الصنعاني محمد بن اسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، ابو ابراهيم، عز الدين المعروف كاسلافه بالامير: مجتهد من بيت الامامة في اليمن، يلقب (المؤيد بالله) ابن المتوكل على الله. اصيب بمحن كثيرة من الجهلاء و العوام. له نحو مئة مؤلف، ذكر صديق حسن خان ان اكثرها عنده (في الهند) ولد بمدينة كحلان، و نشأ و توفي بصنعاء. من كتبه (توضيح الافكار، شرح تنقيح الانظار –ط) مجلدان في مصطلح الحديث و (سبل السلام، شرح بلوغ المرام من ادلة الاحكام لابن حجر العسقلاني –ط) و (منحة الغفار) حاشية على ضوء النهار و (اسبال المطر على قصب السكر) و (المسائل المرضية في بيان اتفاق أهل السنة و الزيدية) و (اليواقيت، في المواقيت) و (الروض النضير) في الخطب، و (ارشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد-ط) و (شرح الجامع الصغير للسيوطي) اربع مجلدات و (تطهير الاعتقاد عن ادران الالحاد-ط) و (الرد على من قال بوحدة الوجود) و (ديوان شعر).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 38
السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي
بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدي بن محمد بن ادريس بن على ابن محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل ابن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف ولد ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة 1099 تسع وتسعين وألف بكحلان ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء سنة 1107 وأخذ عن علمائها كالسيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن والسيد العلامة صلاح بن الحسين الاخفش والسيد العلامة عبد الله بن علي الوزير والقاضي العلامة علي بن محمد العنسي ورحل إلى مكة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتفرد برئاسة العلم في صنعاء وتظهر بالاجتهاد وعمل بالأدلة ونفر عن التقليد وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن منها في أيام المتوكل على الله القاسم بن الحسين ثم في أيام ولده الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم ثم في أيام ولده الإمام المهدي العباس بن الحسين وتجمع العوام لقتله مرة بعد أخرى وحفظه الله من كيدهم ومكرهم وكفاه شرهم وولاه الإمام المنصور بالله الخطابة بجامع صنعاء فاستمر كذلك إلى أيام ولده الإمام المهدي
واتفق في بعض الجمع أنه لم يذكر الأئمة الذين جرت العادة بذكرهم في الخطبة الأخرى فثار عليه جماعة من آل الإمام الذين لا أنسة لهم بالعلم وعضدهم جماعة من العوام وتواعدوا فيما بينهم على قتله في المنبر يوم الجمعة المقبلة وكان من أعظم المحشدين لذلك السيد يوسف العجمى الإمامى القادم في أيام الإمام المنصور بالله والمدرس بحضرته فبلغ الإمام المهدي ما قد وقع التواطأ عليه فأرسل لجماعة من أكابر آل الإمام وسجنهم وأرسل لصاحب الترجمة أيضا وسجنه وأمر من يطرد السيد يوسف المذكور حتى يخرجه من الديار اليمنية فكنت عند ذلك الفتنة وبقي صاحب الترجمة نحو شهرين ثم خرج من السجن وولى الخطابة غيره واستمر ناشرا للعلم تدريسا وإفتاء وتصنيفا وما زال في محن من أهل عصره وكانت العامة ترميه بالنصب مستدلين على ذلك بكونه عاكفا على الأمهات وسائر كتب الحديث عاملا بما فيها ومن صنع هذا الصنع رمته العامة بذلك لا سيما إذا تظهر بفعل شيء من سنن الصلاة كرفع اليدين وضمهما ونحو ذلك فإنهم ينفرون عنه ويعادونه ولا يقيمون له وزنا مع أنهم في جميع هذه الديار منتسبون إلى الإمام زيد بن علي وهو من القائلين بمشروعية الرفع والضم وكذلك ما زال الأئمة من الزيدية يقرأون كتب الحديث الأمهات وغيرها منذ خرجت إلى اليمن ونقلوها في مصنفاتهم الأولى فالأول لا ينكره إلا جاهل أو متجاهل وليس الذنب في معاداة من كان كذلك للعامة الذين لا تعلق لهم بشئ من المعارف العلمية فإنهم اتباع كل ناعق إذا قال لهم من له هيئة أهل العلم إن هذا الأمر حق قالوا حق وإن قال باطل قالوا باطل إنما الذنب لجماعة قرأوا شيئا من كتب الفقه ولم يمعنوا فيها ولا عرفوا غيرها فظنوا لقصورهم أن المخالفة لشئ منها مخالفة للشريعة بل القطعي من قطعياتها مع أنهم يقرأون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها ولكن لا يعقلون حقيقة ولا يهتدون إلى طريقة بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الاجتهاد وخالف شيئا باجتهاده جعلوه خارجا عن الدين والغالب عليهم أن ذلك ليس لمقاصد دينية بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها وهي أن يشيع في الناس أن من أنكر على أكابر العلماء ما خالف المذهب من اجتهاداتهم كان من خلص الشيعة الذابين عن مذهب الآل وتكون تلك الشهرة مفيدة في الغالب لشئ من منافع الدنيا وفوائدها فلا يزالون قائمين وثائرين في تخطئة أكابر العلماء ورميهم بالنصب ومخالفة أهل البيت فتسمع ذلك العامة فتظنه حقاً وتعظم ذلك المنكر لأنه قد نفق على عقولها صدق قوله وظنوه من المحامين عن مذهب الأئمة ولو كشفوا عن الحقيقة لوجدوا ذلك المنكر هو المخالف لمذهب الأئمة من أهل البيت بل الخارج عن إجماعهم لأنهم جميعاً حرموا التقليد على من بلغ رتبة الاجتهاد وأوجبوا عليه أن يجتهد رأي نفسه ولم يخصوا ذلك بمسئلة دون مسئلة ولكن المتعصب أعمى والمقصر لا يهتدي إلى صواب ولا يخرج عن معتقده إلا إذا كان من ذوى الألباب مع أن مسئلة تحريم التقليد على المجتهد هي محررة في الكتب التي هي مدارس صغار الطلبة فضلا عن كبارهم بل هي في أول بحث من مباحثها يتلقنها الصبيان وهم في المكتب.
ومن جملة ما اتفق لصاحب الترجمة من الامتحانات أنه لما شاع في العامة ما شاع عنه بلغ ذلك أهل جبل برط من ذوي محمد وذوي حسين وهم إذ ذاك جمرة اليمن الذين لا يقوم لهم قائم فاجتمع أكابرهم ومن أعظم رؤسائهم حسن بن محمد العنسي البرطي وخرجوا على الإمام المهدي في جيوش عظيمة ووصلت منهم الكتب أنهم خارجون لنصرة المذهب وأن صاحب الترجمة قد كاد يهدمه وأن الإمام مساعد له على ذلك فترسل عليهم العلماء الذين لهم خبرة بالحق وأهله ورتبة في العلم فما أفاد ذلك وآخر الأمر جعل لهم الإمام زيادة في مقرراتهم قيل أنها نحو عشرين ألف قرش في كل عام فعادوا إلى ديارهم وتركوا الخروج لأنه لا مطمع لهم في غير الدنيا ولا يعرفون من الدين إلا رسوما بل يخالفون ما هو من القطعيات كقطع ميراث النساء والتحاكم إلى الطاغوت واستحلال الدماء والأموال وليسوا من الدين في ورد ولا صدر، ومن محن الدنيا أن هؤلاء الأشرار يدخلون صنعاء لمقررات لهم في كل سنة ويجتمع منهم ألوف مؤلفة فإذا رأوا من يعمل باجتهاده في الصلاة كأن يرفع يديه أو يضمها إلى صدره أو يتورك أنكروا ذلك عليه وقد تحدث بسبب ذلك فتنة ويتجمعون ويذهبون إلى المساجد التي تقرأ فيها كتب الحديث على عالم من العلماء فيثيرون الفتن وكل ذلك بسبب شياطين الفقهاء الذين قدمنا ذكرهم وأما هؤلاء الأعراب الجفاة فأكثرهم لا يصلي ولا يصوم ولا يقوم من فروض الإسلام سوى الشهادتين على ما في لفظه بهما من عوج واتفق في شهر الذي حررت فيه الترجمة أنه دخل جماعة منهم وفيهم عجب وتيه واستخفاف بأهل صنعاء على عادتهم وقد كانوا نهبوا في الطرقات فوصلوا إلى باب مولانا الإمام حفظه الله فرأى رجل بقرة له معهم فرام أخذها فسل من هي معه من أهل بكيل السلاح على ذلك الذي رام أخذ بقرته فثار عليهم أهل صنعاء الذين كانوا مجتمعين في باب الخليفة وهم جماعة قليلون من العوام وهؤلاء نحو أربعمائة فوقع الرجم لهؤلاء من العامة ثم بعد ذلك أخذوا ما معهم من الجمال التي يملكونها وكذلك سائر دوابهم فضلا عن الدواب التي نهبوها على المسلمين وأكثر بنادقهم وسائر سلاحهم وقتلوا منهم نحو أربعة أنفار أو زيادة وجنوا على جماعة منهم وما وسعهم إلا الفرار إلى المساجد وإلى محلات قضاء الحاجة ولولا أن الخليفة بادر بزجر العامة عند ثوران الفتنة لما تركوا منهم أحد فصاروا الآن في ذلة عظيمة زادهم الله ذلة وقلل عددهم.
وقد كان كثر اتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة وعملو باجتهاده وتظهروا بذلك وقرأوا عليه كتب الحديث وفهم جماعة من الأجناد بل كان الإمام المهدي يعجبه التظهر بذلك وكذلك وزيره الكبير الفقيه أحمد بن علي النهمي وأميره الكبير الماس المهدي وما زال ناشرا لذلك في الخاصة والعامة غير مبال بما يتوعده به المخالفون له ووقعت في أثناء ذلك فتن كبار وقاه الله شرها وله مصنفات جليلة حافلة منها سبل السلام اختصره من البدر التمام للمغربي.
ومنها منحة الغفار جعلها حاشية على ضوء النهار للجلال، ومنها العدة جعلها حاشية على شرح العمدة لابن دقيق العيد ومنها شرح الجامع الصغير للأسيوطي في أربعة مجلدات شرحه قبل أن يقف على شرح المناوي، ومنها شرح التنقيح في علوم الحديث للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وسماه التوضيح، ومنها منظومة الكافل لابن مهران في الأصول وشرحها شرحا مفيدا وله مصنفات غير هذه وقد أفرد كثيرا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات وله شعر فصيح منسجم جمعه ولده العلامة عبد الله بن محمد في مجلد وغالبه في المباحث العلمية والتوجع من أبناء عصره والردود عليهم وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين وقد رأيته في المنام في سنة 1206 وهو يمشي راجلا وأنا راكب في جماعة معي فلما رأيته نزلت وسلمت عليه فدار بيني وبينه كلام حفظت منه أنه قال دقق الإسناد وتأنق في تفسير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطر ببالي عند ذلك أنه يشير إلى ما أصنعه في قراءة البخاري في الجامع وكان يحضر تلك القراءة جماعة من العلماء ويجتمع من العوام عالم لا يحصون فكنت في بعض الأوقات أفسر الألفاظ الحديثية بما يفهم أولئك العوام الحاضرون فأردت أن أقول له إنه يحضر جماعة لا يفهمون بعض الألفاظ العربية فبادر وقال قبل أن أتكلم قد علمت أنه يقرأ عليك جماعة وفيهم عامة ولكن دقق الإسناد وتأنق في تفسير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سألته عند ذلك عن أهل الحديث ما حالهم في الآخرة فقال بلغوا بحديثهم الجنة أو بلغوا بحديثهم بين يدي الرحمن الشك مني ثم بكى بكاء عاليا وضمني إليه وفارقني فقصصت ذلك على بعض من له يد في التعبير وسألته عن تأويل البكاء وللضم فقال لا بد أن يجري لك شيء مما جرى له من الامتحان فوقع من ذلك بعد تلك الرؤيا عجائب وغرائب كفى الله شرها وتوفي رحمه الله سنة 1182 اثنتين وثمانين ومائة وألف في يوم الثلاثاء ثالث شهر شعبان منها ونظم بعضهم تاريخه فكان هكذا محمد في جنان الخلد قد وصلا ورثاه شعراء العصر وتأسفوا عليه وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون منهم شيخنا السيد العلامة عبد القادر بن أحمد والقاضي العلامة أحمد بن محمد قاطن والقاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال والسيد العلامة الحسن بن إسحاق بن المهدي والسيد العلامة محمد بن إسحاق بن المهدي وقد تقدمت تراجمهم وغيرهم مما لا يحيط بهم الحصر ووالده كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا الراغبين في العمل وله عرفان تام وشعر جيد، ومات في ثالث شهر ذي الحجة سنة 1142 اثنتين وأربعين ومائة وألف وكان ولده صاحب الترجمة إذ ذاك بشهارة
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 133