ابن أضحى علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن أحمد، أبو الحسن ابن أضحى الهمداني: قاض، من أشراف همدان وقادتها في الأندلس، أبي النفس، فقيه، مناظر أديب، له شعر. ولد بالمرية Almeria وولى قضاءها مرتين. ثم سكن غرناطة. وثار بها على (الملثمين) فكانت له معارك معهم، انتهت بوفاته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 315
أبو الحسن الهمداني المغربي علي بن أضحى، أبو الحسن الهمداني، من بيت كبير، كان منهم من ملك غرناطة في دولة عبد الله المرواني، فلما اختلت الأندلس على الملثمين، ثار بغرناطة قاضيها أبو الحسن المذكور، إلا أنه لم تطل أيامه، ومات سنة أربعين وخمسمائة، وملك بعده: ابن أضحى، ولم تطل أيامه - أيضا - وكان مشهورا بالجود ناظما ناثرا.
ومن شعره قبل أن يكون ملكا، وقد دخل مجلسا فوجده غاصا، فجلس في أخريات الناس:
نحن الأهلة في ظلام الحندس | حيث أحللنا فهو صدر المجالس |
إن يذهب الدهر الخئون بعزنا | ظلما فلم يذهب بعز الأنفس |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
الوزير الحسيب الفقيه المشاور القاضي أبو الحسن بن أضحى أعزه الله نسب ما وراءه منتسب ولا مثله حسب شرف باذخ تعقد بالنجوم ذوائبه، وتحل في مفرق النسر ركائبه، استفتحت الأندلس وقومه أصحاب رايات، وأرباب أماد في السبق وغايات، واستوطنوها فغزوا بحور مواهبها، وبدور غيابها، وجاء أبو الحسن أخرهم، فجدد مفاخرهم، وأحيا الرفاة، وأغنى العفاة، فبماذا أصفه وقد بهر، وبدا فضله كالصبح إذا اشتهر، وبماذا أحليه وعنه تقصر الحلى، وبه يتزين الدهر ويتحلى، ولكني أقول هو بحر زاخر، وفضل سواء أوائله والأواخر، تفخر به الدنيا وتزهى، وهو للعليا سماك وسهى، إذا جاد همى غيثا، وان صال غدا ليثا، ولي القضاء فهيب أنكاره، وانجلى من أفق الدين غيمه وعتكاره، وحييب به الرعايا، ولويت السن البغي والسعايا، وله سجايا برئت من الزهو، وأحكام عوفيت من الغلط والسهو، سقته العلوم زلالها، ومدت عليه ظلالها، وأرقته الجلالة هضابها، وأرشفته الأصالة هضابها، فلا في سماء العلاء بدرا، وصار في فناء السناء صدرا، عدلا في أحكامه، خزلا في نقضه وأبرامه، وله نظم متع الصفات، أحلى من الرشفات، وقد أتت منه ضروبا، لا تجد لها ضريبا، أخبرني ذو الوزارتين أبو جعفر بن أبي رحمه الله أنه كتب إليه شافعا لأحد الأعيان فلما وصل إليه بره وأنزله، وأعطاه عظاء استعظمه واستجزله، وخلع عليه خلعا، وأطلعه من الجلال بدرا لم يكن له متطلعا، ثم اعتقد أنه جاء مقصرا، فكتاب إليه معتذرا. طويل
ومستشفع عندي تجير الورى عندي | وأولاهم بالشكر مني وبالحمد |
وصلت فلما لم أقم بجزائه | لففت له راسي حياء من المجد |
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر | سريع كرجع الطرف في الخطرات |
فأعرب عن وجد كمين طويته | بأهيف طاو فاتر اللحظات |
غزال أحم الملقتين عرفته | بخيف منى للحين أو عرفات |
رماك فاصمى والقلوب رمية | لكل كحيل الطرف ذي فتكات |
وظن بان القلب منك محصب | فلباك من عينيه بالجمرات |
تقرب بالنساك في كل منسك | وضحى غداة النحر بالمهجات |
وكانت له جيان مثوى فأصبحت | ضلوعك مثواه بكل فلاة |
يعز علينا أن تيهم فتنطوي | كئيبا على الأشجان والزفرات |
فلو قبلت للناس في الحب فدية | فديناك بالأموال والبشرات |
إلا أيها السيد المجتبى | ويا أيها الألمعي العلم |
أتتني أبياتك المعجزات | بما قد حوت من جميع الحكم |
ولم أر من قبلها بابلا | وقد نفثت سحرها في الكلم |
ولكنه الدين لا يشترى | بنثر ولا بنظام نظم |
وكيف أبيح حمى مانعا | وكيف أحلل ما قد حرم |
الست أخاف عقاب الإله | ونارا مؤججة تضطرم |
أأصرفها طالقة بتة | على أنوك قد طغى وأجترم |
ولو أن ذاك الغبي الجهول | تثبت في أمره ما ندم |
ولكنه طاش مستعجلا | فكان أحق الورى بالندم |
يا ساكن القلب رفقاكم تقطعه | الله في منزل قد ظل مثواكا |
يشيد الناس للتحصين منزلهم | وأنت تهدمه بالعنف عيناكا |
والله والله ما حبى لفاحشة | أعاذني الله من هذا وعافاكا |
روحي لديك فرديها إلى جسدي | من لي على فقدها بالصبر والجلد |
بالله زوري كئيبا لا عزاء له | وشرفيه ومثواه غداة غد |
لو تعلمين بما ألقاه يا أملي | بايعتني الود تصفيه يدا بيد |
عليك مني سلام الله ما بقيت | أثار عينك في قلبي وفي كبدي |
أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم | ودنا الترحل والحمام يحوم |
قل للأحبة كيف أنعم بعدكم | وأنا أسافر والفؤاد مقيم |
قالوا الوداع يهيج منك صبابة | ويثير ما هو في الهوى مكتوم |
فلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة | ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم |
يا أيها الملك مضمون لك الظفر | أبشر فمن جندك التأييد والقدر |
وأب لنا سالما والسعد مقتبل | والدين منتظم والكفر منتثر |
وقد طلعت على البيضاء من كثب | كما تطلع في جنح الدجا القمر |
حللت في أرضها في جحفل | كما يحل بها في الأزمة المطر |
وحولك الصيد من لمتونة وهم | أبطال يوم الوغى والنجم الزهر |
والعرب ترفل فوق الغرب سابحة | كالسد ليس لها إلا القنا ظفر |
من كل أروع وضاح عمامته | كالبدر نحو لقاء الجيش يبتدر |
شعاره البر والتقوى ومونسه | في ليلة رمحه والصارم الذكر |
ذوابة المجد من قحطان كلهم | أبوهم حمير ذو المجد أو مضر |
ومن زناتة أبطال غطارفة | ذووا تجارب في يوم الوغى صبر |
ولمطة وهم أهل الطعان لدى ال | هيجاء في زمر تقتادها زمر |
كأنهم في جبين المجد إذا ركبوا | مصممين إلى أعدائهم غرر |
مكتبة المنار - الأردن-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 215
علي بن عمر بن أضحى الهمداني أبو الحسن
هو علي بن عمر بن محمد بن مشرف بن أحمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن غريب بالغين المعجمة ابن يزيد بن الشمر من همدان في ذؤابة شرفها وصميم بيوتاتها وقد تقدم ذكر نباهة سلفه وقيام محمد بن أضحى بأمر العرب بعد سعيد بن جودي السعدي في خلافة الأمير عبد الله بن محمد ولم سمي والد عبد اللطيف غريبا حتى غلب عليه وإنما اسمه خالد ويزيد بن الشمر أبوه هو الداخل إلى الأندلس
وولد أبو الحسن على بن عمر هذا بالمرية في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وولى قضاءها بعد أبي عبد الله محمد بن يحيى بن الفرا الزاهد ثم صرف بعبد المنعم بن سمجون وأعيد بعده ثانية، ولما انقضت دولة الملثمين في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ودعا ابن حمدين لنفسه بقرطبة خاطب أبا الحسن بن أضحى يحضه على اتباعه وهو إذ ذاك بغرناطة وقاضيها أبو محمد بن سماك فقام بدعوة ابن حمدين وتابعه أهل بلده وأخرجوا الملثمين من المدينة فتحصنوا بالقصبة ونشب القتال بين الطائفتين فاتصل ذلك مدة
وذكر أبو محمد بن صاحب الصلاة أن الذي قام عليه ابن أضحى من الملثمين هو على بن أبي بكر المعروف بابن فنوا وهي أخت علي بن يوسف بن تاشفين كان أميرا عليها بعد أبي زكرياء بن غانية قال واستصرخ يعني ابن أضحى بابن حمدين بقرطبة وبابن جزي قاضي جيان فوجه إليه ابن حمدين ابن أخيه علي بن أبي القاسم أحمد المعروف بابن أم العماد في عسكر قرطبة وعلم بذلك سيف الدولة أحمد بن هود فعجل ودخل مدينة غرناطة وانصرف ابن أم العماد خائباً، وتعاون ابن هود مع ابن أضحى على قتال الملثمين وحصارهم بالقصبة أشهراً وفي أثناء ذلك جرحوا ولد ابن هود وأسروه وأدخلوه القصبة فمات من جراحه فغسلوه وكفنوه وجعلوه في نعش ودفعوه إلى أبيه فدفنه، قال ثم مات القاضي ابن أضخى وتقدم ابنه محمد بعده مع الرعية في معاونة ابن هود ثم إن ابن أبي جعفر قاضي مرسية الثائر بها جيش لمعونة أهل غرناطة فلما وصل إلى ما يقرب منها وهو في ألفى فارس من أهل الشرق خرج الملثمون إليه فهزموه وقتلوه وكثيراً ممن كان معه ودفن هو بغرناطة وعجز ابن هود ففر إلى جيان وكان قد ترك بها ابن عمه نائبا عنه وابن مشرف البراجلي
فوفيا له وتغلب الملثمون على مدينة غرناطة وفر محمد بن علي بن أضحى إلى المنكب ثم منها إلى حصن بني بشير، وحكى غيره أن ابن أضحى لما دعا لابن حمدين في رمضان سنة تسع وثلاثين تمنع الملثمون بقصبة غرناطة وكانوا جماعة أهل بأس ونجدة فيهم بقية أمرائهم ونقاوة أبطالهم فحاربوه ثمانية أيام إلى أن وصل من جيان بعض قواد الثغر مددا لابن أضحى فاضطربت محلته بالمصلى وانضاف إليه من غرناطة جمع وافر فخرج إليهم الملثمون من الغد وهزموهم أقبح هزيمة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم عادوا إلى القصبة وضيقوا على ابن أضحى وأهل البلد ومنعوهم المرافق ودامت الحرب بين الطائفتين بداخل المدينة وخارجها إلى أن ورد ابن أبي جعفر القائم بمرسية في جموع وافرة يقال إنهم كانوا اثني عشر ألفا بين خيل ورجل فخرج إليه الملثمون مستميتين وقد اشتدت شوكتهم وكثفت جماعتهم فهزموه وقتل ابن أبي جعفر ولم ينج من عسكره إلا القليل وانصرف الملثمون إلى معقلهم ظاهرين على عداتهم ظافرين في حركاتهم
ثم قدم ابن هود ودخل غرناطة من باب مورور ومعه ابنه عماد الدولة فخرج إليه ابن أضحى راجلا وسلم عليه وأنزله واستسقى ابن هود فأمرله ابن أضحى بقدح زجاج فيه ماء معد لإتلاف من يشربه فعند إخراجه صاحت به العامة لا تشربه يا سلطان وحذرته العاقبة فخجل ابن أضحى وتناول القدح وعب فيه ينفي الظنة بذلك عنه فمات من ليلته
ونزل ابن هود بعض البساتين بظاهر غرناطة وأقام هنالك عشرة أيام، ثم انتقل إلى القصبة الحمراء والقتال بين الملثمين وأهل المدينة متصل وفي بعض تلك الأيام أثخنوا ابنه جراحاً وأسروه فمات من ليلته فدفعوه إلى أهل البلد مكفناً ليدفنوه أو يحملوه ولم يقم ابن هود بعد ذلك إلا نحو شهر في مظالم وتنويع مغارم حتى لهم به أهل غرناطة فانخزل عنهم ليلاً وفر إلى مرسية وقيل إلى جبان
وقام بعده بأمر غرناطة أبو بكر محمد بن أبي الحسن بن أضحى وذلك في أول سنة أربعين وخمسمائة وأقام ثمانية أيام يغادي ويراوح بالقتال حتى هرب من ليلة الجمعة القابلة إلى المنسكب وعند هربه تصالح أهل المدينة والملثمون وأميرهم علي بن فنو قد توفي فخلفه ميمون بن يدر بن ورقاء وقيل بل دخلها عنوة على أبي علي المنصور بن محمد بن الحاج في نيابته عن يحيى بن علي ابن غانية وأقام إلى أن أسلمها إلى الموحدين أعزهم الله سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
وكان أبو الحسن بن أضحى في حداثته وبعدها أبي النفس علي الهمة فقيها يناظر عليه أديباً صاحب بديهة قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن أبي عمر يوسف بن عبد الله بن عباد البلنسي وحدثني الحافظ أبو الربيع ابن سالم عنه وأنشدني ذلك غير مرة قال: قال أبي أنشدنا صاحبنا أبو بكر بن الغفائري ببلنسية وكتبها لي بخطه قال أنشدني الشيخ المحدث
أبو حفص عمر بن محمد بن عمر اليحصبي قال أنشدني القاضي أبو الحسن بن أضحى لنفسه وقد دخل مجلس علي بن يوسف بمراكش فلم يهتبل به أحد ونزل حيث انتهى به المجلس فحضره هذان البيتان فاستأذن الأمير في إنشادهما فأذن له فقال
نحن الأهلة في ظلام الحندس | حيث احتللنا ثم صدر المجلس |
إن يبخل الزمن الخؤون بعزنا | ظلما فلم يذهب بعز الأنفس |
يا ساكن القلب رفقا كم تقطعه | الله في منزل قد ظل مثواكا |
يشيد الناس للتحصين منزلهم | وأنت تهدمه بالعنف عيناكا |
والله والله ما حبي لفاحشة | أعاذني الله من هذا وعافاكا |
أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم | ودنا الترحل والحمام يحوم |
قل للأحبة كيف أنعم بعدكم | وأنا أسافر والفؤاد مقيم |
قالوا الوداع يهيج منك صبابة | ويثير ما هو في الهوى مكتوم |
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة | ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم |
روحي لديك فردية إلى جسدي | من لي على فقده بالصبر والجلد |
بالله زوري كئيباً لا عزاء له | وشرفيه ومثواه غداة غد |
لو تعلمين بما ألقاه يا أملي | بايعتني الود تصفيه يدا بيد |
عليك مني سلام الله ما بقيت | آثار عينيك في قلبي وفي كبدي |
وشمعة يحملها شادن | يستر وجها قمريا بها |
فكان كالشمس على نورها | يكسف منها البدر حيث انتهى |
ومستشفع عندي الورى بخبر عندي | وأولاهم بالشكر مني وبالحمد |
وصلت فلما لم أقم بجزائه | لففت له رأسي حياء من المجد |
علي قد آن أن تتوبا | ما أقبح الشيب والعيوبا |
شبت وما تبت من بعيد | سوف ترى نادما قريبا |
تركب للهو والمعاصي | صعباً وتستهل الذنوبا |
دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 2- ص: 2
أبو الحسن بن أضحى القاضي
فقيه أديب شاعر بليغ عدل في حكمه مبرز في نثر ونظمه، ذكره الفتح في كتاب المطمح له مصدراً به وقال: إنه كتب إليه مدعياً فراجعه به القطعة:
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر | سريع كرجع الطرف في الخطرات |
فأعرب عن وجد كمين طويته | بأهيف طاو فاتر اللحظات |
غزال أحم المقلتين عرفته | بخيف منى للحين أو عرفات |
رماك فأصمى والقلوب رمية | لكل كحيل الطرف ذي فتكات |
وظن بأن القلب منك محصب | قلبك من عينيه بالجمرات |
تقرب النساك في كل منسك | وضحى غداة النحر بالمهجات |
وكانت له جيان مثوى فأصبحت | ضلوع مثواه بكل فلاة |
يعز علينا أن تهيم فتنطوي | كئيباً على الأشجان والزفرات |
فلو قبلت للناس في الحب فدية | فديناك بالأموال والبشرات |
أزف الفراق وفي الفؤاد كلوم | ودنا الترحل والحمام يحوم |
قل للأحبة كيف أنعم بعدكم | وأنا أسافر والفؤاد مقيم |
قالوا الوداع يهيج منك صبابة | ويثير ما هو في الحشى مكتوم |
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة | ودعوا القيامة بعد ذلك تقوم |
يا ساكن القلب رفقاً كم تقطعه | الله في منزل قد ظل مثواكا |
يشيد الناس للتحصين منزلهم | وأنت تهدمه بالعنف عيناكا |
والله والله ما حبي الفاحشة | أعاذني الله من هذا وعافاكا |
دار الكاتب المصري - القاهرة - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 1