التصنيفات

أبو سعيد الضرير أحمد بن أبي خالد أبو سعيد الضرير. لقي أبا عمرو الشيباني وابن الأعرابي وكان يلقى الأعراب الفصحاء الذين استوردهم ابن طاهر نيسابور فيأخذ عنهم مثل عرام وأبي العميثل وأبي العيسجور وأبي العجيس وعوسجة وأبي العذافر وغيرهم. وقال ابن الأعرابي لبعض من لقيه من الخراسانية: وبلغني أن أبا سعيد الضرير يروي عني أشياء كثيرة فلا تقبلوا منه ذلك غير ما يرويه من أشعار العجاج ورؤبة فإنه عرضهما علي وصححهما. وخرج أبو سعيد على أبي عبيد من غريب الحديث جملة مما غلط فيه وأورد في تفسيره فوائد كثيرة ثم عرض ذلك على عبد الله بن عبد الغفار وكان أحد الأدباء فقال لأبي سعيد: ناولني يدك، فناوله فوضع الشيخ في كفه متاعه وقال له: اكتحل بهذا يا أبا سعيد حتى تبصر فكأنك لا تبصر. وكان أبو سعيد يقول: إذا أردت أن تعرف خطأ أستاذك فجالس غيره. وكان مثريا ممسكا لا يكسر رغيفا إنما يأكل عند من يختلف إليهم لكنه كان أديب النفس عاقلا. حضر يوما مجلس عبد الله بن طاهر فقدم إليه طبق عليه قصب السكر وقد قشر وقطع كاللقم فأمره عبد الله أن يتناول منه، فقال: إن هذا لفاظة ترتجع من الأفواه وأنا أكره ذلك في مجلس الأمير، فقال عبد الله: ليس بصاحبك من احتشمك واحتشمته أما إنه لو قسم عقلك على مائة رجل لصار كل رجل منهم عاقلا. ولما قلد المأمون عبد الله بن طاهر ولاية خراسان وناوله العهد بيده قال: حاجة يا أمير المؤمنين، قال: مقضية، قال: يسعفني أمير المؤمنين باستصحاب ثلاثة من العلماء، قال: من هم؟ قال: الحسين بن الفضل البجلي وأبو سيعد الضرير وأبو إسحاق القرشي، فأجابه إلى ذلك، فقال عبد الله: وطبيب يا أمير المؤمنين فليس في خراسان طبيب حاذق، قال من؟ قال: أيوب الرهاوي، قال: يا أبا العباس لقد أسعفناك بما التمسته وقد أخليت العراق من الأفراد. وكان أبو سيعد يوما في مجلسه إذ هجم عليه مجنون من أهل قم فسقط على جماعة من أهل المجلس فاضطرب الناس لسقوطه ووثب أبو سعيد لا يشك أن ذلك آفة لحقتهم من سقوط جدار أو شرود بهيمة فلما رآه المجنون على تلك الحالة قال: الحمد لله رب العالمين على رسلك يا شيخ لا ترع آذاني هؤلاء الصبيان وأخرجوني عن طبعي إلى ما لا أستحسنه من غيري، فقال أبو سعيد: امنعوا منه عافاكم الله، فوثبوا وشردوا من كان يعبث به وسكت ساعة لا يتكلم إلى أن عاد المجلس إلى ما كانوا عليه من المذاكرة فابتدأ بعضهم بقراءة قصيدة من شعر نهشل بن جرير التميمي حتى بلغ قوله:

فما استتم هذا البيت حتى قال المجنون: قف يا أيها القارئ تتجاوز المعنى ولا تسأل عنه ما معنى قوله: ولم يعقد وراءهما يد؟ فأمسك من حضر عن القول فقال: قل يا شيخ فإنك المنظور إليه والمقتدى به، فقال أبو سعيد: يقول: إنهما رميا بنفسيهما في الحرب أقصى مرامهما ورجعا موفورين لم يؤسرا فتعقد أيديهما كتافا، فقال: يا شيخ أترضى لنفسك بهذا الجواب؟ فأنكرنا ذلك على المجنون فقال أبو سيعد: هذا الذي عندنا فما عندك؟ فقال: المعنى يا شيخ: آبا ولم تعقد يد بمثل فعلهما بعدهما لأنهما فعلا ما لم يفعله أحد كما قال الشاعر:
أي خلقت له، وقريب من الأول قوله:
يعني: يتقدمون الناس ولا يطئون على عقب أحد وهذان فعلا ما لم يعطه أحد، فاحمر وجه أبي سعيد واستحيى من أصحابه، ثم غطى المجنون رأسه وخرج وهو يقول: يتصدرون فيغرون الناس من أنفسهم، فقال أبو سعيد بعد خروجه: اطلبوه فإنني أظنه إبليس، فلم يظفر به.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0