فتح الدين ابن عبد الظاهر محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر ابن نشوان بن عبد الظاهر القاضي فتح الدين ابن القاضي محيي الدين الجذامي الروحي المصري صاحب ديوان الإنشاء ومؤتمن المملكة بالديار المصرية، مولده بالقاهرة سنة ثمان وثلثين وست ماية، سمع من ابن الجميزي وغيره وحدث، وساد في الدولة المنصورية بعقله ورأيه وهمته وتقدم على والده القاضي محيي الدين وهو ما هو في فن الإنشاء وكتابة الترسل فكان والده من جملة الجماعة الذين يصرفهم أمره ونهيه وكان السلطان يعتمد عليه ويثق به، وتوفي في حياة والده وفجع به سنة إحدى وتسعين وست ماية بقلعة دمشق ودفن بسفح قاسيون، ولم يكن في صناعة الانشاء مجيدا ولا مكثرا ولم أسمع له غير بيتين رثى بهما حسام الدين طرنطاي وضمنهما بيتا ونصفا وهما:
ألا رحم الله الحسام فإنه | أصم به الناعي وإن كان أسمعا |
وما كان إلا السيف لاقى ضريبة | وقطعها ثم انثنى فتقطعا |
رزية فتح الدين سد بها الفضا | علينا وماتت حين مات الفضايل |
وقد قيل سعد الدين وافق موته | فقلت وسعد كلها والقبايل |
إذا جدد الله سبحانه | لكم نعما عمت المسلمينا |
فلا عدم الملك نصرا عزيزا | ولا عدم الدين فتحا مبينا |
أيها الفتح أنت عوني وسكنا | ك بقلبي فليس عنه تغيب |
فلهذا أمسيت نصري من اللـ | ـه تعالى ربي وفتح قريب |
لي فتح نصري به وبقلبي | ساكن فيه ليس عنه يغيب |
وأنا مؤمن فبشراي إذ لي | من إلهي نصر وفتح قريب |
الله أعطاك لا زيد ولا عمرو | هذا العطاء وهذا الفتح والنصر |
هذا المقام الذي لو لم تحل به | لم يبق والله لا شام ولا مصر |
من ذا الذي كان يلقى ذا العدو كذا | أو يدرع لأمة ما لامها الصبر |
يا أيها الملك المنصور قد كسرت | جنودك المغل كسر ما له جبر |
واستأصلوا شأفة الأعداء وانتصروا | لما ثبت وزال الخوف والذعر |
لما بغا جيش أبغا في تجاسره | ولم يمد له إلا القنا جسر |
وأجمع المغل والتكفور واتفقوا | مع الفرنج ومن أردى به الكفر |
جاءت ثمانون ألفا من بعوثهم | لأرض حمص وكان البعث والنشر |
جاء الخميسان في يوم الخميس ضحى | وامتدت الحرب حتى أذن العصر |
والسيف يركع والأعلام رافعة | والروس تسجد لا عجب ولا كبر |
والخيل لا تغتدي إلا على جثث | والسهل من أروس القتلى به وعر |
والبيض تغمد في الأجفان من مهج | والسمر ناهيك يا ما تفعل السمر |
فجاء في رجب عيدان من عجب | للسيف والرمح هذا الفطر والنحر |
فكان أسلمهم من أسلموه لأن | يقوده القيد أو يسري به الأسر |
وراح فارسهم في إثر راجلهم | ينتابه الوحش أو ينبو به القفر |
فما رعى منهم راع مطيته | ولا ارعوى لهم من روعة فكر |
وكان يوم الخميس النصف من رجب | عام الثمانين هذا الفتح والنصر |
وعاد سلطاننا المنصور منتصرا | فالحمد لله ثم الحمد والشكر |
إفتح دواة سعادة أقلامها | تجري بواف من عطاء وافر |
عملت لعبد الله راجي عفوه | والمستجير به ابن عبد الظاهر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 3- ص: 0