آمل طبرستان أحد أئمة الدنيا علما ودينا
ومولده سنة أربع أو خمس وعشرين ومائتين
طوف الأقاليم في طلب العلم
وسمع من محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وإسحاق بن أبي إسرائيل وإسماعيل ابن موسى الفزارى وأبى كريب وهناد بن السرى والوليد بن شجاع وأحمد بن منيع ومحمد بن حميد الرازي ويونس بن عبد الأعلى وخلق سواهم
روى عنه أبو شعيب الحرانى وهو أكبر منه سنا وسندا ومخلد الباقرحى والطبرانى وعبد الغفار الحضينى وأبو عمرو بن حمدان وأحمد بن كامل وطائفة سواهم
وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطلحى صاحب خلاد
ومن تصانيفه كتاب التفسير وكتاب التاريخ وكتاب القراءات والعدد والتنزيل وكتاب اختلاف العلماء وتاريخ الرجال من الصحابة والتابعين وكتاب أحكام شرائع الإسلام ألفه على ما أداه إليه اجتهاده وكتاب الخفيف وهو مختصر في الفقه وكتاب التبصير في أصول الدين
وابتدأ تصنيف كتاب تهذيب الآثار وهو من عجائب كتبه ابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق رضى الله عنه كما صح عنده بسنده وتكلم على ل حديث منه بعلله وطرقه وما فيه من الفقه والسنن واختلاف العلماء وحججهم وما فيه من المعانى والغريب فتم منه مسند العشرة وأهل البيت والموالى ومن مسند ابن عباس قطعة كثيرة ومات قبل تمامه
وابتدأ بكتاب البسيط فخرج منه كتاب الطهارة في نحو ألف وخمسمائة ورقة وخرج منه أكثر كتاب الصلاة وخرج منه آداب الحكام وكتاب المحاضر والسجلات وغير ذلك
قال الخطيب كان ابن جرير أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعانى فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام عارفا بأيام الناس وأخبارهم وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك وكتاب في التفسير لم يصنف أحد مثله وكتاب سماه تهذيب الآثار لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة
قال وسمعت على بن عبد الله عبد الغفار اللغوى المعروف بالسمسمانى يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة
قال وبلغنى عن الشيخ أبى حامد الإسفراينى أنه قال لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا أو كلاما هذا معناه انتهى
وذكر أبو محمد الفرغانى في صلة التاريخ أن قوما من تلامذة محمد بن جرير حسبوا لأبى جعفر منذ بلغ الحلم إلى أن مات ثم قسموا على تلك المدة أوراق مصنفاته فصار لكل يوم أربع عشرة ورقة
قلت وهذا لا ينافى كلام السمسمانى لأنه منذ بلغ لابد أن يكون مضت له سنون في الطلب لا يصنف فيها
وذكر أن أبا العباس ابن سريج كان يقول محمد بن جرير الطبري فقيه العالم
وذكر أن محمد بن جرير قال أظهرت فقه الشافعي وأفتيت به ببغداد عشر سنين وتلقنه منى ابن بشار الأحول أستاذ أبى العباس بن سريج
وروى أن أبا جعفر قال لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن قالوا كم يكون قدره فقال ثلاثون ألف ورقة فقالوا هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه
فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة
ثم قال هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا قالوا كم قدره فذكر نحوا مما ذكره في التفسير فأجوبوه بمثل ذلك فقال إنا لله ماتت الهمم فاختصره في نحو ما اختصر التفسير
قال الحاكم سمعت أبا بكر بن بالويه يقول قال لى ابن خزيمة بلغنى أنك كتبت التفسير عن ابن جرير قلت نعم إملاء قال كله قلت نعم قال في كم سنة قلت من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين قال فاستعاره منى ابن خزيمة ثم رده بعد سنين ثم قال نظرت فيه من أوله إلى آخره وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير ولقد ظلمته الحنابلة
وقال أبو على الطومارى كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدى أبى بكر بن مجاهد لصلاة التراويح فخرج ليلة من ليالى العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى فوقف على باب مسجد محمد بن جرير وابن جرير يقرأ سورة الرحمن فاستمع قراءته طويلا ثم انصرف فقلت له يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك وجئت تستمع قراءة هذا فقال يا أبا على دع هذا عنك ما ظننت أن الله خلق بشرا يحسن أن يقرأ هذه القراءة
وذكر أن المكتفى الخليفة قال للحسن بن العباس أريد أن أوقف وقفا تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف قال فأحضر ابن جرير فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبلها فقيل له لابد من جائزة أو قضاء حاجة فقال نعم الحاجة أسأل أمير المؤمنين أن يتقدم إلى الشرط أن يمنعوا السؤال من دخول المقصورة يوم الجمعة فتقدم بذلك وعظم في نفوسهم
قال أبو محمد الفرغانى صاحب ابن جرير أرسل العباس بن الحسن الوزير إلى ابن جرير قد أحببت أن أنظر في الفقه وسأله أن يعمل له مختصرا فعمل له كتاب الخفيف وأنفذه فوجه إليه ألف دينار فلم يقبلها فقيل له تصدق بها فلم يفعل
وقال حسينك بن على النيسابورى أول ما سألنى ابن خزيمة قال كتبت عن
محمد بن جرير قلت لا قال ولم قلت لأنه كان لا يظهر وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه فقال بئس ما فعلت ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت منه
قلت لم يكن عدم ظهوره ناشئا من أنه منع ولا كانت للحنابلة شوكة تقتضى ذلك وكان مقدار ابن جرير أرفع من أن يقدروا على منعه وإنما ابن جرير نفسه كان قد جمع نفسه عن مثل الأراذل المتعرضين إلى عرضه فلم يكن يأذن في الاجتماع به إلا لمن يختاره ويعرف أنه على السنة وكان الوارد من البلاد مثل حسينك وغيره لا يدرى حقيقة حاله فربما أصغى إلى كلام من يتكلم فيه لجهله بأمره فامتنع عن الاجتماع به
ومما يدلك على أنه لم يمنع قول ابن خزيمة لحسينك ليتك سمعت منه فإن فيه دلالة أن سماعه منه كان ممكنا ولو كان ممنوعا لم يقل له ذلك وهذا أوضح من أن ننبه عليه وأمر الحنابلة في ذلك العصر كان أقل من ذلك
قال الفرغانى كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد فأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته بما كان يرد عليه من حصة خلفها له أبوه بطبرستان يسيرة ولما تقلد الخاقانى الوزارة وجه إليه بمال كثير فأبى أن يقبله فعرض عليه القضاء فامتنع فعاتبه أصحابه وقالوا له لك في هذا ثواب وتحيى سنة قد درست وطمعوا في أن يقبل ولاية المظالم فانتهرهم وقال قد كنت أظن أنى لو رغبت في ذلك لنهيتمونى عنه
وقال الفرغانى رحل ابن جرير من مدينة آمل لما ترعرع وسمح له أبوه بالسفر وكان طول حياته ينفذ إليه بالشئ بعد الشئ إلى البلدان فسمعته يقول أبطأت عنى نفقة والدى واضطررت إلى أن فتقت كمى القميص فبعتهما
وقال ابن كامل توفى عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة ودفن في داره برحبة يعقوب ولم يغير شيبه وكان السواد في رأسه ولحيته كثيرا وكان أسمر إلى الأدمة أعين نحيف الجسم مديد القامة فصيحا واجتمع عليه من لا يحصيه إلى الله تعالى وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب
من ذلك قول أبى سعيد بن الأعرابى
حدث مفظع وخطب جليل | دق عن مثله اصطبار الصبور |
قام ناعى العلوم أجمع لما | قام ناعى محمد بن جرير |
إن المنية لم تتلف به رجلا | بل أتلفت علما للدين منصوبا |
كان الزمان به تصفو مشاربه | والآن أصبح بالتكدير مقطوبا |
كلا وأيامه الغر التى جعلت | للعلم نورا وللتقوى محاريبا |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 3- ص: 120
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآملي الطبري أبو جعفر. الإمام، صاحب التصانيف المشهورة.
استوطن بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته.
وكان قد رحل في طلب الحديث، وسمع بالعراق والشام ومصر من خلق كثير وحدث بأكثر مصنفاته.
وقرأ القرآن ببيروت على العباس بن الوليد بن يزيد، وسمع بمصر من يونس بن عبد الأعلى، وغيره. وحدث عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وهناد بن السري التميمي، وأبي همام الوليد بن شجاع السكوني، وأبي كريب محمد بن العلاء الهمذاني، وأبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، وأحمد بن منيع البغوي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن بشار بندار وأبي موسى محمد بن المثنى الزمن. وعبد الأعلى بن واصل، وسليمان بن عبد الجبار، والحسن بن قزعة، والزبير بن بكار، وغيرهم من العراقيين والشاميين والمصريين.
روى عنه أبو شعيب عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، وهو أقدم منه سماعا ووفاة، وأبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان النيسابوري، وأبو الحسن علي بن علان الحافظ الحراني، وأبو الطيب عبد الغفار بن عبيد الله بن السري الحصيبي المقرئ الواسطي، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في آخرين.
واتفق أنه جمعت الرحلة إلى مصر بين محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن هارون الروياني فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأتون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق- ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، واندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا فنزل عن دابته وقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو، ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن هارون؟ فقالوا: هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن جرير؟ فقيل: هو، ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال: أيكم محمد بن إسحاق ابن خزيمة؟ فقالوا: هو، ذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون دينارا، ثم قال: إن الأمير كان قائلا فرأى في المنام خيالا. قال: إن المحامد طووا كشحهم جياعا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلي أمدكم.
قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين. وكتب بها، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال الخطيب أبو بكر: أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» وكتاب «التفسير» الذي لم يصنف أحد مثله، وكتاب «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمه، وكتاب حسن في القراءات سماه «الجامع» وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرد بمسائل حفظت عنه.
وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الأسفرايني قال: لو سافر رجل إلى الصين، حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير، لم يكن ذلك كثيرا.
وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي، يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة، يكتب في كل منها أربعين ورقة.
وذكر بسنده عن أبي علي الطوماري. قال كنت أصلح القنديل في شهر رمضان، بين يدي أبي بكر بن مجاهد في المسجد، لصلاة التراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد ابن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلا، ثم انصرف، فقلت له: يا أستاذ، تركت الناس ينتظرونك، وجئت لتسمع قراءة هذا! فقال: يا أبا علي دع هذا عنك. ما ظننت أن الله تعالى خلق بشرا يحسن يقرأ هذه القراءة.
وقال أبو عمرو الداني في «طبقات القراء» أخذ القراءة عرضا عن سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، عن خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي الكوفي، عن سليم بن عيسى الكوفي، عن حمزة.
وروى الحروف سماعا عن العباس بن الوليد، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي وأبي كريب محمد بن العلاء، وأحمد بن يوسف التغلبي، وصنف كتابا حسنا في القراءات.
روى عنه الحروف محمد بن أحمد الداجوني، وعبد الواحد بن عمر، وعبد الله بن أحمد الفراغاني، وقد روى عنه ابن مجاهد غير أنه داس اسمه فقال: حدثني محمد بن عبد الله.
وقال أبو عبد الله الحاكم في «تاريخ» نيسابور: سمعت أبا أحمد الحسين ابن علي التميمي يقول: أول ما سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: كتبت عن محمد بن جرير الطبري؟ قلت: لا. قال: لم؟ قلت: كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع الدخول عليه. فقال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كل من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر.
وقال ابن خزيمة وقد نظر تفسير محمد بن جرير: قد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني في «تاريخه» فتم من كتب يعني محمد بن جرير كتاب «تفسير القرآن» وجوده، وبين فيه أحكامه، وناسخه ومنسوخه، ومشكله وغريبه، ومعانيه، واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله، والصحيح لديه من ذلك، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص وأخبار الأمة، والقيامة، وغير ذلك مما حواه من الحكم والعجائب، كلمة كلمة، وآية آية، من الاستعاذة وإلى أبي جاد، فلو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب مستقصى لفعل.
وتم من كتبه أيضا كتاب «الغرائب» و «التنزيل» و «العدد».
وتم أيضا كتاب «اختلاف علماء الأمصار»، وتم أيضا «التاريخ» إلى عصره، وتم أيضا «تاريخ الرجال» في الصحابة والتابعين والخالفين إلى رجاله الذين كتب عنهم، وتم أيضا «لطيف القول» في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره وجرده واحتج له وهو ثلاثة وثلاثون كتابا منها كتاب «البيان عن أصول الأحكام» وهو «رسالة اللطيف».
وتم أيضا كتاب «الخفيف» في أحكام شرائع الإسلام، وهو مختصر لطيف.
وتم أيضا كتابه المسمى «بالتبصير» وهي رسالته إلى أهل آمل طبرستان، يشرح فيها ما يتقلده من أصول الدين.
وابتدأ بتصنيف «تهذيب الآثار» وهو من عجائب كتبه، فابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق رضي الله عنه مما صح عنده بسنده، وتكلم على كل حديث منه، فابتدأ بعلله، وطرقه، وما فيه من الفقه والسنن، واختلاف العلماء، وحججهم، وما فيه من المعاني، وما يطعن فيه الملحدون، والرد عليهم، وبيان فساد ما يطعنون به، فخرج منه مسند العشرة، وأهل البيت، والموالي، ومن مسند ابن عباس قطعة، وكان قصده فيه أن يأتي بكل ما يصح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخره ويتكلم على جميعه حسب ما ابتدأ به، فلا يكون لطاعن في شيء من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مطعن، ويأتي بجميع ما يحتاج إليه أهل العلم كما فعل في التفسير، فيكون قد أتى على علم الشريعة من القرآن والسنن، فمات قبل تمامه.
وابتدأ «بكتاب البسيط» فخرج منه «كتاب الطهارة» في ألف وخمسمائة ورقة، لأنه ذكر في كل باب منه اختلاف الصحابة والتابعين وغيرهم من طرقها وحجة كل من اختار منهم لمذهبه واختياره رحمه الله في آخر كل باب منه واحتجاجه لذلك.
وخرج من البسيط أكثر «كتاب الصلاة» وخرج منه «آداب الحكام» تاما وكتاب «المحاضر والسجلات» و «كتاب ترتيب العلماء» وابتدأ «بآداب النفوس»، وهو أيضا من كتبه النفيسة لأنه عمله على ما ينوب الإنسان من الفرائض في جميع أعضاء جسده، فبدأ بما ينوب القلب، واللسان، والسمع، والبصر، على أن يأتي بجميع الأعضاء، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وعن الصحابة والتابعين، وما حكي من أفعالهم، وإيضاح الصواب في جميع ذلك، فلم يتم الكتاب.
وكتاب «آداب المناسك» وهو ما يحتاج إليه الحاج من يوم خروجه، وما يختاره له من الأيام لابتداء سفره، وما يقوله ويدعو به عند ركوبه ونزوله، ومعاينة المنازل والمساجد وإلى انقضاء حجه.
و «كتاب شرح السنة» لطيف، بين فيه مذهبه وما يدين الله به على ما مضى عليه الصحابة والتابعون وفقهاء الأمصار.
وكتابه «المسند المخرج» يأتي على جميع ما رواه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحيح وسقيم، ولم يتمه.
ولما بلغه أن أبا بكر بن أبي داود السجستاني تكلم في حديث غدير خم عمل «كتاب الفضائل». فبدأ بفضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وتكلم على تصحيح غدير خم، واحتج لتصحيحه، وأتى من فضائل علي بن أبي طالب بما انتهى إليه، ولم يتم الكتاب.
وكان ممن لا تأخذه في دين الله لومة لائم، وحكي أنه استخار الله وسأله الإعانة على تصنيف التفسير ثلاث سنين فأعانه، وروى القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قال: أنبأنا علي بن نصر بن الصباح التغلبي، أنبأنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم بن عقيل الوراق، أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.
ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم، إلى وقتنا هذا؟ قالوا كم قدره؟
فذكر نحوا مما ذكره في التفسير فأجابوا بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير وقال أبو بكر الخطيب: عن القاضي ابن كامل: أربعة كنت أحب بقاءهم، أبو جعفر الطبري، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا أحفظ.
ومولد أبي جعفر بآمل في سنة أربع وعشرين ومائتين، ووفاته ببغداد في يوم السبت، ودفن يوم الأحد بالغداة في داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة، وقيل توفي في عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال ودفن يوم الاثنين، واجتمع في جنازته خلق لا يحصون، وصلي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، وكان السواد في رأسه ولحيته كثيرا، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب. وقيل إنه دفن في سفح المقطم من القرافة، وليس بصحيح.
قال الفرغاني: وكان عالما زاهدا ورعا فاضلا متقنا لقراءة حمزة الزيات، ومن فتاويه أن رجلا قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا بتاتا لا خاطبتني بشيء إلا خاطبتك مثله، فقالت له في الحال: أنت طالق ثلاثا بتاتا، فأفتاه فقهاء بغداد بأنها لا بد أن تطلق وأنه عليه أن يجيبها بمثل ما قالت فتصير بذلك طالقا، فدله شخص على أبي جعفر فجاءه وأخبره بما جرى عليه، فقال له: امض ولا تعاود الأيمان، وأقم على زوجك بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثا بتاتا إن طلقتك؛ فتكون قد خاطبتها بمثل ما خاطبتك به، فوفيت يمينك ولم تطلقها.
وعمل ابن دريد قصيدة طنانة يرثي بها ابن جرير يقول فيها:
إن المنية لم تتلف به رجلا | بل أتلفت علما للدين منصوبا |
كان الزمان به تصفو مشاربه | والآن أصبح بالتكدير مقطوبا |
كلا وأيامه الغر التي جعلت | للعلم نورا وللتقوى محاريبا |
أودى أبو جعفر والعلم فاصطحبا | أعظم بذا صاحبا أو ذاك مصحوبا |
ودت بقاع بلاد الله لو جعلت | قبرا له فحباها جسمه طيبا |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 110
محمد بن جرير بن يزيد الطبري نزل بغداد ومات سنة عشر وثلاثمائة، وهو صاحب التاريخ والمصنفات الكثيرة؛ وكان القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا النهرواني - ويعرف بابن طرارا - على مذهبه.
وكان أبو الفرج هذا فقيها أديبا شاعرا عالما وأنشدني قاضي بلدنا أبو علي الداودي رحمه الله قال: أنشدني أبو الفرج لنفسه:
أأقتبس الضياء من الضباب | وألتمس الشراب من السراب |
أريد من الزمان النذل بذلا | وأريا من جنى سلع وصاب |
أرجي أن ألاقي لاشتيقاقي | خيار الناس في زمن الكلاب |
دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 93
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري الإمام أبو جعفر رأس المفسرين على الإطلاق أحد الأئمة جمع من العلوم ما لم
يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله بصيرا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عالما بأحوال الصحابة والتابعين بصيرا بأيام الناس وأخبارهم
أصله من آمل طبرستان طوف الأقاليم وسمع من أحمد بن منيع وأبي كريب وهناد بن السري ويونس بن عبد الأعلى وخلائق
وروى عنه الطبراني وأحمد بن كامل وطائفة
وله التصانيف العظيمة منها تفسير القرآن وهو أجل التفاسير لم يؤلف مثله كما ذكره العلماء قاطبة منهم النووي في تهذيبه
وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده
ومنها تهذيب الآثار قال الخطيب لم أر مثله في معناه
ومنها تاريخ الأمم وكتاب اختلاف العلماء وكتاب القراءات وكتاب أحكام شرائع الإسلام وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له وكان أولا شافعيا ثم انفرد بمذهب مستقل وأقاويل واختيارات وله أتباع ومقلدون وله في الأصول والفروع كتب كثيرة ويقال أن المكتفي أرد أن يوقف وقفا تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف فأجمع علما عصره على أنه لا يقدر على ذلك إلا ابن جرير فأحضر فأملى عليهم كتابا لذلك فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبلها يقبلها
قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني شيخ الشافعية لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير ابن جرير لم يكن كثيرا
وقال قد من الله علي بإدامة مطالعته والإستفادة منه وأرجو أن أصرف العناية إلى اختصاره وتهذيبه ليسهل على كل أحد تناوله
وقال ابن خزيمة ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير
وقال غيره مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة
وقال أبو محمد بالفرغاني كان ابن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل وحاسد وملحد فأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته باليسير وعرض عليه القضاء فأبى
وقد ولد بآمل سنة أربع وعشرين ومائتين
ومات عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شهر شوال سنة عشرون وثلاثمائة واجتمع في جنازته خلق لا يحصون وصلي على قبره عدة شهور
كذا في تاريخ مرآة الجنان
مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 48
محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الامام [الجليل المفسر]، أبو جعفر صاحب التصانيف الباهرة.
مات سنة عشر وثلثمائة.
ثقة صادق فيه تشيع
[يسير] وموالاة لا تضر.
أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ، فقال: كان يضع للروافض، كذا قال السليماني: وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، وما ندعى عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير،
[فلعل السليماني أراد الآتى].
دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 3- ص: 498
نسبه الخطيب كذلك، وقد مر بي خلافه.
صاحب “التاريخ“ المشهور.
أخذ فقه الشافعي عن الربيع المرادي، والحسن الزعفراني.
وذكره العبادي في “الشافعية”، وقال: هو من أفراد علمائنا، وما رأيناه من ذكره في هذا القسم متعين، فإن له مذهبا ينفرد به، معروفا به.
قال الخطيب: استوطن الطبري بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته، وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله.
وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره.
كان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في “تاريخ الأمم والملوك”، وكتاب في “التفسير”، لم يصنف أحد مثله، وكتاب سماه: “تهذيب الآثار“ لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمه، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
قال علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي المعروف بالسمسماني: يحكى أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
قلت: وعلى نفاذه في الكتابة، قد يحمل فقه العلم من قول ابن سريج.
قال الخطيب: بلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الإسفراييني أنه قال: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب “تفسير“ محمد بن جرير، لم يكن ذلك كثيرا، أو كلاما هذا معناه.
وقال الخطيب: سمعت أبا حازم العبدويي بنيسابور يقول: سمعت حسينك - واسمه: الحسين بن علي التميمي - يقول: لما رجعت من بغداد إلى نيسابور سألني محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لي: ممن سمعت ببغداد؟ فذكرت له جماعة ممن سمعت منهم، فقال لي: هل سمعت من محمد بن جرير شيئا؟ فقلت: لا، إنه ببغداد، لا يدخل عليه لأجل الحنابلة، وكانت تمنع منه، فقال: لو سمعت منه لكان خيرا لك من جميع من سمعت منه سواه.
وقال القاضي أبو عمرو عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم ابن عقيل الوراق: إن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فذكر نحو ما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر “التفسير’’.
قال أبو الحسن ابن رزقويه، عن أبي علي الطوماري قال: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر ابن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره، واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه، وسار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش، فوقف بباب مسجد محمد بن جرير، ومحمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلا، ثم انصرف، فقلت له: يا أستاذ {تركت الناس ينتظرونك، وجئت تسمع قراءة هذا؟} فقال: يا أبا علي! دع هذا عنك، ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يحسن يقرأ هذه القراءة، أو كما قال.
مات ابن جرير رحمه الله - فيما حكاه ابن كامل القاضي - في شوال سنة عشر وثلاث مئة، ودفن في داره، ولم يغير شيبه
قال: وأخبرني أن مولده في آخر سنة أربع، أو أول سنة خمس وعشرين مئتين.
قال: ولم يؤذن به أحد، واجتمع عليه من لا يحصيهم عددا إلا الله، وصلي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً، وثاره خلق كثير من أهل الدين والأدب.
وأنبئت عن القاضي أبي بكر الأنصاري، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه قال: حدثني عثمان بن محمد السلمي قال: حدثني بلطون بن منجو أحد القواد قال: حدثني غلام لابن المزوق البغدادي قال: كان مولاي مكرما لي، فاشترى جارية وزوجنيها، فأحببتها حبا شديدا، وأبغضتني بغضا عظيما، وكانت تنافرني دائما، وأحتملها إلى أن أضجرتني يوماً، فقلت لها: أنت طالق ثلاثاً بتاتا، لا خاطبتيني بشيء إلا خاطبتك بمثله، فقد أفسدك احتمالي لك، فقالت لي في الحال: أنت طالق ثلاثاً بتاتا، قال: فأبلست، ولم أدر ما أجيبها به خوفاً من أن أقول لها مثل ما قالت، فتصير بذلك طالقا مني، فأرشدت إلى أبي جعفر الطبري، فأخبرته بما جرى، فقال: أقم معها بعد أن تقول لها: أنت طالق ثلاثاً إن أنا طلقتك، فتكون قد خاطبتها به، فوفيت بيمينك ولم تطلقها، ولا تعاود اليمين.
دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 106
محمد بن جرير بن يزيد، أبو جعفر الطبري.
قال الخليلي: أشهر من أن يذكر، جامع في العلوم، إمام، سمع بالري محمد بن حميد وأقرانه، وبالعراق أحمد بن عبدة الضبي، ونصر بن علي الجهضمي، وارتحل إلى الشام، ومصر، ولا يعد شيوخه، سمع منه الأئمة، والذين أكثروا عنه علي بن موسى الدقيقي الحلواني، روى عنه «التفسير» و «التاريخ» ومخلد بن جعفر الباقرحي، روى عنه كتاب «الذيل» والباقون رووا عنه اليسير، وآخر من روى عنه ببغداد ابن المظفر الحافظ، وقد كتب إلي، وشيخ آخر بعد الثمانين روى عنه جزءاً صغيراً، مات سنة تسع وثلاثمائة.
وقال مسلمة: كان حصوراً لا يقرب النساء، ورحل من بلده في طلب العلم ابن اثنتي عشرة سنة سنة ست وثلاثين ومائتين، فلم يزل طالباً للعلم مؤلفاً له إلى أن توفي ببغداد لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة.
وقال الخطيب: كان ابن جرير أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في الأحكام، عالماً بالسنن وبطرقها، عارفاً بأيام الناس وأخبارهم، وله تصانيف كثيرة، وتفرد بمسائل حفظت عنه.
بلغني عن أبي حامد الفقيه أنه قال: لو سافر رجل إلى أقصى الصين حتى يحصل تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيراً.
وقال ابن خزيمة: نظرت في تفسيره من أوله إلى آخره فما أعلم على أديم
الأرض أعلم من ابن جرير، ولقد طلبته الحنابلة.
وقال حسينك التميمي: قال لي ابن خزيمة لما رجعت من الرحلة: سمعت من ابن جرير؟ فقلت لا، وكانت الحنابلة منعت الناس من الدخول إليه، فقال: لو سمعت منه لكان خيراً لك من جميع من سمعت منه سواه.
وقال أبو علي الطوماري: كنت مع أبي بكر بن مجاهد في رمضان فسمع قراءة ابن جرير فقال: ما ظننت أن الله تعالى خلق بشراً يحسن يقرأ هذه القراءة.
قال أحمد بن كامل: توفي ابن جرير في شوال سنة عشر وثلاثمائة، وأخبرني أن مولده كان في أول سنة خمس أو أواخر سنة سبع وعشرين ومائتين، ولما مات لم يؤذن به أحد واجتمع عليه من لا يحصيهم عدداً إلا الله وصلى على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً.
وقال ابن يونس: كان فقيهاً وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال الذهبي: ثقة صادق فيه تشيع يسير وموالاة لا تضر، أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ فقال: كان يضع للروافض - ثم برأه بلا مستند - فقال: وهذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام المعتمدين وما ندعي عصمته من الخطأ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى؛ فإن كلام العلماء بعضهم في بعض يبتغي أن نتأنى فيه، ولا سيما في مثل إمام كبير.
قلت: أنت الذي غلظت على السليماني فإنه إنما أراد محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري فإنه رافضي مشهور له تواليف منها كتاب «الرواية عن أهل البيت» وأما التشيع فهو رجم بالظن أخذ من تصحيحه حديث غدير خم، والله أعلم.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 8- ص: 1
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الإمام العلم الحافظ أبو جعفر الطبري
أحد الأعلام وصاحب التصانيف الطواف
قال الخطيب كان أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظًا لكتاب الله بصيرًا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ناسخها ومنسوخها عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين بصيرًا بأيام الناس وأخباهم له تاريخ الإسلام والتفسير الذي لم يصنف مثله
قال أبو حامد الإسفرايني لو رحل رجل إلى الصين في تحصيله لم يكن
كثيرا وتهذيب الآثار لم أر في معناه مثله وله في الأصول والفروع كتب كثيرة
ولد سنة أربع وعشرين ومائتين
وقال ابن خزيمة ما أعلم على أديم الأرض أعلم منه
وقال الفرغاني بث مذهب الشافعي ببغداد ثم اتسع علمه وأداة اجتهاده إلى ما اختار في كتبه وعرض عليه القضاء فأبى
قال الذهبي ابن جرير وبن صاعد وابن خزيمة وابن أبي حاتم رجال هذه الطبقة وهم الطبقة السادسة في الأربعين لابن المفضل
توفي ابن جرير عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 310
والإمام شيخ العصر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب الكتب
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 108
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب، أبو جعفر الطبريّ، الإمام.
كان علاّمة وقته، وإمام عصره، وفقيه زمانه، صاحب التصانيف المشهورة في الفقه وغيره.
ولد بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين، وحفظ القرآن، وسمع الحديث عن محمد بن حميد الرازي، وابن جريج، وهنّاد بن السّري، وغيرهم، وقرأ فقه الشافعيّ على الربيع بن سليمان بمصر، وعلى الحسن بن محمد الزّعفرانيّ ببغداد، وأخذ علم القرآن عن ابن مقاتل، وأدرك الأسانيد العالية بمصر، والشام، والعراق، والكوفة، والبصرة، والرّيّ، وكان قيّما بعلم القرآن، والنّحو، والشّعر، واللّغة، والفقه، كثير الحفظ، وله مذهب في الفقه اختاره لنفسه، وصار أحد رؤساء الأئمة حشمة ونعمة، تخرّج بكلامه جماعة من أهل العلم، وانتشر علمه في الآفاق، واستمرّ على حشمته ونعمته العظيمة إلى آخر عمره.
صنّف كتاب تفسير القرآن الكريم في مائة مجلّد، ذكر فيه أحكام القرآن، وناسخه ومنسوخه، ومشكله، وغريبه، ومعانيه، واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص، وأخبار الأمم، وغير ذلك ممّا حواه من الحكم والرأي كلمة كلمة، وأبان حتّى لو تصدّى عالم أن يصنّف عنه عشرة كتب كلّ كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب: لفعل. وذكر الخطيب في تاريخه، أنّ الإمام أبا حامد الأسفرايينيّ، قال: لو سافر رجل إلى الصّين حتى يحصل له تفسير محمد بن جرير الطبريّ لم يكن ذلك كثيرا.
ومن كتبه أيضا: كتاب القرآن والتنزيل والعدد، وكتاب اختلاف علماء الأمصار، وكتاب تاريخ الرّجال والصحابة والتابعين، والخالفين إلى رجاله الذين كتب عنهم، وكتاب تاريخ الأمم والملوك، وكتاب تهذيب الآثار لم ير مثله في معناه، وكتاب لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، وهو مذهبه الذي اختاره وجرّده واحتجّ له، وكتاب اللّطيف في الفقه، ويحتوي على عدّة كتب، وكتاب البسيط في الفقه، لم يتمّه، والذي خرج منه كتاب الشروط، وكتاب المحاضر والسّجلاّت، وكتاب الوصايا، وكتاب أدب القاضي، وكتاب الطهارة، وكتاب الصّلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب القراءات، وكتاب الخفيف في الفقه، وكتاب المسترشد، والذي خرج منه كتاب اختلاف الفقهاء. وله تصانيف حسان في أصول الفقه وفروعه.
ولما بلغه أنّ أبا بكر بن أبي داود السّجستانيّ تكلّم في حديث غدير خمّ عمل أبو جعفر الطبريّ كتاب الفضائل، فبدأ بذكر أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، رضي الله عنهم، وتكلّم عن تصحيح غدير خمّ، واحتجّ لتصحيحه، وأتى من فضائل عليّ بما انتهى إليه، وكان ممّن لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يعدل عن حق. وكان أبو العباس بن سريج يسمّيه فقيه العالم.
كانت وفاته ببغداد في ثامن عشر شوّال من سنة عشر وثلاث مائة، عن سبع وثمانين سنة، وكان السواد في شعر رأسه ولحيته كثيرا، وكان نحيف الجسم، مديد القامة، دفن في داره برحبة يعقوب.
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 91
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري
الإمام العالم العلامة، أوحد الدهر، وفريد كل عصر، مؤلف “التاريخ” و “التفسير” المشهورين الكبيرين المذكورين، إلى ما انضاف إليهما من تصانيفه العزيزة الوجود، الغريبة بين أمثالها في الجودة والموجود. وأخباره كثيرة قد استوفيتها في تصنيفي الذي سمّيته “التحرير لأخبار ابن جرير” وهو كتاب مقنع في نوعه وقد كان له - رحمه الله - شعر فوق شعر العلماء أنبأنا الكندي، أخبرنا القزّاز، حدثنا الخطيب أحمد بن علي في تاريخه، أنشدنا علي بن عزيز الطاهري ومحمد بن جعفر ابن علاّن الشّروطي قالا: أنشدنا مخلد بن جعفر الدّقاق قال: أنشدنا محمد بن جرير: وافر:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي | وأستغني فيستغني صديقي |
حيائي حافظٌ لي ماء وجهي | ورفقي في مرافقتي رفيقي |
ولو أني سمحت ببذل وجهي | لكنت إلى الغنى سهل الطريق |
خلقان لا أرضى طريقهما | بطر الغنى ومذلّة الفقر |
فإذا غنيت فلا تكن بطراً | وإذا افتقرت فته على الدهر |
ألا إنّ إخوان الثقات قليل | وهل لي إلى ذاك القليل سبيل؟ |
سل الناس تعرف غثهم من سمينهم | فكلٌّ عليه شاهدٌ ودليل |
يسيء أميري الظنّ في جاهد | فهل لي بحسن الظنّ منه سبيل؟ |
تأمّل أميري ما ظننت وقلته | فإنّ جميل القول منك جميل |
دار اليمامة-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 187
محمد بن جرير
ابن يزيد بن كثير، الإمام الفرد الحافظ، أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، من أهل آمل طبرستان.
أكثر التطواف، وسمع: محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأبا همام السكوني، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإسماعيل بن موسى الفزاري بن بنت السدي، ومحمد بن حميد الرازي، وأحمد بن منيع، وأبا كريب، وهناد بن السري، وخلائق. وأخذ القراءات عن جماعة.
روى عنه مخلد الباقرحي، وأحمد بن كامل، وأبو القاسم الطبراني، وعبد الغفار الحضيني، وأبو عمرو بن حمدان، وخلق.
قال الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدٌ من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، بصيراً بأيام الناس وأخبارهم، له الكتاب الكبير المشهور في ’’تاريخ الأمم’’ وله كتاب ’’التفسير’’ الذي لم يصنف مثله، وكتاب ’’تهذيب الآثار’’ لم أر مثله في معناه لكن لم يتمه، وله في الأصول والفروع كتبٌ كثيرة، وله اختيارٌ من أقاويل الفقهاء، وقد تفرد بمسائل حفظت عنه.
وقيل: إن ابن جرير مكث أربعين سنةً يكتب كل يومٍ أربعين ورقة.
وقال تلميذه أبو محمد الفرغاني: حسب تلامذة أبي جعفر منذ احتلم إلى أن مات، فقسموا على المدة مصنفاته، فصار لكل يومٍ أربع عشرة ورقة.
وقال أبو حامد الإسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين في تحصيل ’’تفسير’’ ابن جرير لم يكن كثيراً.
وقال حسينك الحافظ: سألني ابن خزيمة: أكتبت عن ابن جرير؟ قلت: لا، لأنه لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، فقال: بئس ما صنعت.
وقال أبو بكر بن بالوية: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.
وقال أبو محمد الفرغاني: كان ابن جرير لا تأخذه في الله لومة لائم مع عظم ما يؤذى، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده
ورفضه لدنيا وقناعته بما يجيئه من حصةٍ خلفها له أبوه بطبرستان. بث مذهب الشافعي ببغداد سنين، واقتدى به، ثم اتسع علمه، وأداه اجتهاده إلى ما اختار في كتبه. وعرض عليه القضاء، فأبى. وله ’’التفسير’’ و ’’التاريخ’’ وكتاب ’’القراءات’’ وكتاب ’’العدد والتنزيل’’ وكتاب ’’اختلاف العلماء’’ وكتاب ’’تاريخ الرجال’’ وكتاب ’’لطيف القول’’ في الفقه، وهو ما اختاره وجوده، وكتاب ’’الخفيف’’ وكتاب ’’التبصير’’ في الأصول، وابتدأ بتصنيف كتاب ’’تهذيب الآثار’’ وهو من عجائب كتبه، ابتدأ بما رواه أبو بكر الصديق مما صح، وتكلم على كل حديثٍ وعلته وطرقه وما فيه من الفقه واختلاف العلماء وحججهم واللغة، فتم مسند العشرة وأهل البيت والموالي، ومن مسند ابن عباس قطعة، ومات. وابتدأ بكتاب ’’البسيط’’ فعمل منه كتاب الطهارة في نحو ألفٍ وخمس مئة ورقة، وخرج منه أكثر الصلاة، وخرج منه كتاب الحكام، والمحاضر، والسجلات. ولما بلغه أن ابن أبي داود تكلم في حديث ’’غدير خم’’
عمل كتاب ’’الفضائل’’ وتكلم على تصحيح هذا الحديث.
قال: ورحل محمدٌ لما ترعرع من آمل، وسمح له أبوه، وكان طول حياته يوجه إليه بالشيء إلى البلدان. قال لي: أبطأت عني نفقة أبي حتى بعت كمي قميصي.
وذكر عبيد الله بن أحمد السمسار: أن ابن جرير قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم؟ قالوا: كم يجيء؟ فذكر نحواً من ثلاثين ألف ورقة، قالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه، فقال: إنا لله، ماتت الهمم، فأملاه في نحو ثلاثة آلاف ورقة. ولما أراد أن يملي ’’التفسير’’ قال لهم كذلك، ثم أملاه على نحوٍ من ’’التاريخ’’.
ولد ابن جرير سنة أربعٍ وعشرين ومئتين.
وقال ابن كامل: توفي عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشرٍ وثلاث مئة، ودفن في داره برحبة يعقوب، ولم يغير شيبة، وكان السواد فيه كثيراً، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، طويلاً، فصيحاً، شيعه من لا يحصيهم إلا الله، وصلي على قبره عدة شهورٍ ليلاً ونهاراً. ورثاه خلق من أهل الأدب والدين، ومن ذلك قول أبي سعيد بن الأعرابي:
حدث مفظعٌ وخطبٌ جليلٌ | دق عن مثله اصطبار الصبور |
قام ناعي العلوم أجمع لما | قام ناعي محمد بن جرير |
إن المنية لم تتلف به رجلاً | بل أتلفت علماً للدين منصوبا |
كان الزمان به تصفو مشاربه | والآن أصبح بالتكدير مقطوبا |
كلا وأيامه الغر التي جعلت | للعلم نوراً وللتقوى محاريبا |
أودى أبو جعفرٍ والعلم فاصطحبا | أعظم بذا صاحباً إذ ذاك مصحوبا |
ودت بقاع بلاد الله لو جعلت | قبراً له فحباها جسمه طيبا |
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 2- ص: 1
محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري الإمام أبو جعفر
رأس المفسرين على الإطلاق، أحد الأئمة، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب الله، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، ناسخها ومنسوخها، عالماً بأحوال الصحابة والتابعين، بصيراً بأيام الناس وأخبارهم.
أصله من آمل طبرستان، طوف الأقاليم، وسمع من أحمد بن منيع، وأبي كريب، وهناد بن السرى، ويونس بن عبد الأعلى وخلائق.
روى عنه الطبراني وأحمد بن كامل، وطائفة وله التصانيف العظيمة منها تفسير القرآن وهو أجل التفاسير،
لم يؤلف مثله كما ذكره العلماء قاطبة، منهم النووي في تهذيبه وذلك لأنه جمع فيه بين الرواية والدراية ولم يشاركه في ذلك أحد لا قبله ولا بعده، ومنها تهذيب الآثار، قال الخطيب: لم أر مثله في معناه.
ومنها تاريخ الأمم وكتاب اختلاف العلماء وكتاب القراءات وكتاب أحكام شرائع الإسلام وهو مذهبه الذي اختاره وجوده واحتج له، وكان أولاً شافعياً، ثم انفرد بمذهب مستقل وأقاويل واختيارات، وله أتباع ومقلدون، وله في الأصول والفروع كتب كثيرة.
ويقال إن المكتفي أراد أن يوقف وقفاً تجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف، فأجمع علماء عصره على أنه لا يقدر على ذلك إلا ابن جرير، فأحضر فأملى عليهم كتاباً لذلك، فأخرجت له جائزة سنية فأبى أن يقبلها.
قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني شيخ الشافعية: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير ابن جرير، لم يكن كثيراً
قلت قد من الله على بإدامة مطالعته والاستفادة منه، وأرجو أن أصرف العناية إلى اختصاره وتهذيبه ليسهل على كل أحد تناوله إن شاء الله تعالى.
وقال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.
وقال غيره: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة.
وقال أبو محمد الفرغاني: كان ابن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات، من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل العلم والدين فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته باليسير، وعرض عليه القضاء فأبى.
مولده بآمل سنة أربع وعشرين ومائتين ومات عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة.
واجتمع في جنازته خلق لا يحصون، وصلي على قبره عدة شهور، ورثاه خلق.
فمن ذلك قول أبي سعيد بن الأعرابي:
حدث مفظع وخطب جليل | دق عن مثله اصطبار الصبور |
قام ناعي العلوم أجمع لما | قام ناعي محمد بن جرير |
مكتبة وهبة - القاهرة-ط 1( 1976) , ج: 1- ص: 95
محمد بن جرير الطبري البغدادي أبو جعفر الإمام.
صاحب التصانيف العظيمة في الأصول والفروع و’’التفسير الكبير’’ وله كتاب في القراءات و’’تاريخ الأمم’’ و’’تهذيب الآثار’’ ولم يتمه، وله أتباع منهم المعافى أبو زكريا النهروانى، قال الخطب: سمعت علي بن عبد اللَّه اللغوى يقول: مكث ابن جرير أربعين سنة يكتب كلّ يوم أربعين ورقة. قال الفرغانى: حسبت تلامِذتُه تصانيفه وبسطوها على عمره منذ احتلم إلى أن مات فصار لكلِّ يوم أربع عشرة ورقة. أخذ الفقه عن الزعفراني والربيع المرادى، ونظر ابن خزيمة تفسيره وقال: ما أعلم تحت أديم الأرض أعلم منه، ولقد طلبته الحنابلة، ومناقبه جمة. مات سنة عشر وثلثمائة عن ست وثمانين سنة، ومن غرائبه: أنه لا يجوز الفرض ولا النفل في الكعبة. قلت: ولهم آخر اسمه محمد ابن جرير الطبري شيعى له مصنفات فاجتنبه.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1