ابن الفرات علي بن محمد بن موسى، أبو الحسن، ابن الفرات: وزير، من الدهاة الفصحاء الأدباء الأجواد. وهو ممهد الدولة للمقتدر العباسي. ولد في النهروان الأعلى (بين بغداد وواسط) واتصل بالمعتضد بالله، فولاه ديوان السواد. ثم بلغ رتبة الوزارة في أوائل أيام المقتدر، فتولاها ثلاث مرات، الأولى سنة 296 - 299هـ ، انتهت بقبض (المقتدر) عليه وسجنه خمس سنين. وأخرج من السجن إلى الوزارة سنة 304 فأقام سنة وخمسة أشهر، ونكب سنة 306 وسجن في قصر الخلافة نحو خمس سنين، وأخرج سنة 311 فخلع عليه وأعيد إلى الوزارة، فبطش بخصومه والكائدين له. واتسق له الأمر عشرة أشهر و18 يوما، وقبض عليه سنة 312 فسجن 33 يوما وضرب عنقه وطرحت جثته في دجلة. وقد أفرد الصابئ في كتابه (الوزراء - ط) 256 من الصفحات لترجمة ابن الفرات جمع بها أخباره وأعماله وما اتفق له من أيام بؤسه ونعيمه، وأورد طائفة من كلامه وشيئا عن دهائه وتجاربه، وغير ذلك مما لا يتسع المجال هنا لغير الإشارة إليه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 324
الوزير ابن الفرات علي بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، أبو الحسن بن أبي جعفر الكاتب، من أهل همينيا، قرية بين بغداذ وواسط، وقال الصولي: هو من قرية بابلا، قريبة من صريفين. تولى أمر الدواوين أيام المكتفي. ولما أفضت الخلافة إلى المقتدر أخيه، ووزيره العباس بن الحسن، بقي ابن الفرات على ولايته. فلما وقعت فتنة ابن المعتز وقتل العباس، ولاه المقتدر الوزارة سنة ست وتسعين ومائتين، وفوض إليه الأمور كلها، فسار بالعدل والإحسان والعفو عن الجناة، والإفضال. وكان أخوه أحمد أكبر سنا منه وأرفع طبقة في الآداب والعلوم. وأبو الحسن هذا يتقدم أخاه في الحساب والخراج، وله فيه مصنف. وكان له ثلاثة أولاد: أبو أحمد المحسن، وأبو نصر الفضل، والحسين. وعزل عن الوزارة سنة تسع وتسعين. وكانت وزارته ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية عشر يوما، وأعيد إلى الوزارة ثانيا بعد عزل علي بن عيسى؛ ثم عزل. وكانت وزارته الثانية سنة واحدة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما. وولي حامد بن العباس. ثم إنه أعيد إلى الوزارة مرة ثالثة. وولى المحسن ولده أمر الدواوين، فبسط يده وصادر الناس وعذبهم حتى هلكوا. وجاهر الأكابر بالعداوة؛ فعزل أبوه. وكانت وزارته الثالثة عشرة أشهر وثمانية عشر يوما. ووصل الشعراء في وزارته الثالثة بعشرين ألف درهم، وأطلق لطلاب الحديث والآداب عشرين ألف درهم. وكان رجل من أرباب الحوائج قد اشترى خبزا وجبنا وأكله في الدهليز، فبلغ الوزير، فأمر بنصب مطبخ لمن يحضر من أرباب الحوائج؛ ولم يزل طول أيامه. وما رد أحدا قط عن حاجة، إلا وعلق أمله؛ إما يقول: عاودني، أو أعوضك، أو تمهل قليلا، أو شيئا من هذا. وكان يجري على خمسة آلاف من الناس؛ وأقل جاري أحدهم خمسة دراهم ونصف قفيز دقيق، إلى مائة دينار وعشرة أقفزة في كل شهر.
ومن شعره، ولم يوجد له غيرهما:
معذبتي هل لي إلى الوصل حيلة | وهل لي إلى استعطاف قلبك من وجه |
فلا خير في الدنيا وأنت بخيلة | ولا خير في وصل يكون على كره |
خليلي قد أمسيت حيران موجعا | وقد بان شرخ للشباب فودعا |
ولا بد أن أعطي اللذاذة حقها | وإن شاب رأسي في الهوى وتصلعا |
إذا كنت للأعمال غير مضيع | فما حق نفسي أن أكون مضيعا |
قل لهذا الوزير قول محق | بثه النصح أيما إبثاث |
قد تقلدتها ثلاثا ثلاثا | وطلاق البنات عند الثلاث |
ذلل الدهر عز آل الفرات | ورماهم بفرقة وشتات |
ليت آل الفرات عدوا جميعا | قبل ما قد رأوه في الأموات |
فلعمري لراحة الموت خير | من صغار وذلة في الحياة |
لم يزالوا للملك أنجم عز | وضياء فأصبحت كاسفات |
يا أيها اللحز الضنين بماله | يحمي بتقطيب قليل نواله |
أوما رأيت ابن الفرات وقد أتى | إدباره من بعدما إقباله |
أيام تطرقه السعادة بالمنى | وينال ما يهواه من آماله |
فخلا من النعمى وأصبح يشتكي | أقياده ألما على أغلاله |
وكذا الزمان بأهله متقلب | فاسمح لما أعطيت قبل زواله |
داو ماري من خماره | بابنة الدن وقاره |
من شراب خسروي | ما تعنوا باعتصاره |
طبخته الشمس لما | بخل العلج بناره |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 22- ص: 0
ابن الفرات الوزير الكبير، أبو الحسن، علي بن أبي جعفر محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات العاقولي، الكاتب.
قال الصولي: ابتاع جدهم ضياعا بالعاقول، وانتقل إليها، فنسبوا إلى العاقول.
كان ابن الفرات يتولى أمر الدواوين زمن المكتفي، فلما ولي المقتدر، ووزر له العباس بن الحسن، بقي ابن الفرات على ولايته، فجرت فتنة ابن المعتز، وقتل العباس الوزير، فوزر ابن الفرات سنة ست وتسعين، وتمكن، فأحسن وعدل، وكان سمحا مفضالا محتشما، رأسا في حساب الديوان، له ثلاثة بنين؛ المحسن والفضل والحسين، ثم عزل في ذي الحجة، سنة تسع وتسعين، ثم وزر في سنة أربع وثلاث مائة إثر عزل علي بن عيسى، ثم عزل بعد سبعة عشر شهرا بحامد بن العباس، ثم وليها سنة ’’311’’، وولى ولده المحسن الدواوين، فعسف وصادر وعذب، وظلم أبوه أيضا، واستأصل جماعة، فعزل بعد سنة إلا أياما. وقيل: إنه وصل المحدثين بعشرين ألف درهم.
وذكر جماعة: أن صاحب خبر ابن الفرات رفع إليه أن رجلا من أرباب الحوائج اشترى خبزا وجبنا، فأكله في الدهليز، فأقلقه هذا، وأمر بنصب مطبخ لمن يحضر من أرباب الحوائج، فلم يزل ذلك طول أيامه.
قال ابن فارس اللغوي: حدثنا أبو الحسن البصري: قال لي رجل: كنت أخدم الوزير ابن الفرات، فحبس وله عندي خمس مائة دينار، فتلطفت بالسجان حتى أدخلت، فلما رآني، تعجب، وقال: ألك حاجة؟ فأخرجت الذهب، وقلت: تنتفع بهذا. فأخذه مني، ثم رده، وقال: يكون عندك وديعة. فرجعت، ثم أفرج عنه بعد مدة، وعاد إلى دسته، فأتيته، فطأطأ رأسه، ولم يملأ عينيه مني، وطال إعراضه، حتى أنفقت الذهب، وساءت حالي إلى يوم، فقال لي: وردت سفن من الهند، ففسرها واقبض حق بيت المال، وخذ رسمنا. فعدت إلى بيتي، فأعطتني المرأة خمارا وقرطتين، فبعت ذلك، وتجهزت به، وانحدرت، وفسرت السفن، وقبضت الحق ورسم الوزير، وأتيت بغداد، فقال الوزير: سلم حق بيت المال، واقبض الرسم إلى بيتك. قلت: هو خمسة وعشرون ألف دينار. قال: فحفظتها، وطالت المدة، ورأى في وجهي ضرا، فقال: ادن مني، ما لي أراك متغير اللون، سيء الحال. فحدثته بقصتي، قال: ويحك! وأنت ممن ينفق في مدة يسيرة خمسة وعشرين ألفا؟! قلت: ومن أين لي ذلك؟ قال: يا جاهل! ما قلت لك احملها إلى منزلك، أتراني لم أجد من أودعه غيرك؟ ويحك! أما رأيت إعراضي عنك؟ إنما كان حياء منك، وتذكرت جميل صنعك وأنا محبوس، فصر إلى منزلك، واتسع في النفقة، وأنا أفكر لك في غير ذلك.
ذكر ابن مقلة أنه حضر مجلس ابن الفرات في أول وزارته، فأدخل إليه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في محفة، فدفع الوزير إليه عشرة آلاف درهم سرا، فأنشد:
أياديك عندي معظمات جلائل | طوال المدى شكري لهن قصير |
فإن كنت عن شكري غنيا فإنني | إلى شكر ما أوليتني لفقير |
معذبتي هل لي إلى الوصل حيلة | وهل إلى استعطاف قلبك من وجه |
فلا خير في الدنيا وأنت بخيلة | ولا خير في وصل يجيء على كره |
قل لهذا الوزير قول محق | بثه النصح أيما إبثاث |
قد تقلدتها ثلاثا | وطلاق البتات عند الثلاث |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 11- ص: 290