عويف الفزاري عويف القوافي: هو عويف بن معاوية الفزاري، وإنما قيل له عويف القوافي، لبيت قاله، وهو:
سأكذب من قد كان يزعم أنني | إذا قلت قولا لا أجيد القوافيا |
وكان شاعرا من ساكني الكوفة، وبيته أحد البيوتات الفاخرة في العرب، وأولها بيت آل حذيفة الفزاري، ومنهم: عويف القوافي، وبيت قيس، وبيت آل زرارة الدارمي، وبيت آل ذي الجدين بن عبد الله بن همام بيت شيبان، وبيت بني الديان من بني الحارث بن كعب بيت اليمن.
فأما كندة فلا يعدون من أهل البيوتات إنما كانوا ملوكا، فهؤلاء خمسة.
قال كسرى للنعمان: هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة؟.
فقال نعم. قال: بأي شيء؟
قال: من كانت له ثلاثة آباء متوالية رؤساء، ثم اتصل ذلك بكمال الرابع، فالبيت من قبيلته فيه.
وقف عويف على مجلس في مسجد، وفيه جرير بن عبد الله، فقال:
أصيب على بجيلة من شقاها | هجائي حين أدركني المشيب |
فقال له جرير: ألا أشتري منك أعراض بجيلة؟
قال: بلى.
قال: بكم.
قال: بألف درهم وبرذون.
فأمر له بما طلب، فقال:
لولا جرير هلكت بجليه | نعم الفتى وبئس القبيله |
فقال له جرير: ما أراهم نجوا منك بعد.
ودخل عويف على الوليد، وقد أذن للشعراء، فكان أول من بدر بين يديه عويف، فاستأذنه في الإنشاد.
فقال: وما قلت في بعد ما قلت لأخي بني زهرة.
قال: وما قلت له مع ما قلت لأمير المؤمنين.
قال: ألست الذي قال:
ياطلح أنت أخو الندى وحليفه | إن الندى من بعد طلحة ماتا |
إن الثناء إليك أطلق رحله | فبحيث بت من المنازل باتا |
أولست الذي يقول:
إذا ما جاء يومك يا ابن عوف | فلا جادت على الأرض السماء |
ولا سار العزيز بغنم جيش | ولا حملت على الطهر النساء |
تساقى الناس بعدك يا ابن عوف | ذريع الموت ليس له شفاء |
والله لا أسمع منك شيئا، ولا أنفعك بنافعة أبدا، أخرجوه عني.
فقال له: القرشيون والشاميون: وما الذي أعطاك حين استخرج هذا منك؟
فقال: لقد أعطاني غيره أكثر من عطيته، ولكن لا والله ما أعطاني أحد قط أحلى في قلبي ولا أبقى شكرا ولا أجدر ألا أنساها ما عرفت الصلاة من عطيته، فإني قدمت المدينة ومعي بضيعة لي لا تساوي عشرة دنانير، أريد أن أبتاع قعودا من قعدان الصدقة، فإذا برجل بصحن السوق على طنفسة قد طرحت له، وإذا الناس حوله، وإذا بين يديه إبل معقولة، فظننت أنه عامل السوق، فسلمت عليه، فأثبتني، وجهلته، فقلت له: يرحمك الله، هل أنت معيني ببصرك على قعود من هذه القعدان تبتاعه لي، فقال: نعم، أو معك ثمنه؟
قلت: نعم. وأعطيته بضيعتي فألقاها تحت الطنفسة ومكث طويلا ثم قمت إليه، وقلت: إني يرحمك الله انظر في حاجتي.
فقال: ما منعني منك إلا النسيان أمعك حبل؟
قلت: نعم.
فقال: هكذا فأخرجوا فأخرجوا عنه حتى استقبل الإبل التي بين يديه، فقال: اقرن هذه، وهذه وهذه، وأمر لي بثلاثين بكرة (أدنى بكرة منها- ولا دنية فيها- خير من بضاعتي)، ثم رفع الطنفسة، وقال: شأنك ببضاعتك، فاستعن بها على من ترجع إليه.
فقلت: يرحمك الله، أتدري ما تقول؟
فما بقي عنده إلا من نهرني، ثم بعث معي نفرا، فأطردوها حتى أطلعوها من رأس الثنية، فو الله لا أنساه ما دمت حيا أبدا.
وسأل عويف في حمالة فمر به عبد الرحمن بن محمد بن مروان، وهو حديث السن، فقال له: لا تسل أحدا، وصر إلي أكفك.
فأتاه فأحملها أجمع. فقال يمدحه:
غلام رماه الله بالخير يافعا | له سيمياء لا تشق على البصر |
كأن الثريا علقت في جبينه | وفي حده الشعرى وفي جيده القمر |
ولما رأى المجد استعيرت ثيابه | تردى رداء واسع الذيل واتزر |
إذا قيلت العوراء أغضى كأنه | ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر |
رآني فآساني ولو صد لم ألم | على حين لا باد يرجى ولا حضر |