سلطان الهند محمد أورنك زيب عالم گير، سلطان الهند، من سلالة تيمورلنك المشهور: من علماء الملوك المسلمين. فتح بلدانا كثيرة. ووصفه مؤرخوه بأنه المجاهد العالم الصوفي. حفظ القرآن من صغره وكتب الخط المنسوب ومنه مصحف بخطه أرسله إلى الحرم النبوي. وكان مرجعا للعلماء. وأمر الاحناف منهم بأن يجمعوا باسمه فتاوى لما يحتاج إليه من الاحكام الشرعية، فجمعوا (الفتاوى الهندية - ط) أربعة مجلدات، وتسمى (الفتاوى العالمكيرية) أقام في الملك خمسين سنة، وتوفي بالدكن ودفن في تربة آبائه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 46

السلطان محمد أورنك سلطان الهند زيب عالم كير بن خرم شاه جهان بن جهان كير ابن شاه أكبر ابن أبي النصر محمد همايون بن أبي الفيض روح الدين محمد باكير بن عمر شيخ ابن أبي سعيد باقرابا بن محمد بن محمد شاه ابن مران شاه جهان كير ابن أمير تيمورلنك السلطان المشهور سلطان الهند في عصرنا وأمير المؤمنين وامامهم وركن المسلمين ونظامهم المجاهد في سبيل الله العالم العلامة الصوفي العارف بالله الملك القائم بنصرة الدين الذي أباد الكفار في أرضه وقهرهم وهدم كنائسهم وأضعف شركهم وأيد الاسلام وأعلى في الهند مناره وجعل كلمة الله هي العليا وقام بنصرة الدين وأخذ الجزية من كفار الهند ولم يأخذها منهم ملك قبله لقوتهم وكثرتهم وفتح الفتوحات العظيمة ولم يزل يغزوهم وكلما قصد بلدا سلكها إلى أن نقله الله إلى دار كرامته وهو في الجهاد وصرف أوقاته للقيام بمصالح الدين وخدمة رب العالمين من الصيام والقيام والرياضة التي لا يتيسر بعضها لآحاد الناس فضلا عنه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان موزعا لأوقاته فوقت للعبادة ووقت للتدريس ووقت لمصالح العسكر ووقت للشكاة ووقت لقراءة الكتب والأخبار الواردة عليه كل يوم وليلة من مملكته لا يخلط شيئا بشيء والحاصل إنه كان حسنة من حسنات الزمان ليس له نظير في نظام سلطنته ولا مداني وقد ألفت في سلطنته وحسن سيرته الكتب الطويلة بالفارسية غيرها فمن أرادها فليطلع عليها مولده سنة ثمان وعشرين وألف وجاء تاريخه بالفارسة اقتاب عالم قاب وربى في حجر والده واشتغل بحفظ القرآن من صغره حتى حفظه وجوده واشتغل بالخط حتى كتب الخط المنسوب يضرب بحسنه المثل وكتب مصحفا بخطه وأرسله للحرم النبوي وهو معروف ثم شرع في تحصيل العلوم حتى حصل منها الكثير الطيب وصار مرجعا للعلماء وحضرته محط رحال الفضلاء ثم اشتغل بعلوم الطريق وأخذ عن كثير من أهله العارفين بالله حتى حصلت له نفحة من بعض أولياء الله تعالى وبشره بأشياء حصلت له واشتهر ذكره في حياة والده وعظم قدره وولاه والده الأعمال العظيمة فباشرها أحسن مباشرة ثم حصل لوالده فالج عطله عن الحركة وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دار شكراه فبسط يده على البلاد وصار هو المرجع والسلطان معنى فلم ترض نفس المترجم وأخوه مراد بخش بذلك فاتفقا على أن يقبضا عليه ويتولى المملكة منهما مراد بخش فقبضا عليه ثم احتال اورنك زيب على مراد بخش أيضا وقبض عليه ووضع أخويه في الحبس ثم قتلهما لأمور صدرت منهما زعم انهما استوجبا بها ذلك وحبس والده واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين وألف وأراد الله بأهل الهند خيرا فإنه رفع المظالم والمكوس وطلع من الأفق الهندي فجره وظهر من البرج التيموري بدره وفلك مجده دائر ونجم سعده سائر وأسر غالب ملوك الهند المشهورين وصارت بلادهم تحت طاعته وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد ولم يرجع إلى مقر ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه وكلما فتح بلاد أشرع في فتح أخرى وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة وقونه لا يمكن التعبير عنها بعبارة تؤديها حقها والملك لله وحده وأقام في الهند دولة العلم وبالغ في تعظيم أهله حتى قصده الناس من كل البلاد والحاصل إنه ليس له نظير في عصره في ملوك الاسلام في حسن السيرة والخوف من الله سبحانه والجد في العبادة وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوي تجمع جل مذهبهم مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية فجمعت في مجلدات وسماها بالفتاوي العالم كيرية واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية وعم النفع بها وصارت مرجعا للمفتين ولم يزل على ذلك حتى توفي بالركن في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف ونقل إلى تربة آبائه وأجداده وأقام في الملك خمسين سنة رحمه الله تعالى.

  • دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 4- ص: 113