الواسطي القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور، أبو محمد الواسطي: عالم بالعربية. مولده بواسط، ووفاته في حلب. من كتبه (شرح اللمع لابن جني) و (شرح التصريف الملوكي) و (فعلت وأفعلت) على حروف المعجم، لم يتمه، و (شرح المقامات الحريرية) و (كتاب خطب). وله شعر، أورد ياقوت نماذج حسنة منه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 180
القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور الواسطي أبو محمد: مولده بواسط العراق في سنة خمسين وخمسمائة في ذي الحجة، ومات بحلب في يوم الخميس
رابع ربيع الأول سنة ست وعشرين وستمائة، أديب نحوي لغوي فاضل أريب، له تصانيف حسان ومعرفة بهذا الشان.
قرأ النحو بواسط وبغداد على الشيخ مصدق بن شبيب، واللغة على عميد الرؤساء هبة الله بن أيوب، وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الباقلاني بواسط، وعلى الشيخ علي بن هياب الجماجمي بواسط أيضا، وسمع كثيرا من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم علي: منهم أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختيار الماندائي وأحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا، سمع عليه المقامات عن الحريري، فانتقل من بغداد إلى حلب في سنة تسع وثمانين وخمسمائة فأقام بها يقرئ العلم ويفيد أهلها نحوا ولغة وفنون علوم الأدب.
وصنف بها عدة تصانيف وهي على ما أملاه علي هو بباب داره من حاضر حلب في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة: كتاب شرح اللمع لابن جني. كتاب شرح التصريف الملوكي لابن جني أيضا. كتاب فعلت وأفعلت بمعنى على حروف المعجم. كتاب في اللغة لم يتم إلى هذه المدة. كتاب شرح المقامات على حروف المعجم ترتيب العزيزي. كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب المقامات. كتاب شرح المقامات آخر على ترتيب آخر. كتاب خطب قليلة. كتاب رسالة فيما أخذ على ابن النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الامام الناصر لدين الله أبي العباس صلوات الله عليه أولها: الحمد لله على نعمه المتظاهرة، والصلاة على خير خلقه محمد وعترته الطاهرة، وبعد فإنه لما أخرت الفضائل عن الرذائل، وقدمت الأواخر على الأوائل، ونبذ عهد القدماء، وجهل قدر العلماء، وصار عطاء الأموال باعتبار الأحوال لا باختيار الأقوال، وظهر عظيم الاجلال بالأسماء لا بالأفعال، علمت أن الأقدار هي التي تعطي وتمنع، وتخفض وترفع، فأخملت عند ذلك من ذكري وقدري، وأخفيت من نظمي ونثري. «ولأمر ما جدع قصير أنفه» .
(ومن شعر نفسه):
وما لي إلى العلياء ذنب علمته | ولا أنا عن كسب المحامد قاعد |
فلو لم يعل إلا ذو محل | تعالى الجيش وانحط القتام |
إذا محاسني اللائي أدل بها | صارت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر |
وإني شقي باللئام ولا ترى | شقيا بهم إلا كريم الشمائل |
وطاولت الأرض السماء سفاهة | وفاخرت الشهب الحصى والجنادل |
وما أنا بالغيران من دون جاره | إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم |
فكان لعمري ناظما غير أنه | كحاطب ليل فاته منه طائل |
«فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص | ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل» |
وابن اللبون إذا مالز في قرن | لم يستطع صولة البزل القناعيس |
فان قلتم إنا ظلمنا فلم نكن | بدأنا ولكنا أسأنا التقاضيا |
ديباج وجهك بالعذار مطرز | برزت محاسنه وأنت مبرز |
وبدت على غصن الصبا لك روضة | والغصن ينبت في الرياض ويغرز |
وجنت على وجنات خدك حمرة | خجل الشقيق بها وحار القرمز |
لو كنت مدعيا نبوة يوسف | لقضى القياس بأن حسنك معجز |
زهر الحسن فوق زهر الرياض | منه للغصن حمرة في بياض |
قد حمى ورده ونرجسه الغ | ض سيوف من الجفون مواضي |
فإذا ما اجتنيت باللحظ فاحذر | ما جنت صحة العيون المراض |
فلها في القلوب فتكة باغ | رويت عنه فتكة البراض |
وإذا فوقت سهاما من الهد | ب رمين السهام بالأغراض |
واغتنم بهجة الزمان وبادر | شمس أيامه الطوال العراض |
بشموس الكؤوس تحت نجوم | في طلوع من أفقها وانقضاض |
واجل من جوهر الدنان عروسا | نطقت عن جواهر الأعراض |
كلما أبرزت أرتك لها وج | ه انبساط يعطيك وجه انقباض |
فعلى الأفق للغمام ملاء | طرزتها البروق بالايماض |
وكأن الرعود إرزام نوق | فصلت دونها بنات المخاض |
أو صهيل الجياد للملك الظا | هر تسري بالجحفل النهاض |
لا تعجبن لمدلوي | ه إذا بدا شبه المريض |
قد ذاب من بخر بفي | ه بدا من الخلق البغيض |
وتكسرت أسنانه | بالعض في جعس القريض |
وتقطعت أنفاسه | عرضا بتقطيع العروض |
يا من تأمل مدلوي | ه وشك فيما يسقمه |
انظر إلى بخر بفي | ه وما أظنك تفهمه |
لا تحسبن بأنه | نفس يغيره فمه |
لكنما أنفاسه | نتنت بشعر ينظمه |
أرى بغضي على الجهلاء داء | يموت ببعضه القلب العليل |
فهم موتى النفوس بغير دفن | وأحياء عزيزهم ذليل |
يغطون السماء بكل كف | لها في الطول تقصير طويل |
ويبدون الطلاقة من وجوه | كما يبدو لك الحجر الصقيل |
إذا قاموا لمجد أقعدتهم | مسالك ما لهم فيها سبيل |
وإن طلبوا الصعود فمستحيل | وان لزموا النزول فما يزول |
كذاك السجل في الدولاب يعلو | صعودا والصعود له نزول |
لنا صديق به انقباض | ونحن بالبسط نستلذ |
لا يعرف الفتح في يديه | إلا إذا ما أتاه أخذ |
فكفه «كيف» حين يعطي | شيئا وبعد العطاء «منذ» |
لا ترد من خيار دهرك خيرا | فبعيد من السراب الشراب |
رونق كالحباب يعلو على الكا | س ولكن تحت الحباب الحباب |
عذبت في النفاق ألسنة القو | م وفي الألسن العذاب العذاب |
في زهرة وطيب | بستاني من أوجه ملاح |
أجلو على القضيب | ريحاني والورد والاقاح |
ما روضة الربيع | في حلة الكمال |
تزهو على ربيع | مرت به الشمال |
في الحسن كالبديع | بالحسن والجمال |
ناهيك من حبيب | نشوان بالدل وهو صاح |
إن قلت والهيبي | حياني من ثغره براح |
كم بت والكؤوس | تجلى من الدنان |
كأنها عروس | زفت من الجنان |
تبدو لنا الشموس | منها على البنان |
لم أخش من رقيب | ينهاني ألهو إلى الصباح |
مع شادن ربيب | فتان زندي له وشاح |
خيل الصبا بركض | تجري مع الغواه |
في سنتي وفرضي | لا أبتغي سواه |
وحجتي لعرضي | ما تنقل الرواه |
عن عاقل لبيب | أفتاني أن الهوى مباح |
والرشف من شنيب | ريان ما فيه من جناح |
أي عنبريه في غلائل الغلس | من زبرجديه تنبه النفس |
جادها الغمام | فانتشى بها الزهر |
وابتدا الكمام | أعينا بها سهر |
وشدا الحمام | حين صفق النهر |
وارتدت عشيه كملابس العرس | حللا سنيه ما دنت من الدنس |
واملأ الكؤوسا | فضة على الذهب |
واجلها عروسا | توجت من الشهب |
تطلع الشموسا | في سنا من اللهب |
فلها مزيه في الدجى على القبس | بحلى شهيه كمحاسن اللعس |
يخبر سناها | عن تطاير الشرر |
فاز من جناها | من قلائد الدرر |
فإذا تناهى | في الخلائق الغرر |
قلت ظهريه أظهرت لملتمس | من علا أبيه ما تنال بالخلس |
لا خير في أوجه صباح | تسفر عن أنفس قباح |
كالجرح يبنى على فساد | بظاهر ظاهر الصلاح |
فقل لمن ماله مصون | أصبت في عرضك المباح |
جد الصبا في أباطيل الهوى لعب | وراحة اللهو في حكم النهى تعب |
وأقرب الناس من مجد يؤثله | من أبعدته مرامي العزم والطلب |
وقادها كظلام الليل حاملة | أهلة طلعت من بينها الشهب |
منقضة من سماء النقع في أفق | شيطانه بغمام الدرع محتجب |
واسود وجه الضحى مما أشار به | وأشرق الأبيضان الوجه والنسب |
في موقف يسلب الأرواح سالبها | حيث المواضي قواض والقنا سلب |
لا يرهب المرء ما لم تبد سطوته | لولا السنان استوى الخطي والقصب |
إن النهوض إلى العلياء مكرمة | لها التذاذان مشهود ومرتقب |
والملك صنفان: محصول وملتمس | والمجد نوعان: موروث ومكتسب |
والناس ضدان: مرزوق ومحترم | تحت الخمول ومغصوب ومغتصب |
والطاهر النفس لا ترضيه مرتبة | في الأرض إلا إذا انحطت لها الرتب |
والفضل كسب فمن يقعد به نسب | ينهض به الأفضلان العلم والحسب |
لله در المساعي ما استدر بها | خلف السيادة إلا أمكن الحلب |
وحبذا همة في العزم ما انتدبت | لمبهم الخطب إلا زالت الحجب |
وموطنا يستفاد العز منه كما | أفادت العز من سلطانها حلب |
مؤيد الرأي والرايات قد ألفت | ذوائب القوم من راياتها العذب |
إن نازلوه وقد حق النزال فمن | أنصاره الخاذلان الجبن والرعب |
أو كاتبوه فخيل من كتائبه | تجيب لا المخبران الرسل والكتب |
مغاور ينهب الأعمار ذابله | في غارة الحرب والأموال تنتهب |
في جحفل قابلوا شمس النهار على | مثل البحار بمثل الموج يضطرب |
حتى كأن شعاع الشمس بينهم | فوق الدروع على غدرانها لهب |
ما أنكر الهام من أسيافه ظبة | وإنما أنكرت أسيافه القرب |
ما يدفع الخطب إلا كل مندفع | في مدحه الأفصحان الشعر والخطب |
ومن إذا ما انتمى في يوم مفتخر | أطاعه العاصيان العجم والعرب |
أفي البان أن بان الخليط مخبر | عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر |
نعم حركات في اعتدال سكونها | أحاديث يرويها النسيم المعطر |
يود ظلام الليل وهو ممسك | لذاذتها والصبح وهو مزعفر |
أحاديث لو أن النجوم تمتعت | بأسرارها لم تدر كيف تغور |
يموت بها داء الهوى وهو قاتل | ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر |
فيا لنسيم صحتي في اعتلاله | وصحوي إذا ما مر بي وهو مسكر |
كأن به مشمولة بابلية | صفت وهي من غصن الشمائل تعصر |
إذا نشأت مالت بلبك نشوة | كما مال مهزوز يماح ويمطر |
يا سيدي قد رميت من زمني | بحادث ضاق عنه محتملي |
وأنت في رتبة إذا نظرت | إلي صار الزمان من قبلي |
والنظم والنثر قد أجدتهما | فيك فلا تترك الإجادة لي |
فداك قوم إذا وقفت بهم | رأيتني واقفا على طلل |
تشغل أموالهم مساعيهم | فهم عن المكرمات في شغل |
تحمي حماها أعراضهم فإذا | ماتت حماها سور من البخل |
معاول الذم فيه عاملة | إعمالها في مغائر الجبل |
نعلك تاج إذا رفعتهم | لرأس حاف منهم ومنتعل |
فاسمع حديثي فلي مغازلة | تبث شكوى في موضع الغزل |
قد كنت في راحة مكملة | أحيي المعالي بميت الأمل |
أرفل في عزة القناعة في | ذيل على النائبات منسدل |
فعندما طالت البطالة بي | وصار لي حاجة إلى العمل |
قال أناس نبه لها عمرا | فقلت حسبي رأي الوزير علي |
قد بت من وعده على ثقة | أمنت في حليها من العطل |
فالأكرم ابن الكرام لو سبقت | وعوده بالشباب لم يحل |
يفر من وعده المطال كما | تفر آراؤه من الزلل |
أخلاقه حلوة المذاق فلو | شبهتها ما ارتضيت بالعسل |
بمنطق لو سرت فصاحته | في اللكن لا ستعصمت من الخطل |
تمج أخلاقه إذا كتبت | ماء المنى من أسنة الأسل |
وان سطت في ملمة نسيت | صفين منها ووقعة الجمل |
تنظم درا على الطروس كما | ينظم در الحلي في الحلل |
مبين علمه لسائله | مسائلا أشكلت على الأول |
لكل علم في بابه علم | يهدي إلى قبلة من القبل |
أي جمال ما فيه أجمله | على وجوه التفصيل والجمل |
جل الذي أظهرت بدائعه | منه معاني الرجال في رجل |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2217