الحريري القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري: الأديب الكبير، صاحب (المقامات الحريرية - ط) سماه (مقامات أبي زيد السروجي). ومن كتبه (درة الغواص في أوهام الخواص - ط) و (ملحة الإعراب -ط) و (صدور زمان الفتور وفتور زمان الصدور) في التاريخ. و (توشيح البيان) نقل عنه الغزولي. وله شعر حسن في (ديوان) و (ديوان رسائل). وكان دميم الصورة غزير العلم. مولده بالمشان (بليدة فوق البصرة) ووفاته بالبصرة. ونسبته إلى عمل الحرير أو بيعه. وكان ينتسب إلى ربيعة الفرس. قال مرجليوث: ترجم شولتنز وريسكه نماذج من مقامات الحريري إلى اللاتينية في القرن الثامن عشر، وظهرت لها تراجم في كثير من اللغات الأوربية الحديثة، مثل ترجمة روكرت Ruckert الألمانية وترجمة Chemery and Steingass الإنجليزية.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 177

ابن أحمد الحريري صاحب المقامات، اسمه: القاسم بن علي.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0

القاسم بن علي بن محمد بن عثمان بن الحريري أبو محمد البصري من أهل بلد قريب من البصرة يسمى المشان، مولده ومنشؤه به، وسكن البصرة في محلة بني حرام، وقرأ الأدب على أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني البصري بها، ومات ابن الحريري في سادس رجب سنة ست عشرة وخمسمائة ومولده في حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة عن سبعين سنة في خلافة المسترشد، وبالبصرة كانت وفاته.
وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة، وله تصانيف تشهد بفضله وتقر بنبله، وكفاه شاهدا «كتاب المقامات» التي أبر بها على الأوائل وأعجز الأواخر، وكان مع هذا الفضل قذرا في نفسه وصورته ولبسته وهيئته قصيرا دميما بخيلا مبتلى بنتف لحيته.
قال العماد في «كتاب الخريدة»: لم يزل ابن الحريري صاحب الخبر بالبصرة في ديوان الخلافة، ووجدت هذا المنصب لأولاده إلى آخر العهد المقتفوي.
أخبرني عبد الخالق بن صالح بن علي بن زيدان المسكي المصري بها في سنة اثنتي عشرة وستمائة في صفر قال: حدثنا الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي البندهي- قال: وكان يكتب هو بخطه الفنجديهي قال: وهي قرية من قرى مرو الشاهجان- قال: سمعت الشيخ الثقة أبا بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد النقور البزاز ببغداد يقول، سمعت الرئيس أبا محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري صاحب المقامات يقول: أبو زيد السروجي كان شيخا شحاذا بليغا ومكديا فصيحا، ورد علينا البصرة فوقف يوما في مسجد بني حرام فسلم ثم سأل الناس، وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء فأعجبتهم فصاحته وحسن صياغة كلامه وملاحته، وذكر أسر الروم ولده، كما ذكرناه في المقامة الحرامية وهي الثامنة والأربعون، قال: واجتمع عندي عشية ذلك اليوم جماعة من فضلاء البصرة وعلمائها، فحكيت لهم ما شاهدت من ذلك السائل وسمعت من لطافة عبارته في تحصيل مراده، وظرافة إشارته في تسهيل إيراده، فحكى كل واحد من جلسائه أنه شاهد من هذا السائل في مسجده مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه في معنى آخر فصلا أحسن مما سمعت، وكان يغير في كل مسجد زيه وشكله، ويظهر في فنون الحيلة فضله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في تلونه وإحسانه، فأنشأت المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات وكانت أول شيء صنعته.
قال المؤلف: وذكر ابن الجوزي في تاريخه مثل هذه الحكاية، وزاد فيها أن ابن الحريري عرض المقامة الحرامية على أنوشروان بن خالد وزير السلطان فاستحسنها وأمره أن يضيف إليها ما يشاكلها فأتمها خمسين مقامة.
حدثني من أثق به أن الحريري لما صنع المقامة الحرامية وتعانى الكتابة فأتقنها وخالط الكتاب أصعد إلى بغداد، فدخل يوما إلى ديوان السلطان وهو منغص بذوي الفضل والبلاغة محتفل بأهل الكفاية والبراعة، وقد بلغهم ورود ابن الحريري، إلا أنهم لم يعرفوا فضله، ولا اشتهر بينهم بلاغته ونبله، فقال له بعض الكتاب: أي شيء تتعانى من صناعة الكتابة حتى نباحثك فيه؟ فأخذ بيده قلما وقال: كل ما يتعلق بهذا، وأشار إلى القلم، فقيل له: هذه دعوى عظيمة، فقال: امتحنوا تخبروا فسأله كل واحد عما يعتقد في نفسه إتقانه من أنواع الكتابة، فأجاب عن الجميع أحسن جواب، وخاطبهم بأتم خطاب حتى بهرهم، فانتهى خبره إلى الوزير أنوشروان بن خالد فأدخله عليه، ومال بكليته إليه، وأكرمه وأدناه، فتحادثا يوما في مجلسه حتى انتهى الحديث إلى ذكر أبي زيد السروجي المقدم ذكره، وأورد ابن الحريري المقامة الحرامية التي عملها فيه، فاستحسنها أنوشروان جدا وقال: ينبغي أن يضاف إلى هذه أمثالها، وينسج على منوالها عدة من أشكالها، فقال: أفعل ذلك مع رجوعي إلى البصرة وتجمع خاطري بها، ثم انحدر إلى البصرة فصنع أربعين مقامة، ثم أصعد إلى بغداد وهي معه وعرضها على انوشروان فاستحسنها، وتداولها الناس، واتهمه من يحسده بأن قال: ليست هذه من عمله لأنها لا تناسب رسائله ولا تشاكل ألفاظه، وقالوا: هذا من صناعة رجل كان استضاف به ومات عنده فادعاها لنفسه، وقال آخرون: بل العرب أخذت بعض القوافل، وكان مما أخذ جراب بعض المغاربة وباعه العرب بالبصرة، فاشتراه ابن الحريري وادعاه، فان كان صادقا في أنها من عمله فليصنع مقامة أخرى، فقال: نعم سأصنع، وجلس في منزله ببغداد أربعين يوما فلم يتهيأ له ترتيب كلمتين والجمع بين لفظتين، وسود كثيرا من الكاغد فلم يصنع شيئا، فعاد إلى البصرة والناس يقعون فيه ويعيطون في قفاه كما تقول العامة، فما غاب عنهم إلا مديدة حتى عمل عشر مقامات وأضافها إلى تلك، وأصعد بها إلى بغداد، فحينئذ بان فضله وعلموا أنها من عمله.
وكان مبتلى بنتف لحيته، فلذلك قول ابن جكينا فيه:

وقرأت بخط صديقنا الكمال عمر بن أبي بكر الدباس رحمه الله، حدثني علي بن جابر بن هبة الله بن علي حاكم ساقية سليمان قال: حدثني والدي جابر بن هبة الله أنه قرأ على القاسم بن علي الحريري المقامات في شهور سنة أربع عشرة وخمسمائة، قال: وكنت أظن أن قوله:
أنه «سغبا معترا» فقرأت كما ظننت سغبا معترا، ففكر ساعة ثم قال: والله لقد أجدت في التصحيف فانه أجود، فرب شعث مغبر غير محتاج، والسغب المعتر موضع الحاجة، ولولا أنني قد كتبت خطي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قرئت علي لغيرت الشعث بالسغب والمغبر بالمعتر.
قال مؤلف الكتاب: ولقد وافق كتاب المقامات من السعد ما لم يوافق مثله كتاب ألبتة، فانه جمع بين حقيقة الجودة والبلاغة، واتسعت له الألفاظ، وانقادت له وفود البراعة حتى أخذ بأزمتها وملك ربقتها، فاختار ألفاظها وأحسن نسقها، حتى لو ادعى بها الاعجاز لما وجد من يدفع في صدره ولا يرد قوله ولا يأتي بما يقاربها فضلا عن أن يأتي بمثلها، ثم رزقت مع ذلك من الشهرة وبعد الصيت والاتفاق على استحسانها من الموافق والمخالف ما استحقت وأكثر.
ومن عجيب ما رأيته وشاهدته أني وردت آمد في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة وأنا في عنفوان الشباب وريعه، فبلغني أن بها علي بن الحسن بن عنتر المعروف بالشميم الحلي، وكان من العلم بمكان مكين، واعتلق من حباله بركن ركين، إلا أنه كان لا يقيم لأحد من أهل العلم المتقدمين ولا المتأخرين وزنا، ولا يعتقد لأحد فضيلة، ولا يقر لأحد باحسان في شيء من العلوم ولا حسن، فحضرت عنده وسمعت من لفظه إزراءه على أولي الفضل، وتنديده بالمعيب عليهم بالقول والفعل، فلما أبرمني وأضجر، وامتد في غيه وأصحر، قلت له: أما كان في من تقدم على كثرتهم وشغف الناس بهم عندك قط مجيد؟! فقال: لا أعلم إلا أن يكون ثلاثة رجال: المتنبي في مديحه خاصة ولو سلكت طريقه لما برز علي ولسقت فضيلته نحوي ونسبتها إلي، والثاني ابن نباتة في خطبه وان كانت خطبي أحسن منها وأسير وأظهر عند الناس قاطبة واشهر، والثالث ابن الحريري في مقاماته؛ قلت: فما منعك
أن تسلك طريقته وتنشئ مقامات تخمد بها جمرته وتملك بها دولته؟ فقال: يا بني الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولقد أنشأتها ثلاث مرات ثم أتأملها فأسترذلها، فأعمد إلى البركة فأغسلها، ثم قال: ما أظن الله خلقني إلا لاظهار فضل الحريري. وشرح مقاماته بشرح قرئ عليه وأخذ عنه.
وكتب ابن الحريري إلى سديد الدولة في صدر كتاب:
وقرأت في كتاب لبعض أدباء البصرة، قال الشيخ أبو محمد حرس الله نعمته معاياة:
تفسيره ميم الرجل إذا أصابه الموم وهو البرسام، ويقال إنه أشد الجدري ونون نصر: حوت نصر، والنون السمكة، يعني أنه أكل سمكة نصر فأصابه الموم. وله في مثله:
باء أي أقر، واللام الدرع، فلما أقر لليلى به ألزمته فلا ينفك منها إلا بعين أي بالدرع بعينه وها أي خذي.
حدثني أبو عبد الله الدبيثي، قال حدثني أبو الحسن علي بن جابر، حدثني أبي أبو الفضل جابر بن زهير قال: حضرنا مع ابن الحريري في دعوة لظهير الدين ابن الوجيه رئيس البصرة في ختان ابنه أبي الغنائم، وكان هناك مغن يعرف بمحمد المصري وكان غاية في امتداد الصوت وطيب النغمة فغنى:
فطرب الحاضرون وسألوا ابن الحريري أن يزيد فيها شيئا فقال:
ثم البيتان، فاستحسنها الجماعة وأقسموا على المغني أن لا يغنيهم غيرها، فمضى يومهم أجمع بهذه الأبيات. وأنشد أيضا للحريري:
ومن شعره:
ولابن الحريري من التصانيف: كتاب المقامات. كتاب درة الغواص في أوهام الخواص. كتاب ملحة الاعراب، وهي قصيدة في النحو. كتاب شرح ملحة الإعراب. كتاب رسائله المدونة. كتاب شعره.
حدثني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الدبيثي قال، سمعت القاضي أبا الحسن علي بن جابر بن زهير يقول، سمعت أبي أبا الفضل جابر بن زهير يقول: كنت عند أبي محمد القاسم بن الحريري البصري بالمشان أقرأ عليه المقامات، فبلغه أن صاحبه أبا زيد المطهر بن سلام البصري الذي عمل المقامات عنه قد شرب مسكرا، فكتب إليه وأنشدناه لنفسه:
قال: فلما بلغه الأبيات أقبل حافيا إلى الشيخ أبي محمد وبيده مصحف، فأقسم به ألا يعود إلى شرب مسكر، فقال له الشيخ: ولا تحاضر من يشرب.
حدثني ابن الدبيثي قال، وأنشدني ابن جابر قال، أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحسن بن المنقبة الفقيه بالرحبة لنفسه يعارض أبا محمد ابن الحريري في بيتيه اللذين قال فيهما: أسكتا كل نافث وأمنا أن يعززا بثالث:
ملامة
نقلت من خط أبي سعد السمعاني، أنشدنا أبو القاسم عبد الله بن القاسم بن علي بن الحريري، أنشدني والدي لنفسه، وهو مما كاتب به شيخ الشيوخ أبا البركات إسماعيل بن أبي سعد:
ومن خطه: أنشدني أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي الواسطي، أنشدنا القاسم بن علي الحريري لنفسه:
وكتب ابن الحريري الى سديد الدولة محمد بن عبد الكريم الأنباري كتابا على يد ولده قال فيه: كتب الخادم وعنده من تباريح الأشواق إلى الخدمة ما يصدع الأطواد، فكيف الفؤاد، ويوهي الجبال، فكيف البال، ولكنه يستدفع الخوف بسوف، ويبرد حر الأسى بعسى، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير:
هذه على عاهتها بنت ساعتها، فإن حظيت منه بالقبول المأمول، فيا بشرى للحامل والمحمول، وإن لمحت لمحة المستثقل، فيا خيبة المرسل والمرسل، والسلام.
ومن رسائل ابن الحريري رسالة التزم في كل كلمة منها السين نظما، كتبها على لسان بعض أصدقائه يعاتب صديقا له أخل به في دعوة دعا غيره إليها، وكتب على رأسها: باسم القدوس أستفتح، وباسعاده أستنجح، سجية سيدنا سيف السلطان سدة سيدنا الاسفهسلار السيد النفيس سيد الرؤساء حرست نفسه، واستنارت شمسه، وبسق غرسه، واتسق أنسه، استمالة الجليس، ومساهمة الأنيس، ومؤاساة السحيق والنسيب، ومساعدة الكسير والسليب، والسيادة تستدعي استدامة السنن، والاستحفاظ بالرسم الحسن، وسمعت بالأمس تدارس الألسن سلاسة خندريسه، وسلسال كؤوسه، ومحاسن مجلس مسرته، وإحسان مسمعة ستارته، فاستسلفت الاستدعاء، وسوفت نفسي بالاحتساء، ومؤانسة الجلساء، وجلست أستقري السبل الاسراء، وتوسمت أستطلع الرسل، وأستطرف تناسي رسمي، وأسامر الوسواس لاستحالة وسمي:
وحسبنا السلام رسول الاسلام.
وكتب إلى أبي محمد طلحة بن النعماني الشاعر لما قصده إلى البصرة يمدحه ويشكره ويتأسف على فراقه: بإرشاد المنشئ أنشئ شغفي بالشيخ، شمس الشعراء، ريش معاشه، وفشا رياشه، وأشرق شهابه، واعشوشبت شعابه، يشاكل شغف المنتشي بالنشوة، والمرتشي بالرشوة، والشادن بشرخ الشباب، والعطشان بشم الشراب. وشكري لتجشمه ومشقته، وشواهد شفقته، يشابه شكر الناشد للمنشد، والمسترشد للمرشد، والمستشعر للمبشر، والمستجيش للجيش المشمر، وشعاري إنشاد شعره، وإشجاء المكاشر والمكاشح بنشره، وشغلي إشاعة وشائعه، وتشييد شوافعه، والإشادة بشذوره وشنوفه، والمشورة بتشييعه وتشريفه، وأشهد شهادة تشدد المقشر المكاشف والمشنع الكاشف لا نشاؤه ومشاهدته تدهش الشائب والناشي، وتلاشي شعر الناشي، ولمشافهته تباشير الرشد، واشتيار الشهد، ولمشاحنته تشقي المشاحن وتشين المشاين، ولمشاغبته تشظي الأشطان، وتشيط الشيطان، فشرفا للشيخ شرفا، وشغفا بشنشنته شغفا:
وأشهد شاهد الأشياء، ومشبع الأحشاء، ليشعلن شواظ اشتياقي شحطه، وليشعثن شمل نشاطي نشطه، فناشدت الشيخ أيشعر باستيحاشي لشسوعه، وإجهاشي لتشييعه، ووشايتي بنشيده الموشي، وتشكلي شخصه بالإشراق والعشي، حاشاه تعشيه شبهة وتغشاه، فليستشف شرح شجوي بشطونه، وليرشحني لمشاركة شجونه، وليشغلني بتمشية شؤونه، وليشد جاشي، ويشارف انكماشي، عاش منتعش الحشاشة، مستشري البشاشة، مشحوذ الشفار، منتشر الشرار، شتاما للأشرار، شحاذا بالأشعار، يشرخ ويحوش، ويقنفش المنقوش، بمشية الشديد البطش، الشامخ العرش، وتشريفه لبشير البشر، وشفيع المحشر، اه.
وله من المقامات:
وقال الرئيس أبو الفتح هبة الله بن الفضل بن صاعد بن التلميذ الكاتب: كان الشيخ الأجل الامام الأوحد أبو محمد القاسم بن علي بن الحريري رضي الله عنه الامام المشهور الفضل من أعيان دهره وفريد عصره، وممن لحق طبقة الأوائل، وغبر عليهم في الفضائل، وكانت بيني وبينه مكاتبة قديمة في سنة خمس وتسعين وأربعمائة عند ابتدائه حمل المقامات التي أنشأ، ولما وقع الاجتماع به في سنة أربع وخمسمائة ببغداد، وسماعها منه عدة دفعات، جاريته وسألته أن ينظم في النحو مختصرا يحفظه المبتدئون، فشرع في نظم هذه الأرجوزة، وأملى علي منها أبوابا يسيرة، وانحدر من غير إتمامها واستعاد مني ما أملاه ليحرره، فكاتبته دفعات أقتضيه بها وأذكره بانفاذها وإنفاذ كتابه «درة الغواص في أوهام الخواص» فكتب إلي جوابين نسخة الأول منهما:
وصل من حضرة سيدنا- أطال الله بقاءه ومدته وحرس عزه ونعمته، وضاعف سعادته وكبت حسدته- كتاب كريم، مودعه طول جسيم، وفي ضمنه در نظيم، فابتهجت بتناوله، وقررت عينا بتأمله، وتذكرت الأوقات التي أسعد الدهر فيها برؤيته، وأحظى باجتلاء فضله وروايته، وشكرت الله على ما يوليه من حسن صنعه، وسألته جلت عظمته أن يجعل النعمة راهنة بربعه، والسعادة جاذبة أبدا بضبعه، وسررت بما بشرني به من نجابة السيد الرئيس الولد النفيس- أمتع الله ببقائه وأتاح لي تجدد الانس بلقائه- ولم أستبعد أن يقمر هلاله بل يبدر، ولا استبدعت أن يورق غصن دوحته الزكية ويثمر، والله تعالى يمليه أطول الأعمار، في رفاهة الأسرار، ومواتاة الأقدار، حتى يعاين أسباطه، ويضاعف باجتماعهم وتضاعفهم بحوزته اغتباطه. فأما الملحة إن أمكن تنفيذها مع أحد المترددين إلى هذا المكان لألحق بها الزيادة وأهذبها كما يطابق الارادة أوعز به. وأما «درة الغواص في أوهام الخواص» فأرجو أن ينسأ الاصعاد إلى بغداد لتصفحها من البدء وكأن قد، وإلى أن يسهل المأمول من الالتقاء، فما أولى همته الكريمة بإتحافي بالأنباء، وانهاضي بما يسنح من الأوطار والأهواء، ورأيه أعلى إن شاء الله.
نسخة الكتاب الثاني وهو المنفذ مع «الملحة» المذكورة:
إذا فكرت- أطال الله بقاء سيدنا وضاعف سعادته وكبت حسدته- فيما كان سمح به الزمان من تلك الملاقاة الحلوة، وإن كانت أقل من الحسوة، أعظمت قيمة حسناه، ووجدتها أحلى إسعاف وأسناه، ثم إذا فكرت فيما أعقب من الفرقة، وألهب في الصدر من الحرقة، وجدته كمن رجع في المنحة، وطمس الفرحة بالترحة، ولولا تعلة القلب المشجو، بالتلاقي المرجو، لذاب من اتقاد الشوق، ولقال: «شب عمرو عن الطوق». وفي لوامح تلك الألمعية، ما يغني عن تبيان تلك الطوية، وكان وصل من حضرته- أنسها الله تعالى- ما أعرب فيه عن كريم عهده، وتباريح وجده، فلم أستبدع العذوبة من ورده، ولا استغربت ما تولى من بره وحسن عهده، وبمقتضى هذه الأوامر، والطول المتناصر، انعكافي على الشكر، واعترافي بعوارفه الغر. فأما استطلاع «ملحة الاعراب» المشتبهة بالسراب، فقد آثرت خزائنه- عمرها الله تعالى- بمسودتها، على شعث بنيتها وشوه خلقتها، ولو لم تعرض حادثة العرب، العائقة عن كل أرب، لزففتها كما تزف العروس المقينة، والخطب المزينة، غير أني أرجو أن ترزق حظوة القباح، وألا تجبه بالذم الصراح، ولكتبه- حرس الله نعمته- عندي موقع أنفس التحف، وشكري على التكرم بها شكر من اتشح بها والتحف، وسيدنا أمين الدولة رئيس الحكماء، مخدوم بأفضل دعاء، وأطيب ثناء وسلام، ولرأيه- أدام الله نعمته- في الإيعاز بالوقوف على ما شرحته، وتمثل ما أوضحته، علوه إن شاء الله تعالى.
نسخة كتاب كتبه ابن الحريري إلى أبي الفتح ابن التلميذ قبل اللقاء:
لو أخذت في وصف شغفي بمناقب سيدنا- أطال الله بقاءه وأدام علاءه وحرس نعماءه وكبت حساده وأعداءه- وما أنا بصدده من مدح سؤدده، وشرح تطوله وتودده، لكنت بمثابة المغترين، في محاولة عدد رمل يبرين، لكنني راج أن أحظى من ألمعيته الثاقبة، وبصيرته الصائبة، بما يمثل له عقيدتي، ويطلعه على نخيلة مودتي وما أملك في مقابلة مفاتحته التي أخلصت له إيجاب الحق، وفضيلة السبق، إلا الثناء الذي أتلو صحائفه، والدعاء الذي أقيم في كل وقت وظائفه. والله سبحانه يحسن توفيقي لما يشيد مباني المودة، التي أعتدها أفضل معاني العدة. ثم إني لفرط اللهج باستملاء فضائله النيرة، واستطلاع محاسنه المسيرة، أسائل عن خصائصه الركبان، وأطرب بسماعها ولا طرب النشوان.
ولما حضر الشيخ الأديب الرئيس أبو القاسم بن الموذ- أدام الله تمكينه- ألفيته مواليا مغاليا، وداعية إليه وداعيا، فازددت كلفا بما وعيته منه، وشغفا بما استوضحته عنه. واستدللت على كمال سيدنا باستخلاص شكر مثله، وتحققت وفور أفضاله وفضله، فافتتحت المكاتبة بتأدية هذه الشهادة، واستمداد سنة المواصلة المعتادة، والتكرمة التي تقتضيها بواعث السيادة. ولرأيه في الوقوف على ما كتبته، والتطول فيه بما توجبه أريحيته، علوه، إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى سديد الدولة رسالة صدرها بهذين البيتين:
وصدر رسالة أخرى إليه بهذه الأبيات:
وكتب إلى المؤيد أبي إسماعيل الطغرائي يهنئه بولاية الطغرائي في سنة تسع وخمسمائة، فأجابه الطغرائي بجواب هذا نسخته:
وصل من المجلس السامي المؤيدي- ضاعف الله علوه، وأضعف عدوه، وأكمل سعوده، وأكمد حسوده- كتاب اتسم بالمكرمة الغراء، وابتسم عن التكرمة العذراء، فخلته كتاب الأمان من الزمان، وتلقيته كما يتلقى الانسان صحيفة الاحسان، وقابلت ما أودع من البر، والطول المبر، بالشكر الذي هو جهد المقل، ونسك المستقل، ووجدت ما ألحف من التجميل، وأتحف من الجميل، ما كانت أطماعي تتوق إليه، وآمالي تحوم حواليه، إذ ما زلت مند استمليت وصف المناقب المؤيدية، ورويت خبرها عن الراوية الشريفة الشرفية، أبعث قلمي على أن يفاتح، وأن يكون الرائد لي والماتح، وهو ينكص نكوص الهيوبة، وينكل نكول الهام عن الضريبة، فأكابد لإحجامه الأسى، وأزجي الأيام بلعل وعسى، إلى أن بديت، وهديت وأريت، كيف يحيي الله من يميت، فلم يبق بعد أن أنشط العقال، واستدعي المقال، إلا أن أنقل الحشف إلى هجر، وأزف الهشيم إلى الشجر، فأصدرت هذه الخدمة المتشحة بالخجل، المرتعشة من الوجل، وأنا معترف بسالف التقصير، ومعتذر عنه باللسان القصير، فإن قربت عند الوصول، وقرنت بحظوة القبول، فذلك الذي كانت تتمنى، وحق لي ولها أن تهنى، وإن ألغيت إلغاء الحوار في الدية، وندد بمفاضحها في الأندية، فما هضمت فيما قوبلت، ولا ظلمت إذ ما
قبلت، على أن لكل امرئ ما نوى، وأن تعفوا أقرب للتقوى. وإن كان وضح اجتهادي فيما وقف من الوطر، الذي تأكد فيه اعتراض القدر، وانتقاص النظر، فيا بردها على الكبد، وبشرى خادمه المجتهد. ثم إن استخدمت بعد في خدمة واجتهدت، وانتهزت فرصة فريضتها ولو جاهدت، فللرأي الشريف في الإمام بتحسين ما يتأمل، وتحقيق ما يؤمل، مزيد السمو، إن شاء الله تعالى

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2202

الحريري العلامة البارع، ذو البلاغتين، أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الحرامي الحريري، صاحب ’’المقامات’’.
ولد بقرية المشان من عمل البصرة.
وسمع من: أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى، وأبي القاسم الفضل القصباني، وتخرج به في الأدب.
قال ابن افتخار: قدم الحريري بغداد، وقرأ على علي بن فضال المجاشعي، وتفقه على ابن الصباغ، وأبي إسحاق الشيرازي، وقرأ الفرائض على الخبري، ثم قدم بغداد سنة خمس مائة، وحدث بها بجزء من حديثه وبمقاماته، وقد أخذ عليه فيها ابن الخشاب أوهاما يسيرة اعتذر عنها ابن بري.
قلت: وأملى بالبصرة مجالس، وعمل ’’درة الغواص في وهم الخواص’’، و ’’الملحة’’ وشرحها، و ’’ديوانا’’ في الترسل، وغير ذلك، وخضع لنظمه نثره البلغاء.
روى عنه: ابنه؛ أبو القاسم عبد الله، والوزير علي بن طراد، وقوام الدين علي بن صدقة، والحافظ ابن ناصر، وأبو العباس المندائي، وأبو بكر بن النقور، ومحمد بن أسعد العراقي، والمبارك بن أحمد الأزجي، وعلي بن المظفر الظهيري، وأحمد بن الناعم، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو الكرام الكرابيسي، وأبو علي بن المتوكل، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة أبو طاهر الخشوعي الذي أجاز لشيوخنا، فعن الحريري قال: كان أبو زيد السروجي شيخا شحاذا بليغا، ومكديا فصيحا، ورد البصرة علينا، فوقف في مسجد بني حرام، فسلم، ثم سأل، وكان الوالي حاضرا، والمسجد غاص بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته، وذكر أسر الروم ولده كما ذكرنا في ’’المقامة الحرامية’’ فاجتمع عندي جماعة، فحكيت أمره، فحكى لي كل واحد أنه شاهد منه في مسجد مثل ما شاهدت، وأنه سمع منه معنى في فصل، وكان يغير شكله، فتعجبوا من جريانه في ميدانه، وتصرفه في
تلونه، وإحسانه، وعليه بنيت هذه المقامات. نقل هذه القصة التاج المسعودي، عن ابن النقور عنه.
قلت: اشتهرت المقامات، وأعجبت وزير المسترشد شرف الدين أنوشروان القاشاني، فأشار عليه بإتمامها، وهو القائل في الخطبة: فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم.
وأما تسميته الراوي لها بالحارث بن همام، فعنى به نفسه أخذا بما ورد في الحديث: ’’كلكم حارث، وكلكم همام’’1 فالحارث: الكاسب، والهمام: الكثير الاهتمام، فقصد الصفة فيهما، لا العلمية.
وبنو حرام: بحاء مفتوحة وراء، والمشان بالفتح: بليدة فوق البصرة معروفة بالوخم.
قال ابن خلكان: وجدت في عدة تواريخ أن الحريري صنف ’’المقامات’’ بإشارة أنوشروان، إلى أن رأيت بالقاهرة نسخة بخط المصنف، وقد كتب أنه صنفها للوزير جلال الدين أبي علي بن صدقة وزير المسترشد، فهذا أصح، لأنه بخط المصنف.
وفي ’’تاريخ النحاة’’ للقفطي أن أبا زيد السروجي اسمه مطهر ابن سلار، وكان بصريا لغويا، صحب الحريري، وتخرج به، وتوفي بعد عام أربعين وخمس مائة، سمع أبو الفتح المندائي منه ’’الملحة’’ بسماعه من الحريري.
وقيل: إن الحريري عمل المقامات أربعين وأتى بها إلى بغداد، فقال بعض الأدباء: هذه لرجل مغربي مات بالبصرة، فادعاها الحريري، فسأله الوزير عن صناعته، فقال: الأدب، فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها، فانفرد وقعد زمانا لم يفتح عليه ما يكتبه، فقام خجلا.
وقال علي بن أفلح الشاعر:

وكان يذكر أنه من ربيعة الفرس، وكان يعبث بلحيته، فلما رد إلى بلده، كملها خمسين ونفذها، واعتذر عن عيه بالهيبة.
وقيل: بل كره المقامة ببغداد، فتجاهل، وقبل صغيرا بحلقة. وكان غنيا له ثمانية عشر ألف نخلة.
وقيل: كان عفشا زري اللباس فيه بخل، فنهاه الأمير عن نتف لحيته، وتوعده، فتكلم يوما بشيء أعجب الأمير، فقال: سلني ما شئت، قال: أقطعني لحيتي، فضحك، وقال: قد فعلت.
توفي الحريري في سادس رجب، سنة ست عشرة وخمس مائة بالبصرة، وخلف ابنين: نجم الدين عبد الله، وقاضي البصرة ضياء الإسلام عبيد الله، وعمره سبعون سنة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 338

القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري صاحب المقامات
من أهل البصرة ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة
وسمع الحديث من أبي تمام محمد بن الحسن بن موسى المقرى وأبي القاسم الفضل القصباني الأديب وأبي القاسم الحسين بن أحمد بن الحسين الباقلاني وغيرهم
وحدث ببغداد بجزء من حديثه وبمقاماته التي أنشأها
روى عنه أبو الفضل بن ناصر وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن النقور والوزير علي بن طراد وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأزجي وأبو العباس المندائي وخلق وآخر من روى عنه بالإجازة بركات بن إبراهيم الخشوعي
وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وأبي نصر بن الصباغ
وقرأ الفرائض والحساب على أبي الفضل الهمذاني وأبي حكيم الخبري
وأخذ الأدب عن أبي الحسن علي بن فضال المجاشعي وأبي القاسم القصباني
وكان من البلاغة والفصاحة بالمحل الرفيع الذي تشهد به مقاماته التي لانظير لها رشيق النظم والنثر حلو الألفاظ عذب العبارة إمام مقدم في الأدب وفنونه
قال ابن السمعاني لو قلت إن مفتتح الإحسان في شعره كما أن مختتم الإبداع بنثره وأن مسير الحسن تحت لواء كلامه كما أن مخيم السحر عند أقلامه لما زلقت من شاهق الإنصاف إلى حضيض الاعتساف
وقال أيضا فيه أحد الأئمة في الأدب واللغة ومن لم يكن له في فنه نظير في عصره فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة وتنميق العبارة وتجنيسها وكان فيما يذكر غنيا كثير المال
وكان من سبب إنشائه المقامات ما حكاه عن نفسه من أن أبا زيد السروجي واسمه فيما ذكر بعضهم المطهر بن سلار من أهل البصرة كان شيخا شحاذا أديبا بليغا فصيحا قال الحريري ورد علينا البصرة فوقف في مسجد بني حرام فسلم ثم سأل وكان بعض الولاة حاضرا والمسجد غاص بالفضلاء فأعجبتهم فصاحته وحسن كلامه
وذكر اسر الروم ولده كما ذكرنا في المقامة الحرامية فاجتمع عندي عشية جماعة فحكيت ما شاهدت من ذلك السائل وما سمعت من ظرافته فحكي كل واحد عنه نحو ما حكيت فأنشات المقامة الحرامية ثم بنيت عليها سائر المقامات
قيل وأما تسميه الراوي عنه بالحارث بن همام فإنما عني به نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم (كلكم حارث وكلكم همام) فالحارث الكاسب والهمام الكثير الاهتمام وكل أحد كاسب ومهتم بأموره
ثم انتشرت هذه المقامات في زمانه وكثرت النسخ بها وزاد إقبال الخلق عليها بحيث قال القاضي جابر بن هبة الله قرأت المقامات على الحريري في سنة أربع عشرة وكنت أظن أن قوله

فقرأت سغبا معترا
ففكر ثم قال والله لقد أجدت في التصحيف وإنه لأجود فلرب شعث مغبر غير محتاج والسغب المعتر موضع الحاجة ولولا أني قد كتبت خطي إلى هذا اليوم على سبعمائة نسخة قرئت على لغيرته كما قلت
ومن شعره
واقتصرت على ذكر هذين البيتين لأني لم له نظما ولا نثر إلا ونظمه ونثره في المقامات أحسن منه
وله ديوان رسائل وشعر وله أيضا ملحة الإعراب ودرة الغواص وغير ذلك
توفي في يوم الاثنين ثامن رجب سنة ست عشرة وخمسمائة
ومن الفوائد المتعلقة بالمقامات
سأل يعيش النحوي زيد بن الحسن الكندي عن قول الحريري في المقامة العاشرة حتى إذا لألأ الأفق ذنب السرحان وآن انبلاج الفجر وحان ما يجوز في قوله الأفق ذنب السرحان من الإعراب وأشكل عليه الجواب حكي ذلك ابن خلكان وذكر أن البندهي جوز في شرح المقامات رفعهما ونصبهما
ورفع الأول ونصب الثاني وعكسه قال ابن خلكان ولولا خوف الإطالة لأوردت ذلك قال والمختار نصب الأفق ورفع ذنب
قلت وقال الشيخ جمال الدين ابن هشام رحمه الله ومن خطه نقلته كان يرفعهما على حذف مفعول لألأ وتقدير ذنب بدلا أي حتى إذا لألأ الوجود الأفق ذنب السرحان وهو بدل اشتمال ونظيره سرق زيد فرسه ويضعفه أو يرده عدم الضمير وقد يقال إن أل خلف عن الإضافة أي ذنب سرحانه ومثله {قتل أصحاب الأخدود النار} أي ناره أو على حذف الضمير كما قالوا في الآية أي ذنب السرحان فيه والنار فيه وأما نصبهما فعلى أن الفاعل ضمير اسمه تعالى والأفق مفعول به وذنب بدل منه أي لألأ الله الأفق ذنب السرحان أي سرحانة أو السرحان فيه ورفع الذنب ونصب الأفق واضح وعكسه مشكل جدا إذ الأفق لم ينور الذنب نعم إن كان تجويزه على أنه من باب المقلوب اتجه كما قالوا كسر الزجاج الحجر وخرق الثوب المسمار لأمن الإلباس

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 7- ص: 266

بالحاء المهملة.

صاحب “المقامات الحريرية”، وترجمه هو بخطه فيما شاهدته في أصله ب“ مقامات أبي زيد السروجي”، إنشاء فلان.

ولقد بلغت به هذه “ المقامات “ أعلى المقامات، وأحلته من علو الذكر

وبعد الصيت بأرفع الدرجات، وكان شافعي المذهب، وذلك بين من “ مقاماته “ في فتاوبه التي ضمنها المقامة الثانية والثلاثون منها، ناسباً لها إلى فقيه العرب، وإنما فقيه العرب عبارة عن عالم العرب وليس عبارة عن شخص معين، فذكر من فتاويه قال: أيجوز بيع الخل بلحم الجمل؟ قال: لا، ولا بلحم الحمل، قال الحريري: الخل: ابن المخاض، ولا يحل بيع اللحم بالحيوان سواء كان من جنسه أو غير جنسه.

وقال أيضا: قال: ما يجب على المختفي في الشرع؟ قال: القطع لإقامة الردع، المختفي: نباش القبور.

وقال: قال: أينعقد نكاح لم يشهده القواري، قال: لا والخالق الباري: القواري: الشهود، لأنهم يقرون الأشياء، أي: يتبعونها.

فهذه أجوبة شافعي ليس غير، لمخالفة الأول لمذهب أحمد، فإنه يجوز بغير الجنس، والثاني لمذهب أبي حنيفة، والثالث لمذهب مالك (رضى الله عنهم) .

وقد قال في خاتمتها: فقلت له: خفض الأحزان لا تلم الزمان، واشكره لمن فتلك عن مذهب إبليس، إلى مذهب ابن إدريس.

أنبأنا أبو هاشم، أخبرنا أبو سعد السمعاني، أنشدني أبو القاسم عبد الله بن القاسم البصري قال: أنشدني والدي لنفسه:



قال النواوي: قوله: في فوديك، هما تثنية فود: بفتح الفاء، وإسكان الواو، بعدها دال مهملة، وهو: معظم شعر الرأس الذي يلي الأذنين، ويقال: وخطه الشيب، أي: خالطه.

  • دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 662

الحريري
وأما أبو محمد القاسم بن علي بن محمد الحريري، فإنه كان أديباً فاضلاً، بارعاً فصيحاً بليغاً.
صنف كتباً حسنة، عذبة العبارة، رائقة، منها: كتاب المقامات الشهيرة في أيدي الناس، وكتاب درة الغواص فيما يلحن فيه الخواص، وكتاب الرسائل، وملحة الأعراب وشرحها، إلى غير ذلك من الكتب.
وأخذ عن أبي القاسم الفضل بن محمد القصباني -وكان القصباني نحوياً فاضلاً- قال الحريري: ذكر شيخنا أبو القاسم القصباني أنك إذا قلت: ما أسود زيداً! وما أسمر عمراً! وما أصفر هذا الطائر! وما أبيض هذه الحمامة! وما أحمر هذه الفرس! فسدت كل مسألة منها من وجه، وصحت من وجه، فيفسد جميعها إذا أردت بها التعجب من الألوان، وتصح جميعها إذا أردت بها التعجب من سواد زيد، وسمر عمرو -وهو الحديث بالليل خاصة- ومن صفير الطائر، وكثرة بيض الحمامة، ومن حمر الفرس؛ وهو أن ينتن فوه.
وأخذ عن الحريري المقامات شريف الدين علي بن طراد الزينبي الوزير، وقوام الدين علي بن صدقة الوزير، وابن المائدائي قاضي واسط، وابن المتوكل، وابن النقور، وجماعة كثيرة من أهل الأدب وغيرهم.
وروى لي ابن المتوكل عنه:

ويحكى أنه لما قدم بغداد حضره شيخنا أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي، وهو يقرأ عليه كتاب المقامات: فلما بلغ المقامة الحادية والعشرين إلى قوله:
قال له الشيخ أبو منصور: ما الشغا؟ فقال: الزيادة، فقال له الشيخ أبو منصور: إنما الشغا اختلاف منابت الأسنان، ولا معنى له هاهنا.
وكان الحريري دميم الخلقة، فيحكى أن رجلاً قصده ليقرأ عليه، فاستدل على مسجده الذي يقرأ فيه، فلما أراد الدخول، رأى شخصاً دميم الخلق فاحتقره، وقال: لعله ليس هو هذا، فرجع. ثم قال في نفسه: لعله يكون هذا، ثم استبعد أن يكون هو، والشيخ يلحظه، فلما تكرر ذلك منه، تفرس الشيخ منه ذلك، فلما كان في المرة الأخيرة قال له: ادخل، فأنا من تطلب، أكثر من قرد محنك.
ويحكى أنه كان مولعاً بالعبث بلحيته بحيث يتشوه بذلك، فنهاه الأمير وتوعده على ذلك، وكان كثير المجالسة له، فبقي كالمقيد لا يتجاسر أن يعبث بها! فتكلم في بعض الأيام عند الأمير بكلام استحسنه منه، فقال له الأمير: سلني ما شئت حتى أعطيك، فقال له: أقطعني لحيتي، فقال له: قد فعلت.
ويحكى أنه كتب إليه الوزير علي بن صدقة خادمه، فكتب إليه يستعفي من ذلك، فكتب إليه، إن عدت تستعفي من ذلك كتبت إليك: الخادم.
قال ابن السمعاني: سألت أبا القاسم بن أبي محمد الحريري عن وفاة أبيه، فقال: توفي سنة ست عشرة وخمسمائة بيني حرام، من البصرة، وسألته عن مولده، فقال: لا أدري! غير أنه قال لي: كان له وقت أن توفي سبعون سنة.

  • مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 278

  • دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 327

  • مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 262

أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري، المشاني
صاحب المقامات. قرأ النحو على القصباني ودخل بغداد فقرأ النحو والأدب على علي بن فضال المجاشعي وتفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعلى ابن الصباغ، وقرأ الفرائض والحساب على أبي حكيم الجبري وأبي الفضل الهمداني.
إمام في الفصاحة والبلاغة ورشاقة الألفاظ. حضر مجلس بعض الأكابر، فجرى ذكر قول أبي الفتح البستي في رجل شرير بخيل: إن لم يكن لنا طمع في درك درك فاعفنا من شرك شرك. فلم يبق أحد إلا استحسنها، فقال أبو محمد في الحال من غير روية: إن لم تدننا من مبارك مبارك فأبعدنا عن معارك معارك، وفيه قولي: مدارك مدارك مشارك مشارك. وقلت أيضا: إن لم تسقنا من برك فاعفنا من ضرك ضرك. وقلت أيضا: إن لم تنزلنا من محابك محابك فاعزلنا عن مسابك مسابك.
مولده سنة ست وأربعين وأربعمائة، وتوفي سنة خمس عشرة وخمسمائة وله المقامات، والملحة وشرحها، ودرة الغواص، وديوان ترسل، وديوان شعر.
وفي الجملة ما كان إلا نادرا.

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 53

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 234

القاسم بن علي بن محمد الأديب أبو محمد البصري الحريري
مصنف المقامات ’’والملحة’’ وشرحها، و’’درة الغواص’’، وديوان شعره ورسائل، له إعراب القرآن أيضاً، أحد الأئمة في البلاغة، مولده بالبصرة سنة ست وأربعين وأربعمائة، وقدم بغداد فقرأ على أبي الحسن بن فضال المجاشعى، وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ، وسمع وقرأ الفرائض والحساب على أبي الفضل الهمداني وابن حكيم الخَبرى، وسمع الحديث من جماعة، وحدَّث ببغداد بجزء من حديثه وبمقاماته، روى عنه ابنه عبد اللَّه وابن ناصر وغيرهما، قال ابن الصلاح: كان شافعي المذهب. وذلك بيِّن في مقاماته في فتاويه التي ضمنها المقامة الثانية والثلاثين، قلت: قد بينا تفقهه على أبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ ولم يعتن هو بهذا، صنف ’’المقامات’’ للوزير جلال الدين عميد الدولة وزير المسترشد، كما كتب هو بخطه واتهمه بعضهم في مقاماقه، وقيل: إنها كانت لرجل مغربى، مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فامتحن فمكث زماناً، فلم يفتح عليه بشئ فخجل، وكان يولع سيف مكتبته عند الفكرة، مات سنة ست عشرة وخمسمائة عن سبعين سنة، وخلف ولدين عبد اللَّه الأديب، وعبيد اللَّه قاضي البصرة، ومن شعره:

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1