اللخمي علي بن محمد الربعي، أبو الحسن، المعروف باللخمي: فقيه مالكي، له معرفة بالأدب والحديث. قيرواني الأصل. نزل سفاقس وتوفي بها. صنف كتبا مفيدة، من أحسنها تعليق كبير على المدونة في فقه المالكية، سماه (التبصرة) أورد فيه آراء خرج بها عن المذهب.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 328
اللخمي علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي، أبو الحسن، هو ابن بنت اللخمي ولا نعلم عن جده للأم شيئا، الفقيه النظار.
نشأ بالقيروان، وتفقه على ابن محرز، وأبي الفضل ابن بنت خلدون، وأبي الطيب بن عبد المنعم بن محمد بن إبراهيم الكندي المعروف بابن بنت خلدون، وأبي إسحاق التونسي والسيوري وظهر في أيامه وطارت فتاويه، وكان السيوري يسيء الظن فيه طعنا عليه ويبدو أن السبوري الذي كان سريع الغضب نوعا ما استراب من اللخمي الذي اشتهر إذ ذاك بفتاويه، وأنكر ميله إلى الخروج أحيانا عن مذهب الأشعري وكلام الأصوليين، وعلى كل حال فإن اللخمي أصبح بعد موت السبوري أكبر عالم في إفريقية، ومما يدل على عدم تقيده في كل شيء بمذهب الأشعري ما جاء في «المعيار المغرب» 12/ 233 وسئل المازري عن قوله صلى الله عليه وسلم: ما سمع المؤذن أنس ولا جن ولا رطب ولا يابس، وفي لفظة ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. فإنه يقتضي أن الجمادات تعقل ذلك. فأجاب الذي عند أهل الأصول أن الجماد لا يسبح، ويستحيل
أن يكون الجماد يعقل شيئا من ذلك، وقد ذكرت شيئا من ذلك عند اللخمي، وقلت: إن القاضي ابن الطيب يمنع من هذا، فقال لي: قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} يدل على أن الجمادات كلها تسبح، وأنكر قول القاضي غاية الإنكار، وقال لي: خلوا ما أنتم عليه من كلام الأصوليين، وكان - رحمه الله - يستثقل كلام الأصوليين فقال له عبد الجليل، فهذه الحمى تسبح، فقال له: نعم تسبح بالغيظ، فسكت عبد الجليل لما رأينا من غيظه.
نزل اللخمي بصفاقس على أثر زحفة الهلاليين وتفرق علماء القيروان ببلدان الساحل وغيرها وأسس له مسجد درس به ونشر به علمه وبالخصوص تأليفه «التبصرة» و «صحيح البخاري» وهذا المسجد ما زال منسوبا إليه، ويعرف أيضا بمسجد الدريبة لمواجهته دريبة الجلالة ، وهو واقع في طرف المدينة من الناحية الشرقية في الحومة المعروفة قديما بحومة الرقة أو بربع الرقة (بكسر الراء المهملة والقاف المعقدة المفتوحة) والظاهر أن أهل الرقة عمروا هذه الناحية بعد جلائهم عن قريتهم على أثر زحفة بني هلال، وربما كانوا المؤسسين لمسجد الشيخ اللخمي، وهو ثاني مسجد لإقامة الجمعة في شهر صفر 1289/ 1877 وأول خطيب به الشيخ عبد السلام بن علي الشرفي (ت 1304/ 1892) ثم ابنه من بعده محمد الطيب. وفي شعبان سنة /1401 جوان 1981 تم بناء مسجد عظيم يقع خارج أسوار المدينة بتعاون من السلطة المحلية والمواطنين ونسب للشيخ اللخمي، وهو مسجد جمعة، وأول خطيب به هو صديقنا الأستاذ الشيخ أحمد بن الشيخ الصادق جبير.
وقرأ على المترجم بصفاقس الإمام المازري دفين المنستير (ت 536/ 1141) وعبد الحميد الصفاقسي، وعبد الجليل بن مفوز، وأبو الفضل بن النحوي التوزري، والفقيه الرياضي الفرضي أبو علي الحسن بن عبد الأعلى الكلاعي الصفاقسي (ت 505/ 1111 بأغمات جنوبي المغرب الأقصى)، ومحمد بن عبد الله الصقلي (ت 518/ 1124) وهو من شيوخ القاضي عياض، وأبو يحيى زكريا بن الضابط مفتي صفاقس بعد اللخمي والذي قتله النرمان، وسعيد بن أحمد بن سعيد الصفاقسي الينونشي نسبة إلى ينونش من قرى صفاقس، أبو الطيب الفقيه الزاهد (ت بأغمات سنة 501/ 1108) وهو من مشايخ القاضي عياض، وأثنى عليه في «الغنية» ص 220 (ط/تونس).
قال القاضي عياض في حق اللخمي: وكان فقيها فاضلا مفتيا متقنا ذا حظ من الأدب والحديث جيد النظر، حسن الفقه، جيد الفهم، وكان فقيه وقته أبعد الناس صيتا في بلده، وبقي بعد أصحابه فحاز رئاسة بلاد إفريقية جملة، وقال: كان حسن الخلق مشهور المذهب.
وقال العلامة محمد الحجوي في «الفكر السامي»: «كان متفننا في علوم الأدب والحديث والفقه حسن الفهم، جيد الفقه والنظر، أبعد الناس صيتا فحاز رياسة إفريقية جملة وطارت فتاويه كل مطار مشهور بالفضل وحسن الخلق.
وهو أحد الأئمة الأربعة المعتمدة ترجيحاتهم في مختصر خليل حتى في اختياره من عنده رغما عما قاله عياض.
والقاضي عياض يرى أن ترجيحاته واختياراته تخالف المذهب فقد قال: «وهو مغرى بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال وربما اتسع نظره فخالف المذهب فيما ترجح عنده فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب ... ».
وأيد بعضهم هذا فقال في مدح ألفية ابن مالك:
لقد مزقت قلبي سهام جفونها | كما مزق اللخمي مذهب مالك |
واظب على نظر اللخمي إن له | فضلا على غيره للناس قد بانا |
يستحسن القول إن صحت أدلته | ويوضح الحق تبيانا وفرقانا |
ولا يبالي إذا ما الحق ساعده | بمن يخالفه في الناس من كانا |
هلال تبدا | في أعلى الأفق ساطع |
دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 4- ص: 214