ابن الساعاتي علي بن محمد بن رستم بن هردوز، أبو الحسن، بهاء الدين ابن الساعاتي: شاعر مشهور، خراساني الأصل. ولد ونشأ في دمشق. وكان أبوه يعمل الساعات بها. قال ابن قاضي شهبة: برع أبو الحسن في الشعر، ومدح الملوك، وتعانى الجندية وسكن مصر. وتوفي بالقاهرة. له (ديوان شعر - ط) في مجلدين، وديوان آخر سماه (مقطعات النيل - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 330
ابن الساعاتي الشاعر، اسمه علي بن محمد بن رستم.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
ابن الساعاتي علي بن محمد بن رستم بن هردوز، بهاء الدين أبو الحسن، الشاعر، ابن الساعاتي، صاحب الديوان المشهور. ولد بدمشق سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، وتوفي سنة أربع وست مائة. وكان أبوه يعمل الساعات بدمشق، فبرع هو في الشعر، ومدح الملوك، وتعانى الجندية، وسكن مصر، وروى شعره جماعة، منهم القوصي وغيره. وهو أخو الطبيب العلامة فخر الدين رضوان، طبيب الملك المعظم، وقد تقدم ذكره في حرف الراء.
وحكي أن بهاء الدين المذكور كان مليح الصورة ظريفا، وأنه كان ممن يتعشقه أربعون شاعرا، وأنه كان إذا نظم القصيدة ألقاها بينهم، فينقحها الجميع له، فلذلك جاد شعره. وديوانه كبير، ثلاث مجلدات كبار. وهو عند أكثر الناس أنه شاعر عظيم، وأنا ما أراه يداني ابن النبيه، وإن كان ابن الساعاتي قادرا مكثارا طويل النفس. وقيل إنه قال له يوما - وهو في حداثته - ابن منقذ: أجي وأحدثكم؛ فقال له ابن الساعاتي: مر ويك. وكلاهما أراد التصحيف؛ قال ابن منقذ: أخي واحد بكم؛ فقال ابن الساعاتي: مروءتك. وهذا لطف منه. نقلت من خط القوصي في معجمه، قال: أنشدني لنفسه:
قم يا نديم إلى مباشرة الوغى | فالحرب قائمة ونحن هجود |
والليل قد أودى وقهقه عندنا | الإبريق من طرب وناح العود |
ولئن زعمت بأن ذلك باطل | فلنا عليه أدلة وشهود |
القطر نبل والغدير سوابغ | والبرق بيض والغمام بنود |
ومواقف بالنيربين شهدتها | والعيش غض والزمان غلام |
جمد المدام بهن فهو فواكه | تجنى وذاب التبر فهو مدام |
مخطوبة جليت فنقطها الحيا | بعقود در خانهن نظام |
والدوح يرقص والبروق بجوها | مثل الصوارم بالرقاب تشام |
سفرت فنرجسها المضاعف أعين | والورد خد والقضيب قوام |
زعموا أنني بجهلي تعشقـ | ـتك سوداء دون بيض الغواني |
ليس معنى الجمال فيك بخاف | إنما أنت خال خد الزمان |
لا تعجبن لطالب بلغ المنى | كهلا وأخفق في الشباب المقبل |
فالخمر تحكم في العقول مسنة | وتداس أول عصرها بالأرجل |
يا مهدي الأبذنج أهلا بما | أهديت إذ كنت لنا منعما |
شبهته لما تأملته | ولم أكن في مثله معدما |
أقماع كيمخت على أكرة | من أدم قد حشيت سمسما |
ولقد نزلت بروضة حزنية | رتعت نواظرنا بها والأنفس |
فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي | والمسك من حافاتها يتنفس |
ما الجو إلا عنبر والدوح إ | لا جوهر والأرض إلا سندس |
سفرت شقائقها فهم الأقحوا | ن بلثمها فرنا إليه النرجس |
فكأن ذا خد وذا ثغر يحا | وله وذا أبدا عيون تحرس |
أما ترى البدر يجلوه الغدير وقد | حفت به قضب بالنور في لثم |
كخوذة فوق درع حولها أسل | سمر أسنتها مخضوبة بدم |
السحب رايات ولمع بروقها | بيض الربا والأرض طرف أشهب |
والند قسطله وزهر شموعنا | صم القنا والفحم نبل مذهب |
لله يوم في سيوط وليلة | صرف الزمان بأختها لا يغلط |
بتنا وعمر الليل في غلوائه | وله بنور البدر فرع أشمط |
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ | نظم يصافحه النسيم فيسقط |
والطير تقرأ والغدير صحيفة | والريح تكتب والغمام ينقط |
وثوب إلى العاري بغيض لباسه | وتقرعه كف الجليس ويغسل |
ويغزل من بعد اللباس خيوطه | وكل الثياب قبل ذلك تغزل |
وما ثوب لبست بلا اختيار | وقد أضحى بأعضائي محيطا |
أمزقه لبغض واحتقار | ولكني أفتله خيوطا |
البرق طلق كالأحبة ضاحك | في حجر غيم كالرقيب معبس |
والروض فيه من الحسان ملامح | وضاحة للناظر المتفرس |
فخدوده ورد وهيف قدوده | قضب ودعج عيونه من نرجس |
إذا راش سهم الناظرين بهدبه | وإن كان سلما غير يوم هياج |
غدا موترا من حاجبيه حنية | لها البلج الشفاف قبضة عاج |
ولما توسطنا مدى النيل غدوة | ظننت، وقلب اليوم باللهو جذلان |
عشارية انسانا له الماء مقلة | وليس لها إلا المجاذيف أجفان |
وعصبة كان يرجى سيب واحدهم | ما فيهم الآن من للجود يرتاح |
كالروح تشرف نفعا وهي واحدة | تسمى، ولا خير فيها وهي أرواح |
وساقي طلا قاس علي فؤاده | فما شئت من منع لديه ومن منح |
إذا ما حبا رب الندي بكأسه | ورياه فانظر ما يجل عن الشرح |
إلى البدر يستقي الشمس نجما سماؤه | سحاب بخور في إناء من الصبح |
أمجادلي في من رويت صفاته | عن هل أتى -وشرفن من أوصاف |
أتظن تأخير الإمام نقيصة | والنقص للأطراف لا الأشراف |
زوج البتول ووالد السبطين والـ | ـفادي النبي ونجل عبد مناف |
أوما ترى أن الكواكب سبعة | والشمس رابعة بغير خلاف |
يحمي برامة كل شيء مثله | من كل ساجي مقلة وسنانها |
فالسمر دون السمر يثنيها الصبا | والبيض دون اللحظ من غزلانها |
أنا بالثلاثة ما حييت معذب | برماحهم وقدودهن وبانها |
يحجبن فالأقمار في هالاتها | ويمسن فالأغصان في كثبانها |
فسلبت من جسدي سوى أسقامه | وعدمت من كبدي سوي خفقانها |
لم يبق في جسمي لروحي حاجة | لولا تعطفها على أوطانها |
بليت بشمس والسحاب نقابها | وإلا فدر والنجوم عقودها |
فللغصن عطفاها وللدعص ردفها | وللورد خداها وللظبي جيدها |
لقد سقمت مثل الجسوم جفونها | فلولا عموم السقم كنا نعودها |
يا خليلي خليا من عناني | عشرة الحب ما لها من إقاله |
وقتيل العيون هيهات أن يحيـ | ـيه غير اللواحظ القتاله |
وبروحي معسولة الريق تحميـ | ـها الظبى والذوابل العساله |
صح وجدي غداة عاينت بالتو | ديع تكسير جفنها واعتلاله |
هبوا بحياة الحب لبا لعاشق | متى ما دعاه البرق من نحوكم لبى |
لقد فل من قلبي شبا الصبر لمعه | وأية نار في الجوانح ما شبا |
كأن الغوادي خلن دمعي عاصيا | فقد جردت منه على مقلتي عضبا |
لا ومن قصر الوصال ومن صيـ | ـر ساعات هجركم أعواما |
ما وجدنا اللحاظ إلا سيوفا | أرهفت والجفون إلا سهاما |
مقل تجرح القلوب ويحميـ | ـن ثغورا عدلن فينا البشاما |
يا لنجد وأين مني نجد | بعدت شقة وشطت مقاما |
تربة تنبت الغصون رشاقا | لدنا تثمر البدور تماما |
كل بيضاء حجبوها بسمرا | ء فأدنى مزارها أن تراما |
تجعل الليل بالسفور صباحا | وسنا الصبح باللثام ظلاما |
وتريك الدرين في النظم والنثـ | ـر حديثا لتربها وابتساما |
تفضح البدر والغزال وخوط الـ | ـبان وجها ومقلة وقواما |
كم وقفنا فيها مع الغيث مثليـ | ـن جفونا وكافة وغماما |
عاد من عيد وصله ما تولى | وسرى طيفه فأهلا وسهلا |
وهو البدر حل منزل قلبي | كيف أشتاقه وفي القلب حلا |
يا جليد الفؤاد ليتك تحنو | مات هجرا من كنت أحييت وصلا |
كلما ضمنا محل عتاب | بت أبكي ذلا ويضحك دلا |
آها لموقف ساعة ولى به | نفسي وما ملكت جزاء معيده |
أرأيت أحسن من لواحظ سربه | ترنو وألين من رماح قدوده |
زمن حكى رمانه وغصونه الـ | ـحلوين من قاماته ونهوده |
سكري بخمري ريقه وسلافه | طربا لزهري ورده وخدوده |
والورق في أوراقه وكأنما | عبثت بمزمار يدا داوده |
ولرب ليلة موعد كصدوده | لا تهتدي فيها النجوم لمطلع |
نازلتها بالأبلجين: جبينه | وسلاف كأس يمينه المتشعشع |
وحللت بند قبائه عن بانة | هيفاء تحكيها الغصون وتدعي |
والنجم خفاق كمقلة خائف | مترقب أو مثل قلب مروع |
أخشى الوشاة بها فلولا ثغره | لبكيت من ضحك البروق اللمع |
وأخادع الأرواح عن أنفاسه | كتما ويأبى المسك غير تضوع |
حتى لو ان الليل ينشد بدره | في تمه لأصابه في مضجعي |
آها لشمل كالدموع مبدد | فيه وعهد كالهجوع مضيع |
من لي بقاسي القلب ليس يزول من | بالي ولست بخاطر في باله |
وكأن فجرا في بقية ليلة | في جمر ذاك الخد فحمة خاله |
أملت لثم عذاره ومنحته | فنسيت ما أملت من إجلاله |
وقنعت بالنظر الخفي تنزها | ووهبت طيب حرامه لحلاله |
يا عاذلي على هوى متجنب | ما ذقتما ما ذقت من بلباله |
ألقى الغصون فأين لين قوامه | وأرى البدور فأين حسن كماله |
ثنت الشمول من الشمائل | كالبان في ورق الغلائل |
هيف يناط بأعين | مثل الأسنة في الذوابل |
من كل مخشي الخلا | ف لأجله جدل العواذل |
هن الظباء نواصبا | هدب الجفون لنا حبائل |
سقما يشاب بصحة | فلذاك يحيي وهو قاتل |
وثغورها أحلى وأحـ | ـسن من رياض في مناهل |
يختال في عصب الوصا | ئل كل شاكي الطرف صائل |
حرسوا العيون ببيضهم | فحموا المناصل بالمناصل |
ولطالما منعت جنى | عسل اللمى تلك العواسل |
وبحبها أسرت فؤا | د محبها تلك العوامل |
أهلك والليل منضيا جملك | شمر فخير البلاد ما حملك |
لا خير في بقعة تروق من | الأرض إذا لم تنل فيها أملك |
لن جانبا للكريم واصف له | واغلظ على من جفاك أو جهلك |
فاعزز وإن سامك الهوان وصن | نفسك صون الطنين إن بذلك |
فلا تخله ظلما خصصت به | فالدهر يقضي كذا عليك ولك |
حتام لا تعمل الجياد ولا | تعمل في أم غاية إبلك |
لقد تربصت خيفة الأجل الـ | ـمحتوم لو كان دافعا أجلك |
وحبذا ذاك لو وجدت فتى | أفضل يوما عليك أو فضلك |
كن عتبك المر إن أرداك بالسـ | ـوء وإن لم يرد فكن عزلك |
والخل من ناش في الخطوب بضبـ | ـعيك ومن سد رتقه خللك |
ما أنزر العلية الكرام وما | أكثر يا دهر بيننا سفلك |
يا قائد الخيل والقلوب معا | أهوى أسيليك خائفا أسلك |
يردني راجيا رضاك فإن | وافاك واش ثناك أو نقلك |
وكيف أقبلت غير معتذر | قبلك المستهام أو قبلك |
ما زلت أهوى وأنت في شغل | حليك طورا وتارة عطلك |
أسرفت يا ظبي في النفار فلو | أمنت يا غصن ساعة ميلك |
يحفظ قلبي دنيا هواك كما | ضيع سمعي من قبلها عذلك |
وأنت من جيل ذا الزمان فما | أرهب إلا قلاك أو مللك |
يا زمانا بالخيف كان وكنا | عنف الشوق بالمحب المعنى |
أين لبنى أخت الشباب وما لذ | ة من فارق الشباب ولبنى |
أتمنى تلك الليالي المنيرا | ت وجهد المحب أن يتمنى |
كم جنينا حو المراشف لعسا | وهصرنا هيف المعاطف لدنا |
وعتبنا الأيام بعد وما تز | داد إلا حقدا علينا وضغنا |
ما عليهم أني شغلت بخال | فارغ القلب أو سهرت لوسنى |
أنا أبكي أقسى من الصخر قلبا | بدموع أندى من الغيث جفنا |
تابعا سنة الغرام وإن خا | لفت ما شرع الغرام وسنا |
ما حكيت المهاة طرفا ولا الغصـ | ـن قواما كلا ولا البدر حسنا |
أنت أسجى لحظا وأهيف أعطا | فا وأسبى وجها يشوق وأسنى |
حسدت قدك الغصون فلما | بنت بانت رواقصا تتثنى |
وادعى وجدي الحمام فلما | جد وشك النوى بكيت وغنى |
فاحبسي مرسل النسيم وإن بلـ | ـغ بخلا على شذاك وضنا |
واقطعي عادة الخيال فما أهـ | ـداه وهن إلا وجدد وهنا |
ومن لي بطرف الريم أحور زانه | فتور وخوط البان لدنا مقوما |
وهيفاء بيضاء الترائب طفلة | هي البدر أبدت بالقلائد أنجما |
إذا سفرت وجها وألقت ذوائبا | فلا تنسه يوما أضاء وأظلما |
لقد هجعت ليل السليم ونبهت | لبانات طيف جاء منها مسلما |
سرت تقطع البيداء والليل عابس | فما فطن الواشون حتى تبسما |
ولو كنت في حيث الوداع عشية | تعجبت من ضدين يعجب منهما |
لرقة جسم يكسب القلب قسوة | وطرف شج يبكي جبينا ومبسما |
وشاهدت نظم الدر وهو مبدد | دموعا ونثر الأقحوان منظما |
بأبي ذلك القوام وما رنـ | ـح من عطفه نسيم الدلال |
راح يقضي بالعدل والميل فينا | كل غصن للميل والاعتدال |
قامة الرمح طلعة البدر خد الـ | ـورد ريق السلاف جفن الغزال |
يا ولاة القلوب والحسن من حكـ | ـم غيد الآجال في الآجال؟ |
تجلى لطرفي وجهها تحت شنفها | فقابلت منها بدرها وثرياها |
فلا سمعت إلا بكاء حمامة | ولا ضاحكت إلا من البرق أفواها |
ترق أحاديث النسيم معانيا | وتخفى إشارات البروق فتفهم |
فيا فيض ذاك الماء لو برد الحشا | ويا حسن ذاك النثر لو كان ينظم |
وعهدي بذاك السفح وهو كأنه | من النبت خد بالعذار منمنم |
ترفع عن أيدي الركاب فتربه | يقبل منا بالشفاه ويلثم |
ولو يستطيع البدر والجو سافر | لمر بذاك الأفق وهو ملثم |
ووسنان يغزونا وتهوى لحاظه | وتظلمنا أجفانه وتحكم |
ينير سنا وجه ويدجو ذوائبا | فيا حسنه يوما يضيء ويظلم |
تحدث البرق عن سعدى فما كذبا | والدمع يشرح ما أملى بما كتبا |
يفتر معترضا عن مثل مبسمها | لو كان يملك ذاك الظلم والشنبا |
سيف من الوجد ما شيمت مضاربه | على مقاتل صبر عنهم فنبا |
وإن سرى في هزيع الليل لامعه | أشاب من لمم الظلماء ما خضبا |
نار إذا هاجها ليلا نسيم صبا | أصار فحم الدياجي ومضها ذهبا |
يا غائبين ولا والوجد ما فقدت | عيني - وحاشا فؤادي - مثلهم غيبا |
لو كنت أملك ما بتم أحق به | مني لسكنت قلبا طالما وجبا |
أبكي القدود وما ضمت مآزرها | وعاذلي ظنها الأغصان والكثبا |
أخذ الكرى مني وأعطاني الأسف | قد أخاف عليه سلطان الهيف |
متأود الأعطاف من سكر الصبا | متلون الأخلاق من تيه الصلف |
ذد عن حمى قلبي مغير جفونه | فجفونه نبل لها قلبي هدف |
جسم وروح ردفه مع خصره | والأثقل الأرضي يلطف بالأخف |
ما إن رآه ناظر إلا جرى | متنزها أو خاطر إلا وقف |
ذو القلب يحكي صدغه بسواده | لو أن لي لحظا حكاه إذا انعطف |
ذو مقلة كالصاد حف بحاجب | كالنون زانا قامة مثل الألف |
حجبوا القدود بمثلها فموائد الـ | ـخرصان دون موائس الأغصان |
وحموا العيون من الهجوع وغادروا | بين الضلوع ودائع الأشجان |
أترى يعود زمان وصل مر لي | بالجزع في أمن من الهجران |
أو أجتني ورد الخدود وأجتلي | تلك البدور على غصون البان |
يا ساكني قلبي الكئيب فبينهم | إلف الديار وصحبة الجيران |
خربتم ربع السلو بجوركم | وعمارة الأوطان بالسكان |
أملتكم فحرمت ما أملته | ورجوتكم فرجعت بالحرمان |
ذو وجنة حمراء فوق عذاره | وكذا تكون شقائق النعمان |
رشأ إذا لبس الحيا | ء فبدر تم في شفق |
فالوجه يقرأ والضحى | والفرع يتلو والغسق |
ولرب رب ملامة | فيه كفرت بما نطق |
دافعت عنه فما كذبـ | ـت وقال فيه فما صدق |
طال الدجى واحمر دمـ | ـع العين من سود الحدق |
وثغر أقاح قبلت نظمه الصبا | ونقط بالتبرين دمعي وطله |
ورب حليم الجهل في عرصاتها | بكي لي من دمعي الهتون بجهله |
وألبسه عطفا علي ورقة | ضياع الفؤاد المستهام وعدله |
وقالوا: سلا بعض السلو عن الحمى | لقد كذبوا واشغل كل بكله |
وأهيف من أعطافه ولحاظه | بليت بقد السمهري وفعله |
لم يبق في هذه الدنيا لنا أرب | فقل سلام عليها غير محتشم |
وحبذا وقفة في الحي من يمن | على المنيعين من سلع ومن إضم |
أبكي وأنشد في غزلانها غزلي | فالدر ما بين منثور ومنتظم |
أما واللمى وجدا بساكنة الملا | لقد ضاق باع الصبر أن يتجملا |
إذا الحسن أعطاها من الأنفس المنى | فما شأن أجلاب القطيعة والقلا |
وفي شعب الأكوار كل ابن لوعة | إذا هاجه برد النسيم تململا |
يشافه أذيال المروط وينثني | فيلقي إليه نشره ما تحملا |
أتبصر نارا باليفاع كأنما | يسل سناها هامة الطود منصلا |
إذا ما علا إفرنده صدأ الدجى | فأغمد لم يعدم من الريح صيقلا |
وفي الحب يا ذات الوشاحين ذلة | ومن لم يجد عز السلو تذللا |
أذاد كما شاء الدلال فلا أرى | بخدك روضا أو بثغرك منهلا |
وحملتني ذنب الدموع ولم يكن | بأول دمع أو دم طله طلا |
تنقلت عن عهد الغواية والصبا | ومن عادة الأقمار أن تتنقلا |
وملت إلى الواشين غير ملومة | ومن عادة الأغصان أن تتميلا |
أعاذلتي ما أفضح السقم واشيا | وأفصح نماما وأثقل محملا |
تلومين في نعم ونعمان ساهرا | وقد نمت عن ليل بنعمان أليلا |
ولولا فراق المالكية لم أكن | لأبكي خليطا خف أو منزلا خلا |
تملك قلبي وهو قفر وآهل | وأطلق دمعي حاليا ومعطلا |
وكل هلالي يزيد طلاقة | على شدة من دهره وتهللا |
إذا هزه داعي الوغى هز صبوة | أفاض غديرا أو تقلد جدولا |
فقبلها وجها من البيض أبلجا | وغازلها طرفا من النقع أكحلا |
فرد ذابلا من قبل ورد وروضة | فكل ربيع بالأسنة يجتلى |
أمذكري ظبيات سلع والنقا | هيجت ذا شجن وشقت مشوقا |
ولقد مددت إلى السلو يد الأسى | فوجدت باع الصبر عنه ضيقا |
ويزيدني قدم العهود صبابة | وكذاك فعل البابلي معتقا |
يا سعد هل لمياء تبسم موهنا | أم ذاك برق الأبرقين تألقا |
ما كل لامعة على أطلالهم | لكنني أعطيت قلبا شيقا |
حكم الفراق بظلمه فوجدت إ | لا شامتا وعدمت إلا مشفقا |
غدر الغنى والغانيات بنا وما | كانا بأول من أضاع الموثقا |
فلأجل ذا أضحى الوصال تكلفا | والعتب مذقا والوداد تملقا |
لا نلت ما فوق المطي من المها | إن كان قلبي قر أو دمعي رقا |
ووراء تلك العيس قلب مدله | لم يلق من رق الصبابة معتقا |
حران يسأل أدمعي لغليله | ولطالما سأل الأسير المطلقا |
وسقيمة الألحاظ بيض جفونها | فتكا لسود جفونها لا يتقى |
نشرت ذوائبها وهز قوامها | شرخ الشباب فهز غصنا مورقا |
كلفي بذات الخال ليس بحادث | فيكون في نسب الملاحة ملحقا |
منعت زكاة الحسن في العشرين كا | ملة وكنت ابن السبيل المملقا |
لولا صدودك يا أمامه | ما كنت أندب عهد رامه |
ولما وقفت على القدو | د الهيف أسجع كالحمامه |
أبكي ليالي غبطة | كانت لخد الشام شامه |
وأغن ما ضر الصبا | لو أنا حملت سلامه |
فأغالط الواشي بنشـ | ـر الأقحوانة والثمامة |
إن حل طرفي طيفه | فالبدر يسري في الغمامه |
أزرى بظبي الرمل نا | ظرة وخوط البان قامه |
وأرى المدام بخده | والورد ليس له مدامه |
أمر العذول بهجره | قل للعذول: ولا كرامه |
واطلب أمان جفونه | إن كنت ترغب في السلامه |
هي دار مية يا طليق العذل | قف بالمطايا إن وقفت بمنزل |
فهناك أفواه البروق ضواحك | والدوح راقصة لشدو البلبل |
ما بين درع من غدير مانع | نبل القطار وصارم من جدول |
صاف إذا ما المد ألبس جسمه | صدأ القذى صقلته ريح الشمأل |
وكأن رمحا فوق متن نظيمة | زغف قضيب البان فوق المنهل |
والمزن تسفح منهرات جراحها | وترى حسام البرق غير مفلل |
حرب حنين الرعد صوت نسيمها | والغيم أسوده غبار القسطل |
وقفت بها الأبصار وقفة حائر | ومشت إليها السحب مشية مثقل |
فالأرض باسمة ثغور أقاحها | طربا لوجه العارض المتهلل |
ألم تحتلف أن لا تعود إلى ظلم | فلم جردت أسياف عينيك في السلم |
وما بال كف الدل نحو مقاتلي | تسدد من عطفيك بعض القنا الصم |
ولم أر موتا قبل طرفك مشتهى | ولا صحة زينت بشاف من السقم |
عدمت الغنى من وجنة ذهبية | تصان وهذا خالها طابع الختم |
وقد بلغت عني بلاغة أدمعي | وباح نحولي بالخفي من الكتم |
فما شافه العذال مثل مدامعي | ولا خاطب الواشين أفصح من سقمي |
وبكر من اللذات نلت بها المنى | وبت نديم الإثم فيها بلا إثم |
أضم قضيب البان في ورق الصبا | وألثم بدر التم في سحب اللثم |
أجنها الفكر وأبداها العبق | ما كتم الليل ولا نم الفلق |
لا ذنب للصبح وشمس ما أرى | والعذر لليل ومسك ما انتشق |
بالقلب ما بقلبها من غصة | وجدا وما لوشحها من القلق |
إذا تثنى قدها في فرعها | بان به معنى القضيب في الورق |
ومقلة ما لي بها من مقلة | يد على طول البكاء والأرق |
لولا خيالات الدجى ما فضلت | بنفسج الليل على ورد الشفق |
يا راقدين ورقادي بعدهم | أخو الهدو مدعى أو مسترق |
قطعتم نومي وجفني سارق | وإنما يقطع شرعا من سرق |
أخلقت ثوب السقم في حبكم | وعادة أن ينزع الثوب الخلق |
من لي بكافور الصباح قولة | من ساهر أمله مسك الغسق |
ولو وفيت لخؤون غادر | تبعت قلبي معكم حيث انطلق |
أباسم بالغور أو برق حفا | أم صارم جرد أم سهم مرق |
إذا استطار جمرة في فحمة | من الدجى جل به الشوق ودق |
أفهمني وحي الغرام ومضه | والشأن أن يفهم ثغر ما نطق |
حال الشباب وما حالت صبابته | وخانه دهره فيهم ولم يخن |
لو كنت أبقيت دمعا يوم بينهم | لما تحملت فيها منة المزن |
غابوا وما فكري فيهم بغائبة | فاللحظ للقلب لا للعين والأذن |
وربما ليلة كانت بقربهم | خالا لهوت به في وجنة الزمن |
وما سلوت كما ظنت وشاتهم | لكن قلبي حليم الوجد والشجن |
وأنكر الركب مني يوم كاظمة | عي اللسان وفوز الدمع باللسن |
وسنة الحب في الآثار ماضية | وإنما الناس بالعادات والسنن |
سرت زينب والبرق مبتسم الثغر | كما سحبت كف شريطا من التبر |
وقد جمعتنا شملة الليل والهوى | كما اشتملت أحناء صدر على سر |
بكت وأرانا عقدها دهش النوى | فقلنا لها: ما أشبه النظم بالنثر |
ولاحت ثريا شنفها فوق خدها | وشرط الثريا أنها منزل البدر |
وبتنا ولا لثمي قلادة جيدها | عفافا ولا ضمي وشاحا على الخصر |
ويوم وصال كان أبيض ناصعا | ولكنه كالخال في وجنة الدهر |
لهونا به والشمس في الدجن تجتلى | كنظم حباب فوق كأس من الخمر |
ورحنا وفي أفعالنا صحوة الحجى | وإن كان في ألبابنا نشوة السكر |
نعفي بأذيال المروط مع الدجى | لما كتبت منها الذوائب في العفر |
سلوها هل ارتابت بلحظ ضجيعها | وهل حط عن شمس الضحى سحب الخمر |
على طول ما أبكت جفوني من الأسى | وما أضحكت بالشيب رأسي من الصبر |
منزهة في الحرب أقلام سمرهم | عن الدم حتى ليس تكتب في ظهر |
إذا ما ابتدا منا امرؤ قالت العلى: | ليخل مكان الصدر للفارس الحبر |
وما كان نظم الشعر عادة مثلنا | لمسألة لولا الإرادة للفخر |
أريت أخاها النجم ليلة نظمها | أشف بيوتا من كواكبها الزهر |
ولو أن هاروتا رأى حسن وجهها | تعلم من أجفانها صنعة السحر |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 22- ص: 0
ابن الساعاتي عين الشعراء أبو الحسن علي بن محمد بن رستم، بهاء الدين الخراساني ثم الدمشقي، ابن الساعاتي.
كان أبوه يعمل الساعات، فتجند بهاء الدين ومدح الملوك وسكن مصر، وقال النظم الفائق، وهو أخو الطبيب الأوحد فخر الدين رضوان ابن الساعاتي. بلغ ’’ديوان البهاء’’ مجلدتين، وانتخب منه ديوانا صغيرا. وهو القائل:
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ | رطب يصافحه النسيم فيسقط |
والطير تقرأ والغدير صحيفة | والريح تكتب والغمام ينقط |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 37
ابن الساعاتي
الشاعر المجيد الشهير المكثر الجليس البهاء بن الساعاتي الدمشقي أبو الحسن علي بن محمد بن رستم.
وقفت على ترجمته في ’’تاريخ حلب’’ و’’تاج المعاجم’’. ووقفت على ديوان شعره في أربع مجلدات. وهو مملوء من المحاسن.
وتلخيص أمره: أنه خراساني الأصل، ولد بدمشق وكان أبو أمه يشتغل بالساعات التي على باب الجامع، فعرف به.
قالوا: ولم بدمشق في زمانه أبدع منه صورة. وبرع في صباه خطاً وشعراً، ولعبا بالشطرنج والنرد، وفي الفروسية. فخالطه الكبراء، وهام فيه الجلة، ونادمة الملوك، وجالسة السلاطين إلى أن قدم على الجميع، وأبيح له ضرب طبولهم، على عادة أهل المشرق.
وجل مديحه في السلطان صلاح الدين بن أيوب، وبنيه: العزيز صاحب مصر، والأفضل صاحب دمشق، والظاهر صاحب حلب. وله مدح كثيرة في نجم الدين بن مجاورة وزير العزيز، وقد تقدمت ترجمته.
ومن المشهور أنه قرأ في أولا أمره على البديع الأسطرلابي بأمد وكان له ألف دينار، فجعلها في حب ببيت البديع ولم يعلمه، فاتفق أن دخل سقاء وحمل الحب فوقع على الذهب فأخذه. وتفقده ابن الساعاتي فلم يجده. فخرج وشكا ذلك للبديع. فقال البديع ما اشتهر، لما تضمنه من الإحسان وطريف المقصد:
يا من غاب عني لست أنساه | ومن أصافيه ودي حين ألقاه |
إن كان مالك الحب ألفه | كما علمت فماء الحب أفناه |
هز الصبا أعطافه هز الصبا | أعطاف غصن البانة الهيفاء |
ما ضم صدر ضحى كطلعته ولا | ينشق عن ثانية جيب سماء |
وبمهجتي الداني القريب خيالها | ومزارها عني البعيد النائي |
وهبت مباسمها الصباح وقلبها | خلعت ذوائبها على الظلماء |
وقفت وقوف الدمع ثم مشيت إلى التـ | ـوديع مشى الوجد في الأحشاء |
عز الجفون وذلة الصبر | حكما على بطاعة الهجر |
ما كنت أعلم قبل كاظمةٍ | أن الوفاء طليعة الغدر |
لو كنت أسأل بعد وقفتنا | عن ذاهبٍ لسألت عن صبري |
يا كعبة في الحسن ما نصبت | إلا لكسبت الإثم لا الأجر |
علمت دمعي السعي ثم أخذ | ت الصبر عنك بسنة النقر |
لو كنت عادلة على دنف | لمنعت ظلم الردف للخصر |
ولما ضربت بسيف لحظك معـ | ـمودا فباء الجفن بالكسر |
لفتوره وحي إلي على هار | وت أنزل سورة السحر |
وبسمت من دمعي ولا عجب | للغاديات تبسم الزهر |
ما راعني في وجنتيك ضحى | غير اصطلاح الماء والجمر |
يا ليلة بالنعف فزت بها | ما كنت إلا ليلة القدر |
اسقي بريقك وهي صافية | صهباء في قدح من الدار |
وحددتني باللحظ حين رأيـ | ـت الحد يلزم شارب الخمر |
وسواد قلب الليل يخفق فيـ | ـه البرق خوف طليعة الفجر |
حتى بدا وكأن طلعته | وجه الوزير يهش للسفر |
لهفي على غصن النقي المتمايل | يهتز معتدلاً وليس بعادل |
لا يستبين منازلاً عشاقه | بفتور لحظ كالقضاء النازل |
فشعاره من فارس ونجاره | من عامرٍ ولحاظه من بابل |
يا قلب عاشقه وأسهم لحظه | كم ألزم المتقول حب القاتل |
يلقاك من لدن القوام برامح | ويصول من هدب الجفون بنابل |
كالبدر يسري في نجوم قلائدٍ | وظلام أصدغ وسحب غلائل |
ما جال دمعي بعد طول جموده | إلا على ذاك الوشاح الجلائل |
فؤادي وفودي بعد لمياء أشيب | وقلبي على جمر الغضي يتقلب |
إذا مال غصن قلت قدٌّ مهفهف | وإن لاح برقٌ قلت كف مخضب |
فلا تنكر إذ كر العذيب بارقٍ | فإني بثغر المالكية أنسب |
أغار على القرطين خيفة حبها | ألست تراها مثل قلبي تعذب |
وأنكر من تلك الغدائر أنها | إذا أرسلت ظلت مع الشعر تلعب |
لو لم يكن هاروت ساحر قرطها | ما كان في ذاك الفضاء يلعق. |
قال سعدٌ وقد رأى فيض دمعي | ليت شعري ما حدثته البروق. |
لا تعجبن لطالبٍ بلغ المنى | كهلاً وأخنق في الزمان الأول |
فالخمر تحكم في العقول مسنة | وتداس أول عصرها بالأرجل |
كادت تطير من الزجاج وإنما | صاغ المزاج لها خفي شباك |
صدأ الظلام يزيد رونق حسنه | أرأيت سيفاً قط يصقل بالصدا |
والطير تقرأ والغدير صحيفة | والريح تكتب والغمامة تنقط |
قم يا نديم إلي مباشرة الوغى | فالحرب قائمةٌ ونحن هجود |
القطر نبل والغدير سوابغ | والبرق بيض والغمام يقود |
يا حبذا ذاك الزمان وطيبه | والحادثات عن السرور نيام |
ومواقف بالنيربين شهدتها | والعيش غضٌّ والزمان غلام |
جمد المدام بهن فهو فواكهٌ | تجني وذاب التبر فهو مدام |
في جنة جليت فنقطها الحيا | بعقود درٍّ خانهن نظام |
كملت فنرجسها المضاعف أعين | والورد خدٌّ والقضيب قوام |
لله يوم النيربين ووجهه | طلق وثغر اللهو ثغر أشنب |
وكأنما فنن الأراكة منبر | وهزارها فوق الذؤابة يخطب |
والرعد يشدو والحيا يسقي وغصـ | ـن البان يرقص والخمائل تشرب |
وكأنما الساقي يطوف وكأسه | بدر الدجى في الكهف منه كوكب |
بكر بها نقع الغليل ومعجبٌ | نقع الغليل بجذوة تتلهب |
والقطر نيل والغدير سوابغٌ | موضونة والبرق سيف مذهب |
تخشى الفلا أبداً غارته فلذا | قلب السراب على حافاتها يجب |
وبروحي من وجهه شفقي الـ | ـلون كالشمس روعت بالفراق |
لا لداء لكنه غم وجداً | لم يدع غير هائمٍ مشتاق |
راق ماء الجمال في وجنتيه | فهو مرآة أوجه العشاق |
لا تيأسن من أخ ولى بجانبه | وإن بدا منه سوء أخلاق |
إن السماء ترجى وهي نازحةٌ | إذا ألحت بإرعادٍ وإبراق |
لا تخل أن كل ضحك سرورٌ | ربما كان مؤذناً بالبكاء |
فطويلاً أبكي جفون الغوادي | ضحك البرق في متون السماء |
زعموا أنني بجهل تعشق | تك سوداء دون بيض الغواني |
ليس معنى الجمال فيك بخاف | إنما أنت خال خد الزمان |
يا منزل القاضي السعيـ | ـد حبوتني عياً ولكنه |
ما أنت إلا جنة | إن كان في الأفاق جنة |
حاكيت شكل كليلة | فمتى يرى كأخيه دمنة |
يا مهدي الإبذنج أهلاً بما | أهديت لي إذ لم تزل منعما |
أقماع ’’ كيمختٍ’’ على أكره | من أدمٍ قد حشيت سمسما |
أو ما ترى الأطيار في أشجارها | كمغرد قد دب فيه شراب |
وكأن معتل النسيم تحيةٌ | وكأنما أغصانها أحباب |
أشجار موزٍ نزلنا بها | فيا شكر الله ألطافها |
حلا طعمها ونما عرفها | لمن ذاقها ومن استافها |
فمن كان ضيع أضيافه | فليست تضيع أضيافها |
كخضر البنود إذا نشرت | وجاذبت الريح أعطافها |
وإلا قدود عذارى رقصن | فظلت تناقل أسيافها |
فلو كنت في غير قيد النهى | لقمت فقبلت أطرافها |
ولقد نزلت بروضة حزينة | رتعت نواظرها بها والأنفس |
فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي | والمسك من نفحاتها يتنفس |
ما الجو إلا عنبر والدوح إلا | جوهرٌ والروض إلا سندس |
سفرت شقائها فهم الأقحوا | ن بلثمها فرنا إليه النرجس |
فكأن ذا خدٌّ وذا ثغر يحاوله | وذا أبدا عيونٌ تحرس |
سر بي ولا تخف المقاتل واثقاً | بالله إن العار عين المقتل |
أنا بارقٌ حيث الدماء سحائبٌ | أهدي المنية في ظلام القسطل |
أظمى وبي نقع الغليل وغير ما | عجبت إذا نقع الغليل بجدول |
لك البقاء وللأعداء ما زعموا | وبالخلائق جمعاً لا بك الألم |
ما ضر مجدك ما قالوا وما أفكوا | ولا معاليك ما شادوا وما هدموا |
وافي كتابك والآمال قاعدةٌ | وهماً فقامت إلى تقبيله الهمم |
ما كان إلا الندى في كل واجبة | أو العظائم في الأفاق تقتسم |
يطوي ويستر صوناً ثم ننشره | كالشمس تسفر أحياناً وتلتثم |
يا ضرة القمرين في شرفيهما | من أي شيء منك لم أتعجب |
أقبلت مثل الشمس في غسق الدجى | وحملت برقا ضاحكاً عن كوكب |
كتبت بخديها المواشط فتنةً | عمت عموم هواك من لم يكتب |
جاء الكليم بأيةٍ من حيةٍ | وأراك جئت بحية وبعقرب |
وعرفت غبطة هذا الدوا | ء من كل مؤلمة في الجنان |
فبرؤك صحة جسم الوجود | نعم واعتدال مزاج الزمان |
واهاً لسعيك في بلوغ مقاصد الـ | ـعافي وبشرك في وجوه القصد |
طلبوا علاك بأنفس ما عودت | حب الثناء ولا اكتساب السودد |
دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 1( 1945) , ج: 2- ص: 118