سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبوية: إمام النحاة، وأول من بسط علم النحو. ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة، فلزم الخليل بن أحمد بن ففاقة. وصنف كتابه المسمى (كتاب سيبويه- ط) في النحو، لم يصنع قبله ولا بعده مثله. ورحل إلى بغداد، فناظر الكسائي. وأجازه الرشيد بعشرة آلاف درهم. وعاد إلى الأهواز فتوفى بها، وقيل: وفاته وقبره بشيراز. وكانت في لسانه حبسة. و (سيبويه) بالفارسية رائحة التفاح. وكان أنيقا جميلا، توفى شابا. وفي مكان وفاته والسنة التي مات بها خلاف. ولأحمد أحمد بدوي (سيبويه، حياته وكتابه- ط) ولعلي النجدي ناصف (سيبويه إمام النحاة- ط).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 81

سيبويه النحوي إمام النحاة اسمه عمرو بن عثمان. يأتي ذكره في حرف العين في مكانه.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0

سيبويه النحوي عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بشر، سيبويه البصري، إمام أئمة النحو.
طلب الفقه، والحديث، ثم طلب العربية، فساد فيها أهل زمانه، وصنف فيها كتابه الكبير، الذي لم يصنف بعده مثله.
وأخذ كتاب ’’الجامع’’ عن مؤلفه عيسى بن عمر، وأخذ عن يونس بن حبيب، وأبي الخطاب الأخفش الكبير، وصحب الخليل بن أحمد مدة، ووفد إلى بغداد على يحيى البرمكي فجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة بحضور سعيد بن مسعدة الأخفش، والفراء، والأحمر، فلما جلس قال له الكسائي:
كيف تقول يا بصري: خرجت فإذا زيد قائم.
قال: خرجت وإذا زيد قائم.
قال: فيجوز أن تقول: خرجت فإذا زيد قائما.
قال: لا.
قال الكسائي: فكيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب؟
فقال الكسائي: لحنت وخطأه الجميع.
وقال الكسائي: العرب ترفع ذلك كله وتنصبه.
ورفع سيبويه قوله.
فقال يحيى: قد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما. وهذا موضع مشكل.
فقال الكسائي: هذا العرب ببابك، قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم المصرين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت وأمر بإحضارهم فدخلوا وفيهم أبو فقعس، وأبو دثار، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بينهما فتابعوا الكسائي، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل؟ فانصرف المجلس على سيبويه، وأعطاه يحيى عشرة آلاف درهم وصرفه، فخرج وصرف وجهه تلقاء فارس، وأقام هناك حتى مات غما بالذرب، ولم يلبث إلا يسيرا ولم يعد إلى البصرة
وإذا قيل لها: طيري
قالت: أنا جمل، وهذا من المحال.
لأنهم إذا أعملوها عمل ’’وجدت’’ طالبناهم بفاعل ومفعولين ولا سبيل لهم إلى إيجاد ذلك.
وإن أعملوها عمل الظروف لزمهم رفع اسم واحد، وبقي المنصوب بلا ناصب إلا أن يرجعوا إلى الحق، وقد مضى ذكره.
وإن كان قولهم: فإذا هو إياها محفوظا عن العرب، فهو من الشاذ الذي لا يعرج عليه.
وقد حكى أبو زيد الأنصاري: قد كنت أظن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها، فإما أن يكون سيبويه قد بلغته هذه اللغة، فلم يقبلها، ولا عرج عليها، لأنه ليس كل من سمع منه أهلا عنده للقبول منه، والحمل عليه، ألا ترى أنهم قد حكوا أن من العرب من ينصب ب ’’لم’’ وبجزم ب ’’لن’’ و’’كي’’ حكى ذلك اللحياني، وليس ذلك مما يلتفت إليه، ومثل ذلك في الشذوذ خفض بعض العرب ب ’’لعل’’ وحكوا:
#لعل أبي المغوار منك قريب لم يلتفت سيبويه إلى مثل هذا ولا حكاه، والكوفيون حكوه وقاسوا عليه، وقد طول السخاوي الكلام في هذا، وحكى المجلس من أوله إلى آخره، وما دار بينهم وبين سيبويه من المسائل.
قال: ولم أسمع في هذه المسألة أحسن من قول الكندي - رحمه الله تعالى-: المعاني لا تنصب المفاعيل الصريحة ولا أبلغ.
قلت: ولا خفاء على ذي البصيرة أنهم تعصبوا على سيبويه لأنه غريب، والكسائي قح بلده ومؤدب أولاد أمير المؤمنين، وله الوجاهة بذلك عند الوزير، وأرباب الدولة.
وقيل: إن الأعراب الذين شهدوا للسكائي من أعراب الحطمية، الذين كان الكسائي يقوم بهم، ويأخذ عنهم.
ولم تطل مدة سيبويه بعد ذلك، ومات بشيراز سنة ثمانين ومائة.
قال الخطيب: إن عمره كان اثنتين وثلاثين سنة.
ويقال: إنه نيف على الأربعين سنة وهو الصحيح، لأنه روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه: إحدى وثلاثون سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغا.
وقال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:

وسيبويه لقب له ومعناه: رائحة التفاح. يقال: كانت أمه ترقصه بذلك.
قال ياقوت: ورأيت ابن خالويه قد اشتق له غير ذلك فقال: كان سيبويه لا يزال من يلقاه يشم منه رائحة الطيب فسمي سيبويه، ومعنى سي: ثلاثون، وبويه: الرائحة، وكأنه رأى ثلاثين رائحة الطيب، ولم أر أحدا قال ذلك غير ابن خالويه. وكان الخليل إذا رأى سيبويه قال: مرحبا بزائر لا يمل.
ولما مات سيبويه قيل ليونس بن حبيب: إن سيبويه قد ألف كتابا في ألف ورقة من علم الخليل.
قال يونس: ومتى سمع سيبويه هذا كله من الخليل، جيئوني بكتابه، فلما رآه ونظر فيه رأى كل ما حكاه. فقال: يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل في جميع ما حكاه كما صدق فيما حكاه عني. وقال صاعد بن أحمد الحياني: من أهل الأندلس في كتابه قال: لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: ’’المجسطي’’ لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني ’’كتاب أرسططاليس’’ في علم المنطق، والثالث: ’’كتاب سيبويه’’ البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له. وكان إذا أراد إنسان قراءة ’’كتاب سيبويه’’ على المبرد يقول له: أركبت البحر تعظيما واستصعابا.
قلت: ولشهاب الدين التلعفري قصيدة في هذه المادة والوزن والروي، وهي:
وقال السليمان قصيدة في كل بيت نوع من البديع وهي:
’’الجناس اللفظي’’
’’الجناس الخطى’’
’’الطباق’’
’’الاستعارة’’
’’المقابلة’’
’’التفسير’’
’’الإشارة’’
’’الإرداف’’
’’المماثلة’’
’’الغلو’’
’’الكناية’’
’’رد العجز على الصدر’’
’’التضاد’’
’’الترصيع’’
’’الإيغال’’
’’الترشيح’’
’’رد العجز على الصدر’’
’’التتميم والتكميل’’
’’الالتفات’’
’’الاعتراض’’
’’الرجوع’’
’’تجاهل العارف’’
’’الاستطراد’’
’’جمع المؤتلف والمختلف’’
’’السلب والإيجاب’’
’’الاستثناء’’
’’المذهب الكلامي’’
’’التشطير’’

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 23- ص: 0

عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ويقال أبو الحسن، وأبو بشر أشهر، مولى بني الحارث بن كعب ثم مولى آل الربيع بن زياد الحارثي. وسيبويه لقب ومعناه رائحة التفاح، يقال كانت أمه ترقصه بذلك في صغره، ورأيت ابن خالويه قد اشتق له غير ذلك فقال: كان سيبويه لا يزال من يلقاه يشم منه رائحة الطيب فسمي سيبويه، ومعنى سي ثلاثون وبوي الرائحة، فكأنه رأى ثلاثين رائحة طيب، ولم أر أحدا قال ذلك غير ابن خالويه. وأصله من البيضاء من أرض فارس ومنشأه البصرة. مات فيما ذكره ابن قانع بالبصرة سنة احدى وستين ومائة وقال المرزباني: مات بشيراز سنة ثمانين ومائة، وذكر الخطيب أن عمره كان اثنتين وثلاثين سنة، ويقال إنه نيف على الأربعين سنة، وهو الصحيح، لأنه قد روى عن عيسى بن عمر، وعيسى بن عمر مات سنة تسع وأربعين ومائة، فمن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه إحدى وثلاثون سنة، وما يكون قد أخذ عنه إلا وهو يعقل، ولا يعقل حتى يكون بالغا، والله أعلم.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب في «أماليه»: قدم سيبويه العراق في أيام الرشيد وهو ابن نيف وثلاثين سنة، وتوفي وعمره نيف وأربعون سنة بفارس. قال الأصمعي:
قرأت على قبر سيبويه بشيراز هذه الأبيات، وهي لسليمان بن يزيد العدوي:

وأخذ سيبويه النحو والأدب عن الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر.
نقلت من خط أبي سعد السمعاني مما انتخبه من «طبقات أهل فارس وشيراز» تأليف الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز الشيرازي القصار: بشير بن سعيد، وقيل عمرو بن عثمان بن قنبر، يكنى أبا بشر سيبويه النحوي عن الخليل بن أحمد، وهو من الحارث بن كعب، مات وكان على مظالم فارس، وقبره في شيراز، لم يزد في ترجمته على هذا. وورد بغداد وناظر بها الكسائي وتعصبوا عليه وجعلوا للعرب جعلا حتى وافقوه على خلافه، ولذلك قصة ذكرت فيما بعد.
وكان سبب طلب سيبويه النحو ما ذكرناه في أخبار حماد بن سلمة. وحدث أبو عبيدة قال: لما مات سيبويه قيل ليونس بن حبيب إن سيبويه قد ألف كتابا في ألف ورقة من علم الخليل، قال يونس: ومتى سمع سيبويه هذا كله من الخليل؟ جيئوني بكتابه، فلما نظر فيه رأى كل ما حكى، فقال: يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل في جميع ما حكاه كما صدق فيما حكاه عني.
وذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في كتابه قال: لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب: أحدها المجسطي لبطلميوس في علم هيئة الأفلاك، والثاني كتاب ارسطا طاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه الكتب الثلاثة لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له.
وكان إذا أراد إنسان قراءة كتاب سيبويه على المبرد يقول له: أركبت البحر، تعظيما واستصعابا.
وحدث محمد بن سلام قال: كان سيبويه جالسا في حلقته بالبصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قتادة، فذكر حديثا غريبا وقال: لم يرو هذا إلا سعيد بن أبي العروبة، فقال بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟ فقال: هكذا يقال لأن العروبة هي الجمعة، ومن قال ابن عروبة فقد أخطأ، قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس فقال: أصاب لله دره.
وحدث ابن النطاح قال: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال الخليل: مرحبا بزائر لا يمل قال أبو عمر المخزومي وكان كثير المجالسة للخليل: وما سمعت الخليل يقولها لغيره. قال: وكان شابا جميلا نظيفا.
وحدث أحمد بن معاوية بن بكر العليمي قال: ذكر سيبويه عند أبي فقال:
عمرو بن عثمان، قد رأيته، وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبت من حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حبسة، ونظرت في كتابه فرأيت علمه أبلغ من لسانه.
وحدث أبو الحسن سعيد بن مسعدة والمبرد وثعلب وجمعت بين أقاويلهم وحذفت التكرار قالوا: قدم سيبويه إلى العراق على يحيى بن خالد البرمكي فسأله عن خبره فقال: جئت لتجمع بيني وبين الكسائي فقال: لا تفعل فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها ومؤدب ولد أمير المؤمنين وكل من في المصر له ومعه، فأبى إلا أن يجمع بينهما، فعرف الرشيد خبره فأمره بالجمع بينهما، فوعده بيوم، فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده إلى دار الرشيد فوجد الفراء والأحمر وهشام بن معاوية ومحمد بن سعدان قد سبقوه، فسأله الأحمر عن مائة مسألة، فما أجابه عنها بجواب إلا قال: أخطأت يا بصري، فوجم سيبويه وقال: هذا سوء أدب، ووافى الكسائي وقد شق أمره عليه، ومعه خلق كثير من العرب، فلما جلس قال له: يا بصري كيف تقول خرجت وإذا زيد قائم، قال: خرجت وإذا زيد قائم، قال: فيجوز أن تقول خرجت فاذا زيد قائما؟ قال: لا، قال الكسائي: فكيف تقول قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها، فقال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب، فقال الكسائي: لحنت، وخطأه الجميع. وقال الكسائي: العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، ودفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن يحكم بينكما؟ وهذا موضع مشكل، فقال الكسائي: هذه العرب ببابك قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة والبصرة منهم، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فقعس وأبو دثار وأبو ثروان فسئلوا عن المسائل التي جرت بينهما، فتابعوا الكسائي، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل، فانصرف المجلس على سيبويه، وأعطاه يحيى عشرة آلاف درهم وصرفه، فخرج وصرف وجهه تلقاء فارس وأقام هناك حتى مات غما بالذرب، ولم يلبث إلا يسيرا ولم يعد إلى البصرة.
قال أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش: وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب كما قال سيبويه وهو: فإذا هو هي، أي فإذا هو مثلها وهذا موضع رفع وليس بموضع نصب. فإن قال قائل: فأنت تقول خرجت فإذا زيد قائم وقائما، فتنصب قائما، فلم لم يجز فإذا هو إياها لأن إيا للمنصوب وهي للمرفوع، والجواب في هذا أن قائما انتصب على الحال وهو نكرة، وإيا مع ما بعدها مما أضيفت اليه معرفة، والحال لا تكون إلا نكرة فبطل إياها ولم يكن إلا هي وهو خبر الابتداء، وخبر الابتداء يكون معرفة ونكرة، والحال لا يكون إلا نكرة، فكيف تقع إياها وهي معرفة في موضع ما لا يكون إلا نكرة وهذا موضع الرفع؟ وقد قال أصحاب سيبويه: الأعراب الذين شهدوا للكسائي من أعراب الحطمة الذين كان الكسائي يقوم بهم ويأخذ عنهم.
ولما مرض سيبويه مرضه الذي مات فيه جعل يجود بنفسه ويقول:
قالوا: ولما اعتل سيبويه وضع رأسه في حجر أخيه فبكى أخوه لما رآه لما به، فقطرت من عينه قطرة على وجه سيبويه، ففتح عينه فرآه يبكي فقال:
وحدث أبو الطيب اللغوي عن أبي عمر الزاهد قال، قال ثعلب يوما في مجلسه: مات الفراء وتحت رأسه كتاب سيبويه، فعارضه أبو موسى الحامض بما قد كتبناه في أخباره .
وحدث محمد بن عبد الملك التاريخي فيما رواه عن ثعلب عن محمد بن سلام قال: حدثني الأخفش أنه قرأ كتاب سيبويه على الكسائي في جمعة فوهب له سبعين دينارا، قال: وكان الكسائي يقول لي: هذا الحرف لم أسمعه فاكتبه لي، فأفعل. قال: وكان الأخفش يؤدب ولد الكسائي؛ قال التاريخي: فكأن الجاحظ سمع هذا الخبر فقال، مما يعدده من فخر أهل البصرة على أهل الكوفة: وهؤلاء يأتونكم بفلان وفلان وبسيبويه الذي اعتمدتم على كتبه وجحدتم فضله.
وحدث التاريخي أيضا وهارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال هارون:
دخل الجاحظ على أبي وقد افتصد فقال له: أدام الله صحتك، ووصل غبطتك، ولا سلبك نعمتك، قال: ما أهديت لي يا أبا عثمان؟ قال: أطرف شيء، كتاب سيبويه بخط الكسائي وعرض الفراء.
وقال التاريخي، قال الجاحظ: أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك ففكرت في شيء أهديه له فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه، وقلت له: أردت أن أهدي لك شيئا ففكرت فإذا كل شيء عندك، فلم أر أشرف من هذا الكتاب، وهذا كتاب اشتريته من ميراث الفراء، قال: والله ما أهديت إلي شيئا أحب إلي منه.
وحدث التاريخي عن المبرد عن الزراري أبي زيد قال: قال رجل لسماك بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان، فضحك الرجل، فقال السماك:
ويلك أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان.
وحدث عن المبرد عن المازني عن الجرمي قال: في كتاب سيبويه ألف وخمسون بيتا سألت عنها فعرف ألف ولم تعرف خمسون.
وحدثت عن النظام أنه دخل على سيبويه في مرضه فقال له: كيف تجدك أبا بشر؟ قال: أجدني ترحل العافية عني بانتقال، وأجد الداء يخامرني بحلول، غير أني وجدت الراحة منذ البارحة. قلت: فما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أشتهي؛ فلما كان من بعد ذلك اليوم دخلت إليه وأخوه يبكي وقد قطرت من دموعه على خده، فقلت: كيف تجدك؟ فقال:
قال النظام: ثم مات من يومه.
وحدث أبو حاتم السجستاني قال: دخلت على الأصمعي في مرضه الذي مات فيه فسألته عن خبره ثم قلت: كم سنة مضى من عمرك؟ فقال: لا أدري، ولكني أحدثك، كنت شابا مقتبلا فتزوجت فولد لي وولد لأولادي وأنا حي، ثم أنشد:
فقلت له: في نفسي شيء أريد أن أسألك عنه، قال: سل، فقلت: حدثني بما جرى بينك وبين سيبويه من المناظرة، فقال: والله لولا أني لا أرجو الحياة من مرضتي هذه ما حدثتك: إنه عرض علي شيء من الأبيات التي وضعها سيبويه في كتابه، ففسرتها على خلاف ما فسره، فبلغ ذلك سيبويه، فبلغني أنه قال: لا ناظرته إلا في المسجد الجامع، فصليت يوما في الجامع ثم خرجت فتلقاني في المسجد فقال لي: اجلس يا أبا سعيد، ما الذي أنكرت من بيت كذا وبيت كذا، ولم فسرت على خلاف ما يجب؟ فقلت له: ما فسرت إلا على ما يجب، والذي فسرته أنت ووضعته خطأ، تسألني وأجيب. ورفعت صوتي فسمع العامة فصاحتي ونظروا إلى لكنته، فقالوا: غلب الأصمعي سيبويه، فسرني ذلك فقال لي: إذا علمت أنت يا أصمعي ما نزل بك مني لم ألتفت إلى قول هؤلاء، ونفض يده في وجهي ومضى. ثم قال الأصمعي: يا بني فو الله لقد نزل بي منه شيء وددت أني لم أتكلم في شيء من العلم.
وعن أبي عثمان المازني قال، حدثني الأخفش قال: حضرت مجلس الخليل، فجاءه سيبويه فسأله عن مسألة وفسرها له الخليل فلم أفهم ما قالا، فقمت وجلست له في الطريق فقلت له: جعلني الله فداءك، سألت الخليل عن مسألة فلم أفهم ما رد عليك ففهمنيه، فأخبرني بها فلم تقع لي ولا فهمتها، فقلت له: لا تتوهم أني أسألك إعناتا فاني لم أفهمها ولم تقع لي، فقال لي: ويلك ومتى توهمت أنني أتوهم أنك تعنتني، ثم زجرني وتركني ومضى.
وحدث المازني قال، قال الأخفش: كنت عند يونس فقيل له: قد أقبل سيبويه، فقال: أعوذ بالله منه. قال: فجاء فسأله فقال: كيف تقول مررت به المسكين؟ فقال جائز أن أجره على البدل من الهاء، قال فقال له: فمررت به المسكين على معنى المسكين مررت به، فقال: هذا خطأ لأن المضمر قبل الظاهر.
قال فقال له: إن الخليل أجاز ذلك وأنشد فيها أبياتا، فقال: هو خطأ، فغمني ذلك، قال: فمررت به المسكين، فقال: جائز فقال: على أي شيء ينصب؟ فقال: على الحال، فقال سيبويه: أليس أنت أخبرتني أن الحال لا تكون بالألف واللام؟ فقال له: صدقت، ثم قال لسيبويه، فما قال صاحبك فيه، يعني الخليل؟ فقال سيبويه:
قال لي إنه ينصب على الترخيم، فقال: ما أحسن هذا، ورأيته مغموما بقوله نصبته على الحال.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2122

سيبويه إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي، ثم البصري.
وقد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه.
استملى على حماد بن سلمة، وأخذ النحو عن: عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل، وأبي الخطاب الأخفش الكبير.
وقد جمع يحيى البرمكي ببغداد بينه وبين الكسائي للمناظرة، بحضور سعيد الأخفش، والفراء، وجرت مسألة الزنبور، وهي كذب: أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة، فإذا هو إياها. فقال سيبويه: ليس المثل كذا، بل: فإذا هو هي. وتشاجرا طويلا، وتعصبوا للكسائي دونه، ثم وصله يحيى بعشرة آلاف، فسار إلى بلاد فارس، فاتفق موته بشيراز، فيما قيل.
وكان قد قصد الأمير طلحة بن طاهر الخزاعي.
وقيل: كان فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته، وانطلاق في قلمه.
قال إبراهيم الحربي: سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين، بديع الحسن.
قال أبو زيد الأنصاري: كان سيبويه يأتي مجلسي، وله ذؤابتان، فإذا قال: حدثني من أثق به، فإنما يعنيني.
وقال العيشي: كنا نجلس مع سيبويه في المسجد، وكان شابا جميلا، نظيفا، قد تعلق من كل علم بسبب، وضرب بسهم في كل أدب مع حداثة سنه.
وقيل: عاش اثنتين وثلاثين سنة. وقيل: نحو الأربعين. قيل: مات سنة ثمانين ومائة، وهو أصح. وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 346

سيبويهٍ عمرو بن عثمان بن قنبر
يكنى أبا بشر، مولى لبني الحارث.
ولد بقرية من قرى شيراز، يقال لها البيضاء.
وقد البصرة يكتب الحديث، فلزم حلقة حماد بن سلمة،
فاستملى منه يوماً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ’’ ليس أحد من أصحابي إلا لو شئت أخذت عليه، ليس أبا الدرداء ’’، فقال سيبويهٍ: ليس أبو الدرداء.
فقال له أبو حماد: لحنت يا سيبويهٍ، ليس هذا حيث ذهبت، ’’ ليس ’’ استثناء.
فقال: سأطلب علما لا تلحنني فيه. فلزم الخليل.
وروى عبيد الله بن معاذ، قال: جاء سيبويهٍ إلى حماد فقال: أحدثك هشام عن أبيه، في رجل رعف في الصلاة فانصرف.
فقال له: أخطأت، إنما هو ’’ رعف ’’.
فانصرف إلى الخليل، فسأله، فقال: صدق حماد.
قال المخزومي، وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعته يقول: مرحباً بزائرٍ لا يمل. إلا لسيبويه.
وقال النطاح: كنت عند الخليل يوماً، فأقبل سيبويهٍ، فقال الخليل: مرحباً بزائرٍ لا يمل.
وقال ابن عائشة: كنا نجلس عند سيبويهٍ النحوي في المسجد -
يعني مسجد البصرة - وكان شابا جميلاً لطيفاً، قد تعلق من كل علم بسبب، مع براعته في النحو، فبينما نحن عنده ذات يوم، هبت ريح أطارت ورقا كان بين يديه، فقال أهل الحلقة: انظر أي ريح هي؟ فقام لذلك، وكان على منارة المسجد مثال فرس من صفر: ثم عاد، فقال ما تثبت الفرس على شيء.
فقال سيبويهٍ: العرب تقول في مثل هذا: تذاءب الريح، أي فعلت فعل الذئب، يجيء من هاهنا وهاهنا، تختل ليتوهم الناظر أنه عدة ذئاب.
وقال ابن سلام في ’’ كتابه ’’: كنت جالسا في حلقة سيبويهٍ، في مسجد البصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قتادة، فذكر حديثا غريبا،
وقال: لم يرو هذا إلا سعيد بن أبي العروبة.
فقال بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟
فقال: هكذا؛ لأن العروبة الجمعة، ومن قال: عروبة فقد أخطأ.
قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس، فقال: صدق، لله دره.
وقال أحمد بن معاوية بن بكر العليمي: سمعت أبي يقول:
سيبويهٍ أثبت من أخذ من الخليل، وكانت فيه حبسة، كان علمه أبلغ من لسانه.
وروى عن أبي زيد، قال: كان سيبويهٍ يأتي مجلسي، فإذا سمعته أو وجدته يقول: حدثني الثقة، أو من أثق به. فإياي يعني.
وقال سعيد الأخفش: كان يعرض علي ما يعمل من كتابه، وكان أعلم مني، وأنا اليوم أعلم منه.
قال القاضي أبو المحاسن: ما كنت أستحب لسعيد أن يقول ذلك، لأنه يتعرض لقول الشاعر:

ويروى بالشين معجمة.
وقال الأخر:
وروى محمد بن حسن الزبيدي، قال: قال العسكري: سيبويهٍ اسم فارسي، فالسي ثلاثون، وبويه رائحة، كأنه في المعنى ثلاثون رائحة:
وقرأت على أبي محمد بن مسعر، رحمه الله تعالى، من خطه: قال أبو القاسم الزجاجي: اخبرنا علي بن سليمان الأخفش، قال حدثنا ثعلب، قال: حدثني سلمة، قال: قال الفراء: قدم سيبويهٍ على البرامكة، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يوماً، فلما حضر تقدمت أنا والأحمر، فدخلنا، فإذا بمثال في صدر المجلس، فقعد عليه، ومعه إلى جانب المثال جعفر والفضل، ومن حضر بحضورهم.
قال: وحضر سيبويهٍ، فأقبل عليه الأحمر، فسأله عن مسألة، فأجاب فيها سيبويهٍ.
فأقبل عليه الأحمر، فقال: أخطأت.
ثم سأله عن ثانية، فأجاب فيها.
فقال الأحمر: أخطأت.
ثم سأله عن ثالثة، فأجابه فيها.
فقال له: أخطأت.
فقال سيبويهٍ: هذا سوء أدب.
قال الفراء: فأقبلت عليه، فقلت: إن ي هذا الرجل حدة وعجلة، ولكن ما تقول فيمن قال: هؤلاء أبون. ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك من وأيت وأويت.
فقدر، فأخطأ.
فقلت: أعد النظر.
فقدر، فأخطأ.
فقلت: أعد النظر. ثلاث مرات، ولا يصيب.
فلما كثر ذلك عليه، قال: لست أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، حتى أناظره.
فحضر الكسائي، فأقبل على سيبويهٍ، فقال: تسألني أو أسألك؟
فقال: بل سلني أنت.
فأقبل عليه الكسائي، فقال: كيف تقول: ’’ كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها ’’؟
فقال سيبويهٍ: فإذا هو هي. ولا يجوز النصب.
فقال له الكسائي: لحنت.
ثم سأله عن مسائل من هذا النحو: خرجت فإذا عبد الله القائم والقائم.
فقال سيبويهٍ: ذلك كله بالرفع دون النصب.
فقال الكسائي: ليس هذا كلام العرب، ترفع ذلك وتنصبه.
فدفع سيبويهٍ قوله.
فقال يحيى بن خالد: فقد اختلفتما، وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما؟
فقال له الكسائي: هذه العرب ببابكم قد اجتمعت من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل
المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم، فيحضرون ويسألون.
قال يحيى وجعفر: قد أنصفت.
وأمر بإحضارهم، فدخلوا، وفيهم أبو فقعس، وأبو ثروان، وأبو الجراح، وأبو زياد، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله.
فأقبل يحيى على سيبويهٍ، وقال له: قد تسمع أيها الرجل؟
فاستكان سيبويهٍ.
فأقبل الكسائي على يحيى، وقال له: أصلح الله الوزير، إنه قد وفد عليك من بلده مؤملاً، فإن رأيت أن لا ترده خائباً.
فأمر له بعشرة آلاف درهم.
فخرج، وصير وجهه إلى فارس، فأقام هنالك، ولم يعد إلى البصرة.
قال ثعلب: إنما أدخل العماد في هذا لأن ’’ فإذا ’’ مفاجأة، أي
فوجدته ورأيته، ووجدت ورأيت تنصب شيئين، فلذلك نصب العرب، انتهى الخبر.
قال أبو القاسم: ونقول في ذلك: أما حكاية الفراء عن الأحمر عن المسائل، وأنه قد أجاب، فقد شهد بإجابته، فلا يلتفت إلى قوله: أخطأت، وأيضاً فلم يذكر المسائل والجواب ليعلم وجه الخطأ من الصواب، وهذا كلام أبي القاسم ومعناه.
قلت: فكذلك الجواب عن قول الفراء، كيف يقول على مذهب من قال: ’’هؤلاء أبون’’ و ’’رأيت أبين’’ مثله من وأيت وأويت. قد كان يجب أن يكون ذكر تقديره الذي أخطأ فيه ثلاثاً، ليعلم خطأ أم صواب، كما ذكر جوابه عن مسألة الكسائي، وهو الذي لا يجوز عند أحد من البصريين غير ما قال، فهم أيضا يرونه صوابا، وإنما يجيزن النصب في قولهم ’’كنت أظن الزنبور أشد لسعة من العقرب، فإذا هو هي’’، فيقولون: ’’فإذا هو إياها’’، يأتون بالكناية عن المنصوب، وأراهم إنما حملوا ذلك على إجازتهم الحال أن يكون معرفة.
وليس هذا الكتاب مما ينبغي أن يذكر فيه بطلان قولهم في الحال.
وأما قول الفراء لسيبويه: كيف تقول على مذهب من قال ’’هؤلاء أبون’’ من وأى وأوى، فإن الجواب عنه: أن مثال ’’أب’’ في الأصل فعل، فإذا بنيت مثاله من ’’وأى’’ كان على مثال الفعل الماضي منه، وكذلك ’’أوى’’ فيخرج جمعه إلى باب جمع مصطفى، فإذا جمعت ’’أوى’’ جمع السلامة، قلت في الرفع: ’’هؤلاء أوون’’ كما تقول: ’’مصطفون’’. و ’’رأيت أوين’’ مثل ’’مصطفين’’، والواو فيه فاء والهمزة العين واللام ياء.
وسها الزجاج في قوله: وإن كانت واواً فلن تصح؛ لأن الواو لم يجئ منها مثال سلس، وهو نقل في الياء.
وأما ’’أوى’’ فالهمزة فاء، والواو عين، والياء لام، ولا يجوز أن تكون واواً، وإن كان قد جاء ’’فوه’’ و ’’جوه’’: لأنها لو كانت كذلك ليسن على غير هذا البناء، فيه مثل قولك ’’أبون’’، في الرفع أوون، وفي النصب والجر أوين، والقياس واحد.
ولو جمعت اسم رجل عصا لقلت: ’’ عصون ’’ في الرفع، وفي النصب والجر: ’’ عصين ’’.
وهذا لا أعلم فيه اختلافا بين البصريين، وليس أحد ممن يعرف هذا العلم دون معرفة سيبويهٍ يقصر عن الجواب عن ما ذكره الفراء.
وأقول: إن الفراء سامه أن يبني على مذهبه في هذه الأسماء؛ لأنه يراها معربة من مكانين، فيرى ضمة الباء إعراباً، والواو إعراباً، وهذا ما لا يقوله البصريون، وهي أسماء خرجت عن القاس، نقصتها العرب، وصححت ما هو مثلها، أو سمته معتلا.
وأبو عثمان المازني وحده يذهب إلى أن الباء في قولك ’’ أبوك ’’ الحرف الذي يقع عليه الإعراب، بمنزلة دال ’’ زيد ’’، وأن الواو في الرفع إشباع الضمة، وكذلك يقول في الياء والألف.
وسيبويه يرى أن الواو في قولك: ’’ أبوك ’’ وسائر أخواته، هي حرف الإعراب، وأن ما قبلها من الحركة تابع لها، يجعل الحركة في الباء بمنزلة وحركة راء ’’ هذا امرؤ ’’، وكذلك في النصب والجر.
وقد وافقته على هذا الأخفش، وروي عنه، أعني الأخفش، أنه جعلها، أعني الواو، دليل الإعراب، كواو الجمع.
وقرأت على أبي، رحمه الله، من حدثك الحسين بن خالويه، قال: حدثنا عمران بن الفضل، قال: دخل إبراهيم النظام على سيبويهٍ في مرضه، فقال: كيف تجدك يا أبا بشر؟ قال: أجدني ترحل عني العافية بانتقال، وأجد الداء يخامرني بحلول، غير أني قد وجدت الراحة منذ البارحة.
قلت: فتشتهي شيء؟
قال: لا، ولكن أشتهي أن أشتهي.
فلما كان من غد ذلك اليوم، دخلت إليه وأخوه يبكي، وقد قطرت دمعة من دموعه على خده، فقلت كيف تجدك؟ فقال:
يروى برفع الداء ونصبه.
وكذلك قول الآخر، أنشده الأخفش مجروراً:
قال النظام: ثم مات من يومه.
وتوفي بشيراز، سنة ثمانين ومائة.
قال الأصمعي: قرأت على قبر سيبويهٍ بشيراز: هذا قبر سيبويهٍ. وعليه مكتوب هذه الأبيات:
ويروى أنه أنشد عند موته، عند بكاء أخيه:
أخيين كنا فرق الدهر بينناإلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهرا
ذكر الذين أخذ عنهم سيبويهٍ:
الخليل صاحبه الذي استكثر منه، وإذا قال في كتابه: ’’ سألته ’’ بغير تسمية المسؤول، فإنما يعني الخليل دون غيره.
ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وأبو الخطاب الأخفش.
هؤلاء أخذ عنهم، يقول في ’’ الكتاب ’’: حدثنا أبو الخطاب. وأخرى يقول: حدثنا بذلك عن العرب عيسى يونس. ويذكر رواية يونس عن أبي عمرو ابن العلاء.
وعيسى بن عمر توفي قبل أبي عمرو بخمس سنين، ولست أعلم
لأي حال لم يلق أبا عمرو، ويدل على ما ذكرته من وفاته، على خلاف ما يذكر العامة من عمره، أنه قد بلغ خمسين سنة.
ويروى عن يونس أنه أنكر على سيبويهٍ شيئا، فقيل له: إنه قد روى عنك، فأنظر فيما روى.
قال: فنظر في ’’ كتابه ’’ فقال: صدق والله في جمع ما حكى عني.
وتوفي سيبويهٍ، رحمه الله، بعد منصرفه من بغداد، سنة ثمانين ومائة، وعمره على ما أوجبه التأمل والتقريب خمسون سنة، وذلك لأنه
قد روى عن عيسى بن عمر، يقول: أخبرني عيسى. في غير موضع من ’’ الكتاب ’’، ولا اختلاف في التواريخ أن عيسى بن عمر توفي سنة تسع وأربعين ومائة، فينبغي أن يكون سمع عنه وهو ابن تسع عشرة، وما زاد عليها.
وليس قول من قال عمره ثلاثون سنة بشيء، هذا محال لا يلتفت إليه، ولا يعول عليه، لأنه على غير تأمل ولا معرفة.

  • هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - مصر-ط 2( 1992) , ج: 1- ص: 90

عمرو بن عثمان بن قنبر
مولى بني الحارث بن كعب، أبو بشر، ويقال: أبو الحسن.
وقال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب الألقاب: إن اسم سيبويه بشر بن سعيد. وهو غريب، والمشهور عمرو. وسيبويه، بالفارسية: رائحة التفاح أخذ النحو عن الخليل ولازمه، وعن عيسى بن عمر الثقفي، ويونس، وغيرهم، واللغة عن أبي الخطاب الأخفش ووضع كتابه المنسوب إليه، الذي طار طائره في الآفاق، ويقال: إنه أخذ كتاب عيسى بن عمر المسمى بالجامع، فبسطه وحشى عليه من كلام الخليل وغيره، فلما كمل نسبه إليه.
وعن محمد بن جعفر التميمي قال: كان سيبويه أولا يصحب الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملي على حماد بن سلمة، فاستملى يوما قوله صلى الله عليه وسلم: ’’ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه، ليس أبا الدرداء’’، فقال سيبويه: ’’أبو الدرداء’’، وظنه اسم ليس، فلحنه حماد، فأنف من ذلك، ولازم الخليل، وكان من بيضاء شيراز ونشأ بالبصرة.
وحكايته مع الكسائي في مسألة العقرب مشهورة.
وشرح علماء العربية كتابه، فشرحه من المشارقة ابن السراج في سبعة أسفار، ومبرمان في عشرة، والرماني في سبعين، والمهلبي في عدة أجزاء، وابن ولاد في أجزاء كثيرة، والسيرافي في أجزاء كثيرة ولابنه يوسف شرح لأبياته، ولأبي على الفارسي حاشيتان، إحداهما في ثلاثة أسفار، والأخرى في سفر وله عليه كتاب سماه المسائل المشروحة، وله: التصرفات على كتاب سيبويه، وللنحاس شرح الديباجة والأبيات، وللجرمي شرح اللغات، في سفر، وللمبرد رد على سيبويه في كتابه، ولابن ولاد كتاب الانتصار، رد على المبرد، وللأخفش سعيد بن مسعدة عليه حواش، ولأبي عثمان المازني عليه حواش، وللرماني عليه كتاب صغير سماه الأعراض.
ولأهل الأندلس عليه شروح. فمن ذلك مجلد لأبي نصر هارون بن جندل، ولأبي الحسن بن سيده شرح، كذا ذكره في المحكم، ولأبي الحجاج الأعلم شرح، وله شرح الأبيات، ولأبي الحسن بن الأخضر عليه حواش، ولأبي عبد الله بن أبي ركب الخشني شرح في عدة أسفار، ولأبي الحسين بن الطراوة كتاب سماه المقدمات، ولأبي بكر طاهر الخدب كتاب سماه بالطرر، ولابن هود من تلاميذه عليه حواش ولابن خروف شرح معروف وللشلوبين شرح، وللخفاف السجلماسي، شرح، ولأبي بكر بن يحيى الجذامي شرح، ولأبي عبد الله الخزرجي عليه تعليقه، ولأبي القاسم الصفار شرح، ولابن فتوح شرح، ولأبي إسحاق بن غالب شرح، ولأبي العباس بن الحاج شرح، ولابن الضائع شرح، جمع فيه بين شرحي السيرافي وابن خروف. ولما تعصب عليه الكسائي خرج مغضبا يريد طلحة بن طاهر بخراسان،
فلما وصل ساوة مرض هناك مرض الموت، فتمثل بقول من قال:

ورثاه الزمخشري بقوله:
توفي سنة ثمانين ومائة بشيراز في أيام الرشيد، على أن في سنة موته اختلافا كثيرا

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 49

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 221