التصنيفات

باغر التركي هو الذي فتك بالمتوكل، رحمه الله تعالى، وسيأتي ذلك في ترجمة بغا الصغير الشرابي. حدث البحتري الشاعر، قال: كنا عند المتوكل مع الندماء، فتذاكروا أمر السيوف، فقال بعض من حضر: يا أمير المؤمنين، وقع عند رجل من أهل البصرة سيف من الهند ليس له نظير، فأمر المتوكل بالكتاب إلى عامل البصرة يطلبه، فاتفق أن اشتري بعشرة آلاف درهم، فسر المتوكل بوجوده، وانتضي فاستحسنه، وقال للفتح: اطلب لي غلاما تثق بنجدته وشجاعته وادفع إليه هذا السيف ليكون واقفا به على رأسي كل يوم، وما كنت جالسا، فلم يستتم المتوكل الكلام حتى دخل باغر التركي، فدعا به المتوكل، فدفع إليه السيف، وأمره بما أراد، وأمر أن يزاد في مرتبه. قال البحتري: فوالله ما انتضي ذلك السيف ولا أخرج من غمده منذ الوقت الذي دفعه إليه المتوكل إلا في الليلة التي ضرب باغر التركي به المتوكل أستاذه. واستمر باغر معظما بقتله المتوكل، على ما سيأتي في ترجمة بغا الصغير. وزاد أمره في آخر أيام المستعين إلى أن وثب بغا ووصيف عليه فقتلاه. وذلك أن باغر كان قد أقطع ضياعا تجاور إنسانا، فقبض باغر عليه وحبسه، فهرب من الحبس وصار إلى دليل بن يعقوب النصراني، كاتب بغا، فعصمه دليل من باغر، وحال بينه وبين التعدي عليه، فأوغر ذلك صدر باغر، وصار إلى بغا وهو سكران، وبغا في الحمام، فانتظره إلى أن خرج، ثم قال له: والله ما من قتل دليل بد، فقال له بغا: ومن يحول بينك وبينه؟ لو أردت قتل فارس ابني ما منعتك. ودس إلى دليل من ينذره ويأمره بالاستتار. ورفق بغا بباغر حتى انصرف راضيا. فلما أصبح باغر وقد صحا، خاف ولزم دار المنتصر، وأقام بغا مكان دليل كاتبا غيره، وأخذ بغا في العمل على باغر، وأحس باغر بذلك، فهم بقتل المستعين، ودعا من كان معه في قتل المتوكل إلى قتل المستعين، فأجابوه، وبلغ المستعين ووصيفا وبغا ذلك، فحضر وصيف منزل بغا ومعه أحمد بن صالح كاتبه، فوجه بغا إلى كاتبه دليل فحضر إليه سرا، ووجه إلى باغر فحضر في جماعة، فلما دخل دار بغا، حيل بينه وبين الوصول، وقبض عليه وحبس في حمام لبغا. ثم إنه وجه إليه من شدخه بالدبابيس والطبرزينات، فشغب الجند ونهبوا اسطبل المستعين، فركب المستعين الحراقة ومعه بغا ووصيف، وانحدروا إلى بغداد ومعهم أصحاب الدواوين. ويلغ ذلك الأتراك فغمهم، وصاروا إلى دار دليل بن يعقوب وأهل بيته وجيرانه فنهبوها وخربوها. وفي ذلك يقول أحمد بن الحارث اليماني:

فإن المستعين لما وصل بغداد، ثارت الفتن بين الأتراك وبين أهلها، وأخرج الأتراك المعتز من الحبس وبايعوه بالخلافة بسر من رأى في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين بعد ثمانية أيام من انحدار المستعين.
البافي: الفقيه الشافعي، اسمه عبد الله بن محمد.
الباقر: محمد بن علي بن الحسين.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0