الوأواء محمد بن أحمد الغساني الدمشقي، أبو الفرج، المعروف بالوأواء: شاعر مطبوع، حلو الألفاظ، في معانيه رقة. كان في مبدأ أمره مناديا بدار البطيخ في دمشق. له ’’ديوان شعر-ط’’.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 312
الوأواء الدمشقي محمد بن أحمد وقيل محمد بن محمد أبو الفرج الوأواء الغساني الدمشقي. شاعر مطبوع منسجم الألفاظ عذب العبارة حسن الاستعارة جيد التشبيه بني الحريري مقامة على قوله:
وأمطرت لؤلؤا من نرجس فسقت | وردا وعضت على العناب بالبرد |
وليل كفكري في صدود معذبي | وإلا كأنفاسي عليه من الوجد |
وإلا كعمر الهجر فيه فإنه | إذا قسته بالوصل كان بلاحد |
سقياني ذبيحة الماء في الكا | س وكفا عن شرب ما تسقياني |
إنني قد أمنت بالأمس إذ مـ | ـت بها أن أموت موتا ثاني |
قهوة تطرد الهموم إذا ما | سكنت في مواطن الأحزان |
نثرت راحة المزاج عليها | حدقا ما تدور في أجفان |
فهي تجري من اللطافة في الأر | واح مجرى الأرواح في الأبدان |
يتهادى بكأسها من هدايا | ه إلينا طرايف الأشجان |
ما رأينا وردا كورد بخديـ | ـه بدا طالعا على غصن بان |
زارني والصباح في ساعد الأفـ | ـق كنحر في نصفه نصف جان |
وغدا والهلال في شرك الفجـ | ـر شريكي في قبضة الأرتهان |
ويمين الجوزاء تبسط باعا | لعناق الدجى بغير بنان |
وكأن الإكليل في كلة الليـ | ـل ثلث من فوق عقد ثمان |
وكأن الذراع فوق الثريا | راية ركبت بغير سنان |
وكأن المريخ إذ رمى الغر | ب به حربة من النيران |
وكأن النجوم أحداق روم | ركبت في محاجر السودان |
رشأ تشره النفوس إلى ما | في ثناياه من رحيق اللسان |
لا وما احمر من تورد خديـ | ـه وما اصفر من شموس الدنان |
لأطلت السجود في قبلة الكأ | س بتسبيح ألسن العيدان |
كم صلوة على فتى مات سكرا | قد أقيمت فينا بغير أذان |
أيها الرايح الذي راحتاه | بخضاب الكؤوس مخضوبتان |
عج بضحك الأقداح في رهج القصـ | ـف إذا ما بكت عليها القناني |
واسقني القهوة التي تنبت الور | د إذا شئت في خدود الغواني |
لا تدغدغ صدر المدام بأيدي الـ | ـمزج ما دغدغت صدور المثاني |
في رياض تريك بالليل منها | سرجا من شقايق النعمان |
كتبتها أيدي السحاب بأقلا | م دموع على طروس المغاني |
ألفات مؤلفات ولاما | ت تكون من ضمير المعاني |
وجلا الثريا في ملا | ءة نوره البدر التمام |
فكأنها كأس ليشـ | ـربها الدجى والبدر جام |
وكأن زرق نجومها | حدق مفتحة نيام |
سقيا ليوم غدا قوس الغمام به | والشمس مشرقة والبرق خلاس |
كأنه قوس رام والبروق له | رشق السهام وعين الشمس برجاس |
والبدر أول ما بدا متلثما | يبدي الضياء لنا بخد مسفر |
وكأنما هو خوذة من فضة | قد ركبت في هامة من عنبر |
لست أنسى قلبي وقد راح نهبا | بين بين مبرح وصدود |
وسماء العيون إذ ذاك تسقي | بسحاب الدموع روض الخدود |
بالله ربكما عوجا على سكني | وعاتباه لعل العتب يعطفه |
وعرضا بي وقولا في حديثكما | ما بال عبدك بالهجران تتلفه |
فإن تبسم قولا في ملاطفة | ما ضر لو بوصال منك تسعفه |
وإن بدا لكما في وجهه غضب | فغالطاه وقولا ليس نعرفه |
باللطف إذا لقيت من أهواه | عاتبه وقل له الذي ألقاه |
إن أغضبه الوصال غالطه به | أو رق فقل عبدك لا تنساه |
ألا يا نسيم الريح بلغ رسالتي | سليمى وعرض بي كأنك مازح |
فإن أعرضت عني فموه مغالطا | بغيري وقل ناحت بذاك النوايح |
بحرمة العهد أن جزت النقايا سعد | وأبصرت ذات المحيا والأثيث الجعد |
عرض بذكرى وغالطها وقل يا دعد | إذ لم تجودي بوصلك فاسمحي بالوعد |
ويا رسولي إليهم صف لهم أرقي | وأن طرفي لضيف الطيف مرتقب |
واسأل مواهبهم للعين بعض كرى | عساي أن يهبوا لي بعض ما نهبوا |
ولطف القول لا تسأم مراجعة | وأشك الهوى والنوى قد ينجح الطلب |
عرض بذكري فإن قالوا أتعرفه | فاسأل لي الوصل وانكرني إذا غضبوا |
فأتتها طبة عالمة | تمزج الجد مرارا باللعب |
تغلظ القول إذا لانت لها | وتراخي عند سورات الغضب |
من قاس جدواك بالغمام فما | أنصف في الحكم بين اثنين |
أنت إذا جدت ضاحك أبدا | وهو إذا جاد دامع العين |
أيا ملزمي ذنب الدموع وقد جرت | فأبدت من الأسرار كل مصون |
أعني على تأديب دمعي فإنه | يتوب إذا ما كنت أنت معيني |
إذا اشتد ما ألقى جلست حذاءه | ونار الهوى قد أضرمت بين أوصالي |
أقبل من فيه نسيم كلامه | إذا مر بي صفحا بأفواه آمالي |
يا من بزرقة سيف اللحظ طل دمي | والسيف ما فخره إلا بزرقته |
علمت إنسان عيني أن يجود فقد | جادت سباحته في ماء عبرته |
ولما وقفنا ساحة الحي لم نطق | كلاما تناجينا بكسر الحواجب |
نناجي بإضمار الهوى ظاهر الهوى | بأطيب من نجوى الأماني الكواذب |
كأن يميني حين حاولت بسطها | لتوديع إلفي والهوى يذرف الدمعا |
يمين ابن عمران وقد حاول العصا | وقد جعلت تلك العصا حية تسعى |
أترى الجيرة الذين تداعوا | بكرة للزيال قبل الزوال |
علموا أنني مقيم وقلبي | راحل فيهم إمام الجمال |
مثل صاع العزيز في أرحل القو | م ولا تعلمون ما في الرحال |
سار الحبيب وخلف القلبا | يبدي العزاء ويضمر الكربا |
قد قلت إذ سار السفين بهم | والبين ينهب مهجتي نهبا |
لو أن لي عزا أصول به | لأخذت كل سفينة غصبا |
ألا إن إخواني الذين عهدتهم | أفاعي رمل لا تقصر عن لسعي |
ظننت بهم خيرا فلما بلوتهم | نزلت بواد منهم غير ذي زرع |
أنا في قبضة الغرام رهين | بين سيف مجاذب ورديني |
وكأن الهوى امرء علوي | ظن أني وليت قتل الحسين |
وكأني يزيد بين يديه | فهو يختار أوجع القتلتين |
وحمايم نبهنني | والليل داجي المشرقين |
شبهتهن وقد بكيـ | ـن وما ذرفن دماء عيني |
بنساء آل محمد | لما بكين على الحسين |
ليل المحبين مطوي جوانبه | مشمر الذيل منسوب إلى القصر |
ما ذاك إلا لأن الصبح نم بنا | فأطلع الشمس من غيظ على القمر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 2- ص: 0