ابن مماتي أسعد أبو المكارم ابن الخطير أبي سعيد مهذب بن مثنا بن زكرياء ابن أبي قدامة ابن أبي مليح مماتي -بفتح الميمين وتشديد الثانية- الكاتب الشاعر، كان ناظر الدواوين بالديار المصرية، وفيه فضائل وله مصنفات عديدة تشبه تصانيف الثعالبي، منها تلقين اليقين في الفقه، كتاب سر الشعر، وكتاب علم النثر، كتاب الشيء بالشيء يذكر وعرضه على القاضي فسماه سلاسل الذهب لأخذ بعضه بشعب بعض، تهذيب الأفعال لابن طريف، قرقرة الدجاج في شعر ابن حجاج، الفاشوش في أحكام قراقوش، لطائف الذخيرة لابن بسام، ملاذ الأفكار وملاذ الاعتبار، سيرة السلطان صلاح الدين، وأخاير الذخائر، كرم النجار في حفظ الجار عمله للظاهر غازي لما قدم عليه حلب، ترجمان الجمان، مذاهب المواهب، باعث الجلد عند حادث الولد، الحض على الرضى بالحظ، جواهر الصدف وزواهر السدف، قرص العتاب، درة التاج، ميسور النقد، المنحل، أعلام النصر، خصائص المعرفة في المعميات، روائع الوقائع.
كان أحد رؤساء الأعيان، وأصله من نصارى أسيوط قدموا مصر وخدموا بها وتقدموا وولوا الولايات.
قال الوزير جمال الدين القفطي: بلغني أن بعض تجار الهند قدم إلى مصر ومعه سمكة مصنوعة من عنبر قد تأنق فيها وطيبت ورصعت بالجواهر. فعرضها على بدر الجمالي فسامها من صاحبها، فقال: لا أنقصها من ألف دينار شيئا، فأعيدت إلى تاجرها، فقال له أبو المليح: أرني هذه السمكة! فرآها فطلب بيعها، فقال: لا أنقصها من ألف دينار شيئا! فوزن له فيها الألف دينار وتركها عنده، فاتفق أن شرب يوما فقال لندمائه: قد اشتهيت سمكا، هاتم المقلي والنار حتى نقليه بحضرتنا! فجاءوه بمقلى حديد وفحم وجاء بتلك السمكة العنبر فوضعها في المقلى فجعلت تتقلى وتفوح روائحها حتى لم يبق بمصر دار إلا دخلها تلك الرائحة. وكان بدر الجمالي جالسا وتزايدت الروائح فاستدعى خزانه وأمرهم بفتح خزائنه وتفتيشها خوفا من حريق يكون قد وقع فيها، فوجدوها سالمة، فقال: ويحكم، انظروا ما هذا! فتتبعوا ذلك حتى وقفوا على حقيقة الخبر فأعلموه بذلك، فقال: هذا النصراني الفاعل الصانع أكل أموالي واستبد بالدنيا دوني! فلما كان من الغد دخل عليه فقال له: ويلك، أستعظم -وأنا ملك- شرى سمكة بألف دينار وأتركها وتشتريها أنت، ولم يكفك ذلك حتى تقليها وتذهبها ضياعا في ساعة واحدة وهي بألف دينار مصرية، ما فعلت هذا إلا وقد نقلت بيت مالي إليك. فقال: والله ما فعلت هذا إلا محبة لك وغيرة عليك، فإنك اليوم سلطان نصف الدنيا وهذه السمكة لا يشتريها إلا ملك، فخفت أن يذهب بها إلى بعض الملوك ويخبره أنك استعظمتها ولم تشترها، فأردت عكس الأمر عليه وأعلمته أنك لم تتركها إلا احتقارا لها ولم يكن لها عندك مقدار وأن كاتبا نصرانيا من كتابك اشتراها وأحرقها فيشيع ذكرك ويعظم عند الملوك قدرك! فاستحسن بدر ذلك منه وأمر له بضعفي ثمنها وزاد في رزقه.
وأما المهذب والده الخطير -وكان كاتب الجيش بمصر أواخر دولة الفاطميين- فقصده الكتاب وجعلوا له حديثا عند صلاح الدين أو عمه أسد الدين، فخاف المهذب، فجمع أولاده ودخل على السلطان وأسلموا على يده، فقبلهم وأحسن إليهم وزاد في ولاياتهم، وجب الإسلام ما قبله فقال ابن الذروي:
لم يسلم الشيخ الخطيـ | ـر لرغبة في دين أحمد |
بل ظن أن محاله | يبقي له الديوان سرمد |
والآن قد صرفوه عنـ | ـه فدينه بالعود أحمد |
صح التمثل في قديـ | ـم الدهر أن العود أحمد |
وشادن لما أتى مقبلا | سبحت رب العرش باريه |
ومذ رأيت النمل في خده | أيقنت أن الشهد في فيه |
حوى درب كوز الزير كل شمردل | مشددة أوساطهم بالزنانير |
فأوله للشهد والنحل منزل | وأخره، يا سادتي، للزنابير |
حكى نهرين ما في الأر | ض من يحكيهما أبدا |
ففي أفعاله ثورا | وفي ألفاظه بردى |
لله بل للحسن أترجة | تذكر الناس بأمر النعيم |
كأنها قد جمعت نفسها | من هيبة الفاضل عبد الرحيم |
تعاتبني وتنهى عن أمور | سبيل الناس أن ينهوك عنها |
أتقدر أن تكون كمثل عيني | وحقك ما علي أضر منها |
لنيرانه في الليل أي تخرق | على الضيف إن أبطا وأي تلهب! |
وما ضر من يعشو إلى ضوء ناره | إذا هو لم ينزل بآل المهلب! |
قد قلت لما رأيت الثلج منبسطا | على الطريق إلى أن ضل سالكها: |
ما بيض الله وجه الأرض في حلب | إلا لأن غياث الدين مالكها |
لما رأيت الثلج قد | غطى الوهاد والقنن |
سألت أهل حلب: | هل تمطر السما لبن؟ |
وأهيف أحدث لي نحوه | تعجبا يعرب عن ظرفه |
علامة التأنيث في لفظه | وأحرف العلة في طرفه |
وحياة ذاك الوجه بل وحياته | قسم يريك الحسن في قسماته |
لأرابطن على الغرام بثغره | لأفوز بالمرجو من حسناته |
وأجاهدن عواذلي في حبه | بالمرهفات علي من لحظاته |
قد صيغ من ذهب وقلد جوهرا | فلذاك ليس يجوز أخذ زكاته |
يا غصن أراك حاملا عود أراك | حاشاك إلى السواك يحتاج سواك |
قل لي أنهاك عن محبيك نهاك | لو تم وفاك بست خديك وفاك |
وحديث الإسلام واهي الحديث | باسم الثغر عن ضمير خبيث |
لو رأى بعض شعره سيبويه | زاده في علامة التأنيث |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 9- ص: 0
ابن مماتي القاضي أبو المكارم أسعد ابن الخطير مهذب بن مينا ابن مماتي، المصري، الكاتب، ناظر النظار بمصر.
له مصنفات عدة، ونظم رائق، فنظم ’’كليلة ودمنة’’، ونظم سيرة صلاح الدين، خاف من ابن شكر، فسار إلى حلب، ولاذ بملكها، فتوفي سنة ست وست مائة، في جمادى الأولى.
ومات أبوه في سنة سبع وسبعين، وكان ناظر الجيش.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 44