أحمد البتي أحمد بن علي البتي، أبو الحسن: كاتب اديب، غلب عليه الظرف والمجون. كان يكتب للقادر بالله العباسي في ديوان الخلافة، ونادم الوزراء فكان لا يكمل انسهم الا بحضوره. له تصانيف، منها ’’القادري) و (العميدي) و (الفخري’’ وكانت له معرفة تامة بالغناء وصنعته، ولا تكاد المغنية تغني بصوت الا ذكر صنعته وشاعره وجميع ما قيل في معناه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 171
أحمد بن علي أبو الحسن البتي الكاتب كان يكتب للقادر بالله عند مقامه بالبطيحة، ولما وصلته البيعة كتب عنه إلى بهاء الدولة. وكان البتي حافظا للقرآن تاليا له مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة ظريف المزح والمجون.
قال ابن عبد الرحيم: كان البتي في بدء أمره يلبس الطيلسان ويسمع الحديث ويقرأ القرآن على شيوخ عصره، وكان يذكر أنه قرأ القرآن على زيد بن أبي بلال، وكان غاية في جميع خلال الأدب، يتعلق بصدور وافرة من فنون العلم، ويكتب خطا جيدا، ويترسل ترسلا لا بأس به، وينظم شعرا دون ما كان حظي به من العلم؛ ثم لبس من بعد الدراعة وسلك في لبسه مذاهب الكتاب القدماء، وكان يلبس الخفين والمبطنة ويتعمم العمة الثغرية وإن لبس لالجة لم تكن إلا مربدية، وكان لا يتعرض لحلق شعره جريا على السنة السالفة. وكتب من بعد في ديوان الخلافة، وكان له حرمة بالقادر بالله رعاها له، ثم غلب على أخلاقه الهزل وتجافى الجد بالواحدة وانقطع إلى اللعب، وكان شكله ولفظه وما يورده من النوادر يدعو إلى مكاثرته والرغبة إلى مخالطته، فحضر مجلس بهاء الدولة في جملة الندماء، ونفق عليه نفاقا لا مزيد عليه، ولم يكن لأحد من الرؤساء مسرة تتم ولا أنس يكمل إلا بحضوره، فكانوا يتداولونه ولا يفارقونه، ونادم الوزراء حتى انتهى إلى منادمة فخر الملك، وأعجب به غاية الإعجاب وأحسن إليه غاية الاحسان، ومات في أيامه. وكانت له نوادر مضحكة وجوابات سريعة لا يكاد يلحقه فيها أحد، وتعرض لغيبة الناس تعرضا قل ما أخل به على الوجه المضحك الذي يكون سببا إلى تدارك تلك المنقصة وطريقا إلى تغمد زلته فيها بما اعتمده من التطايب. وكان يذهب مذهب المعتزلة ويميل إلى فقه أبي حنيفة، ويتعصب للطائي تعصبا شديدا، ويفضل البحتري على أبي تمام ويغلو فيه غاية الغلو.
فمن نوادره الشائعة أنه انحدر مع الرضي والمرتضى وابن أبي الريان الوزير وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرجوا عليهم اللصوص ورموهم بالحذافات، وجعلوا يقولون: ألا حلوا يا أزواج القحاب؛ فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت؟ قال: وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب؟!.
وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري ومات في شعبان سنة ثلاث وأربعمائة؛ وله تصانيف منها: كتاب القادري. وكتاب العميدي. كتاب الفخري.
قال الوزير أبو القاسم المغربي: كان أبو الحسن البتي أحد المتفننين في العلوم لا يكاد يجارى في فن من فنون العلوم فيعجز عنه، وكان مليح المحاضرة كثير المذاكرة طيب النادرة مقبول المشاهدة، رأيته على باب أحد رؤساء العمال وقد حجب عنه فكتب اليه:
على أي باب أطلب الإذن بعدما | حجبت عن الباب الذي أنا حاجبه |
ولم أدر من ألقى عليه رداءه | سوى أنه قد سل عن ماجد محض |
أبا حسن أتحسب أن شوقي | يقل على مكاثرة الخطوب |
يهش لكم على العرفان قلبي | هشاشته إلى الزور الغريب |
وألفظ غيركم ويسوغ عندي | ودادكم مع الماء الشروب |
ما للهموم كأنها | نار على قلبي تشب |
والدمع لا يرقا له | غرب كأن العين غرب |
ما كنت أحسب أنني | جلد على الأرزاء صعب |
ما أخطأتك النائبا | ت إذا أصابت من تحب |
عرج على الدار مغبرا جوانبها | فاسأل بها عجلا عن ساكن الدار |
وقل لها أين ما كنا نراه على | مر المدى بك من نقض وإمرار |
وأين أوعية الآداب فاهقة | تجري خلالك جري الجدول الجاري |
يا أحمد بن علي والردى عرض | يزور بالرغم منا كل زوار |
علقت منك بحبل غير منتكث | عند الحفاظ وعود غير خوار |
وقد بلوتك في سخط وعند رضى | وبين طي لأنباء وإظهار |
فلم تفدني إلا ما أضن به | ولم تزدني إلا طيب أخبار |
لا عار فيما شربت اليوم غصته | من المنون وهل بالموت من عار |
ولم ينلك سوى ما نال كل فتى | عالي المكان ولاقى كل جبار |
لم لا أتيه ومضجعي | بين الروادف والخصور |
وإذا قسمت فإنني | بين الترائب والنحور |
ولقد نشأت صغيرة | بأكف ربات الخدور |
يا رب ثدي مصصته بكرا | وقد عراني خمار مغبوق |
له هدير إذا شربت به | مثل هدير الفحول في النوق |
كأن ترجيعه إذا رشف | الراشف فيه صياح مخنوق |
ما احمرت العين من دمع أضر بها | في عرصتي طلل أو إثر مرتحل |
لكن رآها الذي يهوى وقد نظرت | في وجه آخر فاحمرت من الخجل |
قلت للبتي لما | رام صلحي من بعيد |
وكل شرط للصلح أقبله | إن أنت أعفيتني من القبل |
إذا أتاه الماء من جانب | عاجله بالسد من جانب |
سل الربع بالخبتين كيف معاهده | وأنى برجع القول منه هوامده |
عفت حقبا بعد الأنيس رسومه | فلم يبق إلا نؤيه وخوالده |
ديار نزفت الدمع في عرصاتها | تؤاما إلى أن أقرح الجفن فارده |
أرقت دما بعد الدموع نزحته | من القلب حتى غيضته شوارده |
سأستعتب الدهر الخؤون بسيد | يرد جماح الدهر إذ هو قائده |
سواء عليه طارف المال في الندى | إذا ما انتحاه السائلون وتالده |
قرم إذا اعتذرت نوافل بره | لم يلف دافع حقها بمعاذر |
من معشر ورثوا المكارم والعلا | وتقسموها كابرا عن كابر |
قوم يقوم حديثهم بقديمهم | ويسير أولهم بمجد الآخر |
زكاة العلوم زكاة الندى | وعرف المعارف بذل الحجى |
ولكن يجر به أهله | فأجر بنيلك فضل التقى |
لئن كنت أوجبته قربة | لما وقع الموقع المرتضى |
وما صدقاتك مقبولة | إذا ما تنكبت فيها الهدى |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 1- ص: 373
أحمد بن علي البتّي، أبو الحسن الكاتب.
كان يكتب للقادر بالله عند مقامه بالبطيحة، ولمّا وصلته البيعة كتب عنه إلى بهاء الدولة. وكان حافظا للقرآن تاليا له، مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة، ظريف المزح والمجون، وكان صاحب الخبر والبريد في الديوان للقادر بالله.
وله تصانيف، منها: كتاب القادريّ، وكتاب العميدي، وكتاب الفخري.
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 270