الفتح بن خاقان الفتح بن خاقان بن أحمد بن غرطوج، ابو محمد: اديب، شاعر، فصيح، كان في نهاية الفطنة والذكاء. فارسي الاصل، من ابناء الملوك. اتخذه المتوكل العباسي اخا له، واستوزره وجعل له امارة الشام على ان ينيب عنه. وكان يقدمه على جميع اهله وولده. واجتمعت له خزانة كتب حافلة من اعظم الخزائن. والف كتابا سماه (اختلاف الملوك) وكتابا في (الصيد والجوارح) وكتاب (الروضة والزهر) وقتل مع المتوكل. وهو غير الفتح بن خاقان (الفتح بن محمد) صاحب القلائد.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 133

الفتح بن خاقان بن أحمد القائد وقيل الفتح بن خاقان بن غرطوج، كذا قال المرزباني في «كتاب المعجم». قال محمد بن إسحاق النديم: كان في نهاية الذكاء والفطنة وحسن الأدب، وكان من أولاد الملوك، واتخذه المتوكل أخا، وكان يقدمه على جميع أولاده، قتل مع المتوكل ليلة قتل بالسيوف لأربع خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين بالمتوكلية، وكانت له خزانة كتب جمعها له علي بن يحيى المنجم لم ير أعظم منها كثرة وحسنا، وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء الكوفيين والبصريين، قال أبو هفان: ثلاثة لم أر قط ولا سمعت بأكثر محبة للكتب والعلوم منهم: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي.
قال المؤلف: وباقي القصة في أخبار الجاحظ فكرهت التكرار.
وللفتح من التصانيف: كتاب البستان صنفه رجل يعرف بمحمد بن عبد ربه ويلقب برأس البغل ونسبه إليه. كتاب الصيد والجوارح.
وذكره أبو القاسم في «تاريخ الشام» فقال: الفتح بن خاقان بن غرطوج التركي أبو محمد، قدم الشام مع المتوكل معادله على جمازة، ثم نزل بالمزة، فلما رحل المتوكل عن دمشق استخلف بها كلباتكين التركي. وكان على خاتم المتوكل وقتل معه، روى عنه أبو زكريا يحيى بن حكيم الأسلمي شيئا من شعره، وأبو العباس المبرد وأحمد بن يزيد المؤدب، ولم يذكره الخطيب في تاريخه .
وعن محمد بن القاسم قال: دخل المعتصم يوما إلى خاقان بن غرطوج يعوده فرأى الفتح بن خاقان ابنه وهو صبي لم يتغر فمازحه ثم قال: أيما أحسن داري أم داركم؟ فقال الفتح بن خاقان: يا سيدي دارنا إذا كنت فيها أحسن، فقال المعتصم:
لا أبرح والله حتى أنثر عليه مائة ألف درهم، وفعل ذلك.
وعن أبي العباس المبرد قال: أنشد الفتح بن خاقان:

فزاد الفتح بن خاقان:
قال المبرد: وسمعت الفتح ينشد قبل أن يقتل بساعات هذا البيت وهو:
وكان الفتح يتعشق خادما للمتوكل اسمه شاهك وله فيه أشعار منها:
قال ابن حمدون: كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من سره، فقال لي مرة: شعرت يا أبا عبد الله أني انصرفت البارحة من مجلس أمير المؤمنين، فلما دخلت منزلي استقبلتني فلانة- يعني جاريته- فلم أتمالك أن قبلتها، فوجدت فيما بين شفتيها هواء لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان هذا من مستحسن كلام الفتح، فكأن الوأواء الدمشقي سمع هذا حتى قال:
ووجدت في بعض المجاميع للفتح بن خاقان يصف الورد:
وكان أديبا فاضلا زكي النفس حسن العشرة لطيف الأخلاق متوددا محببا إلى كل من يكلمه، وكان غاية في الجود، وكان قد تنزل من المتوكل بمنزلة الروح من الجسد، وكان خدم قبله المعتصم والواثق؛ فذكر أبو العيناء قال: قال الفتح بن خاقان: غضب علي المعتصم ثم رضي عني وقال لي: ارفع حوائجك لتقضى، فقلت: يا أمير المؤمنين ليس شيء من عرض الدنيا وإن جل يفي برضى أمير المؤمنين وإن قل؛ قال: فأمر فحشي فمي جوهرا.
أخبرني أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار الحافظ قال: أخبرني أبو القاسم الثعلبي، حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا الخطيب أبو بكر، أخبرنا محمد بن محمد بن المظفر السراج، حدثنا المرزباني، أخبرني محمد بن يحيى الصولي، حدثني أحمد بن عبد الرحمن، حدثني وهب بن وهب بن وهب، حدثني البحتري قال: قال المتوكل: قل في شعرا وفي الفتح فإني أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني فيذل، فقل في هذا المعنى فقلت أبياتي:
فقلت فيها:
قال البحتري: فقتلا معا وكنت حاضرا وربحت هذه الضربة، وأومأ إلى ضربة
في ظهره؛ فقال: أحسنت والله يا بحتري وجئت بما في نفسي، وأمر لي بألف دينار. وقال غير وهب الراوي للخبر، قال البحتري: قد كنت عملت هذه الأبيات في غلام كنت أكلف به، فلما أمرني المتوكل بما أمر تنحيت فقلت الأبيات وأريته أنني عملتها في وقتي وما غيرت فيها إلا لفظة واحدة فإنني كنت قد قلت:
لا أرتني الأيام فقدك ما عشت
فجعلته يا فتح.
وتحدث الشمشاطي علي بن محمد، حدثني محمد بن عبد الله، حدثني أحمد بن الفضل الهاشمي، حدثنا علي بن الجهم القرشي قال: دخلت على المتوكل يوما وهو جالس وحده فسلمت عليه فرد السلام وأجلسني، فحانت مني التفاتة فرأيت الفتح بن خاقان واقفا في غير رتبته التي كان يقوم فيها، متكئا على سيفه مطرقا، فأنكرت حاله، فكنت إذا نظرت إليه نظر إلى الخليفة فإذا صرفت وجهي نحو الخليفة أطرق، فقال: يا علي أأنكرت شيئا؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: ما هو؟
قلت: وقوف الفتح في غير رتبته التي كان يقوم فيها، قال: سوء اختياره أقامه ذلك المقام، قلت: ما السبب يا أمير المؤمنين؟ قال: خرجت من عند قبيحة آنفا فأسررت إليه سرا فما عداني السر أن عاد إلي، قلت: لعلك أسررته إلى غيره يا أمير المؤمنين، قال: ما كان هذا، قلت: فلعل مستمعا استمع عليكما، قال: ولا هذا أيضا، قال: فأطرقت مليا ثم رفعت رأسي فقلت: يا أمير المؤمنين قد وجدت له مما هو فيه مخرجا، قال: ما هو؟ قلت: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا المستمر بن سليمان عن أبي الجوزاء قال: طلقت امرأتي في نفسي وأنا في المسجد ثم انصرفت إلى منزلي فقالت لي امرأتي: أطلقتني يا أبا الجوزاء؟ قلت: من أين لك هذا؟
قالت: خبرتني جارتي الأنصارية، قلت: ومن خبرها بذلك؟ قالت: ذكرت أن زوجها خبرها بذلك، فغدوت على ابن عباس فقصصت عليه القصة فقال: علمت أن وسواس الرجل محدث وسواس الرجل فمن ها هنا يفشو السر.
قال أبو نعيم: فكان في نفسي من هذا شيء حتى حدثني حمزة الزيات قال:
خرجت سنة من السنين أريد مكة، فلما جزت في بعض الطريق ضلت راحلتي فخرجت أطلبها، فإذا باثنين قد قبضا علي أحس حسهما وأسمع كلامهما ولا أرى
شخصهما، فأخذاني وجاءا بي إلى شيخ قاعد على تلعة من الأرض حسن الشيبة، فسلمت عليه فرد علي السلام، فأفرخ روعي ثم قال: من أين، وإلى أين؟ فقلت:
من الكوفة أريد مكة، قال: ولم تخلفت عن أصحابك؟ فقلت: ضلت راحلتي فجئت أطلبها، فرفع رأسه إلى قوم على رأسه فقال: زاملة، فأنيخت بين يدي، ثم قال لي، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم، قال: هاته فقرأت حم الأحقاف حتى انتهيت إلى هذه الآية: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} الآية فقال لي: على رسلك تدري كم كانوا؟ قلت: اللهم لا، قال: كنا أربعة وكنت المخاطب لهم عنه صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا قوميا أجيبوا داعي الله. ثم قال لي: أتقول الشعر؟ قلت: اللهم لا. قال: أفترويه؟ قلت: نعم، قال: هاته، فأنشدته قصيدة:
فقال: لمن هذه؟ فقلت: لزهير بن أبي سلمى، قال: الجني؟ قلت: بل الانسى مرارا، فرفع رأسه إلى قوم على رأسه فقال: زهير، فأتي بشيخ كأنه قطعة لحم فألقي بين يديه فقال له: يا زهير، قال: لبيك، قال: «أمن أم أوفى» لمن؟
قال: لي؛ قال: هذا حمزة الزيات يذكر أنها لزهير بن أبي سلمى الإنسي، قال:
صدق هو وصدقت أنت. قال: وكيف هذا؟ قال: هو إلفي من الإنس وأنا تابعه من الجن أقول الشيء فألقيه في وهمه ويقول الشيء فآخذه عنه، فأنا قائلها في الجن وهو قائلها في الإنس. قال أبو نعيم فصدق عندي هذا الحديث حديث أبي الجوزاء أن وسواس الرجل يحدث وسواس الرجل فمن ها هنا يفشو السر، قال: فاستفرغ المتوكل ضحكا وقال: إلي يا فتح، فصب عليه خلعا وحمل على شيء من الظهر وأمر له بمال وأمر لي بدون ما أمر له به، فانصرفت إلى منزلي وقد شاطرني الفتح ما أخذ فصار الأكثر إلي والأقل عنده.
قال جحظة في «أماليه» حدثني المبرد قال أنشدني الفتح بن خاقان لنفسه:
قال فحدثني ابن حمدون قال: لما قال الفتح هذه الأبيات أنشدتها المتوكل فسألني عن قائلها فعرفت أنه الفتح، فاستحسنها وقال لي: بأبي أنت من جامع محاسن الدنيا. وبلغ هذا الشعر أبا علي البصير الفضل بن جعفر فقال في الفتح:
قال المرزباني: ومن شعر الفتح بن خاقان:
قال المؤلف وهذان البيتان يرويان لعلية بنت المهدي.
قال المرزباني: وللفتح بن خاقان:
وقال عمران بن موسى: سمعت الفتح بن خاقان يقول لأحمد بن أبي فنن الشاعر: يا أحمد، قال: لبيك يا سيدي (وهذا في أول سنة سبع وأربعين ومائتين) قال: اعمل أبياتا حسانا تمدح بها سيدي أمير المؤمنين واذكر في آخرها أني شفيعك حتى آخذ لك منه ما يسد خلتك، فما أسرع فقدك لي، فبكى ابن أبي فنن وقال: يا سيدي على الدنيا بعدك لعنة الله، قال له: على الدنيا قبلي وبعدي لعنة الله فما صافت منحرفا عنها نابذا لها، ولا وفت لمتمسك بها راغب فيها.
أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي: حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا علي بن الجهم قال: إني لعند المتوكل يوما والفتح بن خاقان حاضر إذ قيل له: فلان النخاس بالباب، فأذن له فدخل ومعه وصيفة، فقال له أمير المؤمنين: ما صناعة هذه
الوصيفة: قال تقرأ بالألحان، فقال الفتح: اقرئي لنا خمس آيات فاندفعت تقول:
قال: فو الله لقد دخل المتوكل من السرور ما قام إلى الفتح فوقع عليه يقبله ووثب الفتح فقبل رجله، فأمره أمير المؤمنين بشرائها وأمر لها بجائزة وكسوة وبعث بها إلى الفتح فكانت أحظى جواريه عنده، فلما قتل الفتح رثته بهذه الأبيات:
ولم تزل تبكي وتنوح عليه حتى ماتت.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2157

الفتح بن خاقان الأمير الكبير الوزير الأكمل، أبو محمد التركي، شاعر، مترسل، بليغ، مفوه، ذو سؤدد وجود ومحاسن على لعب فيه.
وكان المتوكل لا يكاد يصبر عنه، استوزره، وفوض إليه إمرة الشام، فبعث إليها نوابا عنه. وله أخبار في الكرم والظرف والأدب. ولما قدم المتوكل إلى دمشق كان الفتح زميله على جمازة.
حكى عنه: المبرد، وأحمد بن يزيد المؤدب.
وكان أحد الأذكياء، دخل المعتصم على الأمير خاقان، فمازح ابنه هذا، وهو صبي، فقال: يا فتح، أيما أحسن: داري أو داركم؟ فقال الفتح: دارنا إذا كنت فيها، فوهبه مائة ألف.
وكان الفتح ذا باع أطول في فنون الأدب.
قتل مع المتوكل سنة سبع وأربعين.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 472