مجنون ليلى قيس بن الملوح بن مزاحم العامري: شاعر غزل، من المتيمين، من أهل نجد. لم يكن مجنونا إنما لقب بذلك لهيامه في حب ’’ليلى بنت سعد’’. قيل في قصته: نشأ معها إلى أن كبرت وحجبها أبوها، فهام على وجهه ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش، فيرى حينا في الشام وحينا في نجد وحينا في الحجاز، إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت فحمل إلى أهله. وقد جمع بعض شعره في ’’ديوان-ط’’. وكان الأصمعي ينكر وجوده، ويراه اسما بلا مسمى. والجاحظ يقول: ما ترك الناس شعرا، مجهول القائل، فيه ذكر ليلى إلا نسبوه إلى المجنون. ويقول ابن الكلبي: حدثت أن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أمية كان يهوى ابنة عم له.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 208
قيس بن الملوح قيس بن الملوح بن مزاحم بن قيس: هو مجنون بني عامر، قال صاحب الأغاني: لم يكن مجنونا، ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية. كان سبب عشقه لليلى أنه أقبل ذات يوم على ناقة له كريمة، وعليه حلتان من حلل الملوك، فمر بامرأة من قومه يقال لها كريمة، وعندها جماعة من النساء يتحادثن فيهن ليلى، فأعجبهن جماله وكماله، فدعونه إلى النزول فنزل، فجعل يحدثهن، وأمر عبدا كان معه فعقر لهن ناقته، وحدثهن بقية يومه.
فبينا هو كذلك إذ طلع فتى في بردة من برود الأعراب يقال له منازل يسوق معزى له، فلما رأينه أقبلن عليه وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهن وقال:
أأعقر من جرا كريمة ناقتي | ووصلي مقرون بوصل منازل |
إذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن | إذا جئت أرضى صوت تلك الخلاخل |
متى ما انتضلنا بالسهام نضلته | وإن يرم رشقا عندها فهو ناضلي |
كلانا مظهر للناس بغضا | وكل عند صاحبه مكين |
تبلغنا العيون بما أردنا | وفي القلبين ثم هوى دفين |
أيا ويح من أمسى يخلس عقله | فأصبح مذهوبا به كل مذهب |
خليا من الخلان إلا معذرا | يضاحكني من كان يهوى تجنبي |
إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت | روائع عقلي من هوى متشعب |
وقالوا صحيح ما به طيف جنة | ولا الهم إلا بافتراء التكذب |
تجنبت ليلى أن يلج بك الهوى | وهيهات كان الحب قبل التجنب |
ألا إنما غادرت يا أم مالك | صدى أينما تذهب به الريح يذهب |
عرضت على قلبي العزاء فقال لي | من الآن فايأس لا أعزك من صبر |
إذا بان من تهوى وأصبح نائبا | فلا شيء أجدى من حلولك في القبر |
وداع دعا بالخيف إذ نحن من منى | فهيج أحزان الفؤاد وما يدري |
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما | أطار بليلي طائرا كان في صدري |
دعا باسم ليلى ضلل الله بغيه | وليلى بأرض عنه نازحة قفر |
بربك هل ضممت إليك ليلى | قبيل الصبح أو قبلت فاها |
وهل رفت عليك قرون ليلى | رفيف الأقحوانة في نداها |
أيا جبلي نعمان بالله خليا | سبيل الصبا يخلص إي نسيمها |
أجد بردها أو تشق مني حرارة | على كبد لم يبق إلا صميمها |
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت | على نفس مهموم تجلت همومها |
يقول أناس عل مجنون عامر | يروم سلوا، قلت: أنى لما بيا |
وقد لامني في حب ليلى أقاربي | أخي وابن عمي وابن خالي وخاليا |
يقولون: ليلى أهل بيت عداوة | بنفسي ليلى من عدو وماليا |
ولو كان في ليلى شذى من خصومة | للويت أعناق الخصوم الملاويا |
خليلي لا والله لا أملك الذي | قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا |
قضاها لغيري وابتلاني بحبها | فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا |
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى | وفاضت له من مقلتي غروب |
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه | يمر بواد أنت منه قريب |
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى | إليكم تلقى نشركم فيطيب |
أظل غرب الدار في أرض عامر | ألا كل مهجور هناك غريب |
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى | إلي وإن لم آته لحبيب |
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر | حبيبا ولم يطرب إليك حبيب |
وأدنيتني حتى إذا ما سبيتني | بقول يحط العصم سهل الأباطح |
تناءيت عني حين لا لي حيلة | وخلفت ما خلفت بين الجوانح |
أمزمعة للبين ليلى ولم تمت | كأنك عما قد أظلك غافل |
ستعلم إن شطت بهم غربة النوى | وزالوا بليلى أن لبك زائل |
كأن القلب ليلة قيل يغدى | بليلى العامرية أو يراح |
قطاة غرها شرك فبانت | تجاذبه وقد علق الجناح |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0
المجنون قيس بن الملوح، وقيل: ابن معاذ، وقيل: اسمه بختري بن الجعد، وقيل غير ذلك، من بني عامر بن صعصعة، وقيل: من بني كعب بن سعد؛ الذي قتله الحب في ليلى بنت مهدي العامرية.
سمعنا أخباره تأليف ابن المرزبان.
وقد أنكر بعضهم ليلى والمجنون، وهذا دفع بالصدر، فما من لم يعلم حجة على من عنده علم، ولا المثبت كالنافي، لكن إذا كان المثبت لشيء شبه خرافة، والنافي ليس غرضه دفع الحق، فهنا النافي مقدم، وهنا تقع المكابرة، وتسكب العبرة.
فقيل: إن المجنون علق ليلى علاقة الصبا، وكانا يرعيان البهم. ألا تسمع قوله؟ وما أفحل شعره:
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة | ولم يبد للأتراب من ثديها حجم |
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا | إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم |
أظن هواها تاركي بمضلة | من الأرض لا مال لدي ولا أهل |
ولا أحد أقضي إليه وصيتي | ولا وارث إلا المطية والرحل |
محا حبها حب الألى كن قبلها | وحلت مكانا لم يكن حل من قبل |
إني لأجلس في النادي أحدثهم | فأستفيق وقد غالتني الغول |
يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم | حتى يقول جليسي: أنت مخبول |
أيا حرجات الحي حيث تحملوا | بذي سلم لا جادكن ربيع |
وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى | بلين بلى لم تبلهن ربوع |
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى | فهيج أطراب الفؤاد ولم يدر |
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما | أطار بليلى طائرا كان في صدري |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 4- ص: 511