الجاحظ عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة. مولده ووفاته في البصرة. فلج في آخر عمره. وكان مشوه الخلقة. ومات والكتاب على صدره. قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه. له تصانيف كثيرة، منها (الحيوان- ط) أربعة مجلدات، و (البيان والتبيين- ط) و (سحر البيان- خ) و (التاج- ط) ويسمى أخلاق الملوك، و (البخلاء- ط) و (المحاسن والأضداد- ط) و (التبصر بالتجارة- ط) رسالة نشرت في مجلة المجمع العلمي العربي، و (مجموع رسائل- ط) اشتمل على أربع، هي: المعاد والمعاش، وكتمان السر وحفظ اللسان، والجد والهزل، والحسد والعداوة. وله (ذم القواد- ط) رسالة صغيرة، و (تنبيه الملوك- خ) في 440 ورقة، و (الدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير- ط) و (فضائل الأتراك- ط) و (العرافة والفراسة- خ) و (الربيع والخريف- ط) و (الحنين إلى الأوطان- ط) رسالة. و (النبي والمتنبي) و (مسائل القرآن) و (العبر والاعتبار في النظر في معرفة الصانع وإبطال مقالة أهل الطبائع- خ) و (فضيلة المعتزلة) و (صياغة الكلام) و (الأصنام) و (كتاب المعلمين) و (الجواري) و (النساء) و (البلدان) و (جمهرة الملوك) و (كتاب المغنين) و (الاستبداد والمشاورة في الحرب). ولأبي حيان التوحيدي كتاب في أخباره سماه (تقريظ الجاحظ) اطلع عليه ياقوت. ولشفيق جبري (الجاحظ معلم العقل والأدب- ط) ولحسن السندوبي (أدب الجاحظ- ط) ولفؤاد أفرام البستاني (الجاحظ- ط) ومثله لحنا الفاخوري.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 5- ص: 74

الجاحظ المتكلم الأديب اسمه عمرو بن بحر.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0

عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الجاحظ مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني ثم الفقيمي أحد النساء. قال يموت بن المزرع: الجاحظ خال أمي. وكان جد الجاحظ أسود يقال له فزارة، وكان جمالا لعمرو بن قلع الكناني. وقال أبو القاسم البلخي: الجاحظ كناني من أهل البصرة. وكان الجاحظ من الذكاء وسرعة الخاطر والحفظ بحيث شاع ذكره وعلا قدره واستغنى عن الوصف.
قال المرزباني، حدث المازني قال: حدثني من رأى الجاحظ يبيع الخبز والسمك بسيحان. قال الجاحظ: أنا أسن من أبي نواس بسنة، ولدت في أول سنة خمسين ومائة وولد في آخرها. مات الجاحظ سنة خمس وخمسين ومائتين في خلافة المعتز وقد جاوز التسعين. سمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأخذ النحو عن الأخفش أبي الحسن وكان صديقه، وأخذ الكلام عن النظام، وتلقف الفصاحة من العرب شفاها بالمربد. وحدثت أن الجاحظ قال: نسيت كنيتي ثلاثة أيام حتى أتيت أهلي فقلت لهم: بم أكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان. وحدث أبو هفان قال: لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ فانه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر، والفتح بن خاقان فانه كان يحضر لمجالسة المتوكل فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتابا من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده إليه حتى في الخلاء، وإسماعيل بن إسحاق القاضي فإني ما دخلت إليه إلا رأيته ينظر في كتاب أو يقلب كتبا أو ينفضها.
وقال المرزباني، قال أبو بكر أحمد بن علي: كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام وكان واسع العلم بالكلام كثير التبحر فيه شديد الضبط لحدوده ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا، وله كتب كثيرة مشهورة جليلة في نصرة الدين وفي حكاية مذهب المخالفين، والآداب والأخلاق، وفي ضروب من الجد والهزل، وقد تداولها الناس وقرأوها وعرفوا فضلها، وإذا تدبر العاقل المميز أمر كتبه علم أنه ليس في تلقيح العقول وشحذ الأذهان ومعرفة أصول الكلام وجواهره وايصال خلاف الاسلام ومذاهب الاعتزال إلى القلوب كتب تشبهها. والجاحظ عظيم القدر في المعتزلة وغير المعتزلة من العلماء الذين يعرفون الرجال ويميزون الأمور.
قال المرزباني: وكان الجاحظ ملازما لمحمد بن عبد الملك خاصا به، وكان منحرفا عن أحمد بن أبي داود للعداوة بين أحمد ومحمد، ولما قبض على محمد هرب الجاحظ، فقيل له: لم هربت؟ فقال: خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور، يريد ما صنع بمحمد وإدخاله تنور حديد فيه مسامير كان هو صنعه ليعذب الناس فيه فعذب هو فيه حتى مات، يعني محمد بن الزيات.
وحدث علي بن محمد الوراق قال: من كتاب الجاحظ الى ابن الزيات: لا والله ما عالج الناس داء قط أدوى من الغيظ، ولا رأيت شيئا هو أنفذ من شماتة الأعداء، ولا أعلم بابا أجمع لخصال المكروه من الذل، ولكن المظلوم ما دام يجد من يرجوه، والمبتلى ما دام يجد من يرثي له، فهو على سبب درك، وإن تطاولت به الأيام، فكم من كربة فادحة وضيقة مصمتة قد فتحت أقفالها وفككت أغلالها، ومهما
قصرت فيه فلم أقصر في المعرفة بفضلك وفي حسن النية بيني وبينك، لا مشتت الهوى، ولا مقسم الأمل، على تقصير قد احتملته، وتفريط قد اغتفرته، ولعل ذلك أن يكون من ديون الإدلال وجرائم الإغفال، ومهما كان من ذلك فلن أجمع بين الإساءة والإنكار، وإن كنت كما تصف من التقصير، وكما تعرف من التفريط، فإني من شاكري أهل هذا الزمان وحسن الحال متوسط المذهب، وأنا أحمد الله على أن كانت مرتبتك من المنعمين فوق مرتبتي في الشاكرين، وقد كانت علي بك نعمة أذاقتني طعم العز، وعودتني روح الكفاية، والموت هذا الدهر وجهد ... هذا قردا وخنزيرا ترك فيهما مشابه من الإنسان، ولما مسخ الله زماننا لم يترك فيه مشابه من الزمان.
وقال أبو عثمان: ليس جهد البلاء مد الأعناق وانتظار وقع السيف، لأن الوقت قصير، والحين مغمور، ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة، وتطول المدة، وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنبا، وابن عم شامتا، وجارا حاسدا، ووليا قد تحول عدوا، وزوجة مختلعة، وجارية مسبعة، وعبدا يحقرك، وولدا ينتهرك.
وقال الجاحظ: إذا سمعت الرجل يقول ما ترك الأول للآخر شيئا فاعلم أنه ما يريد أن يفلح.
قال أبو حيان في «كتاب التقريظ» ومن خطه نقلت: وحدثنا أبو دلف الكاتب قال: صدر الجاحظ في ديوان الرسائل أيام المأمون ثلاثة أيام، ثم إنه استعفى فأعفي، وكان سهل بن هارون يقول: إن ثبت الجاحظ في هذا الديوان أفل نجم الكتاب.
قال أبو عبد الله المرزباني، حدث إسحاق الموصلي وأبو العيناء قال: كنت عند أحمد بن أبي دواد بعد قتل ابن الزيات، فجيء بالجاحظ مقيدا، وكان من أصحاب ابن الزيات وفي ناحيته، فلما نظر إليه قال: والله ما علمتك إلا متناسيا للنعمة كفورا للصنيعة معددا للمساوي، وما فتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك إلا لفساد طويتك ورداءة دخلتك وسوء اختيارك وتغالب طبعك، فقال له الجاحظ: خفض عليك- أيدك الله- فو الله لأن يكون لك الأمر علي خير من أن يكون لي عليك، ولأن أسيء وتحسن أحسن عنك من أن أحسن عنك من أن أحسن فتسيء، وأن تعفو عني في حال قدرتك أجمل من الانتقام مني، فقال له ابن أبي داود: قبحك الله، ما علمتك إلا كثير تزويق الكلام، وقد جعلت بيانك أمام قلبك ثم اصطنعت فيه النفاق والكفر، ما تأويل هذه الآية {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} قال تلاوتها تأويلها، أعز الله القاضي، فقال: جيئوا بحداد، فقال: أعز الله القاضي ليفك عني أو ليزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلا، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة، فإن الضرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن أبي دواد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داود لمحمد بن منصور وكان حاضرا: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه، ثم قال: يا غلام صر به إلى الحمام وأمط عنه الأذى، واحمل إليه تخت ثياب وطويلة وخفا، فلبس ذلك ثم أتاه فتصدر في مجلسه، ثم أقبل عليه وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان.
ومن شعر الجاحظ في ابن أبي داود:

وكتب الجاحظ إلى أحمد بن أبي دواد:
وحدث أبو العيناء عن إبراهيم بن رباح قال: أتاني جماعة من الشعراء، كل واحد منهم يدعي أنه مدحني بهذه الأبيات وأجزيه عليها:
ويقال إن الجاحظ مدح بهذه الأبيات أحمد بن أبي دواد وإبراهيم بن رباح ومحمد بن الجهم. وحدث إبراهيم بن رباح قال: مدحني حمدان بن أبان اللاحقي، وذكر مثل ما مضى، وقال في آخره: فقال إن مادحك أعزك الله يجد مقالا، والجاحظ يملأ عينيه مني ولا يستحي .
قال وحدث يموت بن المزرع قال: هجا خالي أبو عثمان الجاحظ الجماز بأبيات منها:
فكتب إليه الجماز:
ومن هجاء الجماز للجاحظ قوله:
وحدث أبو العيناء محمد بن القاسم قال: كان لي صديق فجاءني يوما فقال لي: أريد الخروج إلى فلان العامل وأحببت أن يكون معي إليه وسيلة، وقد سألت من صديقه فقيل لي أبو عثمان الجاحظ، وهو صديقك، وأحب أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية، قال: فصرت إلى الجاحظ فقلت له: جئتك مسلما وقاضيا للحق، ولي حاجة لبعض أصدقائي، وهي كذا وكذا، قال: لا تشغلنا الساعة عن المحادثة وتعرف أخبارنا، إذا كان في غد وجهت إليك بالكتاب، فلما كان من غد وجه إلي بالكتاب فقلت لابني: وجه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته، فقال لي: إن أبا عثمان بعيد الغور فينبغي أن نفضه وننظر ما فيه، ففعل فإذا في الكتاب: «هذا الكتاب مع من لا أعرفه، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذممك» فلما قرأت الكتاب مضيت إلى الجاحظ من فوري، فقال: يا أبا عبد الله، قد علمت أنك أنكرت ما في الكتاب، فقلت: أو ليس موضع نكرة؟
فقال: لا، هذه علامة بيني وبين الرجل في من أعتني به، فقلت: لا إله إلا الله، ما رأيت أحدا أعرف بطبعك ولا بما جبلت عليه من هذا الرجل، علمت أنه لما قرأ الكتاب قال: أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة، وأم من يسأله حاجة، فقلت له: ما هذا تشتم صديقنا؟! فقال: هذه علامتي فيمن أشكره، فضحك الجاحظ وحدث الفتح بن خاقان وحدث الفتح المتوكل، فذلك كان سبب اتصالي به وإحضاري إلى مجلسه.
وحدث عبد الرحمن بن محمد الكاتب قال: كان الجاحظ يتقلد خلافة إبراهيم بن العباس الصولي على ديوان الرسائل، فلما جاء إلى الديوان جاءه أبو العيناء، فلما أراد الانصراف تقدم الجاحظ إلى حاجبه إذا وصل إلى الدهليز أن لا يدعه يخرج ولا يمكنه من الرجوع إليه، فخرج أبو العيناء ففعل به ذلك، فنادى بأعلى صوته يا أبا عثمان قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك.
ومن كلام الجاحظ: احذر من تأمن فإنك حذر ممن تخاف.
وقال: أجمع الناس على أربع: أنه ليس في الدنيا أثقل من أعمى، ولا أبغض من أعور، ولا أخف روحا من أحول، ولا أقود من أحدب.
قال المرزباني: وروى أصحابنا أن الجاحظ صار إلى منزل بعض إخوانه فاستأذن عليه، فخرج إليه غلام عجمي فقال: من أنت؟ قال الجاحظ: فدخل الغلام إلى صاحب الدار فقال: الجاحد على الباب، وسمعها الجاحظ، فقال صاحب الدار للغلام اخرج فانظر من الرجل، فخرج يستخبر عن اسمه فقال: أنا الحدقي، فدخل الغلام فقال: الحلقي، وسمعها الجاحظ فصاح به في الباب: «ردنا إلى الأول»، يريد أن قوله الجاحد مكان الجاحظ أسهل عليه من الحلقي مكان الحدقي، فعرفه الرجل فأوصله واعتذر إليه.
وقال الجاحظ: أربعة أشياء ممسوخة: أكل الأرز البارد، والنيك في الماء، والقبل على النقاب، والغناء من وراء ستارة.
وحدث قال الجاحظ مرة بحضرة السدري: إذا كانت المرأة عاقلة ظريفة كاملة كانت قحبة، فقال له السدري: وكيف؟ قال: لأنها تأخذ الدراهم، وتمتع بالناس والطيب، وتختار على عينها من تريد، والتوبة معروضة لها متى شاءت، فقال له السدري: فكيف عقل العجوز حفظها الله؟ قال: هي أحمق الناس وأقلهم عقلا.
وحدث المبرد قال، قال الجاحظ: أتيت أبا الربيع الغنوي أنا ورجل من بني هاشم فاستأذنا عليه فخرج إلينا وقال: خرج إليكم رجل كريم والله، فقلت له: من خير الخلق يا أبا الربيع؟ فقال: الناس والله، قلت: ومن خير الناس؟ قال: العرب والله، قلت: فمن خير العرب؟ قال: مضر والله، قلت: فمن خير مضر؟ قال:
قيس والله، قلت: ومن خير قيس؟ قال: أعصر والله، قلت: فمن خير أعصر؟
قال: غني والله. قلت: فمن خير غني؟ قال: أنا والله. قلت: فأنت خير
الخلق. قال: أي والله، قلت: أيسرك أن لو تزوجت بنت يزيد بن المهلب؟
قال: لا والله لا أدنس كرمي بلؤمها، قلت: على أن لك الجنة، ففكر ساعة ثم قال: على أن لا تلد مني، وأنشد:
حذيفة بن بدر، وإنما ذكره من بين الأشراف لأنه أقربهم إليه نسبا، لأن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان وحذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان.
قال المرزباني: وحدث أبو الحسن الأنصاري، حدثني الجاحظ قال: كان رجل من أهل السواد يتشيع، وكان ظريفا، فقال ابن عم له: بلغني أنك تبغض عليا عليه السلام، وو الله لئن فعلت لتردن عليه الحوض يوم القيامة ولا يسقيك، قال: والحوض في يده يوم القيامة؟ قال: نعم، قال: وما لهذا الرجل الفاضل يقتل الناس في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالعطش؟! فقيل له: أتقول هذا مع تشيعك ودينك؟ قال: والله لا تركت النادرة ولو قتلتني في الدنيا وأدخلتني النار في الآخرة.
وقال الجاحظ: ينبغي للكاتب أن يكون رقيق حواشي اللسان، عذب ينابيع البيان، إذا حاور سدد سهم الصواب إلى غرض المعنى، لا يكلم العامة بكلام الخاصة ولا الخاصة بكلام العامة.
وحدث المبرد قال: سمعت الجاحظ يقول: كل عشق يسمى حبا، وليس كل حب يسمى عشقا، لأن العشق اسم لما فضل عن المحبة، كما أن السرف اسم لما جاوز الجود، والبخل اسم لما قصر عن الاقتصاد، والجبن اسم لما فضل عن شدة الاحتراس، والهوج اسم لما فضل عن الشجاعة.
وحدث ميمون بن هارون الكاتب عن الجاحظ قال: ذم رجل النبيذ فقال: من مثالبه أن صاحبه يتكرهه قبل شربه، ويكلح وجهه عند شمه، ويستنقص الساقي من قدره، ويعتبر عليه مكياله، ويمزجه بالماء الذي هو ضده ليخرجه عن معناه وحده، ثم
يكرعه على المبادرة ويعبه ويتجرعه ولا يكاد يسيغه ليقل مكثه في فيه ويسرع على اللهوات اجتيازه، ثم لا يستوفي كليته، ويرى أن يجعل عاقبة الشراب فضلة في قدحه، ويشاح الساقي في المناظرة على ما بقي منه عند رده، ليصرف عن نفسه عادية شربه ويذهب بساعته ويمنع من تهوعه كما يفعل بطبخ الغاريقون عند شربه وحب الاسطيخمول.
وكان الجاحظ يقول: إن تهيأ لك في الشاعر أن تبره وترضيه وإلا فاقتله.
وقال أبو العيناء أنشدني الجاحظ لنفسه:
وأنشد المبرد للجاحظ:
وحدث أبو العيناء قال، قال الجاحظ: كان الأصمعي منانيا، فقال له العباس ابن رستم: لا والله ولكن نذكر حين جلست إليه تسأله، فجعل يأخذ نعله بيده، وهي مخصوفة بحديد، ويقول: نعم قناع القدري، فعلمت أنه يعنيك فقمت.
وحدث يحيى بن علي بن المنجم قال، قلت للجاحظ: مثلك في علمك ومقدارك في الأدب يقول في «كتاب البيان والتبيين» ويكره للجارية أن تشبه بالرجال في فصاحتها، ألا ترى إلى قول مالك بن أسماء الفزاري:
فتراه من لحن الاعراب، وإنما وصفها بالظرف والفطنة، وإنما تلحن أي توري
في لفظها عن أشياء وتتنكب ما قصدت له، فقال: فطنت لذلك، قلت: فغيره، قال فكيف لي بما سارت به الركبان؟! فهو في كتابه على خطأه.
قال أبو محلم: أراد الفزاري بقوله هذا إن خير الحديث ما أومأت إلي به وورت عن الإفصاح به لئلا يعلمه غيرنا، ومثله قول الكلابي:
ومنه قوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} أي فيما يتواحونه بينهم من النفاق والطعن.
قال المؤلف: وقد انتصر أبو حيان لهذا القول الذي اعترف الجاحظ بخطأه فيه فقال: وعندي أن المسألة محتملة للكلام، لأن مقابل المنطق الصائب المنطق الملحون، واللحن من الغواني والفتيات غير منكر ولا مكروه، بل يستحب ذلك لأنه بالتأنيث أشبه، وللشهوة أدعى، ومع الغزل أجرى، والإعراب جد وليس الجد من التغزل والتعشق والتشاجي في شيء. وعلى مذهب علي بن يحيى أن المنطق الصائب هو الكلام الصريح، وأن اللحن هو التعريض وانها تعرف هذا وهذا، فهب أن هذا المعنى مقبول لم ينبغي أن يكون المعنى الآخر لهوجا ومردودا؟ وقد يجوز أن يكون مراد الشاعر ذاك لأن الشاعر يشعر بهذا كما يشعر بهذا.
قال أبو العيناء: أنشدني الجاحظ لنفسه في ابراهيم بن رباح:
قال أبو علي التنوخي، حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد الأخباري، قال حدثني أبو الفرج الأصبهاني، قال أخبرني الحسن بن القاسم بن مهرويه، قال حدثني عبد الله بن جعفر الوكيل، قال: كنت يوما عند إبراهيم بن المدبر فرأيت بين يديه رقعة يردد النظر إليها، فقلت له: ما شأن هذه الرقعة؟ كأنه استعجم عليك شيء منه، فقال: هذه رقعة أبي عثمان الجاحظ، وكلامه يعجبني، وأنا أردده على نفسي لشدة إعجابي، فقلت: هل يجوز أن أقرأها؟ قال: نعم، وألقاها إلي فإذا فيها: ما ضاء لي نهار ولا دجا ليل مذ فارقتك إلا وجدت الشوق إليك قد حز في كبدي، والأسف عليك قد أسقط في يدي، والنزاع نحوك قد خان جلدي، فأنا بين حشا خفاق، ودمع مهراق، ونفس قد ذبلت بما تجاهد، وجوانح قد أبليت بما تكابد، وذكرت وأنا على فراش الارتماض، ممنوع من لذة الاغماض قول بشار:
فانتظم وصف ما كنا نتعاشر عليه، ونجري في مودتنا إليه في شعره هذا.
وذكرت أيضا ما رماني به الدهر من فرقة أعزائي من إخواني الذين أنت أعزهم، ويمتحنني بمن نأى من أحبائي وخلصاني الذين أنت أحبهم وأخلصهم، ويجرعنيه من مرارة نأيهم وبعد لقائهم، وسألت الله أن يقرن آيات سروري بالقرب منك، ولين عيشي بسرعة أوبتك، وقلت أبياتا تقصر عن صفة وجدي وكنه ما يتضمنه قلبي، وهي:
فقلت لابن المدبر: هذه رقعة عاشق لا رقعة خادم، ورقعة غائب لا رقعة حاضر، فضحك وقال: نحن ننبسط مع أبي عثمان إلى ما هو أرق من هذا وألطف، فأما الغيبة فإننا نجتمع في كل ثلاثة أيام، وتأخر ذلك لشغل عرض لي فخاطبني مخاطبة الغائب، وأقام انقطاع العادة مقام الغيبة.
قال الجاحظ: كان يأتيني رجل فصيح من العجم، قال فقلت له: هذه الفصاحة وهذا البيان، لو ادعيت في قبيلة من العرب لكنت لا تنازع فيها، قال:
فأجابني إلى ذلك، فجعلت أحفظه نسبا حتى حفظه وهذه هذا، فقلت له: الآن لا تته علينا، فقال: سبحان الله إن فعلت ذلك فأنا إذا دعي.
ومن كلام الجاحظ يصف البلاغة: ومتى شاكل أبقاك الله اللفظ معناه، وكان لذلك الحال وفقا، ولذلك القدر لفقا، وخرج من سماجة الاستكراه، وسلم من فساد التكلف، كان قمنا بحسن الموقع، وحقيقا بانتفاع المستمع، وجديرا أن يمنع جانبه من تأول الطاعنين، ويحمي عرضه من اعتراض العائبين، ولا تزال القلوب به معمورة، والصدور به مأهولة، ومتى كان اللفظ أيضا كريما في نفسه، متخيرا من جنسه، وكان سليما من الفضول، بريئا من التعقيد، حبب إلى النفوس، واتصل بالأذهان، والتحم بالعقول، وهشت له الأسماع، وارتاحت له القلوب، وخف على ألسن الرواة، وشاع في الآفاق ذكره، وعظم في الناس خطره، وصار ذلك مادة للعالم الرئيس، ورياضة للمتعلم الريض. ومن أعاره من معرفته نصيبا، وأفرغ عليه من محبته ذنوبا، حبب إليه المعاني، وسلس له نظام اللفظ، وكان قد أغنى المستمع عن كد التكلف، وأراح قارئ الكتاب من علاج التفهم.
وقرأت بخط أبي حيان التوحيدي من كتابه الذي ألفه في «تقريظ الجاحظ»:
وحدثنا أبو سعيد السيرافي، وهمك من رجل، وناهيك من عالم، وشرعك من صدوق قال: حدثنا جماعة من الصابئين الكتاب أن ثابت بن قرة قال: ما أحسد هذه الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس فإنه:
فقيل له: احص لنا هؤلاء الثلاثة، قال: أولهم عمر بن الخطاب في سياسته ويقظته، وحذره وتحفظه، ودينه وتقيته، وجزالته وبذالته، وصرامته وشهامته، وقيامته في صغير أمره وكبيره بنفسه، مع قريحة صافية، وعقل وافر، ولسان عضب، وقلب شديد، وطوية مأمونة، وعزيمة مأمومة، وصدر منشرح، وبال منفسح، وبديهة
نضوح، وروية لقوح، وسر طاهر، وتوفيق حاضر، ورأي مصيب، وأمر عجيب، وشأن غريب- دعم الدين وشيد بنيانه، وأحكم أساسه ورفع أركانه، وأوضح حجته وأنار برهانه، ملك في زي مسكين، ما جنح في أمر إلى ونا، ولا غض طرفه على خنا، ظهارته كالبطانة، وبطانته كالظهارة، جرح وأسا، ولان وقسا، ومنع وأعطى، واستخذى وسطا، كل ذلك في الله ولله، لقد كان من نوادر الرجال، قال:
والثاني الحسن بن أبي الحسن البصري، فلقد كان من دراري النجوم علما وتقوى، وزهدا وورعا، وعفة ورقة، وتألها وتنزها، وفقها ومعرفة، وفصاحة ونصاحة، مواعظه تصل إلى القلوب، وألفاظه تلتبس بالعقول، وما أعرف له ثانيا، لا قريبا ولا مدانيا، كان منظره وفق مخبره، وعلانيته في وزن سريرته، عاش سبعين سنة لم يقرف بمقالة شنعاء، ولم يزن بريبة ولا فحشاء، سليم الدين، نقي الأديم، محروس الحريم، يجمع مجلسه ضروب الناس وأصناف اللباس، لما يوسعهم من بيانه، ويفيض عليهم بافتنانه، هذا يأخذ عنه الحديث، وهذا يلقن منه التأويل، وهذا يسمع الحلال والحرام، وهذا يتبع في كلامه العربية، وهذا يجرد له المقالة، وهذا يحكي الفتيا، وهذا يتعلم الحكم والقضاء، وهذا يسمع الموعظة، وهو في جميع هذا كالبحر العجاج تدفقا، وكالسراج الوهاج تألقا، ولا تنس مواقفه ومشاهده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الأمراء وأشباه الأمراء بالكلام الفصل، واللفظ الجزل، والصدر الرحب والوجه الصلب واللسان العضب، كالحجاج وفلان وفلان، مع شارة الدين، وبهجة العلم، ورحمة التقى، لا تثنيه لائمة في الله، ولا تذهله لائحة عن الله، يجلس تحت كرسيه قتادة صاحب التفسير، وعمرو وواصل صاحبا الكلام، وابن أبي إسحاق صاحب النحو، وفرقد السبخي صاحب الدقائق، وأشباه هؤلاء ونظراؤهم، فمن ذا مثله؟ ومن يجري مجراه؟ والثالث أبو عثمان الجاحظ خطيب المسلمين، وشيخ المتكلمين، ومدره المتقدمين والمتأخرين، إن تكلم حكى سحبان في البلاغة، وإن ناظر ضارع النظام في الجدال، وإن جد خرج في مسك عامر بن عبد قيس، وإن هزل زاد على مزبد، حبيب القلوب، ومراح الأرواح، وشيخ الأدب، ولسان العرب، كتبه رياض زاهرة، ورسائله أفنان مثمرة، ما نازعه منازع إلا رشاه آنفا، ولا تعرض له منقوص إلا قدم له التواضع استبقاء، الخلفاء تعرفه، والأمراء تصفه وتنادمه، والعلماء تأخذ عنه، والخاصة تسلم له، والعامة تحبه، جمع بين اللسان والقلم، وبين الفطنة والعلم، وبين الرأي والأدب، وبين النثر والنظم، وبين الذكاء والفهم، طال عمره وفشت حكمته، وظهرت خلته، ووطئ الرجال عقبه، وتهادوا أدبه، وافتخروا بالانتساب إليه، ونجحوا بالاقتداء به، لقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب. هذا قول ثابت، وهو قول صابئ لا يرى للاسلام حرمة، ولا للمسلمين حقا، ولا يوجب لأحد منهم ذماما، قد انتقد هذا الانتقاد، ونظر هذا النظر، وحكم هذا الحكم، وأبصر الحق بعين لا غشاوة عليها من الحول، ونفس لا لطخ بها من التقليد، وعقل ما تخبل بالعصبية. ولسنا نجهل مع ذلك فضل غير هؤلاء من السلف الطاهر والخلف الصالح، ولكنا عجبنا فضل عجب من رجل ليس منا ولا من أهل ملتنا ولغتنا، ولعله ما خبر عمر بن الخطاب كل الخبرة، ولا استوعب كل ما للحسن من المنقبة، ولا وقف على جميع ما لأبي عثمان من البيان والحكمة، يقول هذا القول، ويتعجب هذا العجب، ويحسد أمتنا بهم هذا الحسد، ويختم كلامه بأبي عثمان ويصفه بما يأبى الطاعن عليه أن يكون له شيء منه، ويغضب إذا ادعي ذلك له وإنه لموفر عليه، هل هذا إلا الجهل الذي يرحم المبتلى به.
قال أبو حيان: وحدثنا ابن مقسم قيل لأبي هفان وقد طال ذكر الجاحظ له:
لم لا تهجو الجاحظ، وقد ندد بك، وأخذ بمخنقك فقال: أمثلي يخدع عن عقله، والله لو وضع رسالة في أرنبة أنفي لما أمست إلا بالصين شهرة، ولو قلت فيه ألف بيت لما طن منها بيت في ألف سنة.
قال أبو حيان: سمعت أبا معمر الكاتب في ديوان بادوريا قال: كتب الفتح بن خاقان إلى الجاحظ كتابا يقول في فصل منه: إن أمير المؤمنين يجد بك ويهش عند ذكرك، ولولا عظمتك في نفسه لعلمك ومعرفتك لحال بينك وبين بعدك عن مجلسه، ولغصبك رأيك وتدبيرك فيما أنت مشغول به ومتوفر عليه، وقد كان ألقى إلي من هذا عنوانه فزدتك في نفسه زيادة كف بها عن تجشيمك، فاعرف لي هذه الحال، واعتقد هذه المنة واعكف على «كتاب الرد على النصارى» وافرغ منه وعجل به إلي، وكن ممن حدا به على نفسه لتنال مشاهرتك. وقد استطلقته لما مضى، واستسلفت
لك لسنة كاملة مستقبلة، وهذا مما لم تحتكم به نفسك. وقد قرأت رسالتك في بصيرة غنام ولولا أني أزيد في مخيلتك لعرفتك ما يعتريني عند قراءتها، والسلام.
قال الجاحظ: قلت للحزامي: قد رضيت بقول الناس فيك انك بخيل؟ قال:
لا أعدمني الله هذا الاسم، قلت: وكيف؟ قال: لأنه لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فإذا سلم المال فادعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد، وجمع ذاك الاسم المال والذم، قال: بينهما فرق، قلت: هاته، قال: في قولهم بخيل تثبيت لاقامة المال في ملكه، واسم البخيل اسم فيه حزم وذم، واسم السخاء فيه تضييع وحمد، والمال نافع مكرم لأهله معز، والحمد ريح وسخرية، واستماعه ضعف وفسولة، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جسده وشمت عدوه.
قال أبو حيان: ومن عجيب الحديث في كتبه ما حدثنا به علي بن عيسى النحوي الشيخ الصالح قال: سمعت ابن الاخشاد شيخنا أبا بكر يقول: ذكر أبو عثمان في أول «كتاب الحيوان» أسماء كتبه ليكون ذلك كالفهرست، ومر بي في جملتها «الفرق بين النبي والمتنبئ» و «كتاب دلائل النبوة» وقد ذكرهما هكذا على التفرقة وأعاد ذكر الفرق في الجزء الرابع لشيء دعاه إليه، فأحببت أن أرى الكتابين، ولم أقدر إلا على واحد منهما، وهو «كتاب دلائل النبوة» وربما لقب بالفرق خطأ، فهمني ذلك وساءني في سوء ظفري به، فلما شخصت من مصر ودخلت مكة حرسها الله تعالى حاجا أقمت مناديا بعرفات ينادي، والناس حضور من الآفاق على اختلاف بلدانهم وتنازح أوطانهم وتباين قبائلهم وأجناسهم من المشرق إلى المغرب ومن مهب الشمال إلى مهب الجنوب وهو المنظر الذي لا يشابهه منظر: «رحم الله من دلنا على كتاب الفرق بين النبي والمتنبئ لأبي عثمان الجاحظ على أي وجه كان». قال فطاف المنادي في ترابيع عرفات وعاد بالخيبة وقال: عجب الناس مني ولم يعرفوا هذا الكتاب ولا اعترفوا به؛ قال ابن اخشاد: وإنما أردت بهذا أن أبلغ نفسي عذرها.
قال المؤلف: وحسبك بها فضيلة لأبي عثمان أن يكون مثل ابن الاخشاد، وهو هو في معرفة علوم الحكمة، وهو رأس عظيم من رؤوس المعتزلة، يستهام بكتب الجاحظ حتى ينادي عليها بعرفات والبيت الحرام، وهذا الكتاب موجود في أيدي الناس اليوم، لا تكاد تخلو خزانة منه، ولقد رأيت أنا منه نحو مائة نسخة أو أكثر.
ومن كتاب هلال: قال أبو الفضل ابن العميد: ثلاثة علوم الناس كلهم عيال فيها على ثلاثة أنفس: أما الفقه فعلى أبي حنيفة لأنه دون وخلد ما جعل من يتكلم فيه بعده مشيرا إليه ومخبرا عنه، وأما الكلام فعلى أبي الهذيل، وأما البلاغة والفصاحة واللسن والعارضة فعلى أبي عثمان الجاحظ.
وحدث أبو القاسم السيرافي قال: حضرنا مجلس الأستاذ الرئيس أبي الفضل فقصر رجل بالجاحظ وأزرى عليه، وحلم الأستاذ عنه، فلما خرج قلت له: سكت أيها الأستاذ عن هذا الجاهل في قوله، مع عادتك بالرد على أمثاله فقال: لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو واقفته وبينت له النظر في كتبه صار إنسانا، يا أبا القاسم كتب الجاحظ تعلم العقل أولا والأدب ثانيا.
وحكى أبو علي القالي عن أبي معاذ عبدان الخوئي المتطبب قال: دخلنا يوما بسر من رأى على عمرو بن بحر الجاحظ نعوده وقد فلج، فلما أخذنا مجالسنا أتى رسول المتوكل إليه فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل ولعاب سائل؟! ثم أقبل علينا فقال: ما تقولون في رجل له شقان أحدهما لو غرز بالمسال ما أحس، والشق الآخر يمر به الذباب فيغوث، وأكثر ما أشكوه الثمانون .
حدث أبو عبد الله الحميدي في «الجذوة»، قرأت على الأمين بن أبي علي عن القاضي أبي القاسم البصري عن أبيه قال، حدثنا محمد بن عمر بن شجاع المتكلم، حدثنا أبو محمد الحسن بن عمرو النجيرمي قال: كنت بالأندلس، فقيل لي إن هاهنا تلميذا لأبي عثمان الجاحظ يعرف بسلام بن زيد ويكنى أبا خلف، فأتيته فرأيت شيخا هما، فسألته عن سبب اجتماعه مع أبي عثمان، ولم يقع أبو عثمان إلى الأندلس فقال: كان طالب العلم بالمشرق يشرف عند ملوكنا بلقاء أبي عثمان، فوقع إلينا «كتاب التربيع والتدوير» له فأشاروا إليه، ثم أردفه عندنا «كتاب البيان والتبيين» له فبلغ الرجل الصكاك بهذين الكتابين، قال: فخرجت لا أعرج على شيء حتى قصدت بغداد، فسألت عنه فقيل هو بسر من رأى، فأصعدت إليها، فقيل لي قد انحدر إلى البصرة، فانحدرت إليها وسألت عن منزله فأرشدت، ودخلت إليه فإذا هو جالس وحواليه عشرون صبيا ليس فيهم ذو لحية غيره، فدهشت فقلت: أيكم أبو عثمان؟ فرفع يده وحركها في وجهي وقال: من أين؟ قلت: من الأندلس، فقال: طينة حمقاء، فما الاسم؟ قلت: سلام، قال: اسم كلب القراد، ابن من؟ قلت: ابن زيد، قال: بحق ما صرت، أبو من؟ قلت: أبو خلف، قال: كنية قرد زبيدة، ما جئت تطلب؟ قلت: العلم، قال: ارجع بوقت فانك لا تفلح، قلت له: ما أنصفتني، فقد اشتملت على خصال أربع: جفاء البلدية، وبعد الشقة، وغرة الحداثة، ودهشة الداخل، قال: فترى حولي عشرين صبيا ليس فيهم ذو لحية غيري ما كان يجب أن تعرفني بها؟ قال: فأقمت عليه عشرين سنة.
وهذا فهرست كتب الجاحظ: كتاب الحيوان وهو سبعة أجزاء، وأضاف إليه كتابا آخر سماه كتاب النساء وهو الفرق فيما بين الذكر والأنثى، وكتابا آخر سماه كتاب البغل، قال ابن النديم: ورأيت أنا هذين الكتابين بخط زكرياء بن يحيى، ويكنى أبا يحيى، وراق الجاحظ، وقد أضيف إليه كتاب سموه كتاب الابل ليس من كلام الجاحظ ولا يقاربه.
وكتاب الحيوان ألفه باسم محمد بن عبد الملك الزيات، قال ميمون بن هارون: قلت للجاحظ: ألك بالبصرة ضيعة؟ فتبسم وقال: إنما أنا وجارية، وجارية تخدمها، وخادم وحمار، أهديت كتاب الحيوان إلى محمد بن عبد الملك فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب البيان والتبيين إلى ابن أبي دواد فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب الزرع والنخل إلى إبراهيم بن العباس الصولي فأعطاني خمسة آلاف دينار، فانصرفت إلى البصرة ومعي ضيعة لا تحتاج إلى تجديد ولا تسميد.
وكتاب البيان والتبيين نسختان أولة وثانية، والثانية أصح وأجود. كتاب النبي والمتنبئ. كتاب المعرفة. كتاب جوابات كتاب المعرفة. كتاب مسائل كتاب المعرفة. كتاب الرد على أصحاب الإلهام. كتاب نظم القرآن ثلاث نسخ. كتاب مسائل القرآن. كتاب فضيلة المعتزلة. كتاب الرد على المشبهة. كتاب الإمامة على مذهب الشيعة. كتاب حكاية قول أصناف الزيدية. كتاب العثمانية. كتاب الأخبار وكيف تصح. كتاب الرد على النصارى. كتاب عصام المريد. كتاب الرد على العثمانية. كتاب إمامة معاوية. كتاب إمامة بني العباس. كتاب الفتيان. كتاب القواد. كتاب اللصوص. كتاب ذكر ما بين الزيدية والرافضة. كتاب صياغة الكلام. كتاب المخاطبات في التوحيد. كتاب تصويب علي في تحكيم الحكمين.
كتاب وجوب الإمامة. كتاب الأصنام. كتاب الوكلاء والموكلين. كتاب الشارب والمشروب. كتاب افتخار الشتاء والصيف. كتاب المعلمين. كتاب الجواري. كتاب نوادر الحسن. كتاب البخلاء. كتاب الفخر ما بين عبد شمس ومخزوم. كتاب العرجان والبرصان. كتاب فخر القحطانية والعدنانية. كتاب التربيع والتدوير. كتاب الطفيليين. كتاب أخلاق الملوك. كتاب الفتيا .
كتاب مناقب جند الخلافة وفضائل الأتراك. كتاب الحاسد والمحسود. كتاب الرد على اليهود. كتاب الصرحاء والهجناء. كتاب السودان والبيضان. كتاب المعاد والمعاش. كتاب النساء. كتاب التسوية بين العرب والعجم. كتاب السلطان وأخلاق أهله. كتاب الوعيد. كتاب البلدان. كتاب الأخبار. كتاب الدلالة على أن الامامة فرض. كتاب الاستطاعة وخلق الأفعال. كتاب المقينين والغناء والصنعة. كتاب الهدايا (منحول). كتاب الاخوان. كتاب الرد على من ألحد في كتاب الله عز وجل. كتاب آي القرآن. كتاب الناشئ والمتلاشي. كتاب حانوت عطار. كتاب التمثيل. كتاب فضل العلم. كتاب المزاح والجد. كتاب جمهرة الملوك. كتاب الصوالجة. كتاب ذم الزنا. كتاب التفكر والاعتبار . كتاب الحجر والنبوة. كتاب آل إبراهيم بن المدبر في المكاتبة. كتاب إحالة القدرة على الظلم. كتاب أمهات الأولاد. كتاب الاعتزال وفضله عن الفضيلة. كتاب الأخطار والمراتب والصناعات. كتاب أحدوثة العالم. كتاب الرد على من زعم أن الانسان جزء لا يتجزأ. كتاب أبي النجم وجوابه. كتاب التفاح . كتاب الأنس والسلوة.
كتاب الكبر المستحسن والمستقبح. كتاب نقض الطب. كتاب الحزم والعزم. كتاب عناصر الآداب. كتاب تحصين الأموال. كتاب الأمثال. كتاب فضل الفرس. كتاب على الهملاج. كتاب الرسالة إلى أبي الفرج ابن نجاح في امتحان عقول الأولياء.
كتاب رسالة أبي النجم في الخراج. كتاب رسالته في القلم. كتاب رسالته في فضل اتخاذ الكتب. كتاب رسالته في كتمان السر. كتاب رسالته في مدح النبيذ. كتاب رسالته في ذم النبيذ. كتاب رسالته في العفو والصفح. كتاب رسالته في إثم السكر. كتاب رسالته في الآمل والمأمول. كتاب رسالته في الحلية. كتاب رسالته في ذم الكتاب. كتاب رسالته في مدح الكتاب. كتاب رسالته في مدح الوراق.
كتاب رسالته في ذم الوراق. كتاب رسالته في من يسمى من الشعراء عمرا. كتاب رسالته اليتيمة. كتاب رسالته في فرط جهل يعقوب بن إسحاق الكندي. كتاب رسالته في الكرم إلى أبي الفرج ابن نجاح. كتاب رسالته في موت أبي حرب الصفار البصري. كتاب رسالته في الميراث. كتاب في الأسد والذئب. كتاب رسالته في كتاب الكيمياء. كتاب الاستبداد والمشاورة في الحرب. كتاب رسالته في القضاة والولاة. كتاب الملوك والأمم السالفة والباقية. كتاب رسالته في الرد على القولية.
كتاب العالم والجاهل. كتاب النرد والشطرنج. كتاب غش الصناعات. كتاب خصومة الحول والعور. كتاب ذوي العاهات. كتاب المغنين. كتاب أخلاق الشطار.
وحدث يموت بن المزرع عن خاله الجاحظ قال: يحب للرجل أن يكون سخيا لا يبلغ التبذير، شجاعا لا يبلغ الهوج، محترسا لا يبلغ الجبن، ماضيا لا يبلغ القحة، قوالا لا يبلغ الهذر، صموتا لا يبلغ العي، حليما لا يبلغ الذل، منتصرا لا يبلغ الظلم، وقورا لا يبلغ البلادة، ناقدا لا يبلغ الطيش، ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع ذلك في كلمة واحدة وهي قوله: خير الأمور أوساطها، فعلمنا أنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم وعلم فصل الخطاب.
وقال أبو زيد البلخي: ما أحسن ما قال الجاحظ: عقل المنشئ مشغول، وعقل المتصفح فارغ.
وقال المرزباني باسناده عن المبرد، سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان، من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال الجاحظ في أبي الفرج نجاح بن سلمة يسأله إطلاق رزقه من قصيدة:
وحدث يموت بن المزرع قال: وجه المتوكل في السنة التي قتل فيها أن يحمل إليه الجاحظ من البصرة، فقال لمن أراد حمله: وما يصنع أمير المؤمنين بامرئ ليس بطائل، ذي شق مائل، ولعاب سائل، وفرج بائل، وعقل حائل؟! وحدث المبرد قال:
دخلت على الجاحظ في آخر أيامه فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حز بالمناشير ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، وأشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها، ثم أنشدنا:
وقال لمتطبب يشكو إليه علته: اصطلحت الأضداد على جسدي، إن أكلت باردا أخذ برجلي، وإن أكلت حارا أخذ برأسي.
وحدث أحمد بن يزيد بن محمد المهلبي عن أبيه قال، قال لي المعتز بالله: يا ابن يزيد ورد الخبر بموت الجاحظ، فقلت لأمير المؤمنين طول البقاء ودوام النعماء، قال وذلك في سنة خمس وخمسين ومائتين.
وفيه يقول أبو شراعة القيسي:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 5- ص: 2101

الجاحظ العلامة المتبحر، ذو الفنون، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب البصري، المعتزلي، صاحب التصانيف. أخذ عن: النظام.
وروى عن: أبي يوسف القاضي، وثمامة بن أشرس.
روى عنه: أبو العيناء، ويموت بن المزرع -ابن أخته، وكان أحذ الأذكياء.
قال ثعلب: ما هو بثقة.
وقال يموت: كان جده جمالا أسود.
وعن الجاحظ: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، حتى عرفني أهلي.
قلت: كان ماجنا، قليل الدين، له نوادر.
قال المبرد: دخلت عليه، فقلت: كيف أنت؟ قال: كيف من نصفه مفلوج، ونصفه الآخر منقرس؟ لو طار عليه ذباب لآلمه، والآفة في هذا أني جزت التسعين. وقيل: طلبه المتوكل، فقال: وما يصنع أمير المؤمنين بشق مائل، ولعاب سائل؟!
قال ابن زبر: مات سنة خمسين ومائتين. وقال الصولي: مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
قلت: كان من بحور العلم، وتصانيفه كثيرة جدا. قيل: لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيين، ويبيت فيها للمطالعة، وكان باقعة في قوة الحفظ.
وقيل: كان الجاحظ ينوب عن إبراهيم بن العباس الصولي مدة في ديوان الرسائل.
وقال في مرضه للطبيب: اصطلحت الأضداد على جسدي، إن أكلت باردا، أخذ برجلي، وإن أكلت حارا، أخذ برأسي.
ومن كلام الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك: المنفعة توجب المحبة، والمضرة توجب
البغضة، والمضادة عداوة، والأمانة طمأنينة، وخلاف الهوى يوجب الاستثقال، ومتابعته توجب الألفة. العدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يوجب الفرقة. حسن الخلق أنس، والانقباض وحشة، التكبر مقت، والتواضع مقة، الجود يوجب الحمد، والبخل يوجب الذم، التواني يوجب الحسرة، والحزم يوجب السرور، والتغرير ندامة، ولكل واحدة من هذه إفراط وتقصير، وإنما تصح نتائجها إذا أقيمت حدودها. فإن الإفراط في الجود تبذير، والإفراط في التواضع مذلة، والإفراط في الغدر يدعو إلى أن لا تثق بأحد، والإفراط في المؤانسة يجلب خلطاء السوء.
وله: وما كان حقي -وأنا واضع هذين الكتابين في خلق القرآن، وهو المعنى الذي يكثره أمير المؤمنين ويعزه، وفي فضل ما بين بني هاشم، وعبد شمس ومخزوم- إلا أن أقعد فوق السماكين، بل فوق العيوق، أو أتجر في الكبريت الأحمر، وأقود العنقاء بزمام إلى الملك الأكبر.
وله كتاب ’’الحيوان’’ سبع مجلدات، وأضاف إليه كتاب ’’النساء’’، وهو فرق ما بين الذكر والأنثى، وكتاب ’’البغال’’، وقد أضيف إليه كتاب، سموه كتاب ’’الجمال’’ ليس من كلام الجاحظ، ولا يقاربه.
قال رجل للجاحظ: ألك بالبصرة ضيعة؟ قال: فتبسم، وقال: إنما إناء وجارية ومن يخدمها، وحمار، وخادم، أهديت كتاب ’’الحيوان’’ إلى ابن الزيات، فأعطاني ألفي دينار، وأهديت إلى فلان فذكر نحوا من ذلك. يعني: أنه في خير وثروة.
قال يموت بن المزرع: سمعت خالي يقول: أمليت على إنسان مرة: أخبرنا عمرو، فاستملى: أخبرنا بشر، وكتب: أخبرنا زيد.
قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.
قال إسماعيل الصفار: حدثنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقلبوه إلا ابن شيبة العلوي، فإنه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله ثم قال: الصفار كان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما تاب.
قيل للجاحظ: كيف حالك؟ قال: يتكلم الوزير برأيي، وصلات الخليفة متواترة إلي، وآكل من الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأنا صابر حتى يأتي الله بالفرج. قيل: بل الفرج ما أنت فيه. قال: بل أحب أن ألي الخلافة، ويختلف إلي محمد بن عبد الملك -يعني: الوزير -وهو القائل:

وقال: أهديت إلى محمد بن عبد الملك كتاب ’’الحيوان’’، فأعطاني خمسة آلاف دينار. وأهديت كتاب ’’البيان والتبيين’’ إلى أحمد بن أبي دؤاد، فأعطاني كذلك. وأهديت كتاب ’’الزرع والنخل’’ إلى إبراهيم الصولي، فأعطاني مثلها، فرجعت إلى البصرة، ومعي ضيعة لا تحتاج إلى تحديد، ولا إلى تسميد.
وقد روى عنه: ابن أبي داود حديثا واحدا.
وتصانيف الجاحظ كثيرة جدا: منها ’’الرد على أصحاب الإلهام’’، و’’الرد على المشبهة’’، و’’الرد على النصارى’’، ’’الطفيلية’’، ’’فضائل الترك’’، ’’الرد على اليهود’’، ’’الوعيد’’، ’’الحجة والنبوة’’، ’’المعلمين’’، ’’البلدان’’، ’’حانوت عطار’’، ’’ذم الزنى’’، وأشياء.
أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أخبرنا السلفي، أخبرنا المبارك بن الطيوري، حدثنا محمد بن علي الصوري إملاء، حدثنا خلف بن محمد الحافظ بصور، أخبرنا أبو سليمان بن زبر، حدثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ، فاستأذنت عليه، فاطلع علي من كوة في داره، فقال: من أنت؟ فقلت: رجل من أصحاب الحديث. فقال: أوما علمت أني لا أقول بالحشوية؟ فقلت: إني ابن أبي داود. فقال: مرحبا بك وبأبيك ادخل، فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت: تحدثني بحديث واحد، فقال: اكتب: حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على طنفسة. فقلت: زدني حديثا آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.
قلت: كفانا الجاحظ المؤونة، فما روى من الحديث إلا النزر اليسير، ولا هو بمتهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة، صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين، عفا الله عنه.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 413

عمرو بن بحر الجاحظ العلامة أبو عثمان صاحب الكتب التي لم يسبقه إلى تأليفها أحد من نظرائه، ولا يلحق به غيره إن شاء الله، وهو مقتدر على الشعر، وكثير القول، وسراق فيه حدثني أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي رحمه الله قال: حدثني إبراهيم بن رياح بن شبيب قال: مدحني حمدان بن أبان بن عبد الحميد اللاحقي بشعر فيه هذان البيتان:

قال: فروي هذا الشعر وعرف بالبصرة، ثم جاءني الجاحظ بشعر أدخل فيه هذين البيتين، فاحتملتف ذلك وأثبته عليه، فبينا أنا يوما في مجلس أحمد ابن أبي داود والجاحظ في مجلسه إذ قال لي أحمد: ما مدحت بشيء أحسن مما مدحني به أبو عثمان.
وأنشد هذين البيتين فقلت له: أن مادحك أعزك الله يجد فيك مقالا، والجاحظ يملأ عينيه مني ولا يستحيي، وله في رسالته إلى أبي الفرج بن نجاح قصيدة فيه مستحسنة جدا وفي غيره أشعار جياد.

  • دار النشر مكتبة الخانجي-ط 1( ) , ج: 1- ص: 0

عمرو بن بحر الجاحظ. صاحب التصانيف التي منها كتاب «نظم القرآن» وكتاب «المسائل في القرآن».
روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل، قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون، قال الذهبي: وكان من أئمة البدع، انتهى.
قال الجاحظ في كتاب البيان: «لما قرأ المأمون كتبي في الإمامة فوجدها على ما أخبر به، وصرت إليه- وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها- قال لي: كان بعض من يرتضى عقله، ويصدق خبره، خبرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة، وكثرة الفائدة، فقلنا قد تربي الصفة على العيان، فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفلى على العيان، وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولا يفتقر إلى المحتجين عنه، وقد جمع استقصاء المعاني واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل والمخرج السهل، فهو سوقي ملوكي وعامي خاصي.
وهذه والله صفة كتب الجاحظ كلها، فسبحان من أضله على علم.
قال المسعودي: «توفي سنة خمس وخمسين ومائتين وقيل: سنة ست وخمسين، مات الجاحظ بالبصرة ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتبا منه، وحكى يموت بن المزرع عن الجاحظ- وكان خاله- أنه دخل عليه أناس وهو عليل فسألوه عن حاله، فقال:

ثم قال: أنا في علل متناقضة يتخوف من بعضها التلف، وأعظمها علي نيف وتسعون، يعني عمره».
وقال أبو العيناء قال الجاحظ: كان الأصمعي مانويا فقال له العباس بن رستم: لا والله ولكن نذكر حين جلست إليه تسأله، فجعل يأخذ نعله بيده وهي مخصوفة بحديد ويقول: نعم قناع القدري، نعم قناع القدري، فعلمت أنه يعنيك فقمت وتركته.
وروى الجاحظ عن حجاج الأعور، وأبي يوسف القاضي، وخلق كثير، وروايته عنهم في أثناء «كتابه في الحيوان» وحكى ابن خزيمة: أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود، وذكر قصة.
وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلي. وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.
وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي فإنه أباه، وقال: هذا كذب، سمعت الحاكم عن عبد العزيز بن عبد الملك الأعور، قلت: ما علمت ما أراد بحديث فدك.
وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.
وذكر أبو الفرج الأصبهاني: أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعارا، وقد وقعت لي رواية ابن أبي داود عنه ذكرتها في غير هذا الموضع، وهي في الطيوريات.
قال ابي قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ، وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدهم تلطفا لتعظيم الصغير حتى يعظم، وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فنجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزيدية على أهل السنة، ومرة يفضل عليا، ومرة يؤخره، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
قال الجماز: ويذكر من الفواحش ما يجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين! ويعمل كتابا يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين، فاذا صار للرد عليهم تجوز للحجة كأنه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزئ بالحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود، وأنه كان أبيض فسوده المشركون، قال: وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب.
وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل.
وقال النديم: قال المبرد: ما رأت أحرص على العلم من ثلاثة، الجاحظ، واسماعيل القاضي، والفتح بن خاقان.
وقال النديم- لما حكى قول الجاحظ: لما قرأ المأمون كتبي قال: هي كتب لا تحتاج إلى حضور صاحبها إلى آخر ما تقدم-: عندي أن الجاحظ حسن هذا اللفظ تعظيما لنفسه وتفخيما لتأليفه، وإلا فالمأمون يقول ذلك.
وحكي عن ميمون بن هارون أنه قال: قال لي الجاحظ: أهديت كتاب «الحيوان» لابن الزيات فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «البيان والتبيين» لابن أبي داود، فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «النخل والزرع» لإبراهيم الصول، فأعطاني خمسة آلاف دينار، قال: فلست أحتاج إلى شراء ضيعة ولا غيرها.
وسرد النديم كتبه، وهي مائة ونيف وسبعون كتابا في فنون مختلفة.
وقال ابن حزم في «الملل والنحل»: كان أحد المجان الضلال، غلب عليه الهزل، ومع ذلك فإنا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتا لها، وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره.
وقال أبو منصور الأزهري في مقدمة «تهذيب اللغة»: «وممن تكلم في اللغات بما حضر لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم:
الجاحظ، وكان أوتي بسطة في القول، وبيانا عذبا في الخطاب، ومجالا في الفنون غير أن أهل العلم ذموه، وعن الصدق دفعوه».
وقال ثعلب: كان كذابا على الله، وعلى رسوله، وعلى الناس.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 2- ص: 16

عمرو بن بحر الجاحظ، صاحب التصانيف. روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل.
قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون.
قلت: وكان من أئمة البدع.

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 3- ص: 247

عمرو بن بحر الجاحظ: قال ثعلب: ليس بثقة، ولا مأمون.

  • مكتبة النهضة الحديثة - مكة-ط 2( 1967) , ج: 1- ص: 301

الجاحظ
أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري. م سنة 255 هـ.
كان أحد النسابين.
ومن غريب ما يحكى عنه أنه قال: نسيت كنيتي ثلاثة أيام حتى أتيت أهلي، فقلت لهم: بم أكنى فقالوا: بأبي عثمان.
له: 1 - كتاب فخر القحطانية والعدنانية.
2 - كتاب الصرحاء والهجناء.

  • دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 64

الجاحظ
وأما أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ؛ فإنه كان عالماً بالأدب فصيحاً بليغاً، مصنفاً في فنون العلوم، وكان من أئمة المعتزلة، تلميذ أبي إسحاق النظام.
وذكر يموت بن المزرع أنه مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني. ثم الفقيمي. قال وكان جد الجاحظ أسود، خال أمي.
وروى عن أبي يوسف القاضي، قال: تغذيت عند هارون الرشيد، فسقطت من يدي لقمة، انتثر ما كان عليها من الطعام، فقال: يا يعقوب، خذ لقمتك، فإن المهدي حدثني عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل ما سقط من الخوان فرزق أولاداً كانوا صباحاً).
وقال أبو بكر العمري: سمعت الجاحظ يقول: نسيت كنيتي ثلاثة أيام، فأتيت أهلي، فقلت: بم أكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان.
وقال أبو العباس المبرد: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان، من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
قال أبو سعيد الجنديسابوري: سمعت الجاحظ يصف اللسان، فقال: هو أداة يظهر بها البيان، وشاهد يعبر عن الضمير، وحاكم يفصل الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الأشياء، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعزر يرد الأحزان، ومتعذر يدفع الضغينة، ومله يونق الأسماع، وزارع ينبت المودة، وحاصد يستأصل العداوة، وشاكر يستوجب المزيد، ومادح يستحق الزلفة، ومؤنس يذهب الوحشة.
وروى أن الجاحظ كان يأكل مع محمد بن عبد الملك الزيات، فجاءوا بفالوذجة، فتولع محمد بالجاحظ، وأمر أن يجعل من جهته مارق من الجام، فأسرع في الأكل، فتنطف ما بين يديه، فقال له الزيات: تقشعت سماؤك قبل سماء الناس، فقال الجاحظ: لأن غيمها كان رقيقاً.
وروى أبو العيناء، قال: كنت عند ابن أبي داود بعد أن قتل بن زيات، فجيء بالجاحظ مقيداً - وكان في أسبابه وناحيته - فقال ابن أبي داود للجاحظ: ما تأويل هذه الآية: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)، فقال الجاحظ: تلاوتها تأويلها، فقال: جيئوا بالحداد، فقال: لتفكوا عني أو لتزيدوني؟ فقيل: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد، فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ، ويطيل أمره قليلاً، ففعل، فلطمه الجاحظ، وقال له: أعمل عمل سنة في يوم، وعمل يوم في ساعة، وعمل ساعة في لحظة؛ فإن الضرر على ساقي، وليس بجذع ولا ساجة؛ فضحك ابن أبي داود وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي داود: أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه.
وروى المبرد أنه قال: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل، فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج، ولو نشر بالمناشير لما أحس به، نصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، والأمر في ذلك أني قد جزت التسعين، وأنشدنا:

وقال أحمد بن يزيد بن محمد المهلبي، عن أبيه، قال: قال المعتز بالله تعالى، قال: وذلك سنة خمس وخمسين ومائتين. وعن محمد بن يحيى الصولي مثل ذلك.

  • مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 148

  • دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 170

  • مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 132

عمرو بن بحر الجاحظ
قال ثعلب ليس بثقة ولا مأمون

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1986) , ج: 2- ص: 1