التصنيفات

سعدون المجنون سعدون المجنون، يقال إن اسمه سعيد وكنيته أبو عطاء ولقبه سعدون. من أهل البصرة، كان من عقلاء المجانين وحكمائهم، له أخبار ملاح وكلام سديد ونظم ونثر يستحسن. وطوف البلاد ودونت أخباره. استقدمه المتوكل وسمع كلامه، وذكر الفتح بن شخرف أنه كان من المحبين لله، صام ستين سنة فجف دماغه فسماه الناس مجنونا. قال عطاء السليمي: احتبس علينا القطر بالبصرة فخرجنا نستسقي فإذا بسعدون المحنون، فلما بصر بي قال: يا عطاء إلى أين؟ قلت: خرجنا نستسقي! قال: بقلوب سماوية أم بقلوب أرضية؟ قلت: بقلوب سماوية! قال: لا تبهرج فإن الناقد بصير، قلت: ما هو إلا ما حكيت لك فاستسق لنا! فرفع رأسه إلى السماء وقال: أقسمت عليك إلا سقيتنا الغيث! ثم أنشأ يقول:

إسقنا! فأرسلت السماء شآبيب كأفواه القرب، قلت: زدني! قال: ليس ذا الكيل من ذا البيدر، ثم أنشأ يقول:
وقال عطاء: رأيت سعدون يتفلى ذات يوم في الشمس فانكشفت عورته، فقلت له: استر يا أخا الجهل: فقال: من لك مثلها؟ -فاستتر. ثم مر بي يوما وأنا آكل رمانا في السوق فعرك أذني وقال:
وقال عبد الله بن سويد: رأيت سعدون المجنون وبيده فحمة وهو يكتب بها على جدار قصر خراب:
وقال الفتح بن سالم: كان سعدون سياحا لهجا بالقول، فرأيته يوما بالفسطاط قائما على حلقة ذي النون وهو يقول: يا ذا النون متى يكون القلب أميرا بعد أن كان أسيرا؟ فقال ذو النون: إذا اطلع على الضمير ولم ير في الضمير إلا الخبير، قال: فصرخ سعدون وخر مغشيا عليه ثم أفاق فقال:
ثم قال: استغفر الله لا حول ولا قوة إلا بالله! ثم قال: يا أبا الفيض إن من القلوب قلوبا تستغفر قبل أن تذنب؟ قال: نعم، تلك قلوب تثاب قبل أن تطيع أولئك قوم أشرقت قلوبهم بضياء روح اليقين.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0