حسن بن قتادة حسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
كان الحسن هذا صاحب مكة بعد أبيه قتادة؛ لأن قتادة كان يوما بالحرم مع الأشراف، إذ هجم عليه ولد لابنه حسن هذا وترامى في حجره، فدخل الحسن كالمجنون يشتد في أثره وألقى يده في شعر ابنه وجره من حجر والده.
فاغتاظ قتادة، وقال: هكذا ربيتك ولهذا ذخرتك. فقال حسن: ذاك الإخلال أوجب هذا الإدلال. فقال قتادة: ليس هذا بإدلال ولكنه إذلال. وانصرف حسن بولده.
فالتفت قتادة إلى من حوله، وقال: والله، لا أفلح هذا أبدا، ولم يفلح معه، فلم يمر إلا القليل، حتى واطأ الحسن جارية تخدم أباه، فأدخلته ليلا عليه، فقتله بمعونة الجارية وغلام آخر له على ذلك.
ثم إن حسنا المذكور قتلهما بعد ذلك، وقعد في مكان أبيه، والعيون تنثني عنه والقلوب تنفر منه.
فامتعض راجح بن قتادة من قتل أبيه، وكون قاتله يأخذ ملكه، فلما وصل آقباش التركي أمير الركب العراقي إلى مكة، اجتمع به راجح وشرح له القصة، وسأل منه أن يعضده في أخذ ثأر أبيه، ويلتزم من الخدمة والطاعة ما يجب للديوان العزيز.
فنهي الخبر إلى حسن المذكور، فأغلق أبواب مكة، ومنع الناس من الدخول إليها والخروج عنها، واقتتلوا، وقتل الأمير المذكور، ونهب الناس، وفتك بهم.
ثم إن حسنا المذكور مات طريدا غريبا لأن الملك المسعود بن الكامل بن أيوب استولى على مكة، وهرب حسن المذكور إلى بغداد ومرض بها. وكان يرى أباه في النوم، يجيء إليه ويضع يده في خناقه، فينتبه مذعورا، ويسمعه من في البيت وهو يقول: بالله لا تفعل، وهو كالمتخبط، وكان في الزقاق الذي سكن فيه، امرأة مشهورة بالصلاح، فسأل أن يحمل إليها على سرير، فلما حصل بين يديها، قال لها: أريد منك دعوة، وأنا على مفارقة الدنيا، قالت: وما هي؟ قال: أن يغفر الله لي، فقد قتلت أبي، وسفكت دماء الحجاج في الحرم، وصلبت أميرهم في المسعى، وعصيت الخليفة، وقطعت السبل، وظلمت الخلق، وما صليت للخالق ركعة قط.
قال الريحاني: فضرطت له بملء فيها. فقال: ما هذا وأين الذي شهر منك الصلاح؟ فقالت له: كل شيء في مكانه مليح. فقال: احملوني فأنا الجاهل الذي حسبت أنه يجيء من نساء بغداد صالحة أبدا. ومات سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ثم إن أخاه استولى بعد ذلك على ملك مكة.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0
حسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم الحسني المكي، يكنى أبا عالى، ويلقب شهاب الدين:
أمير مكة. ولى إمرتها بعد أبيه نحو ثلاث سنين. وقد ذكر ابن الأثير شيئا من خبره؛ لأنه قال في كامله بعد أن ذكر موت قتادة والد حسن هذا: ولما مات ملك بعده ابنه الحسن، وكان له ابن آخر اسمه راجح، يقيم في العرب بظاهر مكة يفسد وينازع أخاه في ملك مكة، فلما سار حجاج العراق، كان الأمير عليهم مملوك من مماليك الخليفة الناصر لدين الله، اسمه آقباش. وكان حسن السيرة مع الحاج، كثير الحماية، فقصده راجح بن قتادة وبذل له وللخليفة مالا ليساعده على ملك مكة، فأجابه إلى ذلك. ووصلوا إلى مكة، ونزلوا بالزاهر، وتقدم إلى مكة مقاتلا لصاحبها.
وكان قد جمع جموعا كثيرة من العرب وغيرها، فخرج إليه من مكة وقاتله. وتقدم أمير الحاج من بين عسكره منفردا، وصعد جبلا إدلالا بنفسه، وأنه لا يقدم أحد عليه، فأحاط به أصحاب حسن فقتلوه وعلقوا رأسه، فانهزم عسكر أمير الحاج.
وأحاط أصحاب حسن بالحجاج لينهبوهم، فأرسل إليهم حسن عمامته بالأمان، أمانا للحاج. فعاد أصحابه عنهم ولم ينهبوا منهم شيئا. وسكن الناس، وأذن لهم حسن في دخول مكة، وفعل ما يريدونه من الحج والبيع وغير ذلك، وأقاموا بمكة عشرة أيام، وعادوا فوصلوا إلى العراق سالمين، وعظم الأمر على الخليفة، فوصلته رسل حسن يعتذر ويطلب العفو منه. فأجيب إلى ذلك. انتهى.
وذكر أبو شامة عن آقباش، ما يقتضى خلاف ما ذكره عنه ابن الأثير؛ لأنه قال: فلما وصل آقباش إلى عرفات، جاءه راجح بن قتادة أخو حسن، وسأله أن يوليه إمارة مكة، وقال: أنا أكبر ولد قتادة، فلم يجبه، وظن حسن أن آقباش قد ولاه فأغلق أبواب مكة.
وقال أبو شامة أيضا بعد ذكره لقتل آقباش: وأراد حسن نهب الحاج العراقي، فمنعه
أمير حج الشام، المبارز المعتمد، وخوفه من الأخوين: الكامل والمعظم، ملكى مصر والشام. فأجابه وكف عن ذلك. انتهى.
وإنما ذكرنا هذا؛ لأنه يوهم أن حسن بن قتادة إنما كف عن الحجاج بتخويف أمير الشام له من الكامل والمعظم. وما ذكره ابن الأثير، يقتضى أنه ليس لكف حسن عن نهب الحجاج سبب، والله أعلم أي ذلك كان.
وذكر أبو شامة ما يقتضى أن حسن بن قتادة كان مهتما لهذه الفتنة؛ لأنه قال: قلت: كان في حاج الشام هذه السنة، شيخنا فخر الدين أبو منصور بن عساكر، فأخبرني بعض الحجاج في ذلك العام، أن حسن بن قتادة أمير مكة، جاء إليه وهو نازل داخل مكة، فقال له: قد أخبرت أنك خير أهل الشام، فأريد أن تصير معى إلى دارى، فلعل ببركتك تزول هذه الشدة عنا، فصار معه إلى داره مع جماعة من الدمشقيين، فأكلوا شيئا، فما استتم خروجهم من عنده حتى قتل آقباش، وزال ذلك الاستيحاش. انتهى.
وقال ابن الأثير في أخبار سنة عشرين وستمائة: في هذه السنة سار الملك المسعود أتسز بن الملك الكامل محمد إلى مكة، وصاحبها حينئذ حسن بن قتادة إدريس العلوي الحسني، وقد ملكها بعد أبيه كما ذكرنا. وكان حسن قد أساء السيرة إلى الأشراف والمماليك الذين كانوا لأبيه، وقد تفرقوا عنه، ولم يبق عنده غير أخواله من عنزة، فوصل صاحب اليمن إلى مكة رابع، ربيع الآخر، فلقيه الحسن وقاتله بالمسعي ببطن مكة، فلم يثبت وولى منهزما فقارق مكة فيمن معه، وملكها أتسز صاحب اليمن ونهبها عسكره إلى العصر، فحدثني بعض المجاورين المتأهلين، أنهم نهبوها حتى أخذوا الثياب عن الناس، وأخفروهم وأمر صاحب اليمن أن ينبش قبر قتادة ويحرق، فنبشوه، فظهر التابوت الذي دفنه ابنه الحسن، والناس ينظرون إليه، فلم يروا به شيئا، فعلموا حينئذ أن الحسن دفن أباه سرا، وأنه لم يفعل في التابوت شيئا، وذاق الحسن عاقبة قطيعة الرحم وعجل الله مقابلته، وزال عنه ما قتل أباه وعمه وأخاه لأجله: {خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} [الحج: 11]. انتهى.
وسنذكر قريبا ما قيل من قتل حسن بن قتادة لأبيه وأخيه وعمه.
وذكر ابن محفوظ: أن إخراج الملك المسعود لحسن بن قتادة من مكة، كان في سنة تسع عشرة وستمائة. وذكر ذلك غيره، ولنذكر كلامه لإفادته ذلك وغيره. قال: في سنة تسع عشرة: توجه الملك السمعود إلى مكة فوصلها في ربيع الأول، وخرج حسن
من البلاد، فتسلمها السلطان وراجح معه، ورد السلطان على أهل الحجاز جميع أموالهم ونخلهم جميعا، وما كان أخذ من الوادى جميعه، ومن مكة من الدور.
وولى راجحا حلى ونصف المخلاف، واستناب السلطان على مكة الأمير نور الدين عمر بن علي بن رسول، ورتب معه ثلاثمائة فارس، وحج في هذا العام الملك المسعود، وأما حسن بن قتادة، فإنه راح إلى ينبع وجاء بجيش، وخرج إليه نور الدين وكسره على الخربة.
ووجدت في تاريخ الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري ترجمة لآقباش الناصري، ذكر فيها شيئا من حاله، وقتل أصحاب حسن له بمكة، ثم قال: وأراد حسن نهب الحاج العراقي، خوفه المبارز المعتمد من المعظم والكامل، فأجابه، يعنى إلى ترك النهب.
ووجدت فيه ترجمة لحسن بن قتادة؛ لأنه قال في أخبار سنة ثلاث وعشرين وستمائة: وفيها توفى حسن بن قتادة بن إدريس الحسني أمير مكة، زادها الله شرفا، وكان قد ولى الإمارة بعد أبيه، ويقال إنه دخل إلى أبيه وهو مريض فقتله خنقا وولى الإمارة مغالبة.
وكان سيئ العشرة والسيرة ظلوما مقداما، وهو الذي قتل أمير الحاج آقباش في سنة سبع عشرة، وأحدث في مكة أمورا منكرة، فأريد القبض عليه، فخرج عنها هاربا على أقبح وجه، وقصد الشام، فلم يلتفت إليه، فتوجه إلى العراق، ووصل إلى بغداد، فأدركه أجله في الجانب الغربى على دكة، فلما علم به، غسل وجهز وصلى عليه، وحمل إلى مشهد موسى عليه السلام ودفن هناك. انتهى.
ورأيت في كلام بعضهم، وأظنه الشيخ شهاب الدين أبا شامة المقدسي: أن حسن ابن قتادة لما وصل إلى بغداد، هم أهل بغداد بقتله قودا بآقباش الناصري، الذي قتله أصحابه بمكة، فعاجلت المنية حسن بن قتادة قبل قتلهم له. انتهى.
وأما ما قيل من قتل حسن بن قتادة لأبيه وأخيه وعمه. فقد ذكر ابن الأثير في كامله صورة ذلك، لأنه قال لما ذكر موت قتادة: وقيل في موت قتادة: أن ابنه حسنا خنقه، وسبب ذلك: أن قتادة جمع جموعا كثيرة، وسار عن مكة يريد المدينة، فنزل بوادى الفرع وهو مريض، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه الحسن بن قتادة، فلما أبعدوا بلغه أن عمه الحسن قال لبعض الجند: إن أخى مريض وهو ميت لا محالة، وطلب منهم أن
يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة، فحضر الحسن عنده، واجتمع إليه كثير من الأشراف والمماليك الذين لأبيه. فقال حسن لعمه: قد فعلت كذا وكذا، فقال: لم أفعل، وأمر حسن الحاضرين بقتله، فلم يفعلوا، وقالوا: أنت أمير وهذا أمير، ولا نمد أيدينا إلى أحدكما، فقال له غلامان لقتادة: نحن عبيدك فمرنا بما شيءت، فأمرهما أن يجعلا عمامة عمه في حلقه. ففعلا ثم قتله. فسمع قتادة الخبر، فبلغ منه الغيظ كل مبلغ، وحلف ليقتلن ابنه.
وكان على ما ذكرنا من المرض، فكتب بعض أصحابه إلى الحسن يعرفه الحال بقوله: ابدأ به قبل أن يقتلك، فعاد الحسن إلى مكة.
فلما وصلها قصد دار أبيه في نفر يسير، فرأي على باب الدار جمعا كثيرا، فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ففارقوا الدار وعادوا إلى مساكنهم، ودخل الحسن إلى أبيه.
فلما رآه أبوه شتمه وبالغ في ذمه وتهديده، فوثب إليه الحسن فخنقه لوقته، وخرج إلى الحرم الشريف، وأحضر الأشراف وقال: أن أبي قد اشتد مرضه، وقد أمركم أن تحلفوا لي على أن أكون أنا أميركم، فحلفوا له، ثم أنه أحضر تابوتا ودفنه ليظن الناس أنه مات، وكان قد دفنه سرا.
فلما استقرت الإمارة بمكة له، أرسل إلى أخيه الذي بقلعة الينبع على لسان أبيه يستدعيه، وكتم موت أبيه عنه.
فلما حضر أخوه قتله أيضا واستقر أمره وثبت قدمه، وفعل بأمير الحاج ما تقدم ذكره، فارتكب أمرا عظيما، قتل أباه وعمه وأخاه، لقد باع دينه بدنياه، وذلك في أيام يسيرة، لا جرم لم يمهله الله تعالى، ونزع ملكه وجعله طريدا شريدا خائفا يترقب. انتهى.
وذكر ابن سعيد المغربي مؤرخ المغرب والمشرق، شيئا من خبر حسن بن قتادة هذا، لم أره إلا في كتابه، فنذكره لما فيه من الفائدة، ونص ما ذكره بعد أن ذكر شيئا من خبر قتادة: وارتفعت فيه الأيدى بالدعاء، فقتله الله تعالى على يد ابنه حسن بن قتادة، واطأ جارية كانت تخدم أباه، فأدخلته ليلا عليه.
قال الزنجانى مؤرخ الحجاز، وكان وزيرا لأبي عزيز: وإخوته وأقاربه يزعمون أنه قتل أباه خنقا، واستعان بالجارية المذكورة وغلام له في إمساك يديه. ثم قتلهما بعد ذلك لئلا يخرج الخبر من قبلهما، وزعم للناس أنهما قتلا أباه، وقعد في مكان أبيه والعيون
تنثنى عنه، والقلوب تنفر منه. وكان من أمره مع أخيه راجح ما يأتي ذكره. ومات ببغداد سليبا طريدا غريبا.
وقال ابن سعيد أيضا: وذكر له نجم الدين الزنجاني: أن أبا عزيز كان يوما بالحرم مع الأشراف، فهجم عليه ولد لابنه حسن، وترأمي في حجره مستجيرا. وإذا بوالده حسن كالمجنون يشتد في إثره، ثم ألقى يده في شعره وجذبه من حجر جده. فاغتاظ أبو عزيز، وقال: هكذا ربيتك ولهذا ذخرتك؟، فقال حسن: ذاك الإخلال أوجب هذا الإدلال. فقال أبو عزيز: ليس هذا بإدلال ولكنه إذلال، وانصرف حسن بولده، ففعل فيه ما اقتضت طباعه، فالتفت أبو عزيز إلى الشرفاء وقال لهم: والله لا أفلح هذا، ولا أفلح معه، فلم يمر إلا قليل حتى قتل أباه على ما تقدم ذكره. انتهى.
ورأيت لحسن بن قتادة هذا مكرمة صنعها بمكة، وهي أنه رد الموضع المعروف برباط الخرازين بالمسعي، الذي وقف على رباط السدرة بمكة، إلى فقراء الرباط المذكور بعد الاستيلاء عليه.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 1