المسترشد بالله الفضل (المسترشد بالله) ابن أحمد (المستظهر بالله) ابن المقتدي عبد الله بن محمد الهاشمي العباسي، ابو منصور: من خلفاء الدولة العباسية. بويع بالخلاغة بعد وفاة ابيه (سنة 512) وكان عالي الهمة، شجاعا، فصيحا، بليغ التوقيعات، له شعر جيد. حدثت في اواخر ايامه فتنة بهمذان، قام بها امير امرائه السلطان مسعود ابن ملكشاه السلجوقي، فجرد المسترشد جيشا لقتاله. ودس له السلطان مسعود جمعا من رجاله، اظهروا الطاعة، حتى نشبت الحرب في موضع يقال له (دايمرج) فانقلبوا على الخليفة، وانهزم عسكره، وثبت وحده في مقره، فاعتقله السلطان مسعود واخذه معه يريد دخول بغداد به فلما كانوا على باب مراغة دخل عليه جمع من الباطنية، ارسلهم السلطان سنجر السلجوقي لقتله، فقتلوه ومثلوا به، ودفن في مراغة.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 147

المسترشد بالله الفضل بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أمير المؤمنين الإمام أبو منصور المسترشد بالله ابن المستظهر بن المقتدي بن القائم بن القادر بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور: بويع بالخلافة ليلة الخميس الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وأول من بايعه إخوته: أبو عبد الله محمد، وأبو طالب العباس، وأبو إسحاق إبراهيم، وأبو نصر محمد، وأبو القاسم إسماعيل، وأبو الفضل عيسى. ثم تلاهم عمومته أولاد المقتدي.
قال الصولي: بايعه سبعة من أولاد الخلفاء. وكان المسترشد أشقر أعطر أشهل خفيف العارضين، وجلس بكرة الخميس جلوسا عاما، وبايعه الناس، وكان المتولي لأخذ البيعة قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني، وبايع الناس إلى الظهر، ثم أخرجت جنازة المستظهر، فصلى عليه المسترشد وكبر عليه أربعا، وجلس للعزاء أياما، وكان عمره لما بويع سبعا وعشرين سنة، لأن مولده سنة ست وثمانين وأربعمائة.
وكان أبوه خطب له بولاية العهد ونقش اسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين.
وكان يتنسك في أول زمانه ويلبس الصوف ويتفرد في بيت للعبادة، وختم القرآن وتفقه، وكان مليح الخط، لم يكن قبله في الخفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك على كتابه أغاليطهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة.
وكان ذا هيبة وإقدام وشجاعة، وضبط الخلافة ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رميمها، وشيد أركان الشريعة، وخرج عدة نوب إلى الحلة والموصل وطريق خراسان.
لم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش من المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته، إلى أن خرج الخرجة الأخيرة فكسر وأسر وقتله الملاحدة، جهزهم عليه السلطان مسعود، فهجموا عليه مخيمه بظاهر مراغة سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما. وكان عمره خمسا وأربعين سنة وأشهرا.
وكان قد سمع الحديث مع اخوته من أبي القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزاز، ومن مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي.
وحدث، وروى عنه وزيره علي بن طراد الزينبي وأبو الفتوح حمزة بن علي بن طلحة الرازي، وأبو علي إسماعيل بن طاهر بن الملقب وغيرهم. ومن شعره لما كسر وأشير عليه بالهزيمة:

ومن شعره:
ومنه:
ومنه لما استؤسر:
ومنه وقد خرج لقتال الأعاجم:
قال مسعود بن عبد الله التيتاري: اتفق أن المسترشد رأى فيما يرى النائم في الأسبوع الذي استشهد فيه كأن على يده حمامة مطوقة، فأتاه آت وقال: خلاصك في هذا. فلما أصبح حكى لابن سكينة الإمام ما رآه، فقال: ما أولته يا أمير المؤمنين؟ قال: أولته ببيت أبي تمام الطائي:
وخلاصي في حمامي، وليت من يأتيني فيخلصني مما أنا فيه من الذل والحبس، فقتل بعد المنام بأيام.
وكان المسترشد قد خرج للإصلاح بين السلاطين السلجوقية واختلاف الأجناد، وكان معه جمع كثير من الأتراك، فغدر أكثرهم به ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلا وانهزموا عن المسترشد، وقبض على المسترشد وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة بقرب همذان وحبسوا بها، وكان ذلك في شهر رمضان، وبقي معه إلى النصف من ذي القعدة وحمل مع مسعود إلى مراغا، وأنزل بناحية من المعسكر، فدخل عليه جماعة من الباطنية من شرخ الخيمة وتعلقوا به وضربوه بالسكاكين، فوقعت الصيحة، وقتل معه جماعة منهم أبو عبد الله ابن سكينة وابن الجزري، وخرج جماعة منهزمين فتقلوا وأضرمت النار فيهم، وبقيت يد أحدهم لم تحترق، وهي خارجة من النار مضمومة كلما ألقيت النار عليها لا تحترق، ففتحوا يدعه فإذا هي يده وفيها شعرات من كريمته، فأخذها السلطان مسعود وجعلها في تعويذ ذهب، ثم جلس السلطان للعزاء، وخرج الخادم ومعه المصحف وعليه الدم إلى السلطان، وخرج أهل المراغة وعليهم المسوح وعلى وجوههم الرماد الصغار والكبار، وهم يستغيثون، ودفنوه عندهم في مدرسة أحمدك، وبقي العزاء بمراغة أياما.
وخلف من الأولاد أبا جعفر منصورا الراشد، وأبا العباس أحمد، وأبا القاسم عبد الله، وإسحاق توفي في حياته، ووزر له ربيب الدولة محمد بن الحسين نيابة عن أبيه، وأبو علي بن صدقة. وعلي بن طراد. وأنوشروان بن خالد. وقضاته أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني، وعلي بن الحسين الزينبي. وحجابه ابن المعوج، وابن البقشلام، وابن الصاحبي.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0

المسترشد بالله اسمه الفضل بن أحمد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0

المسترشد بالله أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي، العباسي، البغدادي.
مولده في شعبان، سنة ست وثمانين وأربع مائة في أيام جده المقتدي، وخطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضربت السكة باسمه.
وسمع في سنة أربع وتسعين من: أبي الحسن بن العلاف، وسمع من: أبي القاسم بن بيان، ومن مؤدبه أبي البركات بن السيبي.
روى عنه: وزيره علي بن طراد، وحمزة بن علي الرازي، وإسماعيل بن الملقب.
وله خط بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دين ورأي، وشهامة وشجاعة، وكان خليقا للإمامة، قليل النظير.
قال ابن النجار: ذكر قثم بن طلحة الزينبي -ومن خطه نقلت- أن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف، ويتعبد، وختم القرآن، وتفقه، لم يكن في الخلفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك على كتابه، ويصلح أغاليط في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة.
قال ابن النجار: كان ذا شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج، فكسر، وأسر، ثم استشهد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديث.
قال: وله نظم، ونثر مليح، ونبل رأي.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا الكندي، أخبرنا إسماعيل بن السمرقندي، أخبرنا علي بن طراد، أخبرنا المسترشد بالله، أخبرنا ابن بيان الرزاز، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، فذكر حديثا.
قال ابن النجار: أنشدنا هبة الله بن الحسن بن السبط حفظا للمسترشد بالله:

وله:
وقيل: إنه قال لما أسر مستشهدا:
قال سعد الله بن نجا بن الوادي: حكى لي صديقي منصور بن إبراهيم قال: لما عاد الحيص بيص إلى بغداد، وكان قد هجا الخليفة المسترشد طالبا لذمامه، فقال فيه:
قال: فخرج لفظ الخليفة: سرعة العفو عن كبير الجرم استحقار بالمعفو عنه.
وبخط قاضي المارستان قال: حكي أن الوزير علي بن طراد أشار على المسترشد أن ينزل في منزل اختاره، وقال: هو أصون. قال: كف يا علي، والله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي، ولألقين الشمس بوجهي حتى يشحب لوني:
ابن النجار: أخبرنا زين الأمناء عن محمد بن محمد الإسكافي إمام الوزير، قال: لما كنا مع المسترشد بباب همذان، كان معنا ’’إنسان يعرف بـ’’ فارس الإسلام، وكان يقرب من خدمة الخليفة، فدخل على الوزير ابن طراد، فقال: رأيت الساعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في هذا الجيش؟ قال: مكسور مقهور، فأريد أن تطالع الخليفة بهذا، فقال: يا فارس الإسلام، أنا أشرت على الخليفة أن لا يخرج من بغداد، فقال: يا علي، أنت عاجز رد إلى بيتك، فلا أبلغه هذا، لكن قل لابن طلحة صاحب المخزن، فذهب إلى ابن طلحة، فأخبره، فقال: لا أنهي إليه ما يتطير به، فاكتب هذا إليه واعرضها، وأخل موضع مقهور، فكتبتها، وجئت إلى السرادق، فوجدت نجا في الدهليز، وقد صلى الخليفة الفجر، وبين يديه مصحف، ومقابله ابن سكينة إمامه، فدخل نجا الخادم، فسلم الرقعة إليه، وأنا أنظره، فقرأها غير مرة، وقال: من كتب هذه؟ فقال: فارس الإسلام، قال: أحضره، فجاء، فقبض على يدي، فأرعدت، وقبلت الأرض، فقال: وعليكم السلام، ثم قرأ الرقعة مرات، ثم قال: من كتب هذه؟ قلت: أنا، قال: ويلك، لم أخليت موضع الكلمة الأخرى؟ قلت: هو ما رأيت يا أمير المؤمنين. قال: ويلك، هذا المنام أريته أنا في هذه الساعة، فقلت: يا مولانا، لا يكون أصدق من رؤياك، ترجع من حيث جئت، قال: ويلك، ويكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله ما بقي لنا رجعة، ويقضي الله ما يشاء. فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، وقع المصاف، وتم ما تم، وكسر وأسر وقتل، رحمه الله.
قال ابن ناصر: خرج المسترشد بالله سنة تسع وعشرين وخمس مائة إلى همذان للإصلاح بين السلاطين، واختلاف الجند، وكان معه جمع كثير من الأتراك، فغدر به أكثرهم، ولحقوا بمسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان، فانهزم جمع المسترشد بالله في رمضان، وقبض عليه، وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعة هناك، فحبسوا بها، وبقي الخليفة مع السلطان مسعود إلى نصف ذي القعدة، وحمل معهم إلى مراغة، ثم إن الباطنية ألفوا عليه جماعة من الملاحدة، وكان قد أنزل ناحية من المعسكر، فدخلوا عليه، ففتكوا به، وبجماعة كانوا على باب خركاهه، وقتلوا، ونقل، فدفن بمراغة، وكان مصرعه يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة.
وجاء الخبر يوم التاسع من مقتله إلى بغداد، فكثر النوح والبكاء بها، وعمل العزاء.
وقال صدقة بن الحسين الحداد: كان قد صلى الظهر، وهو يقرأ في المصحف، وهو صائم، فدخل عليه من شرج الخيمة جماعة بالسكاكين، فقتلوه، ووقعت الصيحة، فقتل عليه جماعة من أصحابه، منهم: أبو عبد الله بن سكينة، وابن الخزري، وخرجوا منهزمين، فأخذوا وقتلوا ثم أحرقوا، فبقيت يد أحدهم خارجة من النار مضمومة لم تحترق، ففتحت، وإذا فيها شعرات من لحيته -صلوات الله عليه- فأخذها السلطان مسعود، وجعلها في تعويذ ذهب، وجلس للعزاء، وجاز الخادم ومعه المصحف، وعليه الدم إلى السلطان، وخرج أهل مراغة في المسوح وعلى وجوههم الرماد، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر.
قال قثم بن طلحة: كان أشقر أعطر أشهل، خفيف العارضين، وخلف من الذكور: منصورا الراشد بالله، وأحمد، وعبد الله، وإسحاق -توفي قبله- وبنتان، ووزر له محمد بن الحسين، وأبو علي بن صدقة، وعلي بن طراد، وأنوشروان.
وقضاته: علي بن الدامغاني، وعلي بن الحسين الزينبي.
قلت: بويع عند موت أبيه في ربيع الآخر، سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، فكانت دولته سبع عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاش ستا وأربعين سنة، فقيل: إن الذين فتكوا به جهزهم مسعود، وكانوا سبعة عشر نفسا، فأمسكوا، وقتلهم السلطان، وأظهر الحزن والجزع.
وقيل: بعث السلطان سنجر بن ملكشاه إلى ابن أخيه مسعود يوبخه على انتهاك حرمة المسترشد، ويأمره برده إلى مقر عزه، وأن يمشي بين يديه بالغاشية، ويخضع، ففعل ذلك ظاهرا، وعمل على قتله، وقيل: بل الذي جهز الباطنية عليه السلطان سنجر من خراسان، وفيه بعد.
وقيل: إن الشاشي عمل ’’العمدة’’ في الفقه للمسترشد.
وفي سنة سبع عشرة كان المصاف بين المسترشد وبين دبيس الأسدي، وجذب يومئذ المسترشد سيفه، فانهزم دبيس وتمزق جمعه، ثم كانت بينهما وقعة سنة ’’519’’، فذل دبيس، وجاء وقبل الأرض، فلم يعط أمانا، ففر إلى السلطان سنجر، واستجار به، فحبسه خدمة للمسترشد، وصلى المسترشد بالناس يوم الأضحى وخطبهم، ونزل، فنحر بدنة بيده.
وفي سنة إحدى وعشرين: وصل السلطان محمود، وحاصر بغداد، واستظهر الخليفة.
وفي سنة سبع وعشرين سار المسترشد في اثني عشر ألف فارس، فحاصر الموصل ثمانين يوما، فبذل له زنكي متوليها أموالا ليرحل، فأبى، ثم إنه ارتحل، وعظمت هيبته في النفوس، وخضع زنكي، وبعث الحمل إلى المسترشد، وقدم رسول السلطان سنجر، فأكرم، ونفذ المسترشد لسنجر خلعة السلطنة ثمنت بمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وعرض المسترشد جيوشه في هيئة لم يعهد مثلها من دهر طويل، فكانوا خمسة عشر ألفا.
وفارق مسعود بغداد على غضب، وانضم إليه دبيس، وعزموا على أخذ بغداد، فطلب المسترشد زنكي بن آقسنقر، وهو محاصر دمشق، وطلب نائب البصرة بكبه، فبيت مسعود لطلائع المسترشد، فانهزموا، ولكن خامر أربعة أمراء إلى المسترشد، فأنعم عليهم بثمانين ألف دينار، وسار في سبعة آلاف، وكانت الملحمة في رمضان سنة تسع كما ذكرنا، فانهزم جيش الخليفة، وأسلموه، فأسره مسعود في نوع احترام، وحاز خزانته، وكانت أربعة آلاف ألف دينار، ومجموع القتلى خمسة أنفس، وزور السلطان على لسان الخليفة كتبا إلى بغداد بما شاء، وقامت قيامة البغاددة على خليفتهم، وكان محبوبا إلى الرعية جدا، وبذلوا السيف في أجناد السلطان، فقتل من العامة مائة وخمسون نفسا، وأشرفت الرعية على البلاء، ولما قتل المسترشد، بويع بالخلافة، ولده الراشد بالله ببغداد.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 387

الفضل أبو منصور الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين ابن المستظهر بالله أحمد بن المقتدى بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم بن القادر بن المقتدر ابن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور أخي السفاح

وهو الذي صنف له الشاشي كتاب العمدة وباسمه اشتهر الكتاب فإنه كان يلقب عمدة الدنيا والدين وعدة الإسلام والمسلمين
بويع له بالخلافة ليلة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة فأول من بايعه إخوته أبو عبد الله محمد وأبو طالب العباس وأبو إسحاق إبراهيم وأبو نصر محمد وأبو القاسم إسماعيل وأبو الفضل عيسى ثم تلاهم عمومته أبو جعفر موسى وأبو إسحاق وأبو أحمد وأبو علي أولاد المقتدي ثم جلس بكرة الخميس جلوسا عاما ودخل الناس لمبايعته وكان المتولي لأخذ البيعة قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني فأول من بايع أبو القاسم الزينبي ثم أرباب الدولة ثم أسعد الميهني مدرس النظامية ثم الناس على طبقاتهم ثم أخرجت جنازة المستظهر فصلى عليها المسترشد
وكان المسترشد وقت المبايعة له ابن سبع وعشرين سنة لأن مولده في يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة وخطب له أبوه بولاية العهد ونقش اسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وذكر أن المسترشد كان تنسك في أول زمنه ولبس الصوف وتفرد في بيت للعبادة
وكان مليح الخط ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله يستدرك على كتابه ويصلح أغاليط في كتبهم
وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فأمر أشهر من الشمس وقت الزوال وأوضح من البدر ليلة الكمال ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق فكسر وأخذ ورزق الشهادة على يد الملاحدة
وحكي أن الوزير علي بن طراد أشار إليه أن ينزل في منزل اختاره وقال إن ذلك يا أمير المؤمنين أصون للحريم الشريف فقال كف يا علي فوالله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي ولألقين الشمس بوجهي حتى يشحب لوني وانشد
وله الشعر الحسن فمنه قوله لما استؤسر
ومن شعره
قال ابن السمعاني كان ذا رأي وهيبة ومضاء وشجاعة أحيا رمائم الخلافة وشدر أركان الشريعة وضبط أمور الخلافة وردها ورتبها أحسن الترتيب
والمسترشد أبلغ مما يوصف به وقد آل أمره إلى أن خرج في سنة تسع وعشرين وخمسمائة إلى همذان للإصلاح بين السلاطين السلجقية وكان معه كثير من الأتراك فغدر به أكثرهم ولحقوا بالسلطان مسعود بن محمد بن ملكشاة ثم التقى الجمعان فلم يلبثوا إلا قليلا وانهزموا عن المسترشد وذلك في شهر رمضان وقبض على المسترشد بالله وعلى خواص دولته وحملوا إلى قلعة هناك بقرب همذان فحبسوا فيها وبقي المسترشد مع السلطان مسعود إلى النصف من ذي القعدة من السنة وحمل معهم إلى مراغة من بلاد أذربيجان ثم إن الباطنية ألقوا عليه جماعة من الملاحدة وكان قد أنزل ناحية من العسكر فدخلوا عليه يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة وفتكوا به وبجماعة معه كانوا على باب خر كاهه
وقتلوا جميعا ضربا بالسكاكين وحمل هو إلى مراغة ودفن هناك
ويحكى أن المسترشد كان إذ ذاك صائما وقد صلى الظهر وهو يقرأ في المصحف فدخلوا عليه فقتلوه ثم أضرمت عليهم النار فبقيت يد أحدهم لم تحترق وهي خارجة من النار مضمومة كلما ألقوا النار عليها وهي لا تحترق ففتحوا يده وإذا فيها شعرات من كريمته صلى الله عليه وسلم فأخذها السلطان مسعود وجعلها في تعويذ ذهب
ثم إن السلطان جلس للعزاء وخرج ومعه المصحف وعليه الدم إلى السلطان وخرج أهل المراغة وعليهم المسوح وعلى وجوههم الرماد وهم يستغيثون ودفن في مدرسة هناك وبقي العزاء في مراغة أياما فرضي الله عنه لقد عاش حميدا ومات شهيدا فقيدا
وكانت مدة خلافته ثمان عشرة سنة وستة أشهر
وحكي عن أبي المظفر محمد بن محمد بن قزمي الإسكافي إمام الوزير علي بن طراد الزينبي قال لما كنا مع الإمام المسترشد بالله يعني بالمعسكر بباب همذان كان معنا إنسان يعرف بفارس الإسلام وكان يقرب من خدمه الخليفة قال فجاء ليلة من الليالي قبل طلوع الفجر فدخل على الوزير فسلم عليه قال ما جاء بك في هذا الوقت قال منام رأيته الساعة وهو كأن خمسة نفر قد توجهوا للصلاة واحد يؤمهم فجئت فصليت معهم ثم قلت لواحد منهم من هذا الذي يصلي بنا فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ومن أنت فقال أنا علي بن أبي طالب وهؤلاء أصحابه فقمت وقبلت يده الشريفة وقلت يا رسول الله ما تقول في هذا الجيش وعنيت عسكر الخليفة فقال هذا جيش مكسور مقهور
وأريد أن تطالع الخليفة بهذا المنام
فقال الوزير يا فارس الإسلام أنا أشرت على الخليفة لا يخرج من بغداد فقال لي يا علي أنت عاجز ارجع إلى بيتك وأقول له هذه الرؤيا فربما تطير بها ثم يقول قد جاءني بترهات قال أفلا أنهي ذلك إليه قال بلى تقول لابن طلحة صاحب المخزن فذاك منبسط وينهي مثل هذا
قال فخرج من عند الوزير ثم دخل إلى صاحب المخزن فأورد عليه الرؤيا فقال ما أشتهي أن أنهي إليه ما يتطير به قال فيجوز أني أذكر هذا قال اكتب إليه واعرضها وأخل موضع مقهور قال فكتبتها وجئت إلى باب السرادق فوجدت مرتجا الخادم في الدهليز ورأيت الخليفة وقد صلى الفجر والمصحف على فخذه وهو يقرأ ومقابله ابن سكينة إمامه والشمعة بينهما فدخل وسلم الرقعة إليه وأنا أنظره فقرأها ثم رفع رأسه إلى الخادم ثم قرأها ثانيا ثم نظر إليه ثم قرأها ثالثا ثم قال من كتب هذه الرقعة فقال فارس الإسلام فقال وأين هو قال بباب السرادق قال فأحضره فجاء فقبض علي يدي فبقيت أرعد خيفة من تطيره فدخلت وقبلت الأرض فقال وعليكم السلام ثم قرأ الرقعة ثلاث مرات أخرى وهو ينظر إلي ثم قال من كتب هذه الرقعة فقلت أنا يا أمير المؤمنين فقال ويلك لم أخليت موضع الكلمة الأخرى فقلت هو ما رأيت يا أمير المؤمنين فقال ويلك هذا المنام أريته الساعة أنا فقلت يا مولانا لا يكون أصدق من رؤياك نرجع من حيث جئنا فقال ويلك ونكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله ما بقي لنا رجعة ويقضي الله ما يشاء
فلما كان اليوم الثاني أو الثالث وقع المصاف وتم ما تم وكسر وأسر وقتل وروى أنه رأى في نومه في الأسبوع الذي استشهد فيه كأن على يده حمامة مطوقة
وأتاه آت وقال له خلاصك في هذا فلما أصبح قص على ابن سكينة الإمام ما رأى فقال يكون خيرا ثم قال ما أولته يا أمير المؤمنين قال ببيت أبي تمام حيث يقول
وخلاصي في حمامي وليت من يأتي فيخلصني مما أنا فيه من الذل والحبس فقتل بعد أيام
ومن شعره لما كسر وأشير عليه بالهزيمة
سمع المسترشد بالله الحديث من أبي القاسم علي بن احمد الرزاز ومن مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي وحدث وقد أسندنا حديثه
كتب إلي أحمد بن أبي طالب عن محمد بن محمود أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب ابن علي بن علي بن عبيد الله قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه قال قرأت على السيد الأجل الرضا نقيب النقباء
شرف الدين خالصة الخلافة وزير أمير المؤمنين أبي القاسم علي بن طراد بن محمد بن علي الزينبي أدام الله سعادته وتوفيقه قلت له قرئ على سيدنا ومولانا الإمام المسترشد بالله أمير المؤمنين أدام الله أيامه وأعانه على ما استرعاه وأيده بنصره وجنده وبلغه نهاية أمله في ولي عهده وجميع ولده بمنة وكرمه وأنت تسمع في يوم الأحد عاشر المحرم سنة سبع عشرة وخمسمائة في عودة من قتال المارقين مظفر منصورا قيل له أخبركم علي ابن أحمد بن محمد الرزاز أخبرنا محمد بن محمد بن الرزاز حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبيس بن مرحوم الحديث الفضل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الزيادي أبو محمد
من أهل سرخس
قال ابن السمعاني ولي القضاء بها مدة ثم صرف عنها
قال وكان فقيها فاضلا حسن السيرة كثير العبادة متزهدا مولده في رجب سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
وذكره أبو الفتح ناصر بن أحمد العاصمي في كتاب الرسالة فقال الشيخ الإمام الزاهد نجيب عجيب وللفتاوى في الحال مجيب أربى على أقرانه في الزهد والتورع قائم بالأسحار على قدم التذلل والتضرع
قال ابن السمعاني توفي الزيادي بسرخس يوم الأربعاء سادس عشر شوال سنة خمسين وخمسمائة

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 7- ص: 257