الغزي أبو إسحاق الشاعر إبراهيم بن عثمان بن محمد أبو إسحاق وقيل أبو مدين الكلبي الغزي الشاعر المشهور أحد فضلاء الدهر ومن سار ذكره بالشعر الجيد، تنقل في البلدان ومدح الأعيان وهجا جماعة ودور في الجبال وخراسان، وسمع الحديث بدمشق من الفقيه نصر المقدسي سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، ورحل إلى بغداذ وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة ومدح ورثى بها غير واحد من المدرسين بها وغيرهم، ثم رحل إلى خراسان وامتدح رؤساءها وانتشر شعره هناك، وذكره محب الدين ابن النجار وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وذكره العماد الكاتب في الخريدة، ولد الغزي بغزة الساحل في سنة إحدى وأربعين وأربع مائة وتوفي سنة أربع وعشرين وخمس مائة وكان قد خرج من مرو إلى بلخ فمات في الطريق وحمل إلى بلخ فدفن بها، وحكي عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر لي ربي لثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب، رحمه الله وحقق رجاءه، ومن شعره:
من آلة الدست لم يعط الوزير سوى | تحريك لحيته في حال إيماء |
فهو الوزير ولا أزر يشد به | مثل العروض لها بحر بلا ماء |
قالوا: هجرت الشعر، قلت: ضرورة | باب الدواعي والبواعث مغلق |
خلت الديار فلا كريم يرتجى | منه النوال ولا مليح يعشق |
ومن الرزية أنه لا يشترى | ويخان فيه مع الكساد ويسرق |
وأغن أصدق في صفات جماله | لكن وعد وصاله لا يصدق |
راجعت فيه الشعر كهلا بعدما | باينته ولماء وجهي رونق |
ولئن فقدت به كريما يرتجى | فلقد وجدت به مليحا يعشق |
أمط عن الدرر الزهر اليواقيتا | واجعل لحج تلاقينا مواقيتا |
فثغرك اللؤلؤ المبيض لا الحجر الـ | ـمسود لاثمه يطوي السباريتا |
قابلت بالشنب الأجفان مبتسما | فطاح عن ناظريك السحر منكوتا |
فكان فوك اليد البيضاء جاء بها | موسى وجفناك هاروتا وماروتا |
جمعت ضدين كان الجمع بينهما | لكل جمع من الألباب تشتيتا |
جسما من الماء مشروبا لأعيننا | يضم قلبا من الأحجار منحوتا |
ونشر ذكراك أذكى الطيب رائحة | ونور وجهك رد البدر مبهوتا |
فضحت بالغيد الغزلان ملتفتا | ولم يكن عن حماك الأسد ملفوتا |
عذرت طيفك في هجري وقلت له | لو استطعت إلينا في الكرى جينا |
عجبت لعين أروت السفح بالسفح | وقلت لها شحي فقال الجوى سحي |
ومن ليلة دهماء فازت بغرة | من البدر لم ترزق حجولا من الصبح |
كأن صغار الشهب فوق ظلامها | لآلئ غواص نثرن على مسح |
كأن السهى جسمي فليس بشاهد | ولا غائب من شدة السقم البرح |
كأن سهيلا رعدة وتباعدا | غريق جبان يدعي قوة السبح |
كأن الدجا يخشى فرار نجومه | فقد سد ألقام الأساليب بالملح |
في روضة قرن النهار نجومها | بسنا ذكاء فزادهن توقدا |
وانجر فوق غديرها ذيل الصبا | سحرا فأصبحت الصفيحة مبردا |
وكأنما كمد الغيوم يسرها | وبكاؤهن اليوم يضحكها غدا |
حل الهوى بمكان الروح من جسدي | فكيف يدركه ما جال في خلدي |
أم كيف أنعته والحب مختلف | كالبحر متصف بالدر والزبد |
مهاك يا عقد الوعساء أعينها | ممن تعلمن هذا النفث في العقد |
رياض حسن إذا مر النسيم بها | تلبد الورد في ظل من النجد |
هبت لنا، وبرود الليل أسمال | صبا لها من جيوب الغيد أذيال |
مرت على شيخ نجد وهو متشح | بلؤلؤ الطل والجرباء معطال |
حتى أتتنا وفي أعطافها بلل | يهدي لكل مريض منه إبلال |
والنفس بين تباريح الجوى نفس | والوصل تحت سيوف الهجر أوصال |
وقالوا: الكمال به نقرس | فقلت: العنا على عقله |
تشنج كفيه يوم الندى | تعدى فدب إلى رجله |
بجمع جفنيك بين البرء والسقم | لا تسفكي من جفوني بالفراق دمي |
إشارة منك تكفيني وأفصح ما | رد السلام غداة البين بالعنم |
قد يركب الأمر الماشي فيحمله | ويسمع الأسطر القاري بلا نغم |
تعليق قلبي بذاك القرط يؤلمه | فليشكر القرط تعليقا بلا ألم |
تضرمت جمرة في ماء وجنتها | والجمر في الماء خاب غير مضطرم |
وما نسيت ولا أنسى تبسمها | وملبس الجو غفل غير ذي علم |
حتى إذا طاح عنها المرط عن دهش | وانحل بالضم عقد السلك في الظلم |
تبسمت فأضاء الجو فالتقطت | حبات منتثر في ضوء منتظم |
لو زارنا طيف ذات الخال أحيانا | ونحن في حفرة الأجداث أحيانا |
سرى به الشوق من عسفان معتسفا | فجاء من قهوة الإسآد نشوانا |
يقول أنت امرؤ جاف مغالطة | فقلت لا هومت أجفان أجفانا |
همومي في فراق إمام غزه | هموم كثير لفراق عزه |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0