علي بن محمد بن نصر أبو الحسن الكاتب صاحب الرسائل: كان كاتب ديوان الرسائل في أيام جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة، ويتردد في الرسائل بينه وبين الملوك، وقرأ النحو على جماعة من أعيان أهل العلم كأبي الحسن الربعي وأبي الحسن الزعفراني البصري، ولقي جماعة من وجوه الشعراء كأبي الفرج الببغاء وأبي نصر ابن نباتة وأبي الحسن السلامي وأبي طاهر علي بن الحسن الحمامي. وكان ذكيا فطنا محببا الى الناس للطافة فهمه وسجاحة خلقه وحسن مداراته، وكان أبوه قاضيا على بعض الأرباع ببغداد والحكم من غير تسمية بالقضاء.
مات سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
ذكر في كتابه الذي صنفه وسماه «كتاب المفاوضة» حاكيا عن نفسه:
ولقد قرأت في كتاب لأبي القاسم هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة - يعني صاحب البطيحة- وكان رجلا جم العلم دقيق الفهم، وكان يكتب الكتب الطوال في الفتوح وغيرها، قرأت في فصل له إلى أبي الخطاب المنجم المستولي على دولة بهاء الدولة بن عضد الدولة: «وكنت واعدا نفسي إنجاز ما سبق من شريف مواعيد الحضرة البهية، لوفور حظي من ملاحظة كرم الاهتمام» فقال لي الوزير أبو العباس عيسى بن ماسرجيس، وكنت أكتب له حينئذ، أنى يفهم هذا الكلام اليوم؟! قلت: نجتهد، فتأملناه فوجدناه صحيحا، إلا أن طريقه كان وعرا.
قال: وكتب إلي أبو عبد الله ابن ضبر القاضي صديقنا رحمه الله في كتاب، وقد اتصلت أسفاري بين البصرة وواسط والأهواز، مترددا عن السلطان في رسائل:
أصبو إليك مع البعاد صبابة | أصلى بها كلهيب حر النار |
وإذا تباعدت الديار فإنني | أرضى وأقنع منك بالأخبار |
وإذا الديار دنت بعدت فكيف لي | بدنو قلب مع دنو الدار |
وحدث ابن نصر في كتابه حاكيا عن نفسه قال: حدثني الأستاذ أبو عبد الله محمد بن شاذان بالبصرة، وهو إذ ذاك يكتب لظهير الدين، وقد خرجت إليه في رسالة، فلما أزمعت الانصراف حمل إلي كسوة ونفقة إلى دار أبي عبد الله، وحضر أصحابه يتنجزون رسوما جرت العادة بها، وكثروا علي، فقال أبو عبد الله: حالنا هذه تشبه حال أبي أحمد النهرجوري، فإنه مدح أبا الفرج منصور بن سهل المجوسي عامل البصرة، فأعطاه صلة حاضرة هنية، والتف به الحواشي فطالبوه، فكتب رقعة ودفعها إلى بعض الداخلين إليه وقال له: سلم هذه إلى الأستاذ، وفيها:
أجازني الأستاذ عن مدحتي | جائزة كانت لأصحابه |
ولم يكن حظي منها سوى | جهبذتي يوما على بابه |
قال: فلما وصلت الرقعة خرج في الحال من صرف الحواشي عنه، وصار معه حتى دخل منزله.
وحدث ابن نصر قال: رأيت في المنام كأني أكتب إلى بعض أصدقائي، وقد وقع لي أنه سرق شيئا من كلامي: عمدت إلى شتائت ألفاظي وبدائد كلامي فغصبتنيها، فيا للصوص الكتابة، ويا لحزني عليه والكآبة، واستيقظت فعلقت ذلك.
وحدث في كتابه قال: قال لي الشيخ أبو الحسن الربعي، وقد سألته عن «لعمرك» و «لعمري» والقسم بذلك، وأعلمته أني رأيت بخط بعض الناس فيه واوا، وقلت له: إن الواو لا مدخل لها هاهنا فإنها دخلت على «عمرو» للفرق بينه وبين عمر، وهذا قسم، ولذلك دخلت اللام فيه، فقال: أخطأ وأصبت، وتكلم في اللام الداخلة على «عمري» وقال: إن اللام في قولهم: لزيد قائم تفيد أمرين:
أحدهما التأكيد والآخر تقدير استقبال القسم، وهي من قولهم «لعمري» لا تفيد سوى التأكيد، لأن عمري قسم، والقسم لا يدخل على قسم، وتكلم في ذلك بما طال ثم قال لي: أعد، فأعدت ما قال بعينه، ونحن إذ ذاك في دار أبي غالب ابن الثلاج، وهو يقرأ عليه، فقال له: يا أبا غالب، هذا هو الذكاء الكبريتي، قال: وكيف يا سيدي؟ قال: هكذا ذكاء العراقيين، وحدثنا قال: كان يقرأ على أبي علي الفارسي فتى من أهل نسا، وكان بعيدا بليدا، وهو يقبل عليه ويصرف همته إليه، وأهل المدرسة يحيطون بدرسه دونه، وأبو علي يغتاظ من الترديد الذي يقصد به إفهامه، ويفهم غيره، فقال لنا يوما: الذكاء على أربع طبقات: فأولها الذكاء الكبريتي، وهو ذكاء العراقيين، فإنهم يفهمون سريعا وينسون ذريعا، وثانيها طبقات أهل العلم، وهم يفهمون على بطء ما ولا يكادون ينسون سريعا، وثالثها طبقات أهل ..... وهم الذين يفهمون سريعا ولا ينسون، ورابعها طبقة هذا الفتى، وهو الذي لا يكاد يفهم إلا بعيدا وينسى قريبا، فاستحيى الفتى ولم يره في مجلسه بعدها.
قال ابن نصر: ورأيت كاتبا جالسا إلى جانبي وقد كتب كتابا افتتحه بأن قال:
«لم أقر لمولدي كتابا منذ كذا»، فلما فرغ من الكتاب كله تأمله ثم طواه ولم يغير شيئا، فقلت له: لا يجوز «لم أقر» فإن هذه همزة، والهمزة حرف صحيح يجري بوجوه الاعراب، وعلامة الجزم فيه حذف حركته، فأعرض عني وأعطى الكتاب لغلامه وقال له: ألصق هذا وأنفذه، فأمسكت حينئذ.
وأذكر وقد حضرت مجلسا في الحداثة، فوصف رجل بالطرش، فقلت: هو أصلح- وصحفت- وكان إلى جانبي أبو عبد الله الحسين الشاعر المعروف بالخالع فقال لي: صحفت، هو أصلخ- بالخاء المعجمة- فقلت: جزى الله الشيخ خيرا وأفاده وأثابه، فجذبني إليه وقبلني وقال: هذا هو الفلاح.
قال ابن نصر: وحدثني أبو نصر العلاء بن الفيرزان الوزير- وكان هش المحادثة طيب المحاضرة كثير المزح، لولا شر كان كامنا فيه- وسمعته يقول: حفظت «كتاب بغداد» لابن أبي طاهر وقرأته عشرين دفعة من أوله إلى آخره، وقرأت «التاريخ» لأبي جعفر بالفارسية والعربية؛ واتفق أن اشتكت عيني فتأخرت عنه، وعلم بذاك فأنفذ إلي غلاما ومعه صرة فيها خمسمائة درهم، فتركها بين يدي، ومعها من البياض قطعة مثل الزيق في طوله وعرضه، وانصرف ولم يخاطبني بلفظة، فلما فتحت عيني تأملت الكاغد وإذا فيه:
وخذ القليل من اللئيم وذمه | إن القليل من اللئيم كثير |
وحملت إليه في ليلة نوروز دينارا روميا ودرهما خسروانيا وجزءا فيه أخبار منثورة من كل نوع، وكتبت إليه رقعة نسختها: أخرني عن حضرة سيدنا السيد الأجل-أطال الله بقاءه- عذر يسقط معه العتب، ويغفر لأجله الذنب، ومن المعاذر ما تعزف النفس عن ذكره، وتشوف إلى طيه وستره، لا سيما عن الأقلام التي تحفظ أسطارها، وتبقى على الدهر آثارها، وقد أقمت سنة الخدمة بجزء يصلح لخلوة الأنس، ويجمع أوطار النفس، ليس بجسيم يستجفى، ولا ضئيل يحتقر ويزدرى، قد يحتوي من الاعتدال بين اللاطئ والعال...... وتضل الأفهام في حروشته، اللفظة الواحدة من مضمونه، تحوى فقر الفضل وعيونه. ودينار ودرهم من ضرب كسرى وقيصر، فمن مثلي في ظرف هديتي، ومن يساجلني إذا جملني بقبولها وشرفني- لا أخلاه الله من نعم
يفيضها عليه، ولا أعدمه تابعا يزدلف بالطرف إليه، بمنه وطوله، وجوده وفضله، إنه على كل شيء قدير؛ قال: فأنفذ إلي جزءا بخط أبي الحسن ابن هلال ودينارا مصنوعا فيه عشرون مثقالا ودرهما مثله، وكتب إلي: ما رأيت مثل سيدنا- أطال الله بقاءه وجعلني فداءه- (وهكذا كانت عادته في مكاتبتي) يحسن ويعتذر فإنه قد أوجب بتأخره منة، وكفاني ببعده مؤونة، وقد أنفذت جزءا لا أصفه، ودينارا ودرهما لا أنعته، وإذا تأمل ما حملته إليه وحمله إلي وجد قدر التفاوت بينهما قدر التفاوت بيني وبينه، والسلام.
قال: وكان مزاحا مطرابا مؤثرا لهذا الفن، غير أنه كان يغلب عليه الشر، وكان تاب أن لا يضرب أحدا في يوم جمعة، ورأيته في وقت الصلاة يوم جمعة من الجمعات وقد أمر بضرب أبي الطيب ملول بن فضلان الصيرفي الجهبذ، فسألته وذكرته العهد، فقال: إنما تبت أن أضرب بالمقارع، فقلت: هذا تأول طريف في اليمين.
وحدث ابن نصر قال: حمل إلي الوزير أبو نصر العلاء بن الفيرزان- وهو إذ ذاك عامل البصرة- ثيابا في بعض الفضول، ولم تجر العادة بها، وآثر أن يكتمها عن القاسم أبي الصالح كيوس أمير البصرة حينئذ خصوصا، وعن الكافة عموما، وكان في جملتها دراعة سقلاطون، وكتب يعتذر ويذكر أنه لم يجد ثوبا يشبهها، ووصفها وأطال، وكان أصلح ما وصفها به قوله: لم تبتذلها العيون في المجالس، ولا افترع جيبها جيد لابس، فأنفذتها بخاتم ربها إلى مستحقها وتربها؛ وفي هذا بعض العهدة، ومن ينتقده من أهل الصنعة يعرفه. فكتبت إليه، واعتمدت كسره بذمها:
وصلت تحفة سيدنا الأجل وقبلتها على تجعدي من مثلها، ووجدته قد خص الدراعة منها بصفته، وأظهر فيها مكنون بلاغته، ولو أفرج لي عن ذلك لكان أحسن، وتركني وإياه لكان أشبه به وأزين، وبعد فلكل موصوف عائب، ولكل ممدوح ثالب، وأظنه نسي أو تناسى أنه حكم فيها شبا الحديد، فبضعها من القدم الى الوريد، حتى إذا جزأها أجزاء، وجعلها مبددة أشلاء، عاد يصلح ما أفسد من حالها، ويجمع ما فرق من أوصالها، فكم من صورة مستحسنة قدحها وعابها، ودائرة مستقيمة قطعها
فشانها، فأصبحت بعد الجسم الممسد، والاسم الرائق المفرد، ذات البنائق والأركان، وصاحبة الدخارص والجربان؛ هذا وكيف تكون بختامها وعنده من كبدها فلذة، وفي خزائنه من أعضائها فضلة، وعلى ذلك فالشكر عنها مبذول، وحبل الثناء بها موصول، والسلام.
قال: فلما كان من الغد التقينا في دار القسيم فقال: لعنك الله فإنك كافر للنعمة، ولعنني حيث تعرضت بك في الكتابة، وقد أنفذت إليك فضلة الثوب، لا بارك الله لك فيه ولا فيها.
قال ابن نصر: وهذا الخبر عكس ما لحقني مع أبي عمرو سعيد بن سهل العارض، فإنه دخل يوما إلى دار الوزارة بالبصرة وجلس ينتظر الاذن، فقلت لغلامي:
امض إلى أبي العباس الكوفي البزاز وخذ منه الثوب السقلاطون المعمد الذي عزلته للدراعة، وأذن لأبي عمرو، فدخل وما ظننته تسمع علي، ومضى الغلام فلم يصادف البزاز، وانصرفت آخر النهار إلى داري وإذا فيها دراعة سقلاطون معمدة في نهاية الحسن، فسألت عنها فقيل: جاء رجل وقال أنا صاحب أبي عمرو العارض، خذوا هذه الدراعة، قلت: وكان معها رقعة؟ قيل: لا. فكتبت إليه من الغد: للفواضل- أطال الله بقاء الأستاذ الرئيس- فضائل تتميز بها وتستطيل بمكانها على أضرابها منها:
أن ترد بكرا لم يفترعها السؤال، وتقطع عرضا لم تحتسبها الآمال، فتلك الشربة العذبة للظامي، وإصابة الشاكلة عند الرامي، كتحفته التي جاءت مسيرة كالجداول، مذهبة كالأصائل، معدلة بحسن التقدير والتوفيق، منزهة عن فحش السعة والضيق، محلولة الجيب والجيوب مزرورة، مكشوفة الفرج والفروج مستورة، فهي من بدائع صورها، ووشائع حبرها، كالرياض الرائعة، والبروق اللامعة، سلكها دقيق، ومنظرها أنيق، كأنما عدلت بمعيار، أو دبر ذيلها على بركار، لابسها مختال، ومانحها مفضال، قد سيرها بفضله المكتوم، وشهرها بعرفه النموم، فطويتها طي المكرم الضنين، ونشرت الشكر عنها نشر الخاطب المبين، وأفردتها عن أشكالها وإن عز المشاكل، وجعلتها زينة للمواكب والمحافل، والله تعالى يزيده كرما وفضلا، ويجعله لادخار كل منقبة أهلا، إنه على كل شيء قدير.
قال أبو الحسن علي بن محمد بن نصر حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن محمد
المطرز الشاعر أن صديقا له كتب رقعة مذ خمسين سنة مشتملة على غرض له بألفاظ ليس فيها حرف ينقط، وأنه استصعب ذاك، واقترح أن أكتب إليه رقعة على هذه الطريقة ليجيب عنها بشعر، قال: وكنت أسميه «الشيخ العالم» مزاحا، وكان المطرز يغضب من هذا اللقب:
العالم الأوحد- أطال الله عمره وأدام سعده- محل العصمة ودارها، ومعرس الحكمة ومدارها، وراحة كل صدر، وعدة كل حر، ومحط الرحال، ورأس مال الآمال، كل دهر أحال عهده مر، وكل صحو لا أراه معه سكر، حرس الله آلاءه، ولا أعدمه الطول وإسداءه، معلوم ما حاوله رعاه الله ملاحاة، وسأله معاداة أو مصاداة، لأحسر لسؤاله، ولأسمو لدرك محاله، ولعمر الله وعمره كل كلام اطرح معه العادة المعلومة، وهدر له الحال المعهودة، وعر مسلكه، وعسر مطلعه، وصار لمادة السداد هادما أساسه، ومحللا مرره وأمراسه، لا محله محل المكرم، ولا رصه رص المحكم، وهو سداد لعدم. ولو سواه حرسه الله سام ما سامه، ورام ما رامه، لما أدرك مرماه ولا أحمد مسعاه، ولا سمع دعاؤه طول الدهر، ولا ساعده ساعد ولو مد له العمر، والسلام قال: وغدا مهيار علينا فأنشدنا لنفسه في هذا المعنى:
وعد لرملة كد الصدر ممطول | دم الكرى معه ما سال مطلول |
وصل هو الصد محمود موارده | حل المحلا وصرم وهو محمول |
أما صحا أو سلا إلا أعاد له | عهد الأولى طلل كالسطر ممحول |
محاه كل ولود الرعد حامله | مدار ما حار هاد وهو مدلول |
راحوا وحل وكاء الدمع عاصمه | وطاح ما طاح دمع وهو محلول |
ساروا وكم أمل سار وراءهم | وكل ما وعد الأملاء مأمول |
وطاول الدهر عمرا لا ملال له | مع السرور وطول العمر مملول |
وتأخر وعد المطرز بالشعر فكتب إليه الرئيس أبو الحسن ابن نصر في المعنى:
لم وعد أسعده الله المساعدة وعدل، وسهل الحمل وما حمل، وكلامه روح الصدور وسرها، وراح الأسماع وعطرها، ولم أهمل عادة إسعاده، وهدر معهود سماحه؟
الأمر عراه أم حاد حداه، ولم مطل وعده وصرح رده، وما عراه مراد، ولا حط له والحمد لله عماد، والسلام.
وعرف هذه الجملة والمفاوضة أبو الحسن ابن الحسين الغضائري، فكتب رقعة مشتملة على نظم ونثر في هذا المعنى منها: أمرك- حرسك الله وأطال عمرك- المطاع، ومرسومك لا مراد له ولا مراع، ولمرادك ما أسلك السماوة ولا علم، وأورد الآل المحال ولا مكرع، وأروع الآلة الوادعة والأداة الصالحة لأمر لا مرعاه ممرع ولا مورده مطمع، ولا مسرحه ممطور، ولا مراحه معمور، والكلام- أدام الله علاك- مسؤول، ومع الالحاح مملول، ومع الادامة صلد الصمم، ممر المرر، طوره أطوار، وحاله أحوال، حلال رحال، صرام وصال، وما أطاعك إلا عصاك، ولا والاك إلا عاداك، ما رام أحد سهله إلا وعر، ولا أراد حلوه إلا مرر، كم سامه الكامل وعاد مطرودا، وداسه العالم وآل مردودا، والعلم الكال عامل ما حد له، وساع لما رسم له، أصار الله سماء العلاء دارك، وسهم السعادة مطلعك، وأدام سموك، وأهلك عدوك، والسلام للرسول وأهله.
ومن النظم:
اسعد ودام لك الإمهال والعمر | هل رمل رامة محمود له المطر |
وهل أراك وأمواه لعارمه | كالعهد لا الورد أعداه ولا الصدر |
وهل أرود ودار الوصل آهلة | دارا كدارك لولا روحها العطر |
لله صدر وراه كل ساحرة | كحلاء مرهاء ممدوح لها الحور |
واها لعلوة لا وصل كواصلها | ولا عطاؤك مسمول ولا أمر |
صد ومطل وإدلال ومحرمة | كما أعاد رسول الآكل السمر |
لولا محمد لم أعط السلام ولا | أمال سالم أمر اللمة الصور |
دعا وطاوع ودا لا مراء له | مسارع الأمر لا لاو ولا صعر |
كل هذا ولم يرد من المطرز المتحدى في هذا المعنى شيء، فكتب إليه الرئيس
علي بن نصر يستبطئه ويقتضيه ويحثه على المهادنة: ما سلك العالم الأوحد- حرس معهوده- العادة، ولا عمل عمل السادة، رام أمرا ما حصله، وحكم حكما ما عدله، ووعد وعدا لواه، وحد حدا عداه، وسدى وما ألحم، وأورد وما أصدر، وسار مهملا أمره، وطار مسلما وكره، لا الكلام أسعده، ولا الكلال أمهله، هاله الأمر وراعه، وعصاه المرام وما أطاعه، محادة له علم معها مآل الصورة، وعمل لها عمل الصرورة، هاك الساعة الموادعة حصلها، وأحلها صدرك واحرسها، وصرها دهرك واعكمها، ودع المراماة وراءك، وسرح المصالحة أمامك، وهلم السلم، والسلام.
قال ابن نصر: كتب إلي أبو طاهر علي بن الحسين عز الأستاذين من بعض أسفاره: من علامات المؤانسة، ودلالات المجالسة، التكاتب في السفر، والتزاور في الحضر، وأنت بهما حري، ومنهما عمر الله بري:
ولو كنت أدري أن ذا البين كائن | لعاصيت عذالي وخالفت نصاحي |
وما كنت أعطي البين صفقة بائع | ولو أن إدراك المنى بعض أرباحي |
قضاء من الرحمن ما اسطعت رده | وليس لأمر خطه الله من ماح |
قال أبو الحسن: كنت أكاثر أبا الفرج عبد الواحد بن نصر الببغا وأزوره دائما مع القاضي أبي محمد أخي رحمه الله، فتأخرنا عنه لشغل عرض لنا، وكتب إلينا:
ذخرت أبي نصرا لحظ أناله | فبلغني أقصى المنى ببني نصر |
وجدتهم الذخر القديم ولم أكن | عملت بأن الذخر يعزى إلى الدهر |
واستمر بنا الابطاء عنه فكتب إلينا رقعة أولها:
بني علي بن نصر | دعاء باسط عذر |
أسرفتم في وصالي | وليس يحسن هجري |
إن رأيتما- جعلت فداءكما- أن تبرئا رمد طرفي بالنظر إليكما فعلتما، فحضرناه، وقلت له: يا سيدي، ذكرتني لعمرك هذه أبيات أبي فراس التي كتب بها من الأسر إلى ولدي سيف الدولة:
يا سيدي أراكما | لا تذكران أخاكما |
أوجدتما بدلا به | يبني سماء علاكما |
فقال لي: أحسنت، والله لقد كتبت الرقعة والأبيات في ذكري.