أبو النجم الشاعر الفضل بن قدامة العجلي الراجز:
من طبقة العجاج في الرجز، وربما قدمه بعضهم على العجاج، له مدائح في هشام بن عبد الملك. توفي في حدود العشرين ومائة.
قال معاوية يوما لجلسائه: أي أبيات العرب في الضيافة أحسن؟ فأكثروا، فقال: قاتل الله أبا النجم حيث يقول:
لقد علمت عرسي فلانة أنها | طويل سنا ناري بعيد خمودها |
إذا حل ضيفي بالفلاة فلم أجد | سوى منبت الأطناب شب وقودها |
وكان الأصمعي يغمز عليه.
وأبو النجم القائل:
والمرء كالحالم في المنام | يقول: إني مدرك أمامي |
في قابل ما فاتني في العام | والمرء يدنيه من الحمام |
مر الليالي السود والأيام | إن الفتى يصبح للأسقام |
كالغرض المنصوب للسهام | أخطأ رام أم أصاب رام |
بعث الجنيد بن عبد الرحمن المري إلى خالد بن عبد الله القسري بسبي من الهند، فجعل يهب أهل البيت كما هو للرجل من قريش من وجوه الناس حتى بقيت عنده جارية واحدة كان يدخرها لجمالها، فقال لأبي النجم: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة؟ قال: نعم أصلحك الله.
فقال العريان بن الهيثم النخعي: كذب ما يقدر على ذلك، وكان على شرطة خالد، فقال أبو النجم:
علقت خودا من بنات الزط | ذات جهاز مضغط ملط |
رابي المجس جيد المحط | كأنه قط على مقط |
إذا بدا منه الذي تغطي | كأن تحت ثوبها المنعط |
شطا رميت فوقه بشط | لم يعل في البطن ولم يخط |
فيه شفاء من أذى التمطي | كهامة الشيخ اليماني الثط |
وأومأ بيده إلى هامة العريان، فضحك خالد وقال للعريان: هل تراه احتاج أن يروي فيها؟ فقال: لا والله، ولكنه ملعون ابن ملعون، ثم أخذ الجارية وانصرف.
وقال هشام يوما لأبي النجم: يا أبا النجم حدثني، قال: عني أو عن غيري؟ قال: لا بل عنك. قال: إني لما كبرت عرض لي البول، فوضعت عندي شيئا أبول فيه، فقمت من الليل أبول فيه فخرج مني صوت فتشددت، ثم عدت فخرج مني صوت آخر، فأويت إلى فراشي، فقلت: يا أم الخيار هل سمعت شيئا؟ فقالت: لا ولا واحدة منهما، فضحك هشام. وأم الخيار هذه هي التي قال فيها:
قد أصبحت أم الخيار تدعي | علي ذنبا كله لم أصنع |
وهي أرجوزة طويلة.
قلت: ولأرباب المعاني والبيان عليه كلام طويل، لأنه متى روى علي ذنبا كله لم أصنع - برفع اللام من كله - كان له معنى وهو: أنها ادعت عليه ذنبا لم يصنع شيئا منه، ومتى روي كله لم أصنع - بفتح اللام - تغير معناه، وهو أنها ادعت عليه ذنبا صنع بعضه دون كله لأن العموم في الرفع، وعدمه في النصب لم يكن لخصوصية إعمال الفعل في الحل وترك إعماله فيه، وإنما هو لتسلط الكلية على النفي عند الإعمال وتسلطه عليها عنده، حيث كان حرف النفي غير منفصل عن الفعل يتقدم بتقدمه ويتأخر بتأخره. ولو كان حرف النفي بحيث يصح انفصاله عن الفعل لكان المعنى واحدا:
أأعمل الفعل أم لم يعمل كقوله:
#ما كل رأي الفتى يدعو إلى الرشد
وحديث ذي اليدين في قوله: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن، فقال ذو اليدين: بعض ذلك قد كان.
والمعنى أنه عليه السلام نفى كون كل واحد منهما، ولو قال: لم يكن كل ذلك لكان اعترافا بأنه قد كان بعضه. وعلى هذا فلا يجوز أن يقال: كلهم لم يأتني لكن بعضهم لتناقضه، ويجوز، لم يأتني كلهم لكن بعضهم، إذ لا تناقض. ولا يحتمل هذا المكان أكثر من هذا الكلام لأنه ليس بموضعه.
رجع: وقال هشام لأبي النجم: كم لك من الولد والمال؟ قال: أما المال فلا مال، وأما الولد فلي ثلاث بنات وبني يقال له شيبان، قال: هل أخرجت من بناتك أحدا؟ قال: نعم، زوجت ابنتين وبقيت واحدة تجمز في أبياتنا كأنها نعامة. قال: وما وصيت به الأولى؟ قال: وصيتها واسمها برة:
أوصيت من برة قلبا حرا | بالكلب خيرا والحماة شرا |
لا تسأمي ضربا لها وجرا | حتى ترى حلو الحياة مرا |
وإن كستك ذهبا ودرا | والحي عميهم بشر طرا |
فضحك هشام وقال: فما قلت للأخرى؟ قال: قلت:
سبي الحماة وابهتي عليها | وإن دنت فازدلفي إليها |
وأوجعي بالفهر ركبتيها | ومرفقيها واضربي رجليها |
#وظاهري النذر لها عليها
فقال هشام: ويحك ما هذه وصية يعقوب ولده؛ فقال: ولا أنا كيعقوب يا أمير المؤمنين، قال: فما قلت للثالثة؟ قال: قلت:
أوصيك يا بنتي فإني ذاهب | أوصيك أن يحمدك القرائب |
والجار والضيف الكريم الساغب | ويرجع المسكين وهو خائب |
ولا تني أظفارك السلاهب | منهن في وجه الحماة كاتب |
#والزوج إن الزوج بئس الصاحب
قال:وأي شيء قلت في تأخير زواجها؟ قال: قلت
كأن ظلامة أخت شيبان | يتيمة ووالداها حيان |
الرأس قمل كله وصئبان | وليس في الساقين إلا خيطان |
#تلك التي يفزع منها الشيطان
فضحك هشام حتى ضحك النساء لضحكه، فقال هشام للخصي: كم بقي من نفقتك؟ قال: ثلاثمائة دينار، قال: أعطه إياها ليجعلها في رجل ظلامة مكان الخيطين.