الباجي علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب، علاء الدين الباجي: عالم بالأصول والمنطق والحساب. من أهل مصر. مغربي الأصل. كان أقوى أهل زمانه مناظرة، لايكاد ينقطع في بحث. ولى وكالة بيت المال بالكرك، وناب في الحكم، ونسبت إليه مقالة فاختفى مدة. وتقشف في أواخر حياته. له كتب في (الفرائض) و (الحساب) و (الرد على اليهود - خ) وأشهر كتبه (كشف الحقائق) في المنطق، و (غاية السول في علم الأصول - خ) وقيل: ما من علم إلا وله فيه مختصر.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 334
الباجي علاء الدين علي بن خطاب.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
الباجي الشيخ علاء الدين الأصولي علي بن محمد.
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 677
علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الشيخ الإمام علاء الدين الباجي إمام الأصوليين في زمانه وفارس ميدانه وله الباع الواسع في المناظرة والذيل
الشاسع في المشاجرة وكان أسدا لا يغالب وبحرا تتدفق أمواجه بالعجائب ومحققا يلوح به الحق ويستبين ومدققا يظهر من خفايا الأمور كل كمين
وكان من الأوابين المتقين ذوي التقوى والورع والدين المتين
وعنه أخذ الشيخ الإمام الوالد الأصلين وبه تخرج في المناظرة وفيه يقول عند موته من قصيدة رثاه بها
فلا تعذلنه أن يبوح بوجده | على عالم أوري بلحد مقدس |
تعطل منه كل درس ومجمع | وأقفر منه كل ناد ومجلس |
ومات به إذا مات كل فضيلة | وبحث وتحقيق وتصفيد مفلس |
وإعلاء دين الله إن يبد زائغ | فيخزيه أو يهدي بعلم مؤسس |
حياة وعلم قدرة وإرادة | وسمع وإبصار كلام مع البقا |
صفات لذات الله جل قديمة | لدى الأشعري الحبر ذي العلم والتقى |
حي عليم قدير والكلام له | فرد سميع بصير ما أراد جرى |
رثى لي عودي إذ عاينوني | وسحب مدامعي مثل العيون |
وراموا كحل عيني قلت كفوا | فأصل بليتي كحل العيون |
يقول أضعف العبيد الراجي | مغفرة علي بن الباجي |
الحمد لله على التوفيق | لفهم ما ألهم من تحقيق |
وكم له من نعمة وجود | أوله إفاضة الوجود |
ثم الصلاة والسلام الأبدي | على النبي المصطفى محمد |
وآله وصحبه وعترته | والتابعين بعدهم لسنته |
اعلم فدتك النفس يا حبيب | أن السعيد العالم الأديب |
وهو الذي حوى العلوم كلها | وفك مشكلاتها وحلها |
كالفقه والأصلين والتوريث | والنحو والتصريف والحديث |
والعلم بالتفسير والمعاني | ومنطق الأمين والبيان |
والبحث واللغات والإخبار | عن قصص الماضين في الأعصار |
والطب للأبدان والقلوب | وكل علم نافع مطلوب |
واستثبت المنقول منها ضابطا | وحقق البرهان والمغالطا |
وسار في مسالك العقول | على الطريق الواضح المعقول |
فحقق الأصول والفروعا | مقيسا العقلي والمسموعا |
وانقاد طائعا لأمر الشرع | في حكم أصل دينه والفرع |
مجتهدا في طاعة الرحمن | بالقول والفعل وبالجنان |
مكمل الإيمان بالإحسان | إلى جميع الإنس والحيوان |
كيما يحوز الفوز بالجنان | وحورها العين وبالولدان |
وكل ما لم تره العينان | وكل ما لم تسمع الأذنان |
فانهض بإقدام على الأقدام | إن كنت للعلياء ذا مرام |
وشمر الساق عن اجتهاد | مثل اجتهاد السادة العباد |
واستنهض الهمة في التحصيل | من كل شيخ عالم فضيل |
وارحل إلى من يستحق الرحله | خلف الفرات أو وراء الدجله |
حيث انتهت أخباره إليكا | فقصده محتم عليكا |
واطرح رداء الكبر عن عطفيكا | وقل لداعي العلم يالبيكا |
واسع إليه ماشيا أو راكبا | كما استطعت للتقى مصاحبا |
تضع لك الأملاك من رضاها | أجنحة وكم كذا سواها |
من سنة دلت على التفضيل | وآية في محكم التنزيل |
كإنما يخشى وخذ موزونا | هل يستوي الذين يعلمونا |
وتوج العلم بتاج العمل | مزين بحليه والحلل |
فإنه له على الفحول | من الرجال خلعة النحول |
من سهر الليل على الأقدام | بين يدي مصور الأنام |
وإنه المقصود بالعلوم | عند ذوي الفطنة والفهوم |
وأخلص النية في الأعمال | لصانع العالم ذي الجلال |
فإنما الأعمال بالنيات | وكونها لله خالصات |
وليس يرضى ربنا عباده | أشركت فيها معه عباده |
فوحد القصد بها لله | ولا تكن عن قصده باللاهي |
واعمر بذكر الله قلبا خاليا | من غيره تنل مقاما عاليا |
يذكرك في الأملاك فوق الفوق | فانتهز الفرصة ياذا الشوق |
واغتنم الصلاة في الدياجي | إن المصلي ربه يناجي |
ودق بالجبهة وجه الأرض | في الصلوات النفل بعد الفرض |
يحببك ربي وتنل بحبه | ما في الحديث من عطاء قربه |
وما أجل ذا المقام وقتا | حتى تجله وأنت أنتا |
فذا المقام فهمه يهول | تعجز عن تحقيقه العقول |
وقد علمت شطحة الحلاج في | مقاله فإثره لا تقتف |
إن الطريق همة وحال | تثمرها الأعمال لا المقال |
واسلك طريق العلم والأعمال | كلاهما محقق الآمال |
هما طريق الفوز لا محاله | يسلكها مشايخ الرساله |
كالليث والجنيد والدينوري | والعجمي والسري والثوري |
جواهر الرجال في الوجود | بعد النبيين لدى المعبود |
تفز بأعلى الأجر والأحوال | وأوضح الفتوح للرجال |
وربما نلت المقام العالي | بالكشف والتفريق بالمقال |
حتى إذا قال الولي كن كذا | كان سواء كان نفعا أو أذى |
بإذن ربه وطوع قدرته | على سبيل فضله ونعمته |
كذا أتى عن سالكي الطريقه | وكن بذاك مؤمنا حقيقه |
إذ مذهب السنة وهو الأحسن | أن كرامات الولي تمكن |
لأنها وإن تكن كالمعجزه | فالخرق بالتقييد عنها محرزه |
فيها التحدي دائما معدوم | وذاك فرق واضح معلوم |
وكثرة الأخبار عنها مانعه | كذب الجميع فهي حتما واقعه |
وهذه طريقة ظريفه | ليست سخيفة ولا ضعيفه |
كنسب إتيان السخا لحاتم | بكثرة الأخبار بالمكارم |
وقد أتى بنقلها الكتاب | واتضح الباطل والصواب |
كقصة الخضر مع الكليم | تحوي كرامات فخذ تفهيمي |
مواهب تصدر عن كريم | وعن قدير عالم حكيم |
أسعد من أراد بالتقديم | بفضله في حكمه القديم |
سبحان من أنعم بالتكريم | وقربه وفضله العميم |
وما حكى من قصة لمريما | وأنه يرزقها تكرما |
يأتي إليها كل وقت رزق | من عالم الغيب وذاك صدق |
فهل بقي للاعتزال مستند | من بعد ما بينته فيعتمد |
وجاء في الآثار أيضا عن عمر | من ذاك ما بين الرواة قد ظهر |
صياحه بمنبر المدينة | الجبل اقصده تجد كمينه |
يريد إرشاد الأمير ساريه | إلى مكايد الأسود الضاريه |
وفي نهاوند أتاه الصوت | وكاد لولاه يكون الفوت |
فأسرع الأمير بالسريه | ممتثل الأوامر المرضيه |
فأدركوا الكمين خلف الجبل | فاستأصلوه بالقنا والأسل |
وامتلت الفلاة بالجماجم | وفاز حزب الله بالغنائم |
وذاك فيه الكشف والتصريف | العلم والأسماع يا ظريف |
جل الإله مظهر العجائب | على يدي عبيده الحبائب |
من جاءه يمشي أتاه هروله | برغم أنف سائر المعتزله |
ينيل أولياءه الآمالا | وفوقها من يده تعالى |
وما جرى لأحمد الرفاعي | وشيخ كيلان كما سماعي |
لما خطا في الجو فوق المنبر | عشرا وعاد قائلا للحضر |
عند ورود وارد شريف | من حضر القدس بلا تكييف |
على رقاب الأولياء رجلي | والحكم الوارد لا المستحلي |
أجابه أحمد في الرواق | في وقته المذكور يا رفاقي |
معترفا لقوله بالصدق | وشاهدا بقوله وعتق |
فقيل ماذا قال عبد القادر | قال كذا مقال صدق ظاهر |
فأرخوا مقاله فكانا | في وقت شطح شيخنا نشوانا |
كأنه من جملة الحضار | يشاهد الميعاد بالأبصار |
ما صده عن كشف هذا الحال | بعد فجل مانح الأحوال |
وذاك من كليهما كرامه | على ارتفاع قدره علامه |
وما أتى عن شيخنا السبتي | وذاك أمر ليس بالمخفي |
تأتي الكرامات على يديه | سلام ربي دائما عليه |
مهما أراد كان لا محاله | من خالق سبحان من أناله |
يقترح المرء شفاء عن مرض | لأهله أو دفع ضر قد عرض |
أو سقي بستان له أو زرع | أو رد ما قد ضاع بين الجمع |
يبذل شيئا من فتوح الفقرا | يرى يسيرا حسب ما تيسرا |
فيحصل المراد بالتلطف | بلا تعسف ولا تكلف |
كأنه أفعاله المعتاده | وهذه لعمرك السعاده |
لا الجاه والبنون والأموال | والخيل والحمير والبغال |
جميعها على الفتى وبال | ومنتهاها أبدا زوال |
لذاتها مشوبة بالألم | نعيمها مكدر بالنقم |
فحل ما من بعد من حساب | ومن عقاب فيه أو عتاب |
بل من سؤال منكر في القبر | ومن مواقف ليوم الحشر |
وخفة الميزان بالأعمال | وخوف دقة الصراط العالي |
وهول أحوال لظى نيران | نعوذ بالله من الخسران |
نسأل رب العرش والعباد | بالمصطفى الهادي إلى الرشاد |
إلهامنا طرائق السداد | من قول أو فعل أو اعتقاد |
وعفوه لنا وللأجداد | وسائر الأهلين والأولاد |
والمسلمين حيهم والغادي | تحت الثرى في باطن الألحاد |
من كل ذنب سالف وآت | برحمة منه إلى الممات |
فإنه المرجو والمأمول | والملتجى إليه والمسؤول |
لا راحم سواه قط يقصد | ولا إله غيره فيعبد |
كل إلى رحمته فقير | وفي يدي عقابه أسير |
في كل ممكن له تقدير | وهو به وغيره خبير |
وهو على ما شاءه قدير | والنفع والضر به يصير |
لا مشبه له ولا نظير | ولا شريك لا ولا وزير |
فرد قديم واجب بالذات | منزه بالذات والصفات |
أرسل خير الخلق في الآفاق | مكملا مكارم الأخلاق |
محمدا خاتم رسل ربنا | مبشرا ومنذرا ومحسنا |
صلى عليه ربنا وسلما | ما لاح فجر طالع وكرما |
وآله وصحبه الأخيار | الطيبين السادة الأطهار |
أيا علماء الدين ذمي دينكم | تحير دلوه بأوضح حجة |
إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم | ولم يرضه مني فما وجه حيلتي |
دعاني وسد الباب عني فهل إلى | دخولي سبيل بينوا لي قضيتي |
قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا | فها أنا راض بالذي فيه شقوتي |
فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا | فربي لا يرضى لشؤم بليتي |
وهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي | وقد حرت دلوني على كشف حيرتي |
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة | فها أنا راض باتباع المشيئة |
وهل لي اختيار أن أخالف حكمة | فبالله فاشفوا بالبراهين حجتي |
أيا عالما أبدى دلائل حيرة | يروم اهتداء من أهيل فضيلة |
لقد سرني أن كنت للحق طالبا | عسى نفحة للحق من سحب رحمة |
فبالحق نيل الحق فالجأ لبابه | كأهل النهى واترك حبائل حيلتي |
قضى الله قدما بالضلالة والهدى | بقدرة فعال بلا حكم حكمة |
إذا العقل بل تحسينه بعض خلقه | وليس على الخلاق حكم الخليقة |
وأفعالنا من خلقه كذواتنا | وما فيهما خلق لنا بالحقيقة |
ولكنه أجرى على الخلق خلقه | دليلا على تلك الأمور القديمة |
عرفنا به أهل السعادة والشقا | كما شاءه فينا بمحض المشيئة |
كإلباس أثواب جعلن أمارة | على حالتي حب وسخط لرؤية |
تصاريفه فينا تصاريف مالك | سما عن سؤال الكيف والسببية |
أمات وأحيا ثم صار معافيا | وقبح تحسين العقول الضعيفة |
فكن راضيا نفس القضاء ولا تكن | بمقضي كفر راضيا ذا خطيئة |
وتكليفنا بالأمر والنهي قاطع | لأعذارنا في يوم بعث البرية |
فعبر بسد أو بفتح وعد عن | ضلالة تشكيك بأوضح حجة |
وقد بان وجه الأمر والنهي واضحا | ولا شك فيه بل ولا وهم شبهة |
سؤالك يا هذا سؤال معاند | يخاصم رب العرش باري البرية |
وهذا سؤال خاصم الملأ العلي | قديما به إبليس أصل البلية |
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة | هو الخوض في فعل الإله بعلة |
فإن جميع الكون أوجب فعله | مشيئة رب العرش باري الخليقة |
وذات إله الخلق واجبة بما | لها من صفات واجبات قديمة |
فقولك لي قد شاء مثل سؤال من | يقول فلم قد كان في الأزلية |
وذاك سؤال يبطل العقل وجهه | وتحريمه قد جاء في كل شرعة |
وفي الكون تخصيص كثير يدل من | له نوع عقل أنه بإرادة |
وإصداره عن واحد بعد واحد | إذ القول بالتجويز رمية حيرة |
ولا ريب في تعليق كل مسبب | بما قبله من علة موجبية |
بل الشأن في الأسباب أسباب ما ترى | وإصدارها عن حكم محض المشيئة |
وقولك لم شاء الإله هو الذي | أضل عقول الخلق في قعر حفرة |
فإن المجوس القائلين بخالق | لنفع ورب مبدع للمضرة |
سؤالهم عن علة السر أوقعت | أوائلهم في شبهة الثنوية |
وإن ملاحيد الفلاسفة الألى | يقولون بالعقل القديم لعلة |
بغوا علة للكون بعد انعدامه | فلم يجدوا ذاكم فضلوا بضلة |
وإن مبادي الشر في كل أمة | ذوي ملة ميمونة نبوية |
تخوضهم في ذاكم صار شركهم | وجاء دروس البينات لفترة |
ويكفيك نقضا أن ما قد سألته | من العذر مردود لدى كل فطرة |
وهبك كففت اللوم عن كل كافر | وكل غوي خارج عن محجة |
فيلزمك الإعراض عن كل ظالم | من الناس في نفس ومال وحرمة |
ولا تغضبن يوما على سافك دما | ولا سارق مالا لصاحب فاقة |
ولا شاتم عرضا مصونا وإن علا | ولا ناكح فرجا على وجه زنية |
ولا قاطع للناس نهج سبيلهم | ولا مفسد في الأرض من كل وجهة |
ولا شاهد بالزور إفكا وفرية | ولا قاذف للمحصنات بريبة |
ولا مهلك للحرث والنسل عامدا | ولا حاكم للعالمين برشوة |
وكف لسان اللوم عن كل مفسد | ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة |
وسهل سبيل الكاذبين تعمدا | على ربهم من كل جاء بفرية |
وهل في عقول الناس أو في طباعهم | قبول لقول النذل ما وجه حيلتي |
كآكل سم أوجب الموت أكله | وكل بتقدير لرب المشيئة |
فكفرك يا هذا كسم أكلته | وتعذيب نار بعد جرعة غصة |
ألست ترى في هذه الدار من جنى | يعاقب إما بالقضا أو بشرعة |
ولا عذر للجاني بتقدير خالق | كذلك في الأخرى بلا مثنوية |
فإن كنت ترجو أن تجاب بما عسى | ينجيك من نار الإله العظيمة |
فدونك رب الخلق فاقصده ضارعا | مريدا لأن يهديك نحو الحقيقة |
وذلل قياد النفس للحق واسمعن | ولا تعص من يدعو لأقوم رفعة |
وما بان من حق فلا تتركنه | ولا تعرضن عن فكرة مستقيمة |
وأما رضانا بالقضاء فإنما | أمرنا بأن نرضى بمثل المصيبة |
كسقم وفقر ثم ذل وغربة | وما كان من مؤذ بدون جريمة |
وأما الأفاعيل التي كرهت لنا | فلاهن مأتي في رضاها بطاعة |
وقد قال قوم من أولى العلم لا رضا | بفعل المعاصي والذنوب الكريهة |
وقال فريق نرتضي بقضائه | ولا نرتضي المقضي لأقبح خلة |
وقال فريق نرتضي بإضافة | إليه وما فينا فيلقى بسخطه |
فنرضى من الوجه الذي هو خلقه | ونسخطه من وجه اكتساب بحيلة |
سألت ولم تعرف وكم من مباحث | جرت من أهيل العلم في ذي الحقيقة |
وما أنت يا ذمي مبتكر كما | توهمته من دون ماضي البرية |
نعم كل شيء كائن بقضائه | وتقديره حتما بأوضح حجة |
وهل واقع ما لا يشاء بملكه | لقد ضل من ذا رأيه في القضية |
وإن الرضا غير القضاء فلا تكن | تنازع فيما شاءه من مشيئة |
له المحو والإثبات جل جلاله | فلا تعترض في حكمه وتثبت |
وكن بجوابي مسلما ومسلما | وكن باتباع الحق من خير أمة |
ألا بعد حمد الله باري البرية | على ما هدانا من كتاب وسنة |
بأفضل مبعوث إلى خير أمة | عليه من الرحمن أزكى تحية |
فإن صحيحا كون ما شاء ربنا | ونفي سوى ما شاءه من مشيئة |
ولم يرض كفر العبد أي لا يحبه | له لا ولا يثني عليه بمدحه |
وحيلة من لم يهده الله أنه | يلاحظ وجه العجز في كل لحظة |
وينفي القذى عن عين فكرته ولا | يميل بأسباب الحجى عن محجة |
ويجهد كل الجهد في قصد ربه | بصدق وعزم وابتهال وحرقة |
وكل الذي قلنا مساخط ربنا | كرد عبيد فعل مولاه بالتي |
فما لم نشاهد نفعه ليس منكرا | كموت خليل عند تلسيع حية |
ولا ظلم عند السلب قدرة خلقه | وإلزامه ما لم يدع في الجبلة |
لإيجاده أشياء من غيب علمه | وأحيا بها جودا وجودا برأفة |
فيفعل في مخلوقه ما مراده | وإن خفت من ذا ظواهر حكمة |
فلولا يقول الله بالكسب معلنا | لما جاء تخصيص لفعل بنسبة |
إذا ذات مخلوق مجازا وغيره | لتنصيصه جزما بنفي المشيئة |
فلا ينظر الراؤون إلا بعقلهم | قياسات وهم عاهدوها بعادة |
كقيد غلام ثم أمر بمشية | قبيح وذا من ملحقات السفاهة |
وهذا قيسا باطل في فعاله | إذ الكل موجود بحكم الإرادة |
ولو قيل هذا قيل لم أوجد الورى | فأعدمه من بعد حين بذلة |
تنزه عن نفع وضر بفعله | وذا قول من يجري بضرب بدرة |
هو الخالق الرحمن كلا وجملة | وبين في المنشا بعين حصيفة |
بما شاء من أنواره وحياته | وتسيير بعض في حنادس ظلمة |
ورتب أجزاء الوجود محققا | من الفعل والأرواح في بدو فطرة |
وأبدى محلا ثالثا في انتهائها | لإظهار أسرار الغيوب الغريبة |
وأبدع بعد الكل مظهر وصفه | وكمله فهما وعلما بعزة |
وعرفه ما شاء من كونه له | وطاعته في أمره المستديمة |
وذاك هو الإنسان أفخر خلقه | على كل كون بارتفاع وزلفة |
فأعطاه عقلا يفهم الخير والتقى | ويثبت باريه بأوضح حجة |
وعلما وسمعا ثم نورا به يرى | مراتب أشكال بدت في الشهادة |
وخيره فيما يريد لنفسه | بما احتاج إصلاحا لقومه صورة |
ومكنه فيما يروم تكسبا | بآثار فضل من نتائج نفحة |
وركب فيه قوة غضبية | لدفع الأذى من موبقات البلية |
وتمم فيه شهوة سبعية | لجلب مرادات له في الغريزة |
فيثبت ما محبوبه لمراده | ويدفع ما مبغوضه لشكيمة |
فكلفه الرحمن بالشرع بعدما | نفى عنه كل النقص في أصل خلقة |
فلما سرى في مهمه النفس والهوى | وخاض بحار الجهل من غير ريبة |
أنت رسل من عند باريه معلنا | مناهج ما أبدى لنفس منيرة |
وأوجب إتباع الرسول على الورى | وكلفهم إثبات فرض وسنة |
وبين أن الكل من عنده بدا | وطاعته حتم لكل البرية |
قضى أزلا بالكفر والجهل والنوى | لبعض فلا ينفعه قفوى الشريعة |
وآخر مفطور صفى معارض | إجازة كل المدركات بقوة |
ولم يعلم المقتضي علم قضائه | ليتبعه فيما أراد برأفة |
ولكن لما مال نفس خسيسة | إلى عدم الإسلام والتبعية |
أضاف إلى الباري إرادة فعله | وليس له علم بذا في الحقيقة |
وأبقاؤها في الكفر ليس أمارة | على أنها من بابه بطريدة |
فقد عاش شخص كافرا طول عمره | فأدركه سبق له بالسعادة |
فأسلم ثم أمحى جلائل ذنبه | فصار بفضل الله من أهل جنة |
وآخر في الإسلام أذهب عمره | بورد وأذكار وإكثار حجة |
فأدركه سبق الكتاب بعلمه | فصيره من أهل ذل وشقوة |
وهذا هو الحكم المحقق دائما | خفي على الألباب والألمعية |
بيان وقوع الحكم من أول الدنا | إلى آخر الأعصار في كل ذروة |
فيا أيها الذمي هل أنت عارف | بكفرك حتما عند أهل الشريعة |
لتحكم أن الله بالكفر قاضيا | ولم يرضه حاشاه في كل ملة |
إذا كان قاضي الكفر في بدء خلقه | فليس له تغيير حكم الإرادة |
لقول نبي الله ما جف سابقا | لتحقيق ما أبدى بحكم المشيئة |
فليس لنا جزم بأنك كافر | ولا حتم بالإسلام في كل حقبة |
ولكن يبين الحكم قرب انتقاله | بآية خير أو بسوء الأمارة |
فإن كنت من أهل السعادة آخرا | فما ضرك التهويد قبل الإنابة |
وإن كنت من أهل الشقاوة واللظى | فلا لك نفع إن أتيت بتوبة |
طوف القدوم بأشرف البلدان مخصوص | به الرمل العري من الخمج |
إن الوداع طوافه نسك فودع | طائفا يا من لبيت الله حج |
يا من يفارق مكة ودع ولو | سفرا قصيرا كان ودعك الهوج |
سرفا يحرمه وإن هو لم يكن | يا صاح في العصيان يأتيك الجرح |
ويحل أكل زرافة وإن ادعى | تحريمها من كان من أهل الحجج |
وتوقف الأستاذ في تحريم طاووس | كذا في الببغا فاقف النهج |
ما بين والدة ونجل فرقة | بالرد من عيب حرام كالشنج |
والشهد ليس يصح فيه عنده | ياذا الحجى سلم سلمت من الوهج |
في أول للشهر أو في آخر | أسلم صحيح ذا فمن يسلم فلج |
والحمل في هذا لجزء أول | من كل نصف حبذا قول بهج |
في أرزهم في قشرة السفلى أسلم | جائز هذا كوردك من فلج |
فليس بمعلوم قضا الحكم جازما | ولا عدم الرضوان حتما لشقوة |
بل أعطاك عقلا ثم فهما محققا | وأعلن منهاجا حوى كل خصلة |
تشهد وجز تحت الشريعة مؤمنا | بقدرتك الخيرية المستخيمة |
كما أنت مختار لنفسك كل ما | تحاوليه من مشبهات وشهوة |
فإن لم تقل بالنسخ كنت مكذبا | بما جاء موسى من بيان وشرعة |
لرفعهما أحكام من كان قبله | كتزويج بعض بين أخت بإخوة |
وإن كنت بالنسخ المحقق قائلا | فتابع لشرع حاز كل مليحة |
وإن قلت بالنسخ المخصص واقعا | فذا هو ترجيح بغير الأدلة |
فهل أنت ساع إن أتتك خصاصة | بوسعك حوبيا لاتقاء جوعة |
وهل أنت إن فاجاك فعل منافر | بقتل ونهب أو بشر وفتنة |
تكون مضيفا كل ذاك حقيقة | إلى الخالق الرحمن في كل لحظة |
وإن كنت مختارا لنفسك عزها | فبشر لها حتما بقول الشهادة |
إذ الخاص ملزوم من العام مطلقا | يبين هذا في دلائل حكمة |
وإن كنت تسعى في بلائك مسرعا | وتدفع ما لاقاك من كل هفوة |
فلبست حينئذ بافك ولم تكن | بفعل إله راضيا بالحقيقة |
ثبتت لرب الشفع شفعته إلى | إسقاطه فأصخ لقول ذي نعج |
ووفاة رب الرهن تبطل رهنه | من قبل قيض فاستمع ودع الهرج |
وخيار تصرية يمد إلى مضي | ثلاثة أيام شهر من حجج |
سير الأقارب لا يقر بذمة | كلا ولو بالفرض من قاض عرج |
ولمؤجر كسح لبئر ما نقا | بالوعة هو لازم وإن زعج |
ولئن وهبت الدين يا رب التقى | غير المدين يصح فاتبع من عمج |
سفه المولى للولاية سالب | من غير حجر الحاكم العالي الدرج |
لا ينظرن عبد إلى مولاته | حرم عليه ذا كمن غصب الجرح |
كلا ولا الممسوح ينظر طرفه | للأجنبية إن تربص أو درج |
إن عينت كفؤا وعين غيره | أعني الولي تجاب صاحبه البرج |
وكذاك ينعقد النكاح نعم بمستور | فدع من قال لا ثم انحضج |
والعسر قبل دخوله بالمهر لم | يثبت خيار الفسخ عن ذات الزجج |
دعاك ولم ينسد دونك بابه | فلج فيه واطلب منه خير الطريقة |
فلو كنت مخلوقا لإسعار ناره | فلا نفع في إقفاء كل شريعة |
رضاؤك في هذا كلا شيء هاهنا | لأنك مقبوض على شر قبضة |
فأوجب رب الكائنات الرضا بما | قضاه وأبداه بعلم وقدرة |
ولم يرض أن ترضى بمقضيه كذا | نهاك عن الفحشاء في كل لمحة |
فليس الرضا عما نهاك رضاؤه | ولكن رضاه في اتباع الإرادة |
لما لاح بعد الكون عند وجوده | لرؤية مكنون سرى في السجية |
إذا شاء منك الكفر كنت معاندا | ولم تقبل الشرع الجليل بخشية |
وجود الرضا حسب القضا منك لا رضا | فلا صدق في إقفاء حكم المشيئة |
تناولك العمر القديم بصورة | لإمضاء حكم بل لتركيب حجة |
فليس اختيار في خلاف قضائه | ولا عدل عن أحكامه لعزيمة |
بل أعطاك حولا ثم كسبا محققا | وجاد بأنعام الفهوم العميمة |
فما قلت يا ذمي قول مسفسط | فليس له عند العقول بعبرة |
فلا دخل في قول الإله وفعله | فيختار ما يختار من كل فعلة |
ولا نجح فيما رمت إذ هو حسرة | حوتها نفوس قسطها من شقاوة |
جوابك يا ذمي أعداد ستة | وتسعين بيتا من جواهر صنعتي |
تروم دحاض الحق ويحك طامعا | بأبياتك المدحوضة المستحيلة |
إلهي تعطف وارحم العبد أحمدا | بطوس بدت فيها له من ولادة |
يخوض بحار العلم والحكم التي | هي الغاية القصوى بنور العناية |
بما نال من أحوال رفعة شيخه | من الوجد والإجلال وقت الإنابة |
أحاط بما أبدى من العلم والهدى | بتعريفه ذا من جلائل نعمة |
فمن مال صدقا نحو حضرته التي | هي الملجأ الأقصى لكل سريرة |
يحيط بأسرار وجل معارف | يكون سراها روح روح قريرة |
أيا ناظرا في ذا الجواب لفهمه | تدبر بعلم لا تكن متفوت |
وطبق معاني اللفظ من كل موطن | لإدراجنا فيه فضائل جمة |
فلا تك ممن واخذ الغير قبل أن | يحقق ما أنشا بحسن الروية |
تكون مسيئا عند من أوجد النهى | وخصصها بالفهم في كل ساعة |
على سيد الكونين منا صلاته | نفوز بها يوم الجزاء بزلقة |
حمدت إلهي قبل كل مقالة | وصليت تعظيما لخير البرية |
وحاولت إبداع النصيحة منصفا | لمن طلب الإيضاح في حل شبهة |
فأول ما يلقى إلى كل طالب | لتحقيق حق واتباع حقيقة |
يزوع الذي في كل عقد وشبهة | يصد عن الإمعان في نظم حجة |
وإلقاء سمع واجتناب تعنت | فلا خير في المستمحن المتعنت |
إذا صح منك الجد في كشف غمة | بليت بها فاسمع هديت لرشده |
صدقت قضى الرب الحكيم بكل ما | يكون وما قد كان وفق المشيئة |
وهذا إذا حققته متأملا | فليس يسد الباب من بعده دعوة |
لأن من المعلوم أن قضاءه | بأمر على تعليقه بشريطة |
يجوز ولا يأباه عقل كما ترى | حدوث أمور بعد أخرى تأدب |
كما الري بعد الشرب والشبع الذي | يكون عقيب الأكل في كل مرة |
وليس ببدع أن يكون معلقا | قضاء الإله الحق رب الخليقة |
بكفرك مهما كنت بالبغي رافضا | تعاطي أسباب الهدى مع مكنة |
فمن جملة الأسباب فيما رفضته | مع الأمر والإمكان لفظ شهادة |
فأنت كمن لا يأكل الدهر قائلا | أموت بجوع إذا قضى لي بجوعتي |
فلو أنتم أقبلتم بضراعة | إلى الله والدين القويم الطريقة |
ووفيتم حسن التأمل حقه | وأحسنتم الإمعان في كل نظرة |
لكان الذي قد شاءه الله من هدى | وليس خروج عن قضاء بحالة |
ألا نفحات الرب في الدهر جمة | ولكن تعرض كي تفوز بنفحة |
ولا تتكل واعمل فكل ميسر | لما هو مخلوق له دون ريبة |
ولو كنت أدري أن ذهنك قابل | لفهم كلام ذي غموض ودقة |
لأشبعت فيه القول بسطا محققا | على نمطي علمي كلام وحكمة |
ولكنما المقصود إقناع مثلكم | فهناك قصيرا من فصول طويلة |
ولولا ورود النهي عن هذه التي | سألت لصار الفلك في وسط لجة |
فها أنا أطوي ما نشرت بساطه | وأستغفر الله العظيم لزلتي |
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 10- ص: 339
علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب العلامة علامى الدين.
الباجى الأصولي الجدلى المناظر أقام بدمشق مدة، ثم ولى قضاء الكرك مدة، ثم دخل القاهرة واستوطنها وناب في الحكم بالشارع ثم تركه ونصب نفسه للاشتغال، ودرس بالسيفية، وكان أنظر أهل زمانه وأصحهم ذهنا وأحسنهم بحثاً مع قلة الاشتغال بحيث أنه لا يكاد يمسك كتاباً، وكان الشيخ تقى الدين القشيرى يعظمه ويجله كجل الأئمة، تفقه على ابن عبد السلام وسمع منه، وروى عنه الشيخ تقى الدين السبكى واختصر المحرر وعليه مؤخذات فيه، وله ’’حقائق الكشف في المنطق’’، و’’الغاية في أصول الفقه’’، ’’ومختصر في أصول الدين’’، قيل: ما من علم إلا وله فيه مختصر. ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ومن شعره:
حَياة وعلمُ قُدْرةٌ وإرادة | وسمعٌ وإبصارٌ كلامٌ مع البقا |
صفاتٌ لذات اللَّه جلَّ قَديمةٌ | لَدَى الأشعري الخيِّر في العلم والتُّقَى’’. |
رثى لي عوَّدى إذ عاينونى | وسحب مدامعى مثل العُيون |
وراموا كَحْل عينى قلت كفوا | فأصل بليتى كَحْل العُيُون’’. |
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1