أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل، من بني عجل بن لجيم: أمير الكرخ، وسيد قومه، وأحد الأمراء الأجواد الشجعان الشعراء. قلده الرشيد العباسي أعمال ’’الجبل’’ ثم كان من قادة جيش المأمون. وأخبار أدبه وشجاعته كثيرة. وللشعراء فيه أماديح. وله مؤلفات، منها (سياسة الملوك) و (البزاة والصيد). وهو من العلماء بصناعة الغناء، يقول الشعر ويلحنه. توفي ببغداد.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 179

أبو دلف العجلي اسمه القاسم بن عيسى بن إدريس.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 349

أبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس ابن معقل ابن الشيخ بن عمير العجلي
توفي سنة 225. الأمير المشهور بالجود والشجاعة، والعجلي بكسر العين نسبة إلى عجل بن لجيم بطن من بكر بن وائل. وهو من بلد يقال لها الكرج بالتحريك بينها وبين نهاوند مرحلتان وقال ابن الأثير هي مدينة بالجبل بين أصبهان وهمذان ابتدأ بعمارتها عيسى بن إدريس وأتمها ابنه أبو دلف. وفي معجم جواد قلده الرشيد وهو حديث السن أعمال الجبل فلم يزل عليها إلى أن توفي وهو القائل:

وله:
وذكر غير واحد من المؤرخين أنه لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله وقد أردف منهم فارس رفيقا له خلفه فطعنهما جميعا فأنفذ فيهما الرمح فلما قدم دخل عليه بكر بن النطاح فأنشده:
وقال الدكتور أحمد الجواري: لم يعرف التاريخ العربي قائدا شجاعا مثل هذا القائد الشاعر الأديب الذي يتلهب شوقا كي يكون له شأن مع الخليفة المأمون في هذا العالم المجاهد الطموح. ولقد كان أبو دلف من قواد المأمون، ولكنه لم يشأ أن يقص علينا شيئا من بلائه في عهد هذا الخليفة. ولعله قد اجتمع بالمأمون في ولائه للعلويين وميله إليهم، فإن على ذلك معقد إجماع المؤرخين ولهم فيه روايات تدل على أن ولاءه لآل بيت رسول الله عقيدة كان يرجو بها لقاء ربه ومرضاته. ولم يكن ذلك وحده هو الذي أعلقه بقلب المأمون، بل لقد كان فيما يروي من أخباره مجمعا لصفات وخصال تدنو به من نفس خليفة عالم راجح العقل، أديب متذوق، يحسن مجالسة الرجال ويتلذذ بها. كذلك كان المأمون وكذلك كان جليسه وصيفه أبو دلف. فلقد كان هذا القائد العربي مشهورا بالشجاعة معروفا بالكرم والبذل، وكان إلى جانب ذلك يحسن من فنون عصره ما يحسن. ويذكر مؤرخوه أنه كان شاعرا ذا أدب ورواية، أخذ عنه الأدباء والفضلاء، وله صنعة في الغناء. ولقد ألف كتبا في الحرب وفي اللهو والأنس، وفي سياسة الدولة، يذكر له ابن خلكان منها ’’كتاب البزاة والصيد، وكتاب النزه، وكتاب السلاح، وكتاب سياسة الملوك وغير ذلك’’. لقد كان أبو دلف مثالا رائعا للفتوة العربية جمع بين الدين والدنيا، وأخذ بأسباب من الحضارة في العلم وفي الأدب وفي الترف الذي لا يقدح في مروءة ولا ينتقص من رجولة. ولعل في أخباره مع المأمون ما يجلو لنا شخصيته أفضل جلاء، ويبرز مزاياه وخصائصه أيما إبراز. روى المسعودي في مروج الذهب: أن أبا دلف دخل على المأمون فقال له: يا قاسم ما أحسن أبياتك في صفة الحرب ولذاذتك بها وزهدك في المغنيات؟ قال: يا أمير المؤمنين أي أبيات هي؟ قال: قولك:
قال: ثم ماذا يا قاسم؟ قال:
ثم قال: يا أمير المؤمنين هذه لذتي مع أعدائك، وقوتي مع أوليائك، ويدي معك، ولئن أستلذه شيئا من يد المعاقرة ملت إلى المقادمة والمحاربة. قال المأمون: يا قاسم إذا كان هذا النمط من الأشعار شأنك، واللذة لذاتك فماذا تركت للوسنان، وأظهرت له من قليل ما سترت؟ قال: يا أمير المؤمنين وأي أشعاري؟ قال: حيث تقول:
قال أبو دلف، يا أمير المؤمنين، سهرة من يعد سهرة غلبت، وذلك متقدم، وهذا ظن متأخر. قال المأمون: يا قاسم ما أحسن ما قال صاحب هذين البيتين:
فقال أبو دلف: ما أحسن ما قاله، يا أمير المؤمنين، هذا السيد الهاشمي والملك العباسي.
قال المأمون: وكيف أدتك الفطنة ولم تداخلك الظنة حتى تحققت أني صاحبهما، ولم بداخلك الشك فيهما؟ قال أبو دلف: يا أمير المؤمنين، إنما الشعر بساط صوف، فمن خلط الشعر بنقي الصوف ظهر رونقه عند التصنيف، ونار ضوئه عند التأليف.
هكذا كان أبو دلف يأخذ من متع الدنيا بنصيب، وكان في وافر ماله وعريض ثرائه كريما، بل كان أمثولة في الكرم، يعطي حتى لا يبلغ شأوه في العطاء، ويبذل ماله بذل السخي الذي يجد في البذل: متعة عيشه ولذة حياته. ولقد سار صيته في الكرم حتى طبق الآفاق، وخلد ذكره بين الناس حتى أيامنا هذه، وما يزال في العراق يضربون به المثل في الكرم والسخاء، فإذا أرادوا أن ينعتوا الرجل الكريم بالبذل وطلاقة الوجه قالوا أته. أبو دلف.
ولقد كان أبو دلف لكرمه وسخاء نفسه محط أنظار الشعراء ومهوى آمالهم في بره وطيب لقائه وطلاقة وجهه. وتروى من قصص الشعراء معه طرائف قد يحمل بعضها على المبالغة والغلو. من ذلك أن بكر بن النطاح، وهو واحد من الشعراء الذين اختصوا بأبي دلف والتزموه، قال فيه:
لو لم يكن في الأرض إلا درهم=ومدحته لأتاك ذاك الدرهم
فيقال أن أبا دلف أعطاه على هذين البيتين عشرة آلاف درهم. فأغفله قليلا ثم دخل عليه، وقد اشترى بتلك الدراهم قرية في نهر الأبلة فأنشده:
فقال له أبو دلف: تعلم أن نهر الأبلة عظيم وفيه قرى كثيرة، وكل أخت إلى جانبها أخرى، وإن فتحت هذا الباب اتسع على الخرق، فأقنع بهذه ونصطلح عليها. فدعا له وانصرف. ومن طريف ما يرويه مؤرخوه أن رجلا من الموالي يدعى أبا عبد الله أحمد بن أبي فنن كان فقيرا لا يكاد يبلغ رزق عياله: فقالت له زوجه: يا هذا أن الأدب أراه سقط نجمه وطاش سهمه، فاعمد إلى سيفك ورمحك وقوسك، وادخل مع الناس في غزواتهم، فعسى الله أن ينفعك من الغنيمة شيئا، فأنشد:
وتروي في شدة بأسه وقوة جسمه طرائف من الأخبار هي إلى المبالغة أقرب، وفي باب الخيال أدخل، ولكنها تدل على ما كان عليه من قوة خارقة وشجاعة نادرة. فمن ذلك ما يقال عن جماعة قطعوا الطريق في بعض أعماله فلحقهم فطعن فارسا منهم، فنفذت منه الطعنة حتى وصلت إلى فارس آخر كان وراءه، فنفذ فيه سنان الرمح فقتلهما، وفي ذلك يقول بكر ابن النطاح:
ولقد كان أبو دلف، شأن أمثاله من القادة العرب، ذخيرة تعتدها الخلافة لأيام الشدائد. وقال كان لها أبو دلف سيفا صالت به في وجه بابك الخرمي وجالدت به أمثاله من
أعدائها الذين كشفوا عن الشرك والكفر يضمرونه في قلوبهم، والإسلام لعق على ألسنتهم لا يجاوز حناجرهم. ولقد خلد أبو تمام الطائي بلاء أبي دلف في هذه الحروب وتلك الفتن، وكيف صال في وجهها بسفيه وبرأيه، حتى كشف بهما وجه النصر أبلج وضاء. ها هو ذا يقول في إحدى مدائح أبي دلف:
إلى أن يقول:
ولقد أحيا أبو دلف بكرمه وشجاعته وطلاقة وجهه ورجاحة عقله، صورة الفتى العربي، اليد الكريم النجار، لا يتعالى ولا يصعر خده كبرا وخيلاء، الكريم في غير تكلف، السخي في غير إدلال ولا منة، الشجاع المقدام، السديد الرأي الثاقب النظر. ونحن نقف على ملامح هذه الصورة الرائعة في شعر أبي تمام الطائي، وفي شعر بكر بن نطاح وفي شعر علي بن جبلة العكوك، وكلهم محض أبا دلف خلاصة شعوره وعصارة فنه الشعري. وحسب أبي دلف في خلود ذكره وطيب أحدوثته، قول العكوك فيه وهو من أشهر الشعر وأسيره وأخلده ذكرا:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 443

أبو دلف العجلي الأمير اسمه القاسم بن علي.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0

أبو دلف العجلي القاسم بن عيسى الأمير أبو دلف العجلي صاحب الكرج وواليها. حدث عن هشيم وغيره، وكان فارسا شجاعا ممدحا وشاعرا محسنا، ولي حرب الخرمية فدوخهم وأبادهم، وولي إمرة دمشق للمعتصم.
وكان شيعيا غاليا في التشيع، وكان حاضر الجواب، قال له المأمون يوما: ما أخرك؟ قال: كنت ضعيفا، فقال: شفاك الله وعافاك، اركب، فوثب على فرسه فقال: ما هذه وثبة عليل، فقال: عوفيت بدعاء أمير المؤمنين.
وله صنعة في الغناء مذكورة في كتب الأغاني، وله كتاب البزاة والصيد وكتاب السلاح. وكتاب النزه. وكتاب سياسة الملوك، وغير ذلك.
ومن شعرائه أبو تمام الطائي وفيه يقول:

فأعطاه على هذين البيتين عشرة آلاف درهم، فأغفله قليلا ثم دخل عليه وقد اشترى بتلك الدراهم قرية في نهر الأبلة، فأنشده:
فقال له: وكم ثمن هذه الأخت؟ قال: عشرة آلاف درهم، فدفعها إليه.
وقال فيه القصيدة الفائية التي أولها:
منها:
قلت: ما أحسن قول أبي الحسين الجزار يمدح:
وكان أحمد بن فنن مولى بني هاشم أسود مشوه الخلق، وكان قصيرا، فقالت له امرأته: إن الأدب قد سقط نجمه وطاش سهمه، فاعمد إلى سيفك ورمحك وقوسك، وادخل مع الناس في غزواتهم عسى الله أن ينفلك من الغنيمة شيئا، فأنشد:
فبلغ خبره أبا دلف، فوجه إليه ألف دينار.
وكان أبو دلف قد لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله، فطعن فارسا نفذت الطعنة إلى فارس آخر وراءه رديفه، فنفذ فيه السنان فقتلهما، ففي ذلك يقول بكر بن النطاح:
ودخل عليه بعض الشعراء وأنشده:
وروي أن الأمير علي بن عيسى بن ماهان صنع مأدبة لما قدم أبو دلف من الكرج ودعاه إليها، وكان قد احتفل بها غاية الاحتفال، فجاء بعض الشعراء ليدخل دار علي بن عيسى، فمنعه البواب، فتعرض الشاعر لأبي دلف وقد قصد دار علي بن عيسى وبيده جزازة فناوله إياها، فإذا فيها:
فرجع أبو دلف وحلف أن لا يدخل الدار ولا يأكل منها شيئا، وقيل إن هذا الشاعر وهو عباد بن الحريش.
ولما مرض أبو دلف مرض موته حجب الناس عن الدخول إليه لثقل مرضه، فاتفق أنه أفاق في بعض الأيام فقال لحاجبه: من بالباب من المحاويج؟ فقال: عشرة من الأشراف قد وصلوا من خراسان، ولهم بالباب عدة أيام لم يجدوا طريقا، فقعد على فراشه واستدعاهم، فلما دخلوا رحب بهم وسألهم عن بلادهم وأحوالهم وسبب قدومهم، فقالوا: ضاقت بنا الأحوال، وسمعنا بكرمك فقصدناك، فأمر خادمه بإحضار بعض الصناديق، وأخرج منه عشرين كيسا في كل كيس ألف دينار، ودفه لكل واحد منهم كيسين، ثم أعطى كل واحد مؤونة طريقه وقال لهم: لا تمسوا الأكياس حتى تصلوا بها سالمة إلى أهلكم، واصرفوا هذا في مصالح الطريق، ثم قال: ليكتب لي كل واحد منكم بخطه أنه فلان بن فلان حتى ينتهي إلى علي بن أبي طالب، ويذكر جدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكتب: يا رسول الله إني وجدت إضاقة وسوء حال في بلدي، فقصدت أبا دلف العجلي فأعطاني ألفي دينار كرامة لك وطلبا لمرضاتك ورجاء لشفاعتك.
فكتب كل واحد ذلك وتسلم الأوراق وأوصى من يتولى تجهيزه إذا مات أن يضع تلك الأوراق في كفنه حتى يلقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرضها عليه.
وحكي عنه أنه قال: من لم يكن مغاليا في التشيع فهو ولد زنا، فقال له ولده دلف: يا أبه لست على مذهبك، فقال له أبوه: لما وطئت أمك وعلقت بك ما كنت بعد استبرأتها، فهذا من ذاك.
قال ابن خلكان: ومع هذا فقد حكى جماعة من أرباب التاريخ أن دلف بن أبي دلف قال: رأيت في المنام آتيا أتاني فقال لي: أجب الأمير، فقمت معه، فأدخلني دارا وحشة وعرة سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، وأصعدني على درج منها، ثم أدخلني غرفة منها في حيطانها أثر النيران، وإذا في أرضها أثر الرماد، وإذا بأبي وهو عريان واضع رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ فقلت: دلف، فأنشأ يقول:
ثم قال: أفهمت؟ قلت: نعم، ثم أنشد:
ثم قال: أفهمت؟ قلت: نعم، وانتبهت.
ولأبي دلف ذكر في ترجمة القاضي أحمد بن أبي داود وعلي بن جبلة؛ وتوفي سنة ست وعشرين ومائتين.
ومع هذه المكارم ففيه يقول بكر بن النطاح، وقيل: منصور بن باذان:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0

أبو دلف صاحب الكرج، وأميرها القاسم بن عيسى العجلي.
حدث عن: هشيم وغيره.
وعنه: محمد بن المغيرة الأصبهاني.
وكان فارسا شجاعا مهيبا سائسا شديد الوطأة، جوادا ممدحا مبذرا شاعرا مجودا له أخبار في حرب بابك، وولي إمرة دمشق للمعتصم، وقد دخل وهو أمرد على الرشيد فسلم فقال: لا سلم الله عليك أفسدت الجبل علينا يا غلام قال: فأنا أصلحه أفسدته يا أمير المؤمنين، وأنت علي أفأعجز عن صلاحه، وأنت معي؟! فأعجبه، وولاه الجبل فلما خرج قال: أرى غلاما يرمي من وراء همة بعيدة.
ومن جيد نظمه:

وقيل: إنه فرق في يوم أموالا عظيمة، وأنشد لنفسه:
وله أخبار في الكرم والفروسية.
وكان موته: ببغداد في سنة خمس، وعشرين ومائتين وفي ذريته أمراء وعلماء.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 543