فاطمة الزهراء فاطمة بنت رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) ابن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القريشية، وامها خديجة بنت خويلد: من نابهات قريش. واحدى الفصيحات العاقلات. تزوجها امير المؤمنين علي بن ابي طالب (رض) في الثامنة عشر من عمرها، وولدت له الحسن والحسين وام كلثوم وزينب. وعاشت بعد ابيها ستة اشهر. وهي اول من جعل له النعش في الاسلام، عملته لها اسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يصنع في بلاد الحبشة. ولفاطمة 18 حديثا. وللسيوطي (الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة- خ) في 53 ورقة. ولعمر ابي النصر (فاطمة بنت محمد- ط) ولابي الحسن الرندي النجفي (مجمع النورين- ط) في سيرتها ومناقبها.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 132

فاطمة الزهراء ع

فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين عليها السلام

أمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين وكانت أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه يخلف صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها، وتتضمن سيرتها الشريفة ذكر مولدها وكنيتها ولقبها ونقش خاتمها وبوابها وصفتها ومناقبها وفضائلها وأخبارها وتزويجها بعلي عليه السلام ومحل بيتها وخبر فدك وسهم ذوي القربى وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم وما جرى لها بعده وتاريخ وفاتها ومدة عمرها وحزنها بعد أبيها وأوقافها وصدقاتها ووصيتها ومصحفها وما أثر عنها من النثر والنظم.

مولدها

ولدت بمكة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة بعد المبعث بسنتين قاله الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد قال وفي رواية أخرى سنة خمس من المبعث وقال الكليني وابن شهراشوب ولدت بعد المبعث بخمس سنين وهو المروي عن الباقر عليه السلام وهو المشهور بين أصحابنا. وفي كشف الغمة عن ابن الخشاب في مواليد ووفيات أهل البيت مرفوعا عن الباقر عليه السلام أنها ولدت بعد النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت ولعله اشتباه من الراوي أو سهو من النساخ فبناء الكعبة كان قبل النبوة لا بعدها ويدل عليه ما في مقاتل الطالبيين أنها ولدت قبل النبوة وقريش تبني الكعبة. وروى الحاكم في المستدرك وابن عبد البر في الاستيعاب أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم أي بعد البعثة بسنة. وفي الإصابة ولدت بعد البعثة بسنة. وأكثر علماء أهل السنة تروي أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين ولعله وقع اشتباه من الرواة بين كلمتي قبل وبعد.

كنيتها ولقبها

كانت تكنى أم أبيها وتلقب بالزهراء وبالبتول، قال الهروي في شرح الغريبين سميت مريم بتولا لأنها تبتلت عن الرجال وسميت فاطمة بتولا لأنها تبتلت عن النظير "انتهى".

نقش خاتمها

أمن المتوكلون.

بوابها

فضة أمتها.

صفتها

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أنس بن مالك وابن شهراشوب في المناقب عنه قال سالت أمي عن صفة فاطمة عليه السلام فقالت كانت كأنها القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت غماما أو خرجت من السحاب وكانت بيضاء بضة أشد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم شبها وعن عطاء بن أبي رباح كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجن وإن قصبتها تضرب إلى الجفنة. وفي كشف الغمة أن بعض الوعاظ ذكر فاطمة عليه السلام وما وهبها الله تعالى من المزايا والفضائل واستخفه الطرب فانشد:

فشق كثير من الناس ثيابهم وأوجب وصفها بكاءهم وانتحابهم وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بأسانيده عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا وفي رواية سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت تصنع هي به وفي رواية لأبي داود كان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وبسنده عن عائشة ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه وكانت هي إذا دخل عليها قامت إليه مستقبلة وقبلت يده. وقال صحيح على شرط الشيخين وجاء في عدة روايات أن فاطمة عليه السلام أقبلت تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا (وفي كشف الغمة) عن أم سلمة أم المؤمنين قالت كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وسلم .

مناقبها وفضائلها

قول النبي صلى الله عليه وسلم أنها بضعة مني أو شجنة مني

روى البخاري في صحيحه بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" (وروى) النسائي في الخصائص بسنده عن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني". وروى مسلم في صحيحه في حديث إنما فاطمة بضعة مني "يؤذيني ما آذاها". وفي رواية لمسلم "إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها". وفي الإصابة عن الصحيحين عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها" (وروى) أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن المسور بن مخرمة إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما فاطمة ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها" وقال رواه عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور ورواه أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير نحوه. وعن صحيح الترمذي: "إنها بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها" هذا حديث حسن صحيح. وعن صحيح الترمذي: "إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما انصبها" هذا حديث حسن صحيح. وفي الشفا أنها بضعة مني يغضبني ما يغضبها، وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن المسور بن مخرمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها" وقال صحيح (وبسنده) عن المسور إنه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال ما من نسب ولا سبب أحب إلي من نسبكم وسببكم وصهركم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاطمة بضعة أو مضغة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها" ذلك فانطلق عاذرا له وقال هذا حديث صحيح، وروى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني أن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط دخل على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن وله وقار وتمكين فرفع عمر مجلسه وأكرمه وقضى حوائجه فسئل عمر عن ذلك فقال أن الثقة حدثني حتى كأني اسمع من في رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال "إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها ويغضبني ما يغضبها" فعبد الله بضعة من بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

شدة حب النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة

روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشني: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى بفاطمة ثم يأتي أزواجه وبسنده عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان آخر الناس عهدا به فاطمة وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهدا فاطمة. وروى ابن شهراشوب في المناقب بعدة أسانيد عن عائشة أن عليا قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس بينه وبين فاطمة وهما مضطجعان أينا أحب إليك أنا أو هي؟ قال: "هي أحب إلي وأنت أعز علي". ولا يمكن أن يكون جواب أحسن من هذا عند السؤال عن منزلة علي وفاطمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم ففاطمة أحب إليه حب حنان وشفقة ورأفة وعلي أعز عليه عزة فضل ومكانة.

أحب النساء إليه صلى الله عليه وسلم فاطمة

في الاستيعاب بسنده سئلت عائشة أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة قلت فمن الرجال قالت زوجها أن كان ما علمته صواما قواما، ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن جميع بن عمير وصححه دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مثله، ورواه الترمذي أيضا.

زهدها عليه السلام

روى الحاكم في المستدرك بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة وقد أخذت من عنقها بسلسلة من ذهب فقالت هذه أهداها إلى أبو حسن فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس فاطمة بنت محمد وفي يدك سلسلة من نار" ثم خرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فاشترت غلاما فأعتقته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار" قال صحيح على شرط الشيخين. وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن ثوبان مولى رسول الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذ قدم فاطمة فقدم من غزاة فاتاها فإذا بمسح على بابها وهو كساء معروف ورأى على الحسن والحسين قلبين أي سوارين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فظنت إنه من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان فأخذه منهما وقال: "يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان واشتر لفاطمة قلادة من عصب" "وهو سن دابة بحرية" "وسوارين من عاج فان هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا". (قال) وعن جعفر بن محمد عن أبيه: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم عراة بالروم فدخل على فاطمة وقد سترت سترا قال: "أيسرك أن يسترك الله يوم القيامة فأعطينيه" فأعطته فخرج به فشقه لكل أنسان ذراعين في ذراع.

صدق لهجتها

في الاستيعاب بسنده عن عائشة ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عائشة ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها.

مناقب أهل البيت آية التطهير وحديث الكساء

قال الله تعالى في سورة الأحزاب {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.

نزلت في علي وفاطمة وابنيهما. روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد قال: نزلت في خمسة في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام وفي الإصابة قالت أم سلمة: في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم أقول: الذي في المستدرك وتلخيصه صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وفي الدر المنثور: أخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: "هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي إنما يريد الله الآية وفي البيت سبعة جبريل ومكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت قلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال "إنك إلى خير أنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا" فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إياه ثم أخرج يده من الكساء وأومأ إلى السماء ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا" قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال إنك إلى خير مرتين. ورواه في أسد الغابة بسنده عن أم سلمة نحوه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن واثلة بن الأسقع: أتيت عليا عليه السلام فلم أجده، فقالت لي فاطمة انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين فاقعد كل واحد منهما على فخذيه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وقال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، ثم قال هؤلاء أهل بيتي اللهم أهل بيتي أحق. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عامر بن سعد عن سعد: نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فادخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال "اللهم هؤلاء أهلي أهل بيتي" (وبسنده) عن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب: لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة هابطة قال ادعوا لي ادعوا لي فقالت صفية من يا رسول الله قال "أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين" فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم كساءه ثم رفع يديه ثم قال: "اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد". وانزل الله عز وجل {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} قال هذا حديث صحيح الإسناد وقد صحت الرواية على شرط الشيخين إنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله. وفي الدر المنثور: أخرج الطبراني عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي يمشي في أثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن يساره قالت أم سلمة فأخذت من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت أقول هكذا في النسخة ولعل الصواب فأخذ ولم تذكر ما صنع بالكساء والظاهر إنه جللهم به وقال ما تقدم وترك ذكر ذلك إحالة على ما مر. قال وأخرج الطبراني عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فالقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال "اللهم أن هؤلاء أهل محمد وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم أنك حميد مجيد قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنك على خير. وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري قال كان يوم أم سلمة أم المؤمنين فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية إنما يريد الله الآية فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أم سلمة مضروب ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا" قالت أم سلمة فأنا معهم يا نبي الله فقال أنت على مكانك وإنك على خير. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين عن عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين فادخلهما معه ثم جاءت فأدخلها معهما ثم جاء علي فادخله معهم ثم قال "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فادخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال "اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي" وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس}. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد الترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: "الصلاة يا أهل البيت الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس". وروى الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم بسنده عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا إلى بابها يقول: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس الآية إنا حرب لمن حاربكم إنا سلم لمن سالمتم" وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى إلى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال الصلاة الصلاة {إنما يريد الله} الآية. وأورده ابن خالويه في كتاب الآل عن نافع بن أبي الحمراء نحوه. وفي الدر المنثور: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: شهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا الصلاة رحمكم الله" كل يوم خمس مرات. وأخرج الطبراني عن أبي الحمراء رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول إنما يريد "الآية". في كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودي: أسند يحيى عن أبي الحمراء شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين صباحا يجيء إلى باب علي وفاطمة وحسن وحسين حتى يأخذ بعضادتي الباب ويقول السلام عليكم أهل البيت {إنما يريد الله}. قال وفي رواية له رابطت بالمدينة سبعة أشهر كيوم واحد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي كل يوم وفي رواية عند صلاة الصبح فيقول الصلاة الصلاة ثلاث مرات {إنما يريد الله}. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" قال هم أهل بيت طهرهم الله من السوء واختصهم برحمته. قال وحدث الضحاك بن مزاحم أن نبي الله كان يقول: "نحن أهل بيت طهرهم الله من شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم" الدر المنثور. قال علي القاري في شرح الشفا للقاضي عياض بعد ذكر الآية: أراد بأهل البيت نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته وروي ذلك عن ابن عباس، قال وعن أبي سعيد الخدري وجماعة من التابعين إنهم علي وفاطمة والحسن والحسين قال ولا منع من الجمع وأما تخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما لما ورد إنه عليه السلام خرج غداة يوم وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فادخله فيه ثم الحسين فأدخله ثم فاطمة فأدخلها ثم علي فأدخله ثم قال "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" واحتجاجهم على عصمتهم وكون إجماعهم حجة فمردود بأن تخصيصهم بكونهم أهل البيت يكذبه ما قبل الآية وما بعدها والحديث إنما هو مؤذن بأنهم من أهله لا أن غيرهم ليس بأهله.

أقول: الجمع الذي أشار إليه بقوله ولا منع من الجمع يرده صريح ما حكاه عكرمة عن ابن عباس من أنها نزلت في نساء النبي خاصة وقوله إنما هو نساء النبي بصيغة الحصر فالجمع بما ذكر غير ممكن على أن قوله هؤلاء أهل بيتي كالنص في انحصار أهل البيت فيهم فإنه بمنزلة الجمع المضاف المفيد للعموم كقولنا هؤلاء علماء البلد ولو أراد ما ذكر لقال هؤلاء من أهل بيتي وإرادة البعض بهذا اللفظ سمج مستهجن فهو بمنزلة التفسير للآية وكذا ما في رواية الخدري من أنها نزلت في خمسة فان مفهوم العدد الوارد في مقام البيان يمنع من إرادة الأزيد ولو لم نقل به في غيره على أن قول أم سلمة ألست من أهل البيت أو إنا معكم أو معهم وقوله صلى الله عليه وسلم لها "إنك إلى خير انك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أو أنت على مكانك وإنك إلى خير" ورفعها الكساء لتدخل معهم وجذبه من يدها وقوله "إنك على خير" نص صريح في خروج النساء من أهل البيت فبطل قول القاري أن الحديث إنما هو مؤذن بأنهم من أهله لا أن غيرهم ليس بأهله وحيث ظهر إنه لا يمكن الجمع فأما أن نقول أن المراد النساء خاصة كما قاله عكرمة وعروة أو الخمسة خاصة كما في باقي الروايات والأول باطل لانفرادهما به فلا يعارض الروايات الكثيرة المستفيضة التي رواها مشاهير علماء الإسلام ورواتهم وأودعوها كتبهم المشهورة المعتمدة كما سمعت على أن عكرمة حكي عنه إنه كان يرى رأي الخوارج وعروة منحرف عن علي عليه السلام وأهل بيته مع أن الظاهر أن ذلك رأي رأياه ولعلهما أخذاه من كون الآيات قبلها وبعدها في نساء النبي فلا يعارض الروايات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أن اختصاصها بالأزواج كما يقولان ينافيه تذكير الضمير وأما كون ما قبل الآية وبعدها في الأزواج فلا يضر لوجوب رفع اليد عن هذا الظهور لو فرض بتذكير الضمير وما دل من الروايات على خروج النساء كما عرفت إذ النص مقدم على الظاهر ومراعاة السوق في القرآن الكريم غير لازمة وكون ترتيبه على ترتيب نزوله غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم ويدل على خروج الأزواج من أهل البيت مضافا إلى ذلك أحاديث الثقلين الآتية في الجزء الثالث في أدلة إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فان فيها إنه سئل زيد بن أرقم فقيل له أليس نساؤه من أهل بيته فأجاب منكرا ذلك: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. وفي رواية أخرى فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال لا لأن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده وقد بينا ذلك مفصلا في كتاب إقناع اللائم على إقامة المآتم.

حديث الثقلين

روى الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين بسنده عن زيد بن أرقم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض" وسيأتي الكلام على أحاديث الثقلين بأبسط من هذا في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في الجزء الثاني.

ومن مناقب أهل البيت عليه السلام

ما رواه الحاكم في المستدرك وقال حسن صحيح على شرط مسلم بسنده عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد المطلب أني سالت الله لكم ثلاثا أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالتكم وأن يعلم جاهلكم وسالت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار". وبسنده من رواية أحمد بن حنبل عن أبي هريرة: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام فقال: "أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم".

وبسنده عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام "أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم".

وبسنده عن ابن عباس وصححه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي".

وبسنده عن أبي سعيد الخدري وصححه على شرط مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار" (وفي رواية) إلا أكبه الله في النار.

وبسنده عن عمر بن سعيد الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أن لا يعذبهم". قال الحاكم: قال عمر بن سعيد الأبح ومات سعيد بن أبي عروبة يوم الخميس وكان حدث بهذا الحديث يوم الجمعة مات بعده بسبعة أيام في المسجد فقال قوم لا جزاك الله خيرا صاحب رفض وبلاء وقال قوم جزاك الله خيرا صاحب سنة وجماعة أديت ما سمعت. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وبسنده عن عامر بن سعد عن أبيه وقال صحيح على شرط الشيخين لما نزلت هذه الآية: {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي".

وبسنده عن حنش الكناني سمعت أبا ذر يقول وأخذ بباب الكعبة من عرفني فأنا من عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق أو هلك".

وفي وفاء الوفا عن علي عليه السلام: زارنا النبي صلى الله عليه وسلم فبات عندنا والحسن والحسين نائمان واستسقى الحسن فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى قربة لنا فجعل يعصرها في القدح ثم جعل يعبعبه فتناول الحسين فمنعه وبدأ بالحسن فقالت له فاطمة يا رسول الله كأنه أحب إليك قال: "إنما استسقى أولا" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني وإياك وهذان وهذا الراقد يعني عليا يوم القيامة في مكان واحد". قال وعن أبي سعيد الخدري مثله.

وروى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام قال لما جاءت فاطمة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أمرها أعطاها كربة (وهي أصل السعفة العريض الغليظ كانوا يكتبون عليه) فقال: "تعلمي ما فيها فإذا فيها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يسكت".

أخبارها

من أخبارها بمكة ما مر في السيرة النبوية عند ذكر استجابة دعائه عليه السلام إنه لما ألقت قريش سلا الجزور على ظهره وهو ساجد جاءت فاطمة فطرحته عنه. وهاجرت إلى المدينة بعد هجرة أبيها بلا فصل حين بعث عليه السلام إلى علي أن يهاجر بها والفواطم وأراده صاحبه على دخول المدينة فقال: "ما إنا بداخلها حتى يأتي أخي وابنتي". ومن أخبارها بالمدينة إنه لما جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم وفي رواية إنه عليه السلام لما انصرف إلى المدينة استقبلته فاطمة ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه وأنه عليه السلام دفع إليها سيفه وقال "اغسلي عن هذا دمه يا بنية" وأن عليا ناولها سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها "خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه" كما مر في وقعة أحد واختصها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يعط سيفه بعض أزواجه وهن كثيرات ومدح عليا عليه السلام بالشجاعة إمامها لتسر بشجاعة بعلها.

ومن أخبارها يوم مؤتة لما قتل ابن عمها جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تقول: واعماه فقال "على مثل جعفر فلتبك الباكية البواكي". وخرجت مع أبيها وبعلها يوم فتح مكة وضربت للنبي صلى الله عليه وسلم قبة بأعلى الوادي وجلس فيها يغتسل وفاطمة تستره وذهب علي إلى بيت أخته أم هاني حين بلغه أنها آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها فلم تعرفه أم هانئ لأنه مقنع بالحديد وقالت له يا عبد الله إنا أم هانئ ابنة عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال اخرجوا من آويتم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله فنزع المغفر فعرفته وقالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال اذهبي فبري قسمك فجاءت فأخبرته فقال قد أجرت من أجرت فقالت فاطمة منتصرة لبعلها: إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في إنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لقد شكر الله لعلي سعيه" وأجرت من أجارت أم هاني لمكانها من علي فجمع صلى الله عليه وسلم بمكارم أخلاقه بين حفظ شأن علي وإكرام أم هانئ لأجله. وقد مر من أخبارها ما جرى لها في مرض أبيها الذي توفي فيه وما قالته في ندبه وغير ذلك.

تزويج الزهراء بعلي عليه السلام

في كشف الغمة روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الأرض قال وروى صاحب كتاب الفردوس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا علي لم يكن لفاطمة كفوء" وفي مناقب ابن شهراشوب قد اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين وابن عباس وابن مسعود وجابر الأنصاري وأنس بن مالك والبراء بن عازب وأم سلمة بألفاظ مختلفة ومعان متفقة أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة مرة بعد أخرى فردهما. وروى أحمد في الفضائل عن بريدة أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال أنها صغيرة. وروى محمد بن سعد كاتب الواقدي في الجزء الثامن من الطبقات الكبير بسنده أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال "انتظر بها القضاء" فذكر ذلك لعمر فقال له ردك ثم أن أبا بكر قال لعمر اخطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخطبها فقال له: مثل ما قال لأبي بكر انتظر بها القضاء، فأخبر أبا بكر فقال له ردك الحديث وبسنده عن بريدة إنه قال نفر من الأنصار لعلي عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال ما حاجة ابن أبي طالب قال ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرحبا وأهلا لم يزده عليهما فخرج على أولئك الرهط وهم ينتظرونه قالوا ما وراءك قال ما أدري غير إنه قال لي مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله إحداهما أعطاك الأهل أعطاك المرحب الحديث. وروى ابن سعد بسنده خطب علي فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عليا يذكرك فسكتت فزوجها" (وفي البحار) عن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لفاطمة أن علي بن أبي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله في الإسلام وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين" فسكتت فخرج وهو يقول: "الله أكبر سكوتها إقرارها".

خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند تزويجه فاطمة

من علي عليه السلام

في مناقب ابن شهراشوب خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في تزويج فاطمة خطبة رواها يحيى بن معين في أماليه وابن بطة في الإبانة بإسنادهما عن أنس بن مالك مرفوعا قال ورويناها عن الرضا عليه السلام أقول هي في رواية المناقب أخصر فنذكرها برواية كشف الغمة وهي:

"الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا} وكان ربك قديرا فأمر الله يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره فلكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. ثم أني أشهد أني قد زوجت فاطمة من علي وفي رواية المناقب ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي وقد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة أرضيت قال رضيت يا رسول الله ثم خر لله ساجدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم جعل الله فيكما الكثير الطيب وبارك فيكما". قال أنس: بارك الله عليكما وأسعد جدكما وجمع بينكما وأخرج منكما الكثير الطيب. قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب.

خطبة علي عند تزويجه بفاطمة عليه السلام

عن ابن مردويه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي تكلم خطيبا لنفسك فقال: الحمد لله الذي قرب من حامديه ودنا من سائليه ووعد الجنة من يتقيه وأنذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه وأياديه حمد من يعلم إنه خالقه وباريه ومميته ومحييه وسائله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم صلاة تزلفه وتحظيه وترفعه وتصفيه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فأسألوه وأشهدوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضي الله فنعم الختن أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضى" ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطبق بسر أو تمر وأمر بنهبه والروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليه السلام وجنسه والصواب إنه كان خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا الأوقية أربعون درهما لأنه مهر السنة كما ثبت من طريق أهل البيت عليه السلام وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعدوه في تزويج علي بفاطمة وتدل عليه روايات كثيرة. وفي رواية ابن سعد في الطبقات كان صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائه خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا أما ما دل على إنه أربعمائة مثقال كالخطبة السابقة فهو يقتضي أن يكون أكثر من خمسمائة درهم لأن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم فالخمسمائة درهم تبلغ ثلاثمائة وخمسين مثقالا لا أربعمائة إلا أن يكون للمثقال أو الدرهم وزن آخر غير المشهور وقيل إنه كان أربعمائة وثمانين درهما حكاه في الاستيعاب ويدل عليه قول الحسين عليه السلام في خبر خطبة مروان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ليزيد بن معاوية: لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما وقوله قد زوجتها من ابن عمها القاسم على أربعمائة وثمانين درهما وفي رواية أن عليا عليه السلام باع بعيرا له بذلك المقدار وفي رواية أن المهر كان درع حديد وهي التي تسمى الحطمية فباعها بهذا المقدار وفي رواية إنه كان درع حديد وبردا خلقا. وتدل بعض الأخبار على أن الدرع والبرد لم يكونا مهرا بل بيعا لذلك. وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عليه السلام عن علي عليه السلام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي لقد عاتبني أرجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت عليا فقلت لهم ما إنا منعتكم وزوجته بل الله منعكم وزوجه الحديث. قال ابن عبد البر في الاستيعاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة وأنه لأول أصحابي إسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما" ذكر ذلك في ترجمة علي عليه السلام.

ثم أن عليا عليه السلام أتى بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض منها قبضة فأعطاها بلالا وقال ابتع لفاطمة طيبا وفي الاستيعاب أمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب وفي رواية لابن سعد ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب ثم قبض منها بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر وقال ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار وعدة من أصحابه فكانوا يعرضون الشيء على أبي بكر فان استصلحه اشتروه وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة وستين فأعطاها أم أيمن لمتاع البيت ودفع الباقي إلى أم سلمة فقال أبقيه عندك فكان مما اشتروه:

جهاز الزهراء عليه السلام عند زفافها

قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة دراهم وقطيفة سوداء خيبرية وسرير مزمل بشريط وفراشان من خيش مصر حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها أذخر وستر رقيق من صوف وحصير هجري ورحى لليد ومخضب من نحاس وهو إناء تغسل فيه الثياب وسقاء من أدم وقعب للبن وشن للماء ومطهرة مزفتة وجرة خضراء وكيزان خزف ونطع من أدم وعباءة قطوانية وقربة ماء.

فلما عرض ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقلبه بيده ويقول بارك الله لأهل البيت وفي رواية إنه لما وضع بين يديه بكى ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف.

تجهيز علي عليه السلام عند زفاف فاطمة عليه السلام إليه

وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين ونصب خشبة من حائط إلى حائط للثياب وبسط أهاب كبش ومخدة ليف وفي رواية ابن سعد عن بعض من حضر إهداء فاطمة من النساء قالت فدخلنا بيت علي فإذا أهاب شاة على دكان مصطبة ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح فلما كان بعد شهر أو تسعة وعشرين يوما قال جعفر وعقيل أو عقيل وحده لعلي ألا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليك أهلك قال الحياء يمنعني قال أقسمت عليك إلا قمت معي فقاما فلقيا أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا لها ذلك فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها وأعلمت نساء النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنا قد اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة في الأحياء لقرت عينها قالت أم سلمة فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خديجة وأين مثل خديجة صدقني حين كذبني الناس ووازرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها أن الله عز وجل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه ولا نصب" قالت أم سلمة فديناك بآبائنا وأمهاتنا أنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا وقد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته يا رسول الله هذا أخوك وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه زوجته قال حبا وكرامة فدعا بعلي فدخل وهو مطرق حياء وقمن أزواجه فدخلن البيت فقال أتحب أن أدخل عليك زوجتك فقال وهو مرق أجل فداك أبي وأمي فقال أدخلها عليك أن شاء الله ثم التفت إلى النساء فقال من هاهنا فقالت أم سلمة إنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة فأمرهن أن يزين فاطمة ويطيبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة وأن يفرشن لها بيتا كان قد هياه علي عليه السلام بالأجرة وكان بعيدا عن بيت النبي صلى الله عليه وسلم قليلا فلما بنى بها حوله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت قريب منه ففعلن النسوة ما أمرهن. وفي رواية كشف اليقين فعلقن عليها من حليهن وطيبنها. وفي مناقب ابن شهراشوب عن أبي بكر بن مردويه فأتى الصحابة بالهدايا فأمر بطحن البر وخبزه وأمر عليا بذبح البقر والغنم فلما فرغوا من الطبخ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي على رأس داره أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط النطوع في المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ورفعوا ما أرادوا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل أزواجه ثم أخذ صحفة فقال: "هذه لفاطمة وبعلها".

فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي صلى الله عليه وسلم ببغلته الشهباء أو بناقته وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة اركبي فأركبها وأمر سلمان أن يقود بها ومشى صلى الله عليه وسلم خلفها ومعه حمزة وعقيل وبنو هاشم مشهرين سيوفهم ونساء النبي صلى الله عليه وسلم قدامها يرجزن وأمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقلن ما لا يرضي الله ونساء النبي صلى الله عليه وسلم قدامها يرجزن فأنشأت أم سلمة ترجز وتقول:

ثم قالت عائشة:

ثم قالت حفصة:

#ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:

وكانت النسوة يرجعن أول ببيت من كل رجز ثم يكبرن ودخلن الدار ثم أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي فدعاه وأخذ بيد فاطمة فوضعها في يده وقال بارك الله لك في ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي طبقات ابن سعد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتح (أي على علي ليلة زفافه) فخرجت إليه أم أيمن فقال "أثم أخي" فقالت وكيف يكون أخاك وقد أنكحته ابنتك قال فإنه كذلك ثم قال أأسماء بنت عميس قالت نعم قال: "جئت تكرمين بنت رسول الله" قالت نعم فقال لها خيرا ودعا لها (وروي) إنه قال: "اللهم إنهما أحب إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم" ودعا لفاطمة فقال "أذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا" (وروي) إنه قال: "مرحبا ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان" (وفي رواية) إنه قال: "اللهم هذه ابنتي وأحب الخلق إلي اللهم وهذا أخي وأحب الخلق إلي اجعله لك وليا وبك حفيا وبارك له في أهله ثم قال يا علي ادخل بأهلك بارك الله تعالى لك ورحمة الله وبركاته عليكم إنه حميد مجيد" ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال: "طهركما الله وطهر نسلكما إنا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما" ثم أغلق عليهما الباب بيده.

"وفي رواية" إنه قال: "إذهبا إلى بيتكما جمع الله بينكما وأصلح بالكما ولا تهيجا شيئا حتى آتيكما" فامتثلا حتى جلسا مجلسهما وعندهما أمهات المؤمنين وبينهن وبين علي حجاب وفاطمة عليه السلام مع النساء (ثم) اقبل النبي صلى الله عليه وسلم فدخل وخرج النساء مسرعات سوى أسماء بنت عميس وكانت قد حضرت وفاة خديجة عليه السلام فبكت خديجة عند وفاتها فقالت لها أسماء أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ومبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها وفاطمة حديثة عهد بصبا وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ قالت أسماء بنت عميس فقلت لها يا سيدتي لك عهد الله علي أن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر فلما كانت تلك الليلة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج فخرجن وبقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال من أنت فقلت أسماء بنت عميس قال ألم آمرك أن تخرجي فقلت بلى يا رسول الله وما قصدت خلافك ولكن أعطيت خديجة عهدا فحدثته فبكى وقال: "فأسأل الله أن يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم". ولم يزل صلى الله عليه وسلم يدعو لهما حتى توارى في حجرته ولم يشرك أحدا معهما في الدعاء. وروى ابن سعد في الطبقات عن بعض من حضر إهداء فاطمة من النساء قالت أهديت في بردين من برود الأول عليها دملون جامن فضة مصفران يزغفران. واختلف في قدر عمر الزهراء يوم تزوج بها أمير المؤمنين عليه السلام بناء على الاختلاف في تاريخ مولدهما كما مر فعلى قول أكثر أصحابنا أنها ولدت بعد النبوة بخمس سنين يكون عمرها حين تزويجها تسع سنين أو عشر سنين أو إحدى عشرة سنة لأنها تزوجت بعلي عليه السلام بعد الهجرة بسنة وقيل بسنتين وقيل بثلاث سنين قال ابن شهراشوب في المناقب ولدت بعد النبوة بخمس سنين وأقامت مع أبيها بمكة ثمان سنين ثم هاجرت إلى المدينة فزوجها من علي بعد مقدمها المدينة بسنتين بعد بدر وعلى قول بعضهم أنها ولدت بعد النبوة بسنتين يكون عمرها يوم تزويجها اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة بناء على الخلاف في أن تزويجها كان بعد الهجرة بسنة أو سنتين أو ثلاث ولم يرو أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أزيد من ذلك. وفي الاستيعاب كان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وعلى القول بأنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين يكون عمرها يوم تزويجها عشرين سنة وقال أبو الفرج الأصبهاني ورواه ابن حجر في الإصابة وابن سعد في الطبقات كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة. وروى ابن سعد في الطبقات أن تزويجها بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر قال وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشرة سنة ولعله وقع اشتباه بين تاريخ تزويجها ووفاتها لما ستعرف من أن ذلك سنها يوم وفاتها كما احتملنا وقوع الاشتباه في ولادتها بين كونها بعد النبوة بخمس سنين أو قبلها. وكذلك اختلفت الروايات في يوم وشهر تزويجها قال ابن شهراشوب في المناقب تزوجها علي عليه السلام أول يوم من ذي الحجة ودخل بها يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة قال وروي أن تزويجها كان يوم السادس ولعله وقع اشتباه بين يوم التزويج والبناء. وقال أبو الفرج كان تزويجها في صفر وفي رواية دخل بها لأيام خلت من شوال وفي رواية تزوجها في شهر رمضان وبنى بها في ذي الحجة وعن المفيد وابن طاوس ناسبين له إلى أكثر علمائنا أن زفافها كان ليلة إحدى وعشرين من المحرم ليلة الخميس.

بيت فاطمة

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بنى لنفسه بيتا شرقي المسجد ملاصقا له سكنه مع ابنته فاطمة وبنى هناك أيضا بيوتا أسكنها أزواجه وبنى لعلي عليه السلام بيتا بجنب البيت الذي تسكنه عائشة وهو الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلما تزوج علي بفاطمة وأدخلت عليه عرس بها في بيت استأجره كما مر ثم عاد إلى ذلك البيت وسكنته فاطمة معه حتى توفيت وفيه ولد الحسن والحسين وسائر أولاد علي من فاطمة عليهم جميعا السلام وبقيت الصخرة التي ولدت عليها الحسنين ظاهرة بعد إلحاق بيتها بالمسجد يعرفها أهل البيت. وفي كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: أسند يحيى عن عيسى بن عبد الله عن أبيه أن بيت فاطمة في الزور الذي في القبر بينه وبين بيت النبي خوخة. (والزور الموضع المزور شبه المثلث في جهة الشام) قال واسند عن عمر بن علي بن عمر بن علي بن الحسين أن بيت فاطمة في موضع الزور مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت فيه كوة إلى بيت عائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قام إلى المخرج اطلع من الكوة إلى فاطمة فعلم خبرهم فدخلت عائشة المخرج في جوف الليل فأبصرت المصباح عندهم وذكر كلاما وقع بينهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسد الكوة فسدها (إلى أن قال): ويشهد لذلك (أي كون موضع بيت فاطمة في الزور) ما أسنده يحيى عن مسلم عن ابن أبي مريم أن عرض بيت فاطمة إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة للزور وكان بابه في المربعة التي في القبر قال: وقد أسند أبو غسان عن مسلم بن سالم قال عرس علي بفاطمة إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة الزور وكانت داره في المربعة التي في القبر قال سليمان وقال مسلم لا تنس حظك من الصلاة إليها فإنه باب فاطمة التي كان علي يدخل إليها منه وقد رأيت حسن بن زيد يصلي إليها. وقوله عرس بها الخ يخالف ما مر من إنه بنى بها في دار استأجرها. ثم حكى عن ابن شبة أن عليا عليه السلام اتخذ بالمدينة دارين (أحدهما) دخلت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (والأخرى) دار علي التي بالبقيع. ثم حكي عن رزين أنه لما كان زمن الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ومكة بعث الوليد إليه بمال وقال له من باعك فأعطه ثمنه ومن أبى فاهدم عليه وأعطه المال فإن أبى أن يأخذه فاصرفه إلى الفقراء. ثم ذكر عدة روايات إنه بينما الوليد بن عبد الملك يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انكشف الكلة عن بيت فاطمة عليه السلام وإذا حسن بن حسن يسرح لحيته فلما نزل أمر بهدم بيت فاطمة أخذه الغضب لكونه لم يسمع خطبته بل جلس في بيته يسرح لحيته فأمر بهدمه فأبى حسن بن حسن وفاطمة بنت الحسين وهي زوجته زوجه إياها عمه الحسين عليه السلام أن يخرجوا منه فأمر بهدمه عليهم وهما فيه وولدهما فنزع أساس البيت وهم فيه فلما نزع أساس البيت قالوا لهم أن لم تخرجوا قوضناه عليكم فخرجوا منه. وفي رواية أخرى أن الوليد كان يبعث كل عام رجلا إلى المدينة فيأتيه بأخبارها فقال له مرة لقد رأيت أمرا لا والله ما لك معه سلطان كنت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا منزل عليه كلة فلما أقيمت الصلاة رفعت الكلة وصلى صاحبه فيه بصلاة الإمام وهو ومن معه ثم أرخيت الكلة واتي بالغداء فتغدوا وإذا هو يأخذ المرآة والكحل فسالت فقيل أن هذا حسن بن حسن قال ويحك فما اصنع هو بيته وبيت أمه فما الحيلة قال تزيد في المسجد وتشتري هذا المنزل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك فأبوا وقال حسن والله لا نأكل له ثمنا أبدا وأعطاهم به سبعة آلاف أو ثمانية آلاف دينار فكتب إلى الوليد بذلك فأمره بهدمه وإدخاله وطرح الثمن في بيت المال ففعل وانتقلت منه فاطمة بنت الحسين بن علي.

خبر فدك وميراث رسول الله

في معجم البلدان فدك بالتحريك وآخره كاف قرية بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة فيها عين فوارة ونخل كثير أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع صلحا. والأرض التي تفتح صلحا منها ما يسلم أهلها وتكون أرضهم لهم ومنها ما يصالحون على أن تكون الأرض أو بعضها للنبي صلى الله عليه وسلم فهذا ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون خالصا للنبي صلى الله عليه وسلم . وفدك مر ذكرها في هذا الجزء في موضعين (أحدهما) بعد غزاة خيبر (وثانيهما) بعد سرية ذات السلاسل فان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى فدك سرية مع علي عليه السلام لما علم أن أهلها يريدون معاونة أهل خيبر عليه وذلك قبل فتح خيبر فهرب أهل فدك وغنم علي من نعمهم وأموالهم ولكنها لم تفتح يومئذ وإنما كان اثر هذه السرية إنهم خافوا وأحجموا عن مساعدة أهل خيبر ثم لما فتحت خيبر خاف أهل فدك وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصالحوه.

وقد روى المحدثون وأهل السير والآثار منهم محمد بن إسحاق صاحب المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرع من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه على النصف من فدك قال وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وأبقاهم فيها فكان يزارعهم ويساقيهم على النصف فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم طلبت فاطمة ميراثها من رسول الله فروى أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" وبه احتج الأصوليون من أهل السنة على أن خبر الواحد حجة قالوا رواه أبو بكر وقبله الصحابة فكان إجماعا ثم أن فاطمة طلبت نحلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت إنه نحلها فدكا فطلب منها البينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال قد علمت يا بنت رسول الله إنه لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.

(قال) ابن أبي الحديد: وسالت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له أكانت فاطمة صادقة قال نعم قلت فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته من مقامه ولم يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء لأنه يكون قد أسجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة قال وهذا كلام صحيح وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل ولم تذعن فاطمة لرواية أبي بكر وبقيت مصرة على طلبها الميراث والنحلة. (روى) البخاري في صحيحه في باب فرض الخمس عن عائشة أم المؤمنين رض أن فاطمة عليه السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه فقال لها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركناه صدقة" فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر قالت وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة فأبى عليها ذلك الحديث ورواه البخاري في صحيحه أيضا في كتاب المغازي في غزوة خيبر مثله إلى أن قال: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها الحديث وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة وعاشت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وروى البخاري في باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة بإسناده عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة والعباس آتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان ارضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه فقال لها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت قال وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وذكر تمام الحديث هكذا قال الإمام أحمد نقله ابن كثير في تاريخه، كذلك علي قد ظهر منه عدم الإذعان لهذه الرواية فإنه قال في بعض خطبه بلى: كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ونعم الحكم الله.

خطبة الزهراء عليه السلام بعد وفاة أبيها

صلى الله عليه وسلم بمحضر المهاجرين والأنصار

ثم أن فاطمة عليه السلام لما منعت فدكا خطبت خطبة طويلة عظيمة جليلة غاية في الفصاحة والبلاغة والمتانة وقوة الحجة بمحضر من المهاجرين والأنصار. وفي كشف الغمة أنها من محاسن الخطب وبدائعها عليها مسحة من نور النبوة وفيها عبقة من أرج الرسالة وقد أوردها المؤالف والمخالف قال ونقلتها من كتاب السقيفة لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها قرئت عليه في ربيع الآخر سنة 322 رواها عن رجاله من عدة طرق وأبو بكر الجوهري هذا من علماء أهل السنة قال ابن أبي الحديد في شرح النهج إنه عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته وغير مصنفاته. ورواها المرتضى في الشافي الذي هو رد على المغني في الإمامة لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي. قال المرتضى في الشافي الذي هو رد على المغني في الإمامة لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي. قال المرتضى: فأما قوله أن فاطمة لما سمعت ذلك أي حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث كفت عن الطلب فأصابت أولا وأصابت آخرا فلعمري أنها كفت عن الطلب الذي هو المنازعة والمشاحنة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة والأمر في غضبها وسخطها أظهر من أن يخفى على منصف فقد روى أكثر الرواة الذين لا يتهمون بتشيع ولا عصبية فيه من كلامها في تلك الحال وبعد انصرافها عن مقام المنازعة والمطالبة ما يدل على ما ذكرناه من سخطها وغضبها ونحن نذكر من ذلك ما يستدل به على صحة قولنا: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني حدثني محمد بن أحمد الكاتب حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي حدثنا الزيادي حدثنا الشرفي عن القطامي عن محمد بن إسحاق قال حدثنا صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قال المرزباني وحدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم اليمامي حدثنا ابن عائشة قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت فاطمة في لمة من حفدتها إلى أبي بكر وفي الرواية الأولى قالت عائشة لما سمعت فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا إلى آخر ما يأتي وأورد الخطبة ثم قال المرتضى بعد إيرادها: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني حدثني علي بن هارون أخبرني عبد الله بن أبي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كلام فاطمة عند منع أبي بكر إياها فدكا وقلت له أن هؤلاء يزعمون إنه مصنوع وانه من كلام أبي العيناء لأن الكلام منسوق البلاغة فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أولادهم وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على هذه الحكاية وقد رواه مشايخ الشيعة وتدارسوه قبل أن يوجد جد أبي العيناء. وقد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي إنه سمع عبد الله بن الحسن بن الحسن يذكر عن أبيه هذا الكلام. ثم قال أبو الحسن زيد: وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة وهم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة ويحققونه لولا عداوتهم لنا أهل البيت ثم ذكر الحديث بطوله على نسقه. ثم قال المرتضى: وقد روي هذا الكلام على هذا الوجه من طرق مختلفة ووجوه كثيرة فمن أرادها أخذها من مواضعها فقد طولنا بذكر ما ذكرناه لحاجة مست إليه. وقال صاحب كتاب بلاغات النساء أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المولود ببغداد سنة 204 والمتوفي سنة 280 ه في الكتاب المذكور ما لفظه: حدثني جعفر بن محمد رجل من أهل ديار مضر لقيته بالرافقة حدثني أبي أخبرنا موسى بن عيسى أخبرنا عبد الله بن يونس أخبرنا جعفر الأحمر عن زيد بن علي رحمة الله عليه عن عمته زينب بنت الحسين عليه السلام قال: لما بلغ فاطمة عليه السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها وخرجت في حشدة من نسائها ولمة من قومها إلى آخره. وذكر صاحب بلاغات النساء قبل هذا ما صورته: كلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو الفضل يعني صاحب الكتاب ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم كلام فاطمة عليه السلام عند منع أبي بكر إياها فدكا وقلت له أن هؤلاء يزعمون إلى آخر ما تقدم في رواية المرتضى عن المرزباني إلى قوله ثم ذكر الحديث ثم قال: قال لما أجمع أبو بكر رحمه الله على منع فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدكا وبلغ فاطمة لاثت خمارها على رأسها وأقبلت في لمة من حفدتها الخ ثم قال صاحب بلاغات النساء وقد ذكر قوم أن أبا العيناء ادعى هذا الكلام وقد رواه قوم وصححوه. وأقول الباعث على دعوى إنه لأبي العيناء هو الباعث على دعوى أن نهج البلاغة للشريف الرضي وكلاهما باطل لا يلتفت إليه بعد رواية الثقات له وتصحيحهم إياه ثم لا يخفى إنه وقع سقط في النسخة المطبوعة من بلاغات النساء في هذا الموضع فإنه افتتح الكلام بقوله ذكرت لأبي الحسين زيد الخ وصاحب البلاغات لم يدرك زيدا فلا بد أن يكون حصل هنا سقط والذي قال ذكرت لأبي الحسين زيد هو عبد الله بن أبي طاهر كما مر في رواية المرتضى فيكون صاحب البلاغات قد ساق السند إلى عبد الله وسقط من النسخة المطبوعة وسبب الاشتباه وجود كلمة أبي طاهر في كليهما. وممن ذكر هذه الخطبة الطبرسي في الاحتجاج ونحن نوردها بلفظه قال: روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليه السلام إنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدكا وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فدخلت عليه وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله أبيها صلى الله عليه وسلم فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت:

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما أقدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوع آلاء أسداها، وتمام نعم والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بأجزالها. وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكير معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيئته. من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته. وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته. وتعبدا لبريته. وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمال الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور، ابتعثه الله تعالى إماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وآنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي محمد صلى الله عليه وسلم ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وسلم عن تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار. ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه، وأمينه على وحيه وصفيه، وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، وزعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبط به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للإسلام، وذلا لأهل الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام مسناة في العمر، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ثم قالت عليه السلام: أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وسلم أقول عودا وبدءا ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} فان تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثيجهم آخذا بكظمهم داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق وانحلت عقدة الكفر والشقاق وفهتم بكلمة الإخلاص، في نفر من الببض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام تشربون الطرق، وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك تعالى بأبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} أو نجم قرن للشياطين أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدا في أولياء الله مشمرا ناطحا، مجدا كادحا، وأنتم في بلهنية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفاقا وأحمشكم فألفاكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة {ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} فهيهات منكم وكيف بكم وأنى تؤفكون وهذا كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرغبة عنه تدبرون، أم بغيره تحكمون {بئس للظالمين بدلا}، {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} ثم لم تلبثوا إلا ريثما تسكن نفرتها، ويساس قيادها، ثم أخذتم تورون وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء نور الدين الجلي، واهماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا في إرتغاء وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء ونصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشي، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها وفي رواية وفيها أيها المسلمون أأغلب على إرثي، يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: {وورث سليمان داود} وقال فيما اختص من خبر يحيى بن زكريا عليه السلام إذ يقول: {رب هب لي من لدنك} وليا يرثني ويرث آل يعقوب وقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله} وقال: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} وقال: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} وزعمتم أن لا حظوة لي ولا ارث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية اخرج منها أبي صلى الله عليه وسلم أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أولست إنا وأبي من أهل ملة واحدة، أم أنتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون {لكل نبا مستقر وسوف تعلمون} {من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}. ثم رنت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معشر الفتية وأعضاد الملة وحصنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي، والسنة عن ظلامتي، أما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي يقول: "المرء يحفظ في ولده" سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما اطلب وأزاول، أتقولون مات محمد فخطب جليل، استوسع وهنه واستنهر فتقه وانفتق رتقه واظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله لمصيبته، وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند مماته. فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} أيها بني قيلة أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم وكافحتم البهم فلا نبرح وتبرحون، نأمركم فتاتمرون حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ودر حلب الأيام وخضعت نعرة الشرك وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان وأسررتم بعد الإعلان ونكصتم بعد الإقدام وأشركتم بعد الإيمان {ألا تقتلون قوما نكثوا إيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه أن كنتم مؤمنين} ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وركنتم إلى الدعة ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوغتم {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فان الله لغني حميد}. ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس وبثة الصدر ونفثة الغيظ وتقدمة الحجة، فدونكموها فاستقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد {اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون}.

فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان فقال:

يا ابنة رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما فان عزوناه وجدناه أباك دون النساء وأخا الفك دون الأخلاء آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا يحبكم إلا كل سعيد ولا يبغضكم إلا كل شقي فأنتم عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيبون والخيرة المنتجبون على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة عن حقك ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عملت إلا بإذنه وإن الرائد لا يكذب أهله فإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نحن معشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجادلون المردة الفجار وذلك بإجماع من المسلمين لم انفرد به وحدي ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك وأنت سيدة أمة أبيك والشجرة الطيبة لبنيك لا يدفع مالك من فضلك ولا يوضع من فرعك وأصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أني أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وسلم. فقالت عليه السلام:

سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتاب الله صادفا ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره ويقتفي سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا، يقول: "يرثني ويرث من آل يعقوب" ويقول: {وورث سليمان داود} فبين عز وجل فيما وزع من الأقساط وشرع من الفرائض والميراث وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح علة المبطلين وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا {بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ولله المستعان على ما تصفون}. فقال أبو بكر:

صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة وركن الدين لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليه السلام إلى الناس وقالت:

معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم وأبصاركم لبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه اعتضتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا إذا كشف لكم الغطاء وبأن ما وراء الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون وخسر هنالك المبطلون. ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقالت:

قال صاحب بلاغات النساء: فما رأينا يوما كان أكثر باكيا ولا باكية من ذلك اليوم. قال السيد المرتضى والشيخ الطوسي في روايتهما وغيرهما ثم انكفأت وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيلة أبي وبلغة وبليغة خل ابني لقد أجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل منيتي ودون ذلتي عذيري الله منك عاديا وفيك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد وشكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم انك أشد قوة وحولا واحد بأسا وتنكيلا فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام لا ويل لك بل الويل لشانئك نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله فقالت حسبي الله وأمسكت وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين عليه السلام لا ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامهما فما هو إلا مبالغة في إنكار المنكر وإظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه غضبان أسفا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه وشريكه في الرسالة يجره إليه. وفي السيرة الحلبية: في كلام سبط ابن الجوزي أن أبا بكر كتب لفاطمة بفدك ودخل عليه عمر فقال ما هذا قال كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها فقال فما ذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ثم أخذ الكتاب فشقه. وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال عمر لأبي بكر رض: انطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا عليا فكلماه فادخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط فسلما عليها فلم ترد عليه السلام فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله والله أن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وانك لأحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أني سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركناه فهو صدقة فقالت أرأيتكما أن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به قالا نعم فقالت نشدكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن اسخط فاطمة فقد أسخطني" قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وسلم لأشكونكما إليه فقال أبو بكر إنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ثم خرج باكيا إلى أن قال فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة وبقيت فدك في يد الخليفة الأول ثم في يد الخليفة الثاني ثم في يد الخليفة الثالث ثم اقطعها الخليفة الثالث مروان بن الحكم فوهبها مروان لولديه عبد الملك وعبد العزيز وقيل أن الذي اقطعها مروان هو معاوية. وفي كتاب وفاء الوفا ما لفظه: قال الحافظ ابن حجر إنما اقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته ولما ولي علي الخلافة لم يأخذها وهو أعلم بوجه الحكمة في عدم أخذها. فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردها إلى ولد فاطمة فلما مات وولي يزيد بن عبد الملك أخذها منهم فلم تزل في يد بني مروان إلى أن ولي السفاح فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي ليفرقها في ولد فاطمة فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها منهم فلما ولي ابنه المهدي أعادها عليهم فلما ولي موسى الهادي قبضها منهم وبقيت في يد ملوك بني العباس حتى ولي المأمون فردها عليهم وكتب السجل بها وقرئ على المأمون فقام دعبل وأنشد:

فلما ولي المتوكل أخذها منهم. ولله در دعبل حيث يقول:

ما قاله الأستاذ أبو رية

وفي مجلة الرسالة المصرية في العدد 518 من السنة 11 ص457 كلام للأستاذ محمود أبو رية من أهل المنصورة، هذا لفظه: بقي أمر لا بد من أن نقول فيه كلمة صريحة ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها وما فعل معها في ميراث أبيها لأننا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي وأنه قد ثبت أن النبي قد قال: إنه لا يورث وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فان أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها كان يخصها بفدك وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد إذ يجوز للخليفة أن يخص من شاء بما شاء وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن سلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي، على أن فدك التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث أن اقطعها الخليفة عثمان لمروان. وفي معجم البلدان إنه أدى اجتهاد عمر بن الخطاب لما ولي الخلافة وفتحت الفتوح على المسلمين أن يردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان علي بن أبي طالب والعباس يتنازعان فيها فعلي يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها في حياته لفاطمة والعباس يأبى ذلك ويقول هي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وارثه ويتخاصمان إلى عمر فيأبى أن يحكم بينهما ويقول أنتما اعرف بشأنكما أما إنا فقد سلمتها إليكما فاقتصدا فما يؤتى واحد منكما من قلة معرفة وهذا الكلام مع انفراده بنقله لا يكاد يصح فإذا كان النبي لا يورث كما رواه أبو بكر وسمعه منه العباس فكيف يقول العباس وأنا وارثه ثم قوله وأنا وارثه ظاهره انحصار الإرث فيه مع أن وارثه فاطمة أن بطل التعصيب وهي مع العباس أن صح التعصيب.

وفاة الزهراء عليه السلام

توفيت في الثالث من جمادي الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة على المشهور بين أصحابنا وهو المروي عن الصادق عليه السلام. وروي أنها توفيت لعشر بقين من جمادي الآخرة. وقيل لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر ليلة الأحد. وعن ابن عباس في الحادي والعشرين من رجب وقال المدائني والواقدي وابن عبد البر في الاستيعاب توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان. وروى الحاكم في المستدرك أنها توفيت لثلاث خلون من شهر رمضان.

واختلف في مدة بقائها بعد أبيها صلى الله عليه وسلم فقيل أربعون يوما ويمكن كونه اشتباها بمدة مرضها وقيل خمسة وأربعون يوما وقيل شهران رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن عائشة وعن جابر. وقيل سبعون يوما حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن بريدة. وقيل اثنان وسبعون يوما. وقيل ونصف يوم. وقيل خمسة وسبعون حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب. وقيل خمسة وثمانون. وقيل ثلاثة أشهر وهو الذي اعتمده أبو الفرج الأصبهاني ورواه مسندا عن الباقر عليه السلام وعزاه في الاستيعاب إلى إحدى الروايتين عن الباقر عليه السلام وقال الحاكم في المستدرك إنه روي عن أبي جعفر محمد بن علي وهو الذي يقتضيه الجمع بين ما روي عن الباقر عليه السلام أن بدء مرضها بعد خمسين ليلة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وما يفهم من بعض الأخبار أنها بقيت مريضة أربعين يوما وقيل خمسة وتسعون يوما وهو الذي اعتمده الدولابي في الذرية الطاهرة ويقتضيه الجمع بين ما هو المشهور من أن وفاته صلى الله عليه وسلم في الثامن والعشرين من صفر ووفاتها في الثالث من جمادي الآخرة. وقيل مائة يوم حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب وهو الذي اعتمده الشهيد في الدروس. أو نحو من مائة يوم أو أربعة أشهر. أو ستة أشهر رواه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية بسنديهما عن عائشة. وفي الاستيعاب توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير قال محمد بن علي أبو جعفر بستة أشهر وهو الثابت عندنا وروي عن ابن شهاب مثله وقيل ستة أشهر إلا ليلتين حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب وقيل ثمانية أشهر حكاه ابن عبد البر عن عمرو بن دينار ورواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن الحارث. ويدل كلام الاستيعاب ومقاتل الطالبيين على إنه لم يقل أحد بأكثر من ثمانية أشهر ولا بأقل من أربعين يوما والمروي صحيحا من طرق أهل البيت عليه السلام أنها بقيت بعده صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما وتدل عليه أكثر الروايات. ويشكل الجمع بين ذلك وبين المشهور عند أصحابنا من أن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثامن والعشرين من صفر إذ تكون وفاتها على هذا في الثالث عشر من جمادي الأولى لا في الثالث من جمادي الآخرة فالجمع بين المشهور في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والمشهور في وفاتها ومدلول الرواية الصحيحة غير ممكن ولا يبعد أن يكون الصواب خمسة وتسعين يوما فصحف تسعين بسبعين لتقارب حروفهما وعدم القنط غالبا في الخطوط القديمة فيرتفع التنافي وهي يومان من صفر وثلاثة من جمادي الآخرة فهذه خمسة والربيعان وجمادي الأولى تسعون يوما فهذه خمسة وتسعون يوما وربما يعضده رواية الثلاثة الأشهر فان الخمسة الأيام يتسامح فيها.

وأما مدة مرضها فقال ابن شهراشوب في المناقب روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس (إلى أن قال) ثم مرضت ومكثت أربعين ليلة ثم قضت نحبها وظاهره أنها مكثت أربعين ليلة مريضة إلا أنها مكثت بعد أبيها أربعين ليلة وعن الباقر عليه السلام أنها مكثت في مرضها خمسة عشر يوما وتوفيت.

وكان عمرها صلوات الله عليها وعلى أبيها عند وفاتها ثماني عشرة سنة وقيل ثماني عشرة سنة وشهرين وقيل وسبعة أشهر هذا على القول بأنها ولدت بعد المبعث بخمس سنين وعلى القول بأنها ولدت بعده بسنتين يكون عمرها إحدى وعشرين سنة وهو الذي رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن أم الحسن بنت أبي جعفر محمد بن علي عن أخيها جعفر بن محمد قال: ماتت فاطمة وهي ابنة إحدى وعشرين وولدت على رأس إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى قول الاستيعاب في مولدها إنه بعد البعثة بسنة يكون عمرها اثنتين وعشرين سنة وعلى القول بأنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين كما هو قول أكثر علماء أهل السنة يكون عمرها ثماني وعشرين سنة. وعن المدائني ماتت ولها تسع وعشرون سنة وعن الزبير بن بكار عن عبد الله بن الحسن ثلاثون سنة وكل ذلك ناشئ عن الخلاف في تاريخ مولدها: كما أن الاختلاف في تاريخ وفاتها وسنها يوم تزويجها الظاهر إنه ناشئ عن ذلك والله أعلم.

حزنها بعد أبيها صلى الله عليه وسلم

روى الكليني بسنده عن الصادق عليه السلام قال عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الإثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاهنا كان المشركون وفي رواية عن الصادق عليه السلام أنها كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت وروى ابن شهراشوب في المناقب عن الباقر عليه السلام قال: ما رأيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضت وفي السيرة النبوية لأحمد ابن زيني دحلان عاشت فاطمة بعد أبيها صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة. وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن أبي جعفر هو الباقر عليه السلام قال ما رتبت فاطمة ضاحكت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يوما افترت بطرف نابها قال ومكثت بعده ستة أشهر قال ابن شهراشوب في المناقب روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض ولا أراه يفتح هذا الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما وروي إنه لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم امتنع بلال من الأذان وقال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن فاطمة قالت ذات يوم أشتهي أن اسمع صوت مؤذن أبي بآذان فبلغ ذلك بلالا فأخذ في الآذان فلما قال الله أكبر الله أكبر ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله أشهد أن محمدا رسول الله شهقت فاطمة وسقطت لوجهها وغشي عليها فقال الناس لبلال أمسك فقد فارقت ابنة رسول الله الدنيا وظنوا أنها قد ماتت فلم يتم الآذان فأفاقت فسألته إتمامه فلم يفعل وقال لها يا سيدة النسوان أني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالآذان فأعفته من ذلك وعن علي عليه السلام قال غسلت النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه فكانت فاطمة تقول أرني القميص فإذا شمته غشي عليها فلما رأيت ذلك غيبته.

خطبة الزهراء عليه السلام في مرضها

بمحضر نساء المهاجرين والأنصار

في احتجاج الطبرسي مرسلا عن سويد بن غفلة وفي معاني الأخيار وشرح النهج لابن أبي الحديد بالإسناد عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام وفي أمالي الشيخ بسنده عن ابن عباس وفي كشف الغمة عن صاحب كتاب السقيفة أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن رجاله عن عبد الله بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين أنها لما مرضت فاطمة الزهراء عليه السلام المرضة التي توفيت فيها واشتدت علتها اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها فسلمن عليها وقلن لها كيف أصبحت من علتك من ليلتك خل يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله تعالى وصلت على أبيها ثم قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنأتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد وقرع الصفاة وصدع القناة وخطل الآراء وزلل الأهواء {ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} لا جرم والله لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها وشننت عليهم غارتها فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين ويحهم أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطيبين بأمور الدنيا والدين إلا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا منه والله نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله عز وجل وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها وحملهم عليها وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتلقه ولسار بهم سجحا لا يكلم خشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه ولا وردهم منهلا نميرا صافيا رويا فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأ صدرهم بطانا ونصح لهم سرا وإعلانا ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل ولا يحظى من الدنيا بنائل غير ري الناهل وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين} ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبا {وإن تعجب فعجب قولهم} ليت شعري إلى أي لجا لجأوا وإلى أي سناد استندوا وعلى أي عماد اعتمدوا وبأي عروة تمسكوا وعلى أي ذرية قدموا واحتنكوا {لبئس المولى ولبئس العشير} {وبئس للظالمين بدلا} استبدلوا والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون إنهم يحسنون صنعا {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} ويحهم {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون} أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء العقب دما عبيطا وذعافا واطمئنوا للفتنة جأشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج دائم شامل واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيدا وجمعكم حصيدا فيا حسرة لكم وإني بكم وقد عميت عليكم {أن لزمكموها وأنتم لها كارهون}.

قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه إلى غيره "فقالت عليه السلام" إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم.

أوقافها وصدقاتها

كان لها سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم وبني المطلب وجعلت النظر فيها والولاية لعلي عليه السلام مدة حياته وبعده للحسن وبعده للحسين وبعده للأكبر من ولدها. روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق عليه السلام أن فاطمة عليه السلام جعلت صدقتها لبني هاشم وبني المطلب وبسنده عن الباقر عليه السلام إنه أخرج حقا أو سفطا فاخرج منه كتابا فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصت بحوائطها السبعة العواف والذلال. والبرقة. والمبيت. والحسني. والصافية. وما لأم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب فان مضى علي فإلى الحسن فان مضى الحسن فإلى الحسين فان مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب علي ابن أبي طالب. بسنده عن الصادق عليه السلام نحوه إلا إنه قال إلى الأكبر من ولدي دون ولدك وبسنده عن أبي الحسن الثاني عليه السلام إنه سئل عن الحيطان السبعة التي كانت ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة فقال: إنما كانت وقفا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ إليه منها ما ينفق على أضيافه والتابعة تلزمه فيها فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة فيها فشهد علي وغيره أنها وقف على فاطمة وعدها كما تقدم وفي رواية عن الصادق عليه السلام أن المبيت هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها أقول ربما يتوهم التنافي بين هذه الأخبار فبعضها يدل على أنها تصدقت بها على بني هاشم وبني المطلب أي وقفتها عليها ولازم ذلك أنها كانت ملكا لها إذ لا وقف إلا في ملك وبعضها دال على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد وقفها عليها وحينئذ فكيف تقفها على بني هاشم وبني المطلب فان الوقف لا يوقف ويمكن الجمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم وقفها عليها في حياتها وبعدها على بني هاشم وبني المطلب وجعل النظر فيها على الترتيب الذي جعلته. أو إنه وقفها عليها ثم على من تختاره بعدها فهي بوصيتها حاكية لا منشئة.

وصيتها

لما مرضت فاطمة الزهراء عليه السلام مرضها الذي توفيت فيه جعلت توصي عليا عليه السلام وتعهد إليه عهودها فمما جاء في وصيتها ما روي أن عليا عليه السلام وجده عند رأسها بعد ما توفيت وهي رقعة فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور يا علي حنطني وغسلني وكفني وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا واستودعك الله واقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة.

وذكر جماعة أنها لما مرضت دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعليا عليه السلام وأوصت إلى علي بثلاث (الأولى) أن يتزوج بإمامة بنت أختها زينب لحبها أولادها وقالت أنها تكون لولدي مثلي (وفي رواية) قالت بنت أختي وتحني على ولدي. وإمامة هذه هي بنت أبي العاص بن الربيع وهي التي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحملها في الصلاة وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفيت الزهراء عليه السلام تزوج أمير المؤمنين عليه السلام إمامة كما أوصته ومن أجل ذلك قال: أربعة ليس إلى فراقهن سبيل وعد منهن إمامة قال أوصت بها فاطمة (الثانية) أن يتخذ لها نعشا ووصفته له (وفي رواية) أن أسماء بنت عميس قالت لها أني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئا فإن أعجبك أصنعه لك فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه وجعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا فقالت فاطمة عليه السلام اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار. وفي الاستيعاب بسنده أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس أني قد استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله إلا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها في الإسلام على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش وكانت الزهراء عليه السلام لشدة محافظتها على الستر والعفاف حتى أنها لما قال لها أبوها صلى الله عليه وسلم ما خير للمرأة قالت أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل مهتمة كثيرا لأمر وضعها على السرير وحملها ظاهرة وشكت ذلك إلى أسماء بنت عميس فوصفت لها النعش فتبسمت فرحا بذلك بعد أن لم تر ضاحكة ولا متبسمة بعد وفاة أبيها إلى ذلك الحين وبذلك يعرف قدر اهتمامها بهذا الأمر. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس إلا ترين إلى ما بلغت أحمل على السرير ظاهرا فقالت أسماء لا لعمري ولكن أصنع لك نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة وجعلت على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش قالت أسماء فتبسمت فاطمة وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها إلا يومئذ الحديث (وبضدها تتميز الأشياء) (الثالثة) أن لا يشهد أحدا جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم وأن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم وأن يدفنها ليلا إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ويعفي قبرها وكان مما أوصت به عليا عليه السلام أن تحنط بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أربعين درهما فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أثلاثا ثلثا لنفسه وثلثا لعلي وثلثا لفاطمة وأن يغسلها في قميصها ولا يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتها بيسير وتنظفت ولبست ثيابها الجدد و من ذلك توهم بعضهم أن المراد أن تدفن بذلك الغسل وهو غير صحيح كما يأتي وفي رواية أنها أوصت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكل واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية والأوقية أربعون درهما ولنساء بني هاشم مثل ذلك وأوصت لإمامة بنت أختها زينب بشيء. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب أن فاطمة عليه السلام قالت لأسماء بنت عميس إذا إنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا. ومثله روى أبو نعيم في الحلية ثم قال فلما توفيت غسلها علي وأسماء وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي رافع عن سلمى وفي الإصابة أخرج ابن سعد وأحمد بن حنبل من حديث أم رافع قالت مرضت فاطمة فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج علي فقالت لي يا أمة اسكبي لي غسلا فسكبت لها فأغسلت كأحسن ما كانت تغتسل ثم قالت ائتيني بثيابي الجدد فأتيتها بها فلبستها ثم قالت اجعلي فراشي وسط البيت فجعلته فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة ثم قالت لي يا أمه أني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كتفا فماتت. وروى أبو نعيم في الحلية أنها لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها ومست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها والظاهر أن هذا الغسل الذي أغتسلته صلى الله عليه وسلم كان لأجل التنظيف والتطهر لتغسل بعد وفاتها في ثيابها طاهرة نظيفة ولا تكشف لأنه أبلغ في الستر وأقل كلفة على من يغسلها لا إنه كان غسل الأموات لعدم جواز تقديمه على الموت في مثل المقام وتوهم بعضهم إنه غسل الأموات وليس بصواب فلما توفيت صاح أهل المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة تتزعزع من صراخهن وهن يقلن يا سيدتاه يا بنت رسول الله وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام وهو جالس والحسن والحسين عليه السلام بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما وخرجت أم كلثوم وعليها برقعها تجر ذيلها متجللة برداء وهي تبكي وتقول يا أبتاه يا رسول الله الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده أبدا واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلوا عليها فخرج أبو ذر وقال انصرفوا فان ابنة رسول الله قد أخر إخراجها هذه العشية فقام الناس وانصرفوا. وفي كتاب روضة الواعظين: أن فاطمة عليه السلام لم تزل بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة باكية ثم مرضت مرضا شديدا ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت صلى الله عليه وسلم فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي فأحضرته فقالت يا ابن عم إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أرى ما بي إلا إنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. قال لها علي عليه السلام أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ثم قالت يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال عليه السلام: معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لا بد منه والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وأنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا ساعة وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري قالت جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم ثم أوصته بما أرادت فقام أمير المؤمنين عليه السلام بجميع ما وصته به فغسلها في قميصها وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: غسلها علي بن أبي طالب مع أسماء بنت عميس. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت عميس قالت غسلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان علي هو الذي يباشر غسلها وأسماء تعينه على ذلك وبهذا يرتفع استبعاد بعضهم أن تغسلها أسماء مع علي وهي أجنبية عنه لأنها كانت يومئذ زوجة أبي بكر وفي بعض الأخبار أنه أمر الحسن والحسين عليه السلام يدخلان الماء ولم يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس: قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت أن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتني أن لا يدخل عليها أحد وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها قال أبو بكر فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف، وكفنها علي عليه السلام في سبعة أثواب وحنطها بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى عليها وكبر خمسا ودفنها في جوف الليل وعفى قبرها ولم يحضر دفنها والصلاة عليها إلا علي والحسنان عليه السلام وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواص علي عليه السلام. واختلف في موضع دفنها فقيل دفنت في بيتها وهو الأصح الذي يقتضيه الاعتبار وقيل دفنت في البقيع وسوى علي عليه السلام حول قبرها قبورا مزورة حتى لا يعرف أحد موضعه. وروى ابن سعد في الطبقات إنه نزل في حفرة فاطمة العباس وعلي والفضل. وروى عدة روايات بعدة أسانيد أن عليا عليه السلام هو الذي صلى عليها. وروى ابن سعد أيضا روايات كثيرة بعدة أسانيد عن الزهري أن عليا عليه السلام دفن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا. وبسنده عن جابر عن الباقر عليه السلام قال دفنت فاطمة ليلا. وروى أيضا عدة روايات عن موسى بن علي عن بعض أصحابه وعن عائشة وعن يحيى بن سعيد أن فاطمة دفنت ليلا بسنده عن علي بن الحسين قال سالت ابن عباس متى دفنتم فاطمة فقال دفناها بليل بعد هدأة قلت فمن صلى عليها قال علي. وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ولم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب وقال ابن عبد البر في الاستيعاب صلى عليها علي بن أبي طالب وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا. وأورد السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى عدة روايات دالة على أنها دفنت ليلا ومنها ما حكاه عن البيهقي إنه قال وقد ثبت أن أبا بكر لما يعلم بوفاة فاطمة عليه السلام لما ثبت في الصحيح أن عليا دفنها ليلا ولم يعلم أبا بكر. وعن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن عليا عليه السلام دفنها بالروضة وعمى موضع قبرها قال وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جدد. وروي أن أمير المؤمنين قام بعد دفنها عليه السلام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك وزائرتك النازلة في جوارك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي إلا أن في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحود قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك بلى وفي كتاب الله لي نعم القبول إنا لله وأنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واها واها والصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ولاعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا وتهضم حقها وتمنع ارثها ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر إلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك وعليك وعليها السلام والرضوان. ولما دفنها علي عليه السلام قام على شفير القبر فأنشأ يقول وقال الحاكم في المستدرك لما ماتت فاطمة قال علي بن أبي طالب:

وعن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فأشكل عليهم موضع قبرها من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرت عيناه ودرت أوداجه وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة وهو متكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار إلى الناس النذير وقالوا هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه بعضهم فقال له ما لك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها فضرب علي عليه السلام بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض وقال أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس وأما قبر فاطمة فوالله الذي نفس علي بيده لأن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فاعرض فتلقاه آخر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلا خليت عنه فإنا غير فاعلين شيئا تكرهه فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك.

ما أثر عنها من الحكم

روى ابن شهراشوب في المناقب عن الحسن البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة عليه السلام أي شيء خير للمرأة قالت: أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من بعض وروى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما خير للنساء" فلم ندر ما نقول فسار علي إلى فاطمة فأخبرها فقالت فهلا قلت له خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن فرجع فأخبره بذلك فقال له من علمك هذا قال فاطمة قال "إنها بضعة مني". قال ورواه سعيد بن المسيب عن علي نحوه. ثم روى بسنده عن سعيد بن المسيب عن علي إنه قال لفاطمة: ما خير للنساء قالت لا يرين الرجال ولا يرونهن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما فاطمة بضعة مني".

ما أثر عنها من الدعاء

دعاء رواه عنها في مهج الدعوات:

اللهم قنعني بما رزقتني واسترني وعافني أبدا ما أبقيتني واغفر لي وارحمني إذا توفيتني اللهم لا تعنني في طلب ما لم تقدر لي وما قدرته علي فاجعله ميسرا سهلا اللهم كاف عني والدي وكل من له نعمة علي خير مكافأتك اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تعذبني وأنا أستغفرك ولا تحرمني وأنا أسألك اللهم ذلل نفسي في نفسي وعظم شأنك في نفسي وألهمني طاعتك والعمل بما يرضيك والتجنب لما يسخطك يا أرحم الراحمين.

دعاء علمها إياه النبي صلى الله عليه وسلم

رواه في مهج الدعوات: اللهم ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء صل على محمد وعلى أهل بيته وعليهم السلام واقض عني الدين وأغنني من الفقر ويسر لي كل أمر يا ارحم الراحمين.

ما أثر عنها عليها السلام من الشعر

منه ما يأتي في سيرة الحسن عليه السلام من قولها وهي ترقص الحسنين ع. وقولها عليه السلام ترثي أباها صلى الله عليه وسلم بعد ما أخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول رواه غير واحد:

وقولها عليه السلام ترثيه صلى الله عليه وسلم كما في مناقب ابن شهراشوب وفيها البيتان المذكوران:

وقولها عليه السلام ترثيه صلى الله عليه وسلم أورده أحمد بن زيني دحلان في السيرة النبوية:

وقولها عليه السلام ترثيه صلى الله عليه وسلم كما في مناقب ابن شهراشوب وفي السيرة النبوية لأحمد بن زيني دحلان أنها لحسان بن ثابت:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 1- ص: 307

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ب د ع) فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيدة نساء العالمين، ما عدا مريم بنت عمران صلى الله عليهما. أمها خديجة بنت خويلد. وكانت هي وأم كلثوم أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف: في أيتهن أصغر سنا؟ وقيل: إن رقية أصغرهن. وفيه عندي نظر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رقية من ابن أبي لهب، فطلقها قبل الدخول بها، أمره أبواه بذلك، ثم تزوجها عثمان رضي الله عنه وهاجرت معه إلى الحبشة، فما كان ليزوج الصغرى ويترك الكبرى. وكانت فاطمة تكنى أم أبيها، وكانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزوجها من علي بعد أحد.
وقيل: تزوجها علي بعد أن ابتني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وابتني بها بعد تزويجه إياها بسبعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر في قول. وانقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها، فإن الذكور من أولاده ماتوا صغارا، وأما البنات فإن رقية رضي الله عنها ولدت عبد الله بن عثمان فتوفي صغيرا، وأما أم كلثوم فلم تلد، وأما زينب رضي الله عنها فولدت عليا ومات صبيا، وولدت أمامة بنت أبي العاص فتزوجها علي، ثم بعده المغيرة بن نوفل. وقال الزبير: انقرض عقب زينب.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي الصوفي، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر، أخبرنا الخطيب بن أبي الصقر الأنباري، أخبرنا أبو البركات أحمد بن عبد الواحد بن نظيف، أخبرنا أبو محمد بن رشيق، حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا إسماعيل بن أبان،، حدثنا أبو مريم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: خطب أبو بكر وعمر- يعني فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي. فقلت: ما لي من شيء إلا درعي أرهنها. فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، فلما بلغ ذلك فاطمة بكت، قال: فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك تبكين يا فاطمة! فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما. قال: وحدثنا الدولابي، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي بن أبي طالب قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت لي مولاة لي. هل علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: لا. قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزوجك. فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك. فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جلالة وهيبة- فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما أستطيع أن أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ قلت: نعم. قال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ فقلت: لا، والله يا رسول الله فقال: ما فعلت بالدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي والذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربعمائة درهم. قال: قد زوجتك، فابعث بها، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وحدثنا الدولابي، حدثنا أبو جعفر محمد بن عوف بن سفيان الطائي حدثنا أبو غسان مالك ابن إسماعيل النهدي، حدثنا عبد الرحمن بن حميد الرواسي، حدثنا عبد الكريم بن سليط، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البناء- يعني بفاطمة- لا تحدثن شيئا حتى تلقاني. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه على علي وقال: اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما. قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة.
أخبرنا غير واحد بإسنادهم عن أبي عيسى: حدثنا عبد الله بن يونس وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنها بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن سويدة، أخبرنا أبو الفضل بن ناصر السلامي، أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن، أخبرنا الحاكم أبو الحسن علي بن محمد الحافظ، والقاضي أبو بكر الخيري قالا: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن مكرم، حدثنا عثمان بن عمر،: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}، قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: هؤلاء أهلي. قالت: فقلت: يا رسول الله أفما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى، إن شاء الله عز وجل. قال أبو صالح: قال الحاكم في المستدرك، عن الأصم قال: صحيح على شرط. مسلم ولم يخرجاه.
قال: أخبرنا أبو صالح، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الأهوازي، أخبرنا أحمد بن عبيد ابن إسماعيل الصفار، حدثنا تمام بن محمد بن غالب، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد ابن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر، يقول: الصلاة يا أهل بيت محمد، {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. قال: وأخبرنا أبو صالح أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران، أخبرنا أبو علي أحمد بن الفضل بن العباس بن خزيمة، حدثنا عيسى بن عبد الله الطيالسي- رعاث- حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحبا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن. فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض سألتها، فأخبرتني أنه أسر إلي فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين، وما أراه إلا وقد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك. فبكيت، فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين.
قال: أبو صالح: رواه البخاري في الصحيح، عن أبي نعيم. وهذا من غريب الصحيح، فإن زكريا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين، وهذا يرويه عن فراس، عن الشعبي. أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم عن الترمذي: حدثنا حسين بن يزيد الكوفي، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي الحجاف عن جميع بن عمير التميمي قال: دخلت مع عمي على عائشة، فسألت: أي الناس كأن أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت فاطمة.
قيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان- ما علمت- صواما قواما.
أخبرنا أبو محمد بن سويدة، أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا أبو صالح المؤذن، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان المقرئ، حدثنا محمد بن عبد الله القتاب، حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا أبو صالح حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع علي بن أبي طالب يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أينا أحب إليك أنا أو فاطمة؟ قال: فاطمة أحب إلي منك، وأنت أعز علي منها. وأخبرنا يحيى بن محمود إذنا بإسناده عن ابن أبي عاصم قال: أخبرنا عبد الله بن عمر بن سالم المفلوج- وكان من خيار المسلمين عندي- حدثنا حسين بن زيد بن على بن الحسين بن على ابن أبي طالب، عن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن على بن حسين بن علي، عن حسين بن علي، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك. أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن المخزومي بإسناده عن أحمد بن علي: حدثنا الحسن بن عثمان بن شقيق، حدثنا الأسود بن حفص المروزي، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة.
قال: وحدثنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري، أخبرنا محمد ابن خالد الحنفي، حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي، عن هاشم بن هاشم عن عبد الله بن وهب، عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسارها بشيء فبكت. ثم سارها بشيء فضحكت، فسالتها عنه فقالت: أخبرني أنه مقبوض في هذه السنة فبكيت، فقال: ما يسرك أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، إلا فلانة، فضحكت. أخبرنا عبد الوهاب بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا عفان، حدثنا معاذ بن معاذ، حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي المقدام، عن عبد الرحمن الأزرق، عن علي قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم، فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى شاة لنا بكيء فحلبها، فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت فاطمة: يا رسول الله، كأنه أحبهما إليك؟ قال: لا، ولكنه استسقى قبله. ثم قال: إنا وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة. أخبرنا إبراهيم وغيره بإسنادهم عن أبي عيسى: حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي، حدثنا علي بن قادم، حدثنا أسباط بن نصر، الهمداني، عن السدي، عن صبيح مولى أم سلمة، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم. أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين الأسدي الدمشقي المعروف بابن البن، حدثنا جدى أبو القاسم الحسين بن الحسن قال: قرأت على القاضي علي بن محمد بن علي المصيصي، أخبرنا القاضي أبو نصر محمد بن أحمد بن هارون بن عبد الله الغساني، أخبرنا أبو الحسن خيثمة ابن سليمان بن جيدرة الأطرابلسي قراءة عليه، حدثنا إبراهيم بن عبد الله القصار، أخبرنا العباس ابن الوليد بن بكار الضبي بالبصرة، عن خالد بن عبد الله، عن بيان، عن الشعبي، عن أبي جحيفة، عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب: يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد حتى تمر. أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد: حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن عبد الله بن الحسن- هو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب- عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي، عن جدتها فاطمة الكبرى- هي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، ثم قال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال: رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. هذا الحديث ليس إسناده بمتصل، فإن فاطمة بنت الحسين لم تدرك جدتها فاطمة الكبرى، والله أعلم.
وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. هذا أصح ما قيل: وقيل: بثلاثة أشهر.
وقيل: عاشت بعده سبعين يوما. وما رئيت ضاحكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقت بالله عز وجل، ووجدت عليه وجدا عظيما.
قال أنس: قالت لي فاطمة: يا أنس، كيف طابت قلوبكم؟! تحثون التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. وكانت أول أهله لحوقا به، تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم. ولما حضرها الموت قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، يطرح على المرأة الثوب فيصفها. قالت أسماء يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي علي أحدا. فلما توفيت جاءت عائشة، فمنعتها أسماء، فشكتها عائشة إلى أبي بكر وقالت: هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم! فوقف أبو بكر على الباب وقال: يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صنعت لها هودجا؟! قالت هي أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال: فاصنعي ما أمرتك. وغسلها علي وأسماء.
وهي أول من غطي نعشها في الإسلام، ثم بعدها زينب بنت جحش. وصلى عليها علي بن أبي طالب. وقيل: صلى عليها العباس. وأوصت أن تدفن ليلا، ففعل ذلك بها. ونزل في قبرها علي والعباس، والفضل بن العباس.
قيل: توفيت لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، والله أعلم. وكان عمرها تسعا وعشرين سنة.
وقال عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي: كان عمرها ثلاثين سنة. وقال الكلبي. كان عمرها خمسا وثلاثين سنة.
وقد روي أنها اغتسلت لما حضرها الموت وتكفنت، وأمرت عليا أن لا يكشفها إذا توفيت، وأن يدرجها في ثيابها كما هي، ويدفنها ليلا. وقد ذكرنا في أم سلمى غسلها أيضا. والصحيح أن عليا وأسماء غسلاها والله أعلم.
أخرجه الثلاثة.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 1563

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 7- ص: 216

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 6- ص: 220

فاطمة الزهراء بنت إمام المتقين رسول الله: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمية، صلى الله على أبيها وآله وسلم ورضي عنها.
كانت تكنى أم أبيها، بكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة. ونقل ابن فتحون عن بعضهم بسكون الموحدة بعدها نون، وهو تصحيف، وتلقب الزهراء.
روت عن أبيها. روى عنها ابناها، وأبوهما، وعائشة، وأم سلمة، وسلمى أم رافع، وأنس. وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها.
قال عبد الرازق، عن ابن جريج: قال لي غير واحد: كانت فاطمة أصغر بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحبهن إليه.
وقال أبو عمر: اختلفوا أيتهن أصغر؟ والذي يسكن إليه اليقين أن أكبرهن زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة. وقد تقدم شيء من هذا في ترجمة رقية.
واختلف في سنة مولدها، فروى الواقدي، عن طريق أبي جعفر الباقر، قال: قال العباس: ولدت فاطمة والكعبة تبنى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن خمس وثلاثين سنة، وبهذا جزم المدائني.
ونقل أبو عمر عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي- أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين، وتزوجها علي أوائل المحرم سنة اثنتين بعد عائشة بأربعة أشهر، وقيل غير ذلك. وانقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من فاطمة.
ذكر ابن إسحاق في «المغازي الكبرى»: حدثني ابن أبي نجيح، عن علي- أنه خطب فاطمة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هل عندك من شيء؟» قلت: لا. قال: «فما فعلت الدرع التي أصبتها» - يعني من مغانم بدر.
وقال ابن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان- هو ابن بلال، حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه: أصدق علي فاطمة درعا من حديد.
وعن حازم، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي حين زوجه فاطمة: «أعطها درعك الحطمية».
هذا مرسل صحيح الإسناد.
وعن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن أيوب أتم منه.
وأخرج أحمد في مسندة، من طريق ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع عليا يقول: أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته، فقلت: والله ما لي من شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته، فخطبتها إليه، فقال: «وهل عندك شيء؟ فقلت: لا. قال: «فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟» قلت: هو عندي. قال: «فأعطها إياها».
وله شاهد عند أبي داود من حديث ابن عباس.
وأخرج ابن سعد، عن الواقدي، من طريق أبي جعفر، قال: نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي أيوب، فلما تزوج علي فاطمة قال له: «التمس منزلا»، فأصابه مستأخرا، فبنى بها فيه، فجاء إليها، فقالت له: كلم حارثة بن النعمان. فقال: قد تحول حارثة حتى استحييت منه، فبلغ حارثة فجاء فقال: يا رسول الله، والله الذي تأخذ أحب إلي من الذي تدع. فقال: صدقت، بارك الله فيك، فتحول حارثة من بيت له فسكنه علي بفاطمة.
ومن طريق عمر بن علي، قال: تزوج علي فاطمة في رجب سنة مقدمهم المدينة، وبنى بها مرجعه من بدر، ولها يومئذ ثمان عشرة سنة.
وفي «الصحيح» عن علي قصة الشارفين لما ذبحهما حمزة، وكان علي أراد أن يبني بفاطمة، فهذا يدفع قول من زعم أن تزويجه بها كان بعد أحد، فإن حمزة قتل بأحد.
قال يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، قالت عائشة: ما رأيت قط أحدا أفضل من فاطمة غير أبيها. أخرجه الطبراني في ترجمة إبراهيم بن هاشم من المعجم الأوسط، وسنده صحيح على شرط الشيخين إلى عمر.
وقال عكرمة، عن ابن عباس: خط النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة خطوط، فقال: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية».
وقال أبو يزيد المدائني، عن أبي هريرة- مرفوعا: «خير نساء العالمين أربع: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة».
وقال الشعبي، عن جابر: «حسبك من نساء العالمين أربع....» فذكرهن.
وقال عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: «سيدة نساء أهل الجنة فاطمة إلا ما كان من مريم».
وفي الصحيحين- عن المسور بن مخرمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما رابها».
وعن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن علي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «إن الله يرضى لرضاك، ويغضب لغضبك».
وأخرج الدولابي في الذرية الطاهرة بسند جيد عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة بني علي بفاطمة: «لا تحدث شيئا حتى تلقاني»، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم أفرغه عليهما، وقال: «اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما».
وقالت أم سلمة: في بيتي نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}... الآية.
قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فقال: «هؤلاء أهل بيتي» الحديث.
وأخرج الترمذي والحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وقال مسروق، عن عائشة: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «مرحبا بابنتي»، ثم أجلسها عن يمينه، ثم أسر إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن!
فسألتها عما قال. فقالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سره، فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه قال: «إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، وما أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك». فبكيت: فقال: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟» فضحكت.
أخرجاه.
وقالت أم سلمة: جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسألتها عنه، فقالت: أخبرني أنه مقبوض في هذه السنة، فبكيت، فقال: «أما يسرك أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم»، فضحكت.
أخرجه أبو يعلى.
وأخرج ابن أبي عاصم، عن عبد الله بن عمرو بن سالم المفلوج بسند من أهل البيت عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة: «إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «علي، وفاطمة، والحسن، والحسين- أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم».
ونقل أبو عمر في قصة وفاتها أن فاطمة أوصت عليا أن يغسلها هو وأسماء بنت عميس. واستبعده ابن فتحون، فإن أسماء كانت حينئذ زوج أبي بكر الصديق، قال: فكيف تنكشف بحضرة علي في غسل فاطمة، وهو محل الاستبعاد.
وقد وقع عند أحمد أنها اغتسلت قيل موتها بقليل، وأوصت ألا تكشف، ويكتفى بذلك في غسلها، واستبعد هذا أيضا.
وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أن فاطمة عاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر. وقال الواقدي، وهو ثبت: وروى الحميدي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار - أنها بقيت بعده ثلاثة أشهر وقال غيره: بعده أربعة أشهر، وقيل شهرين، وعند الدولابي في الذرية الطاهرة: بقيت بعده خمسة وتسعين يوما. وعن عبد الله بن الحارث بقيت بعده ثمانية أشهر.
وأخرج ابن سعد، وأحمد بن حنبل، من حديث أم رافع، قال: مرضت فاطمة فلما كان اليوم الذي توفيت قالت لي: يا أمة، اسكبي لي غسلا، فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل. ثم لبست ثيابا لها جددا ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة، وقالت يا أمة، إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت، فلا يكشفن لي أحد كنفا، فماتت، فجاء علي فأخبرته فاحتملها ودفنها بغسلها ذلك.
وأخرج ابن سعد من طريق محمد بن موسى- أن عليا غسل فاطمة. ومن طريق عبيد الله بن أبي بكر، عن عمرة، قالت: صلى العباس على فاطمة، ونزل هو وعلي والفضل بن عباس في حفرتها.
وروى الواقدي، عن طريق الشعبي، قال: صلى أبو بكر على فاطمة، وهذا فيه ضعف وانقطاع.
وقد روى بعض المتروكين عن مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه نحوه، ووهاه الدارقطني، وابن عدي.
قال ابن سعد: أخبرنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحاءين وسقاءين، قال: فقال علي لفاطمة يوما: سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي فاذهبي فاستخدمي. فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «ما جاء بك أي بنية؟» فقالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فأتياه جميعا، فذكر له علي حالهما، قال: «لا والله لا أعطيكما، وأدع أهل الصفة تتلوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم»، فرجعا، فأتاهما وقد دخلا قطيفتهما، إذ غطيا رءوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رءوسهما، فثارا، فقال: «مكانكما، ألا أخبركما بخير مما
سألتماني؟» فقالا: بلى. فقال: «كلمات علمنيهن جبريل، تسبحان، في دبر كل صلاة عشرا، وتحمدان عشرا، وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين». قال علي: فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن.
وقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل الطروق! ولا ليلة صفين.
وقال: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازم، حدثنا عمرو بن سعيد، قال: كان في علي شدة على فاطمة، فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت وانطلق علي في أثرها، فكلمته، فقال: «أي بنية، اسمعي واستمعي واعقلي، إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها وهو ساكت». قال علي: فكففت عما كنت أصنع، وقلت: والله لا أتي شيئا تكرهينه أبدا.
أخبرنا عبيد الله بن موسى، حدثنا عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يزل حتى أصلح بينهما، ثم خرج، قال: فقيل له: دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك! فقال: وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي.
وأخرج الواقدي بسند له، عن أبي جعفر، قال: دخل العباس على علي وفاطمة وهي تقول: أنا أسن منك. فقال العباس: ولدت فاطمة وقريش تبني الكعبة، وولد علي قبلها بسنوات.
وقال الواقدي: توفيت فاطمة ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة.
ومن طريق عمرة: صلى العباس على فاطمة، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل.
ومن طريق علي بن الحسين أن عليا صلى عليها ودفنها بليل بعد هدأة.
وذكر عن ابن عباس أنه سأله فأخبره بذلك. وقال الواقدي: قلت لعبد الرحمن بن أبي الموالي: إن الناس يقولون: إن قبر فاطمة بالبقيع. فقال: ما دفنت إلا في زاوية في دار عقيل، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 8- ص: 262

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين في زمانها البضعة النبوية والجهة المصطفوية أم أبيها بنت سيد الخلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين.
مولدها قبل المبعث بقليل وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر.
وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد وقعة أحد فولدت له الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب.
وروت عن أبيها.
وروى عنها ابنها الحسين وعائشة وأم سلمة وأنس بن مالك وغيرهم وروايتها في الكتب الستة.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبها ويكرمها ويسر إليها. ومناقبها غزيرة. وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله وقد غضب لها النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بلغه أن أبا الحسن هم بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل فقال: ’’والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله وإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها’’ فترك علي الخطبة رعاية لها. فما تزوج عليها ولا تسرى. فلما توفيت تزوج وتسرى -رضي الله عنهما.
ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- حزنت عليه وبكته وقالت: يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه! يا أبتاه أجاب ربا دعاه! يا أبتاه جنة الفردوس مأواه!
وقالت بعد دفنه: يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وقد قال لها في مرضه: إني مقبوض في مرضي هذا. فبكت. وأخبرها أنها أول أهله لحوقا به وأنها سيدة نساء هذه الأمة فضحكت وكتمت ذلك فلما توفي -صلى الله عليه وسلم- سألتها عائشة. فحدثتها بما أسر إليها.
قالت عائشة -رضي الله عنها: جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فقام إليها وقال: ’’مرحبا يا بنتي’’.
ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق فحدثها أنه سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’لا نورث ما تركنا صدقة’’. فوجدت عليه ثم تعللت.
روى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر،
فاستأذن فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك. فقالت: أتحب أن آذن له. قال: نعم.
قلت: عملت السنة -رضي الله عنها- فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره.
قال: فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت. قال: ثم ترضاها حتى رضيت.
توفيت بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أشهر أو نحوها. وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة. وأكثر ما قيل: إنها عاشت تسعا وعشرين سنة. والأول أصح. وكانت أصغر من زينب زوجة أبي العاص بن الربيع ومن رقية زوجة عثمان بن عفان. وقد انقطع نسب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من قبل فاطمة لأن أمامة بنت زينب التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحملها في صلاته تزوجت بعلي ابن أبي طالب ثم من بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي وله رؤية فجاءها منه أولاد.
قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب.
وصح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء وقال: $’’اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا’’.
أحمد بن حنبل: حدثنا تليد بن سليمان، حدثنا أبو الجحاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: ’’أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم’’.
رواه الحاكم في المستدرك. وفيه من طريق أبان بن تغلب، عن أبي بشر، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار’’.
إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن حذيفة: قال:
النبي -صلى الله عليه وسلم: ’’نزل ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة’’ وروي من وجه آخر، عن المنهال رواهما الحاكم.
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذه أهداها لي أبو حسن. فقال: ’’يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: هذه فاطمة بنت محمد وفي يدها سلسلة من نار’’! ثم خرج. فاشترت بالسلسلة غلاما فأعتقته فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ’’الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار’’ رواه أبو داود.
داود بن أبي الفرات، عن علباء، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: ’’أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة’’.
أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن أبي زائدة أخبرني أبي، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ’’أعن حسبها تسألني’’؟ قال علي: قد أعلم ما حسبها ولكن أتأمرني بها؟ فقال: ’’لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع’’ قال: لا آتي شيئا تكرهه.
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث عائشة أنها قيل لها أي الناس كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: فاطمة من قبل النساء ومن الرجال زوجها وإن كان ما علمت صواما قواما.
قلت: ليس إسناده بذاك.
وفي الجامع لزيد بن أرقم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لهما ولا بينهما: ’’أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم’’.
وكان لها من البنات: أم كلثوم زوجة عمر بن الخطاب وزينب زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجا وتكفيك هي العمل في البيت والعجن والخبز والطحن.
عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم: ’’فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران’’.
علي بن هاشم بن البريد، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: ’’كيف تجدينك’’ قالت: إني وجعة وإنه ليزيدني مالي طعام آكله. قال: ’’يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين’’ قالت: فأين مريم قال: ’’تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة’’.
رواه أبو العباس السراج، عن محمد بن الصباح، عن علي. وكثير واه. وسقط من بينه وبين عمران.
علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم وآسية’’.
وروى أبو جعفر الرازي، عن ثابت، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه ولفظه: ’’خير نساء العالمين أربع’’.

وصحح الترمذي هذا وهو: ’’حسبك من نساء العالمين مريم وخديجة وآسية بنت مزاحم وفاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم’’.
أبو نعيم: حدثنا محمد بن مروان الذهلي، حدثنا أبو حازم، حدثني أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’إن ملكا استأذن الله في زيارتي فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة’’.
غريب جدا والذهلي مقل ويروى نحو ذلك من حديث أبي هريرة أيضا.
ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها وكذلك كانت هي تصنع به. ميسرة: صدوق.
الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: عاشت فاطمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة أشهر ودفنت ليلا.
قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى عليها العباس ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل.
وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة. وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها ودفنت ليلا.
وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ستة أشهر وهي تذوب.
وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر.
وعن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: كان بين فاطمة وبين أبيها شهران.
وعن أبي جعفر الباقر: أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة. ولدت وقريش تبني الكعبة.
قال: وغسلها علي.
وذكر المسبحي: أن فاطمة تزوج بها علي بعد عرس عائشة بأربعة أشهر ونصف ولفاطمة يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف.
قتيبة بن سعيد: حدثنا محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي، عن أمه أم جعفر وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر: أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء يطرح على المرأة الثوب فيصفها.
قالت: يا ابنة رسول الله إلا أريك شيئا رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا.
فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد علي.
فلما توفيت جاءت عائشة لتدخل فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر. فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء. فقالت: هي أمرتني. قال: فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف.
قال ابن عبد البر: هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة.
إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن. فأذنت له. فاعتذر إليها وكلمها. فرضيت عنه.
روى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، عن علي بن فلان بن أبي رافع، عن أبيه، عن سلمى قالت: مرضت فاطمة.... إلى أن قالت: اضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة ثم قالت: والله إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد كنفا فماتت وجاء علي فأخبرته فدفنها بغسلها ذلك.
هذا منكر.
أبو عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق: حدثتني عائشة قالت: كنا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتمعنا عنده لم يغادر منهن واحدة. فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فلما رآها رحب بها قال: ’’مرحبا بابنتي’’ ثم أقعدها، عن يمينه أو، عن يساره. ثم سارها فبكت ثم سارها الثانية فضحكت. فلما قام قلت لها: خصك رسول الله بالسر وأنت تبكين عزمت عليك بمالي عليك من حق لما أخبرتني مم ضحكت ومم بكيت؟ قالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بمالي عليك من حق لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم في المرة الأولى، حدثني ’’أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام في هذه السنة مرتين وأني لا أحسب ذلك إلا عند اقتراب أجلي فاتقي الله واصبري فنعم السلف لك أنا’’. فبكيت فلما رأى جزعي قال: ’’أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمة’’. قالت: فضحكت أخرجه البخاري، عن أبي نعيم، عن زكريا، عن فراس وهو فرد غريب.
محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت لفاطمة: أرأيت حين أكببت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكيت ثم أكببت عليه فضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه فبكيت ثم أخبرني أنني أسرع أهله به لحوقا وقال: ’’أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران’’. فضحكت.
ابن حميد: حدثنا سلمة، حدثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها.
جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة ومن الرجال علي.
إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة حدثته: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا فاطمة فسارها فبكت ثم سارها فضحكت فقلت لها فقالت: أخبرني بموته فبكيت ثم أخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت.
وروى كهمس، عن ابن بريدة قال: كمدت فاطمة على أبيها سبعين من يوم وليلة. فقالت لأسماء: إني لأستحيي أن أخرج غدا على الرجال من خلاله جسمي. قالت: أولا نصنع لك شيئا رأيته بالحبشة؟ فصنعت النعش. فقالت: سترك الله كما سترتني.
هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة فقال لها: إنه قد نعيت إليه نفسه. فبكت. فقال: ’’لا تبكين فإنك أول أهلي لاحقا بي’’. فضحكت.
إسماعيل القاضي: حدثنا إسحاق الفروي: حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن جعفر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها’’.
غريب: ورواه عبد العزيز الأويسي فخالف الفروي. وروى الحاكم في مستدركه ومحمد بن زهير النسوي هذا، عن أبي سهل بن زياد، عن إسماعيل القاضي.
شعيب، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن المسور أخبره: أن عليا -رضي الله عنه- خطب بنت أبي جهل فلما سمعت فاطمة أتت فقالت: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل. فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته حين تشهد فقال: ’’أما بعد: فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني وإن فاطمة بضعة مني وأنا أكره أن يفتنوها وإنها والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل واحد’’. فترك علي الخطبة.
ورواه الوليد بن كثير: حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة، عن الزهري بنحوه. وفيه: ’’وأنا أتخوف أن تفتن في دينها’’.
ابن إسحاق، عن ابن قسيط، عن محمد بن أسامة، عن أبيه: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: ’’فاطمة’’.
ويروى، عن أسامة بإسناد آخر ولفظه: أي أهل بيتك أحب إليك؟
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمر ببيت فاطمة
ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: ’’الصلاة يا أهل بيت محمد {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
يونس بن أبي إسحاق ومنصور بن أبي الأسود وهذا لفظه: سمعت أبا داود سمعت أبا الحمراء يقول: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول: {إنما يريد الله} الآية.
ومما ينسب إلى فاطمة ولا يصح:
ولها في ’’مسند بقي’’ ثمانية عشر حديثا منها حديث واحد متفق عليه.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 3- ص: 415

فاطمة بنت رسول الله قال الشيخ رحمه الله: ومن ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء فاطمة رضي الله تعالى عنها، السيدة البتول البضعة الشبيهة بالرسول ألوط أولاده بقلبه لصوقا وأولهم بعد وفاته به لحوقا كانت عن الدنيا ومتعتها عازفة، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عارفة وقد قيل: إن التصوف الثبات في الوفاق والبتات للحاق
حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو عوانة، عن فراس بن يحيى، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، رضي الله عنها قالت: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه ما تغادر منا واحدة إذ جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلما رآها قال: «مرحبا بابنتي» فأقعدها عن يمينه، أو عن يساره، ثم سارها بشيء فبكت فقلت لها - أنا - من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيننا بالسرار وأنت تبكين ثم سارها بشيء فضحكت قالت: فقلت لها: أقسمت عليك بحقي أو بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره قالت: فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سألتها فقالت: أما الآن فنعم، أما بكائي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «إن جبريل عليه السلام كان يعرض علي القرآن كل عام مرة فعرض العام مرتين ولا أرى إلا أجلي قد اقترب» فبكيت فقال لي: «اتقي الله واصبري فإني أنا نعم السلف لك» ثم قال: «يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو نساء هذه الأمة» فضحكت رواه جابر الجعفي، عن الشعبي مثله، ورواه جابر عن أبي الطفيل، عن عائشة نحوه، ورواه عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ويحيى بن عباد، عن عائشة نحوه، وروته فاطمة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، عن عائشة نحوه
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أحمد بن يونس، ثنا الليث بن سعد، أنه سمع ابن أبي مليكة يقول: إنه سمع المسور بن مخرمة، يقول أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما فاطمة ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها» رواه عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور ورواه أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير نحوه
حدثنا فاروق الخطابي، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا سليمان بن داود، ثنا عباد بن العوام، ثنا هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله تعالى عنها: «أنت أول أهلي لحوقا بي»
حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي، ثنا يعقوب بن إبراهيم عن عباد بن العوام، ثنا عمرو بن عون، ثنا هشيم، ثنا يونس، عن الحسن، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خير للنساء؟» فلم ندر ما نقول فسار علي إلى فاطمة فأخبرها بذلك فقالت: فهلا قلت له: خير لهن أن لا يرين الرجال ولا يرونهن فرجع فأخبره بذلك فقال له: «من علمك هذا؟» قال: فاطمة قال: «إنها بضعة مني» رواه سعيد بن المسيب، عن علي نحوه
حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، ثنا جدي أبو حصين، ثنا يحيى الحماني، ثنا قيس، عن عبد الله بن عمران، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي، أنه قال لفاطمة: ما خير للنساء قالت: لا يرين الرجال ولا يرونهن، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنما فاطمة بضعة مني»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عباس بن الوليد، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا سعيد الجريري، عن أبي الورد، عن ابن أعبد، قال: قال علي: «يا ابن أعبد ألا أخبرك عني وعن فاطمة كانت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرم أهله عليه وكانت زوجتي فجرت بالرحا حتى أثرت الرحا بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضر»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: «لقد طحنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مجلت يدها وربما أثر قطب الرحا في يدها»
حدثنا فاروق بن عبد الكبير الخطابي، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا إبراهيم بن بشار، ثنا سفيان بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي، ’’ أن فاطمة كانت حاملا، فكانت إذا خبزت أصاب حرف التنور بطنها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال: «لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع أولا أدلك على خير من ذلك؟ إذا أويت إلى فراشك تسبحين الله تعالى ثلاثا وثلاثين وتحمدينه ثلاثا وثلاثين وتكبرينه أربعا وثلاثين»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أمية، ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ’’ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها قال: وكان بينهما شيء فقالت: يا رسول الله سلها فإنها لا تكذب’’
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا علي بن هاشم، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فإنها تشتكي» قلت: بلى قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلم واستأذن فقال: أدخل أنا ومن معي؟ قالت: نعم، ومن معك يا أبتاه فوالله ما علي إلا عباءة فقال لها: «اصنعي بها كذا واصنعي بها كذا» فعلمها كيف تستتر، فقالت: والله ما على رأسي من خمار قال: فأخذ خلق ملاءة كانت عليه فقال: «اختمري بها» ثم أذنت لهما فدخلا فقال: «كيف تجدينك يا بنية؟» قالت: إني لوجعة وإنه ليزيدني في أنه ما لي طعام آكله قال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين» قالت: تقول يا أبت فأين مريم ابنة عمران؟ قال: «تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك أما والله زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة» كذا رواه علي بن هاشم مرسلا، ورواه ناصح أبو عبد الله، عن سماك، عن جابر بن سمرة متصلا
حدثناه محمد بن أحمد، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد المقرئ، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي الكوفي، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، ثنا ناصح أبو عبد الله، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال: «إن فاطمة وجعة» فقال القوم: لو عدناها فقام فمشى حتى انتهى إلى الباب والباب عليها مصفق قال: فنادى: «شدي عليك ثيابك فإن القوم جاءوا يعودونك» فقالت: يا نبي الله ما علي إلا عباءة قال: فأخذ رداءه فرمى به إليها من وراء الباب فقال: «شدي بها رأسك» فدخل ودخل القوم فقعد ساعة فخرجوا فقال القوم: تالله بنت نبينا صلى الله عليه وسلم على هذا الحال قال: فالتفت فقال: «أما إنها سيدة النساء يوم القيامة»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: «توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه بستة أشهر ودفنها علي ليلا»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبد الجبار بن العلاء، ثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي جعفر، قال: ’’ما رأيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يوما أفترت بطرف نابها قال: ومكثت بعده ستة أشهر’’
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن فاطمة، رضي الله عنها ’’ لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب غلاظ خشن فلبستها ومست من الحنوط ثم أمرت عليا أن لا تكشف إذا قبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها فقلت له: هل علمت أحدا فعل ذلك قال: نعم كثير بن العباس وكتب في أطراف أكفانه يشهد كثير بن عباس أن لا إله إلا الله’’
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا محمد بن موسى المخزومي، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر، وعن عمارة بن المهاجر، عن أم جعفر: أن فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم قالت: ’’يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله تعالى عنهما’’

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 2- ص: 39

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 2- ص: 39

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين على أبيها وعليها السلام كانت هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختلف في الصغرى منها، وقد قيل: إن رقية أصغر منها، وليس ذلك عندي بصحيح. وقد ذكرنا في باب رقية ما تبين به صحة ما ذهبنا إليه في ذلك، ومضى في باب زينب وباب خديجة من ذلك ما فيه كفاية.
وقد اضطرب مصعب والزبير في بنات النبي صلى الله عليه وسلم، أيتهن أكبر وأصغر اضطرابا يوجب ألا يلتفت إليه في ذلك. والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار في ترتيب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء والله أعلم.
قال ابن السراج: سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول: ولدت فاطمة رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علي بن أبي طالب بعد وقعة أحد. وقيل: إنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال علي لأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم: اكفي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمة خارجا وسقاية الماء الحاج،
وتكفيك العمل في البيت: العجن والخبز والطحن. قال: أبو عمر: فولدت له الحسن، والحسين، وأم كلثوم، وزينب، ولم يتزوج علي عليها غيرها حتى ماتت.
واختلف في مهره إياها، فروي أنه أمهرها درعه، وأنه لم يكن له في ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء. وقيل: إن عليا تزوج فاطمة رضي الله عنهما على أربعمائة وثمانين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب. وزعم أصحابنا أن الدرع قدمها علي من أجل الدخول بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه في ذلك.
وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير. قال محمد بن علي: بستة أشهر. وقد روي عن ابن شهاب مثله. وروي عنه بثلاثة أشهر. وقال عمرو ابن دينار: توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر. وقال ابن بريدة: عاشت فاطمة بعد أبيها سبعين يوما.
روى الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: حدثتني فاطمة قالت: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي، ونعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت.
ثم قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين ! فضحكت. وروى عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران.
وذكر ابن السراج، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين- أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة، فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله. قال: يا بنية، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين! قالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة. قال: وأخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن سنان أبي فروة، عن عقبة بن يريم، عن أبي ثعلبة الخشني، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه- وذكر تمام الحديث.
وذكر الدراوردي، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون. أخبرنا قاسم بن محمد، قال: حدثنا مخلد بن سعد، قال: حدثنا أحمد بن عمرو، قال: حدثنا ابن سنجر، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا داود بن أبي الفرات، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط، ثم قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثنا بدل بن المحبر، قال: حدثنا.
عبد السلام، قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. وفي باب خديجة نظير هذا وشبهه من وجوه، وقد ذكرناها بطرقها هنالك، فأغني عن إعادتها ها هنا.
وذكر السراج قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر- أنه أخبره عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون. قال: وحدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا عثمان بن عمر، عن إسرائيل، عن ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها، كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم.
قال: وحدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عبادة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن إسحاق السراج، حدثنا الحسن بن يزيد الطحان، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي الجحاف، عن جميع بن عمير، قال: دخلت على عائشة، فسألت أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواما قواما.
قال: وأخبرني إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا شاذان، عن جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي بن أبي طالب.
قال: وأخبرنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن موسى، عن عون ابن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر، وعن عمار بن المهاجر، عن أم جعفر- أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأسماء بنت عميس: يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها. فقالت أسماء: يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة! فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! تعرف به المرأة من الرجال، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي علي أحدا. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي. فشكت إلى أبي بكر، فقالت: إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقد جعلت لها مثل هودج العروس- فجاء أبو بكر، فوقف على الباب، فقال: يا أسماء، ما حملك على أن منعت
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت، وهي حية، فأمرتني أن أصنع ذلك لها. قال أبو بكر: فاصنعي ما أمرتك. ثم انصرف، فغسلها علي وأسماء.
قال أبو عمر: فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها، صنع ذلك بها أيضا.
وماتت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أول أهله لحوقا به، وصلى عليها علي بن أبي طالب. وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس، ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها. وقيل: توفيت فاطمة بعده بخمس وسبعين ليلة. وقيل بستة أشهر إلا ليلتين، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان، وغسلها زوجها علي رضي الله عنه، وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا. وقد قيل: إنه صلى عليها العباس بن عبد المطلب ودخل قبرها هو وعلي والفضل.
واختلف في وقت وفاتها، فقال محمد بن علي أبو جعفر: توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
وروي عنه أيضا أنها لبثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر وقيل: بل ماتت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمائة يوم.
وقال الواقدي: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: وأخبرنا ابن جريج، عن الزهري، عن عروة- أن فاطمة توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. قال محمد بن عمر: وهو أشبه عندنا. قال: وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة.
وذكر عن جعفر بن محمد، قال: كانت كنية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أبيها. وقال عبد الله بن الحارث، وعمرو بن دينار: توفيت بعد أبيها بثمانية أشهر. وقال ابن بريدة: عاشت بعده سبعين يوما. وقال المدائني: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة ولدت قبل النبوة بخمس سنين، صلى عليها العباس رضي الله عنه.
واختلف في سنها وقت وفاتها، فذكر الزبير بن بكار أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن دخل على هشام بن عبد الملك وعنده الكلبي، فقال هشام لعبد الله ابن الحسن: يا أبا محمد، كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السن؟ فقال: ثلاثين سنة. فقال هشام للكلبي: كم بلغت من السن؟ فقال: خمسا وثلاثين سنة. فقال هشام لعبد الله بن الحسن: يا أبا محمد، اسمع، الكلبي يقول ما تسمع، وقد عني بهذا الشأن، فقال عبد الله بن الحسن: يا أمير المؤمنين سلني عن أمي، وسل الكلبي عن أمه.

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 4- ص: 1893

فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. ولدتها وقريش تبني البيت وذلك قبل النبوة بخمس سنين.
[وأخبرنا مسلم بن إبراهيم. حدثنا المنذر بن ثعلبة عن علباء بن أحمر اليشكري أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء. فذكر ذلك أبو بكر لعمر. فقال له عمر: ردك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر: انتظر بها القضاء. فجاء عمر إلى أبي بكر فأخبره. فقال له: ردك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي: اخطب فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطبها فزوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فباع علي بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين. فقال له النبي. ص: اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع].
أخبرنا الفضل بن دكين. حدثنا موسى بن قيس الحضرمي قال: سمعت حجر بن عنبس قال: وقد كان أكل الدم في الجاهلية وشهد مع علي الجمل وصفين:
[قال خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي. ص: هي لك يا علي لست بدجال. يعني لست بكذاب. وذلك أنه قد كان وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر].
أخبرنا وكيع بن الجراح عن عباد بن منصور قال: [سمعت عطاء يقول: خطب علي فاطمة فقال لها رسول الله. ص: إن عليا يذكرك. فسكتت فزوجها].
أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه [عن رجل سمع عليا يقول:
أردت أن أخطب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنته فقلت: والله ما لي من شيء. قال:
وكيف؟ قال: ثم ذكرت صلته وعائدته فخطبتها إليه فقال: وهل عندك شيء؟ قلت: لا. قال: وأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ قال: هي عندي. قال: فأعطها إياها. قال: فأعطاها إياها].
أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا جرير بن حازم. أخبرنا أيوب عن عكرمة [أن عليا خطب فاطمة فقال له النبي. ص: ما تصدقها؟ قال: ما عندي ما أصدقها.
قال: فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك؟ قال: عندي. قال: أصدقها إياها.
قال: فأصدقها وتزوجها. قال عكرمة: كان ثمنها أربعة دراهم].
أخبرنا معن بن عيسى. حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة قال: أمهر علي فاطمة بدنا قيمته أربعة دراهم.
أخبرنا معن بن عيسى. حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: تزوجت فاطمة على بدن من حديد.
أخبرنا وكيع بن الجراح عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة [أن عليا لما تزوج فاطمة فأراد أن يبني بها قال له النبي. ص: قدم شيئا. قال: ما أجد شيئا. قال: فأين درعك الحطمية؟].
أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي. حدثنا عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي. حدثنا عبد الكريم بن سليط عن ابن بريدة عن أبيه قال: [قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة. فأتى رسول الله فسلم عليه. فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ قال: ذكرت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مرحبا وأهلا. لم يزده عليهما. فخرج علي على أولئك الرهط من الأنصار ينظرونه. قالوا: ما وراءك؟
قال: ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا. قالوا: يكفيك من رسول الله إحداهما.
أعطاك الأهل أعطاك المرحب. فلما كان بعد ما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة. فقال سعد: عندي كبش. وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة. فلما كان ليلة البناء قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني. قال: فدعا رسول الله بإناء فتوضأ فيه ثم أفرغه على علي ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما. قال مالك بن إسماعيل: شيء من النسب عندي.]
أخبرنا خالد بن مخلد. حدثني سليمان. [حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال:
أصدق علي فاطمة درعا من حديد وجرد برد].
أخبرنا عارم بن الفضل. حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي حين زوجه فاطمة: أعطها درعك الحطمية].
أخبرنا الحسن بن موسى. حدثنا زهير عن جابر [عن محمد بن علي قال: تزوج علي فاطمة على إهاب شاة وسحق حبرة].
أخبرنا وكيع بن الجراح عن سفيان عن [جابر عن أبي جعفر أن عليا تزوج فاطمة على إهاب كبش وجرد حبرة].
أخبرنا وكيع بن الجراح عن المنذر بن ثعلبة عن علباء بن أحمر اليشكري أن [عليا تزوج فاطمة فباع بعيرا له بثمانين وأربع مائة درهم. فقال النبي. ص: اجعلوا ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب].
أخبرنا أبو أسامة عن مجالد عن عامر قال: [قال علي: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار. وما لي ولها خادم غيرها].
أخبرنا محمد بن الفضل عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: [كان صداق بنات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسائه خمس مائة درهم. اثنتي عشرة أوقية ونصفا].
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن عكرمة قال: [لما زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا فاطمة قال: أعطها شيئا. قال: يا رسول الله ليس عندي شيء. قال: فأين درعك الحطمية؟].
أخبرنا محمد بن عمر. حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال: تزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب بعد مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر. وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشرة سنة.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثني إبراهيم بن شعيب عن يحيى بن شبل [عن أبي جعفر قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة نزل على أبي أيوب سنة أو نحوها.
فلما تزوج علي فاطمة قال لعلي: اطلب منزلا. فطلب علي منزلا فأصابه مستأخرا عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قليلا. فبنى بها فيه فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال: إني أريد أن أحولك إلي. فقالت لرسول الله: فكلم حارثة بن النعمان أن يتحول عني. فقال رسول الله:
قد تحول حارثة عنا حتى قد استحييت منه. فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهي أسقب بيوت بني النجار بك. وإنما أنا وما لي لله ولرسوله. والله يا رسول الله المال الذي تأخذ مني أحب إلي من الذي تدع. فقال رسول الله. ص: صدقت. بارك الله عليك. فحولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت حارثة].
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن محمد بن موسى عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أمه أم جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس قال:
جهزت جدتك فاطمة إلى جدك علي وما كان حشو فراشهما ووسائدهما إلا الليف.
ولقد أولم علي على فاطمة فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته. رهن درعه عند يهودي بشطر شعير.
أخبرنا أنس بن عياض [عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا حين دخل بفاطمة كان فراشهما إهاب كبش إذا أرادا أن يناما قلباه على صوفة ووسادتهما من أدم حشوها ليف].
أخبرنا عبيد الله بن موسى. أخبرنا إسرائيل عن [جابر عن محمد بن علي قال:
كان صداق فاطمة جرد حبرة وإهاب شاة].
أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي يزيد المديني.
وأظنه ذكره عن عكرمة. قال: [لما زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا فاطمة كان فيما جهزت به سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف وتور من أدم وقربة. قال: وجاؤوا ببطحاء فطرحوها في البيت. قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: إذا أتيت بها فلا تقربنها حتى آتيك. قال: وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن امرأته. قال: فلما أتي بها قعدا حينا في ناحية البيت. قال: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتح فخرجت إليه أم أيمن فقال: أثم أخي؟ قالت: وكيف يكون أخوك وقد أنكحته ابنتك؟ قال: فإنه كذلك. ثم قال: أأسماء بنت عميس؟ قالت: نعم. قال: جئت تكرمين بنت رسول الله؟ قالت: نعم. فقال لها خيرا ودعا لها. ودعا رسول الله بماء فأتي به إما في تور وإما في سواه. قال: فمج فيه رسول الله ومسك بيده ثم دعا عليا فنضح من ذلك
الماء على كتفيه وصدره وذراعيه. ثم دعا فاطمة فأقبلت تعثر في ثوبها حياء من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم فعل بها مثل ذلك ثم قال لها: يا فاطمة أما إني ما آليت أن أنكحتك خير أهلي].
أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي. حدثنا عمر بن صالح. حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن [أم أيمن قالت: زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنته فاطمة من علي بن أبي طالب وأمره أن لا يدخل على فاطمة حتى يجيئه. وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن أهله. فجاء رسول الله حتى وقف بالباب وسلم. فاستأذن فأذن له فقال: أثم أخي؟ فقالت أم أيمن: بأبي أنت وأمي يا رسول الله من أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب. قالت: وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟
قال: هو ذاك يا أم أيمن. فدعا بماء في إناء فغسل فيه يديه ثم دعا عليا فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه. ثم دعا فاطمة فجاءت بغير خمار تعثر في ثوبها. ثم نضح عليها من ذلك الماء ثم قال: والله ما ألوت أن زوجتك خير أهلي. وقالت أم أيمن: وليت جهازها فكان فيما جهزتها به مرفقة من أدم حشوها ليف وبطحاء مفروش في بيتها].
أخبرنا موسى بن إسماعيل. حدثنا دارم بن عبد الرحمن بن ثعلبة الحنفي قال:
حدثني رجل أخواله الأنصار قال: أخبرتني جدتي أنها كانت مع النسوة اللاتي أهدين فاطمة إلى علي. قالت: أهديت في بردين من برود الأول عليها دملوجان من فضة مصفران بزعفران. فدخلنا بيت علي فإذا إهاب شاة على دكان ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال: استحل علي فاطمة ببدن من حديد.
أخبرنا هوذة بن خليفة. حدثنا عوف عن عبد الله بن عمرو بن هند قال: [لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي قال له رسول الله: لا تحدث شيئا حتى آتيك.
فلم يلبث رسول الله أن اتبعهما فقام على الباب فاستأذن فدخل. فإذا علي منتبذ منها.
فقال له رسول الله: إني قد علمت أنك تهاب الله ورسوله. فدعا بماء فمضمض ثم أعاده في الإناء ثم نضح به صدرها وصدره].
أخبرنا عفان بن مسلم. حدثنا حماد بن سلمة. أخبرنا عطاء بن السائب عن أبيه
[عن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوجه فاطمة بعث معها بخملة ووسادة أدم حشوها ليف ورحائين وسقاء وجرتين. قال: فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه. فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي. فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما جاء بك يا بنية؟ قالت:
جئت لأسلم عليك. واستحيت أن تسأله ورجعت. فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله. فأتياه جميعا فقال علي: والله يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري. وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد أتى الله بسبي وسعة فاخدمنا. قال: والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم. فرجعا فأتاهما النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رءوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رءوسهما فثارا فقال: مكانكما. ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ فقالا: بلى. فقال: كلمات علمنيهن جبريل تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين.
قال: فو الله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله. فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟
فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق. ولا ليلة صفين].
أخبرنا يزيد بن هارون. أخبرنا جرير بن حازم. حدثنا عمرو بن سعيد قال: [كان في علي على فاطمة شدة. فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله! فانطلقت وانطلق علي بأثرها. فقام حيث يسمع كلامهما. فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها. فقال: يا بنية اسمعي واستمعي واعقلي. إنه لا إمرة بامرأة لا تأتي هوى زوجها وهو ساكت. قال علي: فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله لا آتي شيئا تكرهينه أبدا].
أخبرنا عبيد الله بن موسى. أخبرنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت [قال: كان بين علي وفاطمة كلام. فدخل رسول الله فألقى له مثالا فاضطجع عليه.
فجاءت فاطمة فاضطجعت من جانب. وجاء علي فاضطجع من جانب. فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته ولم يزل حتى أصلح بينهما. ثم خرج. قال فقيل له: دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك. فقال: وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي؟].
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر قال: دخل العباس على علي بن أبي طالب وفاطمة وهي تقول:
أنا أسن منك. فقال العباس: أما أنت يا فاطمة فولدت وقريش تبني الكعبة والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن خمس وثلاثين سنة. وأما أنت يا علي فولدت قبل ذلك بسنوات.
قال محمد بن عمر: وولدت فاطمة لعلي الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب بني علي.
أخبرنا الفضل بن دكين. حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: [كنت جالسة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله. فقال: مرحبا يا بنتي. فأجلسها عن يمينه أو عن يساره. فأسر إليها شيئا فبكت. ثم أسر إليها شيئا فضحكت. قالت قلت: ما رأيت ضحكا أقرب من بكاء. استخصك رسول الله بحديث ثم تبكين؟ قلت: أي شيء أسر إليك رسول الله؟ قالت: ما كنت لأفشي سره. قالت: فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سألتها فقالت: قال: إن جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة. وإنه أتاني العام فعارضني مرتين ولا أظن أجلي إلا قد حضر. ونعم السلف أنا لك. وقال:
أنت أسرع أهلي بي لحوقا قالت: فبكيت لذلك. ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين؟ قالت: فضحكت].
أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج يحدث في مجلسه بالمدينة يقول أطعم رسول الله فاطمة وعليا بخيبر من الشعير والتمر ثلاثمائة وسق. الشعير من ذلك خمسة وثمانون وسقا. لفاطمة من ذلك مائتا وسق.
أخبرنا عبد الله بن نمير. حدثنا إسماعيل عن عامر قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن فقال علي: هذا أبو بكر على الباب فإن شئت أن تأذني له. قالت:
وذلك أحب إليك؟ قال: نعم. فدخل عليها واعتذر إليها وكلمها فرضيت عنه.
أخبرنا يزيد بن هارون. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن علي بن فلان بن أبي رافع عن أبيه عن [سلمى قالت: مرضت فاطمة بنت رسول الله عندنا. فلما كان اليوم الذي توفيت فيه خرج علي. قالت لي: يا أمه اسكبي لي غسلا.
فسكبت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل. ثم قالت: ائتيني بثيابي الجدد. فأتيتها بها فلبستها ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت. فجعلته فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة ثم قالت لي: يا أمه إني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن أحد لي كتفا.
قالت: فماتت. فجاء علي فأخبرته فقال: لا والله لا يكشف لها أحد كتفا. فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك].
أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب. حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن موسى أن علي بن أبي طالب غسل فاطمة.
[أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه. فقال لها أبو بكر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث. ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة وعاشت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة أشهر].
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن الزهري قال: عاشت فاطمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشهر.
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن [أبي جعفر قال: ستة أشهر].
أخبرنا محمد بن عمر. حدثني ابن جريج عن عمرو بن دينار عن [أبي جعفر قال:
توفيت فاطمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر].
أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة أن فاطمة توفيت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر.
قال محمد بن عمر وهو الثبت عندنا: وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها.
أخبرنا محمد بن عمر. أخبرنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: فاطمة أول من جعل لها النعش. عملته لها أسماء بنت عميس. وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: صلى العباس بن
عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: نزل في حفرة فاطمة العباس وعلي والفضل.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثنا معمر عن الزهري عن عروة أن عليا صلى على فاطمة.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثنا قيس بن الربيع عن مجالد عن الشعبي قال: صلى عليها أبو بكر. رضي الله عنه وعنها.
أخبرنا شبابة بن سوار. حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن حماد عن إبراهيم قال: صلى أبو بكر الصديق على فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر عليها أربعا.
أخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري. حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن عبد الله عن الزهري قال: دفنت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا ودفنها علي.
أخبرنا أنس بن عياض. حدثنا يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب قال: دفنت فاطمة ليلا. دفنها علي.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي. حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة أن عليا دفن فاطمة ليلا.
أخبرنا عبيد الله بن موسى ووكيع قالا: حدثنا إسرائيل عن [جابر عن محمد بن علي قال: دفنت فاطمة ليلا].
أخبرنا وكيع عن موسى بن علي عن بعض أصحابه أن فاطمة دفنت ليلا.
أخبرنا عمر بن سعد أبو داود الحفري عن سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن عليا دفن فاطمة ليلا.
أخبرنا محمد بن مصعب. حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد أن فاطمة دفنت ليلا.
أخبرنا محمد بن عمر. حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن [علي بن حسين قال: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفناها بليل بعد هدأة
قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي].
أخبرنا محمد بن عمر قال: سألت عبد الرحمن بن أبي الموالي قال: قلت: إن الناس يقولون إن قبر فاطمة عند المسجد الذي يصلون على جنائزهم بالبقيع. فقال: والله ما ذاك إلا مسجد رقية. يعني امرأة عمرته. وما دفنت فاطمة إلا في زاوية دار عقيل مما يلي دار الجحشيين مستقبل خرجة بني نبيه من بني عبد الدار بالبقيع وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع.
أخبرنا محمد بن عمر. أخبرنا عبد الله بن جعفر. حدثني عبد الله بن حسن قال:
وجدت المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حر شديد فقلت: ما يوقفك يا أبا هاشم هاهنا؟ قال: انتظرتك. بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في دار عقيل مما يلي دار الجحشيين فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ.
أدفن فيها. فقال عبد الله: والله لأفعلن. فجهد بالعقيليين فأبوا. قال عبد الله بن جعفر:
وما رأيت أحدا يشك أن قبرها في ذلك الموضع.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 8- ص: 16

فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم المناسبة
يقال إنها وقفت على قبر أبيها, وقالت: (من البسيط)

المناسبة
ونسب إليها قولها: (من الكامل)
المناسبة
وقالت فاطمة ترثي أباها خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم: (من الكامل)

  • المكتبة الأهلية - بيروت-ط 1( 1934) , ج: 1- ص: 165

فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم
أم أبيها روى عنها ابنها الحسين وعائشة وأنس ومناقبها مشهورة ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر قالت عائشة بستة أشهر قلت وذلك في رمضان سنة 11 عن خمس وعشرين سنة ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1

فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم أم أبيها

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 30

فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمها خديجة بنت خويلد بن أسد تقدم ذكرنا لها توفيت بعد أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وصلى عليها على ولم يؤذن بها أحدا ودفنها ليلاً وهي بنت إحدى وعشرين سنة

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1

فاطمة بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو مسلم ثنا أبي أملاه على إملاء من حفظه في جمادى الأولى سنة ثنتين وخمسين ومائتين قال فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وكرم وجهها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ودفنها على بن أبي طالب رضي الله عنه ليلاً وغسلها وصلى عليها

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية المكية، المدنية:
أم أبيها، كانت هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف في الصغرى منهما، وقد قيل: إن رقية أصغرهما، وليس ذلك عندي بصحيح، والذي تسكن إليه النفس، على ما تواترت به الأخبار، في ترتيب بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم، أن زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة. والله أعلم.
قال ابن السراج: سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي، يقول: ولدت فاطمة رضي الله عنها عام إحدى وأربعين، من مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنكح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد وقعة أحد. وقيل. إنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وسن على رضي الله عنه يومئذ إحدى وعشرون سنة وخمسة أشهر.
قال أبو عمر: فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج على رضي الله عنه عليها غيرها حتى ماتت.
واختلف في مهره إياها رضي الله عنها، فروى أنه أمهرها درعه، وأنه لم يكن له ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء. وقيل: إن عليا رضي الله عنه تزوج فاطمة على أربعمائة وثمانين درهما، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب.
وزعم أصحابنا أن الدرع قدمها على رضي الله عنه من أجل الدخول بأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم إياه بذلك.
وتوفيت رضي الله عنها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر، قال ابن بريدة: عاشت رضي الله عنها بعد أبيها سبعين يوما.
وروى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدرى، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران».
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة رضي الله عنها، إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم.
وروى الدراوردي، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيدة نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة بنت محمد، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون» .
قال: وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة.
وذكر عن جعفر بن محمد، قال: كان كنية فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أم أبيها.
وقال المدائني: ماتت ليلة الثلاثاء، لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة، ولدت قبل النبوة بخمس سنين، صلى عليها العباس رضي الله عنه.
واختلف في سنها وقت وفاتها، رضي الله عنها، فذكر الزبير بن بكار أن عبد الله ابن حسن بن حسن دخل على هشام بن عبد الملك، وعنده الكلبي، فقال هشام لعبد الله بن حسن: يا أبا محمد، كم بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السن؟ فقال:
ثلاثين سنة، فقال هشام للكلبي: كم بلغت من السن؟ قال: خمسا وثلاثين سنة، فقال هشام لعبد الله بن حسن: أسمع، الكلبي يقول ما تسمع، وقد عني بهذا الشأن.
فقال عبد الله بن حسن: يا أمير المؤمنين، سلنى عن أمى، وسل الكلبي عن أمه.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 6- ص: 1