المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي، من سلالة الهادي إلى الحق: صاحب اليمن، من أئمة الزيدية. ولد ونشأ في أطراف صنعاء، وأدرك طرفا من العلوم. ودعا الناس إلى مبايعته، فبايع له خلق كثير بالإمامة (سنة 1016 هـ) وبعث رسله إلى القبائل، فقوي أمره. وقاتل نواب السلطنة التركية في اليمن، فتغلب على كثير من أصقاعه، وأطبق أهل الجبال على طاعته. وكان حازما شجاعا. استمر إلى أن توفي في شهارة. له تآليف، منها (الأعتصام) في الحديث، مات قبل إتمامه، و (الأساس لعقائد الأكياس - خ) في أصول الدين.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 182

الإمام الأعظم المنصور بالله القاسم بن محمد بن على ابن محمد بن الرشيد
قد تقدم تمام نسبه في ترجمة ولده الحسن ولد ليلة الاثنين ثاني عشر شهر صفر سنة 967 سبع وستين وتسعمائة ثم اشتغل بطلب العلم على شيوخ ذلك العصر فبرع في الفنون الشرعية ومشايخه مشهورون مذكورون وأعيانهم قد اشتمل على تراجمهم هذا الكتاب وله مصنفات جليلة نبيلة منها في الحديث كتاب الاعتصام جمع فيه بين كتب أئمة الآل وكتب المحدثين من الأمهات وغيرها ورجح في كل مسئلة ما يقتضيه ولكنها اخترمته المنية قبل تمامه فإنه لم يبلغ إلا إلى كتاب الصيام وكان ذلك المقدار في مجلد ضخم ومنها في أصول الدين الأساس في مجلد وقد شرحه جماعة واعترضه الكردي صاحب الحرمين بكتاب سماه النبراس وأجاب عليه العبدي بكتاب سماه الاحتراس كما تقدم في ترجمته وكذلك أجاب عليه السيد زيد بن محمد بكتاب ولم يكمل حسبما تقدم في ترجمته وله كتاب الإرشاد في كراريس ذكر فيه فصولاً مفيدة نفيسة جيدة وله رسائل ومسائل مشهورة معروفة ولما فاق في العلوم وحقق منطوقها والمفهوم وكانت اليمن إذ ذاك تشتعل من الدولة التركية اشتعالا لما جبلوا عليه من الجور والفساد الذي لا تحتمله طباع أهل هذه البلاد دعا هذا الإمام الناس إلى مبايعته وكان ذلك في شهر محرم سنة 1006 ست وألف في جبل قارة بالقاف والراء المهملة فلما ظهرت دعوته اشتد طلب الأتراك له في كل مكان فصار يتنقل من مكان إلى مكان والحاصل أنها جرت له خطوب وحروب وكروب قد اشتمل عليها كتاب سيرته وكان تارة ينتصر فيفتح بعض البلاد اليمنية وتارة تتكاثر عليه جيوش الأتراك فيخرجونه عنها فيذهب هو وجماعة من خلص أصحابه الذين يأخذون عنه العلم إلى فلاة من الأرض بحيث تنقطع أخبارهم عن الناس ولا يدرون أين هم فتمضي أيام على ذلك فلا يشعر الأتراك إلا وهو في البلاد اليمنية قد استولى على مواضع وما زال هكذا مع إقدام وشجاعة وصبر لا يقدر عليه غيره حتى أنه كان في بعض الأوقات قد لا يجد هو ومن معه ما يأكلون عند اختفائهم فيأكلون من نبات الأرض وقد يكابد من الشدائد ما يظن كل احد أنه لا يعود بعد ذلك إلى مناجزرة الأتراك فبينما هم على يأس من رجوعه إذ هو قد وثب على بعض الأقطار وكان آخر الأمر أنه وقع الصلح بينه وبين الأتراك على أن تثبت يده على ما قد استولى عليه من البلاد وهو غالب الجبال وكان الأمر كذلك حتى مات رحمه الله فأخرج الأتراك من جميع الأقطار اليمنية أولاده وصفت لهم الديار اليمنية ولم يبق لهم فيها منازع وصارت الدولة القاسمية في الديار اليمنية ثابتة الأساس إلى عصرنا هذا والحمد لله رب العالمين ولهذا الإمام كرامات قد اشتملت عليها المطولات وجهادات لا يتسع لها إلا مجلدات وإقدامات يحجم عنها الأبطال وله في إنكار المنكرات قبل دعوته يد طولى فمن ذلك ما حكاه صاحب نسمة السحر قال أخبرني شيخي الزاهد الصوفي الحسن بن الحسين حفيد صاحب الترجمة أن صوفياً بصنعاء كان شديد الخلاعة وكان يأكل الحشيش أكل الحمار ويستبيح المحرمات عامة فكمن له الإمام القاسم في بعض الأزقة كمون الأفعوان حتى إذا مر ضربه بعمود فأخرج دماغه من بين الآذان ثم خرج من المدينة خايفاً يترقب انتهى.
وكان له قوة عظيمة وهو ربعة معتدل القامة إلى السمن أقرب، واسع الجبهة عظيم العينين أشم الأنف طويل اللحية عظيمها عبل الذراعين أشعرهما فصيح العبارة سريع الاستحضار للأدلة كثير الحلم يصبر على المكاره ويتحمل العظائم ولا تفزعه القعاقع ولا تحركه إلا هول العظايم كان يقدم على الجيوش التي هي ألوف مؤلفة وهو في نفر يسير ولهذا كانت له العاقبة وقهر الأعداء وأزال ملك الدولة العظيمة ومهد لعقبة هذه الدولة الجليلة التي صارت من غرر الدهور ومحاسن العصور وفيهم من هو من أئمة العلم المصنفين ومن أئمة الجهاد المثاغرين ومن الشعراء المجيدين ومن الخلفاء الراشدين ومن الفرسان المعتبرين ومن الشجعان الفائقين وقد اشتمل هذا الكتاب على تراجم جماعة من أعيانهم هم طراز هذه التراجم وتاجها وله نظم في المواعظ والعلوم والزجر والتهديد فمن ذلك

وله قصيدة يرد بها على السيد محمد بن عبد الله ابن الإمام شرف الدين مشهورة وله إلى السيد عبد الله بن علي المؤيدي وقت أن دعا إلى نفسه ورام معارضته
وكان وفاته ليلة الثلاثاء الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1029 تسع وعشرين وألف بشهارة بعلة البرسام وتولى بعده الخلافة ولده الإمام
المؤيد بالله محمد بن القاسم وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 47