ابن النبيه علي بن محمد بن الحسن بن يوسف، أبو الحسن، كمال الدين ابن النبيه: شاعر، منشئ، من أهل مصر. مدح الأيوبيين، وتولى ديوان الإنشاء للملك الأشرف موسى. ورحل إلى نصيبين، فسكنها وتوفى بها. له (ديوان شعر - ط) صغير، انتقاه من مجموع شعره.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 331
ابن النبيه الشاعر علي بن محمد بن الحسن بن يوسف بن يحيى، الأديب الشاعر البارع كمال الدين أبو الحسن ابن النبيه المصري، صاحب الديوان المشهور. مدح بني العباس واتصل بالملك الأشرف موسى وكتب له الإنشاء، وسكن نصيبين.
توفي حادي عشرين جمادى الأولى سنة تسع عشرة وست مائة بنصيبين. وهذا ديوانه المشهور أظن أنه هو الذي جمعه من شعره وانتقاه لأنه كله منقى منقح، الدرة وأختها، وإلا فما هذا شعر من لا نظم له إلا هذا الديوان الصغير.
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال: أنشدني لنفسه بدمشق في صبي يشتغل بعلم الهندسة:
وبي هندسي الشكل يسبيك لحظه | وخال وخد بالعذار مطرز |
ومذ خط بيكار الجمال عذاره | كقوس علمنا أنما الخال مركز |
يا أيها الرشأ الذي لما بدا | محيت لديه محاسن الأقمار |
ما راح خدك وهو دائرة المنى | إلا وخالك مركز البركار |
مبقلة أعجبني شكلها | يسرح منها الطرف في مرج |
كأنما قسمة أبياتها | لما بدت رقعة شطرنج |
تعلمت علم الكيمياء لحبه | غزال بجسمي ما بعينيه من سقم |
فصعدت أنفاسي وقطرت أدمعي | فصحت بذا التدبير تصفيرة الجسم |
من آل إسرائيل علقته | أسقمني بالصد والتيه |
قد أنزل السلوى على قلبه | وأنزل المن على فيه |
لاح على وجنته عارض | كالعرض القائم بالجوهر |
يا شعر لا تكذب على خده | ما ذاك إلا صدأ المغفر |
تبا لحماك التي | أضنت فؤادي ولها |
هل سألتك حاجة | فأنت تهتز لها |
برزنا إلى الرمي في حلبة | حسان الوجوه خفاف المضارب |
بنادقهم في عيون القسي | كأحداقهم تحت قسي الحواجب |
فتلك لها طائر في السما | وهذي لها طائر القلب واجب |
بزاة لها حدق الأفعوان | وأظفارها كحماة العقارب |
فللأفق نسران ذا واقع | وذا طائر حذر الموت هارب |
يا جاذب القوس تقريبا لوجنته | والهائم الصب منها غير مقترب |
أليس من نكد الأيام يحرمها | فمي ويلثمها سهم من الخشب |
بدر تم له من الشعر هاله | من رآه من المحبين هاله |
قصر الليل حين زار ولا غـ | ـرو غزال غارت عليه الغزالة |
يا نسيم الصبا عساك تحملـ | ـت لنا من سكان نجد رساله |
كل معسولة المراشف بيضا | ء حمتها سمر القنا العسالة |
عانقتني كصارمي وأدارت | معصميها في عاتقي كالحماله |
إن بالرقمتين ملعب لهو | بسطت دوحه علينا ظلاله |
معلم معلم وشى بسطه الزهـ | ـر وحاكته ديمة هطاله |
وكأن الحمام فيه قيان | أعربت لحنها على غير آله |
وكأن القضيب شمر للرقـ | ـص سحيرا عن ساقه أذياله |
إن خوض الدماء أطيب عندي | من مطايا أمست تشكى كلاله |
فهي مثل القسي شكلا ولكن | هي في السبق أسهم لا محاله |
تركتها الحداة بالخفض والرفـ | ـع حروفا في جرها عماله |
نحو باب الوزير يوسف نجم الـ | ـدين نجل الحسين زين الجلاله |
كم له من رسالة تعجز الخلـ | ـق كأن الباري بها أوحى له |
ذو يد موسوية ومحيا | يوسفي إذا رأيت جماله |
بسط الجود عندما بسط السا | ئل في نيل جوده آماله |
داره جنة النعيم فمن فا | ز بتقبيل تربها طوبى له |
ذكر البان بالعقيق وضاله | عندما شام برقه فأضاله |
واعتراه إلى الديار حنين | كاد يقضي أو قضى لا محاله |
أي عيش يهنا بقولي: | عساهم، والأماني على المحال محاله |
بأبي أهيف تعلم منه | غصن البان ميله واعتداله |
وحكاه الخطي لونا ولينا | لم يزده وذاك شرط العداله |
ما تثنى عطفاه إلا وأمست | ألف القد بالنسيم مماله |
شمس أفق فإن أدار لثاما | قلت: بدر السماء في وسط هاله |
نقط الحسن خده سواد | فاعترى القلب غيرة حين خاله |
قيل لي: ذا الذي غدوت تراه | عمه بالجمال أصبح خاله |
إن تكلفت في هواه سلوا | جاءني حسنه بألفي دلاله |
أصل ما بي دلاله قد دهاني | وبراني فلا عدمت دلاله |
وكأني به تخيل دمعي | أنه قد أساله فأساله |
وأذاب الفؤاد بالوجد حتى | رق مما به العدى والأسى له |
لست أنسى لياليا قد تولت | نلت فيها من الحبيب وصاله |
كلما مدت النجوم شباكا | منع الصبح أن تصاد الغزاله |
أو تبدت فيها طلائع فجر | سل برق الدجى عليها نصاله |
أيها القلب عد عن ذكر هذا | إن عين الزمان فيها كلاله |
ما فؤاد المحب إلا مذاب | ودموع المشوق إلا مذاله |
وكلام العذول إلا ملام | ونفار الحبيب إلا ملاله |
قد فاز عندي رجـ | ـل بحبه يستعجل |
ريم غرير نافر | شويدن مخلخل |
أضلنا فلا ترى | لنا برشد سبل |
فويح قلب صبه | قلب مشوق وجل |
ليس يطيع قلبه | فلا تلح عذل |
قم يا نديم ترتوي | من كف ريم يرفل |
أبلج حيانا بصبح | تحت ليل يسبل |
بكفه قد شعشعت | كبرق ليل يعجل |
جل فلا يدخل غم | قط قلبا تدخل |
يحياي كن لي إن هـ | ـذا زمن مزلزل |
لا خوف من آفاته | برب عزم يكفل |
هذا قصيد بك قد | جل فلا يمثل |
رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا | فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى |
خذوا حذركم من خارجي عذاره | فقد جاء زحفا في كتيبته الخضرا |
غلام أراد الله إطفاء فتنة | بعارضه فاستأنفت فتنة أخرى |
فزرفن بالأصداغ جنة خده | وأرخى عليها من ذوائبه سترا |
أغن يناجي شعره حلي خصره | كما يعتب المعشوق عاشقه سرا |
وصلت بداجي شعره ليل وصله | فلم أر صبحا غير غرته الغرا |
أخوض عباب الموت من دون ثغره | كذاك يغوص البحر من طلب الدرا |
غزال رخيم الدل في يوم سلمه | وليث له في حربه البطشة الكبرى |
دري بحمل الكأس في يوم لذة | ولكن بحمل السيف يوم الوغى أدرى |
أهيم به في عقده أو نجاده | فلا بد في السراء منه وفي الضرا |
وظامية الخلخال إن وشاحها | فهذا قد استغنى وذاك اشتكى الفقرا |
تلأتلأ در العقد تيها بجيدها | وساكن ذاك النحر لا يذكر البحرا |
لها معصم لولا السوار يصده | إذا حسرت أكمامها لجرى نهرا |
دعتني إلى السلوان عنه بحبها | فما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا |
بأي اعتذار ألتقي حسن وجهه | إذا خدعتني عنه غانية عذرا |
تقول وقد أزرى بها حسن وصفه | لحى الله رب الشعر أو ناظم الشعرا |
ألم ترني بين السماطين منشدا | كأني على شاه أرمن أنثر الدرا |
مليك كريم باسل عم عدله | فمن حاتم وابن الوليد ومن كسرا |
أني سخي تحت سطوته الغنى | فخف وتيقن أن في عسره يسرا |
هو البحر بل -أستغفر الله- إن في | بنان يديه للندى أبحرا عشرا |
إذا قام ينميه الخطيب بمنبر | تأود تيها واكتسى ورقا خضرا |
لحى الله حربا لم يكن قلب جيشها | ومجلس عدل لا يكون به صدرا |
قمت ليل الصدود إلا قليلا | ثم رتلت ذكركم ترتيلا |
ووصلت السهاد أقبح وصل | وهجرت الرقاد هجرا جميلا |
مسمع كل من كلام عذولي | حين ألقى عليه قولا ثقيلا |
وفؤاد قد كان بين ضلوعي | أخذته الأحداق أخذا وبيلا |
قل لرامي الجفون أن لعيني | في بحار الدموع سبحا طويلا |
ماس عجبا عن كأنه ما رآني | غصنا طليحا ولا كثيبا مهيلا |
وحمى عن محبه كاس ثغر | حين أضحى مزاجها زنجبيلا |
بان عني فصحت في أثر العيـ | ـس: ارحموني ومهلوهم قليلا |
أنا عبد للصاحب ابن علي | قد تبتلت للثنا تبتيلا |
لا تسمه وعدا نبيل نوال | إنه كان وعده مفعولا |
راع أعداءه بصفر اليراعا | ت فأنسى صريرهن الصهيلا |
وإذا كان خصمك الدهر والحكـ | ـم إلى الله فاتخذه وكيلا |
إن مدحي له أشد وطآء | وقرضي أقوى وأقوم قيلا |
جل عن سائر البرية قدرا | فاخترعنا لمدحه التنزيلا |
باكر صبوحك أهنى العيش باكره | فقد ترنم فوق الأيك طائره |
والليل تجري الدراري في مجرته | كالروض تطفو على نهر أزاهره |
وكوكب الصبح نجاب على يده | مخلق تملأ الدنيا بشائره |
فانهض إلى ذوب ياقوت لها حبب | تنوب عن ثغر من تهوى جواهره |
جمراء في وجنة الساقي لها شبه | فهل جناها مع العنقود عاصره؟ |
ساق تكون من صبح ومن غسق | فابيض خداه واسودت غدائره |
مفلج الثغر معسول اللمى غنج | مؤنث الجفن فحل اللحظ شاطره |
مهفهف القد يندى جسمه ترفا | مخصر الخصر عبل الردف وافره |
بيض سوالفه لعس مراشفه | نعس نواظره خرس أساوره |
تعلمت بانة الوادي شمائله | وزورت سحر عينيه جآذره |
كأنه بسواد الصدغ مكتحل | وركبت فوق خديه محاجره |
نبي حسن أظلتنا ذوائبه | فقام في فترة الأجفان ناظره |
فلو رأت مقلتا هاروت آيته الـ | ـكبرى لآمن بعد الكفر ساحره |
قامت أدلة صدغيه لعاشقه | على عذول أتى فيه يناظره |
خذ من زمانك ما أعطاك مغتنما | وأنت ناه لهذا الدهر آمره |
فالعمر كالكأس تستحلى أوائله | لكنه ربما مجت أواخره |
وفي الكلة الحمراء بيضاء طفلة | بزرق عيون السمر يحمى احورارها |
أثار لها نقع الجياد سرادقا | به دون ستر الخدر عنا استتارها |
لها طلعة من شعرها وجبينها | تعانق فيها ليلها ونهارها |
لها من مهاة الرمل جيد ومقلة | وليس لها استيحاشها ونفارها |
وما سكنت وادي العقيق ولا الغضا | ولكن بعيني أو بقلبي دارها |
إذا ما الثريا والهلال تقارنا | أشكك هل ذا قرطها وسوارها |
فأي قضيب جال فيه وشاحها | وأي كثيب ضاق عنه إزارها |
وما كنت أدري قبل لؤلؤ ثغرها | بأن نفيسات اللآلي صغارها |
هي البدر إلا أن عندي محاقه | هي الخمر إلا أن حظي خمارها |
أيا كعبة من خالها حجر لها | بعيد علينا حجها واعتمارها |
فإن بلغتها النفس يوما بشقها | فقلبي لها هدي ودمعي جمارها |
طاب الصبوح لنا فهاك وهات | واشرب هنيئا يا أخا اللذات |
كم ذا التواني والشباب مطاوع | والدهر سمح والحبيب مواتي |
قم فاصطبح من شمس كاسك واغتبق | بكواكب طلعت من الكاسات |
صفراء صافية توقد بردها | فعجبت للنيران في الجنات |
ينسل من قار الظروف حبابها | والدر مجتلب من الظلمات |
عذراء واقعها المزاج أما ترى | منديل عذرتها بكف سقاني؟ |
وتريك خيط الصبح مقتولا إذا | مرقت من الراووق في الطاسات |
يسعى بها عبل الروادف أهيف | خنث الشمائل شاطر الحركات |
يهوي فتسبقه أساود شعره | ملتفة كأساود الحيات |
يدري منازل نيرات كؤوسه | ما بين منصرف وآخر آت |
لو قسمت أرزاقنا بيمينه | عدل الزمان على ذوي الحاجات |
حظي من الزمن القليل وهذه | نفثات في وهذه كلماتي |
سواي في سلوته يطمع | فعنفوا إن شئتم أو دعوا |
أوضحتم الرشد فمن يهتدي | وقلتم الحق فمن يسمع؟ |
بي ضيق العين وإن أطنبوا | في الحدق النجل وإن أوسعوا |
الليل من شعرته مسبل | والشمس من طلعته تطلع |
أمانا أيها القمر المطل | ففي جفنيك أسياف تسل |
يزيد جمال وجهك كل يوم | ولي جسد يذوب ويضمحل |
وما عرف السقام طريق جسمي | ولكن دل من أهوى يدل |
يميل بطرفه التركي عني | صدقتم إن ضيق العين بخل |
إذا نشرت ذوائبه عليه | ترى ماء يرف عليه ظل |
أترك هوى الأتراك إن شئت أن | لا تبتلي فيهم بهم وضير |
ولا ترج الجود من وصلهم | ما ضاقت الأعين منهم لخير |
جد وجدي بحب لاه وأودى | بفؤاده تذكاره وهو ناس |
من بني الترك لين العطف قاسي الـ | ـقلب سهل القياد صعب المراس |
ضيق العين وهي من صفة البخـ | ـل فإن جاد كان ضد القياس |
قم يا غلام نصيحة من نصح | فالديك قد صدع الدجا لما صدح |
خفيت تباشير الصباح فسقني | ما ضل في الظلماء من قدح القدح |
صهباء ما لمعت بكف مديرها | لمقطب إلا تهلل وانشرح |
والله ما مزج المدام بمائها | لكنه مزج المسرة بالفرح |
وضحت فلولا أنها تروي الظما | قلنا: شراب أو سراب قد طفح |
هي صفوة الكرم الكريم فما بدت | سراؤها في باخل إلا سمح |
من كف فتان القوام بوجهه | عذر لمن خلع العذار أو اطرح |
قمر شقائق مرج وجنته حمى | ما شقها سرج العذار ولا سرح |
ولى بشعر كالظلام إذا دجا | وأتى بوجه كالصباح إذا وضح |
يهتز كالغصن الرطيب على النقا | ذا خف في طي الوشاح وذا رجح |
النرجس الغص استحى من طرفه | وشعره زهر الأقاح قد انفتح |
وكأنه متبسم بعقوده | أو بالثنايا قد تقلد واتشح |
يا ساكني السفح كم عين بكم سفحت | نزحتم فهي بعد البعد قد نزحت |
لهفي لطيبة أنس منكم نفرت | لا بل هي الشمس زالت بعدما جنحت |
بيضاء حجبها الواشون حين سرت | عني فلو لمحت صبغ الدجا لمحت |
يقتص من وجنتيها قلت عاشقها | إن ضرجت قلبه باللحظ أو جرحت |
يهتز بين وشاحيها قضيب نقا | حمائم الحلي في أفنانه صدحت |
وأسود الخال في محمر وجنتها | كمسكة نفحت في جمرة لفحت |
لها جفون وأعطاف عجبت لها | بالسقم صحت وبالسكر الشديد صحت |
وروضة وجنات الورد قد خجلت | فيها ضحى وعيون النرجس اتقحت |
تشاجر الطير في أشجارها سحرا | ومالت القضب للتعنيق واصطلحت |
والقطر قد رش ثوب الدوح حين رأى | مجامر الزهر من أذياله نفحت |
باكرتها وحمام الروض نافرة | عن البروج بكف الصبح إذا وضحت |
ما بين عذران ماء مسها لبست | ثوب الحباب حياء منه واتشحت |
تشعشعت في يد الساقي وقد مزجت | كأنها بنصال الماء قد ذبحت |
يسعى بها أهيف خفت معاطفه | لكن روادفه من ثقلها رجحت |
للحسن ماء ومرعى وفق وجنته | ربيع عيني فيه كلما سرحت |
قالوا: تعشق سوى هذا فقلت لهم | لي همة لدني قط ما طمحت |
في أحسن الناس أشعاري إذا نسبت | وفي أجل ملوك الأرض قد مدحت |
وفى لها الحسن طوعا بالذي اقترحت | فلو رأتها بدور التم لافتضحت |
كأنها البدر في ليل الذوائب قد | تقلدت بالنجوم الزهر واتشحت |
صحت على سقم أجفانها وكذا | أعطافه وهي سكرى بالشباب صحت |
تفري حشاي وتفنيها لواحظها | ما ضر تلك الصفاح البيض لو صفحت |
مهاة حسن أداريها إذا نفرت | عني وأعطفها بالعتب إن جمحت |
قد حار في وصف أغزالي العذول بها | وقال كيف حلت في غادة ملحت |
بذلت في وصلها روحي فقد خسرت | تجارة الحب في روحي وما ربحت |
ولي أمالي نفس طالما كذبت | فيها ولو جنحت نحو الوفا نجحت |
زارت لتمنحني من وصلها مننا | أهلا بها وبما منت وما منحت |
أقسمت ما سجعت ورق الحمائم في | روض على مثل عطفيها ولا صدحت |
وكلما اعتدلت بالميل قامتها | رأيتها فوق حسن الغصن قد رجحت |
وما اكتسى خدها من لؤلؤ عرقا | لكنها وردة بالطل قد رشحت |
ورب ليل خفيف الغيم أنجمه | أزاهر قد طفت في لجة طفحت |
يتلو الهلال الثريا في مطالعها | كأنها شفة للكأس قد فتحت |
وللنسيم رسالات مرددة | وحمرة البرق في فحم الدجا قدحت |
والزهر قد أوقت منه مجامره | فكلما لفحت ريح الصبا نفحت |
خدمت بديوان المحبة ناظرا | على غرة يا ليتني فيه عامل |
وحاسب فرط السقم جسمي فلم تكن | توافيه إلا أعظم ومفاصل |
لبق أقبل فيه هيف | كل ما أملك إن غنى هبه |
الزمان سعيد مواتي | والحبيب حلو رشيق |
والربيع بساطو أخضر | والشراب أصفر مروق |
والنسيم سحر تنفس | عن عبير أو مسك أذفر |
والغصون بحال ندامى | من سلاف الغيم تسكر |
والغدير يمد معصم | ينجلي في نقش أخضر |
والهزار يعمل طرايق | في الغنا مزموم ومطلق |
هات يا ساقي الحميا | إن نجم الليل غرب |
من يكون البدر ساقيه | كيف لا يشرب ويطرب |
أنت والأوتار والكاس | للهموم دوا مجرب |
لا تخاف الصبح يهجم | دع يجي ويركب أبلق |
ذا قبس يا بني في يدك | أو فصوص ياقوت أحمر |
لا تقربها لخدك | تشتغل بالنار وتسكر |
خجلت من نور وجهك | إذ رأت أجل منظر |
والحباب باهت لثغرك | من حياه يعوم ويغرق |
ذا المليح في الجنة يبدو | وأنا مسكين في جهنم |
آه على قبلة في جيدو | وأخرى في ذاك الفميم |
لو ترى حمرة خدودو | وعذاره المنمنم |
كان ترى ثوب أطلس | أحمر معدني بأخضر معتق |
يا نديم اسمع نصيحا | لا تنم ما دمت يمكن |
الصباح ومثله في الكاس | ما ترى ما أبهج وما أحسن |
والشقيق حمرا في صفرا | كأنه رايت شاه أرمن |
ملك تخال جمالو | ما خلق وليس يخلق |
الكرم والعفاق والباس | عندك أبو الفتح موسى |
الأسد إذا تنمر | والعدو بحال فريسا |
لم يدع في الدنيا يذكر | لا جليل ولا نفيسا |
وكسا الاسلام جلاله | إن ذا سعيد موفق |
ورشيقه المعاطف | رأتو بين السناحق |
والغبار بحال غمائم | والسيوف بحال بوارق |
وسنا جبينو يرمي | بشعاع على الخلائق |
زعقت: حر أم زوجي | والنبي غدا تطلق |
أبصر النيل كيف صفا لي | وانطبع لما تملق |
وفرش في الروض بساطو | وهو بالأزهار مزوق |
هات كاسي يا نديمي | ما بقي للهو عاقه |
الفرح شاليشو عندي | والسرور من خلفو ساقه |
والمليح عبى لي خصره | كل باقه بلباقه |
والشراب قاعد مجلس | حين رأى الرواق معلق |
أصبح النرجس في بهته | حين رأى للورد صوله |
والشقيق يحمل مشاعل | والربيع قد صار لو دوله |
والنسيم لما تحرك | رقص الأغصان في جوله |
وعليه الطير غنى | والغدير بالموج صفق |
ما نجومي غير ندامى | طردوا بالسعد عكسي |
سبقوا للهو بدري | واحتسوا في الكاس شمسي |
وغدا يومي بنعمه | وعليها أطلب أمسي |
فاضربوا إلى الرعد كوسات | وانشروا إلى البرق بيرق |
أي مليح يسبي فؤادي | عندما تسحر عيونو |
ما ينال الصب منو | في مناه إلا منونو |
لو ثنى أعطاف قدو | أو تبدى نور جبينو |
تبصر الأغصان في كسره | والصباح من غيظو ينشق |
قلت: قلبي قد تقلى | قال لي: من ذي العوينات |
قلت: في ثغرك حلاوه | قال: هي سكر سنينات |
قلت: يا زهرة حياتي | قال: هي في ذي الوجينات |
قلت: مثل الغصن قدك | قال لي: واحلا وأرشق |
يا فؤادي لا تحل عن | حب هذا الظبي الأحور |
إياك أن يطغيسك لائم | قال: كنك بو تعذر |
ما ترى كافور خدو | وعليه الخال كعنبر |
لا تخف صولة عذارو | دع يجي ويركب أبلق |
أبصرت معشوق قلبي | جارتي يوم وهو داخل |
فسباها بانعطافو | وتثنيه في الغلائل |
فتحت لو قالت: ادخل | نعملو يا سيد واصل |
وزويجي إن تكلم | أكل الدره وفرق |
شعراء الزمان إن المعاني | والمعالي تبكي على ابن النبيه |
مات روح القريض واخترم | الفضل وحسن البديع والتشبيه |
كان عند الإنشاد آية موسى | فالقوافي من بعده في التيه |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0
ابن النبيه الشاعر البليغ صاحب ’’الديوان’’ كمال الدين، أبو الحسن علي بن محمد بن حسن بن يوسف بن يحيى المصري.
مدح آل أيوب، وسار شعره، وانقطع إلى الملك الأشرف، وسكن نصيبين، وبها مات، في الحادي والعشرين من شهر جمادى الأولى، سن تسع عشرة وست مائة. وقيل: إنه بقي إلى سنة إحدى وعشرين وست مائة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 156