الإمام الشافعي محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان شافع الهاشمي القرشي المطلبي، ابو عبد الله: احد الائمة الاربعة عند أهل السنة. واليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة بفلسطين وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد: كان الشافعي اشعر الناس وآدبهم واعرفهم بالفقه والقراآت. وقال الامام ابن حنبل: ما احد ممن بيده محبرة او ورق الا الشافعي في رقبته منة. وكان من احذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك اولا كما برع في الشعر واللغة وايام العرب، ثم اقبل على الفقه والحديث، وافتى وهو ابن عشرين سنة وكان ذكيا مفرطا، له تصانيف كثيرة، اشهرها كتاب (الام-ط) في الفقه، سبع مجلدات، جمعه البويطي، وبوبه الربيع بن سليمان، ومن كتبه (المسند –ط) في الحديث و (احكام القرآن-ط) و (السنن-ط) و (الرسالة-ط) في اصول الفقه، و (اختلاف الحديث –ط) و (السبق والرمي) و (فضائل قريش) و (ادب القاضي) و (المواريث). وللحفاظ عبد الرؤوف المناوي، كتاب (مناقب الامام الشافعي –خ) وللشيخ مصطفى عبد الرزاق رسالة (الامام الشافعي –ط) في سيرته، ولحسين الرفاعي (تاريخ الامام الشافعي-ط) ولمحمد ابي زهرة كتاب (الشافعي-ط) ولمحمد زكي مبارك رسالة في ان (كتاب الام لم يؤلفه الشافعي وانما الفه البويطي –ط) يعني ان البويطي جمعه مما كتب الشافعي. وفي طبقات الشافعية للسبكي، بعض ما صنف في مناقبه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 6- ص: 26

الإمام الشافعي رضي الله عنه محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السايب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي الإمام أبو عبد الله الشافعي المكي الفقيه المطلبي نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد سنة خمسين وماية بغزة وقيل باليمن وقيل بعسقلان وغزة أصح وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها وأقبل على الأدب والعربية والشعر فبرع في ذلك، وحبب إليه الرمي حتى فاق الأقران وصار يصيب من العشرة تسعة، ثم كتب العلم، لقي جده شافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع وكان أبوه السايب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له لم لم تسلم قبل أن تفدي نفسك قال ما كنت لا حرم المؤمنين طمعا لهم في، وروى عن مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة وداود بن عبد الرحمن العطار وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وعمه محمد بن علي بن شافع ومالك بن أنس وعرض عليه الموطأ حفظا وعطاف بن خالد وسفين بن عيينة وإبراهيم بن سعد وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي الفقيه واسمعيل بن جعفر وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وعبد العزيز الدراوردي ومحمد بن علي الجندي ومحمد بن الحسن الفقيه واسمعيل بن علية ومطرف بن مازن قاضي صنعاء وخلق سواهم، وكانت أمه أزدية، قال ابن عبد الحكم: لما حملت به أمه رأت كان المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شطية فتأول المعتبرون أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في ساير البلدان، وقال الشافعي: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وقرأت الموطأ وأنا ابن عشر سنين وأقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها ولغاتها وحفظت القرآن فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين أحدهما دساها، وكان يختم القرآن في رمضان ستين مرة وكان من أحسن الناس قراءة، روى الزبير بن عبد الواحد الإستراباذي قال: سمعت عباس بن الحسين يقول سمعت بحر بن نصر يقول كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض قوموا بنا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن فإذا أتيناه استفتح القرآن حتى يتساقط الناس ويكثر عجيبهم بالبكاء من حسن صوته فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة، ولما حج بشر المريسى رجع قال لأصحابه رأيت شابا من قريش بمكة ما أخاف على مذهبنا إلا منه يعنى الشافعي، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يا أبه أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي للدنيا كالشمس وكالعافية للناس فهل رأيت لهذين من خلف أو منهما عوض، وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول سميت ببغداذ ناصر الحديث، حكى البيهقي عن عبد الله بن أحمد قال: قال لي الشافعي أنتم أعلم بالأخبار منا فإذا كان خبر صحيح فأخبرني به حتى أذهب إليه قال البيهقي إنما أراد أحاديث العراق أما أحاديث الحجاز فالشافعي أعلم بها من غيره، وقال أحمد بن حنبل: ما أحد مس محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: ما عند الشافعي حديث فيه غلط، وقال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صنج أو جرس من حسن صوته، وقال الشافعي: تعبد من قبل أن ترأس فإنك إن رأست لم تقدر أن تتعبد، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي ناظرا أحدا إلا رحمته ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك وهو الذي علم الناس الحجج، وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحايط، وقال الربيع: سمعته يقول أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به، وقال أبو ثور: سمعته يقول كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي، وقال الربيع: كان الشافعي عند مالك وعنده سفين بن عيينة والزنجي فأقبل رجلان فقال أحدهما أنا رجل أبيع القماري وقد أبعت هذا قمريا وحلفت له بالطلاق أنه لا يهدأ من الصياح فلما كان بعد ساعة أتاني وقال قد سكت فرد علي وقد حنثت فقال مالك بانت منك امرأتك فمرا بالشافعي وقصا عليه القصة فقال للبايع أردت أن لا يهدأ أبدا أو أن كلامه أكثر من سكوته فقال بل أردت أن كلامه أكثر من سكوته لأني أعلم أنه يأكل ويشرب وينام فقال الشافعي رد عليك امرأتك فإنها حلال وبلغ ذلك مالكا فقال للشافعي من أين لك هذا قال من حديث فاطمة بنت قيس فإنها قالت يرسول الله إن معوية وأبا جهم خطباني فقال لها أن معوية رجل صعلوك وأن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه وقد كان أبو جهم ينام ويستريح وإنما خرج كلامه على الغالب فعجب مالك وقال الزنجي أفت فقد آن لك أن تفتي وهو ابن خمس عشرة سنة، وقال الشافعي: العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان يعني الفقه والطب، وكان يتطير من الأعور والأحول والأعرج والأحدب والأشقر جدا وقال: إياكم وأصحاب العاهات، وقال: كلما طالت اللحية تكوسج العقل، وقال: من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل قدره ومن تعلم اللغة والنحو رق طبعه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه، وكان يقول: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلى على الناهد، وقال: ما حلفت بالله لا صادقا ولا كاذبا، وقال الحميدي: قدم الشافعي صنعاء فضربت له خيمة ومعه عشرة آلاف دينار فجاء قوم فسألوه فما قلعت الخيمة ومعه منها شيء، وقال ابن عبد الحكم: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وقال الشافعي: خرجت إلى اليمن وكان بها وال غشوم من قبل الرشيد فكنت أمنعه من الظلم وآخذ على يده وكان باليمن سبعة من العلوية ولا أمر لي معه ولا نهى فكتب إليه بحملنا جميعا فحملنا فضربت رقاب العلوية ونظر إلي فوعظته فبكى وقال من أنت فقلت المطلبي فأعجبه كلامي وأعطاني خمسين ألفا ففرقتها في حجابه وأصحابه ومن على بابه وقال لي ألزم بابي ومجلسي وكان محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة جيد المنزلة عنده فجالسته وعرفت قوله ووقعت منه موقعا فكان إذا قام ناظرت أصحابه فقال لي يوما ناظرني قلت أجلك عن المناظرة قال لا قل قلت ما تقول في رجل غصب ساحة فبنى عليها دارا قيمتها ألف دينار فجاء صاحبها فأقام البينة أنها ساحته قال له قيمتها ولا تقلع قلت ولم قال لقوله عليه السلام لا ضرر ولا إضرار في الدين قلت الغاصب أدخل الضرر على نفسه ثم قال محمد ما تقول في من غصب خيط إبريسم فخاط به بطن نفسه فجاء إنسان أقام البينة أن هذا الخيط له أينزع من بطنه قلت لا قال ناقضت قولك قلت لا تعجل هذا الضرر أعظم وأوردت عليه لوح السفينة ومسايل من هذا الجنس، وكان وروده إلى بغداذ سنة خمس وتسعين وماية فأقام بها شهرا وخرج إلى مصر وكان وصوله إليها سنة تسع وتسعين ولم يزل بها إلى أن مات، وقال الربيع: كنت أنا والمزني والبويطي عند الشافعي فقال لي أنت تموت في الحديد وقال للمزني لو ناظر الشيطان قطعه وجدله وقال للبويطي أنت تموت في الحديد فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيدا مغلولا، وقال الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها جميعها، وقيل أنه نظر في التنجيم فجلس يوما وامرأته في الطلق فقال تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود تموت إلى كذا وكذا فكان الأمر كما قال فجعل على نفسه أن لا ينظر في التنجيم أبدا ودفن تلك الكتب، وقال المزني: قدم علينا الشافعي فأتاه ابن هشام صاحب المغازي فذاكره أنساب الرجال فقال له الشافعي بعد أن تذاكرا دع عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك وخذ بنا في أنساب النساء فلما أخذا فيها بقي ابن هشام ساكتا وقال ما ناظرت أحدا على الغلبة وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب يعنى كتبه على أن لا ينسب إلي منها شيء قال هذا يوم الأحد ومات يوم الخميس وقيل يوم الجمعة وانصرف الناس من جنازته ليلة الجمعة فرأوا هلال شعبان سنة أربع وماتين رحمه الله ورضي عنه وله ثمان وخمسون سنة، وقال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع حدثني أبو الليث الخفاف وكان معدلا حدثني العزيزي وكان متعبدا قال رأيت ليلة مات الشافعي كأنه يقال لي مات النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة فأصبحت فقيل مات الشافعي رحمه الله، قال سفين بن وكيع: رأيت فيما يرى النايم كان القيامة قد قامت والناس في أمر عظيم إذ بدر لي أخي فقلت ما حالكم قال عرضنا على ربنا قلت فما حال أبي قال غفر له وأمر به إلى الجنة قلت فمحمد بن إدريس قال حشر إلى الرحمن وفدا وألبس حلل الكرامة وتوج بتاج البهاء، وقال أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي: رأيت في المنام النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة كأني جئت إليه وقلت يرسول الله أكتب رأي أبي حنيفة قال لا قلت أكتب رأي مالك قال لا تكتب منه إلا ما وافق حديثي قلت أكتب رأي الشافعي فقال بيده هكذا كأنه انتهرني وقال تقول رأى الشافعي أنه ليس برأي ولكنه رد على من خالف سنتي، وقال الشيخ شمس الدين: وقد روي عن جماعة عديدة نحو هذه القصة والتي قبلها في أنه غفر له وساق منها الحافظ ابن عساكر جملة، وقال الربيع بن سليمان: رأيته في المنام فقلت يابا عبد الله ما فعل الله بك قال أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب، وكان الشافعي رضي الله عنه نحيفا خفيف العارضين يخضب بالحناء، قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي به علة البواسير ولا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوة وما لقي أحد من السقم ما لقي، وقال ابن عبد الحكم: كان لا يستطيع أن يقرب النساء للبواسير التي به، قال الشيخ شمس الدين: أصابه هذا بآخرة وإلا فقد تزوج وجاءته الأولاد، ومصنفاته كثيرة منها: الأم، وكتابه في الفروع رواه عنه الزعفراني في نيف وعشرين جزءا، قال ابن زولاق: صنف بمصر نحو مايتي جزء منها: الأمالي الكبير ثلثون جزءا، والأمالي الصغير اثنا عشر جزءا، وكتاب السنن ثلثون جزءا، قال ابن خلكان وغيره: الشافعي أول من تكلم في أصول الفقه، وقال أبو ثور: من قال أنه رأى مثل الشافعي في علمه وفصاحته ومعرفته وبيانه وتمكنه فقد كذب، وقال الربيع: كنا جلوسا في حلقة الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا أعرابي وقال أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ قلنا توفي فبكى بكاء شديدا وقال رحمه الله وغفر له فلقد كان يفتح ببيانه مغلق الحجة، ويسد على خصمه واضح المحجة، ويغسل من العار وجوها مسودة، ويوسع بالرأي أبوابا منسدة ثم انصرف، والشافعي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف وهي أم عبد يزيد، وقال الإمام أحمد: قد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل ماية سنة من يجدد لها دينها قال أحمد فنظرنا في رأس الماية الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في الثانية فإذا هو الشافعي، وأقوال الشافعي القديمة كلها مذهب مالك رضي الله عنه وقيل أنه قال إنما رجعت إلى أقوالي الجديدة لأني لما دخلت مصر بلغني أن بالمغرب قلنسوة من قلانس مالك يستسقى بها الغيث فخفت أن يتمادى الزمان ويعتقد فيه ما أعتقد في المسيح فأظهرت خلافه ليعلم الناس أنه إمام مجتهد يخطئ ويصيب، وهذا مقصد صالح رضي الله عنه، وقال الشافعي: ما رأيت مثل أهل مصر اتخذوا الجهل علما يقولون في مسايل هذه ما قال مالك فيها شيئا، أو كما قال، وإنما لم يخرج البخاري ولا مسلم ولا أبو داود ولا الترمذي ولا أرباب السنن المشهورة لأنهم وقع لهم أرفع رواية منه، قال الشيخ شمس الدين في كتاب من تكلم فيه وهو موثق: الإمام الشافعي ثقة لا عبرة بقول من لينه فإنه تكلم فيه بهوى، وقال الخطيب: الإمام الشافعي رب الفقهاء وتاج العلماء قدم بغداذ مرتين وحدث بها وسموه ناصر الحديث، وقال أحمد بن حنبل: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي، وقرأ الأصمعي على الشافعي شعر الهذيليين وحسبك بمن يقرأ الأصمعي عليه، وقال الربيع بن سليمان: خرجنا مع الشافعي من مكة نريد منى فلم ننزل واديا ولم نصعد شعبا إلا وسمعته يقول:

وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: نقلت من خط الحافظ السلفي للشافعي:
وقال الشافعي: تزوجت امرأة بمكة من قريش وكنت أمازحها فأقول:
#ومن البلية أن تحب ولا يحبك من تحبه فتقول هي:
ومن المنسوب إليه:
ومن المنسوب إليه أيضا:
وقال المزني: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت له كيف أصبحت فقال أصبحت من الدنيا راحلا ولأخواني مفارقا ولكأس المنية شاربا ولسوء أعمالي ملاقيا وعلى الله واردا فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشد:
وقال المزني أيضا: سمعته ينشد:
يقال أن الإمام فخر الدين الرازي شرح هذه الأبيات في مجلدة، ولما مات الشافعي رحمه الله تعالى رثاه خلق كثير وأورد الخطيب قول ابن دريد اللغوي قصيدة يرثيه بها منها:
منها:
قال أبو المظفر ابن الجوزي: سمعت جدي ينشد في مجالس وعظه:
وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان: أخبرني أحد المشايخ الفضلاء أنه عمل في مناقب الشافعي رضي الله عنه ثلثة عشر تصنيفا انتهى، قلت: وللإمام فخر الدين الرازي مجلد في ترجيح مذهب الشافعي على غيره فيه له مناقب كثيرة ولصاحب الكشاف مصنف سماه شافي العي من كلام الشافعي

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 2- ص: 0

محمد بن ادريس الشافعي الإمام:

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد. وهاشم هذا الذي في نسب الشافعي ليس هو هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ذاك هاشم بن عبد مناف فهاشم هذا هو ابن أخي ذاك.

ولد فيما حكاه الشافعي عن نفسه أنه قال: ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين، قال: وكانت أمي من الأزد، وغزة من بيت المقدس على ثلاث مراحل.

وفي رواية أخرى عن الشافعي أنه قال: ولدت بعسقلان، وعسقلان من غزة على ثلاثة فراسخ، وكلاهما من فلسطين. وكان مولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة، ولا اختلاف في أن وفاة أبي حنيفة كانت سنة خمسين ومائة، ومات الشافعي رحمة الله عليه في رجب سنة أربع ومائتين وهو ابن أربع وخمسين سنة، وكان قدومه مصر سنة ثمان وتسعين ومائة. وقد روى الزعفراني عن أبي عثمان ابن الشافعي أن الشافعي مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة.

وفي رواية ان الشافعي قال: ولدت باليمن فخافت أمي علي الضيعة فحملتني إلى مكة وأنا يومئذ ابن عشر أو شبيه بذلك، وتأول بعضهم قوله باليمن بأرض أهلها وسكانها قبائل اليمن. وبلاد غزة وعسقلان كلها من قبائل اليمن وبطونها. قلت: وهذا عندي تأويل حسن إن صحت الرواية وإلا فلا شك أنه ولد بغزة وانتقل إلى عسقلان إلى أن ترعرع.

وأما طلبه للعلم فحدث الزبير بن بكار عن عمه مصعب بن عبد الله بن الزبير أنه خرج إلى اليمن فلقي محمد بن إدريس الشافعي وهو مستحصف في طلب الشعر والنحو والغريب، قال فقلت له: إلى كم هذا؟ لو طلبت الحديث والفقه كان أمثل بك، وانصرفت به معي إلى المدينة فذهبت به إلى مالك بن أنس وأوصيته به؛ قال: وكان فتى حلوا، قال: فما ترك عند مالك بن أنس إلا الأقل ولا عند شيخ من مشايخ المدينة إلا جمعه، ثم شخص إلى العراق فانقطع إلى محمد بن الحسن فحمل عنه، ثم جاء إلى المدينة بعد سنين؛ قال: فخرجت به إلى مكة فكلمت له ابن داود وعرفته حاله الذي صار إليه، فأمر له بعشرة آلاف درهم.

حدث الآبري وهو أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري السجزي قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن المولد الرقي يحكي عن زكريا بن يحيى البصري ويحيى بن زكريا بن حيويه النيسابوري، كلاهما عن الربيع بن سليمان، وبعضهم يزيد على بعض في الحكاية، قال الربيع، سمعت الشافعي يقول:

كنت أنا في الكتاب أسمع المعلم يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا، ولقد كان الصبيان يكتبون أمليتهم فإلى أن يفرغ المعلم من الإملاء عليهم، قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: ما يحل لي أن آخذ منك شيئا. قال: ثم لما خرجت من الكتاب كنت أتلقط الخزف والرقوق وكرب النخل وأكتاف الجمال أكتب فيها الحديث وأجيء إلى الدواوين فأستوهب منها الظهور فأكتب فيها حتى كانت لأمي حباب فملأتها أكتافا وخزفا وكربا مملوءة حديثا. ثم إني خرجت عن مكة فلزمت هذيلا في البادية أتعلم كلامها وآخذ طبعها وكانت أفصح العرب. قال: فبقيت فيهم سبع عشرة سنة أرحل برحيلهم وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار وأيام العرب، فمر بي رجل من الزبيريين من بني عمي فقال لي: يا أبا عبد الله عز علي ألا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه فتكون قد سدت أهل زمانك، فقلت: فمن بقي ممن يقصد ؟ فقال لي:

مالك بن أنس سيد المسلمين يومئذ، قال: فوقع ذلك في قلبي فعمدت إلى «الموطأ» فاستعرته من رجل بمكة فحفظته في تسع ليال ظاهرا، قال: ثم دخلت إلى والي مكة وأخذت كتابه إلى والي المدينة وإلى مالك بن أنس، قال: فقدمت المدينة فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلما أن قرأ قال: يا فتى إن مشيي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون علي من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل حتى أقف على بابه، فقلت: أصلح الله الأمير إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر قال: هيهات، ليت أني إذا ركبت أنا ومن معي وأصابنا من تراب العقيق نلنا بعض حاجتنا؛ قال: فواعدته العصر، وركبنا جميعا فوالله لكان كما قال، لقد أصابنا من تراب العقيق، قال: فتقدم رجل فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير: قولي لمولاك إني بالباب، قال: فدخلت فأبطأت ثم خرجت فقالت: إن مولاي يقرئك السلام ويقول: إن كانت مسألة فارفعها في رقعة يخرج إليك الجواب، وإن كان للحديث فقد عرفت يوم المجلس فانصرف، فقال لها: قولي له إن معي كتاب والي مكة إليه في حاجة مهمة، قال: فدخلت وخرجت وفي يدها كرسي فوضعته، ثم إذا أنا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار، وهو شيخ طويل مسنون اللحية، فجلس وهو متطلس، فرفع إليه الوالي الكتاب فبلغ إلى هذا: «إن هذا رجل من أمره وحاله، فتحدثه وتفعل وتصنع». فرمى بالكتاب من يده ثم قال: سبحان الله، وصار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بالوسائل ؟ قال: فرأيت الوالي وقد تهيبه أن يكلمه، فتقدمت إليه وقلت: أصلحك الله، إني رجل مطلبي ومن حالي وقصتي، فلما أن سمع كلامي نظر إلي ساعة، وكانت لمالك فراسة فقال لي: ما اسمك؟

قلت: محمد، فقال لي: يا محمد اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن من الشأن، ثم قال: نعم وكرامة، إذا كان غدا تجيء ويجيء من يقرأ لك، قال فقلت: أنا أقوم بالقراءة، قال: فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأه ظاهرا والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكا وأردت أن أقطع أعجبه حسن قراءتي وإعرابي فيقول: يا فتى زد، حتى قرأته في أيام يسيرة، ثم أقمت بالمدينة حتى توفي مالك بن أنس، ثم خرجت إلى اليمن فارتفع لي بها الشأن، وكان بها وال من قبل الرشيد وكان ظلوما غشوما وكنت ربما آخذ على يديه وأمنعه من الظلم. قال: وكان باليمن تسعة من العلوية قد تحركوا فكتب الوالي إلى الخليفة يقول إن ناسا من العلوية قد تحركوا وإنى أخاف أن يخرجوا وإن هاهنا رجلا من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي. قال: فكتب إليه هارون أن احمل هؤلاء واحمل الشافعي معهم فقرنت معهم؛ قال: فلما قدمنا على هارون الرشيد أدخلنا عليه وعنده محمد بن الحسن، قال: فدعا هارون بالنطع والسيف وضرب رقاب العلوية ثم التفت محمد بن الحسن فقال: يا أمير المؤمنين هذا المطلبي لا يغلبنك بفصاحته فإنه رجل لسن، فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين فإنك الداعي وأنا المدعو، وأنت القادر على ما تريد مني ولست القادر على ما أريده منك، يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده أيهما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه، قال قلت: فذاك أنت يا أمير المؤمنين، قال فقال لي: كيف ذاك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين إنكم ولد العباس وهم ولد علي، ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس ترونا اخوتكم وهم يرونا عبيدهم، قال: فسري ما كان به، فاستوى جالسا فقال: يا ابن ادريس كيف علمك بالقرآن؟

قلت: عن أي علومه تسألني؟ عن حفظه فقد حفظته ووعيته بين جنبي وعرفت وقفه وابتداءه وناسخه ومنسوخه وليليه ونهاريه ووحشيه وإنسيه وما خوطب به العام يراد به الخاص وما خوطب به الخاص يراد به العام؛ فقال لي: والله يا ابن ادريس لقد ادعيت علما فكيف علمك بالنجوم؟ فقلت: إني لأعرف منها البري من البحري والسهلي والجبلي والفيلق والمصبح وما تجب معرفته، قال: فكيف علمك بأنساب العرب؟ قال فقلت: إني لأعرف أنساب اللئام وأنساب الكرام ونسبي ونسب أمير المؤمنين، قال: لقد ادعيت علما، فهل من موعظة تعظ بها أمير المؤمنين؟ قال:

فذكرت موعظة لطاوس اليماني فوعظته بها فبكى وأمر لي بخمسين ألفا. وحملت على فرس، وركبت من بين يديه وخرجت، فما وصلت الباب حتى فرقت الخمسين ألفا على حجاب أمير المؤمنين وبوابيه، قال: فلحقني هرثمة وكان صاحب هارون فقال: اقبل هذه مني، قال فقلت له: إني لا آخذ العطية ممن هو دوني وإنما آخذها ممن هو فوقي، قال: فوجد في نفسه، قال: وخرجت كما أنا حتى جئت منزلي، فوجهت إلى كاتب محمد بن الحسن بمائة دينار وقلت: اجمع الوراقين الليلة على كتب محمد بن الحسن وانسخها لي ووجه بها إلي، قال: فكتبت لي ووجه بها إلي.

قال: اجتمعنا أنا ومحمد بن الحسن على باب هارون، وكان يجلس فيه القضاة والأشراف ووجوه الناس إلى أن يؤذن لهم، قال: واجتمعنا في ذلك المكان، قال:

وفيه جماعة من بني هاشم وقريش والأنصار والخلق يعظمون محمد بن الحسن لقربه من أمير المؤمنين وتمكنه، قال: فاندفع يعرض بي ويذم أهل المدينة، فقال: من أهل المدينة؟ وأي شيء يحسن أهل المدينة؟ والله لقد وضعت كتابا على أهل المدينة كلها لا يخالفني فيه أحد، ولو علمت أن أحدا يخالفني في كتابي هذا تبلغني إليه آباط الابل لصرت حتى أرد عليه، قال الشافعي: فقلت إن أنا سكت نكست رؤوس من هاهنا من قريش، وإن أنا رددت عليه أسخطت علي السلطان، ثم إني استخرت الله في الرد عليه، فتقدمت إليه فقلت: أصلحك الله، طعنك على أهل المدينة وذمك لأهل المدينة إن كنت أردت رجلا واحدا وهو مالك بن أنس فألا ذكرت ذلك الرجل بعينه ولم تطعن على أهل حرم الله وحرم رسوله، وكلهم على خلاف ما ادعيته. وأما كتابك الذي ذكرت أنك وضعته على أهل المدينة فكتابك من بعد بسم الله الرحمن الرحيم خطأ إلى آخره: قلت في شهادة القابلة كذا وكذا وهو خطأ، وفي مسألة الحامل كذا وكذا وهو خطأ، وقلت في مسألة كذا وكذا كذا وهو خطأ، فاصفر محمد بن الحسن ولم يحر جوابا. وكتب أصحاب الأخبار إلى الرشيد بما كان، فضحك وقال:

ماذا ننكر لرجل من ولد المطلب أن يقطع مثل محمد بن الحسن. قال فعارضني رجل من أهل المجلس من أصحابه فقال: ما تقول في رجل دخل منزل رجل فرأى بطة ففقأ عينها ماذا يجب عليه؟ قال قلت: ينظر إلى قيمتها وهي صحيحة وقيمتها وقد ذهبت عينها فيقوم ما بين القيمتين. ولكن ما تقول أنت وصاحبك في رجل محرم نظر إلى فرج امرأة فأنزل؟ قال: ولم يكن لمحمد حذاقة بالمناسك، قال فصاح به محمد وقال له: ألم أقل لك لا تسأله؟ قال: ثم أدخلنا على الرشيد، فلما أن استوينا بين يديه قال لي يا أبا عبد الله تسأل أو اسأل؟ قال قلت: ذاك إليك، قال: فأخبرني عن صلاة الخوف أواجبة هي ؟ قلت: نعم، فقال: ولم؟ فقلت: لقول الله عز وجل: {إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} فدل أنها واجبة. فقال: وما تنكر من قائل قال لك إنما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهو فيهم، فلما زال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم زالت تلك الصلاة، فقلت: وكذلك قال الله عز وجل لنبيه {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم} فلما أن زال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم زالت عنهم الصدقة. فقال: لا، قلت: وما الفرق بينهما والنبي صلى الله عليه وسلم هو المأمور بهما جميعا؟ قال: فسكت ثم قال: يا أهل المدينة ما أجرأكم على كتاب الله، فقلت: الأجرأ على كتاب الله من خالفه، قال فقد قال الله عز وجل {وأشهدوا ذوي عدل منكم} فقلتم أنتم: نقضي باليمين مع الشاهد، فقلت: لكنا نقول بما قال الله ونقضي بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنك أنت إذا خالفت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خالفت كتاب الله. قال: وأين لكم رد اليمين؟ قال قلت: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأين؟ قلت: قصة حويصة ومحيصة وعبد الرحمن حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة القتيل تحلفون وتستحقون دم صاحبكم، قالوا: لم نشهد ولم نعاين؛ قال: فيحلف لكم يهود، فلما أن نكلوا رد اليمين إلى اليهود. قال فقال لي: إنما كان ذلك استفهاما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقلت: يا أمير المؤمنين هذا بحضرتك يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفهم من اليهود، فقال الرشيد. ثكلتك أمك يا ابن الحسن، رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفهم من اليهود؟ نطع وسيف، قال فلما رأيت الجد من أمير المؤمنين قلت: مهلا يا أمير المؤمنين فإن الخصمين إذا اجتمعا تكلم كل واحد منهما بما لا يعتقده ليقطع به صاحبه وما أرى أن محمدا يرى نقصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسريت عنه، قال: ثم ركبنا جميعا وخرجنا من الدار، قال فقال لي: يا أبا عبد الله فعلتها؟ قال: فقلت: فكيف رأيتها بعد ذلك؟

وللشافعي رضي الله عنه مع محمد بن الحسن مناظرات في عدة مواطن اقتصرنا على هذه قصدا للاختصار.

(مناظرة إسحاق بن راهويه مع الشافعي رضي الله عنه:) نقلت من «تاريخ نيسابور» للحاكم ومن «كتاب مناقب الشافعي» للآبري وجمعت بين الخبرين قصدا للاختصار مع نسبة كل قول إلى قائله: حدث الآبري باسناده، قال إسحاق بن راهويه: كنا عند سفيان بن عيينة نكتب أحاديث عمرو بن دينار، فجاءني أحمد بن حنبل فقال لي: يا أبا يعقوب قم حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله، قال: فقمت فأتى بي فناء زمزم، فإذا هناك رجل عليه ثياب بيض، تعلو وجهه السمرة، حسن السمت حسن العقل، وأجلسني إلى جانبه، فقال له: يا أبا عبد الله هذا إسحاق بن راهويه الحنظلي فرحب بي وحياني، فذاكرته وذاكرني فانفجر لي منه علم وأعجبه حفظي، قال: فلما أن طال مجلسنا قلت له: يا أبا عبد الله قم بنا إلى الرجل، قال: هذا هو الرجل، فقلت له: يا سبحان الله أقمنا من عند رجل يقول «حدثنا الزهري» فما توهمت إلا أن تأتي بنا إلى رجل مثل الزهري أو قريبا منه، فأتيت بنا إلى هذا الشاب (أو هذا الحدث). فقال لي: يا أبا يعقوب اقتبس من الرجل فانه ما رأت عيناي مثله. قال الآبري، قال إسحاق: فسألته عن سكنى بيوت مكة (أراد الكرى) فقال جائز. فقلت: أي يرحمك الله، وجعلت أذكر له الحديث عن عائشة وعبد الرحمن وعمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كره كرى بيوت مكة، وهو ساكت يسمع، وأنا أسرد عليه، فلما فرغت سكت ساعة وقال: أي يرحمك الله، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار، قال: فوالله ما فهمت عنه ما أراد بها ولا أرى أن أحدا فهمه. (قال الحاكم) فقال إسحاق: أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم فقلت: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك، وأخبرنا أبو نعيم وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم أنه لن يكن يرى ذلك. (قال الحاكم) ولم يكن الشافعي عرف إسحاق فقال الشافعي لبعض من عرفه: من هذا؟ فقال: هذا إسحاق بن إبراهيم بن الحنظلي بن راهويه الخراساني، فقال له الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: هكذا يزعمون، قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه.

وقال الحاكم في خبر آخر: قال له الشافعي لو قلت قولك احتجت إلى أن أسلسل، أنا أقول لك «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» وأنت تقول «عطاء وطاوس ومنصور وإبراهيم والحسن وهؤلاء لا يرون ذلك» بل ليس لاحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة.

قال إسحاق لبعض من معه من المراوزة بلسانهم «مردك لا كمالانيست» قرية عندهم بمرو يدعون العلم وليس لهم علم واسع.

وقال الابري قال إسحاق لبعض من معه: الرجل مالكاني، ومالكان قرية من قرى مرو أهلها فيهم سلامة.

قال الحاكم في خبره، فلما سمع الشافعي تراطنه علم أنه قد نسبه إلى شيء فقال: تناظر؟ وكان إسحاق جريئا فقال: ما جئت إلا للمناظرة، فقال له الشافعي: قال الله عز وجل {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} الآية، نسب الدار إلى المالكين أو إلى غير المالكين؟ قال إسحاق: إلى المالكين، قال الشافعي: فقوله عز وجل أصدق الأقاويل، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، أنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدار إلى مالك أو إلى غير مالك؟ قال إسحاق: إلى مالك، فقال الشافعي: وقد اشترى عمر بن الخطاب دار الحجامين فأسكنها، وذكر له جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتروا دور مكة وجماعة باعوها، وقال إسحاق له: قال الله عز وجل {سواء العاكف فيه والباد} فقال الشافعي: اقرأ أول الآية، قال {والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد} قال الابري، قال الشافعي: والعكوف يكون في المسجد، ألا ترى إلى قوله {للطائفين والعاكفين} والعاكفون يكونون في المساجد، ألا ترى إلى قوله جل وعز وأنتم عاكفون في المساجد فدل قوله عز وجل سواء العاكف فيه والباد في المسجد خاص، فأما من ملك شيئا فله أن يكري وأن يبيع. (قال الحاكم) وقال الشافعي: ولو كان كما تزعم لكان لا يجوز أن تنشد فيها ضالة، ولا ينحر فيها البدن، ولا تنثر فيه الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصة. قال: فسكت إسحاق ولم يتكلم.

وفي خبر الآبري: فلما تدبرت ما قال من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترك لنا عقيل من رباع أو دار علمت أنه قد فهم ما ذهب عنا؛ قال إسحاق: ولو كنت قد أدركني هذا الفهم وأنا بحضرته لعرفته ذاك، ثم نظرنا في كتبه فوجدنا الرجل من علماء هذه الأمة.

قال الآبري: وقرأت في بعض ما حكي عن أبي الحسن أنه كان يأخذ بلحيته في يده ويقول: واحيائي من محمد بن إدريس الشافعي، يعني في هذه المسألة.

ومن كتاب الحاكم: سمعت أبا بكر محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه الأديب الشاشي أبا بكر القفال إمام عصره بما وراء النهر للشافعيين يقول: دخلت على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة أول ما قدمت نيسابور، وتكلمت بين يديه وأنا شاب حدث السن، فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الشاش، قال لي: إلى من اختلفت؟ قلت: إلى أبي الليث، قال: وأبو الليث هذا أي مذهب يعتقد؟ قلت: حنبلي، فقال: يا بني قل شافعي وهل كان أحمد بن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي؟ قال: ومات أبو بكر القفال بالشاش في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاثمائة.

ومن كتاب الآبري: حدثني محمد بن عبد الله الرازي، حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي عن محمود المصري، وكان من أفصح الناس، قال: سمعت ابن هشام (قال محمود: وما رأيت بعيني ممن فهمت عنه مثل ابن هشام) قال محمود: ورأيت الشافعي وأنا صغير، قال محمود، وسمعت ابن هشام يقول: جالست الشافعي زمانا فما سمعته تكلم بكلمة إذا اعتبرها المعتبر لا يجد كلمة في العربية أحسن منها. قال وسمعت ابن هشام يقول: الشافعي كلامه لغة يحتج بها.

وحدثت عن الحسن بن محمد الزعفراني قال: كان قوم من أهل العربية يختلفون إلى مجلس الشافعي معنا ويجلسون ناحية، قال فقلت لرجل من رؤسائهم: إنكم لا تتعاطون العلم فلم تختلفون معنا؟ قالوا: نسمع لغة الشافعي؛ قال: وسمعت أبا علي الحسين بن أحمد البيهقي الفقيه ببغداد قال: سمعت حسان بن محمد يحكي عن الأصمعي انه قال: صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس الشافعي. قال: وحكي لنا عن مصعب الزبيري قال: كان أبي والشافعي يتناشدان، فأتى الشافعي على شعر هذيل حفظا وقال: لا تعلم بهذا أحدا من أهل الحديث فانهم لا يحتملون هذا.

قال الشافعي رضي الله عنه، قال: ما رأيت أحدا أعلم بهذا الشأن مني وقد كنت أحب أن أرى الخليل بن أحمد.

وحدث ابن خزيمة قال، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: كان الشافعي إذا أخذ في العربية قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الشعر وإنشاده قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه قلت: هو بهذا أعلم.

وتحدث ابن عيينه بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أقروا الطير في مكناتها، قال: وكان الشافعي إلى جنب ابن عيينة، فالتفت إليه سفيان فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على مكناتها، فقال الشافعي: ان علم العرب كان في زجر الطير والخط والاعتياف، كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرا نظر أول طير يراه فان سنح عن يساره فاجتاز عن يمينه قال هذا طير الأيامن فمضى في حاجته ورأى أنه يستنجحها، وإن سنح عن يمينه فمر عن يساره قال هذا طير الأشائم فرجع. وقال:

هذه حالة مشئومة، فيشبه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على مكناتها أي لا تهيجوها فان تهييجها وما تعملون به من الطيرة لا يصنع شيئا وإنما يصنع فيما توجهون فيه قضاء الله عز وجل. قال وكان سفيان يفسره بعد ذلك على ما قال الشافعي.

وحدث الابري حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الرقي إملاء، قال حدثنا عبد الواحد بن سعيد عن صالح بن أحمد قال: جاء الشافعي يوما إلى أبي يعوده، وكان عليلا، فوثب أبي إليه فقبل ما بين عينيه ثم أجلسه في مكانه، وجلس بين يديه، قال: فجعل يسائله ساعة، فلما وثب الشافعي ليركب قام أبي فأخذ بركابه ومشى معه، فبلغ يحيى بن معين، فوجه إلى أبي يا أبا عبد الله يا سبحان الله اضطرك الأمر إلى ان تمشي إلى جانب بغلة الشافعي؟! فقال له أبي: وأنت يا أبا زكريا لو مشيت من

الجانب الآخر لانتفعت به. قال ثم قال أبي: من أراد الفقه فليشم ذنب هذه البغلة.

وفي رواية أخرى عن أحمد بن حنبل أنه قال: قدم علينا نعيم بن حماد فحضنا على طلب المسند، فلما قدم الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء.

ورواية أخرى عن حميد بن الربيع الخراز قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أعلم أحدا أعظم منة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، واني لأدعو الله له في أدبار صلواتي فأقول: اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي.

وحدث الحارث بن محمد الأموي عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي قال: كنت من أصحاب محمد بن الحسن، فلما قدم الشافعي علينا جئته إلى مجلسه شبه المستهزئ فسألته عن مسألة من الدور فلم يجبني وقال لي: كيف ترفع يديك في الصلاة؟ قلت: هكذا، قال لي: أخطأت، فقلت: كيف أصنع؟ فقال: حدثني ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع. قال أبو ثور: فوقع في قلبي من ذاك فجعلت أزيد في المجيء إلى الشافعي وأقصر في الاختلاف إلى محمد بن الحسن، فقال لي ابن الحسن يوما: يا أبا ثور أحسب هذا الحجازي قد غلب عليك، قال قلت: أجل، الحق معه، قال: وكيف ذاك؟ قال فقلت: كيف ترفع يديك في الصلاة؟ فأجابني على نحو ما أجبت الشافعي، فقلت: أخطأت، قال: كيف أصنع؟ قلت: حدثني الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع. قال أبو ثور: فلما كان بعد شهر قال: يا أبا ثور خذ مسألتك في الدور فانما منعني أن أجيبك يومئذ لأنك كنت متعنتا.

وحدث المزني وهو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا، وللاخوان مفارقا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله جل ذكره واردا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أو إلى النار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ يقول:

وحدث الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار ثم ينصرف رضي الله عنه.

وحدث يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال، قال لي الشافعي رضي الله عنه: يا أبا موسى رضي الناس غاية لا تدرك، ما أقوله لك إلا نصحا ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر ما فيه صلاح نفسك فالزمه ودع الناس وما هم فيه.

وحدث الحسن بن محمد الزعفراني قال: كنا نحضر مجلس بشر المريسي فكنا لا نقدر على مناظرته، فمشينا إلى أحمد بن حنبل فقلنا له: ائذن لنا في أن نحفظ «الجامع الصغير» الذي لأبي حنيفة نخوض معهم إذا خاضوا، فقال: اصبروا فالآن يقدم عليكم المطلبي الذي رأيته بمكة، قال: فقدم علينا الشافعي، فمشوا إليه وسألناه شيئا من كتبه فأعطانا كتاب اليمين مع الشاهد، فدرسته في ليلتين ثم غدوت على بشر المريسي وتخطيت إليه، فلما رآني قال: ما جاء بك؟ لست صاحب حديث، قال قلت: ذرني من هذا، أيش الدليل على إبطال اليمين مع الشاهد؟

فناظرته فقطعته، فقال: ليس هذا من كيسكم، هذا من كلام رجل رأيته بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا.

وحدث الربيع بن سليمان قال: كنا عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة فنظر

فيها وتبسم، ثم كتب فيها ودفعها إليه، قال فقلنا: يسأل الشافعي عن مسألة لا ننظر فيها وفي جوابها؟ فلحقنا الرجل وأخذنا الرقعة فقرأناها وإذا فيها:

قال وإذا اجابة أسفل من ذلك:

قرأت في أمال أملاها أبو سليمان الخطابي على بعض تلامذته: قال الشيخ: كان الشافعي رحمه الله يوما من أيام الجمع جالسا للنظر فجاءت امرأة فألقت إليه رقعة فيها:

قال: فبكى الشافعي رحمه الله وقال: ليس هذا يوم نظر، هذا يوم دعاء، ولم يزل يقول، اللهم اللهم حتى تفرق أصحابه.

ومثله ما بلغني أن رجلا جاءه برقعة فيها:

قال فكتب الشافعي تحته:

فأخذها صاحبها وذهب بها ثم جاءه وقد كتب تحت هذا البيت الذي هو الجواب:

فكتب الشافعي رحمه الله:

ويروى للشافعي رحمه الله:

وله رضي الله عنه في تعزية:

وحدث باسناد رفعه إلى ابن عمر الشافعي قال: كان لأبي عبد الله الشافعي امرأة يحبها فقال:

وحدث الآبري باسناد إلى المزني عن الشافعي قال: كنا في سفر بأرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى وحضرت صلاة المغرب، فقلنا: نصلي ثم نتعشى، فتركنا سفرتنا كما هي، وكان في السفرة دجاجتان، فجاء ثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين، فلما قضينا صلاتنا أسفنا عليها وقلنا، حرمنا طعامنا، فبينا نحن كذلك إذ جاء الثعلب وفي فيه شيء كأنه الدجاجة فوضعه، فبادرنا إليه لنأخذه، ونحن نحسبه الدجاجة قد ردها، فلما قمنا لخلاصها فإذا هو قد جاء إلى الأخرى فأخذها من السفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذه ليفة قد هيأها مثل الدجاجة.

وحدث الحسن بن محمد الزعفراني قال: سئل الشافعي عن مسألة فأجاب فيها، ثم أنشأ يقول:

ولكنني مدره الأصغرين جلاب خير وفراج شر وحدث الربيع بن سليمان قال: لما دخل الشافعي مصر أول قدومه إليها جفاه الناس فلم يجلس إليه أحد، قال فقال له بعض من قدم معه: لو قلت شيئا يجتمع إليك الناس، قال فقال: إليك عني وأنشأ يقول:

الأبيات التي مرت آنفا.

وجرى بين الشافعي وبين بعض من صحبه مجانة فقال:

وحدث الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول:

ومن كتاب الامام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي باسناده إلى الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي، وسأله رجل عن مسألة، فقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، فقال له السائل: يا أبا عبد الله أتقول بهذا؟ فارتعد الشافعي واصفر لونه وحال وتغير وقال: ويحك أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أقل به؟ نعم على الرأس والعينين.

قال: وسمعت الشافعي يقول: ما من أحد إلا وتذهب عنه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه، فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قولي، وجعل يردد هذا الكلام.

وباسناده عن أحمد بن حنبل أنه قال لعبد الملك بن عبد الحميد الميموني:

مالك لا تنظر في كتب الشافعي فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت أتبع للسنة من الشافعي رضي الله عنه.

وباسناده إلى أبي عثمان المازني قال: سمعت الأصمعي يقول: قرأت شعر الشنفري على الشافعي بمكة، قال زكريا بن يحيى الساجي: فذكرت ذلك للرياشي فقال: ما أنكره، قرأتها على الأصمعي فقال: أنشدنيها رجل من قريش بمكة.

وباسناده إلى عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال: قلت لعمي: يا عماه على من قرأت شعر هذيل؟ فقال على رجل من آل المطلب يقال له محمد بن إدريس.

وحدث الصولي عن المبرد انه قال: كان الشافعي من اشعر الناس وآدب الناس وأعرفهم بالقراءات.

وباسناده إلى عبد الملك بن هشام النحوي صاحب «كتاب المغازي» أنه قال: طالت مجالستنا للشافعي فما سمعت منه لحنة قط ولا كلمة غيرها أحسن منها.

وباسناده إلى جبير بن مطعم قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى

من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخوتنا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال:

إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى، أخرجه البخاري في الصحيح. وهذا لأن عبد مناف كان له أربعة أولاد: هاشم والمطلب وعبد شمس جد بني أمية ونوفل، وكان جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان من بني عبد شمس وهما أخوا المطلب.

وباسناده إلى الحارث بن سريج النقال قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي أخصه به.

وباسناده: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع قبول الأخبار فيه وحجة الاجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة. قال عبد الرحمن: ما أصلي صلاة إلا وأدعو للشافعي فيها.

وباسناده: قال أحمد بن حنبل: كان الفقه قفلا على أهله حتى فتحه الله بالشافعي.

وباسناده: قال إبراهيم الحربي: سئل أحمد بن حنبل عن مالك بن أنس فقال: حديث صحيح ورأي صحيح، وسئل عن آخر فقال: لا رأي ولا حديث.

وباسناده إلى محمد بن مسلم بن وارة قال: لما قدمت من مصر أتيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل أسلم عليه، فقال لي: كتبت كتب الشافعي؟ فقلت: لا، فقال لي: فرطت، ما عرفنا العموم من الخصوص وناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه حتى جالسنا الشافعي. قال ابن وارة: فحملني ذلك على أن رجعت إلى مصر فكتبتها.

وباسناده قال الزعفراني: كنت مع يحيى بن معين في جنازة فقلت له: يا أبا زكريا ما تقول في الشافعي؟ فقال: دعنا لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب.

وباسناده إلى عبد الملك الميموني قال: كنت عند أحمد بن حنبل وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد يرفعه وقال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها، فكان عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى.

وباسناده: قال الشيخ أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: كنا في مجلس القاضي أبي العباس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة، فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال له: أبشر أيها القاضي فان الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وانه تعالى بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز وتوفي سنة ثلاث ومائة، وبعث على رأس المائتين أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وتوفي سنة أربع ومائتين، وبعثك على رأس الثلاثمائة، ثم أنشأ يقول:

قال: فصاح القاضي وبكى وقال: إن هذا الرجل قد نعى إلي نفسي. قال فمات القاضي أبو العباس في تلك السنة.

وذكر الخطيب في «تاريخه» أن ابن سريج مات سنة ست وثلاثمائة.

وباسناد البيهقي إلى داود بن علي الأصبهاني أنه قال: اجتمع للشافعي من الفضائل ما لم يجتمع لغيره، فأول ذلك شرف نفسه ومنصبه وأنه من رهط النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها صحة الدين وسلامة الاعتقاد من الأهواء والبدع، ومنها سخاوة النفس، ومنها معرفته بصحة الحديث وسقمه، ومنها معرفته بناسخ الحديث ومنسوخه، ومنها حفظه لكتاب الله وحفظه لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفته بسير النبي صلى الله عليه وسلم وبسير خلفائه، ومنها

كشفه لتمويه مخالفيه، ومنها تأليف الكتب القديمة والجديدة، ومنها ما اتفق له من الأصحاب والتلامذة مثل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه وإقامته على السنة، ومثل سليمان بن داود الهاشمي وعبد الله بن الزبير الحميدي والحسين الفلاس وأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي وحرملة بن يحيى التجيبي والربيع بن سليمان المرادي وأبي الوليد موسى بن أبي الجارود والحارث بن سريج النقال وأحمد بن خالد الخلال وأبي عبيد القاسم بن سلام والقائم بمذهبه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني.

قال الشيخ أحمد البيهقي، إنما عدد داود بن علي من أصحاب الشافعي جماعة يسيرة، وقد عد أبو الحسن الدارقطني من روى عنه أحاديثه وأخباره أو كلامه زيادة على مائة، هذا مع قصور سنه عن سن أمثاله من الأئمة، وإنما تكثر الرواة عن العالم إذا جاوز سنه الستين أو السبعين، والشافعي لم يبلغ في السن أكثر من أربع وخمسين.

ومن «كتاب مرو» مسندا إلى عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي قال:

وقفت بمكة على حلقة عظيمة وفيها رجل، فسألت عنه فقيل هذا محمد بن إدريس الشافعي، فسمعته يقول: سلوني عما شئتم أخبركم بآية من كتاب الله وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول صحابي. فقلت في نفسي: إن هذا الرجل جريء، ثم قلت له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور. فقال قال الله تعالى {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر رضي الله عنه أمر المحرم بقتل الزنبور.

وعن المزني سمعت الشافعي يقول: رأيت بالمدينة أربع عجائب، رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة، ورأيت رجلا فلسه القاضي في مدي نوى، ورأيت شيخا قد أتى عليه تسعون سنة يدور نهاره حافيا راجلا على القيان يعلمهن الغناء فإذا جاءت الصلاة صلى قاعدا، وكان بالمدينة وال وكان رجلا صالحا فقال: مالي لا أرى الناس يجتمعون على بابي كما يجتمعون على أبواب الولاة؟ فقالوا: إنك لا تضرب أحدا ولا تؤذي الناس، فقال: أهكذا؟ علي بالإمام، فنصب بين العقابين وجعل يضرب والإمام يقول: أعز الله الأمير أيش جرمي؟ وهو يقول: جملنا بنفسك، حتى اجتمع الناس على بابه.

وعن خيثمة بن سليمان بن حيدرة قال: جاء رجل إلى الشافعي فقال له:

أصلحك الله، صديقك فلان عليل، فقال الشافعي: والله لقد أحسنت إلي وأيقظتني لمكرمة ودفعت عني اعتذارا يشوبه الكذب، ثم قال: يا غلام هات السبتية، ثم قال: للمشي على الحفاء على علة الوجاء في حر الرمضاء من ذي طول أهون من اعتذار إلى صديق يشوبه الكذب، ثم أنشأ يقول:

ومما يروى للشافعي رضي الله عنه:

وعن أبي بكر ابن بنت الشافعي قال، قال الشافعي بمكة حين أراد الخروج إلى مصر:

قال: فخرج فقطع عليه الطريق، فدخل بعض المساجد وليس عليه إلا خرقة، فدخل الناس وخرجوا فلم يلتفت إليه أحد، فقال:

قرأت في «كتاب خطط مصر» لأبي عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي المصري صاحب «كتاب الشهاب» قال: محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الفقيه يكنى أبا عبد الله، توفي في سلخ رجب سنة أربع ومائتين بمصر، ودفن غربي الخندق في مقابر قريش، وحوله جماعة من بني زهرة من ولد عبد الرحمن بن عوف الزهري وغيرهم، وقبره مشهور هناك مجمع على صحته ينقل الخلف عن السلف في كل عصر إلى وقتنا هذا، وهو البحري من القبور الثلاثة التي تجمعها مصطبة واحدة غربي الخندق، بينه وبين المشهد، والقبران الآخران اللذان إلى جنب قبر الشافعي أحدهما قبر عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع مولى قريش مات سنة أربع عشرة ومائتين، ودفن إلى جنب من الشافعي، وهو مما يلي القبلة، وهو القبر الأوسط من القبور الثلاثة، وكان من ذوي الجاه والمال والذبائح، وكان يزكي الشهود، ولم يشهد قط لدعوة سبقت فيهم، والقبر الثالث قبر ولده عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم مات في سنة سبع وخمسين ومائتين، وقبره مما يلي القبلة، وعبد الرحمن هذا هو صاحب «كتاب فتوح مصر» وكان عالما بالتواريخ.

يقال ان الشافعي رضي الله عنه قدم إلى مصر سنة تسع وتسعين ومائة في أول خلافة المأمون، وكان سبب قدومه إلى مصر أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن العباس استصحبه فصحبه، وكان العباس هذا خليفة لأبيه

عبد الله على مصر، ولم يزل الشافعي بمصر إلى أن ولي السري بن الحكم البلخي، من قوم يقال لهم الزط، مصر واستقامت له، وكان يكرم الشافعي ويقدمه ولا يؤثر أحدا عليه، وكان الشافعي محببا إلى الخاص والعام لعلمه وفقهه وحسن كلامه وأدبه وحلمه، وكان بمصر رجل من أصحاب مالك بن أنس يقال له فتيان فيه حدة وطيش، وكان يناظر الشافعي كثيرا ويجتمع الناس عليهما، فتناظرا يوما في مسألة بيع الحر، وهو العبد المرهون إذا أعتقه الراهن ولا مال له غيره، فأجاب الشافعي بجواز بيعه على أحد أقواله، ومنع فتيان منه لأنه يمضي عتقه بكل وجه، وهو أحد أقوال الشافعي، فظهر عليه الشافعي في الحجاج، فضاق فتيان بذلك ذرعا فشتم الشافعي شتما قبيحا، فلم يرد عليه الشافعي حرفا، ومضى في كلامه في المسألة، فرفع ذلك رافع إلى السري، فدعا الشافعي وسأله عن ذلك وعزم عليه فأخبره بما جرى، وشهد الشهود على فتيان بذلك، فقال السري: لو شهد آخر مثل الشافعي على فتيان لضربت عنقه، وأمر فتيان فضرب بالسياط وطيف به على جمل وبين يديه مناد ينادي هذا جزاء من سب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إن قوما تعصبوا لفتيان من سفهاء الناس وقصدوا حلقة الشافعي حتى خلت من أصحابه وبقي وحده، فهجموا عليه وضربوه، فحمل إلى منزله فلم يزل فيه عليلا حتى مات في الوقت المقدم ذكره.

قال ابن يونس: كان للشافعي ابن اسمه محمد قدم مع أبيه مصر، توفي بها في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وقيل كان له ولد آخر اسمه محمد أيضا يروي عن سفيان بن عيينة ولي قضاء الجزيرة وتوفي بها بعد أربعين ومائتين.

هذا آخر ما ذكره القضاعي نقلته على وجهه.

ومن مشهور أصحاب الشافعي: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، مات في سنة أربع وستين ومائتين.

والربيع بن سليمان وكان من أجل أصحاب الشافعي وأورعهم وأكثرهم تصنيفا.

ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم يكنى أبا عبد الله، صحب الشافعي وقرأ عليه ومات سنة ثمان وستين ومائتين، ودفن إلى جنب الشافعي مع قبر أخيه وأبيه المذكورين، وكان من أهل الدين والورع.

والربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي مولى لهم المؤذن الفقيه، يكنى أبا محمد، وهو صاحب الشافعي المشهور بصحبته ومات سنة سبعين ومائتين، وقبره غربي الخندق مما يلي الفقاعي، وهو آخر من روى بمصر عن الشافعي، وكان جليلا مصنفا حدث بكتب الشافعي كلها ونقلها الناس عنه ويقال انه أعان المزني على غسل الشافعي.

والربيع بن سليمان بن داود بن الأعرج الجيزي مولى الأزد، وأظنه صحب الشافعي ومات في سنة ست وخمسين ومائتين وقبره بالجيزة.

وهذا فهرست كتب الشافعي رضي الله عنه: كتاب الطهارة. كتاب مسألة المني. كتاب استقبال القبلة. كتاب الإمامة. كتاب إيجاب الجمعة. كتاب صلاة العيدين. كتاب صلاة الكسوف. كتاب صلاة الاستسقاء. كتاب صلاة الجنائز.

كتاب الحكم في تارك الصلاة. كتاب الصلاة الواجبة والتطوع والصيام. كتاب الزكاة الكبير. كتاب زكاة الفطر. كتاب زكاة مال اليتيم. كتاب الصيام الكبير. كتاب المناسك الكبير. كتاب المناسك الأوسط. كتاب مختصر المناسك. كتاب الصيد والذبائح. كتاب البيوع الكبير. كتاب الصرف والتجارة. كتاب الرهن الكبير. كتاب الرهن الصغير. كتاب الرسالة. كتاب أحكام القرآن. كتاب اختلاف الحديث.

كتاب جماع العلم. كتاب اليمين مع الشاهد. كتاب الشهادات. كتاب الاجارات الكبير. كتاب كري الابل والرواحل. كتاب الاجارات إملاء. كتاب اختلاف الأجير والمستأجر. كتاب الدعوى والبينات. كتاب الاقرار والمواهب. كتاب رد المواريث.

كتاب بيان فرض الله عز وجل. كتاب صفة نهي النبي عليه السلام. كتاب النفقة على الأقارب. كتاب المزارعة. كتاب المساقاة. كتاب الوصايا الكبير. كتاب الوصايا بالعتق. كتاب الوصية للوارث. كتاب وصية الحامل. كتاب صدقة الحي عن الميت. كتاب المكاتب. كتاب المدبر. كتاب عتق أمهات الأولاد. كتاب الجناية على أم الولد. كتاب الولاء والحلف. كتاب التعريض بالخطبة. كتاب الصداق.

كتاب عشرة الصداق. كتاب تحريم ما يجمع من النساء. كتاب الشغار. كتاب إباحة الطلاق. كتاب العدة. كتاب الإيلاء. كتاب الخلع والنشوز. كتاب الرضاع. كتاب الظهار. كتاب اللعان. كتاب أدب القاضي. كتاب الشروط. كتاب اختلاف العراقيين. كتاب اختلاف علي وعبد الله. كتاب سير الأوزاعي. كتاب الغصب.

كتاب الاستحقاق. كتاب الأقضية. كتاب إقرار أحد الابنين بأخ. كتاب الصلح.

كتاب قتال أهل البغي. كتاب الأسارى والغلول. كتاب القسامة. كتاب الجزية.

كتاب القطع في السرقة. كتاب الحدود. كتاب المرتد الكبير. كتاب المرتد الصغير. كتاب الساحر والساحرة. كتاب القراض. كتاب الأيمان والنذور. كتاب الأشربة. كتاب الوديعة. كتاب العمري. كتاب بيع المصاحف. كتاب خطأ الطبيب. كتاب جناية معلم الكتاب. كتاب جناية البيطار والحجام. كتاب اصطدام الفرسين والنفسين. كتاب بلوغ الرشد. كتاب اختلاف الزوجين في متاع البيت.

كتاب صفة النفي. كتاب فضائل قريش والأنصار. كتاب الوليمة. كتاب صول الفحل. كتاب الضحايا. كتاب البحيرة والسائبة. كتاب قسم الصدقات. كتاب الاعتكاف. كتاب الشفعة. كتاب السبق والرمي. كتاب الرجعة. كتاب اللقيط والمنبوذ. كتاب الحوالة والكفالة. كتاب كري الأرض. كتاب التفليس. كتاب اللقطة. كتاب فرض الصدقة. كتاب قسم الفيء. كتاب القرعة. كتاب صلاة الخوف. كتاب الديات. كتاب الجهاد. كتاب جراح العمد. كتاب الخرص. كتاب العتق. كتاب عمارة الأرضين. كتاب إبطال الاستحسان. كتاب العقول. كتاب الأولياء. كتاب الرد على محمد بن الحسن. كتاب صاحب الرأي. كتاب سير الواقدي. كتاب حبل الحبلة. كتاب خلاف مالك والشافعي. كتاب قطاع الطريق.

قال: والذي لم يسمعه الربيع من الشافعي رضي الله عنه وأرضاه: كتاب الوصايا الكبير. كتاب اختلاف أهل العراق على علي وعبد الله. كتاب ديات الخطأ.

كتاب قتال المشركين. كتاب الاقرار بالحكم الظاهر. كتاب الأجناس. كتاب اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. كتاب مسألة الجنين. كتاب وصية الشافعي. كتاب ذبائح بني إسرائيل. كتاب غسل الميت. كتاب ما ينجس الماء مما خالطه. كتاب الأمالي في الطلاق. كتاب مختصر البويطي، رواه الربيع عن الشافعي رضي الله عنه.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 6- ص: 2393

الإمام الشافعي:

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام عالم العصر ناصر الحديث فقيه الملة أبو عبد الله القرشي، ثم المطلبي الشافعي، المكي، الغزي المولد نسيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.

اتفق مولد الإمام بغزة ومات أبوه إدريس شابا فنشأ محمد يتيما في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة فتحولت به إلى محتده، وهو ابن عامين فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ثم أقبل على العربية والشرع، فبرع في ذلك وتقدم.

ثم حبب إليه الفقه فساد أهل زمانه.

وأخذ العلم ببلده عن: مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع فهو ابن عم العباس جد الشافعي، وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وسعيد بن سالم، وفضيل بن عياض وعدة.

ولم أر له شيئا عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه، وكان معه بمكة.

وارتحل وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة إلى المدينة، فحمل عن مالك بن أنس الموطأ عرضه من حفظه. وقيل: من حفظه لأكثره- وحمل عن: إبراهيم عن أبي يحيى فأكثر وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.

وأخذ باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي وطائفة. وببغداد عن: محمد بن الحسن فقيه العراق ولازمه وحمل عنه وقر بعير. وعن: إسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي، وخلق.

وصنف التصانيف ودون العلم ورد على الأئمة متبعا الأثر وصنف في أصول الفقه وفروعه، وبعد صيته وتكاثر عليه الطلبة.

حدث عنه: الحميدي وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى وموسى بن أبي الجارود المكي وعبد العزيز المكي صاحب الحيدة وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه وإسحاق بن بهلول، وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم والحارث بن سريج النقال، وحامد بن يحيى البلخي وسليمان بن داود المهري، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص، وعلي بن معبد الرقي وعلي بن سلمة اللبقي وعمرو بن سواد، وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني، ومحمد بن يحيى العدني ومسعود بن سهل المصري، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن سنان القطان، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني وخلق سواهم.

وقد أفرد الدارقطني كتاب من له رواية عن الشافعي في جزأين وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام، قديما وحديثا، ونال بعض الناس منه غضا فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى، وقل من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعودي نعوذ بالله من الهوى، وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.

فأما جدهم السائب المطلبي فكان من كبراء من حضر بدرا مع الجاهلية فأسر يومئذ، وكان يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ووالدته: هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة ونضلة: هو أخو عبد المطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقال: إنه بعد أن فدى نفسه أسلم.

وابنه شافع: له رؤية وهو معدود في صغار الصحابة.

وولده عثمان: تابعي لا أعلم له كبير رواية.

وكان أخوال الشافعي من الأزد.

عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت والدة الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلدة منه شظية فتأوله المعبرون أنها تلد عالما يخص علمه أهل مصر، ثم يتفرق في البلدان.

هذه رواية منقطعة.

وعن أبي عبد الله الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم عن ابن أخي ابن وهب عنه قال: ولدت باليمن يعني: القبيلة فإن أمه أزدية- قال: فخافت أمي علي الضيعة وقالت: الحق بأهلك فتكون مثلهم فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك، فجهزتني إلى مكة فقدمتها يومئذ، وأنا ابن عشر سنين فصرت إلى نسيب لي، وجعلت أطلب العلم فيقول لي: لا تشتغل بهذا وأقبل على ما ينفعك فجعلت لذتي في العلم.

قال ابن أبي حاتم: سمعت عمرو بن سواد قال لي الشافعي: ولدت بعسقلان فلما أتى علي سنتان، حملتني أمي إلى مكة.

وقال ابن عبد الحكم: قال لي الشافعي: ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحملت إلى مكة ابن سنتين.

قال المزني: ما رأيت أحسن وجها من الشافعي رحمه الله! وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.

قال الربيع المؤذن: سمعت الشافعي يقول كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي: أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر قال: وكنت أصيب من العشرة تسعة.

قال الحميدي سمعت الشافعي يقول كنت يتيما في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أقوم على الصبيان إذا غاب وأخفف عنه.

وعن الشافعي قال: كنت أكتب في الأكتاف، والعظام وكنت أذهب إلى الديوان فأستوهب الظهور فأكتب فيها.

وقال عمرو بن سواد قال لي الشافعي: كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة وسكت عن العلم فقلت: أنت، والله في العلم أكبر منك في الرمي. قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع: حدثنا المزني سمع الشافعي يقول: حفظت القرآن، وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر.

الأقطع: مجهول.

وفي مناقب الشافعي للآبري: سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى سمعت الربيع بن سليمان يقول: ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة رحمهما الله تعالى.

وعن الشافعي قال: أتيت مالكا وأنا ابن ثلاث عشرة سنة -كذا قال والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- قال: فأتيت ابن عم لي والي المدينة، فكلم مالكا فقال: اطلب من يقرأ لك قلت: أنا أقرأ فقرأت عليه فكان ربما قال لي لشيء قد مر: أعده فأعيده حفظا فكأنه أعجبه، ثم سألته عن مسألة فأجابني ثم أخرى فقال: أنت تحب أن تكون قاضيا.

ويروى عن الشافعي: أقمت في بطون العرب عشرين سنة آخذ أشعارها، ولغاتها وحفظت القرآن فما علمت أنه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه، والمراد ما خلا حرفين أحدهما: دساها. إسنادها فيه مجهول.

قال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، وقال: قرأت على شبل وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير وقرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس قال الشافعي: وكان إسماعيل يقول: القران اسم ليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت، ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآنا، ولكنه اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.

الأصم وابن أبي حاتم: حدثنا الربيع: سمعت الشافعي يقول: قدمت على مالك، وقد حفظت الموطأ طاهرا فقلت: أريد سماعه قال: اطلب من يقرأ لك فقلت: لا عليك أن تسمع قراءتي فإن سهل عليك قرأت لنفسي.

أحمد بن الحسن الحماني: حدثنا أبو عبيدة قال: رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن، وقد دفع إليه خمسين دينارا، وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما وقال: إن اشتهيت العلم فالزم قال أبو عبيد: فسمعت الشافعي يقول: كتبت عن محمد وقر بعير، ولما أعطاه محمد قال له: لا تحتشم قال: لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول: حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي.

قال أحمد بن أبي سريج: سمعت الشافعي يقول: قد أنفقت على كتب محمد ستين دينارا ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا يعني: رد عليه.

قال هارون بن سعيد: قال لي الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ فأعقبني صب الدم سنة.

قال أبو عبيد: ما رأيت أعقل من الشافعي، وكذا قال يونس بن عبد الأعلى حتى إنه قال: لو جمعت أمة لوسعهم عقله.

قلت: هذا على سبيل المبالغة فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع لبان عليه نقص ما، ولبقي له نظراء فلو ذهب نصف ذلك العقل منه لظهر عليه النقص فكيف به لو ذهب ثلثا عقله! فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلا وصيرتها عقل واحد لجاء منه كامل العقل وزيادة.

جماعة حدثنا الربيع سمعت الحميدي سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي وهو ابن خمس عشرة سنة.

وقد رواها محمد بن بشر الزنبري، وأبو نعيم الإستراباذي عن الربيع عن الحميدي قال: قال الزنجي وهذا أشبه فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم، وما رأينا له في مسنده عنه رواية.

جماعة: حدثنا الربيع قال الشافعي: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.

الزبير الإستراباذي: حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر، حدثنا ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد.

قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة.

قلت: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه فما زال النظراء يختلفون.

أبو جعفر الترمذي: حدثني أبو الفضل الواشجردي سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال: سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد، والشافعي أيهما أعلم؟ قال: أبو عبيد كان يأتينا ههنا كثيرا، وكان رجلا إذا ساعدته الكتب كان حسن التصنيف من الكتب، وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية، وأما الشافعي فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيرا في المناظرة، وكان رجلا قرشي العقل والفهم والذهن صافي العقل، والفهم والدماغ سريع الإصابة، أو كلمة نحوها ولو كان أكثر سماعا للحديث لاستغنى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- به عن غيره من الفقهاء.

قال معمر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملا.

قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي فيقول: سلوا هذا.

وقال تميم بن عبد الله: سمعت سويد بن سعيد يقول: كنت عند سفيان فجاء الشافعي فسلم وجلس فروى ابن عيينة حديثا رقيقا. فغشي على الشافعي فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس فقال ابن عيينة: إن كان مات فقد مات أفضل أهل زمانه.

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي سمعت الربيع سمعت الشافعي، وسئل عن القرآن؟ فقال: أف أف القرآن كلام الله من قال: مخلوق فقد كفر.

هذا إسناد صحيح.

أبو داود وأبو حاتم عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

محمد بن يحيى بن آدم حدثنا ابن عبد الحكم، سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام، والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد.

الزبير بن عبد الواحد: أخبرني علي بن محمد بمصر حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام وكان يقول: والله لأن يفتي العالم فيقال: أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال: زنديق وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله.

قلت: هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع.

الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة، فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق.

وقال أبو حاتم: حدثنا حرملة سمعت الشافعي يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز. قال الحارث بن سريج: سمعت يحيى القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي أخصه به.

وقال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.

الحسين بن علي الكرابيسي قال: قال الشافعي: كل متكلم على الكتاب، والسنة فهو الجد وما سواه فهو هذيان.

ابن خزيمة، وجماعة قالوا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال الشافعي: لا يقال: لم للأصل، ولا كيف.

وعن يونس: سمع الشافعي يقول: الأصل القرآن والسنة وقياس عليهما، والإجماع أكبر من الحديث المنفرد.

ابن أبي حاتم: سمعت يونس يقول: قال الشافعي: الأصل قرآن، أو سنة فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا صح الحديث فهو سنة والإجماع أكبر من الحديث المنفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب، وكلا رأيته استعمل الحديث المنفرد استعمل أهل المدينة في التفليس قوله عليه السلام: "إذا أدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به". واستعمل أهل العراق حديث العمري.

ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

ابن أبي حاتم: حدثنا يونس قلت للشافعي: صاحبنا الليث يقول: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته. قال: قصر لو رأيته يمشي في الهواء لما قبلته.

قال الربيع: سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة ونحن الأطباء.

زكريا الساجي: حدثني أحمد بن مردك الرازي، سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول: كنا عند الشافعي في مجلسه، فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكتبناه وذهبنا به إلى إبراهيم بن علية، وكان من غلمان أبي بكر الأصم، وكان في مجلسه عند باب الصوفي، فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله فكتبنا ما قال، وذهبنا به إلى الشافعي فنقضه، وتكلم بإبطاله ثم كتبناه وجئنا به إلى ابن علية، فنقضه ثم جئنا به إلى الشافعي فقال: إن ابن علية ضال قد جلس بباب الضوال يضل الناس.

قلت: كان إبراهيم من كبار الجهمية وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام.

المزني: سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

إبراهيم بن متويه الأصبهاني: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال الشافعي: كل حديث جاء من العراق، وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله، وإن كان صحيحا ما أريد إلا نصيحتك.

قلت: ثم إن الشافعي رجع عن هذا وصحح ما ثبت إسناده لهم.

ويروى عنه: إذا لم يوجد للحديث أصل في الحجاز ضعف، أو قال: ذهب نخاعه.

أخبرنا إبرهيم بن علي العابد في كتابه أخبرنا زكريا العلبي وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي قال: أفادني يعقوب، وكتبته من خطه أخبرنا أبو علي الخالدي، سمعت محمد بن الحسين الزعفراني سمعت عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي، سمعت المزني يقول: كنت أنظر في الكلام قبل أن يقدم الشافعي فلما قدم أتيته فسألته عن مسألة من الكلام، فقال لي: تدري أين أنت؟ قلت: نعم في مسجد الفسطاط قال لي: أنت في تاران قال عثمان: وتاران موضع في بحر القلزم لا تكاد تسلم منه سفينة- ثم ألقى علي مسألة في الفقه، فأجبت فأدخل شيئا أفسد جوابي فأجبت بغير ذلك فأدخل شيئا أفسد جوابي، فجعلت كلما أجبت بشيء أفسده ثم قال لي: هذا الفقه الذي فيه الكتاب والسنة وأقاويل الناس يدخله مثل هذا، فكيف الكلام في رب العالمين الذي فيه الزلل كثير؟ فتركت الكلام، وأقبلت على الفقه.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت محمد بن داود يقول: لم يحفظ في دهر الشافعي كله أنه تكلم في شيء من الأهواء، ولا نسب إليه ولا عرف به مع بغضه لأهل الكلام والبدع.

وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه قال: كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده وخير خصلة كانت فيه، لم يكن يشتهي الكلام إنما همته الفقه.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عبد الرحمن بن محمد بن حامد السلمي سمعت محمد بن عقيل بن الأزهر يقول: جاء رجل إلى المزني يسأله عن شيء من الكلام فقال: إني أكره هذا بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي لقد سمعت الشافعي يقول: سئل مالك عن الكلام، والتوحيد فقال: محال أن نظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد والتوحيد ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله". فما عصم به الدم، والمال حقيقة التوحيد.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن إسماعيل سمعت حسين بن علي الكرابيسي يقول: شهدت الشافعي ودخل عليه بشر المريسي فقال لبشر: أخبرني عما تدعو إليه: أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجدت عن السلف البحث فيه، والسؤال؟ فقال بشر: لا إلا أنه لا يسعنا خلافه فقال الشافعي: أقررت بنفسك على الخطأ فأين أنت عن الكلام في الفقه، والأخبار يواليك الناس، وتترك هذا؟ قال: لنا نهمة فيه فلما خرج بشر قال الشافعي: لا يفلح.

أبو ثور والربيع: سمعا الشافعي يقول: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

قال الحسين بن إسماعيل المحاملي: قال المزني: سألت الشافعي عن مسألة من الكلام،

فقال: سلني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت: أخطأت، ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت: كفرت.

زكريا الساجي: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: قال لي الشافعي: يا محمد إن سألك رجل عن شيء من الكلام فلا تجبه فإنه إن سألك عن دية فقلت: درهما، أو دانقا قال لك: أخطأت، وإن سألك عن شيء من الكلام فزللت قال لك: كفرت.

قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: المراء في الدين يقسي القلب، ويورث الضغائن.

وقال صالح جزرة: سمعت الربيع يقول: قال الشافعي: يا ربيع! اقبل مني ثلاثة: لا تخوضن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدا، ولا تشتغل بالكلام، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل. وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم.

وعن حسين الكرابيسي قال: سئل الشافعي عن شيء من الكلام فغضب، وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه أخزاهم الله. الأصم: سمعت الربيع سمعت الشافعي يقول: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني: كتبه على أن لا ينسب إلي منه شيء.

وعن الشافعي: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ.

الزعفراني وغيره: سمعنا الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر ينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب، والسنة وأقبل على الكلام.

وقال أبو عبد الرحمن الأشعري صاحب الشافعي: قال الشافعي: مذهبي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد.

قلت: لعل هذا متواتر عن الإمام.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا على الغلبة إلا على الحق عندي.

والزعفراني عنه: ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.

زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن العباس النسائي سمعت الزعفراني سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا في الكلام إلا مرة، وأنا أستغفر الله من ذلك.

سعيد بن أحمد اللخمي: حدثنا يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، والشيء غير المشي فاشهد عليه بالزندقة.

سعيد مصري لا أعرفه.

ويروى عن الربيع: سمعت الشافعي يقول في كتاب الوصايا: لو أن رجلا أوصى بكتبه من العلم لآخر، وكان فيها كتب الكلام لم تدخل في الوصية؛ لأنه ليس من العلم.

وعن أبي ثور: قلت للشافعي: ضع في الإرجاء كتابا فقال: دع هذا فكأنه ذم الكلام.

محمد بن إسحاق بن خزيمة: سمعت الربيع يقول: لما كلم الشافعي حفص الفرد فقال حفص: القرآن مخلوق فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم.

قال المزني: كان الشافعي ينهى عن الخوض في الكلام.

أبو حاتم الرازي: حدثنا يونس سمعت الشافعي يقول: قالت لي أم المريسي: كلم بشرا أن يكف عن الكلام فكلمته فدعاني إلى الكلام.

الساجي حدثنا إبراهيم بن زياد الأبلي سمعت البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تصل خلف الرافضي، ولا القدري، ولا المرجئ قلت: صفهم لنا قال: من قال: الإيمان قول فهو مرجئ، ومن قال: إن أبا بكر، وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي ومن جعل المشيئة إلى نفسه فهو قدري.

ابن أبي حاتم: سمعت الربيع قال لي الشافعي: لو أردت أن أضع على كل مخالف كتابا لفعلت، ولكن ليس الكلام من شأني ولا أحب أن ينسب إلي منه شيء.

قلت: هذا النفس الزكي متواتر عن الشافعي.

قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي حدثنا المزني قال: قلت: إن كان أحد يخرج ما في ضميري وما تعلق به خاطري من أمر التوحيد، فالشافعي فصرت إليه، وهو في مسجد مصر فلما جثوت بين يديه قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد فعلمت أن أحدا لا يعلم علمك فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا قال: تدري كم نجما في السماء؟ قلت: لا قال: فكوكب منها: تعرف جنسه طلوعه أفوله مم خلق؟ قلت: لا قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات تدع علمه، وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، إن في خلق السماوات والأرض} الآية، فاستدل بالمخلوق على الخالق ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك قال: فتبت.

قال ابن أبي حاتم: في كتابي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو، وحفص الفرد، وكان الشافعي يسميه: حفصا المنفرد فسأل حفص عبد الله: ما تقول في القرآن؟ فأبى أن يجيبه فسأل يوسف، فلم يجبه وأشار إلى الشافعي فسأل الشافعي، واحتج عليه فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وبكفر حفص.

قال الربيع: فلقيت حفصا فقال: أراد الشافعي قتلي.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول، وعمل يزيد وينقص. وسمعته يقول: تجاوز الله عما في القلوب، وكتب على الناس الأفعال والأقاويل.

وقال المزني: قال الشافعي: يقال لمن ترك الصلاة لا يعلمها: فإن صليت وإلا استتبناك فإن تبت وإلا قتلناك كما تكفر فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك.

وعن الشافعي قال: ما كابرني أحد على الحق، ودافع إلا سقط من عيني، ولا قبله إلا هبته، واعتقدت مودته.

عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيا كان أو بصريا، أو شاميا.

وقال حرملة: قال الشافعي: كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح فهو أولى ولا تقلدوني. الربيع: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها ودعوا ما قلته.

وسمعته يقول وقد قال له رجل: تأخذ بهذا الحديث يا أبا عبد الله؟ فقال: متى رويت عن رسول الله حديثا صحيحا، ولم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.

وقال الحميدي: روى الشافعي يوما حديثا فقلت: أتأخذ به؟ فقال: رأيتني خرجت من كنيسة، أو علي زنار حتى إذا سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا لا أقول به؟!

قال الربيع: وسمعته يقول: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا فلم أقل به.

وقال أبو ثور: سمعته يقول: كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني.

ويروى أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي وإذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.

محمد بن بشر العكري وغيره: حدثنا الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل: فثلثه الأول يكتب، والثاني يصلي والثالث ينام.

قلت: أفعاله الثلاثة عبادة بالنية.

قال زكريا الساجي: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعوذ وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعا.

قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه بل أكثر: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة.

ورواها ابن أبي حاتم عنه فزاد: كل ذلك في صلاة.

أبو عوانة الإسفراييني: حدثنا الربيع سمعت الشافعي يقول: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرة فأدخلت يدي فتقيأتها.

رواها ابن أبي حاتم عن الربيع وزاد: لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم ويضعف عن العبادة. الزبير بن عبد الواحد: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن مطر سمعت الربيع قال لي الشافعي: عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد.

قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن الحسن الصوفي، سمعت حرملة سمعت الشافعي يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.

قال أبو داود: حدثني أبو ثور قال: قل ما كان يمسك الشافعي الشيء من سماحته.

وقال عمرو بن سواد: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار، والدرهم والطعام فقال لي الشافعي: أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي بنتي وزوجتي، ولم أرهن قط.

قال الربيع: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال لي: أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده.

سعيد بن أحمد اللخمي المصري: سمعت المزني يقول: كنت مع الشافعي يوما، فخرجنا الأكوام فمر بهدف فإذا برجل يرمي بقوس عربية، فوقف عليه الشافعي ينظر، وكان حسن الرمي فأصاب بأسهم فقال الشافعي: أحسنت، وبرك عليه ثم قال: أعطه ثلاثة دنانير واعذرني عنده.

وقال الربيع: كان الشافعي مارا بالحذائين فسقط سوطه فوثب غلام ومسحه بكمه وناوله، فأعطاه سبعة دنانير.

قال الربيع: تزوجت فسألني الشافعي كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارا عجلت منها ستة فأعطاني أربعة وعشرين دينارا.

أبو جعفر الترمذي: سمعت الربيع قال: كان بالشافعي هذه البواسير، وكانت له لبدة محشوة بحلبة يجلس عليها فإذا ركب أخذت تلك اللبدة، ومشيت خلفه فناوله إنسان رقعة يقول فيها: إنني بقال رأس مالي درهم، وقد تزوجت فأعني فقال: يا ربيع أعطه ثلاثين دينارا، واعذرني عنده فقلت: أصلحك الله إن هذا يكفيه عشرة دراهم فقال: ويحك! وما يصنع بثلاثين؟ أفي كذا أم في كذا يعد ما يصنع في جهازه -أعطه.

ابن أبي حاتم: أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا محمد بن روح، حدثنا الزبير بن سليمان القرشي، عن الشافعي قال: خرج هرثمة فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار قال: فحمل إليه المال فدعا بحجام فأخذ شعره فأعطاه خمسين دينارا ثم أخذ رقاعا فصر صررا، وفرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة، ومن بمكة حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار.

محمد بن بشر العكري: سمعت الربيع قال: أخبرني الحميدي قال: قدم الشافعي صنعاء فضربت له خيمة، ومعه عشرة آلاف دينار فجاء قوم فسألوه فما قلعت الخيمة، ومعه منها شيء. رواها الأصم وجماعة عن الربيع.

وعن إبراهيم بن برانة قال: كان الشافعي جسيما طوالا نبيلا.

قال ابن عبد الحكم: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد وكان يمر بنا فإن وجدني، وإلا قال: قولوا لمحمد إذا جاء: يأتي المنزل فإني لا أتغدى حتى يجيء.

داود بن علي الأصبهاني: حدثنا أبو ثور قال: كان الشافعي من أسمح الناس يشتري الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلواء، ويشترط عليها هو أن لا يقربها؛ لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء لباسور به إذ ذاك، وكان يقول لنا: اشتهوا ما أردتم.

قال أبو علي بن حمكان: حدثني أبو إسحاق المزكي حدثنا ابن خزيمة، حدثنا الربيع قال: أصحاب مالك كانوا يفخرون فيقولون: إنه يحضر مجلس مالك نحو من ستين معمما والله لقد عددت في مجلس الشافعي ثلاث مائة معمم سوى من شذ عني.

قال الربيع: اشتريت للشافعي طيبا بدينار فقال: ممن اشتريت؟ قلت: من ذاك الأشقر الأزرق قال: أشقر أزرق، رده، رده ما جاءني خير قط من أشقر.

أبو حاتم: حدثنا حرملة حدثنا الشافعي يقول: احذر الأعور، والأعرج، والأحول والأشقر والكوسج، وكل ناقص الخلق فإنه صاحب التواء، ومعاملته عسرة.

العكري: سمعت الربيع يقول: كنت أنا والمزني، والبويطي عند الشافعي، فنظر إلينا فقال لي: أنت تموت في الحديث وقال للمزني: هذا لو ناظره الشيطان قطعه وجدله وقال للبويطي: أنت تموت في الحديد قال: فدخلت على البويطي أيام المحنة فرأيته مقيدا مغلولا.

وجاءه رجل مرة، فسأله يعني: الشافعي عن مسألة فقال: أنت نساج؟ قال: عندي أجراء.

أحمد بن سلمة النيسابوري: قال أبو بكر محمد بن إدريس، وراق الحميدي: سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها.

وعن الربيع، قال: مر أخي فرآه الشافعي فقال: هذا أخوك؟ ولم يكن رآه. قلت: نعم.

أبو علي بن حمكان: حدثنا أحمد بن محمد بن هارون الهمذاني العدل حدثنا أبو مسلم الكجي حدثنا الأصمعي عن الشافعي: أصل العلم: التثبيت، وثمرته: السلامة وأصل الورع: القناعة، وثمرته: الراحة، وأصل الصبر: الحزم، وثمرته: الظفر وأصل العمل: التوفيق. وثمرته: النجح، وغاية كل أمر: الصدق.

بلغنا عن الكديمي، حدثنا الأصمعي قال: سمعت الشافعي يقول: العالم يسأل عما يعلم، وعما لا يعلم فيثبت ما يعلم ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم ويأنف من التعليم.

أبو حاتم: حدثنا محمد بن يحيى بن حسان سمعت الشافعي يقول: العلم علمان: علم الدين وهو الفقه وعلم الدنيا وهو الطب وما سواه من الشعر وغيره فعناء وعبث.

وعن الربيع قال: قلت للشافعي: من أقدر الفقهاء على المناظرة؟ قال: من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ لم يتلعثم إذا رمقته العيون.

في إسنادها أبو بكر النقاش، وهو واه.

وعن الشافعي: بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.

قال يونس الصدفي: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

وعن الشافعي قال: ما رفعت من أحد فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه.

وعنه: ضياغ العالم أن يكون بلا إخوان وضياع الجاهل قلة عقله، وأضيع منهما من واخى من لا عقل له.

وعنه: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله.

آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة وكتمان السر والوفاء بالعهد وابتداء النصيحة وأداء الأمانة.

محمد بن فهد المصري: حدثنا الربيع سمعت الشافعي يقول: من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان.

أبو سعيد بن يونس: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك الفارسي، سمعت المزني،

سمعت الشافعي، قال: أيما أهل بيت لم يخرج نساؤهم إلى رجال غيرهم ورجالهم إلى نساء غيرهم إلا وكان في أولادهم حمق.

زكريا بن أحمد البلخي القاضي: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي يقول: رأيت في المنام النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده بالمدينة، فكأني جئت فسلمت عليه، وقلت: يا رسول الله! أكتب رأي مالك؟ قال: لا قلت: أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا قلت: أكتب رأي الشافعي؟ فقال بيده هكذا كأنه انتهرني، وقال: تقول رأي الشافعي! إنه ليس برأي ولكنه رد على من خالف سنتي.

رواها غير واحد عن أبي جعفر.

عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي حدثنا محمد بن رشيق، حدثنا محمد بن حسن البلخي قال: قلت في المنام: يا رسول الله! ما تقول في قول أبي حنيفة والشافعي ومالك؟ فقال: لا قول إلا قولي لكن قول الشافعي ضد قول أهل البدع.

وروي من وجهين: عن أحمد بن الحسن الترمذي الحافظ قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فسألته عن الاختلاف فقال: أما الشافعي فمني وإلي. وفي الرواية الأخرى: أحيا سنتي.

روى جعفر ابن أخي أبي ثور الكلبي عن عمه قال: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي، وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ فوضع له كتاب الرسالة.

وقال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.

وقال الزعفراني: حج بشر المريسي فلما قدم قال: رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا، ولا مجيبا يعني: الشافعي قال: فقدم علينا فاجتمع إليه الناس، وخفوا عن بشر فجئت إلى بشر فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم قال: إنه قد تغير عما كان عليه. قال: فما كان مثل بشر إلا مثل اليهود في شأن عبد الله بن سلام.

قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم: الشافعي.

وقال محمد بن هارون الزنجاني: حدثنا عبد الله بن أحمد قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس فهل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟

الزنجاني: لا أعرفه.

قال أبو داود: ما رأيت أبا عبد الله يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.

وقال قتية بن سعيد: الشافعي إمام.

قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وسعة علمه يتناول ما يقوي حافظته.

قال هارون بن سعيد الأيلي: قال لنا الشافعي: أخذت اللبان سنة للحفظ فأعقبني رمي الدم سنة.

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل النابلسي الشهيد، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي سمعت تميم بن عبد الله الرازي سمعت أبا زرعة سمعت قتيبة بن سعيد يقول: مات الثوري، ومات الورع، ومات الشافعي وماتت السنن، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع.

أبو ثور الكلبي: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى هو مثل نفسه.

وقال أيوب بن سويد: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.

قال أحمد بن حنبل من طرق عنه: إن الله يقيض للناس في رأس كل مائة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكذب قال: فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سميت ببغداد: ناصر الحديث. الفضل بن زياد: سمعت أحمد يقول: ما أحد مس محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.

وعن أحمد كان الشافعي من أفصح الناس.

قال إبراهيم الحربي: سألت أبا عبد الله عن الشافعي فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح.

قال الحسن الزعفراني: ما قرأت على الشافعي حرفا من هذه الكتب إلا وأحمد حاضر.

وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد بالرأي، وذكر جماعة من أئمة الاجتهاد إلا والشافعي أكثر اتباعا منه، وأقل خطأ منه الشافعي إمام.

قال يحيى بن معين: ليس به بأس.

وعن أبي زرعة الرازي قال: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.

وقال أبو داود السجستاني: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ.

قلت: هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ وناهيك بقول مثل هذين.

وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي، وما تكلم فيه إلا حاسد، أو جاهل بحاله فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجبا لارتفاع شأنه وعلو قدره، وتلك سنة الله في عباده: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا}. وقال أبو حاتم الرازي: محمد بن إدريس صدوق.

وقال الربيع بن سليمان كان الشافعي والله لسانه أكبر من كتبه لو رأيتموه لقلتم إن هذه ليست كتبه.

وعن يونس بن عبد الأعلى قال: ما كان الشافعي إلا ساحرا ما كنا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله، كأن ألفاظه سكر وكان قد أوتي عذوبة منطق وحسن بلاغة، وفرط ذكاء وسيلان ذهن، وكمال فصاحة وحضور حجة.

فعن عبد الملك بن هشام اللغوي قال: طالت مجالستنا للشافعي فما سمعت منه لحنة قط.

قلت: أنى يكون ذلك وبمثله في الفصاحة يضرب المثل كان أفصح قريش في زمانه، وكان مما يؤخذ عنه اللغة.

قال أحمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي.

وقال الأصمعي: أخذت شعر هذيل عن الشافعي.

وقال الزبير بن بكار: أخذت شعر هذيل، ووقائعها عن عمي مصعب بن عبد الله، وقال: أخذتها من الشافعي حفظا.

قال موسى بن سهل الجوني: حدثنا أحمد بن صالح قال لي الشافعي: تعبد من قبل أن ترأس فإنك إن ترأست لم تقدر أن تتعبد، ثم قال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صوت صنج وجرس من حسن صوته.

قال ابن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا رحمته ولورأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبع يأكلك، وهو الذي علم الناس الحجج.

قال الربيع بن سليمان: سئل الشافعي رحمه الله عن مسألة فأعجب بنفسه فأنشأ يقول:

وروى عن هارون بن سعيد الأيلي قال: لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الحجر خشب لغلب لاقتداره على المناظرة.

قال الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين فأقام عندنا سنتين، وخرج إلى مكة ثم قدم سنة ثمان وتسعين فأقام عندنا أشهرا، وخرج -يعني: إلى مصر.

قلت: قد قدم بغداد سنة بضع وثمانين ومائة وأجازه الرشيد بمال ولازم محمد بن الحسن مدة، ولم يلق أبا يوسف القاضي مات قبل قدوم الشافعي.

قال المزني: لما وافى الشافعي مصر قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري من أمر التوحيد، فهو تقدمت هذه الحكاية وهذه الرواية سماع زكريا الساجي من المزني.

قال: فكلمته فغضب وقال: أتدري أين أنت؟ هذا الموضع الذي غرق فيه فرعون أبلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا قال: فهل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا.

قال الحسن بن رشيق الحافظ: حدثنا فقير بن موسى بن فقير الأسواني، حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني حدثنا الشافعي، حدثنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الخولاني الشهابي حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري عن أبي شريح الكعبي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الفتح: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب العقل أخذ، وإن أحب فله القود". رواه: الدارقطني عن ابن رشيق.

الحسن بن سفيان: حدثنا أبو ثور سمعت الشافعي، وكان من معادن الفقه، ونقاد المعاني وجهابذة الألفاظ- يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ؛ لأن المعاني مبسوطة إلى غير غاية وأسماء المعاني معدودة محدودة، وجميع أصناف الدلالات على المعاني لفظا، وغير لفظ خمسة أشياء: اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم الذي يسمى النصبة، والنصبة في الحال الدلالة التي لا تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات، ولكل واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن خفائها عن التفسير وعن أجناسها، وأفرادها وعن خاصها، وعامها وعن طباعها في السار والضار، وعما يكون بهوا بهرجا وساقطا مدحرجا.

قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه.

قال حرملة: سئل الشافعي عن رجل في فمه تمرة فقال: إن أكلتها فامرأتي طالق، وإن طرحتها فامرأتي طالق قال: يأكل نصفا ويطرح النصف.

قال الربيع: قال لي الشافعي: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله، فما لله ولي.

وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: ما رأيت أحدا أقل صبا للماء في تمام التطهر من الشافعي.

قال أبو ثور: سمعت الشافعي يقول: ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله وشكرا لله.

الأصم: سمعت الربيع يقول: سأل رجل الشافعي عن قاتل الوزغ: هل عليه غسل؟ فقال: هذا فتيا العجائز.

الحسن بن علي بن الأشعث المصري: حدثنا ابن عبد الحكم قال: ما رأت عيني قط مثل الشافعي قدمت المدينة فرأيت أصحاب عبد الملك بن الماجشون يغلون بصاحبهم، يقولون: صاحبنا الذي قطع الشافعي قال: فلقيت عبد الملك فسألته عن مسألة فأجابني فقلت: الحجة؟ قال: لأن مالكا قال كذا وكذا فقلت في نفسي: هيهات أسألك عن الحجة، وتقول: قال معلمي وإنما الحجة عليك وعلى معلمك.

قال إبراهيم بن أبي طالب الحافظ: سألت أبا قدامة السرخسي عن الشافعي وأحمد وأبي عبيد وابن راهويه فقال: الشافعي أفقههم.

قال يحيى بن منصور القاضي: سمعت إمام الأئمة ابن خزيمة يقول: وقلت له: هل تعرف سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتبه؟ قال: لا.

قال حرملة: قال الشافعي: كنت أقرئ الناس، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، وحفظت الموطأ قبل أن أحتلم.

قال الحسن بن علي الطوسي: حدثنا أبو إسماعيل الترمذي سمعت البويطي يقول: سئل الشافعي: كم أصول الأحكام؟ فقال: خمس مائة. قيل له: كم أصول السنن؟ قال: خمس مائة قيل له: كم منها عند مالك؟ قال: كلها إلا خمسة وثلاثين حديثا قيل له: كم عند ابن عيينة؟ قال: كلها إلا خمسة.

قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة؛ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة، وبالصفا والمروة فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق.

قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني.

قال محمد بن مسلم بن وارة: سألت أحمد بن حنبل: ما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أهي أحب إليك أو التي بمصر؟ قال: عليك بالكتب التي عملها بمصر، فإنه وضع هذه الكتب بالعراق، ولم يحكمها ثم رجع إلى مصر فأحكم تلك وقلت لأحمد: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيه رأي مالك أو الثوري، أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا أجلهم أن أذكره، وقال: عليك بالشافعي فإنه أكثرهم صوابا وأتبعهم للآثار.

قال عبد الله بن ناجية الحافظ: سمعت ابن وارة يقول: قدمت من مصر فأتيت أحمد بن حنبل فقال لي: كتبت كتب الشافعي؟ قلت: لا قال: فرطت ما عرفنا العموم من الخصوص وناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي قال: فحملني ذلك على الرجوع إلى مصر فكتبتها.

تفرد بهذه الحكاية عن ابن ناجية: عبد الله بن محمد الرازي الصوفي وليس هو بثقة.

قال محمد بن يعقوب الفرجي: سمعت علي بن المديني يقول: عليكم بكتب الشافعي.

قلت: ومن بعض فنون هذا الإمام الطب كان يدريه نقل ذلك غير واحد فعنه قال: عجبا لمن يدخل الحمام ثم لا يأكل من ساعته كيف يعيش، وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش. حرملة عن الشافعي قال: من أكل الأترج ثم نام لم آمن أن تصيبه ذبحة.

قال محمد بن عصمة الجوزجاني: سمعت الربيع سمعت الشافعي يقول: ثلاثة أشياء دواء من لا دواء له، وأعيت الأطباء مداواته: العنب، ولبن اللقاح وقصب السكر لولا قصب السكر ما أقمت ببلدكم.

وسمعته يقول: كان غلامي أعشى لم يكن يبصر باب الدار فأخذت له زيادة الكبد فكحلته بها فأبصر.

وعنه: عجبا لمن تعشى البيض المسلوق فنام كيف لا يموت.

وعنه: الفول يزيد في الدماغ والدماغ يزيد في العقل.

وعنه: لم أر أنفع للوباء من البنفسج يدهن به، ويشرب.

قال صالح بن محمد جزرة: سمعت الربيع سمعت الشافعي يقول: لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه.

قال حرملة: كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويقول: ضيعوا ثلث العلم ووكلوه إلى اليهود والنصارى.

ويقال: إن الإمام نظر إلى شيء من النجوم ثم هجره، وتاب منه. فقال الحافظ أبو الشيخ: حدثنا عمرو بن عثمان المكي حدثنا ابن بنت الشافعي، سمعت أبي يقول: كان الشافعي وهو حدث ينظر في النجوم وما ينظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوما وامرأته تطلق فحسب فقال: تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود تموت إلى يوم كذا وكذا. فولدت كما قال فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا ودفن تلك الكتب.

قال فوران: قسمت كتب الإمام أبي عبد الله بين ولديه فوجدت فيها رسالتي الشافعي العراقية والمصرية بخط أبي عبد الله رحمه الله.

قال أبو بكر الصومعي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعي.

قال علي بن أحمد الدخمسيني: سمعت علي بن أحمد بن النضر الأزدي سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن الشافعي فقال: لقد من الله علينا به لقد كنا تعلمنا كلام القوم، وكتبنا كتبهم حتى قدم علينا فلما سمعنا كلامه علمنا أنه أعلم من غيره وقد جالسناه الأيام والليالي، فما رأينا منه إلا كل خير فقيل له: يا أبا عبد الله كان يحيى، وأبو عبيد لا يرضيانه يشير إلى التشيع وأنهما نسباه إلى ذلك -فقال أحمد بن حنبل: ما ندري ما يقولان والله ما رأينا منه إلا خيرا.

قلت: من زعم أن الشافعي يتشيع فهو مفتر لا يدري ما يقول.

قد قال الزبير بن عبد الواحد الإستراباذي: أخبرنا حمزة بن علي الجوهري حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حججنا مع الشافعي فما ارتقى شرفا، ولا هبط واديا إلا، وهو يبكي وينشد:

قلت: لو كان شيعيا -وحاشاه من ذلك لما قال: الخلفاء الراشدون خمسة بدأ بالصديق، وختم بعمر بن عبد العزيز.

الحافظ ابن عدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني حدثنا صالح بن أحمد سمعت أبي يقول: سمعت الموطأ من الشافعي؛ لأني رأيته فيه ثبتا وقد سمعته من جماعة قبله.

الحاكم: سمعت أبا بكر محمد بن علي الشاشي الفقيه يقول: دخلت على ابن خزيمة فقال: يا بني! على من درست الفقه؟ فسميت له أبا الليث فقال: وعلى من درس؟ قلت: على ابن سريج فقال: وهل أخذ ابن سريج العلم إلا من كتب مستعارة؟ فقال رجل: أبو الليث هذا مهجور بالشاشي فإن البلد حنابلة فقال ابن خزيمة: وهل كان ابن حنبل إلا غلاما من غلمان الشافعي.

زكريا الساجي: قلت لأبي داود: من أصحاب الشافعي؟ فقال: أولهم الحميدي وأحمد بن حنبل والبويطي.

ويروى بطريقين عن الشافعي قال: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- جزاهم الله خيرا هم حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل.

أنبأنا محمد بن محمد بن مناقب، عن محمد بن محمد بن محمد بن غانم، أخبرنا أبو موسى المديني أخبرنا أبو علي الحداد أخبرنا أبو سعد السمان، أخبرنا أحمد بن محمد بن محمود بتستر حدثنا الحسن بن أحمد بن المبارك، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا الشافعي عن يحيى بن سليم، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات.

رواه الحافظ أبو سعيد النقاش حدثنا علي بن الفضل حدثنا عبد الله ابن محمد بن زياد حدثنا ابن الإمام أحمد فذكر نحوه.

وأخبرناه أبو علي القلانسي أخبرنا جعفر أخبرنا السلفي أخبرنا إسماعيل بن مالك، أخبرنا أبو يعلى الخليلي حدثنا الحسين بن عبد الرزاق، حدثنا علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فذكره بنحوه.

أخبرنا يوسف بن زكي الحافظ في سنة أربع وتسعين، أخبرنا المسلم بن محمد القيسي وعلي بن أحمد قلت: وأجازه المذكوران لي، وعبد الرحمن بن محمد الفقيه أن حنبل بن عبد الله أخبرهم، أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو علي بن المذهب، أخبرنا أحمد بن جعفر المالكي أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبع بعضكم على بيع بعض". ونهى عن النجش، ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة، والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا.

هذا حديث صحيح متفق عليه، وبعض الأئمة يفرقه، ويجعله أربعة أحاديث، وهذه البيوع الأربعة محرمة، والأخيران منها فاسدان.

أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن أبي العز البزاز، وست الوزراء بنت القاضي عمر بن أسعد سماعا قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك اليماني "ح".

وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن سعيد الصوفي ببغداد قال: أخبرنا طاهر بن محمد المقدسي أخبرنا مكي بن منصور الكرجي "ح"، وأنبأنا أحمد بن سلامة وغيره عن أحمد بن محمد التيمي أن عبد الغفار بن محمد التاجر أجاز لهم قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، أخبرنا محمد بن إدريس أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج، عن عطاء: أبن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة: "طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك".

وبه قال الشافعي: وأخبرنا ابن عيينة عن ابن نجيح عن عطاء عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله وربما أرسله عطاء.

هذا حديث صالح الإسناد. أخرجه: أبو داود عن الربيع.

قرأت على عبد المؤمن بن خلف الحافظ، وعلى أبي الحسين بن الفقيه أخبركما الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أخبرنا علي بن المفضل الحافظ من حفظي حدثنا شيخ الإسلام، أبو طاهر السلفي لفظا حدثنا الإمام، أبو الحسن علي بن محمد الطبراني إلكيا، من لفظه ببغداد أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، أخبرنا أبي أبو محمد الفقيه وأخبرنا أحمد بن عبد المنعم القزويني، أخبرنا محمد بن الخازن "ح". وأخبرنا ابن الفقيه وابن مشرف ووزيرة قالوا: أخبرنا أبو عبد الله بن الزبيدي قالا: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا مكي بن علان قالا: أخبرنا القاضي أبو بكر الجيزي، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي عن مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار، ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار".

أخرجه البخاري عن ابن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي جميعا عن مالك، وهو مسلسل في طريقنا الأول بالفقهاء إلى منتهاه.

وأخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة عن المؤيد بن محمد الطوسي، أخبرنا هبة الله بن سهل أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه، أخبرنا إبراهيم بن عبد الصمد، حدثنا أبو مصعب الزهري حدثنا مالك بن أنس، وأخبرنا به أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام ببعلبك، أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم أخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبة أخبرنا أحمد بن عبد القادر "ح". وأخبرنا سنقر بن عبد الله بحلب أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار البقال أخبرنا أبي قالا: أخبرنا عثمان بن دوست العلاف أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله البزاز حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عبد الله بن مسلمة أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار".

وبه إلى القعنبي: قال مالك: وليس لهذا عندنا وجه معروف، ولا أمر معمول.

قلت: قد عمل جمهور الأئمة بمقتضاه أولهم عبد الله بن عمر راوي الحديث. والله أعلم.

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمذاني بقراءتي عليه، أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد سنة عشرين، وست مائة أخبرنا محمد بن خليل القيسي، وأخبرنا أبو جعفر محمد بن علي السلمي، وأحمد بن عبد الرحمن الصوري، قالا: أخبرنا أبو القاسم بن صصرى، أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي، وأبو يعلى حمزة بن علي الثعلبي، وأخبرنا علي بن محمد الحافظ، وعمر بن عبد المنعم الطائي، وعبد المنعم بن عبد اللطيف، ومحمد بن محمد الفارسي، وغيرهم قالوا: أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله الشافعي، وأخبرنا الحسن بن علي بن الجوهري، وخديجة بنت يوسف الواعظة قالا: أخبرنا مكرم بن محمد بن أبي الصقر، وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن القواس، وابن عمه أبو حفص عمر بن عبد المنعم والقاضي تقي الدين سليمان بن أبي عمر، والتقي بن مؤمن وفاطمة بنت سليمان، وأبو علي بن الخلال، ومحمد بن الحسن الأرموي، وست الفخر بنت عبد الرحمن قالوا: حدثتنا أم الفضل كريمة بنت عبد الوهاب القرشية قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو يعلى بن الحبوبي قال هو وابن خليل والأسدي: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلا المصيصي قراءة عليه، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم ابن أبي نصر التميمي سنة ثمان عشرة، وأربع مائة أخبرنا إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت، في سنة ست وثلاثين وثلاث مائة حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثنا ابن عيينة عن جامع وعبد الملك سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله يوم القيامة، وهو عليه غضبان". قيل: يا رسول الله! وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: "وإن كان سواكا من أراك".

أخبرنا أبو الحسين يحيى بن أحمد الجذامي، وعلي بن أحمد الحسيني، ومحمد بن الحسين القرشي بقراءتي قالوا: أخبرنا محمد بن عماد، أخبرنا عبد الله بن رفاعة أخبرنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد المديني حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم".

أخرجه ابن ماجه عن يونس، فوافقناه، وهو خبر منكر تفرد به يونس ابن عبد الأعلى الصدفي أحد الثقات، ولكنه ما أحسبه سمعه من الشافعي بل أخبره به مخبر مجهول ليس بمعتمد، وقد جاء في بعض طرقه الثابتة عن يونس قال: حدثت عن الشافعي فذكره.

أخبرنا الحسن بن علي القلانسي أخبرنا عبد الله بن عمر أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الحافظ أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي، أخبرنا أبو إسحاق القراب أخبرنا أبو يحيى الساجي، حدثنا أبو داود السجزي حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الشافعي حدثنا مالك عن ابن عجلان عن أبيه قال: إذا أغفل العالم "لا أدري" أصيبت مقاتله.

فغلب هذا الإسناد مسلسل بالحفاظ من أبي إسماعيل إلى عجلان رحمه الله.

وبه إلى أبي إسماعيل قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا محمد بن عبد الله، أخبرنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي، وكان من الإسلام بمكان قال: رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس، ورأيت أحمد وإسحاق حاضرين فقال الشافعي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وهل ترك لنا عقيل من دار"؟. فقال إسحاق: حدثنا يزيد عن الحسن وأخبرنا أبو نعيم وعبدة عن سفيان، عن منصور عن إبراهيم: أنهما لم يكونا يريانه، وعطاء وطاوس لم يكونا يريانه. فقال الشافعي: من هذا؟ قيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ابن راهويه. فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك، فكنت آمر بعرك أذنيه أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت تقول: عطاء، وطاوس ومنصور، عن إبراهيم، والحسن، وهل لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة؟!

وبه: إلى أبي إسماعيل قال: حدثنا محمد بن محمد بن عبد الله الفقيه إملاء سمعت أحمد بن محمد بن فراشة الفقيه بمرو سمعت أحمد بن منصور الشيرازي، سمعت الحسن بن محمد الطبري سمعت محمد بن المغيرة، سمعت يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي، وحدثنا عمر بن محمد إملاء، أخبرنا محمد بن الحسن الساوي بمرو، حدثنا محمد بن أبي بكر المروزي، حدثنا علي بن محمد المروزي، حدثنا أبو الفضل صالح بن محمد الرازي، سمعت البويطي سمعت الشافعي يقول: إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زاد البويطي: قال الشافعي: جزاهم الله خيرا فهم حفظوا لنا الأصل فلهم علنيا فضل.

وبه: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي أخبرنا أبو إسحاق القراب، أخبرنا أبو يحيى الساجي عن البويطي سمعت الشافعي يقول: عليكم بأصحاب الحديث، فإنهم أكثر الناس صوابا.

ويروى عن الشافعي: لولا المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر.

الأصم: حدثنا الربيع قال الشافعي: المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتابا، أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة ضلالة وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة قد قال عمر في قيام رمضان: نعمت البدعة هذه يعني: أنها محدثة لم تكن وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى.

رواه البيهقي، عن الصدفي، عن الأصم.

قال أحمد بن سلمة النيسابوري: تزوج إسحاق بن راهويه بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي مات، لم يتزوج بها إلا للكتب قال: فوضع جامع الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامع الصغير على جامع سفيان فقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي، فقال له إسحاق: لا تحدث بكتب الشافعي ما دمت هنا فأجابه.

قال داود بن علي: سمعت ابن راهويه يقول: ما كنت أعلم أن الشافعي في هذا المحل، ولو علمت لم أفارقه.

قال محمد بن إبراهيم البوشنجي: قال إسحاق: قلت للشافعي: ما حال جعفر بن محمد عندكم؟ فقال: ثقة كتبنا عن إبراهيم بن أبي يحيى عنه أربع مائة حديث.

قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: ما رأيت أفقه من سفيان بن عيينة، ولا أسكت عن الفتيا منه.

روى أبو الشيخ الحافظ، وغيره من غير وجه: أن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك وأقبلوا عليه فلما أن رأوه يخالف مالكا، وينقض عليه جفوه وتنكروا له فأنشأ يقول:

قال أبو عبد الله بن منده: حدثت عن الربيع قال: رأيت أشهب ابن عبد العزيز ساجدا يقول في سجوده: اللهم أمت الشافعي لا يذهب علم مالك، فبلغ الشافعي فأنشأ يقول:

قال المبرد: دخل رجل على الشافعي فقال: إن أصحاب أبي حنيفة لفصحاء فأنشأ يقول:

ولأبي عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي في الشافعي:

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن غانم في كتاب مناقب الشافعي له، وهو مجلد: جمعت ديوان شعر الشافعي كتابا على حدة ثم إنه ساق بإسناد له إلى ثعلب قال: الشافعي إمام في اللغة.

قال أبو نعيم بن عدي الحافظ: سمعت الربيع مرارا يقول: لو رأيت الشافعي، وحسن بيانه، وفصاحته لعجبت، ولو أنه ألف هذه الكتب على عربيته التي كان يتكلم بها معنا في المناظرة، لم نقدر على قراءة كتبه لفصاحته، وغرائب ألفاظه غير أنه كان في تأليفه يوضح للعوام.

حرملة: سمعت الشافعي يقول: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس.

هذه حكاية نافعة لكنها منكرة ما أعتقد أن الإمام تفوه بها، ولا كانت أوضاع أرسطو طاليس عربت بعد البتة. رواها أبو الحسن علي بن مهدي الفقيه، حدثنا محمد بن هارون حدثنا هميم بن همام، حدثنا حرملة. ابن هارون: مجهول.

قال مصعب بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بأيام الناس من الشافعي.

ونقل الإمام ابن سريج عن بعض النسابين قال: كان الشافعي من أعلم الناس بالأنساب لقد اجتمعوا معه ليلة، فذاكرهم بأنساب النساء إلى الصباح، وقال: أنساب الرجال يعرفها كل أحد.

الحسن بن رشيق: أخبرنا أحمد بن علي المدائني قال: قال المزني: قدم علينا الشافعي، فأتاه ابن هشام صاحب المغازي، فذاكره أنساب الرجال فقال له الشافعي: دع عنك أنساب الرجال فإنها لا تذهب عنا وعنك، وحدثنا في أنساب النساء فلما أخذوا فيها بقي ابن هشام.

قال يونس الصدفي: كان الشافعي إذا أخذ في أيام الناس قلت: هذه صناعته.

وعن الشافعي قال: ما أردت بها يعني: العربية والأخبار- إلا للاستعانة على الفقه.

قال أبو حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ما رأيت أحدا لقي من السقم ما لقي الشافعي فدخلت عليه فقال: اقرأ ما بعد العشرين والمئة من آل عمران، فقرأت فلما

قمت قال: لا تغفل عني فإني مكروب قال يونس: عنى بقراءتي ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أو نحوه.

ابن خزيمة وغيره: حدثنا المزني قال: دخلت على الشافعي في موضه الذي مات فيه فقلت: يا أبا عبد الله! كيف أصبحت؟ فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها، أو إلى نار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول:

إسناده ثابت عنه.

قال أبو العباس الأصم: حدثنا الربيع بن سليمان: دخلت على الشافعي، وهو مريض فسألني عن أصحابنا فقلت: إنهم يتكلمون فقال: ما ناظرت أحدا قط على الغلبة، وبودي أن جميع الخلق تعلموا هذا الكتاب يعني: كتبه على أن لا ينسب إلي منه شيء. قال هذا يوم الأحد، ومات يوم الخميس، وانصرفنا من جنازته ليلة الجمعة فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين وله نيف وخمسون سنة.

ابن أبي حاتم: كتب إلي أبو محمد السجستاني نزيل مكة، حدثني الحارث بن سريج قال: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج فلما أبصره رجع فقال له الخادم: ادخل قال: لا يحل افتراش الحرم. فقام الخادم متبسما. حتى دخل بيتا قد فرش بالأرمني فدخل الشافعي ثم أقبل عليه فقال: هذا حلال وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمنا فتبسم الخادم وسكت.

وعن الربيع للشافعي:

قال الميموني: سمعت أحمد يقول: سألت الشافعي عن القياس فقال: عند الضرورات.

أخبرنا أبو علي بن الخلال، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري أخبرنا محمد بن موسى، حدثنا محمد بن يعقوب سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوا ما قلت.

سمعنا جزءا في رحلة الشافعي فلم أسق منه شيئا؛ لأنه باطل لمن تأمله، وكذلك عزي إليه أقوال وأصول لم تثبت عنه، ورواية ابن عبد الحكم عنه في محاش النساء منكرة، ونصوصه في تواليفه بخلاف ذلك.

وكذا وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحة.

وقال شيخ الإسلام علي بن أحمد بن يوسف الهكاري في كتاب عقيدة الشافعي له: أخبرنا أبو يعلى الخليل بن عبد الله الحافظ أخبرنا أبو القاسم بن علقمة الأبهري، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس بن عبد الأعلى سمعت أبا عبد الله الشافعي يقول، وقد سئل عن صفات الله تعالى، وما يؤمن به فقال: لله أسماء، وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمته لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافر فأما قبل ثبوت الحجة فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه كما نفاه عن نفسه فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

قال مصعب بن عبد الله: كان الشافعي يسمر مع أبي إلى الصباح.

وقال المبرد: كان الشافعي من أشعر الناس، وآدب الناس وأعرفهم بالقراءات.

ومن مناقب هذا الإمام: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام". أخرجه البخاري.

قال يحيى القطان: مما نقله البيهقي في المدخل له: ما رأيت أعقل، أو قال: أفقه من الشافعي، وأنا أدعو الله له، أخصه به.

وقال الحاكم: حدثنا الزبير بن عبد الواحد حدثني العباس بن الفضل بأرسوف، حدثنا محمد بن عوف سمعت أحمد بن حنبل يقول: الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني والفقه.

قال إبراهيم الحربي: سألت أحمد عن الشافعي فقال: حديث صحيح، ورأي صحيح وسألته عن مالك، وذكر القصة.

أحمد بن محمد بن عبيدة: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: كان الشافعي إذا أخذ في التفسير، كأنه شهد التنزيل.

قال البيهقي فيما أجاز لنا ابن علان، وفاطمة بنت عساكر عن منصور الفراوي أخبرنا أبو المعالي الفارسي، أخبرنا أبو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا محمد بن العباس العصمي، حدثنا أبو إسحاق بن ياسين الهروي، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الأنصاري، سمعت المروذي يقول: قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي؛ لأنه إمام قرشي وقد روى عن النبي: -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عالم قريش يملأ الأرض علما". إلى أن قال أحمد: وإني لأدعو للشافعي منذ أربعين سنة في صلاتي.

روى أبو داود الطيالسي، وإسحاق بن إسرائيل حدثنا جعفر بن سليمان، عن أبي الجارود النضر بن حميد، عن أبي الجارود عن أبي الأحوص، عن عبد الله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملأ الأرض علما".

قلت: النضر قال فيه أبو حاتم: متروك الحديث.

قال أبو بكر بن زياد النيسابوري: سمعت الربيع يقول: كان الشافعي يختم القرآن في كل رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة، وكان يحدث وطست تحته، فقال

يوما: اللهم إن كان لك فيه رضى فزد. فبعث إليه إدريس بن يحيى المعافري -يعني: زاهد مصر-: لست من رجال البلاء، فسل الله العافية.

الزبير بن عبد الواحد: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: قال المزني أو الربيع: كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف، وفي يده عكازة فقام الشافعي وسوى عليه ثيابه وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له إذ قال الشيخ: أسأل؟ قال: سل قال: ما الحجة في دين الله؟ قال: كتاب الله. قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة. قال: من أين قلت: اتفاق الأمة؟ فتدبر الشافعي ساعة فقال الشيخ: قد أجلتك ثلاثا فإن جئت بحجة من كتاب الله، وإلا تب إلى الله تعالى فتغير لون الشافعي ثم إنه ذهب فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه، وهو مسقام فجلس فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ فسلم وجلس فقال: حاجتي فقال الشافعي: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} قال: فلا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض.

فقال: صدقت وقام فذهب. فقال الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه.

أنبئت بهذه القصة عن منصور الفراوي أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا الزبير فذكرها.

قلت الزعفراني: قدم علينا الشافعي بغداد في سنة خمس وتسعين فأقام عندنا أشهرا ثم خرج وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين.

وقال أحمد بن سنان: رأيته أحمر الرأس واللحية يعني: أنه اختضب.

قال الطبراني: سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول: حضرت جنازة ابن وهب، وحضرت مجلس الشافعي.

أبو نعيم في الحلية: حدثنا عبيد بن خلف البزار حدثني إسحاق بن عبد الرحمن، سمعت حسينا الكرابيسي سمعت الشافعي يقول: كنت امرأ أكتب الشعر، فآتي البوادي،

فأسمع منهم فقدمت مكة فخرجت، وأنا أتمثل بشعر للبيد، وأضرب وحشي قدمي بالسوط فضربني رجل من ورائي، من الحجبة فقال: رجل من قريش ثم ابن المطلب رضي من دينه ودنياه أن يكون معلما، ما الشعر إذا استحكمت فيه فعدت معلما؟ تفقه يعلك الله فنفعني الله بكلامه فكتبت ما شاء الله من ابن عيينة ثم كنت أجالس مسلم بن خالد، ثم قدمت على مالك فلما عرضت عليه إلى كتاب السير قال لي: تفقه تعل يا ابن أخي فجئت إلى مصعب بن عبد الله، فكلمته أن يكلم لي بعض أهلنا، فيعطيني شيئا فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم. فقال لي مصعب: أتيت فلانا فكلمته فقال: أتكلمني في رجل كان منا فخالفنا؟ قال: فأعطاني مائة دينار. ثم قال لي مصعب: إن الرشيد كتب إلي أن أصير إلى اليمن قاضيا، فتخرج معنا لعل الله أن يعوضك فخرجت معه، وجالسنا الناس فكتب مطرف بن مازن إلى الرشيد: إن أردت اليمن لا يفسد عليك، ولا يخرج من يدك، فأخرج عنه محمد بن إدريس، وذكر أقواما من الطالبيين فبعث إلى حماد البربري، فأوثقت بالحديد حتى قدمنا على هارون الرقة فأدخلت عليه .... وذكر اجتماعه بعد بمحمد بن الحسن ومناظرته له.

قال الحميدي: عن الشافعي قال: كان منزلنا بمكة في شعب الخيف فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث، أو المسألة وكانت لنا جرة قديمة، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة.

قال عمرو بن عثمان المكي: عن الزعفراني عن يحيى بن معين سمعت يحيى بن سعيد يقول: أنا أدعو الله للشافعي في صلاتي منذ أربع سنين.

قال ابن ماجه القزويني: جاء يحيى بن معين إلى أحمد بن حنبل فبينا هو عنده إذ مر الشافعي على بغلته، فوثب أحمد يسلم عليه وتبعه فأبطأ، ويحيى جالس فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله! كم هذا؟ فقال: دع عنك هذا إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة.

قال أحمد بن العباس النسائي: سمعت أحمد بن حنبل ما لا أحصيه وهو يقول: قال أبو عبد الله الشافعي ثم قال: ما رأيت أحدا أتبع للأثر من الشافعي.

أبو حاتم: حدثنا يونس سمعت الشافعي يقول: ناظرت يوما محمد ابن الحسن فاشتد مناظرتي له فجعلت أوداجه تنتفخ، وأزراره تنقطع زرا زرا.

وعن الشافعي قال: سميت ببغداد ناصر الحديث.

وقال يونس: سمعت الشافعي يقول: ما فاتني أحد كان أشد علي من الليث وابن أبي ذئب، والليث أتبع للأثر من مالك.

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة عن مسعود الجمال، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، حدثني حسان بن أبان القاضي بمصر، حدثني جامع بن القاسم البلخي، حدثني أبو بكر محمد بن يزيد بن حكيم المستملي، قال: رأيت الشافعي في المسجد الحرام، وقد جعلت له طنافس فجلس عليها فأتاه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله! ما تقول في أكل فرخ الزنبور؟ فقال: حرام. فقال: حرام؟! قال: نعم من كتاب الله وسنة رسول الله، والمعقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. وحدثنا سفيان عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعي، عن حذيفة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر، وعمر". هذا الكتاب والسنة. وحدثونا عن إسرائيل قال أبو بكر المستملي: حدثنا أبو أحمد عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة: أن عمر أمر بقتل الزنبور وفي المعقول: أن ما أمر بقتله فحرام أكله.

وقال أبو نعيم: حدثنا الحسن بن سعيد حدثنا زكريا الساجي سمعت البويطي سمعت الشافعي يقول: إنما خلق الله الخلق ب"كن" فإذا كانت "كن" مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق.

الربيع: سمعت الشافعي يقول: لم أر أحدا أشهد بالزور من الرافضة.

وقال: لا يبلغ في هذا الشأن رجل حتى يضر به الفقر، ويؤثره على كل شيء.

وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: يا يونس! الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.

وقال لي: رضا الناس غاية لا تدرك، وليس إلى السلامة منهم سبيل فعليك بما ينفعك فالزمه.

وعن الشافعي: العلم ما نفع ليس العلم ما حفظ.

وعنه: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.

وعنه: لم أعلم أن الماء البارد ينقص مروءتي ما شربته.

أبو نعيم: حدثنا ابن المقرئ سمعت يوسف بن محمد بن يوسف المروزي يقول: عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبيه، سمعت الشافعي يقول: بينما أنا أدور في طلب العلم، ودخلت اليمن فقيل لي: بها إنسان من وسطها إلى أسفل، بدن امرأة، ومن وسطها إلى فوق بدنان مفترقان بأربع أيد، ورأسين ووجهين، فأحببت أن أنظر إليها، فلم أستحل حتى خطبتها من أبيها، فدخلت فإذا هي كما ذكر لي فلعهدي بهما، وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان ويأكلان، ثم إني نزلت عنها وغبت عن تلك البلد أحسبه قال: سنتين ثم عدت، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد توفي، فعمد إليه فربط من أسفل بحبل، وترك حتى ذبل فقطع ودفن قال الشافعي: فلعهدي بالجسد الواحد في السوق ذاهبا وجائيا أو نحوه.

هذه حكاية عجيبة منكرة، وفي إسنادها من يجهل.

وعن الشافعي قال: ما نقص من أثمان السود إلا لضعف عقولهم وإلا هو لون من الألوان.

إبراهيم بن محمد بن الحسن الأصبهاني: حدثنا الربيع قال: كان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة.

قال إبراهيم بن محمد الشافعي: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من الشافعي وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد، وأخذ مسلم من ابن جريج، وأخذ ابن جريج من عطاء، وأخذ عطاء من ابن الزبير وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذ أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم.

وعن الشافعي قال: رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا. قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: يقولون: ماء العراق، وما في الدنيا مثل ماء مصر للرجال لقد قدمت مصر، وأنا مثل الخصي ما أتحرك. قال: فما برح من مصر حتى ولد له.

محمد بن إبراهيم بن جناد: حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي سمعت الشافعي يقول: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير، يشغلون به عن القرآن.

عن الشافعي: ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن قيل: ولم؟ قال: لأن العاقل لا يعدو من إحدى خلتين: إما يغتم لآخرته أو لدنياه والشحم مع الغم لا ينعقد.

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو المعدل في سنة اثنتين وتسعين وبعدها، أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين الأسدي أخبرنا جدي أبو القاسم الحسين بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الفقيه، أخبرنا محمد بن الفضل بن نظيف الفراء بمصر سنة تسع عشرة، وأربع مائة حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة، حدثنا المزني حدثنا الشافعي، عن مالك عن نافع عن عبد الله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال. فقيل: إنك تواصل؟ فقال: "لست مثلكم إني أطعم وأسقى".

قلت: كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة، وقتالهم -رضي الله عنهم- أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين، والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف، العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالى حيث يقول: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}، فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم وجهاد محاء وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة. ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة وحمزة وجعفر، ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين وبنات نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأهل بدر، مع كونهم على مراتب. ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء، وسلمان الفارسي وابن عمر، وسائر أهل بيعة الرضوان الذين -رضي الله عنهم- بنص آية سورة الفتح. ثم عموم المهاجرين والأنصار، كخالد بن الوليد والعباس، وعبد الله بن عمرو وهذه الحلبة. ثم سائر من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجاهد معه أو حج معه، أو سمع منه -رضي الله عنهم- أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرات والمدنيات، وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية، وسائر الصحابيات فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب، وافتراء فدأب الروافض رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد، ومتى إفاقة من به سكران؟!

ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض، وتحاربوا وجرت أمور لا يمكن شرحها فلا فائدة في بثها ووقع في كتب التواريخ، وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة والعاقل خصم نفسه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولحوم العلماء مسمومة، وما نقل من ذلك لتبيين غلط العالم، وكثرة وهمه أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط يل لتوضيح الحديث الصحيح من الحسن والحسن من الضعيف.

وإمامنا فبحمد الله ثبت في الحديث حافظ لما وعى عديم الغلط موصوف بالإتقان متين الديانة، فمن نال منه بجهل وهوى، ممن علم أنه منافس له فقد ظلم نفسه ومقتته العلماء ولاح لكل حافظ تحامله، وجر الناس برجله ومن أثنى عليه، واعترف بإمامته وإتقانه وهم أهل العقد والحل قديما وحديثا فقد أصابوا، وأجملوا وهدوا ووفقوا.

وأما أئمتنا اليوم وحكامنا، فإذا أعدموا ما وجد من قدح بهوى فقد يقال: أحسنوا ووفقوا، وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر.

وبكل حال فالجهال والضلال قد تكلموا في خيار الصحابة، وفي الحديث الثابت: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليرزقهم ويعافيهم".

وقد كنت وقفت على بعض كلام المغاربة في الإمام رحمه الله، فكانت فائدتي من ذلك تضعيف حال من تعرض إلى الإمام ولله الحمد.

ولا ريب أن الإمام لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية ووهى بعض فروعهم بدلائل السنة، وخالف شيخه في مسائل تألموا منه ونالوا منه وجرت بينهم وحشة غفر الله للكل وقد اعترف الإمام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة فصدق، والله فرحم الله الشافعي، وأين مثل الشافعي والله في صدقه وشرفه ونبله وسعة علمه، وفرط ذكائه ونصره للحق، وكثرة مناقبه رحمه الله تعالى.

قال الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج بالإمام الشافعي فيما قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد العزيز بن محمد أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، أخبرنا الخطيب قال: سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في الجامع؟ وذكر أن بعض من يذهب إلى رأي أبي حنيفة ضعف أحاديث الشافعي، واعترض بإعراض البخاري عن روايته ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال وتركهم يعمهون. وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم، وغيره من حديث الشافعي. فأجبته بما فتح الله لي: ومثل الشافعي من حسد وإلى ستر معالمه قصد ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر من كل حق مستوره، وكيف لا يغبط من حاز الكمال بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو ذاهب العقل ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه، وتعظيم الأئمة له وقال:

إلى أن قال: والبخاري هذب ما في جامعه غير أنه عدل عن كثير من الأصول، إيثارا للإيجاز قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول.

فترك البخاري الاحتجاج بالشافعي، إنما هو لا لمعنى يوجب ضعفه لكن غني عنه بما هو أعلى منه إذ أقدم شيوخ الشافعي: مالك، والدراوردي، وداود العطار، وابن عيينة، والبخاري لم يدرك الشافعي بل لقي من هو أسن منه، كعبيد الله بن موسى، وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين، وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة، فلم ير أن يروي عن رجل عن الشافعي عن مالك.

فإن قيل: فقد روى عن المسندي عن معاوية بن عمرو عن الفزاري عن مالك، فلا شك أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك، وهو في الموطأ فهذا ينقض عليك؟!

قلنا: إنه لم يرو حديثا نازلا، وهو عنده عال إلا لمعنى ما يجده في العالي، فأما أن يورد النازل وهو عنده عال لا لمعنى يختص به، ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه فهذا غير موجود في الكتاب، وحديث الفزاري فيه بيان الخبر، وهو معدوم في غيره وجوده الفزاري بتصريح السماع، ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة قال: والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث، ويراعيها وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط البخاري أغرب به ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه. ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك. وأما أبو داود فأخرج في سننه للشافعي غير حديث، وأخرج له الترمذي وابن خزيمة وابن أبي حاتم.

ثم سرد الخطيب فصلا في ثناء مشايخه، وأقرانه عليه ثم سرد أشياء في غمز بعض الأئمة، فأساء ما شاء -أعني غامزه.

وبلغنا عن الإمام الشافعي ألفاظ قد لا تثبت ولكنها حكم فمنها:

ما أفلح من طلب العلم إلا بالقلة.

وعنه قال: ما كذبت قط ولا حلفت بالله ولا تركت غسل الجمعة وما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة طرحتها من ساعتي. وعنه قال: من لم تعزه التقوى فلا عز له.

وعنه: ما فزعت من الفقر قط طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب بها الله أهل التوحيد.

وقيل له: ما لك تكثر من إمساك العصا ولست بضعيف؟ قال: لأذكر أني مسافر.

وقال: من لزم الشهوات لزمته عبودية أبناء الدنيا.

وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى وكسب الحلال والتقوى والثقة بالله.

وعنه: أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان.

وعنه: اجتناب المعاصي، وترك ما لا يعنيك ينور القلب عليك بالخلوة وقلة الأكل إياك ومخالطة السفهاء، ومن لا ينصفك إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ولم تملكها.

وعنه: لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف إلى الزهاد.

وعنه: سياسة الناس أشد من سياسة الدواب.

وعنه: العاقل من عقله عقله عن كل مذموم.

وعنه: للمروءة أركان أربعة: حسن الخلق والسخاء والتواضع والنسك.

وعنه: لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة والأمانة والصيانة والرزانة.

وعنه: ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته.

وعنه: علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا.

وعنه: من نم لك نم عليك.

وعنه قال: التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من شيم اللئام التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة.

وقال: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله.

وقال: ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه.

لا نلام والله على حب هذا الإمام؛ لأنه من رجال الكمال في زمانه رحمه الله وإن كنا نحب غيره أكثر.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 235

الإمام الشافعي ومنهم الإمام الكامل العالم العامل ذو الشرف المنيف، والخلق الظريف، له السخاء والكرم، وهو الضياء في الظلم، أوضح المشكلات، وأفصح عن المعضلات، المنتشر علمه شرقا وغربا، المستفيض مذهبه برا وبحرا، المتبع للسنن والآثار، والمقتدي بما اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، اقتبس عن الأئمة الأخيار، فحدث عنه الأئمة الأحبار الحجازي المطلبي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. حاز المرتبة العالية، وفاز بالمنقبة السامية؛ إذ المناقب والمراتب يستحقها من له الدين والحسب. وقد ظفر الشافعي رحمه الله تعالى بهما جميعا، شرف العلم العمل به، وشرف الحسب قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرفه في العلم ما خصه الله تعالى به من تصرفه في وجوه العلم، وتبسطه في فنون الحكم [ص:64]، فاستنبط خفيات المعاني، وشرح بفهمه الأصول والمباني، ونال ذلك بما يخص الله تعالى به قريشا من نبل الرأي

وذلك ما حدثناه عبد الله بن جعفر، ثنا يوسف بن حبيب، ثنا أبو داود، ح. وحدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا أحمد بن يونس، ثنا ابن أبي ذيب، عن الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن عبد الله الأزهر، عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للقرشي مثلا قوة الرجلين من غيرهم». فسأل ابن شهاب سائل: ما يعني بذلك؟ قال: نبل الرأي

حدثنا محمد بن أحمد، ثنا إبراهيم بن محمد بن عوف، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبي، ثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد العزيز، عن محمد بن عبد العزيز، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، عن بحينة بن غزوان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قوة الرجل من قريش مثل قوة الرجلين من غيرهم»

حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك، ثنا محمد بن يونس بن موسى، ثنا أبي، ثنا محمد بن سليمان بن مسمول المخزومي، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس بن مالك، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: «يا أيها الناس، قدموا قريشا ولا تقدموها، أو تعلموا من قريش، ولا تعلموها، قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل منهم تعدل أمانة رجلين من غيرهم»

أخبرنا عبد الله بن جعفر، فيما قرئ عليه وأذن لي، قال: ثنا أحمد بن يونس الضبي، ثنا عمار بن نصر، ثنا إبراهيم بن اليسع المكي، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عن علي، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فقال: «أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى قال: " فإني كأني لكم على الحوض فرطا وسائلكم عن اثنتين: عن القرآن، وعن عترتي، لا تقدموا قريشا فتهلكوا ولا تختلفوا عنها فتضلوا، قوة الرجل من قريش قوة رجلين، ألا تفاقهوا قريشا؟ فهي أفقه منكم، لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله؛ [ص:65] خيار قريش خيار الناس، وشرار قريش خير شرار الناس "

حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا قريشا؛ فإن عالمها يملأ الأرض علما، اللهم إنك أذقت أولها عذابا ووبالا، فأذق آخرها نوالا»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا إسحاق بن سعيد بن الأركون أبو سلمة الجمحي الدمشقي، ثنا خليد بن دعلج أبو عمر السدوسي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمان أهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله - ثلاث مرات - فإذا خالفها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس»

حدثنا مخلد بن جعفر، ثنا الحليس بن أبي الأحوص، ثنا العلاء بن أبي عمرو، ح وحدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد قريشا، فإن علم العالم منهم يسع طباق الأرض اللهم أذقت أولها نكالا، فأذق آخرها نوالا»

حدثنا محمد بن عبد العزيز بن سهل الخشاب النيسابوري، ثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، ثنا محمد بن سليمان، كريز، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله عز وجل " {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44] قال: يقال: ممن هذا الرجل؟ فيقال: من العرب، فيقال: من أيهم؟ فيقال: من قريش "

ذكر بيان لصوق نسبه بنسب رسول الله صلى الله عليه وسلم

حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، فأتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم [ص:66] لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم أرأيت، إخواننا من بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا؟ فقال: «إنما نحن وهم شيء واحد» وشبك بين أصابعه. رواه هشيم وجرير بن حازم عن محمد بن إسحاق، ورواه يونس بن يزيد عن الزهري. حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا هارون بن كامل، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب، أن جبير بن مطعم أخبره أنه، جاء هو وعثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمانه فيما قسم من خمس خيبر بين بني هاشم، وبني المطلب فذكر نحوه. وحدث به عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس. حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثني عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، أخبرني جبير بن مطعم، أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من خمس خيبر بين بني هاشم وبني المطلب، فذكر نحوه. رواه عثمان بن عمرو بن وهب، ونافع بن يزيد عن يونس، نحوه. ورواه عبيد عن الزهري

حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد، ثنا محمد بن رافع، ثنا حجير بن المثنى، ثنا أبو عثمان، ثقة ثنا الليث بن سعد، عن عقيل عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، أنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب، وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» ورواه النعمان بن راشد

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثني أبي، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم، أن عثمان بن عفان، سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين أعطى بني هاشم، وبني المطلب من خمس خيبر، ولم يعط بني عبد شمس ولا بني عبد مناف فقال: «إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد». ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب، عن جبير [ص:67]. حدثنا محمد بن عمر بن سلم، ثنا محمد بن هارون بن كثير، ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا أحمد بن أبي العباس الرملي، ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن جبير بن مطعم أخبره قال: انطلقت أنا وعثمان بن عفان، إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب، فذكره. وغاية المشرف أن يكون شرفه متصلا بأفضل الخلق محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام

ذكر بيان نسبه، ومولده ووفاته

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ح. وحدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح، ح. وحدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، قالوا: ثنا الحسن بن محمد الصباح الزعفراني، ثنا أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف «قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين، فأقام عندنا أشهرا ثم خرج وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين» لفظ أبي الطيب

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح، سمعت الربيع، يقول: «مات الشافعي سنة أربع ومائتين»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: سمعت محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: «مولد الشافعي بغزة أو عسقلان»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم الجوهري، بمصر ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال لي الشافعي: «ولدت بغزة سنة خمسين ومائة، وحملت إلى مكة وأنا ابن سنتين»

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا الحسن بن محمد بن الصباح، قال: «مات محمد بن إدريس أبو عبد الله سنة أربع ومائتين»

وقال ابن بنت الشافعي: «مات جدي بمصر، وهو ابن نيف وخمسين سنة، وكانت أمه [ص:68] أزدية من الأزد، وكان ينزل بمكة الثنصة بأسفل مكة، وكانت امرأته أم ولده التي أولدها حمدة بنت نافع بن عنبسة بن عمرو بن عثمان بن عفان»

حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي القاضي الجرجاني، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا يونس بن عبد الأعلى قال: «مات الشافعي سنة أربع ومائتين وهو ابن نيف وخمسين سنة»

حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن وعبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قالا: ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: «ولد الشافعي رحمه الله في سنة خمسين ومائة ومات في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، وعاش أربعا وخمسين سنة»

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان قال: «توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة بعد ما صلى المغرب آخر يوم من رجب، ودفناه يوم الجمعة، فانصرفنا، فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: قال الربيع: " لما كان مع المغرب ليلة مات الشافعي قال له ابن عمه يعقوب: ننزل حتى نصلى؟ قال: تجلسون تنتظرون خروج نفسي؟ فنزلنا ثم صعدنا فقلنا له: صليت أصلحك الله. قال: نعم، فاستسقى، وكان شتاء، فقال له ابن عمه: امزجوه بالماء السخن، فقال الشافعي: لا، برب السفرجل. وتوفي مع العشاء الآخرة "

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا ابن أبي حاتم، ثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: «رأيت الشافعي أحمر الرأس واللحية يعني أنه استعمل الخضاب اتباعا للسنة»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا عبد الوهاب بن سعيد الحمزاوي، ثنا محمد بن سحنويه، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: «مات الشافعي، وهو ابن نيف وخمسين سنة، كان يخضب ما في لحيته من البياض»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت أحمد بن إسماعيل بن عاصم، يقول [ص:69]: سمعت يوسف بن يزيد القراطيسي، يقول: «جالست محمد بن إدريس الشافعي وسمعت من كلامه، وكان يخضب لحيته قليلا، وأنا ابن سبع عشرة سنة»

سمعت سليمان بن أحمد، يقول: سمعت أبا يزيد القراطيسي، يقول: «حضرت مجلس الشافعي وحضرت جنازة ابن وهب»

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن روح البغدادي، ثنا الزعفراني، ثنا أبو الوليد بن الجارود، قال: «كان سن أبي وسن الشافعي واحدا فنظرنا في سنه، فإذا هو يوم مات ابن اثنتين وخمسين سنة»

حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني قال: سمعت أبا بكر بن خزيمة، يقول: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " حفظت الموطأ قبل أن آتي مالكا فلما أتيته قال لي: اطلب من يقرأ لك. فقلت: لا عليك أن تستمع لقراءتي فإن أعجبتك، وإلا طلبت من يقرأ فقال لي: اقرأ، فقرأت عليه "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى المصري، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «أتيت مالكا، وقد حفظت الموطأ»، فقال لي: اطلب من يقرأ، قلت: «لا عليك أن تستمع قراءتي، فإن خفت عليك، وإلا طلبت من يقرأ لي» فقال لي: اقرأ، «فقرأت لنفسي، فكان الشافعي يقول أخبرنا مالك» حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا إسحاق بن أحمد الفارسي قال: سمعت محمد بن خالد، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: أتيت مالكا، وأنا ابن اثنتي عشرة سنة؛ لأقرأ عليه الموطأ فاستصغرني فذكر مثله

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الجيزي، حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: " جئت مالك بن أنس، فاستأذنت عليه فدخلت، وكنت أريد أن اسمع منه حديث العقيقة، فقلت: إن جعلته في أول خشيت أن سيبطله، ولا يحدثني، وإن جعلته في آخر خشيت أن لا يبلغه بعد عشرة أحاديث، فأخذت أن أسأله عن [ص:70] حديث حديث، فلما مرت عشرة قال: حسبك فلم أسمعه منه "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا يوسف بن عبد الواحد بن سفيان قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما نظرت في موطأ مالك إلا ازددت فهما»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا عبد الله بن جامع، قال: سمعت يحيى بن عثمان بن صالح، يقول: سمعت هارون بن سعيد، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما كتاب بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنس»

حدثنا محمد بن إبراهيم قال: سمعت أبا جعفر الطحاوي، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز»

حدثنا محمد بن إبراهيم قال: سمعت عبد العزيز بن أبي رجاء، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إذا جاء مالك فمالك كالنجم»

حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن داود بن منصور، ثنا عبيد بن خلف البزاز أبو محمد، حدثني إسحاق بن عبد الرحمن، قال: سمعت حسينا الكرابيسي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: كنت امرأ أكتب الشعر فآتي البوادي فأسمع منهم، قال: فقدمت مكة فخرجت منها، وأنا أتمثل بشعر للبيد، وأضرب وحشي قدمي بالسوط، فضربني رجل من ورائي من الحجبة، فقال: رجل من قريش، ثم ابن المطلب رضي من دينه ودنياه أن يكون معلما، ما الشعر؟ هل الشعر إذا استحكمت فيه إلا قصدت معلما؟ تفقه يعلمك الله. قال: فنفعني الله بكلام ذلك الحجبي، قال: ورجعت إلى مكة، وكتبت من ابن عيينة ما شاء الله أن أكتب ثم كنت أجالس مسلم بن خالد الزنجي، ثم قرأت على مالك بن أنس، فكتبت موطأه فقلت له: يا أبا عبد الله، أقرأ عليك؟ قال: يا ابن أخي، تأتي برجل يقرأه علي فتسمع، فقلت: أقرأ عليك فتسمع إلى كلامي. فقال لي اقرأ، فلما سمع [ص:71] قراءتي أذن، فقرأت عليه حتى بلغت كتاب السير فقال لي: اطوه يا ابن أخي، تفقه تعل. قال: فجئت إلى مصعب بن عبد الله فكلمته أن يكلم بعض أهلنا فيعطيني شيئا من الدنيا فإنه كان بي من الفقر والفاقة ما الله به عليم، فقال لي مصعب: أتيت فلانا، فكلمته فقال لي: تكلمني في رجل كان منا فخالفنا؟ قال: فأعطاني مائة دينار، وقال لي مصعب: إن هارون الرشيد كتب إلي أن أصير إلى اليمن قاضيا فتخرج معنا لعل الله أن يعوضك ما كان من هذا الرجل يقرضك؟ قال: فخرج قاضيا على اليمن وخرجت معه، فلما صرنا باليمن وجالسنا الناس، كتب مطرف بن مازن إلى هارون الرشيد: إن أردت اليمن لا يفسد عليك ولا يخرج من يديك فأخرج عنه محمد بن إدريس، وذكر أقواما من الطالبيين قال: فبعث إلي حمادا العزيزي، فأوثقت بالحديد، حتى قدمنا على هارون قال: فأدخلت على هارون. قال: فأخرجت من عنده. قال: وقدمت ومعي خمسون دينارا. قال: ومحمد بن الحسن يومئذ بالرقة، قال فأنفقت تلك الخمسين دينارا على كتبهم، قال: فوجدت مثلهم، ومثل كتبهم مثل رجل كان عندنا يقال له فروخ، وكان يحمل الدهن في زق له، فكان إذا قيل له: عندك فرشنان؟ قال: نعم، فإن قيل له: عندك زنبق؟ قال: نعم، فإن قيل: عندك حبر؟ قال: نعم فإذا قيل له أرني - وللزق رءوس كثيرة - فيخرج له من تلك الرءوس، وإنما هي دهن واحد. وكذلك وجدت كتاب أبي حنيفة إنما يقول: كتاب الله، وسنة نبيه عليه السلام، وإنما هم مخالفون له. قال: فسمعت ما لا أحصيه محمد بن الحسن يقول: إن تابعكم الشافعي فما عليكم من حجازي كلفة بعده، فجئت يوما فجلست إليه وأنا من أشد الناس هما وغما من سخط أمير المؤمنين، وزادي قد نفد. قال: فلما أن جلست إليه أقبل محمد بن الحسن يطعن على أهل دار الهجرة، فقلت: على من تطعن على البلد أم على أهله. والله لئن طعنت على أهله إنما تطعن على أبي بكر وعمر، والمهاجرين والأنصار، وإن طعنت على البلدة فإنها بلدتهم التي دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم، وحرمه كما حرم إبراهيم عليه الصلاة والسلام مكة، لا يقتل صيدها على أيهم تطعن؟ [ص:72] فقال: معاذ الله أن أطعن على أحد منهم أو على بلدته، وإنما أطعن على حكم من أحكامه، فقلت: ما هو؟ فقال: اليمين مع الشاهد، فقلت له: ولم طعنت؟ قال: فإنه مخالف لكتاب الله فقلت له: فكل خبر يأتيك مخالفا لكتاب الله أتسقطه؟ قال: فقال كذا يجب، فقلت له: ما تقول في الوصية للوالدين؟ قال: فتفكر ساعة فقلت له: أجب، فقال: لا تجب، قال: فقلت له: هذا مخالف لكتاب الله، لم قلت: إنه لا يجوز؟ قال: فقال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا وصية للوالدين». قال: فقلت له: فأخبرني عن الشاهدين؛ حتم من الله؟ قال: فما تريد من ذا؟ قال: فقلت له: لئن زعمت أن الشاهدين حتم من الله لا غير، كان ينبغي لك أن تقول: إذا زنى زان فشهد عليه شاهدان إن كان محصنا رجمته وإن كان غير محصن جلدته. قال: ليس هو حتما من الله. قال: قلت له: إذا لم يكن حتما من الله فتنزل الأحكام منازلها في الزنا أربعا، وفي غيره شاهدين، وفي غيره رجلا وامرأتين. وإنما أعنى في القتل لا يجوز إلا بشاهدين، فلما رأيت قتلا وقتلا أعني بشهادة الزنا، وأعني بشهادة القتل، فكان هذا قتلا، وهذا قتلا، غير أن أحكامهما مختلفة، فكذلك كل حكم أنزله الله منها بأربع، ومنها بشاهدين، ومنها برجل وامرأتين، ومنها بشاهد واليمين، فرأيتك تحكم بدون هذا، قال: فقلت له: فما تقول في الرجل والمرأة إذا اختلفا في متاع البيت؟ فقال: أصحابي يقولون فيه: ما كان للرجال فهو للرجال، وما كان للنساء فهو للنساء، قال: فقلت له: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت له: فما تقول في الرجلين إذا اختلفا في الحائط. قال: فقال: في قول أصحابنا إن لم يكن لهم بينة ننظر إلى العقد من أين هو إلينا فأحكم لصاحبه، قال: فقلت: أبكتاب الله هذا أم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: فما تقول في رجلين بينهما حص فيختلفان، لمن تحكم إذا لم تكن لهم بينة؟ قال: أنظر إلى معاقده من أي وجه هو، فأحكم له، قلت: بكتاب الله هذا أم بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت له: فما تقول في ولادة المرأة إذا لم يكن يحضرها إلا امرأة واحدة، وهي القابلة، ولم يكن غيرها؟ فقال لي: الشهادة جائزة بشهادة القابلة وحدها نقبلها [ص:73]، قال: فقلت له: هذا بكتاب الله أم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ثم قلت له: أتعجب من حكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم به أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وحكم به علي بن أبي طالب بالعراق، وقضى وحكم به شريح؟ قال: ورجل من ورائي يكتب ألفاظي، وأنا لا أعلم قال: فأدخل على هارون، وقرأه عليه، قال: فقال هرثمة بن أعين - وكان متكئا فاستوى جالسا - فقال: اقرأه علي ثانيا، قال: فأنشأ هارون يقول: صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، صدق الله ورسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا من قريش، ولا تعلموها، قدموا قريشا، ولا تقدموها» ما أنكر أن يكون محمد بن إدريس أعلم من محمد بن الحسن، قال: فرضي عني وأمر لي بخمسمائة دينار. قال: فخرج به هرثمة، وقال لي بالشرط: هكذا، فاتبعته فحدثني بالقصة، وقال لي: قد أمر بخمسمائة دينار، وقد أضفنا إليه مثله، قال: فوالله ما ملكت قبلها ألف دينار إلا في ذاك الوقت. قال: وكنت رجلا أستتبع فأغناني الله عز وجل على يدي مصعب "

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القاضي، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثني أبو بشر أحمد بن حماد الدولابي - في طريق مصر - قال: حدثني أبو بكر بن إدريس، - وراق الحميدي - عن الشافعي، قال: «كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث والمسألة، وكانت لنا جرة قديمة فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة»

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القاضي، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن روح، قال: سمعت الزبير بن سليمان القرشي، يذكر عن الشافعي، قال: «طلبت هذا الأمر عن خفة ذات يد، كنت أجالس الناس، وأتحفظ، ثم اشتهيت أن أدون، وكان منزلنا بمكة بقرب شعب الخيف، فكنت أجمع العظام، والأكتاف فأكتب فيها حتى امتلأ من دارنا ذلك جباب»

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا ابن أبي حاتم، ثنا يونس بن عبد الأعلى قال الشافعي: " ما اشتد علي موت أحد من العلماء مثل موت ابن أبي ذيب والليث بن سعد فذكرت ذلك لأبي فقال: ما ظننت أنه أدركهما حتى تأسف عليهما "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم الجوهري، ثنا محمد بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم أم صاحبكم. قلت: «تريد المكابرة أو الإنصاف؟» قال: بل الإنصاف قال: قلت: «فما الحجة عندكم». قال: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. قال: قلت: «أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم». قال: إذ أنشدتني بالله فصاحبكم قلت: «فصاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم؟» قال: صاحبكم، قلت: «فصاحبنا أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم صاحبكم». قال: فقال: صاحبكم، قال: قلت: «فبقي شيء غير القياس» قال: لا. قلت: «فبحق ندعي القياس أكثر مما تدعونه، وإنما يقاس على الأصول فيعرف القياس» قال: ويريد بصاحبه مالك بن أنس

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرني أبو بكر بن آدم، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت الشافعي، يقول: قال محمد بن الحسن: " أقمت على مالك بن أنس ثلاث سنين وكسرا، وكان يقول: إنه سمع منه، لفظا أكثر من سبعمائة حديث قال: وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ منزله وكثر الناس حتى يضيق عليهم الموضع، وإذا حدث عن غير مالك لم يجئه إلا اليسير فكان يقول: ما أعلم أحدا أسوأ ثناء على أصحابكم منكم؛ إذا حدثتكم عن مالك ملأتم علي الموضع وإذا حدثتكم عن أصحابكم، إنما تأتون متكارهين "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن داود، قال: قرأت على أبي زكريا يحيى بن زكريا النيسابوري حدثني أبو سعيد الفريابي قال: سمعت محمد بن إدريس، وراق الحميدي، يقول [ص:75]: سمعت الحميدي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " كنت أطلب الشعر وأنا صغير، وأكتب، فبينا أنا أمشي بمكة أو في ناحية من مكة إذ سمعت صائحا يقول: يا محمد بن إدريس، عليك بطلب العلم، قال: فالتفت فلم أر أحدا، فرجعت، فكنت أطلب العلم وأكتبه على الخرق، وأطرحه في الزير، حتى امتلأ، وكنت يتيما، ولم يكن لأمي شيء، فولي عم لي ناحية اليمن على القضاء، فخرجت معه، فلما قدمت من اليمن، أتيت مسلم بن خالد الزنجي فسلمت عليه، فلم يرد علي السلام "، وقال أحدهم يجيئنا حتى إذا ظننا أنه يصلح أفسد نفسه، قال: «فسرت إلى سفيان بن عيينة، فسلمت عليه فرد علي السلام» وقال: قد بلغني يا أبا عبد الله ما كنت فيه، وما بلغني إلا خير، فلا تعد. قال: " ثم خرجت إلى المدينة فقرأت الموطأ على مالك. قال: ثم خرجت إلى العراق، فصرت إلى محمد بن الحسن، فكنت أناظر أصحابه " قال: «فشكوني إلى محمد بن الحسن» فقالوا: إن هذا الحجازي يعيب علينا قولنا، ويخطئنا. فذكر محمد بن الحسن ذلك، فقلت له: " إنا كنا لا نعرف إلا التقليد، فلما قدمنا عليكم سمعناكم تقولون: لا تقلدوا، واطلبوا الحق والحجاج "، فقال لي: فناظرني. فقلت: «أناظر بعض أصحابك، وأنت تسمع»، فقال: لا، إلا أنا. قال: فقلت: «ذلك». قال: فتسأل أو أسأل؟ قلت: «ما شئت» قال: فما تقول في رجل غصب من رجل عمودا فبنى عليه قصرا فجاءه مستحق فاستحقه؟ قلت: «يخير بين العمود وبين قيمته، فإن اختار العمود هدم القصر وأخرج العمود فرده على صاحبه». قال: فما تقول في رجل غصب من رجل خشبة فبنى عليها سفينة، ثم لجج بها في البحر، ثم جاء صاحبها، فاستحقها؟ قلت: «تقدم إلى أقرب المرسيين، فيخير بين القيمة وبين الخشبة، فإن أخذ قيمتها، وإلا نقض السفينة ورد الخشبة إلى صاحبها»، قال: فماذا تقول في رجل غصب من رجل خيط إبريسم، فخاط به جرحه، ثم جاء صاحبه فاستحقه؟ قلت: «له قيمته»، فكبر وكبر أصحابه، وقالوا: تركت قولك يا حجازي، فقلت له: «على رسلك، أرأيت لو أن صاحب القصر أراد أن يهدم قصره ويرد العمود إلى صاحبه ولا يعطيه قيمته، كان للسلطان أن يمنعه من ذلك؟» فقال: لا، فقلت: «أرأيت إن [ص:76] صاحب السفينة لو أراد أن ينقض السفينة ويرد الخشبة إلى صاحبها، أكان للسلطان أن يمنعه؟» قال: لا قلت: «أرأيت إن صاحب الجرح لو أراد أن ينقض جرحه، ويخرج الخيط الذي خاط به الجرح، ويرده على صاحبه، أكان للسلطان أن يمنعه؟» قال: نعم. قلت: «فكيف تقيس ما هو محظور بما هو ليس بممنوع»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو بكر النسائي، عن عبد الله بن سلم الإسفرايني، قال: سمعت محمد بن إدريس إملاء قال: سمعت الحميدي، يقول: قال الشافعي: كنت يتيما مع أمي، ولم يكن عندها ما تعطي المعلم. فذكر نحوه ومناظرته مع محمد بن الحسن وزاد: فقلت له: يرحمك الله فتقيس على مباح بمحرم؟ هذا حرام عليه، وهذا مباح له. قال: فكيف تصنع بالسفينة؟ قلت: آمره أن يقرب إلى أقرب المراسي إليه مرسى لا يهلك فيه ولا أصحابه، فأنزع اللوح، وأدفعه إلى أصحابه، وأقول له: أصلح سفينتك، واذهب. قال: أليس قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» فقلت: من ضاره، هو ضار نفسه. وقلت له: ما تقول في رجل غصب من رجل جارية فأولدها عشرة من الولد، كلهم قد قرأ القرآن وخطب على المنابر وقضى بين المسلمين. ثم أثبت صاحب الجارية بشاهدين عدلين أن هذا غصبه هذه الجارية وأولدها هؤلاء الأولاد بم كنت تحكم؟ قال: أحكم بأولاده أرقاء لصاحب الجارية وأرد الجارية عليه قال: فقلت: نشدتك الله أيهما أعظم ضررا إن رددت أولاده رقيقا، أو إن قلعت الساجة

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أبو بشر أحمد بن حماد الدولابي، في طريق مصر، ثنا أبو بكر بن إدريس وراق الحميدي، قال: سمعت الحميدي، يقول: قال الشافعي: " وليت نجران وبها بنو الحارث، وموالي ثقيف، فجمعتهم فقلت: اختاروا سبعة نفر منكم فمن عدلوه كان عدلا، ومن جرحوه كان مجروحا، فجمعوا لي سبعة نفر منهم، فجلست للحكم، فقلت للخصوم: تقدموا فإذا شهد الشاهدان عندي التفت إلى السبعة فإن عدلوه كان عدلا، وإن جرحوه قلت: زدني شهودا فلما أثبت [ص:77] على ذلك، وجعلت أسجل وأحكم، فنظروا إلى حكم جار فقالوا: إن هذه الضياع والأموال التي يحكم علينا فيها ليست لنا إنما هي للمنصور بن المهدي في أيدينا. فقلت للكاتب اكتب. وأقر فلان بن فلان أن الذي وقع عليه حكمي في هذا الكتاب أن هذه الضيعة أو المال الذي حكمت عليه فيه ليست له، وإنما هي للمنصور بن المهدي في يده، ومنصور بن المهدي على حجته شيء قائم، فخرجوا إلى مكة فلم يزالوا يعملون في حتى دفعت إلى العراق فقيل لي: انزل الباب، فنظرت فإذا لا بد لي من الاختلاف إلى بعض أولئك، وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة، فكتبت كتبه، وعرفت قولهم فكان إذا قام ناظرت أصحابه "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، قال: سمعت عمرو بن سواد، يقول: قال الشافعي: «أفلست من دهري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، وحلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط» قال: وكان أسخى الناس على الطعام والدينار والدرهم

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا إبراهيم بن فتحون، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرني بعض أصحابنا أن الشافعي قال: «لم يكن لي مال كنت أطلب العلم في الحداثة فكنت أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور أكتب عليها»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، قال: سمعت عمرو بن سواد، يقول: قال الشافعي: «كانت نهمتي في شيئين في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من العشرة عشرة»، وسكت عن العلم، فقلت: أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عبد الله بن عمرو بن عثمان المكي ثنا ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: كان الشافعي، وهو حدث ينظر في النجوم، وما نظر في شيء إلا فاق فيه، فجلس يوما، وامرأة تطلق فحسب فقال: «تلد جارية عوراء على فرجها خال أسود تموت إلى كذا وكذا». فولدت، وكان كما قال [ص:78]، فجعل على نفسه أن لا ينظر فيه أبدا، ودفن الكتب التي كانت عنده في النجوم

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الجرجاني، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان ح. وحدثنا محمد بن عبد الرحمن بن مخلد، ثنا محمد بن موسى بن النعمان ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «حملت عن محمد بن الحسن، حمل بختي ليس عليه إلا سماعي»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي سريج، قال: سمعت الشافعي، يقول: «أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين دينارا، ثم تدبرتها فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثا، يعني ردا عليه»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، عن أبي بكر بن إدريس - وراق الحميدي - قال: سمعت الحميدي يقول: قال الشافعي: «خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي سريج، عن أحمد بن سنان الواسطي، قال: كتب الشافعي حديث ابن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في ناحية المسجد فقال: «ارجع فصل، فإنك لم تصل» فكتب الشافعي هذا الحديث عن حسين الألثغ، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، قال أبو محمد بن أبي حاتم: لحرص الشافعي على طلب الصحيح من العلم كتب عن رجل، عن يحيى بن سعيد القطان الحديث الذي احتاج إليه، ولم يأنف بكتابته عمن هو في سنه، وأصغر منه ولعل يحيى بن سعيد كان حيا في ذلك الوقت، فلم يبال بذاك

حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر البغدادي غندر، ثنا أبو بكر محمد بن عبيد ثنا أبو نصر المخزومي الكوفي ثنا الفضل بن الربيع حاجب هارون الرشيد قال: دخلت على الرشيد أمير المؤمنين، فإذا بين يديه صيارة سيوف وأنواع من العذاب فقال لي: يا فضل، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: علي بهذا الحجازي - يعني الشافعي - فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب هذا [ص:79] الرجل. قال: فأتيت الشافعي، فقلت له: أجب أمير المؤمنين. فقال: «أصلي ركعتين». فصلى ثم ركب بغلة كانت له، فصرنا معا إلى دار الرشيد، فلما دخلنا الدهليز الأول حرك الشافعي شفتيه، فلما دخلنا الدهليز الثاني حرك شفتيه، فلما وصلنا بحضرة الرشيد قام إليه أمير المؤمنين كالمستريب له، فأجلسه موضعه وقعد بين يديه يعتذر إليه وخاصة أمير المؤمنين قيام ينظرون إلى ما أعد له من أنواع العذاب، وإذا هو جالس بين يديه، فتحدثوا طويلا ثم أذن له بالانصراف. فقال لي: يا فضل، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: احمل بين يديه بدرة فحملت، فلما سرنا إلى الدهليز الأول قلت: سألتك بالذي صير غضبه عليك رضا إلا ما عرفتني ما قلت في وجه أمير المؤمنين حتى رضي؟ فقال لي: «يا فضل». قلت: لبيك أيها السيد الفقيه، قال: " خذ مني واحفظ عني: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] الآية، اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وببركة طهارتك، وبعظمة جلالك من كل عاهة وآفة وطارق الجن والإنس، إلا طارقا يطرق بخير منك يا رحمن. اللهم بك ملاذي قبل أن ألوذ. وبك غياثي قبل أن أغوث، يا من ذلت له رقاب الفراعنة، وخضعت له مغاليظ الجبابرة، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري، أنا في حرزك ليلي ونهاري، ونومي وقراري، أشهد أن لا إله إلا أنت، اضرب علي سرادقات حفظك، وقني وأغنني بخير منك يا رحمن ". قال الفضل: فكتبتها في شركة قبائي. وكان الرشيد كثير الغضب علي فكان كلما هم أن يغضب أحركها في وجهه فيرضى. فهذا ما أدركت من بركة الشافعي

حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى، ثنا محمد بن الحسين بن مكرم، ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي، قال: قال الرشيد يوما للفضل بن الربيع وهو واقف على رأسه: يا فضل، أين هذا الحجازي، كالمغضب، فقلت: هاهنا فقال: علي به، فخرجت وبي من الغم والحزن لمحبتي للشافعي لفصاحته، وبراعته، وعقله، فجئت إلى بابه فأمرت من دق عليه وكان قائما يصلى، فتنحنح، فوقفت، حتى فرغ من صلاته، وفتح الباب فقلت: أجب أمير [ص:80] المؤمنين فقال: سمعا وطاعة. وجدد الوضوء وارتدى، وخرج يمشي حتى انتهينا إلى الدار فمن شفقتي عليه قلت: يا أبا عبد الله، قف حتى أستأذن لك، فدخلت على أمير المؤمنين، فإذا هو على حالته كالمغضب وقال: أين الحجازي؟ فقلت: عند السير، فجئت إليه فقام يمشي رويدا، ويحرك شفتيه، فلما بصر به أمير المؤمنين قام إليه فاستقبله، وقبل بين عينيه، وهش وبش، وقال: لم لا تزورنا أو تكون عندنا؟ فأجلسه، وتحدثا ساعة، ثم أمر له ببدرة دنانير، فقال: لا أرب لي فيه، قال الفضل: فأومأت إليه، فسكت، وأمرني أمير المؤمنين أن رده إلى منزله، فخرجت والبدرة تحمل معه فجعل ينفقها يمنة ويسرة حتى رجع إلى منزله، وما معه دينار فلما دخل منزله قلت: قد عرفت محبتي لك، فبالذي سكن غضب أمير المؤمنين عنك إلا ما علمتني ما كنت تقول في دخولك معي عليه، فقال: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الأحزاب: " {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] إلى قوله: {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19]. ثم قال: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وديعة لي عند الله، يؤديها إلي يوم القيامة، اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وعظيم بركتك، وعظمة طهارتك من كل آفة وعاهة، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير، اللهم أنت غياثي بك أستغيث، وأنت ملاذي بك ألوذ، وأنت عياذي، بك أعوذ، يا من ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت له أعناق الفراعنة، أعوذ بك من خزيك، ومن كشف سترك، ونسيان ذكرك، والانصراف عن شكرك، أنا في حرزك ليلي ونهاري، ونومي وقراري، وظعني وأسفاري، وحياتي ومماتي، ذكرك شعاري، وثناؤك دثاري لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك تشريفا لعظمتك وتكريما لسبحات وجهك، أجرني من خزيك ومن شر عبادك، واضرب علي سرادقات حفظك، وأدخلني في حفظ عنايتك، وجد علي منك بخير، يا أرحم الراحمين " قال عبد الأعلى: قال الفضل: فحفظته، فلم يغضب علي الرشيد بعد ذلك. فهذا أول بركة الشافعي

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا زاهر بن محمد بن الفيض بن صقر [ص:81] الحميري الشيرازي، بها إملاء من أصله، ثنا منصور بن عبد العزيز الثعلبي بمصر، ثنا محمد بن إسماعيل بن الحبال الحميري عن أبيه، قال: كان محمد بن إدريس الشافعي رجلا شريفا، وكان يطلب اللغة والعربية والفصاحة والشعر في صغره، وكان كثيرا ما يخرج إلى البدو ويحمل ما فيه من الأدب، فبينما هو ذات يوم في حي من أحياء العرب إذ جاء إليه رجل بدوي، فقال له: ما تقول في امرأة تحيض يوما، وتطهر يوما؟ فقال: «لا أدري». فقال له: يا ابن أخي: الفضيلة أولى بك من النافلة، فقال له: «إنما أريد هذا لذاك، وعليه قد عزمت، وبالله التوفيق وبه أستعين»، ثم خرج إلى مالك بن أنس، وكان مالك صدوقا في حديثه، صادقا في مجلسه وحيدا في جلوسه، فدخل عليه، وارتفع على أصحابه، فنهره مالك، فوجده موقرا في الأدب، فرفعه على أصحابه، وقدمه عليهم، وقربه من نفسه، فلم يزل مع مالك إلى أن توفي مالك رحمه الله ثم خرج إلى اليمن، وقد خرج بها الخارجي على هارون الرشيد، وطعن الشافعي عليه، وأعرض عمن ساعده، ورفع من قعد عنه، فبلغ ذلك الخارجي ما يقول فيه فبعث إليه، فأحضره عنده، وهم بقتله، فلما سمع كلامه، وتبين له شرفه، وفضله وعفته عفا عنه، وعرض عليه قضاء اليمن، فامتنع من ذلك، ثم أشخص هارون جيشه إلى ذلك الخارجي، فقبض عليه وحمل إلى بساط السلطان، وحمل معه الشافعي، وأحضرا جميعا بين يدي الرشيد فأمر بقتلهما، فقال له الشافعي: " يا أمير المؤمنين: إن رأيت أن تسمع كلامي، وتجعل عقوبتك من وراء لساني، ثم تضمني بعد ذلك إلى ما يليق لي من الشدة أو الرخاء "، فقال له: هات. فبين له القصة وعرفه شرفه وذكر له كلاما استحسنه هارون، وأمره أن يعيده عليه، فأعاد تلك المعاني بألفاظ أعذب منها. فقال له هارون: كثر الله في أهل بيتي مثلك، وكان محمد بن الحسن حاضرا، فلم يقصر وخلى له السبيل، وسأله محمد بن الحسن، فنزل عليه أياما ثم سأله الشافعي أن يمكنه من كتبه، وكتب أبي حنيفة، فأجابه إلى ذلك ثلاث ليال وكان الشافعي قد استبعد الوراقين فكتبوا له منها ما أراد، ثم خرج إلى الشام فأقام بها مدة ينقض [ص:82] أقاويل أبي حنيفة، ويرد عليه حتى دون كلامه، ثم استخار في الرد على مالك فأري ذلك في المنام، فرد عليه خمسة أجزاء من الكلام - أو نحو ذلك - ثم خرج إلى مصر والدار لمالك وأصحابه، يحكمون فيه، ويستسقون بموطئه فلما عاينوه فرحوا به، فلما خالفهم، وثبوا عليه، ونالوا منه فبلغ ذلك سلطانهم، فجمعهم بين يديه، فلما سمع كلامه، وتبين له فضله عليهم قدمه عليهم، وأمره أن يقعد في الجامع، وأمر الحاجب أن لا يحجبه أي وقت جاء. فلم يزل أمره يعلو، وأصحابه يتزايدون إلى أن وردت مسألة من هارون الرشيد يدعو الناس إليها وقد استكتمها الفقهاء، فأجابوه إلى ذلك وقبلوها منه طوعا، ومنهم كرها فجيء بالمسألة إلى الشافعي فلما نظر فيها قال: «غفل والله أمير المؤمنين عن الحق، وأخطأ المسير، عليه بهذا وحق الله علينا أوجب وأعظم من حق أمير المؤمنين، وهذا خلاف ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف ما اعتقدته الأئمة والخلف». فكتب بذلك إلى هارون فكتب في حمله مقيدا فحمل حتى أحضر في دار أمير المؤمنين، فأجلس في بعض الحجر ثم دخل محمد بن الحسن وبشر المريسي جميعا، فقال لهما هارون الرشيد: القرشي الذي خالفنا في مسألتنا قد أحضر في دارنا مقيدا، فما الذي تقولان في أمره، فقال محمد بن الحسن: يا أمير المؤمنين وقد بلغني أيضا أنه قد خالف صاحبه وقد رد عليه، وعلى صاحبي أيضا، وجعل لنفسه مقالة يدعو الناس إليها، ويتشبه بالأئمة، فإن رأيت أن تحضره حتى نبلو خبره ونقطع حجته. ثم تضاعف عليه عقوبة أمير المؤمنين. فدعا به بقيده، فأحضر بين يدي أمير المؤمنين، فسلم عليه فلم يرد عليه، وبقي قائما طويلا لا يؤذن له بالجلوس، وأمير المؤمنين مقبل عليهما دونه، ثم أومأ إليه، فجلس بين الناس، فقال محمد بن الحسن: هات مسألة يا شافعي نتكلم عليها فقال له الشافعي: «سلوني عما أحببتم»، فتجرد بشر، وقال له: لولا أنك في مجلس أمير المؤمنين وطاعته فرض، لننزلن بك ما تستحقه، فليس أنت في كنف العمر ولا أنت في ذمة العلم فيليق بك هذا. فقال له الشافعي: «عض ما أنت». وذا بلغة أهل اليمن [ص:83] فأنشأ يقول:

[البحر المتقارب]

أهابك يا عمرو ما هبتني ... وخاف بشراك إذ هبتني

وتزعم أمي عن أبيه ... من اولاد حام بها عبتني

فأجابه الشافعي وهو يقول: «

[البحر الوافر]

ومن هاب الرجال تهيبوه ... ومن حقر الرجال فلن يهابا

ومن قضت الرجال له حقوقا ... ولم يعص الرجال فما أصابا»

فأجابه بشر، وهو يقول:

[البحر الرجز]

هذا أوان الحرب فاشتدي زيم

فأجابه الشافعي، وهو يقول: «

[البحر الوافر]

سيعلم ما يريد إذا التقينا ... بشط الراب أي فتى أكون»

فقال بشر: يا أمير المؤمنين دعني وإياه. فقال له هارون: شأنك وإياه. فقال له بشر: أخبرني ما الدليل على أن الله تعالى واحد. فقال الشافعي: «يا بشر ما تدرك من لسان الخواص فأكلمك على لسانهم إلا أنه لا بد لي أن أجيبك على مقدارك من حيث أنت؛ الدليل عليه به، ومنه، وإليه، واختلاف الأصوات في المصوت إذا كان المحرك واحدا دليل على أنه واحد، وعدم الضد في الكمال على الدوام دليل على أنه واحد، وأربع نيرات مختلفات في جسد واحد متفقات على ترتيبه في استفاضة الهيكل دليل على أن الله تعالى واحد، وأربع طبائع مختلفات في الخافقين أضداد غير أشكال مؤلفات على إصلاح الأحوال دليل على أن الله تعالى واحد، وفي خلق السموات والأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون كل ذلك دليل على أن الله تعالى واحد لا شريك له». فقال بشر: وما الدليل على أن محمدا رسول الله؟ قال: " القرآن المنزل، وإجماع الناس عليه، والآيات التي لا تليق بأحد، وتقدير المعلوم في كون الإيمان بدليل واضح دليل على أنه رسول الله لا بعده مرسل يعزله، وامتحانك إياي بهذين السؤالين وقصدك إياي بهما دون فنون العلوم دليل [ص:84] على أنك حائر في الدين، تائه في الله عز وجل، ولو وسعني السكوت عن جوابه لاخترته. وإن قلت آمرا لي: لا تشمر من سؤاليك هذين لقلت: بعيد من بركات اليقين، وكيف قصرت يدي عنك، لقد وصل لساني إليك ". فقال له بشر: ادعيت الإجماع، فهل تعرف شيئا أجمع الناس عليه؟ قال: «نعم، أجمعوا على أن هذا الحاضر أمير المؤمنين فمن خالفه قتل». فضحك هارون وأمر بأخذ القيد عن رجليه. قال: ثم انبسط الشافعي في الكلام فتكلم بكلام حسن، فأعجب به الرشيد، وقربه من مجلسه، ورفعه عليهما. قال: ثم غاصا في اللغة - وكان بشر مدلا بها - حتى خرجا إلى لغة أهل اليمن، فانقطع بشر في مواضع كثيرة فقال محمد بن الحسن لبشر: يا هذا إن هذا رجل قرشي، واللغة من نسكه، وأنت تتكلفها من غير طبع، فدعوني ومالكا ودعوا مالكا معي. قال الشافعي: «إن كنت أبا ثور يعقر الحرف». فجرى بينهما عشر مسائل انقطع محمد بن الحسن في خمس منها حتى أمر هارون الرشيد بجز رجل محمد بن الحسن، فأراد الشافعي أن يكافئه لما كان له عليه من اليد، فقال: «يا أمير المؤمنين، والله ما رأيت يمنيا هو أفقه منه»، وجعل يمدحه بين يدي أمير المؤمنين، ويفضله، فعلم هارون الرشيد ما يريد الشافعي بذلك، فخلع عليهما، وحمل كل واحد منهما على مهري قرطاس يريد بذلك مرضاة الشافعي، وخلع على الشافعي خاصة، وأمر له بخمسين ألف درهم. فانصرف إلى البيت، وليس معه شيء، قد تصدق بجميع ذلك ووصل به الناس، فقال له هارون الرشيد: أنا أمير المؤمنين وأنت القدوة، فلا يدخل علي أحد من الفقهاء قبلك، فأنشأ محمد بن الحسن يقول:

[البحر الرجز]

أخذت نارا بيدي ... أشعلتها في كبدي

فقلت: ويحي سيدي ... قتلت نفسي بيدي

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق والمعروف بابن السماك البغدادي ثنا محمد بن عبيد الله المديني، حدثني أحمد بن موسى النجار قال: قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الأموي ثنا [ص:85] عبد الله بن محمد البلوي، قال: لما جيء بأبي عبد الله الشافعي إلى العراق أدخل إليها ليلا على بغل قتب، وعليه طيلسان مطبق، وفي رجليه حديد، وذاك أنه كان من أصحاب عبد الله بن الحسن، وأصبح الناس في يوم الاثنين لعشر خلون من شعبان سنة أربع وثمانين ومائة، وكان قد اعتور على هارون الرشيد أبو يوسف القاضي، وكان قاضي القضاة محمد بن الحسن على المظالم، فكان الرشيد يصدر عن رأيهما، ويتفقه بقولهما فسبقا في ذلك اليوم إلى الرشيد، فأخبراه بمكان الشافعي وانبسطا جميعا في الكلام فقال محمد بن الحسن: الحمد لله الذي مكن لك في البلاد، وملكك رقاب العباد من كل باغ ومعاند إلى يوم المعاد، لا زلت مسموعا لك ومطاعا فقد علت الدعوة، وظهر أمر الله، وهم كارهون، وإن جماعة من أصحاب عبد الله بن الحسن اجتمعت، وهم متفرقون قد أتاك من ينوب عن الجميع، وهو على الباب، يقال له محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف، يزعم أنه أحق بهذا الأمر منك، وحاش لله، ثم إنه يدعي من العلم ما لم يبلغه سنه، ولا يشهد له بذلك قدره، وله لسان ومنطق ورواء، وسيحليك بلسانه، وأنا خائف، كفاك الله مهماتك، وأقالك عثراتك. ثم أمسك. فأقبل الرشيد على أبي يوسف، فقال: يا يعقوب. قال: لبيك يا أمير المؤمنين. قال: أنكرت من مقالة محمد شيئا؟ فقال له أبو يوسف: محمد صادق فيما قاله والرجل كما خلق. فقال الرشيد: لا خبر بعد شاهدين، ولا إقرار أبلغ من المحنة، وكفى بالمرء إثما أن يشهد بشهادة يخفيها عن خصمه. على رسلكما، لا تبرحا. ثم أمر بالشافعي فأدخل فوضع بين يديه الحديد الذي كان في رجليه، فلما استقر به المجلس، ورمى القوم إليه بأبصارهم رمى الشافعي بطرفه نحو أمير المؤمنين، وأشار بكفة كتابه مسلما، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له الرشيد: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بدأت بسنة لم تؤمر بإقامتها، وزدنا فريضة قامت بذاتها، ومن أعجب العجب أنك تكلمت في مجلسي بغير أمري. فقال له الشافعي: «يا أمير [ص:86] المؤمنين إن الله عز وجل وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا، وهو الذي إذا وعد وفى، فقد مكنني في أرضه، وأمنني بعد خوفي يا أمير المؤمنين»، فقال له الرشيد: أجل قد أمنك الله إن أمنتك. فقال الشافعي: «فقد حدثت أنك لا تقتل قومك صبرا، ولا تزدريهم بهجرتك غدرا، ولا تكذبهم إذا أقاموا لديك عذرا». فقال الرشيد: هو كذلك، فما عذرك مع ما أرى من حالك، وتسييرك من حجازك إلى عراقنا التي فتحها الله علينا بعد أن بغى صاحبك، ثم اتبعه الأرذلون وأنت رئيسهم، فما ينفع لك القول مع إقامة الحجة، ولن تضر الشهادة مع إظهار التوبة. فقال له الشافعي: «يا أمير المؤمنين أما إذا استطلقني الكلام فلسنا نكلم إلا على العدل والنصفة». فقال له الرشيد: ذلك لك. فقال الشافعي: «والله يا أمير المؤمنين لو اتسع لي الكلام على ما بي لما شكوت، لكن الكلام مع ثقل الحديد يعور فإن جدت علي بفكه تركت كسره إياي، وفصحت عن نفسي، وإن كانت الأخرى فيدك العليا، ويدي السفلى، والله غني حميد». فقال الرشيد لغلامه: يا سراج، حل عنه. فأخذ ما في قدميه من الحديد، فجثى على ركبته اليسرى ونصب اليمنى، وابتدر الكلام، فقال: «والله يا أمير المؤمنين لأن يحشرني الله تحت راية عبد الله بن الحسن، وهو ممن قد علمت لا ينكر عنه اختلاف الأهواء، وتفرق الآراء، أحب إلي وإلى كل مؤمن من أن يحشرني تحت راية قطري بن الفجاءة المازني». وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا، وقال: صدقت وبررت، لأن تكون تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله وأقاربه إذا اختلفت الأهواء خير من أن يحشرك الله تحت راية خارجي يأخذه الله بغتة، فأخبرني يا شافعي، ما حجتك على أن قريشا كلها أئمة وأنت؟ قال الشافعي: «قد افتريت على الله كذبا يا أمير المؤمنين إن تطب نفسي لها. وهذه كلمة ما سبقت بها، والذين حكوها لأمير المؤمنين أبطلوا معانيه؛ فإن الشهادة لا تجوز إلا كذلك». فنظر أمير المؤمنين إليهما [ص:87]، فلما رآهما لا يتكلمان علم ما في ذلك، وأمسك عنهما، ثم قال له الرشيد: قد صدقت يا ابن إدريس فكيف بصرك بكتاب الله تعالى؟ فقال له الشافعي: " عن أي كتاب الله تسألني؟ فإن الله سبحانه وتعالى أنزل ثلاثة وسبعين كتابا على خمسة أنبياء، وأنزل كتابا موعظة لنبي وحده، وكان سادسا، أولهم آدم عليه السلام، وعليه أنزل ثلاثين صحيفة كلها أمثال، وأنزل على أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ست عشرة صحيفة كلها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم عليه السلام ثمانية صحف كلها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر. وأنزل على موسى عليه السلام التوراة كلها تخويف وموعظة. وأنزل على عيسى عليه السلام الإنجيل ليبين لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه من التوراة، وأنزل على داود عليه السلام كتابا كله دعاء وموعظة لنفسه، حتى يخلصه به من خطيئته وحكم فيه لنا واتعاظ لداود وأقاربه من بعده. وأنزل على محمد صلى الله عليه وسلم الفرقان وجمع فيه سائر الكتب، فقال: {تبيانا لكل شيء} [النحل: 89]، {وهدى وموعظة} [آل عمران: 138]، {أحكمت آياته ثم فصلت} [هود: 1] " فقال له الرشيد: قد أحسنت في تفصيلك، أفكل هذا علمته؟ فقال له: «إي والله، يا أمير المؤمنين». فقال له الرشيد: قصدي كتاب الله الذي أنزله الله على ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعانا إلى قبوله، وأمرنا بالعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، فقال: «عن أي آية تسألني؟ عن محكمه، أم عن متشابهه؟ أم عن تقديمه؟ أم عن تأخيره؟ أم عن ناسخه؟ أم منسوخه؟ أم عن ما ثبت حكمه وارتفعت تلاوته، أم عن ما ثبتت تلاوته وارتفع حكمه، أم عن ما ضربه الله مثلا؟ أم عن ما ضربه الله اعتبارا؟ أم عن ما أحصى فيه فعال الأمم السالفة؟ أم عن ما قصدنا الله به من فعله تحذيرا؟» قال: بم ذاك؟ حتى عد له الشافعي ثلاثة وسبعين حكما في القرآن. فقال له الرشيد: ويحك يا شافعي أفكل هذا يحيط به علمك. فقال له: «يا أمير المؤمنين المحنة على القائل كالنار على الفضة، تخرج جودتها من رداءتها، فها أنا ذا، فامتحن». فقال له الرشيد: ما أحسن أعد ما قلت، فسأسألك عنه بعد هذا المجلس إن شاء الله. قال له: وكيف بصرك بسنة رسول الله صلى الله عليه [ص:88] وسلم. فقال له الشافعي: «إني لأعرف منها ما يخرج على وجه الإيجاب، ولا يجوز تركه، كما لا يجوز ترك ما أوجبه الله تعالى في القرآن، وما خرج على وجه التأديب، وما خرج على وجه الخاص لا يشرك فيه العام، وما خرج على وجه العموم يدخل فيه الخصوص، وما خرج جوابا عن سؤال سائل ليس لغيره استعماله، وما خرج منه ابتداء لازدحام العلوم في صدره، وما فعله في خاصة نفسه واقتدى به الخاصة والعامة، وما خص به نفسه دون الناس كلهم، مع مالا ينبغي ذكره لأنه أسقطه عليه السلام عن الناس وسنه ذكرا». فقال له الرشيد: أخذت الترتيب يا شافعي لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسنت موضعها لوصفها، فما حاجتنا إلى التكرار عليك، ونحن نعلم ومن حضرنا أنك حامل نصابها مقلابها. فقال له الشافعي: «ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، وإنما شرفنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيك». فقال: كيف بصرك بالعربية؟ قال: " هي مبدأنا وطباعنا بها قومت، وألسنتنا بها جرت، فصارت كالحياة لا تتم إلا بالسلامة، وكذلك العربية لا تسلم إلا لأهلها، ولقد ولدت وما أعرف اللحن، فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء، وعاش بكامل الهناء. وبذلك شهد لي القرآن: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [إبراهيم: 4] يعني قريشا - وأنت منهم وأنا منهم، يا أمير المؤمنين، والعنصر نظيف، والجرثومة منيعة شامخة، أنت أصل ونحن فرع وهو صلى الله عليه وسلم مفسر ومبين، به اجتمعت أحسابنا، فنحن بنو الإسلام، وبذلك ندعى وننسب "، فقال له الرشيد: صدقت، بارك الله فيك. ثم قال له: كيف معرفتك بالشعر؟ فقال: «إني لأعرف طويله، وكامله وسريعه، ومجتثه، ومنسرحه، وخفيفه، وهزجه، ورجزه وحكمه، وغزله، وما قيل فيه على الأمثال تبيانا للأخبار، وما قصد به العشاق رجاء للتلاق، وما رثى به الأوائل ليتأدب به الأواخر، وما امتدح به المكثرون بابتلاء أمرائهم، وعامتها كذب وزور، وما نطق به الشاعر ليعرف تنبيها، وحال لشيخه فوجل شاعره وما خرج على طرب من قائله، لا أرب له، وما تكلم به الشاعر فصار حكمة لمستمعه»، فقال له الرشيد: اكفف يا شافعي فقد أنفقت [ص:89] في الشعر ما ظننت أن أحدا يعرف هذا ويزيد على الخليل حرفا ولقد زدت وأفضلت. فكيف معرفتك بالعرب قال: «أما أنا فمن أضبط الناس لآبائها وجوامع أحسابها، وشوابك أنسابها، ومعرفة وقائعها، وحمل مغازيها في أزمنتها وكمية ملوكها وكيفية ملكها، وماهية مراتبها، وتكميل منازلها، وأندية عراضها ومنازلها، منهم تبع وحمير، وجفنة، والأسطح، وعيص وعويص، والإسكندر، وأسفاد، وأسططاويس، وسوط، وبقراط، وأرسططاليس، وأمثالهم من الروم إلى كسرى وقيصر، ونوبة، وأحمر، وعمرو بن هند، وسيف بن ذي يزن، والنعمان بن المنذر، وقطر بن أسعد، وصعد بن سعفان، وهو جد سطيح الغساني لأبيه في أمثالهم من ملوك قضاعة وهمدان ولحيان ربيعة ومضر». فقال له الرشيد: يا شافعي، لولا أنك من قريش لقلت: إنك ممن لين له الحديد، فهل من موعظة؟ فقال الشافعي: «إنك تخلع رداء الكبر عن عاتقك، وتضع تاج الهيبة عن رأسك، وتنزع قميص التجبر عن جسدك، وتفتش نفسك، وتنشر سرك، وتلقي جلباب الحياء عن وجهك، مستكينا بين يدي ربك. وأكون واعظا لك عن الحق، وتكون مستمعا بحسن القبول؛ فينفعني الله بما أقول، وينفعك بما تسمع». فقال له الرشيد: أما إني قد فعلت وسمعت لله والرسول، وللواعظين بعدهما، فعظ وأوجز. فحل الشافعي عنه إزاره، وحسر عن ذراعيه، وقال: " يا أمير المؤمنين اعلم أن الله جل ثناؤه امتحنك بالنعم، وابتلاك بالشكر ففضل النعمة أحسن لتستغرق بقليلها كثيرا من شكرك، فكن لله تعالى شاكرا، ولآلائه ذاكرا، تستحق منه المزيد. واتق الله في السر والعلانية، تستكمل الطاعة، واسمع لقائل الحق وإن كان دونك تشرف عند الله، وتزد في عين رعيتك، واعلم أن الله سبحانه وتعالى يفتش سرك، فإن وجده بخلاف علانيتك شغلك بهم الدنيا، وفتق لك ما يزنق عليك، واستغنى الله والله غني حميد، وإن وجده موافقا لعلانيتك أحبك، وصرف هم الدنيا عن قلبك، وكفاك مئونة نظرك لغيرك، وترك لك نظرك لنفسك، وكان المقوي لسياستك. ولن [ص:90] تطاع إلا بطاعتك لله تعالى، فكن طائعا تكتسب بذلك السلامة في العاجل وحسن المنقلب في الآجل: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [النحل: 128] واحذر الله حذر عبد علم مكان عدوه، وغاب عنه وليه، فتيقظ خوف السرى، لا تأمن من مكر الله لتواتر نعمه عليك، فإن ذلك مفسدة لك، وذهاب لدينك، وأسقط المهابة في الأولين والآخرين، وعليك بكتاب الله الذي لا يضل المسترشد به، ولن تهلك ما تمسكت به، فاعتصم بالله تجده تجاهك، وعليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكن على طريقة الذين هداهم الله، فبهداهم اقتد وما نصب الخلفاء المهديون في الخراج والأرضين والسواد والمساكن والديارات فكن لهم تبعا، وبه عاملا راضيا مسلما واحذر التلبيس فيه، فإنك مسئول عن رعيتك، وعليك بالمهاجرين والأنصار: {الذين تبوءوا الدار والإيمان} فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم، وآتهم من مال الله الذي أتاك، ولا تكرههم على إمساك عن حق، ولا على خوض في باطل فإنهم الذين مكنوا لك البلاد واستخلصوا لك العباد ونوروا لك الظلمة وكشفوا عنك الغمة، ومكنوا لك في الأرض، وعرفوك السياسة، وقلدوك الرياسة، فنهضت بثقلها بعد ضعف، وقويت عليها بعد فشل، كل ذلك يرجوك من كان من أمثالهم لعفتهم، طمع الزيادة لهم؛ فلا تطع الخاصة تقربا إليهم بظلم العامة، ولا تطع العامة تقربا إليهم بظلم الخاصة؛ لتستديم السلامة، وكن لله كما تحب أن يكون لك أولياؤك من العامة من السمع والطاعة؛ فإنه ما ولي أحد على عشرة من المسلمين، فلم يحطهم بنصيحة إلا جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه لا يفكها إلا عدله، وأنت أعرف بنفسك "، قال: فبكى الرشيد - وقد كان في خلال هذه الموعظة يبكي لا يسمع له صوت - فلما بلغ إلى هذا الفصل بكى الرشيد وعلا نحيبه، وبكى جلساؤه، وبكى محمد وأبو يوسف. فقال الوالي: يا هذا الرجل، احبس لسانك عن أمير المؤمنين، فقد قطعت قلبه حزنا، وقال محمد بن الحسن، وهو قائم على قدمه: اغمد لسانك يا شافعي عن أمير المؤمنين، فإنه أمضى من سيفك - والرشيد يبكي لا يفيق - فأقبل [ص:91] الشافعي على محمد والجماعة فقال: «اسكتوا أخرسكم الله، لا تذهبوا بنور الحكمة يا معشر عبيد الرعاع، وعبيد السوط والعصا، أخذ الله لأمير المؤمنين منكم لتلبيسكم الحق عليه، وهو يرثكم الملك لديه، أما والله ما زالت الخلافة بخير ما صرف عنها أمثالكم، ولن تزال بشر ما اعتصمت بكم»، فرفع الرشيد رأسه وأشار إليهم أن كفوا، وأقبل علي بسيف، فقال: خذ هذا الكهل إليك، ولا تحلني منه. ثم أقبل على الشافعي فقال: قد أمرت لك بصلة فرأيك في قبولها موقف. فقال له الشافعي: «كلا، والله لا يراني الله تعالى قد سودت وجه موعظتي بقبول الجزاء عليها، ولقد عاهدت الله عهدا أني لا أخلط بملك من الملوك تكبر في نفسه وتصغر عند ربه إلا ذكرت الله تعالى، لعله أن يحدث له ذكرا». ثم نهض، فلما خرج أقبل الرشيد على محمد ويعقوب فقال لهما: ما رأيت كاليوم قط أفرأيتما كيومكما؟ فلم نجد بدا من أن نقول: لا. فقال الرشيد لهما: أبهذا تغرياني لقد بؤتما اليوم بإثم عظيم، لولا أن من الله علي بالتأييد في أمره، كيفما أوقعتماني فيما لا خلاص لي منه عند ربي؟ ثم وثب الرشيد وانصرف الناس. فلقد رأيت محمدا وهو بعد ذلك يكثر التردد إلى الشافعي، وربما حجب ثم إن الشافعي بعد ذلك دخل على الرشيد فأمر له بألف دينار فقبلها، فضحك الرشيد وقال: لله درك ما أفطنك؟ قاتل الله عدوك فقد أصبح لك وليا. وأمر الرشيد خادمه سراجا باتباعه، فما زال يفرقها قبضة قبضة حتى انتهى إلى خارج الدار وما معه إلا قبضة واحدة فدفعها إلى غلامه وقال له: انتفع بها. فأخبر سراج الرشيد بذلك فقال: لهذا ذرع همه، وقوي متنه. فاستمر الرشيد عليهما

قال الشيخ رحمة الله تعالى عليه: ذكر الأئمة والعلماء له

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت الخضر بن داود، يقول: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني، يقول: قال محمد بن الحسن: «إن تكلم أصحاب الحديث يوما فبلسان الشافعي» يعني لما وضع كتابه

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عمرو بن عثمان المكي، ثنا أحمد بن محمد ابن [ص:92] بنت الشافعي، قال: سمعت أبي وعمي، يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والرؤيا يسأل عنها التفت إلى الشافعي، فيقول: «سلوا هذا»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا محمد بن روح، عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: كنا في مسجد سفيان بن عيينة يحدث عن الزهري، عن علي بن الحسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به رجل في بعض الليل، وهو مع امرأته صفية، فقال: «هذه امرأتي صفية» فقال: سبحان الله يا رسول الله فقال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم». فقال سفيان بن عيينة للشافعي: ما فقه هذا الحديث يا أبا عبد الله، فقال: إن كان القوم اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا بتهمتهم إياه كفارا لكن النبي صلى الله عليه وسلم أذن من بعده فقال: إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم ظن السوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتهم، وهو أمين الله في أرضه. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا يا أبا عبد الله

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما هي صفية» ما هذا من النبي صلى الله عليه وسلم للتهمة، لو اتهماه لكفرا، هذا من النبي صلى الله عليه وسلم على الأدب، يقول: إذا مر أحدكم على رجل يكلم امرأة، وهي منه بنسب فليقل: إنها فلانة، وهي مني بنسب. فقال ابن عيينة: جزاك الله خيرا أبا عبد الله

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثني أبو علي آدم بن موسى الحواري قال: سمعت أبا معين، يقول: سمعت بعض أصحابنا يقول: سأل رجل سفيان بن عيينة عن من نفخ في صلاته ما كفارته؟ قال: فسأل سفيان الشافعي - وكان في مجلسه - فقال الشافعي: " نفخ: ن ف خ ثلاثة أحرف يكفره سبحان، هو أربعة أحرف، لكل حرف من ذلك حرف من هذا وزيادة حرف. قال الله عز وجل: الحسنة بعشر أمثالها " فقال سفيان بن عيينة: وددت أني كنت أحسن مثلها

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبدان بن أحمد، ثنا عمر بن العباس، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول " وذكر الشافعي فقال: كان شابا مفهما "

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني عمرو بن عثمان المكي، عن الزعفراني، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت يحيى بن سعيد، يقول «أنا أدعو الله في صلاتي للشافعي منذ أربع سنين». حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا الساجي، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثت عن يحيى بن سعيد القطان، فذكر مثله

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أحمد بن أبي رجاء، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «كان محمد بن الحسن يقرأ علي جزءا فإذا جاء أصحابه قرأ عليهم أوراقا» فقالوا له: إذا جاء هذا الحجازي قرأت عليه جزءا، وإذا جئنا قرأت علينا أوراقا؟ قال: اسكتوا إن تابعكم هذا لم يثبت لكم أحد

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ح. وحدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قالا: ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الحميدي، يقول: سمعت الزنجي مسلم بن خالد يقول للشافعي: «أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك، أن تفتي». وهو ابن خمس عشرة سنة

سمعت سليمان بن أحمد، يقول: سمعت أحمد بن محمد الشافعي، يقول: «كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس وبعد ابن عباس لعطاء بن أبي رباح، وبعد عطاء لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وبعد ابن جريج لمسلم بن خالد الزنجي، وبعد مسلم لسعيد بن سالم القداح، وبعد سعيد لمحمد بن إدريس الشافعي، وهو شاب»

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن روح ح. وحدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عمرو بن عثمان، قالا: ثنا أحمد بن العباس، قال: سمعت علي بن عثمان، وجعفرا [ص:94] الوراق، يقولان: سمعنا أبا عبيد، يقول: «ما رأيت رجلا أعقل من الشافعي»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: سمعت أحمد بن يحيى، يقول: سمعت الحميدي، يقول: «سمعت سيد الفقهاء، محمد بن إدريس الشافعي»

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت أيوب بن سويد الرملي، يقول: «ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، حدثني محمد بن أحمد بن أبي يوسف الخلال، ثنا يحيى بن نصر الشافعي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «أقروا الطير على وكناتها». فقال الشافعي في قوله عليه الصلاة والسلام: «أقروا الطير على وكناتها»: إن علم العرب كان في زجر الطير والبارح، والخط والإعساف. كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمرا نظر أول طير يراه فإن سنح عن يساره فاجتاز عن يمينه، فمر عن يساره قال هذا طير الأشائم فرجع وقال: حاجة مشئومة. فقال الحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري:

[البحر البسيط]

لا تزجر الطير شحا إن عرضن له ... ولا يفاض على قسم بأزلام

يعني أنه سلك الإسلام في التوكل على الله، وترك زجر الطير. وقال بعض شعراء العرب يمدح نفسه:

[البحر الطويل]

ولا أنا ممن يزجر الطير نعمه ... أصاح غراب أم تعرض ثعلب

وكانت العرب في الجاهلية إذا كان الطير سانحا فرأى طيرا في وكره حركه، فيطير، فينظر أسلك له طريق الأشائم أم طريق الأيامن، فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقروا الطير على وكناتها». أي لا تحركوها فإن تحريكها، وما تعملونه مع الطير لا يصنع ما يوجهون له قضاء الله عز وجل، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطير فقال: «إن ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه، فلا يصدنكم»

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ثنا محمد بن مهاجر أخو حبيب القاضي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن يزيد، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقروا الطير على مكناتها». قال: فسمعت ابن عيينة يسأل عن هذا الحديث، فيفسره على نحو ما فسره الشافعي. قال ابن مهاجر: فسألت الأصمعي عن تفسير هذا الحديث فقال مثل ما قال الشافعي قال: وسألت وكيعا فقال: إنما هي عندنا على صيد الليل. فذكرت له قول الشافعي فاستحسنه، وقال: ما ظننته إلا على صيد الليل

حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن، ثنا أحمد بن محمد بن زياد، ثنا تميم بن عبد الله الرازي، قال: سمعت سويد بن سعيد، يقول: كنا عند سفيان بن عيينة، فجاء محمد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثا رقيقا فغشي على الشافعي، فقيل: يا أبا محمد مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: «إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه»

حدثنا أبو حامد، ثنا أحمد، ثنا تميم، قال: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: «مات الشافعي وماتت السنة»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا الساجي، ثنا الزعفراني، قال: حج بشر المريسي سنة إلى مكة، ثم قدم فقال: «لقد رأيت بالحجاز رجلا ما رأيت مثله سائلا ولا مجيبا؛ يعني الشافعي»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا أبو ثور، عن ابن البناء، قال: سمعت بشرا المريسي، يقول: «رأيت بالحجاز فتى لئن بقي ليكونن - أظنه قال - واحد الدنيا» فلما كان بعد ذلك قال لي بشر: «إن الفتى الذي قلت لك قد قدم، اذهب بنا إليه» فسلمنا عليه ثم تساءلا، فجعل الشافعي يصيب وبشر يخطئ، فلما خرجنا، قال: كيف رأيته؟ قال قلت: كنت تخطئ، وكان يصيب. قال: «ما رأيت أفقه منه»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا الحسن بن علي الرازي، قال: سألت محمد بن عبد الله بن نمير، فقلت: أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال [ص:96]: «لا، ولا كتابه»، قال: فقلت: رأي من أكتب قال: «رأي مالك والأوزاعي والثوري ورأي الشافعي»

حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبو بكر بن إدريس - وراق الحميدي - قال: قال الحميدي: «كنا نريد أن نرد على أصحاب الرأي، فلم نحسن كيف نرد عليهم حتى جاءنا الشافعي ففتح لنا»

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، وأبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني قالا: ثنا حبان بن إسحاق البلخي، ثنا محمد بن مردويه، قال: سمعت الحميدي، يقول: «صحبت الشافعي إلى البصرة فكان يستفيد مني الحديث وأستفيد منه المسائل»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبو بشر بن حماد الدولابي ح. وحدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، ثنا علي بن حسان، قالا: ثنا أبو بكر بن إدريس، قال: سمعت الحميدي، يقول: كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة، فقال لي ذات يوم - أو ذات ليلة: «هاهنا رجل من قريش يكون له هذه المعرفة، وهذا البيان، أو نحو هذا من القول، يمر بمائة مسألة يخطئ خمسا أو عشرا اترك ما أخطأ فيه وخذ ما أصاب». قال: فكأن كلامه وقع في قلبي، فجالسته، فغلبتهم عليه فلم يزل يقدم مجلس الشافعي حتى كان يقرب مجلس سفيان قال: وخرجت مع الشافعي إلى مصر فكان هو ساكنا في العلو، ونحن في الأوسط، فربما خرجت في بعض الليل فأرى المصباح فأصيح بالغلام فيسمع صوتي، فيقول: بحقي عليك ارق. فأرق فإذا قرطاس ودواة، فأقول: مه يا أبا عبد الله فيقول: تفكرت في معنى حديث أو مسألة فخفت أن يذهب علي. فأمرت بالمصباح، وكتبت ما أملاني

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا أبو الجرير عبد الوهاب بن سعد بن عثمان بن عبد الحكم، ثنا جعفر، عن أبي خلف، ثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت أبي يقول: «ما رأت عيناي مثل الشافعي»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن بشر بن عبد الله، عن هاشم بن مرثد [ص:97]، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: «الشافعي صدوق ليس به بأس»

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح الزعفراني قال: كنت مع يحيى بن معين في جنازة فقال له رجل: يا أبا زكريا ما تقول في الشافعي قال: «دع هذا عنك لو كان الكذب له مطلقا لكانت مروءته تمنعه أن يكذب»

حدثنا محمد بن حميد، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية قال: سمعت محمد بن مسلم بن وارة، يقول: قدمت من مصر فأتيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل أسلم عليه قال: «كتبت كتب الشافعي؟» قلت: لا. قال: «فرطت، ما علمنا المجمل من المفصل، ولا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه حتى جالسنا الشافعي»، قال: فحملني ذلك إلى أن رجعت إلى مصر وكتبتها ثم قدمت "

حدثنا الشيخ أبو أحمد بن عبد الله، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو بكر بن أبي حاتم، ثنا محمد بن مسلم بن واره، قال: سألت أحمد بن حنبل قلت: ما ترى لي من الكتب أن أنظر فيها لنفتح الآثار، رأي مالك أو الثوري أو الأوزاعي؟ فقال لي قولا أجلهم أن أذكره لك. فقال: «عليك بالشافعي فإنه أكبرهم صوابا، وأتبعهم للآثار». قلت لأحمد: فما ترى في كتب الشافعي التي عند العراقيين أحب إليك، أو التي عندهم بمصر؟ قال: «عليك بالكتب التي وضعها بمصر فإنه وضع هذه الكتب بالعراق، ولم يحكمها، ثم رجع إلى مصر فأحكم ذاك». ثم فلما سمعت ذاك من أحمد، وكنت قبل ذلك قد عزمت على الرجوع إلى البلد، وتحدث الناس بذلك، تركت ذلك، وعزمت على الرجوع إلى مصر

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن روح، ثنا محمد بن عبد الله الرازي، قال: سمعت ابن راهويه، يقول: كنت مع أحمد بمكة، فقال: «تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله». فأراني الشافعي

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إسحاق بن أحمد الفارسي قال: سمعت محمد بن خالد بن يزيد الشيباني، يقول: عن حميد بن زنجويه قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم» وإني [ص:98] نظرت في سنة مائة فإذا رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عبد العزيز، ونظرت في رأس المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن إدريس الشافعي

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إسحاق بن أحمد، ثنا محمد بن خالد بن يزيد الشيباني، قال: سمعت الفضيل بن زياد، ينبئ عن أحمد بن حنبل، فقال: «هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي، وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي»

حدثنا أبو محمد، ثنا أبو عبد الله المكي، حدثني ابن مجاهد قال: سمعت محمد بن الليث، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: «ما صليت صلاة منذ كذا سنة إلا وأنا أدعو للشافعي»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، أخبرني أبو عثمان الخوارزمي - نزيل مكة فيما كتب إلي - ثنا محمد بن عبد الرحمن الدينوري، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: «كانت أنفس أصحاب الحديث في أيدي أبي حنيفة ما تبرح، حتى رأينا الشافعي، وكان أفقه الناس في كتاب الله وفي سنة رسوله ما كان يكفيه قليل الطلب في الحديث»

قال: وسمعت ذئبا يقول: كنت مع أحمد بن حنبل في المسجد الجامع فمر حسين يعني الكرابيسي فقال: هذا - يعني الشافعي - رحمة من الله لأنه من آل محمد صلى الله عليه وسلم. ثم جئت إلى حسين فقلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال: «ما أقول في رجل أسدى إلى أفواه الناس الكتاب والسنة والاتفاق. ما كنا ندري ما الكتاب والسنة نحن ولا الأولون حتى سمعت من الشافعي الكتاب والسنة والإجماع»

قال: وسمعت محمد بن الفضل البزاز يقول: سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل ونزلت معه في مكان واحد - أو في دار بمكة - وخرج أبو عبد الله باكرا، وخرجت أنا بعده، فلما صليت الصبح درت في المسجد، فجئت إلى مجلس سفيان بن عيينة، وكنت أدور مجلسا مجلسا طلبا لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة وعلى رأسه جمة فراحمية، حتى قعدت عند أحمد بن حنبل [ص:99] فقلت: أبا عبد الله تركت ابن عيينة وعنده الزهري وعمرو بن دينار وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما الله به عليم قال: «اسكت فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، ولا في فهمك، وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي». قلت: من هذا. قال: «محمد بن إدريس الشافعي»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا الساجي قال: سمعت الحسن بن محمد الزعفراني، يقول: «ما ذهبت إلى الشافعي مجلسا قط إلا وجدت فيه أحمد بن حنبل، وقد كان الشافعي ألزم منك إلى ما انتبهك إلا بضبة الباب»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عمرو بن عثمان المكي ح. وحدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا عبد الله بن داود، عن أبي توبة البغدادي، قال: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام. فقلت: يا أبا عبد الله هذا سفيان بن عيينة في ناحية المسجد يحدث. فقال: «هذا يفوت - يعني الشافعي - وذاك لا يفوت يعني ابن عيينة»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: ذكر جعفر بن أحمد بن فارس قال: سمعت محمد بن جبريل، قال: قال يحيى بن معين لما قدم الشافعي كان أحمد بن حنبل ينهى عنه فاستقبلته يوما، والشافعي راكب بغلة، وهو يمشي خلفه فقلت: يا أبا عبد الله أنت كنت تنهانا عنه، وأنت تتبعه. قال: «اسكت إن لزمت البغلة انتفعت». حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا جعفر، قال: سمعت ابن جبريل البزاز، يقول مثله

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن روح، ثنا محمد بن ماجه القزويني، قال: جاء يحيى بن معين يوما إلى أحمد بن حنبل فبينما هو عنده، إذ مر الشافعي على بغلته، فوثب أحمد فسلم عليه، وتبعه، فأبطأ، ويحيى جالس فلما جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا فقال أحمد: «دع هذا عنك إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا أبو العباس الساجي، قال : سمعت أحمد بن حنبل، ما لا أحصيه في المناظرة تجري بيني وبينه، وهو يقول: «هكذا قال أبو عبد الله الشافعي». ومن ذلك أنه كان يقول: سجدتا السهو قبل السلام في الزيادة والنقصان "

وقال أحمد بن حنبل: «ما رأيت أحدا أتبع للأثر من الشافعي»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا عبد الملك بن حبيب بن ميمون بن مهران، قال: قال لي أحمد بن حنبل: «ما لك لا تنظر في كتب الشافعي. فما من أحد وضع الكتب أتبع للسنة من الشافعي»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا إبراهيم بن جعفر بن خليل المقرئ قال: سمعت أبا جعفر الترمذي يقول: " أردت أن أكتب كتب الرأي، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي مالك؟ قال ما وافق منه سنتي. فقلت: يا رسول الله، فأكتب رأي الشافعي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه ليس برأي، إنه رد على من خالف سنتي "

حدثنا عبد الله بن محمد بن نصر الترمذي، قال: " كتبت الحديث تسعا وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك وقوله، ولم يكن لي حسن رأي في الشافعي، فبينما أنا قاعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله، أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا. قلت: أكتب رأي مالك قال: اكتب ما وافق سنتي. قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان يتولى، وقال: ليس بالرأي، هذا رد على من خالف سنتي. قال: فخرجت في إثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب الشافعي "

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي، ثنا محمد بن رشيق، ثنا محمد بن الحسن البلخي قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله ما تقول في قول مالك، وأهل العراق؟ قال: ليس قولي إلا قولي. قلت: ما تقول في قول أبي حنيفة، وأصحابه قال: ليس قولي إلا قولي. قلت: ما تقول في قول الشافعي. قال: ليس قولي إلا قولي، ولكنه صد قول أهل البدع "

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان، حدثني أبو الليث الخفاف - وكان معدلا عند القضاة - قال: أخبرني العزيزي - وكان متعبدا - قال: " رأيت ليلة مات الشافعي في المنام كأنه يقال: مات النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة فكان يقول: أنت تقيل في مجلس عبد الرحمن الزهري في المسجد الجامع، وكأنه يقال له: يخرج به بعد العصر، فأصبحت فقيل لي: مات، وقيل لي نخرج به بعد الجمعة فقلت: الذي رأيته في المنام نخرج به بعد العصر وكأني رأيت في النوم حين أخرج به كان معه سرير امرأة رثة السرير فأرسل أمير مصر أن لا يخرج به إلا بعد العصر فحبس إلى بعد العصر ". قال العزيزي: «شهدت جنازته، فلما صرت إلى الموضع الواسع رأيت سريرا مثل سرير تلك المرأة الرثة السرير مع سريره». حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن عبد الله بن سهل الشيباني، ثنا الربيع، ثنا أبو الليث الخفاف، ثنا العزيزي، قال الربيع: وكان لا يخرج إلى خارج وذكر عنه فضلا. قال: رأيت في المنام مثله

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، ثنا علي بن حسان، ثنا ابن إدريس، قال: أخبرني رجل، من إخواننا من أهل بغداد قال: قال أحمد بن حنبل: «قدم علينا نعيم بن حماد، وحثنا على طلب المسند، فلما قدم علينا الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، يقول: «وعدني أحمد أن نقدم على مصر»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، ثنا إبراهيم بن يوسف، قال: سمعت الحسن بن محمد الصباح، يقول: قال لي أحمد بن حنبل: «إذا رأيت أبا عبد الله الشافعي قد خلا فأعلمني»، قال: فكان يجيئه ارتفاع النهار، فيبقى معه

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، أنبأنا أبو عثمان الخوارزمي، - فيما كتب إلي - ثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث فقال: «إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه». ثم قال: " قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ فأجاب ". قلت: «من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟» قال: بلى «فرفع في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث نص»

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن روح، ثنا إسماعيل بن شجاع، ثنا الفضل بن زياد، عن أبي طالب، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: «ما رأيت أتبع للحديث من الشافعي»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت حميد بن زنجويه، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: «ما سبق أحد الشافعي إلى كتابة الحديث»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا علي بن الحسن الهسنجاني، قال: سمعت أبا إسماعيل الترمذي، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: «ما تكلم أحد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي، ومالكا وأبا حنيفة - إلا أن الشافعي أكثر اتباعا، وأقل خطأ منهم»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، ثنا أحمد بن عثمان النحوي، قال: سمعت أبا فديك النسائي، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: «كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل في حاجتي. فوجه إلي كتاب الرسالة»

قال: وحدثنا أبو زرعة، قال: بلغني أن إسحاق بن راهويه، كتب له كتب الشافعي فسن في كلامه أشياء قد أخذها من الشافعي، وجعلها لنفسه "

حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أحمد بن مسلمة النيسابوري، قال: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان عنده كتب الشافعي، فتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير. وقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي، فقال له إسحاق بن راهويه: «لي إليك حاجة أن لا تحدث بكتب الشافعي ما دمت بنيسابور»، فأجابه إلى ذلك فما حدث بها حتى خرج

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم قال: أخبرني أبو عثمان الخوارزمي، نزيل مكة فيما كتب إلي، قال: قال أبو ثور: «كنت أنا وإسحاق بن راهويه، وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة من العراقيين ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي»

قال أبو عثمان: وحدثنا أبو عبد الله التستري عن أبي ثور، قال: «لما ورد الشافعي العراق جاءني حسين الكرابيسي - وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي» - فقال: قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم بنا نسخر به. «فذهبنا حتى دخلنا عليه فسأله الحسين عن مسألة، فلم يزل الشافعي يقول قال الله، وقال رسول الله حتى أظلم علينا البيت فتركنا بدعتنا، واتبعناه»

حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا زكريا الساجي، حدثني أحمد بن مردك، قال: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " رأيت أبا حنيفة في المنام، وعليه ثياب وسخة، وهو يقول: ما لي وما لك يا شافعي، ما لي وما لك يا شافعي "

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، قال: سمعت ابن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة، أو ثلاثون ومائة ورقة فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة، ووجدت فيه إما خلافا لكتاب الله أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اختلاف قول أو تناقض أو اختلاف قياس»

حدثنا عبد الله، ثنا عبد الرحمن، ثنا أبو زكريا، ثنا محمد، قال: «ما رأيت أحدا يناظر الشافعي إلا رحمته مع الشافعي»

قال: وقال هارون بن سعيد: «لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب في اقتداره على المناظرة»

وقال الشافعي: «ناظرت رجلا بالعراق فجاء، فكلما جاء بمعنى أدخلت عليه معنى آخر، فيبقى فتناظرنا في شيء» فقلت له: «من قال بهذا». قال: أمسك: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي «فلم يزل يعد حتى عد العشرة فبلغ كل مبلغ، وكان حولنا قوم لا معرفة لهم بالرواية، فاجتمعنا بعد ذلك المجلس»، فقلت له: «الذي رويت عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي من حدثك به؟» فقال: لم أرو لك شيئا، ولم يحدثني أحد، وإنما قلت لك: أمسك، أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي

قال محمد: «كان أعلم بكل فن لو كنت أدركته وأنا رجل كامل لاستخرجت من جنبيه علوما جمة، ولقد رأيت عنده أشعار هذيل، وما كنت أذكر له قصيدة إلا ربما أنشدنيها من أولها إلى آخرها على أنه مات وهو ابن أربع وخمسين سنة»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، أخبرني يونس، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ناظرت يوما محمد بن الحسن فاشتدت مناظرتي إياه فجعلت أوداجه تنتفخ، وأزراره تنقطع زرا زرا»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة، قال: سمعت أبا محمد ابن أخت الشافعي، يقول: قالت أمي: «ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة أو أقل أو أكثر المصباح إلى بين يدي الشافعي وكان يستلقي، ويتفكر ثم ينادي»: يا جارية هلمي المصباح فتقدمه ويكتب ما يكتب ثم يقول ارفعيه، فقلت لأبي محمد: «ما أراد برد المصباح» قال: الظلمة أجلى للقلب

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أحمد بن محمد بن يزيد، ثنا أبو طاهر، قال: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول في تفسير الحديث: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» قال: يتحزن به، ويترنم به

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي، ثنا ابن بنت الشافعي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي، يقول: " نظرت في دفتي المصحف فعرفت مراد الله تعالى فيه إلا حرفين، واحدا منهما قوله تعالى: {وقد خاب من دساها} [الشمس: 10]، فإني لم أجده "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو الفضل صالح بن محمد قال: سمعت أبا محمد الشافعي، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي، يقول: " لا ينبل قرشي بمكة، ولا يظهر أمره حتى يخرج منها وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر أمره حتى خرج من مكة، ولا يكاد يجود شعر القرشي، وذلك أن الله عز وجل قال للنبي عليه الصلاة والسلام: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] ولا يكاد يجود خط القرشي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: قال محمد بن إدريس الشافعي: الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد عنه فهو سنة. والإجماع أكثر من الخبر المنفرد، والحديث على ظاهره. وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به. وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولاها. وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب. ولا يقاس أصل على أصل. ولا يقال لأصل: لم ولا كيف، وإنما يقال للفرع: لم، فإذا صح قياسه على الأصل صح، وقامت به الحجة، قال الشافعي: وكلا قد رأيته استعمل الحديث المنفرد؛ استعمل أهل المدينة حديث النبي صلى الله عليه وسلم في التغليس، واستعمل أهل العراق حديث الغرر. وكل قد استعمل الحديث هؤلاء أخذوا بهذا وتركوا الآخر، وهؤلاء أخذوا بهذا وتركوا الآخر. والذي لزم قرآن وسنة، وأنا أظلم في إلزام تقليد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلفوا نظرا أتبعهم للقياس، إذا لم يوجد أصل يخالفهم، أتبع أتبعهم للقياس. قد اختلف عمر وعلي في ثلاث مسائل؛ القياس فيها مع علي، وبقوله آخذ، منها المفقود، قال عمر: يضرب الأجل إلى أربع سنين، ثم تعتد امرأته أربعة أشهر وعشرا. وقال علي: امرأته لا تنكح أبدا. وقد اختلف فيه عن علي حتى يتضح بموت أو فراق. وقال عمر في الرجل يطلق امرأته في سفر، ثم يرتجعها فسيبلغها الطلاق، ولا تبلغها الرجعة حتى تحل وتنكح: إن زوجها الآخر أولى بها إذا دخل بها. وقال علي: هي للأول، وهو أحق بها. وقال عمر في الذي ينكح المرأة في العدة، ويدخل بها أنه يفرق بينهما، ثم لا ينكحها أبدا وقال علي: ينكحها بعد. واختلفوا في الأقراء، وأصح ذلك أن الأقراء الأطهار لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «مره - يعني ابن عمر - أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء». فلما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة كان أصح القول فيها لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الأطهار العدة

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، قال: كنت بمصر، فحدث محمد بن إدريس الشافعي، بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل: يا أبا عبد الله تأخذ بها؟ فقال: «إن رأيتني خرجت من الكنيسة أو ترى علي زنارا؟ إذا ثبت عندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قلت به وقولته إياه، ولم أزل عنه، وإن هو لم يثبت عندي لم أقوله إياه. أترى علي زنارا حتى لا أقول به»

حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل، يقول: سمعت أبي يقول، وذكر الشافعي، فقال: سمعته يقول: «إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا لي حتى أذهب به في أي بلد كان»

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا الحسن بن علي الجصاص، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سأل رجل الشافعي عن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال له الرجل: فما تقول فارتعد وانتفض وقال: «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت بغيره»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، حدثني إبراهيم بن ميمون بن إبراهيم الصواف، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، - وذكر حديثا - فقال له رجل: تأخذ بالحديث. فقال لنا - ونحن خلفه كثير -: «اشهدوا أني إذا صح عندي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم آخذ به فإن عقلي قد ذهب»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان الجرجاني، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أبي قال: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: قال الشافعي: " كلما قلت: وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولا تقلدوني "

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح، ثنا إسماعيل بن شجاع، ثنا الفضل بن زياد، عن أبي طالب، قال: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: «ما رأيت أحدا أتبع للحديث من الشافعي»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن مخلد، ثنا عمر بن الربيع الخشاب، ثنا أبو حمزة الخولاني، ثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، يقول: «سميت ببغداد ناصر الحديث»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثني أحمد بن محمد المكي، قال: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود، يقول: قال الشافعي: «إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت قولا، فأنا راجع عن قولي، وقائل بذلك»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت الزعفراني، يحدث عن الشافعي، قال: «إذا وجدتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أولى أن يؤخذ به من غيره»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «يحتاج أبو الزبير إلى دعامة»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «حديث حزام بن عثمان حرام»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن موسى بن النعمان، ثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص، ثنا أبي قال: سمعت الشافعي، يقول: قال شعبة بن الحجاج: «التدليس أخو الكذب»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن جعفر أبو الطاهر، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا ابن رزين، قال: قال الشافعي: «لم يكن بالشام مثل الأوزاعي قط» قال: «ولكنه ليس ممن يقتصر عليه حتى يتعرف عليه بحديث غيره». وذكر عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فوصفه بالثقة والأمانة وأن مثله يؤخذ عنه العلم

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «من حدث عن أبي جابر البياضي، بيض الله عينيه»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «سمعت من أبي جابر الجعفي، كلاما خفت أن يقع علينا السقف»

حدثنا أبو عبد الله بن مخلد، قال: أخبرني محمد بن يحيى بن آدم، أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: ذكر رجل لمالك بن أنس حديثا منقطعا فقال له: «اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يحدثك عن أبيه، عن نوح»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: بلغ سفيان أن شعبة يتكلم في جابر الجعفي، فبعث إليه فقال: «والله لئن تكلمت فيه لأتكلمن فيك»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: قال لي محمد بن الحسن: لو علمت أن سفيان بن سليمان يروي اليمين مع الشاهد لأفسدته. فقلت له: «يا أبا عبد الله إذا أفسدته فسد»

حدثنا أبو عبد الله بن مخلد، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنه سمع الشافعي، يقول: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: عمرو بن عبيد سمع الحسن. «وأنا أستغفر الله، إن كان سمع الحسن»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الرحمن، قالا: ثنا أحمد بن محمد بن سلمة الطحاوي، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي يقول: «ما فاتني أحد كان أشد علي من الليث بن سعد، وابن أبي ذيب»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أحمد بن إسماعيل بن عاصم، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي يقول: «الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي يقول: «إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث كأني رأيت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» قال الشيخ أبو نعيم رحمه الله تعالى: كان الإمام الشافعي رضي الله عنه للآثار والسنن تابعا، وفي استنباط الأحكام والأقضية رائعا، وبالمقاييس المبنية على الأصول قائلا، وعن الآراء الفاسدة المخالفة للأصول عادلا

حدثنا أبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام بن مكحول البيروتي، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي يقول: «الأصل القرآن والسنة أو قياس عليهما، والإجماع أكثر من الحديث»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل قال: حدثني أبو علي حسان بن أبان بن عثمان القاضي بمصر، حدثني أبو أحمد جامع بن القاسم، ثنا أبو بكر المستملي محمد بن يزيد بن حكيم قال: رأيت محمد بن إدريس الشافعي في المسجد الحرام، وقد جعلت له طنافس يجلس عليها، فآتاه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في أكل فرخ الزنبور؟ قال: حرام. فقال الخراساني: حرام؟ فقال: نعم، من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعقول. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] هذا من كتاب الله وحدثنا سفيان، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى الربعي، عن حذيفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر». هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وحدثونا عن إسرائيل، قال أبو بكر المستملي: ثنا أبو أحمد، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، أن عمر بن الخطاب، أمر بقتل الزنبور. وفي المعقول أن ما أمر بقتله فحرام أكله. فسكت الرجل ومضى. وكان هذا إعجابا من المستملي بالشافعي

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ح وحدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: من أفطر يوما من رمضان قضى اثني عشر يوما؛ لأن الله عز وجل اختار شهرا من اثني عشر شهرا. قال الشافعي: يقول له: " قال الله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر: 3] فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه أن يصلي ألف شهر على قياسه "

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد، ثنا محمد بن الحسن الكرخي، ثنا علي بن أحمد الخوارزمي، قال: حدثني الربيع بن سليمان، قال: قال: سأل رجل من أهل بلخ الشافعي عن الإيمان فقال للرجل: «فما تقول أنت فيه». قال: أقول: إن الإيمان قول. قال: «ومن أين؟ قلت» قال: من قول الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [البقرة: 277] فصارت الواو فصلا بين الإيمان والعمل، فالإيمان قول، والأعمال شرائعه. فقال الشافعي: «وعندك الواو فصل؟» قال: نعم. قال: " فإذا كنت تعبد إلهين إلها في المشرق وإلها في المغرب لأن الله تعالى يقول: {رب المشرقين ورب المغربين} [الرحمن: 17] " فغضب الرجل وقال: سبحان الله، أجعلتني وثنيا؟ فقال الشافعي: «بل أنت جعلت نفسك كذلك»، قال: كيف؟ قال: «بزعمك أن الواو فصل». فقال الرجل: فإني أستغفر الله مما قلت، بل لا أعبد إلا ربا واحدا، ولا أقول بعد اليوم إن الواو فصل، بل أقول: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص قال الربيع: فأنفق على باب الشافعي مالا عظيما، وجمع كتب الشافعي، وخرج من مصر سنيا

حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ثنا جعفر بن أحمد بن ياسين، ثنا الحسين بن علي، قال: جاءت أم بشر المريسي إلى الشافعي، فقالت له: يا أبا عبد الله إن ابني هذا يحبك، وإن ذكرت عنده أجلك، فلو نهيته عن هذا الرأي الذي هو فيه، فقد عاداه الناس عليه فقال الشافعي: «أفعل»، فشهدت الشافعي، وقد دخل عليه بشر فقال الشافعي: «أخبرني عن ما تدعو إليه؛ أفيه كتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجب على الناس البحث فيه، والسؤال؟» فقال بشر: ليس فيه كتاب ناطق، ولا فرض مفترض، ولا سنة قائمة، ولا وجب على السلف البحث فيه إلا أنه لا يسعنا خلافه. فقال له الشافعي: «قد أقررت على نفسك الخطأ، فأين أنت عن الكلام في الأخبار والفقه، وتوافيك الناس عليه وتترك هذا». فقال: لنا فيه تهمة. فلما خرج بشر قال الشافعي: «لا يفلح»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، قال: سمعت زكريا الساجي، يقول: سمعت أبا يعقوب البويطي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إنما خلق الله الخلق بكن، فإذا كانت مخلوقة فكأن مخلوقا خلق بمخلوق»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا الساجي، حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت الحسين بن علي، يقول: سئل الشافعي عن شيء، من الكلام، فغضب، وقال: «سل هذا حفصا الفرد، وأصحابه أخزاهم الله»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول: «لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك به خير من النظر في الكلام، فإني والله اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت أحمد بن محمد بن الحارث، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا أبو ثور، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «لو علم الناس ما في الكلام والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا أبو داود، ثنا أبو ثور، قال: سمعت الشافعي، يقول: «من ارتدى بالكلام لا يفلح»

«وذهب الشافعي مذهب أهل الحديث. كان يأخذ بعامة قوله أحمد بن حنبل والبويطي والحميدي وأبو ثور وعامة أصحاب الحديث»

وقال: كان مالك بن أنس إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: «أما أنا فعلى بينة من ديني، وأما أنت فشاك. اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه»

وكان يقول: «لست أرى لأحد سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الفيء سهما»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا الربيع، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: «لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء». وذلك أنه رأى قوما يتجادلون في القدر بين يديه فقال الشافعي: " في كتاب الله المشيئة دون خلقه والمشيئة إرادة الله يقول الله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} فأعلم خلقه أن المشيئة له ". وكان يثبت القدر. وقال في كتابه: «من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه كفارة؛ لأنه حلف بغير مخلوق»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت أبا شعيب المصري، يقول - وأثنى عليه الربيع خيرا - قال: حضرت الشافعي، وعن يمينه عبد الله بن عبد الحكم وعن يساره يوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد حاضر، فقال لابن عبد الحكم: «ما تقول في القرآن؟» قال: أقول كلام الله. قال: «ليس إلا؟» ثم سأل يوسف بن عمرو فقال له مثل ذلك. فجعل الناس يومئون إليه أن يسأل الشافعي فقال حفص الفرد: يا أبا عبد الله الناس يحيلون عليك. قال: فقال: دع الكلام في هذا. قالوا: فقال للشافعي: ما تقول يا أبا عبد الله في القرآن؟ قال: «أقول القرآن كلام الله غير مخلوق». فناظره وتحاربا في الكلام حتى كفره الشافعي، فقام حفص مغضبا فلقيته من الغد في سوق الدجاج بمصر فقال لي: رأيت ما فعل بي الشافعي أمس؟ كفرني، قال: ثم مضى، ثم رجع فقال: أما إنه مع هذا ما أعلم إنسانا أعلم منه حدثنا الحسن، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت أبا شعيب، يقول: سمعت محمد،. . . .

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة، ثنا جدي حرملة بن يحيى قال: كنا عند محمد بن إدريس الشافعي فقال حفص الفرد - وكان صاحب كلام -: القرآن مخلوق. فقال الشافعي: «كفرت»

حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا الحسن بن علي الجصاص، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «من قال القرآن مخلوق فهو كافر»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت محمد بن إدريس، يقول: «من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه كفارة لأن أسماء الله غير مخلوقة، ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة فليس عليه كفارة؛ لأنه مخلوق، وذلك ليس بمخلوق»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة، ثنا جدي، حرملة قال: سمعت محمد بن إدريس، يقول: " إياكم والنظر في الكلام فإن رجلا لو سئل عن مسألة من الفقه فأخطأ فيها أو سئل عن رجل قتل رجلا فقال: ديته بيضة كان أكبر شيء أن يضحك منه. ولو سئل عن مسألة من الكلام فأخطأ فيها نسب إلى البدعة "

حدثنا علي بن هارون، ثنا أبو بكر بن أبي داود، ثنا أحمد بن سنان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «مثل الذي نظر في الرأي ثم تاب عنه مثل المخربق الذي عولج حتى برأ بأعقل ما يكون قد هاج به»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت محمد بن يحيى بن آدم، يقول: سمعت المزني، يقول: قال الشافعي: «تدري من القدري؟ القدري الذي يقول إن الله لم يخلق الشر حتى عمل به»

حدثنا أبو بكر الآجري، ثنا عبد الله بن محمد العطشي، ثنا إبراهيم بن الجنيد، ثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: " البدعة بدعتان بدعة محمودة، وبدعة مذمومة. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم، واحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان: نعمت البدعة هي "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول في قول الله عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27] قال: " في العبرة عندكم إنما يقول لشيء لم يكن كن، فيخرج مفصلا بعينيه وأذنيه وأنفه وسمعه ومفاصله، وما خلق الله فيه من العروق. فهذا في العبرة أشد من أن يقول لشيء قد كان: عد إلى ما كنت. فهو إنما هو أهون عليه في العبرة عندكم. ليس أن شيئا يعظم على الله عز وجل "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني جعفر بن أحمد بن يحيى السراج، ثنا الربيع بن سليمان بن المرادي، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: «ما ساق الله هؤلاء الذين يتقولون في علي وفي أبي بكر وعمر وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليجري الله لهم الحسنات وهم أموات»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا أحمد بن إبراهيم بن مكويه، ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا الشافعي، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين. قال: «تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أخضب لساني فيها»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني محمد بن أحمد الخلال، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: ما صح في الفتنة حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا حديث عثمان بن عفان أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذا يومئذ على الحق»

حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، حدثني حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: «لم أر أحدا من أصحاب الأهواء أشهد بالزور من الرافضة»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، «أنه كان يكره الصلاة خلف القدري»

وسمعت الشافعي يقول: «أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أبو أحمد حاتم بن عبد الله الجهازي قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ثم تلا هذه الآية: {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} [المدثر: 31] الآية "

حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، قال: سمعت الربيع، يحكي عن الشافعي، قال: " ما أعلم في الرد على المرجئة شيئا أقوى من قول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5] "

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت الحسن بن محمد، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «أجمع الناس على أبي بكر، واستخلف أبو بكر عمر، ثم جعل الشورى على ستة على أن يولوها واحدا منهم، فولوها عثمان»، قال الشافعي: «وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم» قال الحسن: ومن كتب الشافعي أحاديث في الرؤية وعذاب القبر، لم يكن الشافعي يتكلم في شيء من هذا، وإنما استخرجناه لأنه كان يكره أن يضع في هذا شيئا. وسئل أن يضع في الإرجاء كتابا فأبى. وكان ينهى عن الجدل، والكلام، فيه. ويذم أهل البدع ويأمر بالنظر في الفقه

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، قال: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: «اجتمع حفص الفرد ومصلان الإباضي عند الشافعي في دار الجروي، وأنا حاضر، واختصم حفص الفرد ومصلان في الإيمان، فاحتج على مصلان، وقوي عليه، وضعف مصلان، فحمي الشافعي وتقلد المسألة على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفصا الفرد وقطعه»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو بكر، ثنا النيسابوري، قال: قال هارون بن سعيد: «لو أن الشافعي، ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب بالمناظرة لاقتداره عليها»

حدثنا أبو محمد، ثنا عبد الرحمن، ثنا أبو زكريا، ثنا محمد، قال: «ما رأيت أحدا يناظر الشافعي إلا رحمته مع الشافعي»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " رأيي ومذهبي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد، ويجلسوا على الجمال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن عبد الله النسائي السراج، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا الشافعي، قال: «دخل رجل على المختار بن أبي عبيد فوجد عنده وسادتين واحدة عن يمينه، وأخرى، عن شماله،. فلما رآه دعا له بوسادة». فقال: أليس هاتان الوسادتان موضوعتين. فقال: إن هذه قام عنها جبريل والأخرى قام عنها ميكائيل. فقال الشافعي: «الصادقون إنما كان يأتيهم واحد، والمختار كذاب يزعم أنه يأتيه اثنان»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، حدثني أبي، أخبرني عمرو بن سواد السرحي، قال: قال الشافعي: «ما أعطى الله تعالى نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم». فقلت: أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقال: «أعطي محمدا الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته. فهذا أكبر من ذاك»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، ثنا أبي، أخبرني يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، وحضر، شيئا فلما شحبنا عليه، نظر إليه، وقال: «اللهم بغنائك عنه، وفقره إليك اغفر له»

سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن محمد القاري يقول: سمعت علي بن عيسى القاري، يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال صاحبنا - يريد الليث بن سعد -: «لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته»

حدثنا محمد بن إبراهيم قال: سمعت علي بن بشر الواسطي، يقول: سمعت أحمد بن سنان يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما شبهت رأي أبي حنيفة إلا بخيط سحار إذا مددته كذا خرج أصفر وإذا مددته كذا خرج أحمر»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي بن زياد بن أبي الصفير، ثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما أحد إلا وله محب ومبغض، فإن كان لابد من ذلك فليكن المرء مع أهل طاعة الله عز وجل»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن أحمد بن موسى الخياط بالرملة، وعلي عن الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما نظر الناس إلى شيء هم دونه إلا بسطوا ألسنتهم فيه»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، حدثني المزني، قال: أخبرنا أبو هرم، قال: قال الشافعي: " في كتاب الله تعالى: " {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] دلالة على أن أولياءه يرونه على صفته " قال الشيخ رضي الله تعالى عنه: وكان لمن فوقه من المعلمين خاضعا ولمن يستعلم منه أو يعلمه متواضعا

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال: سمعت أبا بكر الخلال، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت مودته، ولا كابرني أحد على الحق، ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني ورفضته»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة، حدثني جدي، قال: سمعت الشافعي، يقول: سألت مالك بن أنس عن مسألة، فأجابني فيها، وسألته ثانيا فأجابني فيها، وسألته ثالثا، فقال: «أتريد أن تكون قاضيا». فأبى أن يجيبني فيها

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا يوسف بن عبد الواحد بن سفيان، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما نظرت في موطإ مالك رحمه الله إلا ازددت فهما»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا الحارث بن محمد الأموي، عن أبي ثور، قال: كنت مع أصحاب محمد بن الحسن فلما قدم الشافعي علينا جئت إلى مجلسه شبه المستهزئ فسألته عن مسألة من الدور فلم يجبني وقال: كيف ترفع يديك في الصلاة فقلت: هكذا. فقال: أخطأت فقلت: هكذا فقال: أخطأت. فقلت: وكيف أصنع؟ قال: حدثني سفيان عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع. قال أبو ثور: فوقع في قلبي من ذلك، فجعلت أزيد في المجيء إلى الشافعي، وأقصر من الاختلاف إلى محمد بن الحسن فقال: أجل، الحق معه قال: وكيف ذلك؟ قال: قلت كيف ترفع يديك في الصلاة؟ فأجابني نحو ما أخبرت الشافعي، فقلت: أخطأت. فقال: كيف أصنع فقلت: حدثني الشافعي عن سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع. قال أبو ثور: فلما كان بعد شهر وعلم الشافعي أني قد لزمته للتعلم منه قال: يا أبا ثور، مسألتك في الدور، وإنما منعني أن أجيبك يومئذ لأنك كنت متعنتا

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، حدثني أحمد بن العباس الساجي، قال: سمعت أحمد بن خالد الخلال، يقول: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: «ما ناظرت أحدا قط إلا على النصيحة»

وسمعت أبا الوليد موسى بن أبي الجارود يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما ناظرت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ. وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه»

وسمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله القابني يقول: سمعت محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع، يقول: قال الشافعي: «لو قدرت أن أطعمك العلم لأطعمتك»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم ولا ينسب إلي منه شيء»

حدثنا إبراهيم بن أحمد المقرئ، ثنا أحمد بن محمد بن عبيد الشعراني، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: دخلت على الشافعي وهو عليل، فسأل عن أصحابنا، وقال: «يا بني، لوددت أن الخلق كلهم تعلموا - يريد كتبه - ولا ينسب إلي منه شيء»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، حدثني حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو عقيل الدمشقي، عن الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «أعرف الحق لذي الحق إذا أحق الله الحق»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا أبو زكريا النيسابوري، ثنا علي بن حسان النيسابوري، ثنا محمد بن إدريس المكي، قال: سمعت الحميدي، يقول: ربما ألقى الشافعي علي وعلى ابنه عثمان المسألة فيقول: «أيكم أصاب فله دينار»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن أحمد بن حماد، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أحمد بن محمد بن عبيد الشعراني، وإبراهيم بن محمد بن الحسن، قالا: ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، قال: سمعت ابن علويه، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: قال الشافعي: «لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس». قيل: ولا لغني مكفي قال: «لا»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، - فيما قرأت عليه - قال: سمعت الشافعي، يقول: قال محمد بن الحسن: «ليس يبلغ هذا الشأن إلا من أحرق قلبه البين يريد في طلب العلم»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «لا يبلغ هذا الشأن رجل حتى يضربه الفقر أن يؤثره على كل شيء»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا سلم بن عصام، ثنا أحمد بن مردك، قال: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما طلب أحد العلم بالتعمق وعز النفس فأفلح ولكن من طلبه بضيق اليد وذلة النفس وخدمة العالم أفلح»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، قال: سمعت الربيع، يقول: مرض الشافعي فدخلت عليه فقلت: يا أبا عبد الله، قوى الله ضعفك. فقال: «يا أبا محمد لو قوى الله ضعفي على قوتي أهلكني». قلت: يا أبا عبد الله، ما أردت إلا الخير. فقال: «لو دعوت الله علي لعلمت أنك لم ترد إلا الخير». حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن صالح الخولاني، ثنا الربيع بن سليمان، قال: ركب الشافعي المركب فقال: أنا بالله، ضعيف. فقلت: قوى الله ضعفك. فذكر نحوه

حدثنا أبي رحمه الله، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا أبو نصر المصري، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب يقول: سمعت الشافعي، يقول: " طالب العلم يحتاج إلى ثلاث خصال: إحداها: حسن ذات اليد، والثانية: طول العمر، والثالثة: يكون له ذكاء "

حدثنا أبي، ثنا أبو نصر، قال: سمعت الحسين بن معاوية، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إذا ثبت الأصل في القلب أخبر اللسان عن الفروع»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، أخبرنا أبو نصر، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: دخل ابن العباس على عمرو بن العاص فقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال: «أصبحت وقد ضيعت من ديني كثيرا، وأصلحت من دنياي قليلا فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لقد فزت ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت فصرت كالمجنون بين السماء والأرض، لا أرتقي بيدين، ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة أنتفع بها يا ابن عباس». قال ابن عباس: هيهات صار ابن أخيك أخاك، ولا يشاء أن يبكي إلا بكيت. قال: كيف يؤمر برحيل من هو مقيم فقال على جنيها من حينها ابن بضع وثمانين تقنطني من رحمة الله قال: ثم رفع يديه فقال: «اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى» قال: هيهات أبا عبد الله تأخذ جديدا، وتعطي خلقا، قال: «من لي منك يا ابن عباس ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضها»

قال: وسمعت الشافعي يقول: قال رجل لأبي بن كعب، أحسبه تابعيا أو صحابيا: عظني، ولا تكثر علي فأنس. فقال له: «اقبل الحق ممن جاءك به وإن كان بعيدا بغيضا واردد الباطل على من جاءك به، وإن كان حبيبا قريبا». وقال أيضا لأبي: يا أبا المنذر عظني. قال: «وآخ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تجعل لسانك بذلة لمن لا يرى فيه، ولا تغبط الحي إلا بما تغبط الميت»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا أبو نصر، ثنا إسماعيل بن يحيى، قال: أملى علينا الشافعي قال: قدم ابن عمامة على عمرو بن العاص فألفاه صائما وقد أحضر إخوانه طعاما وصلى صلاة فأتقنها، ثم أتى بمال فقال: اذهبوا بهذا إلى فلان، وبهذا إلى فلان حتى فرقه، فقال له ابن عمامة: يا أبا عبد الله، أرأيت صلاة أحكمتها، وطعاما أطعمته إخوانك، وأتاك مال أنت أحق به من غيرك فقلت: اذهبوا بهذا إلى فلان وبهذا إلى فلانة، حتى أتيت عليه، بم ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: «ويحك يا ابن عمامة فلو كانت الدنيا مع الدين أخذناها وإياه، ولو كانت تنحاز عن الباطل، أخذناها وتركناه. فلما رأيت ذلك كذلك خلطنا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى أن يرحمنا الله»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا أبو نصر، ثنا ابن أخي حرملة ثنا عمي، قال: قيل للشافعي: أخبرنا عن العقل، يولد به المرء؟ فقال: «لا ولكنه يلقح من مجالسة الرجال ومناظرة الناس» قال الشيخ رحمة الله تعالى عليه: وكان الشافعي لطيف النظر عجيب الحذر حصيفا في الفكر نجيبا في العبر

حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد البغدادي الوراق ثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي ذات يوم: " يا يونس إذا بلغت عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادر بالعداوة وقطع الولاية فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن القه، وقل له : بلغني عنك كذا وكذا وأجدر أن تسمي المبلغ فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، ولا تزيدن على ذلك شيئا. وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجها بعذر فاقبل منه، وإن لم يرد ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ما له وجه من العذر فاقبله، وإن لم يذكر لذلك وجها لعذر، وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة أتاها. ثم أنت في ذلك بالخيار إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة وإن شئت عفوت عنه، والعفو أبلغ للتقوى، وأبلغ في الكرم؛ لقول الله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فاذكر فيما سبق له لديك، ولا تبخس باقي إحسانه السالف بهذه السيئة فإن ذلك الظلم بعينه، وقد كان الرجل الصالح يقول: رحم الله من كافأني على إساءتي من غير أن يزيد ولا يبخس حقا لي. يا يونس إذا كان لك صديق فشد يديك به فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل. وقد كان الرجل الصالح يشبه سهولة مفارقة الصديق بصبي يطرح في البئر حجرا عظيما فيسهل طرحه عليه، ويصعب إخراجه على الرجال البرك فهذه وصيتي لك. والسلام "

حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر، وأبو عمرو عثمان بن محمد العثماني قالا: ثنا أبو بكر النيسابوري، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى الصدفي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «يا يونس؛ الانقباض عن الناس، مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط»

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: ح وحدثنا محمد بن جعفر، ثنا أبو بكر النيسابوري، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي رضي الله عنه: «الناس غاية لا تدرك، وليس لي إلى السلامة من سبيل، فعليك بما ينفعك فالزمه»

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري بدمشق، ثنا محمد بن هارون بن حسان بمصر، ثنا أحمد بن يحيى الوزير، ثنا محمد بن إدريس الشافعي،. قال: «قبول السعاية أضر من السعاية؛ لأن السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز. والساعي ممقوت إذا كان صادقا لهتكه العورة، وإضاعته الحرمة. ومعاقب إن كان كاذبا؛ لمبارزته الله بقول البهتان، وشهادة الزور»

وقال: وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي فقال له: «مهما تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام»

حدثنا محمد بن إبراهيم الأنصاري، ثنا محمد بن هارون بن حسان، ثنا أحمد بن يحيى الوزير، قال: خرج الشافعي يوما من سوق القناديل متوجها إلى حجرته فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم، فالتفت إلينا الشافعي فقال: نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق، به فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه ينظر إلى أخبث شيء في وعائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم، ولو رددت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها "

سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول: سمعت أبا الحسن الخلال، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «أنفع الذخائر التقوى وأضرها العدوان»

سمعت أحمد بن محمد يقول: سمعت أبا الحسن، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، مرارا كثيرة يقول: «ليس العلم ما حفظ. العلم ما نفع»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: سمعت أبا بكر النيسابوري، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول قال الشافعي: «يا ربيع، رضى الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه. فإنه لا سبيل إلى رضاهم. واعلم أن من تعلم القرآن جل في عيون الناس، ومن تعلم الحديث قويت حجته، ومن تعلم النحو هيب، ومن تعلم العربية رق طبعه، ومن تعلم الحساب جل رأيه، ومن تعلم الفقه نبل قدره، ومن لم يضر نفسه لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن المعافى بن حنظلة، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت المفضل بن محمد الجندي، يقول: ثنا أبو الوليد الجارودي، قال: سمعت الشافعي، يقول: «لو علمت أن الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته»

حدثنا أبو عمرو العثماني، حدثني أحمد بن جعفر بن محمد، ثنا أبو أحمد عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل الأصبهاني ثنا علي بن صالح الهمداني، ثنا عبيد الأنماطي، قال: سمعت المزني، يقول: دخلت على الشافعي وقد لزم الوحدة فقلت: يا أبا عبد الله لو خرجت إلى الناس فتبث فيهم علمك لانتفعوا. فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: «تأمرني بأنس؟ لبقاء عزك بوحدتك، ولا تأنس إلى من تخلق عنده بكثرة مجالستك؛ فإن مؤونة الصبر علي أحسن من مؤونة البذل على الطاعة، ولا تسع في حظ لك في حاجة لا تحب، ستر يقيك من الشنعة»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا بكر بن صبيح، يحكي عن يونس، قال: قال الشافعي: «طبع فؤادي على اللوم، فمن شأنه التقرب لمن يبعد منه، والتباعد ممن يقرب منه»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن اللواز، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول: " اصطنع رجل إلى رجل من العرب صنيعة فوقعت منه فقال له: آجرك الله من غير أن يبتليك. فقال: هو من أحد الناس عقلا "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقا فلا تقبلوه فإن العقول مضطرة إلى قبول الحق»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثني أبو محمد، البستي السجستاني، - فيما كتب إلينا - قال: قال الحسين: قال لنا الشافعي: «إن أصبتم الحجة في الطريق مطروحة فاحكوها عني فإني قائل بها»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثني صالح بن محمد، قال: سمعت أبا محمد ابن بنت الشافعي، يقول: سألت أبي فقلت: يا أبت أي العلم أطلب. فقال: يا بني أما الشعر فيضع الرفيع، ويرفع الخسيس وأما النحو فإذا بلغ الغاية صار مؤدبا، وأما الفرائض فإذا بلغ صاحبها فيها غاية صار معلم حساب، وأما الحديث فتأتي بركته وخيره عند فناء العمر، وأما الفقه فللشاب وللشيخ، وهو سيد العلم "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول في حديث عائشة: «واشترطي لهم الولاء.» معناه: اشترطي عليهم الولاء. قال الله تعالى {أولئك لهم اللعنة} [الرعد: 25] بمعنى عليهم

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا ابن روح، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ليس من قوم لا يخرجون نساءهم إلى رجال غيرهم إلا جاء أولادهم حمقى»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا ابن أبي حاتم، حدثني أبي، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «بذل كلامنا صون كلام غيرنا». قال أبو محمد: يعني: بذله لكلامه في الحلال والحرام، والرد على من خالف السنة صون لكلام أشكاله أدناهم هذه المدونة

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، قال في كتابي عن الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول - وذكر من يحمل العلم جزافا - قال: «هذا مثل حاطب أقبل يقطع حزمة حطب فيحملها، ولعل فيها أفعى فتلدغه وهو لا يدري». قال الربيع يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين؟ يكتب العلم، وهو لا يدري على غير فهم، فيكتب عن الكذاب وعن الصدوق وعن المبتدع وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع الأباطيل، فيصير ذلك نقصا لإيمانه، وهو لا يدري

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، حدثني أبي، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال الشافعي: معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج». أي لا بأس أن تحدثوا عنهم بما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة مثل ما روي أن ثيابهم تطول، والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان. ليس أن يحدث عنهم بالكذب، وما لا يروى

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، ثنا أحمد بن عثمان النحوي، قال: سمعت أبا محمد، قريب الشافعي قال: سمعت إبراهيم بن محمد الشافعي، يقول: حبس الشافعي مع قوم من الشيعة بسبب التشيع، فوجه إلي يوما فقال: «ادع فلانا المعبر». فدعوته له فقال: «رأيت البارحة كأني مصلوب على قناة مع علي بن أبي طالب،» فقال: إن صدقت رؤياك شهرت وذكرت، وانتشر أمرك. ثم حمل إلى الرشيد معهم، فكلمه ببعض ما جلبه به فخلى عنه

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعي: «ما اشتد علي فوت أحد من العلماء مثل فوت ابن أبي ذيب والليث بن سعد»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، أخبرني أبو محمد، قريب الشافعي - فيما كتب إلى - قال: عاتب محمد بن إدريس الشافعي ابنه عثمان، فقال فيما قال له: ووعظه به: «يا بني، والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من ديني شيئا ما شربته إلا حارا»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، أخبرنا أبو محمد، قريب الشافعي - فيما كتب إلي - قال: حدثتني أمي، قالت: كانت له هنة فوضعت يدها على فم الصبي وخرجت مبادرة، وكان الباب بعيدا، فلم تبلغ الباب حتى اضطرب الصبي. قالت: فلما استيقظ الشافعي قالت له أم عثمان ويحك يا ابن إدريس - وهو يمدح نفسه - كدت تقتل اليوم نفسا فاحمار، وانتفخ وجعل يقول لها: «وكيف ذاك؟» فأخبرته الخبر، فحلف أن لا يقيل مدة طويلة إلا والرحا عند رأسه تطحن. فكان إذا أراد أن يقيل جئنا بالرحا حتى تطحن عند رأسه

أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أبو محمد البستي، - فيما كتب إلي - قال: قال الحارث بن سريج: أراد الشافعي الخروج إلى مكة فاحترق دكان القصار والثياب فجاء القصار ومعه قوم يتحمل بهم على الشافعي في تأخيره؛ ليدفع إليه قيمة الثياب، فقال له الشافعي: «قد اختلف أهل العلم في تضمين القصار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئا»

وقال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم الرشيد وهو في بيت قد فرش بالديباج. فلما وضع الشافعي رجله على العتبة أبصر الديباج، فرجع ولم يدخل فقال له الخادم: ادخل. فقال: «لا يحل افتراش هذا». فقام الخادم متمشيا حتى دخل بيتا قد فرش بالأرميني، ثم دخل الشافعي، فأقبل عليه، وقال « هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك، وأكثر ثمنا منه». فتبسم الخادم، وسكت

قال: وحدثني أبو ثور قال: أراد الشافعي الخروج إلى مكة، ومعه مال فقلت له - وقلما كان يمسك الشيء من سماحته: ينبغي أن تشتري بهذا المال ضيعة تكون لولدك من بعدك. فخرج ثم قدم علينا فسألته عن ذلك المال ما فعل به فقال: «ما وجدت بمكة ضيعة يمكنني أن أشتريها لمعرفتي بأهلها، أكثرها قد رفعت علي. ولكن قد بنيت بمكة بيتا يكون لأصحابنا ينزلون فيه إذا حجوا»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا الربيع، قال: قال الشافعي: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة أطرحها». قال أبو محمد: يعني فطرحتها لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا عبد الله بن جامع، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا أكلة أكلتها فأتقاياها»

حدثنا أبو الحسن بن مقسم، قال: سمعت أبا بكر بن سيف، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي يقول وسئل عمن يرى في الحمام مكشوفا أتقبل شهادته، فقال: «لا»

حدثنا عثمان بن محمد العثماني، قال: سمعت محمد بن يعقوب، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «لا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم، كان اسمه محمدا أو غيره»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت يونس بن محمد بن موسى المروزي، يقول: سمعت عمر بن الربيع، يقول عن عمر بن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن أبيه، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: " بينما أنا أدور في طلب العلم ودخلت اليمن، فقيل لي: إن بها امرأة من وسطها إلى أسفل بدن امرأة، ومن وسطها إلى فوق بدنان متفرقان بأربعة أيد ورأسين ووجهين، فلعهدي بهما وهما يتقاتلان ويتلاطمان ويصطلحان ويأكلان ويشربان. ثم إني نزلت عنها، وخرجت من ذلك البلد فأقمت برهة من الزمن - أحسبه قال سنتين - ثم عدت إلى ذلك البلد فسألت عن ذلك الشخص "، فقيل لي: أحسن الله عزاءك في الجسد الواحد. فقلت: «ما كان من شأنه» قال: إنه توفي الجسد الواحد فعمد إليه فربط من أسفله بحبل وثيق وترك حتى ذبل فقطع ودفن. قال الشافعي: «فلعهدي بالجسد الواحد في السوق ذاهبا وجائيا» نحو هذه الألفاظ

قال: وسمعت الشافعي، يقول: «كنت باليمن، فرأيت أعماوين يتقاتلان، وأبكم يصلح بينهما»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما حلفت بالله لا صادقا ولا كاذبا قط»

حدثنا محمد بن مهدي، ثنا علي بن محمد بن أبان، حدثني يحيى بن زكريا الساجي النيسابوري، - بمصر - قال: سمعت أبا سعيد الفريابي، يقول: سمعت محمد بن يزيد النحوي، يقول: سمعت يحيى بن هشام النحوي، يقول: «طالت مجالستنا لمحمد بن إدريس الشافعي فما سمعت منه لحنة قط، ولا كلمة غيرها أحسن منها»

حدثنا محمد بن علي، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء أبو النجم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال الحارث بن مسكين: " لقد أحببت الشافعي وقرب من قلبي لما بلغني أنه كان يقول: الكفاءة في الدين لا في النسب، لو كانت الكفاءة في النسب لم يكن أحد من الخلق كفؤا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد زوج ابنتيه من عثمان وزوج أبا العاص بن الربيع "

حدثنا محمد بن علي، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول، ثنا الربيع، قال: سئل الشافعي عن مولى، أراد أن يتزوج عربية فقال الشافعي: «أنا عربي لا تسألوني عن هذا»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا جعفر بن أحمد بن عبد السلام الأنطاكي، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: «إذا وجدت مقدمي أهل المدينة على شيء، فلا يدخل قلبك شك أنه حق»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أحمد بن أبي رجاء، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " ما نقص من إيمان السودان إلا لضعف عقولهم: ولولا ذلك لكان لونا من الألوان من الناس من يشتهيه ويفضله على غيره "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبد الله النسائي، ثنا الربيع، قال: سأل رجل الشافعي عن سنه، فقال: " ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه، سأل رجل مالكا عن سنه فقال: أقبل على شأنك "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبد الله مكحول، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول: سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلى صفين فقال: «دماء طهر الله يدي منها، لا أحب أن ألطخ لساني بها»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «كان ابن أبي يحيى عنينا، فجاءنا ذات يوم» فقال: اطلبوا لي فأسا جديدا لم يدخل هراوته فيه، فقلنا له: «ما تصنع به؟» قال: قيل لي: إن بلت فيه نشطت للنساء

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال الشافعي لرجل: «أظنك أحمق». قال الرجل: إن أحمق ما يكون الشيخ إذا أعجب بعلمه

حدثنا محمد، ثنا محمد، قال: قال الشافعي: قال رجل للشعبي: عندي مسائل شداد خبأتها لك. فقال: «اخبئها لأخيك الشيطان»

حدثنا محمد بن يوسف بن عبد الأحد، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: «لو احتج الشافعي على هذا العمود لقصمه»

وكان الشافعي «يصنع كتابا من غدوة إلى الظهر من حفظه من غير أن يكون في يده أصل»

حدثنا محمد بن أحمد بن سهل النسائي، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: " وقف أعرابي على قوم، فقال: إني - رحمكم الله - من أبناء السبيل، وأيضا من سفر، رحم الله امرأ أعطى من سعة، وواسى من كفاف، فأعطاه رجل درهما، فقال له: آجرك الله من غير أن يسألك "

حدثنا محمد، قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن عمر الخطيب قال: سمعت أبا عبد الله العمري، يقول: سمعت الربيع، يقول: قال الشافعي: «عليك بالزهد، فالزهد على الزاهد أحسن من الحلي على الشاهد» قال الشيخ رحمه الله: كان الشافعي لضمان الله وكفالته عقولا، ولما يفيض عليه من المال لخلقه بذولا

حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الحميدي، يقول: «قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل فضرب خباءه في موضع خارجا من مكة، فكان الناس يأتونه فيه، فما برح حتى وهبها كلها»

حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: سمعت الربيع، يقول: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال: «يا ربيع أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا يحيى بن زكريا النيسابوري، قال: سمعت الربيع، يقول: كان للشافعي فرس، فباعه بستين دينارا، فقال لي: «بحقي عليك أن تبايع ابن دكين فتأخذ منه الدنانير». فقلت: إي والله أصلحك الله، فذهبت فأخذت ستين دينارا ثم جئت فقلت: هذه الدنانير، فقال: «أمسكها معك». فلما كان مجلسه انصرفت، ثم تحدث، فقال: تعقبنا معك وذهبت وتركتنا، فلما قام إلى بيته تبعته حتى دخل البيت، وقعدت على الباب، فكتب إلي رقعة: «إن رأيت أن تشتري لنا كذا وكذا» - ولم أكن أعرف من هذا شيئا - فكان هذا ابتداء أمري معه، ووافق نزول الشافعي منزله وأنا أكتب حسابه، فقال: «تفسد قراطيسك؟ والله ما نظرت لك في حساب»، وقال لي مرارا: «أنت في حل من مالي»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عمرو بن عثمان، قال: قال لي الربيع: سأل رجل الشافعي، فقال: إني رجل من أمري كيت وكيت، تأمر لي بشيء، وما كان معه يومئذ إلا دينارا، فأعطاه إياه، فقال له بعض جلسائه: هذا لو أعطيته درهما أو درهمين كان كثيرا. فقال: «إني أستحي أن يطلب مني رجل بيني وبينه معذرة فلا أعطيه»

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا عثمان بن عبد الله الدقاق، ثنا محمد بن عبيد الله المديني، حدثني أحمد بن موسى، قال محمد بن سهل الأموي، ثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: أمر الرشيد لمحمد بن إدريس الشافعي بألف دينار، فقبلها، فأمر الرشيد خادمه سراجا باتباعه، فما زال يفرقها قبضة قبضة حتى انتهى إلى خارج الدار، وما معه إلا قبضة واحدة، فدفعها إلى غلامه، وقال: انتفع بها. فأخبر سراج الرشيد، بذاك، فقال: «لهذا فرغ همه، وقوي متنه»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو الصقر زاهر بن محمد، ثنا منصور بن عبد العزيز، ثنا محمد بن إسماعيل الحميري، عن أبيه، قال: «كان محمد بن إدريس الشافعي لما أدخل على أمير المؤمنين هارون الرشيد، وناظر بشرا المريسي فقطعه خلع هارون الرشيد على الشافعي، وأمر له بخمسين ألف درهم، فانصرف إلى البيت، وليس معه شيء، قد تصدق بجميع ذلك ووصل به الناس»

حدثنا أبو الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي قال: سمعت أبا الحسين علي بن أحمد القصري يقول: حدثني بعض، شيوخنا قال: لما أشخص الشافعي إلى سر من رأى دخلها وعليه أطمار رثة، وطال شعره، فتقدم إلى مزين فاستقذره لما نظر إلى رثاثته، فقال له: تمضي إلى غيري، فاشتد على الشافعي أمره، فالتفت إلى غلام كان معه فقال: أيش معك من النفقة، قال: عشرة دنانير قال: ادفعها إلى المزين. فدفعها الغلام إليه. فولى الشافعي وهو يقول: «علي ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا وفيهن نفس لو يقاس بمثلها جميع الورى كانت أجل وأخطرا فما ضر نصل السيف إخلاق غمده إذا كان عضبا حيث أنفذته برا فإن تكن الأيام أزرت ببزتي فكم من حسام في غلاف تكسرا»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا محمد بن روح، ثنا الربيع بن سليمان، عن الشافعي، قال: " خرج هرثمة، فأقرأني سلام أمير المؤمنين هارون وقال: قد أمر لك بخمسة آلاف دينار، قال: فحمل إليه المال فدعا بحجام فأخذ من شعره فأعطاه خمسين دينارا ثم أخذ رقاعا وصر من تلك الدنانير صررا، ففرقها في القرشيين الذين هم بالحضرة، ومن هم بمكة حتى ما رجع إلى بيته إلا بأقل من مائة دينار "

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان، قال: تزوجت، فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين دينارا. قال: كم أعطيتها؟ فقلت: ستة دنانير فصعد داره، وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون دينارا "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا علي بن عثمان الخولاني، قال: سمعت المزني، يقول: " ما رأيت رجلا أكرم من الشافعي، خرجت معه ليلة عيد من المسجد، وأنا أذاكره في مسألة، حتى أتيت باب داره، فأتاه غلام بكيس، فقال: مولاي يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذا الكيس. فأخذه منه وأدخله في كمه، فأتاه رجل من الحلقة، فقال يا أبا عبد الله، ولدت امرأتي الساعة، ولا شيء عندي، فدفع إليه الكيس، وصعد وليس معه شيء "

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: " كان الشافعي أسخى الناس بما يجده، فكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولي لمحمد إذا جاء يأتي المنزل، فإني لست أتغدى حتى يجيء. فربما جئته فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية اضربي لنا فالوذجا، فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ويتغدى "

حدثنا عبد الرحمن بن محمد، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي قال: سمعت عمرو بن سواد السرجي، قال: «كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام»

وقال لي الشافعي: «أفلست من دهري ثلاثة إفلاسات، وكنت أبيع قليلي وكثيري حتى حلي ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، أخبرني أبو محمد البستي، - فيما كتب إلي - عن أبي ثور، قال: «كان الشافعي قلما يمسك الشيء من سماحته»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو بشر الدولابي، قال: سمعت الربيع، يقول: أعطاني الشافعي دراهم فقال: «يا ربيع اشتر لنا بهذه الدراهم لحما» قال: فذهبت فاشتريت سمكا. فلما رجعت قال لي الشافعي: «يا ربيع، أمرناك أن تشتري لنا لحما فاشتريت سمكا». فقلت: هكذا قضي - أو كلمة نحو هذا - فقال: «يا ربيع اليوم نأكل شهوتك، وغدا تأكل شهوتنا»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو بشر، قال: سمعت أبا عبيد الله ابن أخي ابن وهب، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " ألا تعجبون من غلامي هذا، دخلت إلى المنزل فاستقبلني وإذا على رقبته جذع، فقلت: ما هذا " فقال: يا مولاي أليس من أصل مقالتك أن من كان معه شيء فهو أحق به حتى تقام عليه البينة فيه، هذا الجذع هو في يدي فأقم البينة أنه لك قال الشافعي: «فضحكت وخليته»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال الشافعي: «أفلست من دهري ثلاث مرات، وربما أكلت التمر بالسمك»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: قرأت في كتاب داود حدثني أبو ثور، قال: الشافعي من أجود الناس وأسمحهم كفا كان يشتري الجارية الصناع التي تطبخ وتعمل الحلوى، ويشترط عليها أنه لا يقربها؛ لأنه كان عليلا لا يمكنه أن يقرب النساء في وقته ذلك، ثم يأتينا فيقول لنا: «تشهوا ما أحببتم فقد اشتريت جارية تحسن أن تعمل ما تريدون». فيقول لها بعض أصحابنا: اعملي لنا كذا وكذا. فكنا نأمرها بما نريد، وهو مسرور بذلك

حدثنا أبي، ثنا خالي أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا أبو نصر المصري، قال: سمعت محمد بن العباس يقول: سمعت إبراهيم بن بريه، يقول - وكان جليسا للشافعي -: «دخلت مع الشافعي حماما، وخرجت قبله» - وكان الشافعي طوالا جسيما نبيلا - وكان إبراهيم جسيما طوالا - فلبس إبراهيم ثياب الشافعي، ولبس الشافعي ثياب إبراهيم، والشافعي لا يعلم أنها ثياب إبراهيم، وإبراهيم لا يعلم أنها ثياب الشافعي، فانصرف الشافعي إلى منزله، فنظر فإذا هي لإبراهيم فأمر بها فطويت، وبخرت، وجعلت في منديل، ونظر إبراهيم فطواها، وجعلها في منديل، ثم راحا جميعا، فجعل الشافعي ينظر إلى إبراهيم، ويتبسم إليه، فلما صليت العصر قال إبراهيم: «أصلحك الله هذه ثيابك». فقال الشافعي وهذه ثيابك، والله لا يعود إلي منها شيء، ولا يلبسها غيرك. فأخذهما إبراهيم جميعا

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا زكريا الساجي، ثنا أحمد بن إسماعيل، قال: سمعت يحيى بن علي، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد أن لا يلحقهما بدعة»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا يحيى بن زكريا النيسابوري، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " كان أبو حاتم سخيا - يعني حاتم الطائي - وكان يضع الأشياء مواضعها، وكان حاتم مبذرا، فاجتمع يوما عند أبيه أصحابه، فشكا إليهم حاتما، فقال: والله ما أدري ما أصنع به، ما نأخذ شيئا إلا بذره. واستشار أصحابه: ما الحيلة فيه؟ قال: فاجتمع رأيهم على أن لا يعطيه سنة شيئا. قال: فقام أبوه - يعني على ذلك - قال: فذكر له عن ابنه حاتم ما هو فيه من الضر والضيقة، قال: فبعث إليه بمائة ناقة حمراء فلما وقفت عليه قال حاتم: من أخذ شيئا فهو له. فأخذوها كلها فدعاه أبوه فقال: يا بني ماذا تصنع؟ قال: والله يا أبت لقد بلغ مني الجوع شيئا لا يسألني أحد شيئا إلا أعطيته إياه " قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه له من العبادة الحظ الوافر، وفي الفكر العقل والقلب الحاضر

حدثنا محمد بن علي بن حسين، ثنا الحسن بن علي الجصاص، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: «كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة»

حدثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا الربيع بن سليمان، قال: «كان الشافعي يختم القرآن ستين ختمة»، قلت: في صلاة رمضان؟ قال: «نعم»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: قال الربيع: سمعت الشافعي، يقول: «كنت أختم في رمضان ستين مرة»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عمرو بن عثمان، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما كذبت قط، ولو كذبت كذبت في هذا». في شيء مدح به أهل المدينة أو مالك

حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن مردك، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما حلفت بالله لا صادقا ولا آثما»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: «كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء؛ الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد الشافعي، ثنا عمي إبراهيم بن محمد قال: «ما رأيت أحدا أحسن صلاة من محمد بن إدريس الشافعي وذلك أنه أخذ من مسلم بن خالد الزنجي وأخذ مسلم من ابن جريج وأخذ ابن جريج من عطاء وأخذ عطاء من عبد الله بن الزبير، وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذ أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل عليه السلام»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا أبو الحديد عبد الوهاب بن سعد، حدثني عباس بن محمد، المصري، ثنا أبو الربيع سليمان بن داود. قال: كان الشافعي إذا حدث كأنما، يقرأ سورة من القرآن، وكان فصيحا، فمرض مرضا شديدا، فقال: «اللهم إن كان هذا لك رضى فزد». فبلغ ذلك إدريس بن يحيى الخولاني، فبعث إليه يا أبا عبد الله، لست أنا ولا أنت من رجال البلاء. قال: فبعث إليه: «يا أبا عمرو ادع الله لي بالعافية»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا جعفر بن أحمد بن عبد السلام الأنطاكي، ثنا يونس ح. وحدثنا محمد بن المظفر، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القاضي قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سئل الشافعي عن مسألة، وأنا حاضر، فقال: «يا يونس أجب فيها». فقلت: إياك سأل، أصلحك الله. قال: «أجب فيها». قلت: يلتمس منك الجواب، إن الجواب فيها بعيد، غير أني أعد له عدة، وأكره أن أجيب عن مسألة، فيقال لي: من أين قلت؟ فأسكت. أو تكلم كلاما نحوه

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا عبد الله بن محمد، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: «كان الشافعي يكلمنا بقدر ما نفهم عنه، ولو كلمنا بحسب فهمه ما عقلنا عنه»

حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا هارون بن سعيد الإيلي، قال: قال لنا الشافعي: «أخذت الكتان سنة للحفظ فأعقبني صب الدم»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: سمعت زكريا بن يحيى ابن أخت البلخي، ثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي، يقول: " شيئان أغفلهما الناس: النظر في الطب، والنظر في النجوم "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي بن أبي الصفير، ثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: لما حضرت الحطيئة الوفاة قيل له: أوص، قال: «أوصي المساكين بالمسألة»، قيل له: أوص في مالك. قال: «مالي للذكور دون الإناث»، قيل: ليس هذا قضاء الله، قال: «لكني أقوله» ثم قال: «احملوني على حمار، فإنه من يموت عليه كريم»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا صالح بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن سوار النسوي، قال: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إذا ربطت كتابا فاربطه في اليمين فإنه لو رام رجل حله كان أصعب عليه»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن محمد بن يزيد، ثنا أبو طاهر، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «لم أر أنفع للوباء من التسبيح»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " وقف أعرابي على عبد الملك بن مروان فسلم، ثم قال: رحمك الله، مرت بنا سنون ثلاث أما إحداها فأهلكت المواشي، وأما الثانية فأنضبت اللحم، وأما الثالثة فخلصت إلىالعظم، وعندك مال فإن كان لله فأعط عباد الله، وإن كان لك فتصدق، فإن الله يجزي المتصدقين. قال فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال: لو كان الناس يحسنون يسألون هكذا ما حرمنا أحدا "

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو الحسن البغدادي، ثنا ابن صاعد، قال: سمعت الشافعي، يقول: «أسس التصوف على الكسل»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا نوح بن منصور، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «القول يزيد في الدماغ، والدماغ من العقل»

حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «الجمعة فريضة على كل مسلم والسعي فريضة. والله سبحانه وتعالى أعلم»

أخبرنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن داود، ثنا ابن روح، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إن شاء الله قوم باليمن يشق أحدهم لحمه ثم يرده فيلتئم من ساعته. ويقال إن غذاء أولئك اللبان»

حدثنا أبو محمد، ثنا عبد الرحمن، ثنا إبراهيم بن فيحون، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: قال الشافعي: «رأيت باليمن بنات يحضن كثيرا»

قال محمد وكنت عند الشافعي فجاءه رجل فقال: ألا تعجب من قول المدنيين في أصبع عشر، وفي أصبعين عشرون، وفي ثلاث ثلاثون وفي أربع أربعون؟ فقال: «ما يثبته عندي شيء إلا هذا؛ لأني أعلم أن هذا ليس مما يأخذه العباد بعقولهم». قال محمد: على أنه لم يكن يقول به

قال الشافعي: «وروى عني رجل بالعراق أني أحل الغناء في الصلاة». قال: «فلقيت الرجل فسألته عن روايته عني»، فقال: نعم أنت تقول في رجل سلم من اثنتين ساهيا فتغنى أنه في صلاة يتمها، لا يفسدها، قال الشافعي قلت: «فيجوز لي أن أروي عنك أنك تقول لا بأس بأن تسلم من كل ركعتين عامدا»

حدثنا أبو محمد، ثنا عبد الرحمن، ثنا إبراهيم بن فيحون، ثنا ابن عبد الحكم، أخبرني الشافعي، قال: «نزل قوم بامرأة من أهل اليمن، فجعلت تخرج لهم شيئا» قال: قال أبو عبد الله: فقلنا لها: إن معنا شيئا، قالت: فما تريدون؟ تنزلون عندي، وتأكلون طعامكم؟ لا كان هذا أبدا، والله لو فعلتم هذا لترون متاعكم في الصحراء

قال: وسمعت الشافعي يقول: " أوى الليل رجلا إلى خباء امرأة فأضاف بها فإذا هو برجل قد أقبل معه شاة له فلما رآه قال لها: ما هذا قالت: ضيف . قال: فحلب الشاة وجاءنا به، وبشيء من طعام. وقال: وما أظنه إلا فلوا، وما نال الأعرابي في تلك الليلة من الجهد "

حدثنا أبو محمد، ثنا عبد الرحمن، ثنا إبراهيم بن فيحون، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " لما قتل عبد الله بن الزبير وجد في تابوت له حق وفتح، فإذا فيه بطاقة مكتوب فيها: إذا غاض الكرم غيضا، وفاض اللئام فيضا، وكان الشتاء قيظا، وكان الولد غيظا، فاغبر غبر في جبل وعر، خير من ملك بني النضير "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: سأل رجلا سؤال يعجبك، أو يعجبك؟ فقال له الشافعي: «قد صحت عندك الأولى، حتى تشك في الآخرة، وهو بسؤالك يعجبك»

حدثنا أبو محمد، ثنا عبد الرحمن، ثنا إبراهيم، قال: سمعت المزني، يقول: " سمع رجل رجلا يمدح أخا له فقال: إن كان ليملأ العين جمالا، والأذن بيانا. فقال له رجل: أعد علي يرحمك الله، قال: نعم أعيد عليك من غير تهاتر مني، ولا نكاية لك ولا تزكية له "

قال: وسمعت الشافعي يقول: «ما أحد ينجم إلا له من يمدح ويذم. فإذا لم يكن بد فكن من أهل طاعة الله»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبد الله النسائي، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: " وقف أعرابي على ربيعة وهو يسجع في كلامه فأعجب ربيعة كلام نفسه فقال: يا أعرابي ما تعدون البلاغة فيكم؟ فقال: خلاف ما كنت فيه منذ اليوم "

قال: وسمعت الشافعي يقول: «كان ربيعة يلحن في كلامه»

قال وسمعت الشافعي يقول: «من ضحك منه في مسبة لم يسبها»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبد الله النسائي، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «إذا رأت العامة الرجل يناظر الرجل فأعلى صوته وجعل يضحك منه فصب له بالقلة»

قال: وسمعت الشافعي يقول: في ذكر هؤلاء القوم الذين يبكون عند القراءة فقال: " قرأ رجل وإنسان حاضر {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} [محمد: 4] فجعل الرجل يبكي، فقيل له: يا بغيض، أهذا موضع البكاء؟ "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي بن أبي الصفير، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول لابن مقلاص: «يا أبا علي، أتريد أن تحفظ الحديث، وتكون فقيها؟ هيهات ما أبعدك من ذلك»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال سمعت محمد بن يحيى بن آدم، ح وحدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي، قالا: ثنا الربيع، قال: رأيت الشافعي وجاءه رجل يسأله مسألة فقال: «من أهل صنعاء أنت؟» قال: نعم قال: «فلعلك حداد؟» قال: نعم قال: وجاءه رجل من أهل مصر يوم الجمعة عليه ثياب الجمعة يسأله عن مسألة فقال له: «أنت نساج؟» فقال: عندي أجراء

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال سمعت أبا بكر محمد بن بشر بن عبد الله العكبري المصري قال سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كنت عند الشافعي أنا والمزني، وأبو يعقوب البويطي، فنظر إلينا فقال لي: «أنت تموت في التحديث». وقال للمزني: «هذا لو ناظر الشيطان قطعه أو جدله». وقال لأبي يعقوب: «أنت تموت في الحديد»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا أبو نصر المصري، ثنا سعيد بن عمر، والبردعي، حدثني محمد بن إبراهيم البوشنجي، قال: سمعت قتيبة بن سعيد، يقول: سمعت الحميدي، يقول: كنت مع الشافعي ومحمد بن الحسن يتفرسان الناس فمر رجل فقال محمد بن الحسن للشافعي: أحرز. فقال الشافعي: " قد رابني أمره، إما أن يكون نجارا أو خياطا. قال الحميدي: فقمت إليه فقلت: ما حرفة الرجل؟ فقال: كنت نجارا وأنا اليوم خياط

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي بن أبي الصفير، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال سمعت الشافعي، يقول: «ليس العاقل الذي يدفع بين الخير والشر فيختار الخير، ولكن العاقل الذي يدفع بين الشرين فيختار أيسرهما»

حدثنا أحمد، ثنا محمد، ثنا الربيع، ح وحدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى بن آدم، ثنا الربيع، قال: اشتريت للشافعي طيبا بدينار فقال لي: «ممن اشتريت؟» فقلت: من الرجل العطار الذي هو قبالة الميضأة. قال: «من؟» قلت: الأشقر الأزرق. قال: " أشقر أزرق؟ قلت: نعم. قال: «اذهب فرده»

حدثنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا موسى الفارسي، قال: سمعت إسحاق بن أبي عمران الشافعي، يقول: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: وأنا أشتري له يوما طيبا، فوقع فيه كلام، فقال: «ممن اشتريت هذا الطيب ما صفته؟» قالوا: أشقر. قال: «ردوه، وما جاءني خير قط من أشقر»

قال الشافعي: «ومن كان ذا عاهة في بدنه فاحذروه»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عمر بن عثمان بن الحارث المصيصي، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «الكوسج خبيث والأزرق خبيث»

حدثنا محمد، ثنا عمر، قال: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي: «دخلت العراق؟» قلت: لا. قال: «ما رأيت الدنيا»

حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال سمعت أبا بكر الخلال، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «العلم مروءة من لا مروءة له»

حدثنا أحمد، قال: سمعت أبا بكر، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «لولا أن الله عز وجل أعان على غرامة الصبيان لمحابة المؤذنين. . . ما انكسرت»

حدثنا أحمد، قال: سمعت أبا بكر، يقول: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه»

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا أبو نصر، قال: سمعت المزني، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " خرجنا من مكة في سنة جدباء، فلما صرنا في بعض الطريق عارضنا رجل على جمل فقلنا: من يقوم إليه فيسأله عن عيالنا؟ فقام إليه رجل ممن كان في الرحل معنا، فلم يلبث إلا يسيرا ثم جاء إلينا فجعل يحدثنا عنه بكلام كثير، فقلنا: حدثك الرجل بكلام يسير وأنت تحدثنا منذ اليوم فقال: حدثني بالأصل وجئتكم بالتفسير "

حدثنا أبي، ثنا أحمد، ثنا أبو نصر، حدثني أسد بن عفير، قال: سمعت الشافعي، يقول: كان حماد البربري واليا علينا بمكة فزادوه اليمن فقلت لأمي: ما ندري وما أملي لهذا الرجل، ولي مكة وزيد اليمن. فقالت: يا بني إن الحجر إذا سما كان أشد سقوطا. فقلت: يا أمه. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تصير للكع ابن لكع». فقالت: يا بني وأين لكع ابن لكع؟ رحم الله لكع ابن لكع منذ زمن طويل

حدثنا أبي، ثنا أبو نصر، قال: سمعت أبا عبد الله ابن أخي وهب يقول: سمعت الشافعي، يقول: «

[البحر الوافر]

وأنطقت الدراهم بعد صمت ... أناسا بعد ما كانوا سكوتا

فما عطفوا على أحد بفضل ... ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت إبراهيم بن ميمون الصواف، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» إنه ليس أن يستغني به، ولكنه يقرؤه حذرا وتحزينا

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري، ثنا يحيى بن أيوب العلاف، قال: سمعت بعض أصحابنا، قال القشيري: أظنه حرملة، قال: سمعت الشافعي يقول: " من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته، يقول الله عز وجل في كتابه: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال سمعت أحمد بن محمد بن الحارث القتات، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «ما رأينا سمينا عاقلا إلا رجلا واحدا»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا الفضل بن محمد الجندي، ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، قال: سمعت ابن إدريس الشافعي، يقول: قال ابن عباس لرجل: «أي شيء هذا؟» فأخبره، قال: ثم أراه شيئا أبعد منه فقال: «أي شيء هذا؟» قال: انقطع الطرف دونه. قال: «فكما جعل لطرفك حد ينتهي إليه، كذلك جعل لعقلك حد ينتهي إليه»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن ريان، ومحمد بن يحيى بن آدم، قالا: ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «القول يزيد في الدماغ والدماغ من العقل»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أبو الحسن بن القتات، ثنا محمد بن أبي يحيى، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول: «لولا أن رجلا عاقلا تصوف لم يأت الظهر حتى يصير أحمق»

قال وسمعته يقول: «رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم أر مثلها قط، رأيت رجلا فلس في مد من نوى، فلسه القاضي، ورأيت رجلا له سن شيخ كبير خضيب يدور على بيوت القيان ماشيا يعلمهم الغناء، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا. ورأيت رجلا أعسر يكتب بشماله وهو يسبق من يكتب بيمينه»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: «يقول الناس ما العراق وما في الدنيا مثل مصر للرجال، لقد قدمت مصر وأنا مثل الصبي ما أتحرك» فما برح من مصر حتى ولد له من جاريته دنانير أبو الحسن. وتزوج الشافعي امرأة زهرية بنت أبي زرارة الزهري. ثم إنه طلقها بعد أن دخل بها

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا أبو رافع أسامة بن علي بن سعيد، ثنا علي بن عمرو الأفريقي، قال: سمعت أبا عثمان بن محمد بن إدريس الشافعي، يقول: سمعت أبي يقول: «العدالة بمصر خير من قضاء بلد من البلدان»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سياه، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح، ثنا إبراهيم بن زياد الأيلي، قال: سمعت البويطي، يقول: «قدم علينا الشافعي مصر فكانت زبيدة ترسل إليه برزم الوشي والثياب فيقسمها الشافعي بين الناس»

حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، ثنا أبو تراب محمد بن سهل الطوسي، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «العلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أبو الفضل محمد بن هارون بن أسباط، ثنا علي بن عثمان، قال سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " شيئان أغفلهما الناس: النظر في الطب، والعناية بالنجوم "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أبو بكر محمد بن رمضان الزيات، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، يقول: «عجبا لمن يدخل الحمام ثم لا يأكل كيف يعيش. وعجبا لمن يحتجم ثم يأكل من ساعته كيف يعيش»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن يحيى بن آدم الخولاني، ثنا يحيى بن عثمان، ثنا حرملة، قال سمعت الشافعي، يقول: «عجبا لمن تعشى بالبيض المسلوق فنام عليه كيف لا يموت. أو كما قال»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن محمد بن سهل السباي، ثنا الربيع، قال: سمعت الشافعي، يقول: «ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه، إلا محمد بن الحسن»

حدثنا أبو عمرو بن حمدان، قال سمعت الحسن بن سفيان، يقول: سمعت حرملة بن يحيى، يقول: سمعت الشافعي، يقول في رجل يضع في فمه ثمرة فيقول لامرأته أنت طالق إن أكلتها أو طرحتها، قال: «يأكل نصفها ويطرح نصفها»

حدثنا عثمان بن محمد بن عثمان العثماني، ثنا محمد بن إبراهيم الديباجي، ثنا محمد بن سعيد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن عقيل، حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ذاكرت الشافعي يوما بحديث وأنا غلام، فقال: «من حدثك به؟» قلت: أنت. قال: «في أي كتاب؟» قلت: كتاب كذا وكذا. فقال: «ما حدثتك به من شيء فهو كما حدثتك، وإياك والرواية عن الأحياء»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، قال: سمعت أبا القاسم الزيات، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن غضب فاسترضي فلم يرض فهو حمار»

حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال: سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت عمر بن فهد يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان»

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا أحمد بن سلمة بن عبد الله النيسابوري، قال: قال أبو بكر وراق الحميدي، قال: سمعت الحميدي، يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: «خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما حان انصرافي مررت على رجل في الطريق وهو محتب بفناء داره، أزرق العين ناتئ الجبهة سناط»، فقلت له: «هل من منزل؟» فقال: نعم. قال الشافعي: " وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة، فأنزلني فرأيته أكرم ما يكون من رجل، بعث إلي بعشاء وطيب وعلف لدابتي وفراش ولحاف فجعلت أتقلب الليل أجمع، ما أصنع بهذه الكتب إذا رأيت النعت في هذا الرجل؟ فرأيت أكرم رجل فقلت: أرمي بهذه الكتب فلما أصبحت قلت للغلام: أسرج، فأسرج فركبت ومررت عليه وقلت له: إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فاسأل عن محمد بن إدريس الشافعي ". فقال لي الرجل: أمولى لأبيك أنا؟ قال: قلت: «لا». قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟ فقلت: «لا». فقال: أين ما تكلفته لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعاما بدرهمين، وإداما بكذا وكذا، وعطرا بثلاثة دراهم، وعلفا لدابتك بدرهمين. وكراء الفرش واللحاف درهمان. قال: قلت: «يا غلام أعطه». فهل بقي من شيء؟ قال: كراء البيت فإني قد وسعت عليك وضيقت على نفسي. قال الشافعي: " فغبطت بتلك الكتب. فقلت له بعد ذلك: هل بقي لك من شيء " قال: امض أخزاك الله، فما رأيت قط شرا منك

حدثنا عبد الرحمن بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أبي، ثنا حرملة، قال سمعت الشافعي، يقول: «احذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والأشقر والكوسج وكل من به عاهة في بدنه، وكل ناقص الخلق فاحذره فإن فيه التواء ومخالطته معسرة». وقال الشافعي مرة أخرى: «فإنهم أصحاب خبث» قال أبو محمد بن أبي حاتم: إذا كانت ولادتهم بهذه الحالة، فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل وكان في الأصل صحيح التركيب لم تضر مخالطته

حدثنا عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: سمعت الشافعي، يقول: «إذا رأيتم الكتاب فيه إصلاح وإلحاق فاشهدوا له بالصحة»

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، ثنا أبي حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «إذا أردت أن تعرف، الرجل أكاتب هو؟ فانظر أين يضع دواته، فإن وضعها عن شماله أو بين يديه فاعلم أنه ليس بكاتب»

حدثنا أبي، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا أبو نصر المصري، ثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: دخل رجل من بني كنانة على معاوية بن أبي سفيان فقال له: هل شهدت بدرا؟ قال: «نعم». قال: مثل من كنت؟ قال: «غلام قمدود مثل عطباء الجلمود» قال: فحدثني ما رأيت وحضرت. قال: «ما كنا إلا شهودا كأغياب، وما رأينا ظفرا كان أوشك منه». قال: فصف لي ما رأيت. قال: «رأيت في سرعان الناس علي بن أبي طالب غلاما شابا ليثا عبقريا يفري الفرى، لا يثبت له أحد إلا قتله، ولا يضرب شيئا إلا هتكه، لم أر من الناس أحدا قط أنفق منه، يحمل حملة، ويلتفت التفاتة كأنه ثعلب زواغ، وكأن له عينين في قفاه، وكأن وثوبه وثوب وحش يتبعه رجل، معلم بريش نعامة كأنه جمل يحطم يبسا، ولا يستقبل شيئا إلا هده، ولا يثبت له شيء إلا ثكلته أمه، شجاع أبله، يحمل بين يديه ولا يلتفت وراءه». قيل هذا حمزة بن عبد المطلب عم محمد صلى الله عليه وسلم. قال: «فرأيت ماذا؟» قال: رأيت ما وصفت لك، ورأيت جدك عتبة وخالك الوليد حين قتلا، ورأيت ما وصفت لمن حضر من أهلك لم يعفوا عنه. قال: فكنت في المنهزمين؟ قال: نعم ما انهزمت عشيرتك فأنى كنت منهم؟ قال: لما انهزمت كنت في سرعانهم، قال: فأين رحت؟ قال: " ما رحت حتى نظرت إلى الهضاب، قال: لقد أحسنت الهرب قال: فعلي ما احتسبه أبوك وبعده ما اتعظت بمصرع كمصرع جدك وخالك وأخيك. قال: «إنك لغليظ الكلام» قال: إني ممن يفر، قال: «إنكم تبغضون قريشا». قال: أما من كان منهم أهله فنبغضه. قال: «ومن الذين هم أهله؟» قال: من قطع القرابة واستأثر بالفيء وطلب الحق، فلما أعطيه منعه. قال: ما فيكم خير من أن يسكت عنك. قال: ذاك إليك، قال: قد فعلت. قال: «قد سكت»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، قال: سمعت أبا القاسم الزيات، يقول: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصنعها إلى من يتقي العار»

قال: وسمعت الشافعي يقول: «ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه»

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، قال: سمعت محمد بن زغبة، يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: " كتب حكيم إلى حكيم: يا أخي قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم "

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا محمد بن زغبة، سمعت يونس بن عبد الأعلى، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه، ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل شينا أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا أحمد بن محمد بن الحارث، وإبراهيم بن ميمون الصواف، قالا: ثنا محمد بن إبراهيم بن جناد، ثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: «خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التعبير، يشتغلون به عن القرآن»

حدثنا الحسن بن سعيد، ثنا زكريا الساجي، ثنا الحسن بن محمد البجلي، قال: سمعت الحسن بن إدريس الحلواني، قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي، يقول: «ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن». قيل له: ولم؟ قال: «لأن العاقل لا يخلو من إحدى خلتين، إما أن يغتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه ومعاشه، والشحم مع الغم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم فيعقد الشحم»

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد، ثنا محمد بن سعيد بن محمد الطحان، بواسط ثنا الحارث بن محمد، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، قال: سمعت يحيى بن زكريا، يحكي عن محمد بن إدريس الشافعي، قال: بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف: «ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه فعب نفسك، ولا تخبئ منها شيئا». فقال: يا أمير المؤمنين، هو لحوح حقود حسود. فقال له عبد الملك: «إذا بينك وبين الشيطان نسب». فقال: يا أمير المؤمنين إن الشيطان إذا رآني سالمني

قال: ثم قال الشافعي: «الحسد إنما يكون من لؤم العنصر، وتعادي الطبائع، واختلاف التركيب، وفساد مزاج البنية، وضعف عقد العقل. الحاسد طويل الحسرات عادم الدرجات»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن القاسم الصابوني البغدادي، ثنا محمد بن الحسن بن سماعة، ثنا نهشل بن كثير، عن أبيه، كثير قال: أدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين، ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد. فقال سراج للشافعي: يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين، وهو مؤدبهم، فلو أوصيته بهم. فأقبل الشافعي على أبي عبد الصمد فقال له: «ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته. علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت محمد بن بشر الإبيري، يقول: سمعت الربيع، يقول: كنت عند الشافعي، فجاء رجل فكلمه بكلام فأنشأ الشافعي يقول: «

[البحر الطويل]

جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون»

حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي، قال: سمعت عبد الله بن سندة بن الوليد، يحكي عن بحر بن نصر قال قيل للشافعي: الناس يقولون إنك شيعي، فقال: " ما مثلي ومثلهم إلا كما قال نصيب الشاعر:

[البحر الطويل]

وما زال كتمانيك حتى كأنني ... لرجع جواب السائلي عنك أعجم

لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم "

 

ثم قال: «ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر إلى ما يصلح دينك فالزمه»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبي رجاء، ثنا الربيع بن سليمان، قال: كتب إلي البويطي، وهو في السجن: " حسن خلقك مع الغرباء، ووطن نفسك لهم؛ فإني كثيرا ما سمعت الشافعي، وهو يقول:

[البحر الطويل]

أهين لهم نفسي وأكرمها بهم ... ولا تكرم النفس التي لا تهينها "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني أحمد بن محمد بن الحارث بن القتات المصري، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول كتب إلى البويطي: " أن انصب نفسك للغرباء، وأحسن خلقك لأهل خاصتك؛ فإني كثيرا ما كنت أسمع الشافعي يتمثل بهذا البيت:

[البحر الطويل]

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها

وأنا أظن، أن هذا آخر كتاب أكتب إليك، وذلك أنك قد كتبت المؤامرة أن أدخل على أمير المؤمنين، فإن دخلت عليه صدقته والناس كلهم مني في حل إلا رجلين: خويلدا ورجلا آخر "

حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا الربيع، قال: كتب إلي أبو يعقوب البويطي، وهو في المطبق يسألني أن أصبر نفسي للغرباء ممن يسمع كتب الشافعي، ويسألني أن أحسن خلقي لأصحابنا الذين في الحلقة والاحتمال منهم، ويقول: " لم أزل أسمع الشافعي كثيرا يردد هذا البيت:

[البحر الطويل]

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله، قال: سمعت الشافعي، يقول: " تزوج رجل امرأة، له قديمة. قال: وكانت جارية الجديدة تمر بباب القديمة، فتقول:

[البحر الطويل]

وما تستوي الرجلان رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت

ثم تمر بها، فتقول أيضا:

وما يستوي الثوبان ثوب به البلى ... وثوب بأيدي البائعين جديد "

حدثنا أبو محمد بن أبي حاتم، ثنا الربيع بن سليمان، قال: قال الشافعي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه «نهى أن يستنجي بالروث والرمة» فقال: الرمة هي العظم. وروى هذا البيت:

[البحر الطويل]

أما عظامها فرم ... وأما لحمها فصليب

حدثنا عبد الرحمن، ثنا أبو محمد، قال: قال الربيع: سئل الشافعي عن اللماس، فقال: " هو اللمس باليد ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة. والملامسة أن يلمس الثوب بيده ويشتريه، ولا يقلب، قال الشافعي: قال الشاعر:

[البحر الطويل]

لمست بكفي كفه طلب الغنى ... ولم أدر أن الجود من كفه يعدي

فلا أنا منه مما أفاد ذوو الغنى ... أفدت وأعداني فأتلفت ما عندي "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا الحسين بن محمد بن غوث الدمشقي، قال: سمعت المزني، يقول: كلم الشافعي في بعض ما يراد منه فأنشأ يقول: «

[البحر الكامل]

ولقد بلوتك وابتليت خليقتي ... ولقد كفاك معلما تعليمي»

حدثنا محمد بن إبراهيم، قال حدث شعيب بن محمد الدبيلي، قال: أنشدنا الربيع عن الشافعي: «

[البحر البسيط]

ليت الكلاب لنا كانت مجاورة ... وليتنا لا نرى مما نرى أحدا

إن الكلاب لتهدأ في مواطنها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا

فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تبقى سعيدا إذا ما كنت منفردا»

حدثنا أبو بكر أحمد بن القاسم البروجردي قال: أملى علينا الزبير بن عبد الواحد قال: حدثني أبو بكر محمد بن مطير بمصر، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «

[البحر البسيط]

ليت الكلاب لنا كانت مجاورة ... وأننا لا نرى مما نرى أحدا

إن الكلاب لتهدأ في مرابضها ... والناس ليس بهاد شرهم أبدا

فانجع بنفسك واستأنس بوحدتها ... تبقى سعيدا إذا ما كنت منفردا»

حدثنا أحمد بن القاسم، قال: أملى علينا الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت الحسن بن سفيان، يقول: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «

[البحر الطويل]

 

تمنى رجال أن أموت، وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذي يبقي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد»

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبد الله السبئي، ثنا هارون بن سعيد الأيلي، قال: قيل لسفيان - وذكر حديثا - إن مالكا يخالفك في إسناد هذا الحديث فقال سفيان: " رحم الله مالكا ما أنا من مالك إلا كما قال الشاعر:

[البحر البسيط]

وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس "

حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر، ثنا أبو زرارة الحراني، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: كنت عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة فقرأها، ووقع فيها، ومضى الرجل فتبعته إلى باب المسجد فقلت: والله لا تفوتني فتيا الشافعي فأخذت الرقعة من يده، فوجدت فيها:

[البحر الطويل]

سل العالم المكي هل من تزاور ... وضمة مشتاق الفؤاد جناح

فإذا قد وقع الشافعي: «

[البحر الطويل]

فقلت معاذ الله أن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بهن جراح»

قال الربيع: فأنكرت على الشافعي أن يفتي لحدث بمثل هذا فقلت: يا أبا عبد الله، تفتي بمثل هذا شابا؟ فقال لي: «يا أبا محمد هذا رجل هاشمي قد عرس في هذا الشهر - يعني شهر رمضان - وهو حدث السن، فسأل هل عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء فأفتيته بهذه الفتيا» قال الربيع: فتبعت الشاب، فسألته عن حاله، فذكر لي أنه مثل ما قال الشافعي، فما رأيت فراسة أحسن منها

حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن سهل بن مهران، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: حضرت مجلس الشافعي، فجاءه غلام كأنه غصن بان فناوله رقعة فضحك الشافعي لما أجابه عنها، وضحك الغلام كذلك لما تناول الرقعة فتعجبت منه فتبعته - يعني الغلام - فأقسمت عليه أن يرينيها، فأرانيها فإذا سطران مكتوبان في السطر الأول:

[البحر الطويل]

سل الفتى المكي هل من تزاور ... وقبلة مشتاق الفؤاد جناح

 

فأجاب الشافعي في السطر الثاني: «

[البحر الطويل]

أقول معاذ الله أن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بهن جراح»

سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن عبيد الله البيضاوي المقرئ قال: سمعت أبا عبد الله المأموني، يقول: سمعت أبا حيان النيسابوري، يقول: بلغني أن عباسا الأزرق دخل على الشافعي يوما فقال: يا أبا عبد الله قد قلت أبياتا إن أنت أجزتني بمثلها لأتوبن أن لا أقول شعرا أبدا. فقال له الشافعي. . . .

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني محمد بن أحمد أبو بكر المالكي، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال «ما كنت أذكر للشافعي قصيدة إلا ربما أنشدنيها من أولها إلى آخرها»

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني خلف بن الفضل، حدثني محمد بن صالح الترمذي، قال: سمعت يحيى بن أكثم، يقول: كان الشافعي عالما بشعر هذيل فذاكرت به بعض أهل الأدب بفارس فقال لي: قال الشافعي: «حفظت شعر الهذليين ورجلي على القتب»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن رمضان بن شاكر، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنا الشافعي، قال: كان عمر بن الخطاب على راحلة فرفعت رجلا ووضعت يدا ورفعت أخرى، فأعجبه مشيها فأنشأ يقول: "

[البحر البسيط]

كأن راكبها غصن بمروحة ... إذا تدلت به أو شارب ثمل

ثم قال: الله أكبر الله أكبر "

حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا يوسف بن عبد الأحد، قال: قلت للمزني معنى قول الشافعي: يتروح الرجل ببيتين من الشعر، ما هما، فأنشدني: «

[البحر الوافر]

يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني ابن يحيى بن آدم، ثنا محمد بن عبد الله، أنبأنا الشافعي، قال: وقف ابن الزبير في حرمه التي كانت، وإذا ساقية معلقة فقال: " يا صاحب الساقية:

[البحر البسيط]

 

إن كنت ساقية يوما على كرم ... فاسق الفوارس من ذهل بن شيبانا "

قال محمد: الساقية يبرد عليها الماء في السواقل

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن رمضان، أخبرنا محمد بن عبد الله، قال: سمعت الشافعي، يقول لما أنشدت ضباعة بنت فلان القيسي:

[البحر الوافر]

ألم يحزنك أن جبال قيس ... وثعلب قد تباينت انقطاعا

قال: «أطال الله إذا حزنها»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا عبد الله بن إسحاق بن معمر الجوهري، أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي، قال: «لما طعن يزيد بن المهلب رجلا من الخوارج، فصرعه» قال: فوثب الخارجي بالسيف أو بالرمح - الشك من محمد - وهو يقول:

[البحر الطويل]

وإنا لقوم ما تعود حينا ... إذا ما التقينا أن نحيد وننفرا

وننكر يوم الروع ألوان حينا ... من الطعن حتى يحسب الجون أشقرا

وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن نغفرا

قال يزيد: فكرهت أن أقتل مثله فانصرفت عنه

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر أبو الحسن البغدادي، قال: سمعت أبا علي بن الصغير، بمصر يقول: سمعت المزني، يقول: قدم الشافعي بعض قدماته من مكة فخرج إخوان له يتلقونه، وإذا هو قد نزل منزلا، وإلى جانبه رجل جالس، وفي حجره عدد فلما فرغوا من السلام عليه قالوا له: يا أبا عبد الله، أنت في مثل هذا المكان؟ فأنشأ يقول: «

[البحر الطويل]

وأنزلني طول النوى دار عونة ... مجاورتي من ليس مثلي يشاكله

تحملته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله»

حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني أبو بكر السبائي، قال: سمعت بعض، مشايخنا يحكي أن الشافعي، عابه بعض الناس؛ لفرط ميله إلى أهل البيت، وشدة محبته لهم، إلى أن نسبه إلى الرفض، فأنشأ الشافعي في ذلك يقول: «

[البحر الكامل]

قف بالمحصب من منى فاهتف بها ... واهتف بقاعد خيفها والناهض

 

إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي»

أخبرنا عثمان بن محمد العثماني، وحدثني عنه أبو محمد بن حيان، ثنا أبو علي النيسابوري، ببغداد، حدثني بعض، أصحابنا أن محمد بن إدريس الشافعي، لما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك، وأقبلوا عليه فابتدأ يخالف أصحاب مالك في مسائل، فتنكروا له، وحصروه، فأنشأ يقول: «

[البحر الطويل]

أأنثر درا وسط سارحة النعم ... أأنظم منثورا لراعية الغنم

لعمري لئن ضيعت في شر بلدة ... فلست مضيعا بينهم غرر الحكم

فإن فرج الله اللطيف بلطفه ... وصادفت أهلا للعلوم وللحكم

بثثت مفيدا واستفدت وداده ... وإلا فمكنون لدي ومنكتم

فمن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم»

حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر بن معدان، قال: سمعت الربيع، يقول: سمعت الشافعي، يقول: «

[البحر الكامل]

أليس شديدا أن تحـ ... ـب فلا يحبك من تحبه»

فقالت لي الجارية:

[البحر الكامل]

ويصد عنك بوجهه ... وتلح أنت فلا تغبه

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، حدثني جعفر بن أحمد بن يحيى الخولاني، ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، وقد كتبت بهذا الشعر إلى رجل من قيس في سبب ابن هرم حين اختلفوا: «

[البحر الطويل]

جزى الله عنا جعفرا حين أبلغت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لاقوه منا لملت»

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرني محمد بن يحيى بن آدم، قال قرئ على محمد بن عبد الله، وأنا أسمع، قال محمد بن إدريس الشافعي: أخبرني بعض أهل العلم، أن أبا بكر الصديق قال: " ما وجدت لهذا الحق من الأنصار مثلا إلا ما قال الطفيل الغنوي:

[البحر الطويل]

جزى الله عنا جعفرا حين أسرفت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت

 

أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لاقوه منا لملت

هم خلطونا بالنفوس وبالجوى ... إلى حجرات آزفات أظلت "

حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت محمد بن بشر العكبري، يقول: سمعت الربيع بن سليمان، يقول قال الشافعي: «

[البحر الطويل]

على كل حال أنت بالفضل آخذ ... وما الفضل إلا للذي يتفضل»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب، ثنا أبو حاتم، ثنا حرملة، قال: سمعت الشافعي، يقول: «

[البحر الكامل]

ودع الذين إذا أتوك تنسكوا ... وإذا خلوا فهم ذئاب خراف»

حدثنا أبي رحمه الله، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا أبو نصر المصري، ثنا وفاء بن سهيل بن أبي سحرة الكندي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: ذكروا أن معاوية بن أبي سفيان، اعتمر، فلما قضى عمرته وانصرف بالأبواء، فاطلع في بئرها العادية، فضربته اللقوة، فاعتم بعمامة سوداء أسبلها على شقه ثم استوى جالسا فأذن للناس فدخلوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد، فإن ابن آدم يعرض للبلاء ليؤجر، ويعاقب بذنب، أو يعتب ليعتب، ولستم مخلوا من واحدة من ثلاث، فإن ابتليت فقد ابتلي الصالحون قبلي، وأرجو أن أكون منهم، وإن عوفيت فقد عوفي الصالحون قبلي، وما آمن أن أكون منهم، وإن مرض عضو مني فما أحصي صحتي، وما عوفيت منه أطول. أنا اليوم ابن ستين سنة فرحم الله عبدا دعا لي بالعافية، فوالله لئن عتب علي بعض خاصتكم فإني لحدث على عامتكم». ثم بكى، فارتفع الناس عنه، فقال له مروان بن الحكم: ما يبكيك يا أمير المؤمنين قال: «وقفت والله عما كنت عليه عروفا، وكثر الدمع في عيني، وابتليت في أحبتي، وما يبدو مني، ولولا هواي في يزيد ابني لانصرف قصدي». فلما اشتد وجعه كتب إلى ابنه يزيد: «أدركني»، وسرج له البريد. قال: فخرج يزيد وهو يقول:

[البحر البسيط]

جاء البريد بقرطاس يحث به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قالوا الخليفة أمسى مثقلا وجعا

 

فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأنما مضر أركانها انقلعا

ثم انبعثنا إلى خوص مزممة ... نرمي العجاج بها لا نأتلي سرعا

فما نبالي إذا بلغن أرجلنا ... ما يأت منهن بالمرماة أو طلعا

أودى ابن هند وأودى المجد يتبعه ... كانا جميعا خليطا حطتان معا

أغر أملح يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحلامهم قرعا

لا يرقع الناس ما أوهى وإن جهدوا ... يوما لديه ولا يوهون ما رقعا

قال: فانتهى يزيد إلى الباب، وبه عثمان بن عنبسة قال: فقال له: ما لك بجنب عن أمير المؤمنين. قال: فأخذ بيده فأدخله على معاوية، فإذا هو مغمى عليه قال: فانكب عليه يزيد ثم التفت إلى عثمان بن عنبسة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون يا عثمان:

لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل

الحول القلب الأريب فما ... تنفع وقت المنية الحول

قال: صه، فرفع معاوية رأسه، فقال: " هو ذاك يا بني والله ما أصبحت أتخوف على شيء فعلته إلا ما فعلته في أمرك، فإذا أنا مت فانظر كيف يكون، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وتبعته بإداوة من ماء أصبه عليه، فقال: «ألا أكسوك؟» قلت: بلى يا رسول الله. فكساني إحدى قميصه الذي يلي جلده، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعره وأظفاره، فأخذت، وهو في موضع كذا، فإذا أنا مت فأشعرني ذلك القميص دون كفني واجعل ذلك الشعر والأظفار في فمي وفي منخري فإن يقع شيء فذاك، وإلا فإن الله غفور رحيم ". قال: ثم توفي معاوية، فأقام ثلاثة لا يخرج إلى الناس حتى قال الناس: قد اشتغل يزيد بشرب الخمر. ثم خرج إليهم في اليوم الرابع فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن معاوية بن أبي سفيان كان حبلا من حبال الله مده ماده، ثم قطعه دون من قبله، وفوق من بعده، ولست أعتذر، ولا أتشاغل بطلب العلم، على رسلكم إذا كره الله شيئا غيره، ثم نزل

قال حدثنا الشيخ الحافظ أبو نعيم رحمه الله قال: كان الشافعي عامة حديثه عن الأئمة عن مثل مالك، وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي. وحدث عنه الأئمة والأعلام: أحمد بن حنبل، وأبو ثور والحميدي

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الجارود الرقي، بعسكر سنة ست وخمسين، وفي القلب منه شيء قال: ثنا الربيع بن سليمان ح. وحدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن رشدين ثنا الربيع بن سليمان، ثنا الشافعي، ثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة». تفرد به الشافعي عن مالك

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن طاهر بن حرملة، ثنا جدي حرملة ثنا ابن وهب، ومحمد بن إدريس، قالا: ثنا مالك، عن حازم، عن سهل بن سعد قال: سمعت النبي صلى الله، عليه وسلم يقول: «إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» وكان الشافعي يزيد في حديثه: وكان ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت. لم يروه عن مالك، إلا ابن وهب والشافعي

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أنه أخبره أن أباه، كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، أنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا صلى الله عليه وسلم»

حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا محمود بن محمد المروزي، ثنا أبو ثور، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لتنظر عدد الأيام التي كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ولتستشعر بثوب وتصلى»

حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو ثور، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها»

حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو ثور، ثنا محمد بن إدريس، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يجزيك لحجك وعمرتك»

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» قال: «ربنا ولك الحمد»، وكان لا يفعل ذلك في السجود

حدثنا عبد السلام بن محمد البغدادي الصوفي، ثنا محمد بن زيان، ثنا حرملة، ثنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء»

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد، ثنا الربيع بن سليمان، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض»، ونهى عن النجش، ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة - والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا - وعن بيع الكرم، بالزبيب كيلا

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمود، ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: " بينما الناس بعثا في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة "

حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب»

حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حرملة، ثنا الشافعي، ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع الرجل على بيع أخيه»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن زيان، ثنا حرملة، ثنا الشافعي، ثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن ابن سيرين، ثنا سهل بن صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غسل ميتا اغتسل، ومن حمله توضأ»

حدثنا محمد بن يعقوب النيسابوري فيما كتب إلي، ثنا الربيع بن سليمان، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة»

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي ح. وحدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا ابن قبيصة ح. وحدثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن زيان، قالا: ثنا حرملة بن يحيى، قالا: ثنا الشافعي، ثنا عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت. . . . قالت أخبرتني بنت أبي بخران، من نساء بني عبد الدار قالت: دخل معي نسوة من قريش دار آل بني حسن ننظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى من بطن الوادي وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى إني لأقول إني لأرى ركبتيه. وسمعته يقول: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»

حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الله الضبي، ثنا إسحاق بن محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن سعيد بن غالب، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر، أنه سمع القاسم بن محمد بن أبي بكر، يقول: سمعت عمتي عائشة تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خيري الدنيا والآخرة، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من خيري الدنيا والآخرة»

حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن أيوب، ثنا عبد الله بن إبراهيم الأكفاني، ثنا إسماعيل بن يحيى المزني، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا إبراهيم بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أربعا وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى»

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا معن، عن عيسى، ومحمد بن إدريس الشافعي، قالا: ثنا عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن حميد، مولى عفراء، عن قيس بن سعيد، عن مجاهد، عن أبي ذر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: «لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة»

حدثنا محمد بن المظفر، ثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا مالك، عن نافع، ثنا سعيد بن سالم، عن شبيب بن عبد الله، عن أنس بن مالك، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل». ثنا الشافعي ثنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم مثل ما مضى

حدثنا أبو عمر محمد بن العباس - وكيل دعلج - ثنا عبيد الله بن عثمان العثماني، قال كتب إلينا محمد بن موسى الفقيه، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا إبراهيم بن محمد بن ربيعة بن عثمان التيمي، عن معاذ بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، ورجل، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد»

حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسين بن سوار الخطيب ثنا محمد بن جعفر بن رميس، ثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في قبلة المسجد فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن الله تعالى قبل وجهه»

حدثنا محمد بن محمد بن الحسين، ثنا محمد بن جعفر، ثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا محمد بن إدريس، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»

حدثنا محمد بن جعفر، ثنا الحسن بن محمد، ثنا الشافعي، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر، وهو في ركب يحلف بأبيه فقال: «إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت»

حدثنا محمد بن أحمد بن سوار الخطيب، ثنا محمد بن جعفر بن رميس، ثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا الشافعي، ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شركا له في عبد، وله مال يبلغ ثمن العبد قوم قيمة العبد، وأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق»

حدثنا محمد بن محمد، ثنا محمد بن جعفر، ثنا الحسن بن محمد، ثنا الشافعي ح. وحدثنا محمد بن المظفر، ثنا علي بن أحمد، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا محمد بن إدريس، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء»

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن يزيد يعني ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال سألت عائشة قالت: " كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا، قالت: تدري ما النش؟ قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه "

حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا سليمان بن إسحاق بن نوح الطلحي ح. وحدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو الحريش الكلابي، ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم عليهما السلام». غريب من حديث الحسن، لم نكتبه إلا من حديث الشافعي والله أعلم

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 9- ص: 63

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 9- ص: 63

محمد بن إدريس الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي.
أمه أزدية ولد بالشام بغزة وقيل باليمن سنة خمسين ومائة وحمل إلى مكة فسكنها وتردد بالحجاز والعراق وغيرهما ثم استوطن مصر وتوفي بها.
روى عن مالك ومسلم بن خالد وابن عيينة وإبراهيم بن سعيد وفضيل بن عياض وعن عمه محمد بن شافع وجماعة غيرهم. وروى عنه بن حنبل والحميدي وأبو الطاهر بن السراج والبويطي والمزني والربيع المؤذن وأبو ثور والزعفراني ومحمد بن عبد الحكيم وجماعة غيرهم. كان حافظا حفظ الموطأ في تسع ليال وقيل: في ثلاث ليال خرج عن مكة ولزم هذيلا فتعلم كلامها وكانت أفصح العرب فبقي فيهم مدة راحلا برحيلهم ونازلا بنزولهم.
قال: فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار وأذكر الآداب والأخبار وأيام العرب فمر بي رجل من الزبيديين فقال لي: يا أبا عبد الله عز علي أن لا يكون مع هذه الفصاحة والذكاء فقه فتكون قد سدت أهل زمانك؟ فقلت: ومن بقي يقصد؟ فقال لي: هذا مالك سيد المسلمين يومئذ؟ فوقع في قلبي وعدت إلى الموطأ فاستعرته وحفظته في تسع ليال.
ورحل إلى مالك فأخذ عنه الموطأ وكان مالك يثني على فهمه وحفظه ووصله بهدية جزيلة لما رحل عنه. وكان الشافعي يقول: مالك معلمي وأستاذي ومنه تعلمنا العلم وما أحد أمن علي من مالك وجعلت مالكا حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
ذكر ثناء العلماء عليه بسعة العلم والفضل: قال محمد بن عبد الحكم: قال لي أبي: الزم هذا الشيخ يعني الشافعي فما رأيت أبصر منه بأصول العلم أو قال: بأصول الفقه. وكان صاحب سنة وأثر وفضل مع لسان فصيح طويل وعقل رصين صحيح.
وقال فيه بن عيينة: هذا أفضل فتيان أهل زمانه وكان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا قال: سلوا هذا يعني الشافعي وقال له مسلم بن خالد الزنجي شيخه وهو شاب بن خمس عشرة سنة قد آن لك أن تفتي يا أبا عبد الله. وقال يحيى بن سعيد القطان: إني لأدعو الله في صلاتي للشافعي لما أظهر من القول بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد بن حنبل: ما أحد يحمل محبرة من أصحاب الحديث إلا وللشافعي عليه سنة. وقال: ما عرفت ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسته. وقال أيضا - أحمد بن حنبل: كان الشافعي أفقه الناس في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قليل الطلب للحديث وقال: كان الشافعي للعلم كالشمس للدنيا والعافية للناس فانظر هل من هذا عوض؟.
وقال بن معين لصالح بن أحمد بن حنبل: ما يستحي أبوك رأيته مع الشافعي والشافعي راكب وهو راجل ورأيته وقد أخذ بركابه. وقال صالح نقلت هذا لأبي فقال لي: قل له: إن أردت أن تتفقه فخذ بركابه الآخر.
قال بن هشام: الشافعي حجة في اللغة. وذاكره بن هشام بمصر في أنساب الرجال فقال له الشافعي - بعد ساعة: دع عنك هذا فإنها لا تذهب عنا ولا عنك وخذ في أنساب النساء فلما أخذت في ذلك بقي بن هشام ساكتا فكان يقول: ما ظننت أن الله عز وجل خلق مثل هذا.
قال النسائي: هو أحد العلماء ثقة مأمون. قال أحمد بن عبد الله: هو ثقة صاحب رأي وكلام وليس عنده حديث. وقد ألف الخطيب أبو بكر بن ثابت البغدادي كتابه الحجة بالشافعي وأثبته في الصحيح وذكر الأثر المتأول فيه.
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ’’اللهم اهد قريشا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علما اللهم كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا’’.
قال الشافعي: القرآن كلام غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر. ومن حكمه: قال الشافعي: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو سارق وقال: من حفظ القرآن نبل قدره ومن تفقه عظمت قيمته ومن حفظ الحديث قويت حجته ومن حفظ العربية والشعر رق طبعه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه العلم.
وقيل له: كيف أصبحت؟ فقال: كيف أصبح من يطلبه ثمان: الله بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم بالسنة والحفظة بما ينطق والشيطان بالمعاصي والدهر بصروفه والنفس بشهوتها والعيال بالقوت وملك الموت بقبض روحه؟.
وتوفي الشافعي رحمه الله تعالى - بمصر عند عبد الله بن عبد الحكم وإليه أوصى. وتوفي ليلة الخميس وقيل ليلة الجمعة منسلخ رجب سنة أربع ومائتين. ودفنه بنو عبد الحكم في قبورهم وصلى عليه السري أمير مصر.
وكان خفيف العارضين يخضب. قال الربيع: كنا جلوسا - في موضع - في حلقة الشافعي بعد موته بيسير - فوقف علينا أعرابي فسلم ثم قال: أين قمر هذه الحلقة وشمسها؟ فقلنا: توفي رحمه الله فبكى بكاء شديدا وقال: رحمه الله وغفر له كان يفتح ببيانه منغلق الحجة ويسد في خصمه واضح المحجة ويغسل من العار وجوها مسودة ويوسع بالرأي أبوابا منسدة ثم انصرف.

  • دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 2- ص: 156

محمد بن الشافعي إمامنا الإمام الأعظم المطلبي أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي الشيخ أبو عثمان القاضي
وهو أكبر أولاد الشافعي ولما توفي والده كان بالغا مقيما بمكة وهو الذي قال له الإمام أحمد بن حنبل إني لأحبك لثلاث خلال أنك ابن أبي عبد الله وأنك رجل من قريش وأنك من أهل السنة
سمع أباه وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وأحمد بن حنبل
قال الخطيب وذكر لي الحسن بن أبي طالب أنه ولي القضاء ببغداد وحدث عن عبد الرزاق وهذا القول عندي // غير صحيح // إنما ولي القضاء بالجزيرة وأعمالها وهناك أيضا حدث وللجزريين عنه رواية
وولي أيضا القضاء بمدينة حلب وبقي بها سنين كثيرة وأعقب ثلاثة بنين منهم العباس بن محمد بن محمد بن إدريس وأبو الحسن مات رضيعا وفاطمة لم تعقب
وقيل للشافعي رضي الله عنه ما اسم أبي عثمان فقال سميته أحب الأسماء إلى محمدا
ولأبي عثمان مناظرة مع الإمام أحمد بن حنبل في جلود الميتة إذا دبغت
وقد ذكر شيئا من حديثه الحافظ أبو عبيد الله ابن أبي زيد المعروف بابن المقري في كتابه في مناقب الشافعي وأسند حديثه عن عبد الرزاق وسفيان بن عيينة وغيرهما انتهى
وروى الحاكم في ترجمة أبي بكر محمد بن عبد الله الصبغي أحد أئمة أصحابنا عن عبد الرحمن بن أبي حاتم قال أخبرني أبو محمد ابن بنت الشافعي قال حدثنا أبي قال عاتب محمد بن إدريس ابنه أبا عثمان فكان فيما قال له في وعظه يا بني والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من مروءتي ما شربت إلا حارا
أخبرنا عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بقراءتي عليه أخبرنا أبو العز يوسف ابن يعقوب بن المجاور إجازة أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ قال حدثني الحسن بن محمد الخلال حدثنا على ابن الحسن الجراحي حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد قال حدثنا الميموني قال قال لي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي القاضى قال قال لى أحمد ابن حنبل أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم في السحر
وبه إلى الخطيب قال وأخبرنا علي بن طلحة المقري حدثنا محمد بن العباس حدثني جعفر بن محمد الصندلي حدثنا خطاب بن بشر قال جعلت أسأل أبا عبد الله أحمد ابن حنبل فيجيبني ويلتفت إلى ابن الشافعي ويقول هذا مما علمنا أبو عبد الله يعنى الشافعي
قال خطاب وسمعت أحمد بن حنبل يذاكر أبا عثمان أمر أبيه فقال أحمد يرحم الله أبا عبد الله ما أصلي صلاة إلا دعوت فيها لخمسة هو أحدهم وما يتقدمه منهم أحد
قال الخطيب توفي بالجزيرة بعد سنة أربعين ومائتين
وللشافعي ولد آخر يسمى محمدا أيضا وكنيته أبو الحسن وهو من جارية اسمها دنانير ذكر أبو سعيد بن يونس أنه قدم مصر مع أبيه وهو صغير فتوفي بها في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين
ومن روايات أبي عثمان عن أبيه رضي الله عنه
روى البيهقي في أحكام القرآن عن الحاكم أن أبا أحمد بن أبي الحسن أخبره قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي حدثنا أبي حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال حدثني أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي قال سمعت أبي يقول ليلة للحميدي ما تحتج عليهم يعني على أهل الإرجاء بآية أحج من قوله عز وجل {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}
ومن الرواية عن أبي عثمان رحمه الله أخبرنا شيخ الشافعية أبو إسحاق إبراهيم ابن شيخ الشافعية أبى محمد عبد الرحمن ابن إبراهيم الفزاري في كتابه إلي والمسند أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الخباز سماعا عليه قالا أخبرنا المسلم بن محمد بن غلان القيسي قال أبو إسحاق سماعا وقال ابن الخباز إجازة
ح وأخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغي بقراءتي عليه قال أخبرنا يوسف بن يعقوب بن المجاور إجازة قالا أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب حدثني محمد بن يوسف النيسابوري قال حدثنا يحيى بن علي الصواف بمصر من لفظه حدثنا أبو بكر
محمد بن علي النقاش حدثنا نعمان بن مدرك الرسعني حدثنا أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي إملاء برأس العين أخبرنا أبي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه قال سمعت محمد بن علي بن شافع عمي يحدث عن عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فلما ولى دعاه أو أمر فدعي فقال (كيف قلت في أي الخرزتين أو الخربتين أو من دبرها في قبلها أم من دبرها في دبرها قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن)

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 2- ص: 71

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي المطلبي الشافعي المكي. نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناصر سنته، الإمام العلم، حبر الأمة.
ولد سنة خمسين ومائة بغزة، فحمل إلى مكة لما فطم، فنشأ بها، وأقبل على العلوم فتفقه بمسلم بن خالد الزنجي، وغيره.
وحدث عن عمه بن علي، وعبد العزيز بن الماجشون، ومالك الإمام، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخلق.
وعنه أحمد، والحميدي، وأبو عبيد والبويطي، وأبو ثور، والربيع المرادي، والزعفراني، وأمم سواهم.
وكان من أحذق قريش بالرمي. كان يصيب من العشرة عشرة، وكان أولا قد برع في ذلك، وفي الشعر، واللغة، وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه، والحديث، وجود القرآن على إسماعيل بن قسطنطين مقرئ مكة، وكان يختم في رمضان ستين مرة ثم حفظ «الموطأ»، وعرضه على مالك، وأذن له مسلم ابن خالد بالفتوى وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وكتب عن محمد بن الحسين الفقيه، روى ذلك ابن أبي حاتم عن الربيع عنه.
وكان مع فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، يستعمل اللبان ليقوى حفظه، فأعقبه رمي الدم سنة.
قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل بمكة: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فأقامني على الشافعي.
وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث.
وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مس محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة.
وقال ابن راهويه: الشافعي إمام ما أحد تكلم بالرأي إلا والشافعي أكثرهم اتباعا وأقلهم خطأ.
وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثا خطأ، وصح عن الشافعي، أنه قال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.
وقال الربيع: سمعته يقول: إذا رويت حديثا صحيحا فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.
وكان رضي الله عنه حافظا للحديث، بصيرا بعلله، لا يقبل منه إلا ما يثبت عنده.
وهو أول من صنف أحكام القرآن، وهو رأس الطبقة التاسعة، وهو المجرد أمر الدين على رأس المائتين. توفي بمصر في أول شعبان سنة أربع ومائتين، وله أربع وخمسون سنة رضي الله عنه.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 102

محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي أبو عبد الله ولد سنة خمسين ومائة ومات في خر يوم من رجب سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة، وحكى الزعفراني عن ابنه أبي عثمان ابن الشافعي قال: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة. قال الشافعي: لقيني مسلم بن خالد الزنجي فقال لي: يا فتى من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة، قال: أين منزلك بها؟ قلت: شعب الخيف، قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من ولد عبد مناف، قال: بخ بخ لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة. وقال: قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ، فقال لي: أحضر من يقرأ لك، فقلت: أنا قارئ، فقرأت عليه الموطأ حفظا، فقال: إن يك أحد يفلح فهذا الغلام. وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الغلام. قال الحميدي: سمعت زنجي بن خالد - يعني مسلما - يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة. قال أحمد: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست أبا عبد الله الشافعي. وقال إسحاق بن راهويه: ما تكلم أحد - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكا وأبا حنيفة - إلا والشافعي أكثر اتباعا وأقل حظا منه. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي.
وقال أبو عبيد ابن حربويه: سمعت الحسن بن علي القراطيسي يقول: كنت عند أبي ثور فجاءه رجل فقال له: أصلحك الله، فلان سمعته يقول قولا عظيما؛ سمعته يقول الشافعي أفقه من الثوري، قال: أنت سمعته يقول ذاك؟ قال: نعم، ثم قام الرجل فقال أبو ثور: يستنكر أن يقال الشافعي أفقه من الثوري! هو عندي أفقه من الثوري ومن النخعي.
وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت محمد بن الحسن يعظم أحدا من أهل العلم إعظامه للشافعي، ولقد جاءه يوما فلقيه وقد ركب محمد ابن الحسن فرجع محمد إلى منزله وخلا به يومه إلى الليل ولم يأذن لأحد عليه. قال محفوظ بن أبي توبة البغدادي: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام فقلت: يا أبا عبد الله، هذا سفيان بن عيينة في ناحية المسجد يحدث، فقال: إن هذا يفوت وذاك لا يفوت. وقال يحيى بن معين: كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي ثم استقبلته يوما والشافعي راكب بغلة وهو يمشي خلفه فقلت: يا أبا عبد الله تنهانا عنه وتتبعه؟ فقلت: اسكت لو لزمت البغلة انتفعت.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 71

محمد بن إدريس الإمام الشافعي أبو عبد الله بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والسائب جده صحابي أسلم يوم بدر
ولد سنة خمسين ومائة بغزة أو عسقلان أو منى على أقوال ونشأ بمكة وقدم بغداد فاجتمع علماؤها وأخذوا عنه وصنف بها كتابه القديم ثم عاد إلى مكة ثم خرج إلى بغداد فأقام
بها شهرا ثم خرج إلى مصر وصنف بها كتبه الجديدة
وقال أبو ثور
كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع قبول الأخبار فيه وحجة الإجماع الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة
توفي يوم الجمعة في سلخ رجب سنة أربع ومائتين
كذا روى اليافعي في تاريخه وكان عمره أربعا وخمسين سنة
وله أحكام القرآن وللشيخ أبو الحسن علي المعروف بابن حجر السعدي
توفي سنة أربع وأربعين ومائتين
وللشيخ أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق الأزدي البصري وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين والشيخ الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي توفي سنة خمس وثلاثمائة
وللشيخ أبو الحسن علي بن موسى ابن داود العمري الحنفي
المتوفي سنة خمس وثلاثمائة
وللشيخ الإمام أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي المتوفي سنة سبعين وثلاثمائة
وللشيخ أبو الحسن علي بن محمد المعروف بالكاهري الشافعي البغدادي المتوفي سنة أربع وخمسمائة وللقاضي أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي الحافظ المالكي المتوفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وللشيخ عبد المنعم بن محمد بن فرس الغرناطي المتوفي سنة سبعين وسبعمائة ومختصر أحكام القرآن للشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي وبقي بلا شرح وتوفي للسنة المرموزة
وتلخيص أحكام القرآن للشيخ جمال الدين محمود بن أحمد الشهير بابن السراج القونوي الحنفي شرحا لطيفا وتوفي سنة سبعين وسبعمائة وبعد ذلك شرحه الشيخ أحمد بن الحسين البيهقي الحنبلي شرحا عظيما من أسامي الكتب لكاتب جلبي

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 25

محمد بن إدريس الشافعي

  • دار الوعي - حلب-ط 1( 1950) , ج: 1- ص: 127

محمد بن إدريس، أبو عبد الله، الشافعي، القرشي، سكن مصر، مات سنة أربع ومئتين.
سمع مالك بن أنس.
حجازي.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 1

الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه
أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي المكي
نزيل مصر إمام الأئمة وقدوة الأمة
ولد بغزة سنة خمسين ومائة وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين
روى عن عمه محمد بن علي وأبي أسامة وسعيد بن سالم القداح وابن عيينة ومالك وابن علية وابن أبي فديك وخلق
وعنه ابنه أبو عثمان محمد والإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو عبيد القاسم وأبو الطاهر بن السرح والمزني وحرملة بن يحيى والحسن بن محمد الزعفراني والربيع بن سليمان المرادي والربيع بن سليمان الجيزي وأبو الوليد المكي وأبو يعقوب البويطي ويونس بن عبد الأعلى وخلق كثير
قال ابن عبد الحكم لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية فتأوله أصحاب
الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في سائر البلدان
وقال أحمد إن الله تعالى يقيض للناس في رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي
وقال إسماعيل بن يحيى سمعت الشافعي يقول حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر
وقال الربيع بن سليمان كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة وكان يحيى الليل إلى أن مات
وقال أبو ثور كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع قول الأخيار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة
قال ابن مهدي ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها
وقال هارون بن سعيد الأيلي لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي هو من حجارة أنه من خشب لغلب لا قتداره على المناظرة
وكان الحميدي يقول حدثنا سيد الفقهاء الشافعي مات في آخر رجب سنة أربع ومائتين

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 157

محمد بن إدريس أبو عبد الله المطلبي المكي الشافعي الإمام
ناصر الحديث عن مالك والزنجي وعنه أحمد وأبو يعقوب البويطي والربيع ثقة مات 204 في آخر رجب عاش أربعا وخمسين سنة ومناقبه كثيرة 4

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1

محمد بن إدريس الشافعي

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 78

الشافعي، محمد بن أدريس
مات سنة أربع ومائتين.
وله أربع وخمسون سنة.

  • هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - مصر-ط 2( 1992) , ج: 1- ص: 230

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن مطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو عبد الله الشافعي رحمة الله عليه ورضوانه أسر السائب يوم بدر وهو كافر وأمه الشفا بنت أرقم بن هاشم وأم الشفا خلدة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وأم عبيد بن عبد يزيد العجلة بنت العجلان بن البياع بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وأم عبد يزيد الشفا بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي وأم هاشم بن المطلب خديجة بنت سعيد بن سعد بن سهم وأم هاشم والمطلب وعبد الشمس بني عبد مناف عاتكة بنت مرة السلمية
يروي عن مالك وابن عيينة وكان مولده بمكة سنة خمسين ومائة في السنة التي مات فيها أبو حنيفة لأن أبا حنيفة مات ببغداد في شهر رجب سنة خمسين ومائة وولد في تلك السنة الشافعي بغزة من بلاد فلسطين ومات عنه أبوه وهو بن سنتين فحملته أمه إلى دارهم بالحجاز في أجياد فنشأ بمكة وترعرع بها وجالس أهل العلم وفتح عليه فيه ما حرم غيره مثله حتى كان مسلم بن خالد الزنجي يحثه على الفتيا يقول سمعت الشافعي يقول قال لي مسلم الزنجي وأنا بن خمس عشرة سنة أفت يا أبا عبد الله فقد آن لك ان تفتى فلم يزل ذلك دأبه يزداد كل يوم دفعة وفي العلم بصيرة وقدوة إلى أن توفي رحمه الله بالفسطاط في شهر ربيع الأول سنة أربع ومائتين ودفن عند معتبر باب الشمس بالفسطاط فرجعوا فرأوا هلال شهر ربيع الآخر وقبره مشهور يزار قد أخرجنا مناقبه من يوم ولد إلى يوم توفي في غير الكتاب فلذلك لم نمعن في ذكر الحكايات المروية في شمائله في هذا الكتاب لاقتناعنا بما ذكرناه منا في ذلك الكتاب فان قصدنا في هذا الكتاب الاختصار ولزوم الاقتصار

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 9- ص: 1

محمد بن إدريس بن العباس بن علي بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب
ابن عبد مناف الشافعي الفقيه أبو عبد الله ولد بغزّة، وقيل باليمن، وحمل إلى مكة ونشأ بها، وأخذ عن مالك بن أنسٍ وطبقته، ثم عاد إلى مكة، واستخدم في أحد الخدم الديوانية باليمن، فتوجه وأقام متولياً مدة ثم عاد إلى مكة وخرج إلى يثرب، وناظر مالك في أنس، وسأله عن مسائل، وراجعه فيها الجواب، وأكثر من قوله لمالك: فإن قيل كذا، ما الجواب؟! وكان مالك ضجوراً، فقال له مالك: “إذا أردت فإن قيل قلنا، فاقصد هنا” !! وأشار بيده إلى جهة العراق، إشارة إلى أصحاب أبي حنيفة لأنهم أهل نظر وجدال. وكان مالك في أكثر أمره يقف مع ظواهر الأخبار، فخرج الشافعي - رضي الله عنه - مغضباً وقال: لا يحلّ لمالك أن يفتي!. وقصد العراق ولقي محمد بن الحسن، فأخذ عنه وأكثر، حتى قال: أخذت عنه وسق بعير وعاد إلى مكة ثم عاد إلى العراق مرة ثانية، وخرج إلى مصر وأكرمه أهلها، وأخذوا عنه. وتعرّض له بعض أصحاب مالك في مسألة ردّ فيها الشافعي على مالك، فباشره بيده مباشرة أحدثت له ألماً مات منه في سنة أربع ومئتين. وكان له شعر أجلّ من شعر الفقهاء، فمنه ما رواه علي في سراج عن الربيع بن سليمان المرادي أن الشافعي أعار محمد بن الحسن الفقيه كتاباً فأخّره عنه: رجز مجزوء:

وله - رضي الله عنه -: وافر:
أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، حدثنا أحمد بن علي البغدادي في، تاريخه، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي، قال: سمعت إبراهيم بن علي بن عبد الرحيم بالموصل يحكي عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول في قصة ذكرها: طويل:
قال: فوالله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعاً.
كتب إليّ عبد الرحيم بن تاج الإسلام السمعانيّ من مرو - رحمه الله - أنبأنا أبي تاج الإسلام ببخارى قال: سمعت أبا محمد الحسن بن محمد بن أحمد الحنفي في داره بالري يقول: سمعت أبا حاجب محمد بن إسماعيل الفقيه إملاء باستراباذ يقول: سمعت أبا الحسن محمد بن المثنى يقول: سمعت أبا بكر أحمد ابن عبد الرحمن يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: لما أشخص الشافعي - رضي الله عنه - إلى سرّ من رأى ودخلها عليه أطمار رثّة، وطال شعره، فتقدم إلى مزيّن، فاستقذره لما نظر إلى زيّه فقال: تمضي إلى غيري! فأشتد على الشافعي أمره، فالتفت إلى غلام معه، فقال: أي شيء معك من النفقة؟! قال له: عشرة دنانير. قال: أدفعها إلى المزين. فدفعها الغلام إليه وولى الشافعي وهو يقول: طويل:
كتب إليّ شهاب الدين محمود الهروي، أنبأنا عبد الكريم بن محمد بن منصور من كتابه بالجامع القديم، حدثنا إسماعيل بن أبي الفضل الناصحي أبو القاسم من لفظه بآمل، أنبأنا أبو جعفر محمد بن خالد بن هارون المخزومي، أنبأنا محمد بن حامد في الحسن الخيام قال: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى ابن إبراهيم المزكي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد ابن عبد الله الراضي يقول: سمعت قعنب بن أحمد بن عمرو يقول: سمعت محمد في أحمد بن وردان يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: قال عبد الله في عبد الحكم للإمام الشافعي - رضي الله عنه -: إن عزمت أن تسكن هذا البلد - يعني مصر - فليكن لك مجلس من السلطان فتعزّز، وليكن لك قوت سنة! فقال له الشافعي: “يا أبا محمد! من لا تعزّه التقوى فلا عزّ له، ولمد ولدت بغزّة، وربيت بالحجاز وما عندنا قوت ليلة، وما بتنا جياعاً قط” . - رحمه الله - ومن شعر الشافعي - رضي الله عنه: وافر:
قال: أنبأنا عبد الكريم بني محمد تاج الإسلام المروزي قال: أخبرنا الإمام أبو نصر أحمد بن عمر بن محمد الغازي، أنبأنا الشيخ الإمام أبو الأسعد عبد الرحمن ابن عبد الواحد القشيري عن أبي سعيد مسعود بن ناصر السجزي عن أبي الحسن الليثي عن أبي الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري - رضي الله عنه - في كتابه سماعاً منه بجامع سجستان قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن الهمذاني بحلب يحكي عن زكريا بن يحيى البصري عن الربيع بن سليمان قال: كنّا عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة، فنظر فيها وتبسم، ثم كتب فيها ودفعها إليه. قال: قلنا سئل الشافعي عن مسألة؟ لننظر ما جوابها! فلحقنا الرجل، فأخذنا الرقعة، فقرأناها، فإذا فيها: طويل:
قال: وقد أجابه أسفل من ذلك: طويل:
وبالإسناد حدثنا الآبري بجامع سجستان من كتابه، حدثتنا أبو جعفر محمد بن عبد الجبار القراطيسي الدمشقي بدمشق قال: حدثني محمد بن إدريس يعني أبا حاتم عن ابن عم الشافعي قال: كان لأبي عبد الله الشافعي امرأة يحبها، فقال لها: كامل مجزوء:
وبالإسناد أخبرنا الآبريّ كل من كتابه بجامع سجستان، حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب بن إسحاق بن عيسى بن عبد الدمشقي مستملي أهل دمشق
قال: حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يحيى القرشي الفهري المصري، قدم علينا قال: حدثنا أبو محمد الربيع بن سلمان قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي قال: رحلت إلى اليمن لأسمع من عبد الرزاق، فمررت بباب دار عليه شيخ كبير بين يديه هاون يدق فيه خبزاً يابساً فقلت: ما هذا؟ قال: فتوتاً لزوجتي. فقلت: إن حقّها لواجب عليك! فقال: إي وأبيك! أقم لترى ذلك عياناً، فأقمت، فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة مشايخ بيض الرؤوس واللحى، كأن صورتهم صورة واحدة، وكأانما مسح على رؤوسهم بكفّ واحدة، فأكبّوا على الشيخ، فقبّلوا رأسه وسلّموا عليه، وقاموا هنيهة، فقال لهم: ادخلوا إلى أمكم فسلموا عليها، فدخلوا إلى الدار، فقلت: يا شيخ! هؤلاء ولدك منها؟ قال: نعم. فقلت: بارك الله لك! فلقد رأيت قرّة عين ثم هممت بالنهوض، فقال لي: أقم لترى ما هو أعجب من ذلك! قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل خمسة كهول. ففعلوا مثل الأولين. فقلت له كقولي الأول. فقال: أقم لترى ما هو أعجب! فأقمت، فأقبل خمسة رجال سود الرؤوس واللحى في قدر واحد، ففعلوا كالأولين، وقلت له مثل قولي الأول وأردت النهوض وقم؛ فقال: أقم لترى أعجب من ذلك. فأقمت، فأقبل خمسة شباب قد اخضرت شواربهم ففعلوا كالأولين فقلت له مثل قولي الأول، وقمت، فقال: أقم لتر أعجب من ذلك. فأقمت. فأقبل خمسة صبية على ثيابهم أثر المداد. ففعلوا مثل فعل من تقدّمهم. فقلت له مثل قولي الأول، فقال لي: يا فتى هؤلاء الخمسة وعشرون ذكراً ولدي منها في خمسة أبطن! قال محمد في الحسين: قال لنا إسحاق بن يعقوب: قال لي أبو الحسين القرشي: سمعت الربيع يقول: لو جاء بهذا غير الشافعي ما قبلناه منه.

  • دار اليمامة-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 137

محمد بن إدريس (م، 4)
بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي، أبو عبد الله المطلبي، الشافعي المكي، الإمام، نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناصر سنته.
ولد سنة خمسين ومئة بغزة، فلما فطم حمل إلى مكة فنشأ بها، وأقبل على العلوم، فتفقه بمسلم بن خالد الزنجي وغيره.
وحدث عن: عمه محمد بن علي، وعبد العزيز الماجشون، ومالك الإمام، وإسماعيل بن جعفر، وابن عيينة، وإبراهيم بن أبي يحيى، وخلق.
وعنه: أحمد، والحميدي، وأبو عبيد، والبويطي، وأبو ثور، والربيع المرادي، والزعفراني، وخلائق.
وكان من أحذق قريش بالرمي، كان يصيب من العشرة عشرة. وكان أولاً قد برع في ذلك، وفي الشعر، واللغة، وأيام العرب، ثم أقبل على التفقه والحديث.
وجود القرآن على إسماعيل بن قسطنطين مقرئ مكة. وكان يختم في رمضان ستين مرة. ثم حفظ ’’الموطأ’’ وعرضه على مالك، وأذن له مسلم بن خالد في الفتوى وهو ابن عشرين سنةً أو دونها.
وكتب عن محمد بن الحسن الفقيه وقر بختي.
روى ذلك ابن أبي حاتم عن الربيع عنه.
وكان مع فرط ذكائه وسيلان ذهنه يستعمل اللبان ليقوي حفظه، فأعقبه رمي الدم سنةً.
قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل بمكة: تعال حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله، فأقامني على الشافعي.
وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى هو مثل نفسه.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول: سميت ببغداد ناصر الحدث.
وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما أحد مس محبرةً ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منة.
وقال ابن راهويه: الشافعي إمام، ما أحدٌ تكلم بالرأي إلا والشافعي أكثرهم اتباعاً وأقلهم خطأ.
وقال أبو داود: ما أعلم للشافعي حديثاً خطأ.
وصح عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط.
وقال الربيع: سمعته يقول: إذا رويت حديثاً صحيحاً فلم آخذ به فأشهدكم أن عقلي قد ذهب.
ومناقب الشافعي كثيرة جداً، وهي في ’’تاريخ ابن عساكر’’ وغيره من الأمهات.
توفي - رحمه الله ورضي عنه - في أول شعبان سنة أربع ومئتين بمصر، وكان قد انتقل إليها في سنة تسع وتسعين ومئة.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1

محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد بن زيد بن هاشم بن المطلب
بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشي، الإمام، البحر، المجتهد، أبو عبد الله، الشافعي، المكي:
ولد سنة خمسين ومائة بغرة من أرض الشام، على الصحيح. وقيل: بعسقلان .
وقيل: باليمن. وهذان القولان حكيا عنه.
وقيل: ولد بمنى، حكاه ابن معين في التنقيب. ثم حمل إلى مكة وله سنتان.
وحكى عنه: أنه قدم مكة، وهو ابن عشر أو نحوها.
وحكى عنه: أنه حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، والموطأ وهو ابن عشر سنين.
وسمع الحديث بمكة على جماعة، منهم: سفيان بن عيينة، وسعيد بن سالم القداح، ومسلم بن خالد الزنجى، فقيه مكة. وأذن له في الإفتاء، وله دون العشرين سنة.
وقيل: إنه أفتى، وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم رحل إلى المدينة، ولازم بها الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه مدة، يأخذ عنه العلم.
وسمع بالمدينة من إسماعيل بن جعفر، وجماعته.
ثم رحل إلى العراق، فقدم بغداد سنة خمس وتسعين، وأقام بها حولين، واجتمع عليه علماؤها، وأخذوا عنه.
وصنف كتابه القديم. ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وأقام بها شهرا.
ثم خرج إلى مصر، وصنف بها كتبه الجديدة، ونشر بها العلم، وأقام بها حتى مات آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين. ودفن بالقرافة. وقد زرت قبره - بحمد الله - مرارا.
وله كرامات ظاهرة. منها: أنه قال للبويطي: تموت في قيودك. فمات فيها.
وقال للمزني: يكون لك بعدي سوق يعظم به شأنك عند الملوك وغيرهم.
وقال لابن عبد الحكم: تنتقل إلى مذهب أبيك. وكان مالكيا، فانتقل إليه.
وقال للربيع المرادي: أنت رواية كتبى. فعاش بعده قريبا من سبعين سنة، ورحل الناس إليه من أقطار الأرض لسماعها.
ومناقبه كثيرة. وقد صنف فيها جماعة منهم الحاكم والبيهقي.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 1

محمد بن إدريس الشافعي
وهو ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف مكي الأصل مصري الدار بها مات روى عن مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة ومسلم بن خالد وعمه محمد بن علي بن شافع وعبد الله بن المؤمل روى عنه أحمد بن حنبل والحميدي وحرملة بن يحيى وأحمد بن عمرو بن السرح أبو الطاهر ويوسف بن يحيى البويطي وعمرو بن سواد السرحي والربيع بن سليمان المصري ويونس بن عبد الأعلى المصري وإسماعيل بن يحيى المزني وأبو الوليد الجارودي وأبو ثور والحسن بن محمد بن الصباح وأحمد بن سنان الواسطي وبحر بن نصر الخولاني ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبو عبد الله بن أخي بن وهب وأحمد بن أبي شريح الرازي وهارون بن سعيد الأيلي ومحمد بن يحيى بن حسان التنيسي وأحمد بن خالد الخلال وابنه محمد أبو عثمان سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي.
نا عبد الرحمن نا الربيع بن سليمان قال سمعت الحميدي يقول سمعت الزنجي بن خالد يقول للشافعي أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي وهو ابن خمس عشرة سنة وقال غيره وهو ابن ثماني عشرة سنة.
نا عبد الرحمن نا الحسن بن محمد بن الصباح قال أخبرت عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال إني لأدعو الله عز وجل للشافعي في كل صلاة أو في كل يوم يعني لما فتح الله عز وجل عليه من العلم ووفقه للسداد فيه.
قال أبو محمد في كتابي عن الربيع بن سليمان قال سمعت أيوب بن سويد الرملي يقول لما رأى الشافعي قال ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل هذا الرجل ما رأيت مثل هذا الرجل قط قال أبو محمد وقد رأى أيوب بن سويد سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج وسفيان بن عيينة والناس.
قال أبو إسماعيل الترمذي سمعت إسحاق بن راهويه يقول كنا بمكة والشافعي بها وأحمد بن حنبل بها فقال لي أحمد بن حنبل يا أبا يعقوب جالس هذا الرجل يعني الشافعي قلت ما أصنع به سنة قريب من سننا أترك بن عيينة والمقري قال ويحك إن ذاك لا يفوت وذا يفوت فجالسته.
نا عبد الرحمن حدثني أبو بشر بن أحمد بن حماد الدولابي نا أبو بكر بن إدريس قال سمعت الحميدي يقول كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة علي سفيان بن عيينة فقال لي ذات يوم ههنا رجل من قريش له بيان ومعرفة قلت ومن هو قال محمد بن إدريس الشافعي وكان أحمد بن حنبل قد جالسه بالعراق فلم يزل بي حتى اجترني إليه فجلسنا إليه ودارت مسائل فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل كيف رأيت ألا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان فوقع كلامه في قلبي فجالسته فغلبتهم عليه فلم يزل يقدم مجلس الشافعي حتى كاد يفوت مجلس سفيان بن عيينة وخرجت مع الشافعي إلى مصر.
نا عبد الرحمن أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلي قال حدثني محمد بن عبد الرحمن الدينوري قال سمعت أحمد بن حنبل يقول كانت اقضيتنا أصحاب الحديث في أيدي أبي حنيفة ما تنزع حتى رأينا الشافعي وكان أفقه الناس في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يكفيه وكان قليل الطلب للحديث نا عبد الرحمن أخبرني أبو عثمان الخوارزمي في ما كتب إلي قال سمعت دبيساً قال كنت مع أحمد بن حنبل في مسجد الجامع فمر الشافعي فقال هذا رحمة الله عز وجل لأمه محمد صلى الله عليه وسلم.
نا عبد الرحمن انا أبو عثمان الخوارزمي فيما كتب إلي قال سمعت محمد بن الفضل البزاز قال سمعت أبي يقول حججت مع أحمد بن حنبل ونزلنا في مكان واحد فلما صليت الصبح درت المسجد فجئت إلى مجلس سفيان بن عيينة وكنت أدور مجلساً مجلساً طلباً لأحمد بن حنبل حتى وجدت أحمد عند شاب أعرابي وعلى رأسه جمة فزاحمته حتى قعدت عند أحمد بن حنبل فقلت يا أبا عبد الله تركت بن عيينة عنده الزهري وعمرو بن دينار وزياد بن علاقة والتابعون ما الله به عليم فقال لي اسكت فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول ولا يضرك في دينك ولا في عقلك وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة ما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله عز وجل من هذا الفتى القرشي قلت من هذا قال محمد بن إدريس الشافعي.
نا عبد الرحمن نا أبي نا عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران قال قال لي أحمد بن حنبل مالك لا تنظر في كتب الشافعي؟ فما من أحد وضع الكتب حتى ظهرت أتبع للسنة من الشافعي، نا عبد الرحمن نا أحمد بن عثمان النحوي النسائي قال سمعت أبا قديد النسائي يقول سمعت إسحاق بن راهويه يقول كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل في حاجتي فوجه إلي بكتاب الرسالة.
نا عبد الرحمن نا أبو زرعة قال نظر أحمد بن حنبل في كتب الشافعي وقرأ له كتاباً في مناقبه قال أبو محمد.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 7- ص: 1