أبو محجن الثقفي عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف: أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام. أسلم سنة 9 هـ ، وروى عدة أحاديث. وكان منهمكا في شرب النبيذ، فحده عمر مرارا، ثم نفاه إلى جزيرة بالبحر. فهرب، ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية يحارب الفرس، فكتب إليه عمر أن يحبسه، فحبسه سعد عنده. واشتد القتال في أحد أيام القادسية، فالتمس أبو محجن من امرأة سعد (سلمى) أن تحل قيده، وعاهدها أن يعود إلى القيد إن سلم، وأنشد أبياتا في ذلك، فخلت سبيله، فقاتل قتالا عجيبا، ورجع بعد المعركة إلى قيده وسجنه. فحدثت سلمى سعدا بخبره، فأطلقه وقال له: لن أحدك أبدا. فترك النبيذ وقال: كنت آنف أن أتركه من أجل الحد !. وتوفى بأذربيجان أو بجرجان. وبعض شعره مجموع في (ديوان- ط) صغير.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 76

أبو محجن الثقفي (ب د ع) أبو محجن الثقفي، واسمه: عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف الثقفي. وقيل: اسمه مالك بن حبيب. وقيل: عبد الله ابن حبيب. وقيل: اسمه كنيته.
أسلم حين أسلمت ثقيف سنة تسع في رمضان. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه أبو سعيد البقال أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وجور الأئمة. وكان أبو محجن شاعرا حسن الشعر، ومن الشجعان المشهورين بالشجاعة في الجاهلية والإسلام. وكان كريما جوادا، إلا أنه كان منهمكا في الشرب، لا يتركه خوف حد ولا لوم.
وجلده عمر مرارا، سبعا أو ثمانيا، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلا فهرب منه، ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية يحارب الفرس، فكتب عمر إلى سعد ليحبسه، فحبسه. فلما كان بعض أيام القادسية واشتد القتال بين الفريقين، سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد البلقاء، وعاهدها أنه إن سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة عليه. فلم تفعل، فقال

فلما سمعت سلمى امرأة سعد ذلك، رقت له فخلت سبيله، وأعطته الفرس، فقاتل قتالا عظيما، وكان يكبر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفا منكرا.
فعجب الناس منه، وهم لا يعرفونه، ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال ولم يقدر على الركوب لجراح كانت به وضربان من عرق النسا، فقال: لولا أن أبا محجن محبوس لقلت: «هذا أبو محجن، وهذه البلقاء تحته». فلما تراجع الناس عن القتال، عاد إلى القصر وأدخل رجليه في القيد، فأعلمت سلمى سعدا خبر أبي محجن، فأطلقه وقال: اذهب لا أحدك أبدا. فتاب أبو محجن حينئذ، وقال: كنت آنف أن أتركها من أجل الحد.
قيل: إن ابنا لأبي محجن دخل على معاوية، فقال له: أبوك الذي يقول:
فقال ابن أبي محجن: لو شئت لقلت أحسن من هذا من شعره. قال: وما ذاك؟ قال: قوله:
فقال معاوية: لئن كنا أسأنا القول لنحسنن الصفد. وأجزل جائزته. وقال: إذا ولدت النساء فلتلدن مثلك.
وقيل: إن ابن سعد قال: إن أبا محجن مات بأذربيجان، وقيل: بجرجان.
أخرجه الثلاثة.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 1393

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 6- ص: 271

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 5- ص: 276

عبد الله بن حبيب قيل هو اسم أبي محجن الثقفي. يأتي في الكنى.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 47

أبو محجن الثقفي الشاعر المشهور، مختلف في اسمه، فقيل: هو عمرو بن جبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف. وقيل اسمه كنيته، وكنيته أبو عبيد. وقيل: اسمه مالك. وقيل اسمه عبد الله. وأمه كنود بنت عبد الله بن عبد شمس.
قال أبو أحمد الحاكم: له صحبة، قال. ويخيل إلي أنه صاحب سعد بن أبي وقاص الذي أتى به إليه وهو سكران، فإن يكن هو فإن اسمه مالك
ثم ساق من طريق أبي سعد البقال، عن أبي محجن، قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخاف على أمتي من بعدي ثلاثة: تكذيب بالقدر، وتصديق بالنجوم»، وذكر الثالثة.
وأخرجه أبو نعيم من هذا الوجه، فقال في الثالثة: وحيف الأئمة.
وأبو سعد ضعيف، ولم يدرك أبا محجن.
وقال أبو أحمد الحاكم: الدليل على أن اسمه مالك ما حدثنا أبو العباس الثقفي، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا عمرو بن المهاجر، عن إبراهيم بن محمد ابن سعد، عن أبيه، قال: لما كان يوم القادسية أتى سعد بأبي محجن وهو سكران من الخمر، فأمر به فقيد، وكان بسعد جراحة فاستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، وصعد سعد فوق البيت لينظر ما يصنع الناس، فجعل أبو محجن يتمثل:

ثم قال لامرأة سعد، وهي بنت خصفة: ويلك! خليني فلك الله علي إن سلمت أن أجيء حتى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتم مني، فخلته، ووثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ الرمح، وانطلق حتى أتى الناس، فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم الله، فجعل الناس يقولون: هذا ملك، وسعد ينظر. فجعل يقول: الضبر ضبر البلقاء، والطفر طفر أبي محجن، وأبو محجن في القيد.
فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد، فأخبرت بنت خصفة سعدا بالذي كان من أمره، فقال: لا والله لا أحد اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم. قال: فخلى سبيله. فقال أبو محجن: لقد كنت أشربها إذ كان يقام علي الحد أطهر منها، فأما إذا بهرجتني فو الله لا أشربها أبدا.
قلت: استدل أبو أحمد- رحمة الله- بأن اسمه مالك بما وقع في هذه القصة من قول
الناس: هذا ملك، وليس هذا نصا فيما أراد، بل الظاهر أنهم ظنوه ملكا من الملائكة، ويؤيد هذا الظاهر أن أبا بكر بن أبي شيبة أخرج هذه القصة عن أبي معاوية بهذا السند، وفيها أنهم ظنوه ملكا من الملائكة، وقوله في القصة: الضبر ضبر البلقاء: هو بالضاد المعجمة والباء الموحدة: عدو الفرس. ومن قال بالصاد المهملة فقد صحف. نبه على ذلك ابن فتحون في أوهام الاستيعاب.
واسم امرأة سعد المذكورة سلمى، ذكر ذلك سيف في الفتوح، وسماها أبو عمر أيضا، وساق القصة مطولة، وزاد في الشعر أبياتا أخرى، وفي القصة: فقاتل قتالا عظيما، وكان يكبر ويحمل، فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفا منكرا، فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه.
وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح، عن ابن سيرين: كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون... فذكر القصة بنحو ما تقدم، لكن لم يذكر قول المسلمين: هذا ملك، بل فيه: إن سعدا قال: لولا أني تركت أبا محجن في القيد لظننتها بعض شمائبه، وقال في آخر القصة: فقال: لا أجلدك في الخمر أبدا، فقال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا، قد كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم، فلم يشربها بعد.
وذكر المدائني، عن إبراهيم بن حكيم، عن عاصم بن عروة- أن عمر غرب أبا محجن، وكان يدمن الخمر، فأمر أبا جهراء البصري ورجلا آخر- أن يحملاه في البحر، فيقال: إنه هرب منهما، وأتى العراق أيام القادسية.
وذكر أبو عمر نحوه، وزاد أن عمر كتب إلى سعد بأن يحسبه فحبسه.
وذكر ابن الأعرابي، عن ابن دأب- أن أبا محجن هوى امرأة من الأنصار يقال لها شموس، فحاول النظر إليها فلم يقدر فآجر نفسه من بناء يبني بيتا بجانب منزلها، فأشرف عليها من كوة فأنشد:
فاستعدى زوجها عمر، فنفاه، وبعث معه رجلا يقال له أبو جهراء كان أبو بكر يستعين به... فذكر القصة، وفيها: أن أبا جهراء رأى من أبي محجن سيفا فهرب منه إلى عمر، فكتب عمر إلى سعد يأمره بسجنه، فسجنه... فذكر قصته في القتل في القادسية.
وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج: بلغني أن عمر بن الخطاب حد أبا محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي في الخمر سبع مرات.
وقيل: دخل أبو محجن على عمر فظنه قد شرب، فقال: استنكهوه، فقال أبو محجن: هذا التجسس الذي نهيت عنه، فتركه.
وذكر ابن الأعرابي، عن الفضل الضبي، قال: قال أبو محجن في تركه شرب الخمر:
وذكر ابن الكلبي، عن عوانة قال، دخل عبيد بن أبي محجن على عبد الملك بن مروان، فقال: أبوك الذي يقول:
فذكر قصته.
وأوردها ابن الأثير بلفظ: قيل إن ابنا لأبي محجن دخل على معاوية فقال له: أبوك الذي يقول... فذكر البيت، وبعده:
قال: لو شئت لقلت أحسن من هذا من شعره. قال: وما ذاك؟ قال قوله:
فقال معاوية: لئن كنا أسأنا القول لنحسنن الفعل، وأجزل صلته.
وقد عاب ابن فتحون أبا عمر على ما ذكره في قصة أبي محجن إنه كان منهمكا في الشراب، فقال: كان يكفيه ذكر حده عليه، والسكوت عنه أليق، والأولى في أمره ما أخرجه سيف في الفتوح أن امرأة سعد سألته فيم حبس؟ فقال: والله ما حبست على حرام أكلته ولا شربته، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية فند كثيرا على لساني وصفها، فحبسني بذلك، فأعلمت بذلك سعدا، فقال: اذهب، فما أنا بمؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله.
قلت: سيف ضعيف، والروايات التي ذكرناها أقوى وأشهر.
وأنكر آبن فتحون قول من روى أن سعدا أبطل عنه الحد، وقال: لا يظن هذا بسعد، ثم قال: لكن له وجه حسن ولم يذكره، وكأنه أراد أن سعدا أراد بقوله: لا يجلده في الخمر بشرط أضمره، وهو إن ثبت عليه أنه شربها، فوفقه الله أن تاب توبة نصوحا، فلم يعد إليها كما في بقية القصة، قال: قيل إن أبا محجن مات بأذربيجان وقيل بجرجان.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 298

أبو محجن الثقفي عبد الله بن حبيب؛ أبو محجن الثقفي. كان فارسا، شاعرا من معاقري الخمر. أقام عليه عمر الحد مرات ولم ينته؛ فنفاه إلى جزيرة في البحر يقال لها حضوضى وبعث معه حرسيا؛ فهرب منه على ساحل البحر، ولحق بسعد بن أبي وقاص وقال:

فبلغ عمر خبره، فكتب إلى سعد فحبسه فلما كان يوم قس الناطف والتحم القتال سأل أبو محجن امرأة سعد أن تعطيه فرس سعد وتحل قيده ليقاتل المشركين؛ فإن استشهد فلا تبعة عليه، وإن سلم عاد حتى يضع في رجله القيد. فأعطته الفرس وحلت قيده وخلت سبيله وعاهدها على الوفاء فقاتل فأبلى بلاء حسنا إلى الليل ثم عاد إلى محبسه وقال:
فقالت له سلمى امرأة سعد: يا أبا محجن في أي شيء حبسك هذا الرجل؟ فقال: أما والله ما حبسني لحرام أكلته ولا شربته ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا امرؤ شاعر يدب الشعر على لساني فأنفثه أحيانا فحبسني لقولي:
فأتت سعدا وخبرته خبر أبي محجن فدعا به وأطلقه وقال: إذهب فلست مؤاخذك بشيء تقوله حتى تفعله! فقال: لا جرم والله لا أجيب بلساني إلى صفة قبيح أبدا. وهو القائل:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

أبو محجن الثقفي الشاعر اسمه عبد الله بن حبيب.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0

أبو محجن الثقفي اختلف في اسمه، فقيل: اسمه مالك بن حبيب.
وقيل عبد الله بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة ابن عوف بن قسي- وهو ثقيف- الثقفي. وقيل اسمه كنيته. أسلم حين أسلمت ثقيف، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه. حدث عنه أبو سعد البقال، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي ثلاث: إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف الأئمة. وكان أبو محجن هذا من الشجعان الأبطال في الجاهلية والإسلام، من أولي البأس والنجدة ومن الفرسان البهم، وكان شاعرا مطبوعا كريما، إلا أنه كان منهمكا في الشراب، لا يكاد يقلع عنه، ولا يردعه حد ولا لوم لائم، وكان أبو بكر الصديق يستعين به، وجلده عمر بن الخطاب في الخمر مرارا، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلا، فهرب منه ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، وهو محارب للفرس، وكان قد هم بقتل الرجل الذي بعثه معه عمر، فأحس الرجل بذلك، فخرج فارا فلحق بعمر فأخبره خبره، فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص بحبس أبي محجن، فحبسه. فلما كان؟ يوم قس الناطف بالقادسية، والتحم القتال، سأل أبو محجن امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد،
وعاهدها أنه إن سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة عليه، فخلت سبيله، وأعطته الفرس، فقاتل أيام القادسية. وأبلى فيها بلاء حسنا، ثم عاد إلى محبسه.
وكانت بالقادسية أيام مشهورة، منها يوم قس الناطف، ومنها يوم أرماث، ويوم أغواث، ويوم الكتائب، وغيرها. وكانت قصة أبي محجن في يوم منها، ويومئذ قال:

حدثنا خلف بن سعد، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب حد أبا محجن بن حبيب بن عمير الثقفي في الخمر سبع مرات.
وقال قبيصة بن ذؤيب: ضرب عمر بن الخطاب أبا محجن الثقفي في الخمر ثماني مرات وذكر ذلك عبد الرزاق في باب من حد من الصحابة في الخمر، قال: وأخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون فكأنه رأى أن المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أم ولد سعد- أو إلى امرأة سعد- يقول لها: إن أبا محجن يقول لك: إن خليت سبيله وحملته على هذا الفرس، ودفعت إليه سلاحا ليكونن أول من يرجع إليك إلا أن يقتل، وأنشأ يقول:
فذهبت الأخرى فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدار، وأعطى سلاحا، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فجعل منه يتعجب ويقول: من ذلك الفارس؟ فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى هزمهم الله ورد السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان، فجاء سعد، فقالت له امرأته- أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، ويقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق، لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبي محجن. فقالت: والله إنه لا بو محجن، كان من أمره كذا وكذا ... فقصت عليه قصته، فدعا به، وحل قيوده، وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبدا. قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم. قال: فلم يشربها بعد ذلك.
وروى ابن الأعرابي، عن المفضل الضبي، قال: قال أبو محجن في تركه الخمر:
وأنشد غيره هذه الأبيات لقيس بن عاصم.
ومن رواية أهل الأخبار أن ابنا لأبي محجن الثقفي دخل على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:
فقال له ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره، فقال: وما ذاك؟ قال: قوله:
وزاد بعضهم في هذه الأبيات:
فقال له معاوية: لئن كنا أسأنا القول لنحسنن لك الصفد، وأجزل جائزته. وقال: إذا ولدت النساء فلتلدن مثلك. وزعم هيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن الثقفي بأذربيجان- أو قال في نواحي جرجان، وقد نبتت عليه ثلاثة أصول كرم، وقد طالت وأنمرت، وهي معروشة على قبره، ومكتوب على القبر: هذا قبر أبي محجن الثقفي. قال: فجعلت أتعجب، وأذكر قوله: إذا مت فادفني إلى جنب كرمة- وذكر البيت.
حدثنا أحمد بن عبد الله. قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: لما كان يوم القادسية أتي سعد بأبي محجن وهو سكران من الخمر، فأمر به إلى القيد، وكان سعد به جراحة فلم يخرج يومئذ على الناس، واستعمل على الخيل خالد بن عرفطة، ورفع سعد فوق العذيب لينظر إلى الناس، فلما التقى الناس قال أبو محجن:
فقال لابنة خصفة امرأة سعد: ويحك حليني ولك عهد الله علي إن سلمني الله أن أجيء حتى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتم مني، فخلته فوثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ الرمح، ثم انطلق حتى أتى الناس فجعل لا يحمل في ناحية إلا هزمهم، فجعل الناس يقولون: هذا ملك، وسعد ينظر، فجعل سعد يقول: الضبر ضبر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، وأبو محجن في القيد. فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد، فأخبرت ابنة خصفة سعدا بالذي كان من أمره، فقال: والله ما أبلى أحد من المسلمين ما أبلى في هذا اليوم، لا أضرب رجلا أبلى في المسلمين ما أبلى. قال: فخلى سبيله. قال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها، فأما إذ بهرجتني فو الله لا أشربها أبدا

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 4- ص: 1746

أبو محجن الثقفي:
اختلف في اسمه، فقيل: اسمه مالك بن حبيب وقيل عبد الله بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسى، وهو ثقيف، النفقى. وقيل: اسمه كنيته. أسلم حين أسلمت ثقيف، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه. حدث عنه أبو سعد البقال.
وكان أبو محجن هذا من الشجعان الأبطال، في الجاهلية والإسلام، ومن الفرسان إلبهم. وكان شاعرا، وأنه كان متهما في الشراب.
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستعين به، وجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الخمر مرارا، ونفاه إلى جزيرة في البحر، وبعث معه رجلا فهرب منه، ولحق سعد بن أبي وقاص الله عنه بالقادسية وهو محارب للفرس، وكان قد هم بقتل الرجل الذي بعثه معه عمر رضي الله عنه، فأحس الرجل بذلك وخرج هاربا، فلحق بعمر رضي الله عنه، فأخبره خبره، فكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما يحبس أبي محجن فحبسه، فلما كان يوم الناطف بالقادسية والتحم القتال، سأل أبو محجن رضي الله عنه امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرس سعد، وعاهدها أنه إن سلم عاد إلى حاله من القيد والسجن، وإن استشهد فلا تبعة عليه، فخلت سبيله، وأعطته الفرس، فقاتل وأبلى بلاء حسنا، ثم عاد إلى محبسه.
وكانت بالقادسية أيام مشهورة، منها الناطف، ومنها يوم أرماث ويوم أغواث، ويوم الكتائب وغيرها.
وكانت قصة أبي محجن في يوم الناطف، ويومئذ قال.
وأخبرنا معمر، عن أيوب قال: كان أبو محجن الثقفي لا يزال يجلد في الخمر فلما كثر عليهم سجنوه
وأوثقوه، فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون، فكأنه رأي أن
المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أم ولد سعد، أو إلى امرأة سعد، يقول لها: إن أبا محجن يقول لك: إن خليت سبيله وحملته على هذا الفرس، ودفعت إليه سلاحا ليكونن أول من يرجع إليك إلا أن يقتل، وأنشأ يقول:

فذهبت الأخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلت عنه قيوده، وحمل على فرس كان في الدار، وأعطى سلاحا.
ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رحل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد، وجعل يتعجب ويقول: من ذلك الفارس؟ .
قال: فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى هزمهم الله تعالى، ورجع أبو محجن ورد السلاح، وجعل رجليه في القيود، كما كان، فجاء سعد فقالت له امرأته وأم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها، وجعل يقول: لقينا ولقينا، حتى بعث الله تعالى رجلا على فرس أبلق، لولا أنى تركت أبا محجن في القيود لطننت أنها بعض شمائل أبي محجن.
فقالت: والله إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا. فقصت عليه قصته، فدعا به، وحل عنه قيوده وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبدا، قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم.
قال: فلم يشربها بعد ذلك.
وزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأي قبر أبي محجن الثقفي بأذربيجان، أو قال: في نواحى جرجان، وقد نبتت عليه ثلاثة أصول كرم، وقد طالت وأثمرت، وهي معرشة على قبره، مكتوب على القبر: هذا قبر أبي محجن، قال: فجعلت أتعجب، وأذكر قوله:
إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة
وذكر البيت.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 6- ص: 1