الوانوغي محمد بن أحمد بن عثمان التونسي الوانوغي، نزيل الحرمين: عالم بالتفسير والفرائض والحساب. ولد في تونس، ومات بمكة. له (كتاب على قواعد ابن عبد السلام) و (عشرون سؤالا) من المشكلات، بعث بها إلى القاضي البلقيني، فأجابه عنها، فرد عليه الوانوغي بنقض أجوبته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 331
الوانوغي محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر الوانوغي
التوزري، أبو عبد الله، نزيل الحرمين الشريفين كان عالما بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة ومعرفته بالفقه دون هذه العلوم.
ولد بتونس، ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن محمد بن أبي العباس أحمد البطرني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة، وسمع من ابن عرفة، وأخذ عنه التفسير والفقه والأصلين والمنطق، وقرأ على عبد الرحمن بن خلدون الحساب والهندسة والأصلين، وقرأ الأصلين والمنطق والنحو على أبي العباس القصار.
أخذ عنه ابن ناجي، وغيره.
كان شديد الذكاء، سريع الفهم، إذا رأى شيئا وعاه، وقرره وإن لم يعتن به، قال الحافظ ابن حجر بعد أن وصفه بنحو ما تقدم «حسن الإيراد للنوادر المستظرفة كثير الوقيعة في أعيان المتقدمين وعلماء العصر وشيوخهم، شديد الإعجاب بنفسه والازدراء بمعاصريه فلهجوا بذمه وتتبعوا أغلاطه في فتاويه، ثم أقام بمكة فجاور مقبلا على
الاشتغال والتدريس والتصنيف والإفادة، اجتمعت به فيهما وسمعت من فوائده».
وقال السيوطي: «كان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء، ومراعاة السائلين في الإفتاء، أجاز لغير واحد من شيوخنا المكيين».
وفي مدة مقامه بالمدينة أخذ عنه التقي الفاسي الفقه والأصول وغير ذلك عند ما زار المدينة في سنة 812 وترجم له ترجمة مطولة في كتابه «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين».
مات بمكة يوم الجمعة 19 ربيع الثاني.
مؤلفاته:
1) أجوبة على مسائل النجم بن فهد.
2) انتقاد على قواعد العز بن عبد السلام.
3) عشرون سؤالا في فنون من العلم بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقيني، فأجابه عنها فرد ما قاله البلقيني.
4) فتاوي كثيرة متفرقة، قال عنها التقي الفاسي لم يسدد في كثير منها لمخالفته في ذلك المنقول ومقتضى القواعد.
المصادر والمراجع:
- الأعلام 6/ 231 (ط 5/)، بغية الوعاة 1/ 31 - 32، الحلل السندسية 1 ق 3/ 678 - 680، درة الحجال 2/ 38 - 39، شجرة النور الزكية 243، شذرات الذهب 7/ 138، الضوء اللامع 7/ 3 - 4، طبقات المفسرين للداودي 2/ 57 - 58 - وأعاد ترجمته في 2/ 64 - 65، توشيح الديباج لبدر الدين القرافي ص 173 - 174، العقد الثمين لتقي الدين الفاسي 1/ 308 - 317 تحقيق محمد حامد الفقي، مط السنة المحمدية، القاهرة 1378/ 1958، كشف الظنون 92، لحظ الألحاظ 267، معجم المؤلفين 8/ 289، نيل الابتهاج 286، هدية العارفين 2/ 183.
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 5- ص: 118
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي العلامة أبو عبد الله الوانوغي المالكي. نزيل الحرمين. كان عالما بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق، ومعرفته بالفقه دون غيره.
ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البطرني خاتمة أصحاب الأستاذ أبي جعفر بن الزبير بالإجازة، وسمع أيضا من ابن عرفة، وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين، والمنطق، وعن الولي بن خلدون الحساب والهيئة والأصلين والمنطق والنحو عن أبي العباس البصار.
وكان شديد الذكاء سريع الفهم، حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وإذا رأى شيئا وعاه وقدره وإن لم يعتن به وله «تأليف على قواعد ابن عبد السلام» و «عشرون سؤالا في فنون العلماء » تشهد بفضله، بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقيني، فأجاب عنها فرد ما قاله البلقيني.
وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء، ومراعاة السائلين في الإفتاء.
ومات بمكة المشرفة في سحر يوم الجمعة، تاسع عشري شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة.
أورده شيخنا في «طبقات النحاة».
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 61
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر الوانواغي التونس: نزيل الحرمين الشريفين. كان عالما بالتفسير والأصلين والعربية والفرائض والحساب والجبر والمقابلة والمنطق والفقه المالكي.
ولد سنة 759 بتونس ونشأ بها، وسمع من مسندها أبي الحسن البطاني: خاتمة أصحاب ابن الزبير، وصمع من ابن عرفة، وأخذ عنه علوما كثيرا وأخذ عن ابن خلدون: الحساب والهندسة، والنحو عن أبي العباس القضار.
وله تعليق على المدونة. وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء
توفي سنة 819
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 2- ص: 0
محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي، العلامة، المفنن، البارع، أبو عبد الله، المعروف بالوانوغي:
نزيل الحرمين الشريفين. ولد - في غالب ظني - سنة تسع وخمسين وسبعمائة بتونس، ونشأ بها.
وسمع بها من مسندها ومقرئها أبي الحسن بن أبي العباس البطرني في خاتمة أصحاب الأستاذ أبي جعفر بن الزبير بالإجازة. وله من البطرني إجازة بجميع ما يرويه.
وسمع من مفتي تونس وعالمها الشيخ أبي عبد الله محمد بن عرفة الورغمي، وأخذ عنه: التفسير والفقه في التهذيب للبرادعي، وفي مختصري ابن الجلاب وابن الحاجب، وفي تأليف شيخه ابن عرفة في الفقه. سمع عليه أكثره، وأخذ عنه: المنطق والأصلين.
وأخذ عن القاضي ولى الدين عبد الرحمن بن خلدون، المنطق والأصلين وعلوم الحساب والهندسة.
وأخذ عن الشيخ أبي العباس: القضاء، والنحو في عدة كتب، وأخذه عن غيره. وله بالعلم أتم عناية.
وكان ذا معرفة بالتفسير، والأصلين، والمنطق، والعربية، والفرائض، والحساب، والجبر، والمقابلة وأما الفقه: فمعرفته به دون ما سبق.
وكان إذا رأي شيئا وعاه وقرره، وإن لم يسبق له به عناية. وكان يعينه على ذلك ما منحه من شدة الذكاء وسرعة الفهم. وكان حسن الإيراد للتدريس والفتوى، وعلى كثير من الكلام يقوى.
ويحفظ نكتا ظريفة وأشعارا لطيفة، وينشدها بصوت حسن. وفيه مروءة ولطف في المعاشرة.
وله تأليف على قواعد شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الشافعي. ذكر أنه زاد عليه فيما أصله فوائد كثيرة، ورد عليه كثيرا مما قاله، وأوقفني على موضع من ذلك يتعلق بفضل مكة والمدينة، فرأيت فيه ما ينتقد في مواضع منه، ولا أبعد أن يكون فيه كثير من هذا المعنى.
وله سؤالات في فنون من العلم، تشهد بفضله، وهي عشرون سؤالا بعثها من المدينة يتعرف جواب علماء الديار المصرية عنها، فتصدى للجواب عنها مولانا وشيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين بن مولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، أمتع الله بحياته، ورد عليه كثيرا مما قاله فيها. ووصل ذلك إلى المذكور. فذكر لي أنه رد ما ذكره شيخ الإسلام.
وله فتاوى كثيرة متفرقة لم يسدد في كثير منها لمخالفته في ذلك المنقول، ومقتضى القواعد.
وقد بينت أشياء من ذلك في عدة من أجوبته، وما وقف إلا على بعض ذلك. وأجاب عنه بما لا يخلو من نظر، وثم عليه في بعضها تناقض ظاهر لاختلاف جوابه في الواقعة الواحدة. ويقال: إنه كان يقصد بذلك مراعاة خواطر السائلين. وهذا مما عيب عليه. وعيب عليه أيضا كثرة إطلاقه للسانه في أعيان من العلماء. وقد سمعت منه أشياء من ذلك.
منها: أنه قال: إن شراح مختصر ابن الحاجب في الفقه لم يفهموه.
وسمعت بعض الناس يذكر له كلاما للشيخ أبي محمد بن أبي حمزة في الإعراض عن كتاب الزمخشري في التفسير والإقبال على تفسير ابن عطية وغيره من علماء السنة. فقال: هذا الكلام ما يسوى حبة.
وسألته عن كلام العراقي في الأصول فلم يحمده. وسمعته كثيرا لا يثبت لشيخه ابن عرفة في أكثر الفنون كثير معرفة.
وكان لتآليف ابن عرفة يعيب. وأكثر ظني: أنه في ذلك غير مصيب.
ووجدت بخط الوانوغي من الزلل في حق العلماء أكثر مما سمعت منه. وذلك في وريقات ذكر فيها اشتغاله بالعلوم لسؤال بعض الناس له عن ذلك. فمما فيها - بعد ذكره مختصر ابن الحاجب الفرعي ـ: ولم يوفق أحد من شراحه إلى شرحه كما ينبغي، بل كلها أفسده وأفسد مسائله.
وبادر إلى الاعتراض عليه وإلى تخطئته، ولم يقع على الغرض الذي قصده المصنف، ثم قال: وله اصطلاحات وعبارات شرحها الشراح مفرقة، وشرحها بعضهم مجموعة لم يصادفوا فيها المقرر، ولا أصابوا شاكلة الرمي.
وقد سمعت قراءة هذا الكتاب على الشيخ ابن عرفة مرارا. وكانت قراءته فيه هينة، وقراءته للمدونة أحسن، وكان مولعا بالرد عليه وعلى شارحه ابن عبد السلام. وسمعت على الشيخ ابن عرفة كتاب مسلم، سماع تفهم وبحث.
ولم يكن له اشتغال بعلم الحديث، فلم ينظر فيه نظر المحدث باصطلاح المعروف إنما يتكلم عليه ببعض ما ذكره صاحب الإكمال، وهو أحسن ما عليه. وبعده القرطبي على مختصره.
وأما شرح النووي: فقليل الفائدة مع الطول المسئم.
وسمعت ابن عرفة يقول: لقد أتعب الناس في نسخه، فهلا كتب كراسة فقط بما زاد على القاضي من ضبط الأسماء المشكلة، وكفى الناس المؤنة. وفيه مواضع كنت أنبه عليها وقت القراءة.
ثم قرأت مختصر ابن الحاجب في الأصول على أشياخ، وما رأيت منهم من شق له غبارا، وإنما يقرؤنه بالسلاطة وقوة الجأش.
ثم قال: وعلى كثرة شروحاته، فهو محتاج إلى الشرح؛ لأنهم في مواضع لا يفصحون بشرحها، بل يتركونها كما هي بينهم عموم وخصوص في تفسير المسائل.
وقد تكلمنا على كثير من مسائله المشكلة المهملة عند الشراح.
وقد ألف الناس بعده فلم يبلغوا شأوه. ألف البيضاوي: كتاب المنهاج، سلك فيه طريقة الإمام الرازي على عادته.
وألف ابن الساعاتي، وتبع في ذلك طريقة الآمدي، وقصد حل كثير من أسئلة ابن الحاجب والرد عليه في كثير من الأدلة بزعمه، فلم يصادف الغرض.
وأصعب الطرق في الأصول طريقة الحنفية. قرأت فيه كتاب ابن الساعاتي وأقرأته، وللتفتازاني على كتاب التوضيح لصدر الشريعة كتاب جليل.
وإنما أتوا في طريقهم من النظر في الألفاظ مجردة عن اعتبار ما سيقت له، ومن عدم مساعدة الطبع والذوق، وليحترز الناظر في البرهان من زلة ذكرها في أول كتابه يقول: إنه اجتمع يوما مع ابن سينا، فتكلم معه في تعليق العلم القديم بالجزئيات، فأورد عليه شبهة عجز عن حلها. فألزمه إنكار ذلك فأنكره، وكتبه هناك. ولعلها دست عليه في كتابه. وقد اختصره ابن المنير فأبدع.
وكذلك يحترز الناظر في شراح ابن الحاجب، وفي كتب المتأخرىن في علم أصول الدين من زلة أطبقوا عليها لسبب مخالطتهم لكتب الفلاسفة. ومن ذلك كان يقول بعض الأشياخ فيهم: أفراخ الفلاسفة. وقد أوضحت فساد قولهم وزللهم فيما كتبت على المختصر.
ثم قال بعد ذكره: قرأته في علم أصول الدين والمدخل لقراءة هذا العلم عند أشياخنا: كتاب الإرشاد، وليس فيه شفاء العليل.
ثم قال - بعد ذكره لعلم البيان، وما قرأ فيه ـ: وكان الشيخ أبو حيان على جلالته في علم العربية ينبو عنه طبعه.
ثم قال - بعد ذكره لتلخيص المفتاح ـ: وعليه شروحات كثيرة، منها شرح السبكي وهو اسم شرح بلا مسمى. وفيما كتب المذكور بخطه غير هذا من هذا المعنى. وفيه أسطر مسودة لا يعرف ما فيها.
وأخبرني المكتوب إليه ذلك: أن في المواضع المسودة كلاما نال فيه كثيرا من شيخه ابن عرفة. وكل ما رأينا من السواد هو عند ذكره ابن عرفة.
وذكر لي الشيخ خليل بن هارون الجزائري نزيل مكة، وهو المكتوب إليه على ما ذكر لي: أنه الذي سود ذلك؛ لأنه لم يستطع أن يرى ذما في ابن عرفة لجلالة قدره.
وليس كل ما نقلناه من خط الوانوغي في كتبه مجتمعا على ما ذكرناه وإنما أكثره مفرق بخطه، ومراده بالبرهان: البرهان إمام الحرمين، وبالإرشاد: الإرشاد له.
ووجدت بخطه على سؤال ذكر لي فيه: أن الشيخ الإمام تقي الدين السبكي يرى أن من يقدمه الأب على ابنه عند غيبة الجد أولى من الحاكم ما نصه بعد رده لكلام السبكي: والحاصل: أن فهم الشيخ مخالف للقواعد، وإطلاقات الأئمة، وتأويل على المذهب، أو مذهب على خلاف القواعد المجمع عليها، فلا يعتمده الحاكم، ولا يراعى ما وافقه من الحكم. والله أعلم. انتهى.
فانظر إلى ما في هذا اللفظ من عدم تحسين الخطاب في حق الإمام السبكي وإلى ما فيه من التكرار بلا فائدة، أو عدم استقامة قوله، فإنه قال: والحاصل أن فهم الشيخ مخالف للقواعد.
ثم قال: أو مذهب على خلاف القواعد المجمع عليها. فإن أراد بقوله: القواعد في الموضعين: قواعد الشافعية، كان أحد اللفظين تكرار بلا فائدة، وإن أراد بذلك: قواعد الشافعية وغيرهم لم يكن ذلك مستقيما؛ لأن مذهب مالك لا ولاية للجد على ابن ابنه، وسبب تجريه بالولاية عليه لوصيه إن كان وإلا فللحاكم، على الزلل في حق العلماء، فإنه كان كثير العجب بنفسه؛ بحيث يرى أنه لو لقى مالكا وغيره من الأئمة لحاجهم.
وبلغني عنه أنه كان يقول: لي أن أفتى بالشيء وضده، ولا أسأل عن ذلك، ونحى في ذلك إلى نيله لرتبة الاجتهاد.
ولم يكن لأهل عصره بكثير فضل معترفا، ولا كان في البحث منصفا لحرصه على ترويج حجته، وإعلاء رتبته.
وكان يسارع إلى دعوى اتفاق أهل مذهبه ولدعوى الإجماع، ولا يخلو في ذلك من نزاع، ولو أعرض عن جميع هذه الأمور، وعن إدخال نفسه فيما بين الناس من الشرور، وعما ينسب إليه من اتباع الهوى في الفتن؛ لكان الثناء عليه أكثر وأجمل، ولعل لخدمته للعلم يعفى عنه كل زلل.
وقد درس بالحرمين، وأفتى فيهما كثيرا. وكنت أتعرف رأيه في كثير من مسائل الفقه، لما في كثير منها من الغموض. وكان يستحسن تقريري للسؤال عنها، وما أشير إليه من أثناء السؤال من الجواب عنه.
وقد سوغ لي الإفتاء والتدريس في المذهب، ورواية ما له من مروي ومصنف. وكتب لي خطه بذلك، وصورة ما كتبه:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، يقول كاتبه العبد الفقير إلى ربه، محمد بن أحمد الوانوغي: إنه لما من الله سبحانه على بالتردد إلى مكة المشرفة حاجا ومعتمرا ومجاورا، وطلبت الاجتماع بعلمائها وفضلائها وصلحائها وحكامها، كان ممن اجتمعت به وذاكرته وباحثته مرارا عديدة في مسائل كثيرة من مسائل الفقه وغوامضه، وما يتعلق بها.
وتكررت أسئلته عن ذلك كله، وباحثته فيها مرة بعد أخرى، السيد الفقيه الفاضل، الأعدل، الأكمل، الجامع للصفات الكاملة الحسني، الأصيل، القاضي تقي الدين محمد ابن الشيخ الحسيب، الأصيل شهاب الدين أحمد بن علي الفاسي، نفع الله بفوائده وعلومه الجليلة.
وقد ورد علينا بالمدينة المشرفة، وحضر معنا درس الفقه والأصول، وأبدى فيه من فوائده ومباحثه الجليلة ما يليق بعلمه وفضله على طريقة أهل الفنون والمباحثة، فرأيته بذلك كله أهلا للتدريس، والفتوى، والحكم، وإفادة الطالبين مع ما جبل عليه من حسن الفهم، وحسن الإيراد، وسعة التأني في البحث والمراجعة فيه، فأوجب ذلك كله الإذن له في التدريس، والفتوى، وإفادة الطلبة وحثه على الاشتغال بذلك كله، والملازمة له؛ لينتفع به الناس عموما وأهل بلده خصوصا، فإني لم أر في فقهاء المالكية بالحجاز كله من يقاربه في جميع ما ذكر - نفع الله به - ولا في اتصافه في العلم، ولا في الفهم عن الأئمة - زاده الله وإيانا فقها وعلما - فليتجرد - أعزه الله تعالى - لذلك، ويأخذ فيه بالحزم، والعزم لمسيس الحاجة في ذلك، وافتقار الناس إليه زمانا ومكانا. والله سبحانه يسدده، ويوفقه للخير، والفهم، والجد في العلم بمنه وكرمه.
وقد أجزت له مع ذلك أن يروى عني جميع ما يصح لي روايته من مروي ومصنف بشرطه.
قال: وكتبه العبد المسمى أوله: محمد بن أحمد الوانوغي المالكي، نزيل الحرمين الشريفين بتاريخ ثاني عشر من ذي الحجة الحرام سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. انتهى.
وكان حوى كتبا كثيرة ودنيا فيها سعة، بالنسبة إلى مثله فأذهبها بتسليفها لمن لا يتيسر منه كثير خلاص لفقره مع معرفته بحاله، ولكن يحمله على ذلك ما يلتزم له به المتسلف من الربح الكثير، وما حصل له من ذلك إلا اليسير.
واتفق له في طلب ذلك ما لا يليق بأهل العلم من كثرة التردد للباعة للمطالبة وإعراض بعضهم عنه في حال طلبه واتفق ذلك له بالحرمين.
وأول قدومه إليها سنة ثمانمائة فحج فيها وعاد إلى مصر، ثم عاد قبيل رمضان من التي بعدها إلى مكة، فجاور وحج فيها.
وسار إلى المدينة، وتوصل منها إلى مصر بعد الحاج بمدة، في أثناء سنة اثنتين وثمانمائة، وحج فيها، ومضى إلى المدينة واستوطنها. وصار يتردد إلى مكة في كثير من السنين.
ثم قدم مكة بأهله في سنة خمس عشرة، فجاور بها نحو أربعة أشهر قبل الموسم وقبل فيها ما يقبله الحجازيون من الفتوح لضيق حاله.
ومضى بعد الحج إلى المدينة وترك أهله بمكة، وصار يتردد إلى المدينة لما يعرض له فيها من الحوائج.
وأدركه الأجل بمكة - بعد علة طويلة بالإسهال والاستسقاء - في سحر يوم الجمعة تاسع عشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة. وصلى عليه بالحرم الشريف عند باب الكعبة، وذهب به إلى المعلاة من باب بنى شيبة.
ودفن بها قريبا من قبر الشيخ أبي الحسن الشولي في ضحى اليوم المذكور. سامحه الله تعالى. ووجدت بخطه تنبيهات تتعلق بكتب في المذهب وغيره.
منها: وفي ابتداء قراءتي لعلم النحو ابتدأت قراءة الفقه على الشيخ أبي عبد الله بن عرفة، فقرأت عليه كتاب ابن الجلاب في أول العام، وكان يكره منا مطالعة شيء من مشروحاته كما كان يكره مطالعة شيء من مشروحات الرسالة عدا شرح القاضي عبد الوهاب.
ويحكى عن الشيخ ابن عبد السلام وغيره من الأشياخ: أنهم لا يعتمدون على شيء من مشروحات الكتابين، ولا على ما ينقلونه، ويقولون: إنه لو لم يثبت عندهم: أن أحدا منهم في طبقة من يعتمد عليه في الفهم والنقل. انتهى.
وفى هذا نظر بالنسبة إلى بعض شراح الكتابين، فإن الشيخ شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، ممن شرح ابن الجلاب، والشيخ تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني: ممن شرح الرسالة، وهما بالفضل مشهوران، لا سيما القرافي. ولعل شرحاهما لم يبلغا المغرب في زمن من قال ذلك، وليس على الرسالة أحسن من شرح الفاكهاني وكثرة فوائده، وقل أن لا يعزوها. والله أعلم.
ومنها: وكان الشيخ ابن عبد السلام يقول: من لا يختم المدونة في كل سنة لا تحل له الفتوى منها.
ومنها: وكان الشيخ ابن عبد السلام يقول: ينبغي للطالب أن يحترز في نظر كتاب ابن عطية أكثر من كتاب الزمخشري، فإن الزمخشري عدو ظاهر، ينفر الناس من قبول كلامه ببادئ الرأي، فلا يسكن إليه إلا بعد العلم بحاله.
وأما ابن عطية: فالنفس سريعة القبول بكلامه ببادئ الرأي، وفيه كثير من تفاسير المعتزلة ينقلها، ويظن أن ليس فيها شيء وتحتها السم القاتل. انتهى.
ووجدت بخطه في سؤال يسأل فيه عما نقله ابن عبد الرفيع عن الشيخين أبي عمران الفاسي، وأبي بكر بن عبد الرحمن من انفساخ الإجازة بالبيع الواقع بعدها في المستأجر - بفتح الجيم - وعما في الجواهر لابن شاس من عدم الفسخ في ذلك ما نصه:
وأما صاحب الجواهر، فالظاهر أن ما لا يقف على نص فيه ويجده منصوصا للشافعية ولا يظهر له مخالفته للمذهب ينقله نصا في المذهب.
والظاهر: أن أمره في هذه المسألة كذلك؛ لأنه لو وقف على النص فلا يتركه. وأشياخنا ينقلون عن أشياخهم: أنه ينقل عن الشافعية كثيرا، وأنه لا يبلغ رتبة من يعتمد على فهمه في المذهب وإن عزاه، ويصرحون بمنع الفتيا والحكم منه، وما لا يعزوه أشد في ذلك، والله أعلم. انتهى.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 1