سيف الدولة الحمداني علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي الربعي، أبو الحسن، سيف الدولة: الأمير، صاحب المتنبي وممدوحة. يقال: لم يجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ العلم ونجوم الدهر ! ولد في ميافارقين (بديار بكر) ونشأ شجاعا مهذبا عالي الهمة. وملك واسطا وما جاورها. ومال إلى الشام فامتلك دمشق. وعاد إلى حلب فملكها سنة 333هـ ، وتوفي فيها. ودفن في ميافارقين. أخباره ووقائعه مع الروم كثيرة. وكان كثير العطايا، مقربا لأهل الأدب، يقول الشعر الجيد الرقيق، وقد ينسب اليه ما ليس له. وهو أول من ملك حلب من بني حمدان. وله أخبار كثيرة مع الشعراء، خصوصا المتنبي والسري الرفاء والنامي والببغاء والوأواء وتلك الطبقة. ومما كتب في سيرته (سيف الدولة وعصر الحمدانيين - ط) لسامي الكيالي.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 303

سيف الدولة بن حمدان اسمه علي بن عبد الله بن حمدان.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 325

سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان ولد في سنة 303 وتوفي سنة 356
البطل العربي الذي صمد في وجه الروم ورد عاديتهم عن بلاد الشام وحمى موطنه من غاراتهم وحكمهم، فلقد أنشأ علي بن حمدان دولته الحمدانية في أحرج ظرف من ظروف العرب والمسلمين، حين قام نقفور فوقاس الثاني يلوح بمطامعه الهوجاء، ويزمجر بأمانيه الواسعة في استرداد بلاد الشام والنفاذ منها حتى إلى الحجاز، ولقد كان ضعف الخلافة وتشتت قواها، وتمزق شمل البلاد وانقسامها مما أغراه على الطمع وشجعه على الإقدام، ولكنه واجه الصخرة الصلدة التي تحطمت عليها آماله وتبعثرت فيها مطامعه، واجه سيف الدولة بفروسيته المفادية وشجاعته المتعالية، فرده خائبا وتغلل في صميم بلاده، واشتبك معه بمعارك كانت من أروع الصفحات في تاريخنا الحربي والسياسي والأدبي، وحسبك إنها أبرزت بطلا كسيف الدولة وشاعرين كالمتنبي وأبي فراس، وإنها كانت كفيلة بحفظ البلاد وحمايتها ورد الروم عنها إلى الأبد.
وكما كان سيف الدولة مجليا في الميدان العسكري فقد كان مجليا كذلك في ميادين العلوم والآداب إذ جمع في بلاطه من العلماء والشعراء والأدباء ما كان منهم خير حفظة لتراث العرب، وأفضل رواد لثقافتهم.
(مزاياه)
كل ما اتصف به سيف الدولة كان جديرا بان يجذب إليه الشعراء: شجاعته وحروبه المتعددة توفر لهم مواد المدح الفخم، كرمه الفياض يرغبهم في صحبته، حبه للأدب ومعرفته بالشعر، يعزز فيهم المنافسة، عصبيته للعرب تعيد إليهم ما انقرض من موضوعات الفخر القديم، تساهله وسعة ثقافته تجرئهم على أقوال ما كانوا ليجرؤوا عليها في حضرة أمير جاهل ضيق الصدر.
أما شجاعته فالشواهد عليها كثيرة. ونكتفي بالقول أنه بدأ غزو الروم ومحاربتهم وهو لا يتجاوز التاسعة عشر أو الحادية والعشرين، ولم يكف عن المعارك يباشرها بنفسه وراكبا أو ماشيا حتى وفاته، أي مدة اثنتين وثلاثين سنة، لا تمر عليه سنة إلا ويسير للحرب أما غازيا أو مدافعا، أما منتصرا أو منكسرا. حتى إننا لا نرى مبالغة في قول من قال إن سيف الدولة كان كلما رجع من غزوة نفض ما علق ثيابه من غبار فجمعه في مكان، وأوصى بان يصنع منه لبنة توضع تحت خده في قبره، فنفذت وصيته. ومهما يكن من أمر فان في الحادثة رمزا دقيقا إلى سعة غزوات ذاك الأمير.
ومن الطبيعي إن تقترن هذه الشجاعة بفروسية ماهرة فيظهر سيف الدولة من أشهر خياله عصره، ومن أشرقهم في الحرب، يطاعن بالرمح، ويجالد بالسيف، ويستعمل أحيانا نوعا من السلاح يعرف بالمستوفي: وهو عمود من حديد طوله ذراعان، مربع الشكل، له مقبض مستدير.
وفي كرمه نوادر عديدة لا باس بذكر بعضها:
روى ابن ظافر في تاريخ سنة أربع وخمسين وثلثمائة إن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة، فزوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتي ناصر الدولة وزوج أبا تغلب بابنته ست الناس. وضرب دنانير كبيرة، في كل دينار منها ثلاثون دينارا وعشرون وعشرة عليها مكتوب: لا إله إلا الله. محمد رسول الله. أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فاطمة الزهراء. الحسن. الحسين. جبريل. (عليه السلام) وعلى الجانب الآخر: أمير المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان: ناصر الدولة، سيف الدولة. الأميران أبو تغلب وأبو المكارم وجاد بما لم يجد به أحد. ويقال إن مبلغ ما جاد به سبعمائة ألف دينار.
ونقل الثعالبي في يتيمة الدهر عن أبي الحسين محمد بن علي العلوي الحسيني الهمذاني قال: كنت واقفا في السماطين بين يدي سيف الدولة بحلب، والشعراء ينشدون، فتقدم إليه عربي رث الهيئة، فاستأذن الحجاب في الإنشاد، فأدنوه فانشد هذه الأبيات:

فقال سيف الدولة: أحسنت، ولله أنت، وأمر له بمائة دينار. وحكى ابن لبيب، غلام أبي الفرج ألببغاء إن سيف الدولة كان قد أمر بضرب دنانير للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه وصورته. فأمر يوما لأبي الفرج منها بعشرة دنانير فقال ارتجالا:
فزاده عشرة أخرى.
وقال ابن خلكان: قال أبو القاسم عثمان بن محمد العراقي، قاضي عين زربة: حضرت مجلس الأمير سيف الدولة بحلب، وقد وافاه القاضي أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري، فطرح من كمه كيسا فارغا ودرجا فيه شعر استأذن في انشاده فأذن له فأنشد قصيدة أولها:
فلما فرع من إنشادها ضحك سيف الدولة ضحكا شديدا. وأمر له بألف دينار فجعلت في الكيس الفارع الذي كان معه.
وقد عرف سيف الدولة بعصبيته للعرب، وهو ممثل العروبة الوحيد في ذلك العصر. وهذه أقوال الشعراء تشهد بذلك. بل إن عروبته هذه كانت من الأسباب التي دعت المتنبي، وهو الشاعر العربي الأكبر، إلى الاتصال به ذاك الاتصال الوثيق فمثلا في عصرهما النزعة العربية سياسة وأدبا.
ابتداء أمره
يروي التنوخي على لسان سيف الدولة نفسه قصته مع أخيه ناصر الدولة إزاء فتح حلب، وقصة التنوخي منقولة عن أبي يعلى محمد بن يعقوب البريدي الكاتب عن سيف الدولة نفسه. يقول سيف الدولة محدثا البريدي: لما رجعنا من بغداد اقتصر بي أخي ناصر الدولة على نصيبين، فكنت مقيما فيها، ولم يكن ارتفاعها يكفيني، فكنت أدافع الأوقات وأصبر على مضض من الإضافة مدة. ثم بلغتني أخبار الشام وخلوها إلا من يأنس المؤنسي وكون ابن طغج بمصر بعيدا عنها، ورضاه بان يجعل يأنس عليها ويحمل إليه الشيء اليسير منها، ففكرت في جمع جيش وقصدها وأخذها وطرد يأنس ومدافعة ابن طغج إن سار إلي بجهدي، فان قدرت على ذلك وإلا قد تعجلت من أموالها ما تزول به إضاقتي مدة، ووجدت جمع الجيش لا يمكن إلا بالمال، وليس لي مال، فقلت اقصد أخي وأسأله إن يعاونني بألف رجل من جيشه يزيح هو علتهم (أي يتحمل تكاليفهم) ويعطيني شيئا من المال واخرج بهم فيكون عملي زائدا في عمله وعزه.
وكانت تأخذني حمى ربع، فرحلت إلى الموصل على ما بي ودخلت إلى أخي وسلمت عليه، فقال: ما أقدمك، فقلت: أمر أذكره بعد، فرحب وافترقنا، فراسلته في هذا المعنى وشرحت له، فاظهر من المنع القبيح والرد الشديد غير قليل. ثم شافهته فكان أشد امتناعا، وطرحت عليه جميع من كان يتجاسر على خطابه في مثل هذا فيردهم، وكان لجوجا إذا منع من الأول شيئا يلتمس منه أقام على المنع. ولم يبق في نفسي من يجوز إن اطرحه عليه واقدر أنه يجيبه إلا امرأته الكردية والدة أبي تغلب، فقصدتها وخاطبتها في حاجتي وسألتها مسألته فقالت: أنت تعلم خلقه، وقد ردك، وإن سألته عقيب ذلك ردني أيضا فاخرق جاهي عنده ولم يقض الحاجة ولكن أقم أياما حتى أظفر منه في خلال ذلك بنشاط أو سبب اجعله طريقا للكلام والمشورة عليه والمسألة فيه، فعلمت صحة قولها فأقمت. فاني جالس بحضرته يوما إذ جاءه براج الموكل إليه أبراج الحمام الزاجل بكتاب طائر عرفه سقوطه من بغداد أي إن الكتاب من الزاجل القادم من بغداد فلما قرأه اسود وجهه واسترجع وأظهر قلقا وغما وقال: أنا لله وأنا إليه راجعون، يا قوم، المتعجرف الأحمق الجاهل المبذر السخيف الرأي الرديء التدبير الفقير القليل الجيش، يقتل الحازم المرتفق العاقل الوثيق الرأي الضابط الجيد التدبير الغني الكثير الجيش؟ فرمى الكتاب وقال: قف عليه، فإذا هو كتاب خليفته ببغداد بتاريخ يومين يقول:
إن في هذه الساعة تناثرت الأخبار وصحت بقتل أبي عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف واستيلائه على البصرة. فلما قرأت ذلك مع ما سمعت من كلامه، مت جرعا وفزعا، ولم أشك أنه يعتقد إني كأني أبو عبد الله البريدي في الأخلاق التي وصفه بها، ويعتقد في نفسه أنه كابي يوسف، وقد جئته في أمر جيش ومال، ولم أشك في إن ذلك سيولد له أمرا في القبض علي وحبسي، فأخذت أداريه واسكن منه وأطعن على أبي عبد الله البريدي وأزيد في الاستقباح لفعله وتعجيز رأيه إلى إن انقطع الكلام. ثم أظهرت له أنه قد ظهرت الحمى التي تجيئني، وانه وقتها وقد جاءت فقمت، فقال: يا غلمان، بين يديه، فركبت دابتي وتحركت إلى معسكري. وقد كنت منذ وردت وعسكري ظاهر البلد ولم انزل دارا فحين دخلت معسكري وكان بالدير الأعلى لم أنزل وقلت لغلماني: ارحلوا الساعة الساعة، ولا تضربوا بوقا واتبعوني، وتحركت وحدي فلحقني نفر من غلماني، وكنت اركض على وجهي خوفا من مبادرة ناصر الدولة إلي بمكروه، فما علقت أي أنخت ركبي واسترحت حتى وصلت إلى بلد اسم قرية من أعمال الموصل في نفر قليل من أهل معسكري وتبعني الباقون، فحين وردوا نهضت للرحيل ولم أدعهم إن يرخوا وخرجنا، فلما صرنا على فرسخ من البلد إذا بأعلام وجيش لاحقين بنا، فلم أشك إن أخي أنفذهم للقبض علي. فقلت لمن معي: تأهبوا للحرب ولا تبدأوا وحثوا السير، فإذا بأعرابي يركض وحده حتى لحق بي وقال: أيها الأمير، ما هذا السير المحث؟ خادمك دنحا قد وافى برسالة الأمير ناصر الدولة ويسالك إن تتوقف عليه حتى يلحقك، فلما ذكر دنحا قلت: لو كان شرا ما ورد دنحا فيه، فنزلت وقد كان السير كدني والحمى أخذتني، فطرحت نفسي لما بي، ولحقني دنحا وأخذ يعاتبني على شدة السير فصدقته عما كان في نفسي. فقال: اعلم إن الذي ظننته انقلب، وقد تمكنت لك في نفسه هيبة بما جرى، وبعثني إليك برسالة يقول لك: انك قد كنت جئتني تلتمس كيت وكيت فصادفت مني ضجرا وأجبتك بالرد، ثم علمت إن الصواب معك، فكنت منتظرا إن تعاودني في المسألة فأجيبك فخرجت من غير معاودة ولا توديع، والآن إن شئت فاقم بسنجار بنصيبين فاني منفذ إليك ما التمست من المال والرجال لتسير إلى الشام. فقلت لدنحا: تشكره وتجزيه الخير وتقول كذا وكذا، وأشياء وافقته عليها، وتقول: إني خرجت من غير وداع لخبر بلغني في الحال من طروق الأعراب لعملي، فركبت لألحقهم، وتركت معاودة المسألة تخفيفا، فإذا كان قد رأى هذا فانا ولده، وإن تم لي شيء فهو له، وأنا مقيم بنصيبين لانتظر وعده. وسرت ورجع دنحا، فما كان إلا أيام يسيرة حتى جاءني دنحا ومعه ألف رجل قد أزيحت عللهم وأعطوا أرزاقهم ونفقاتهم وعرضت دوابهم وبغالهم ومعهم خمسون ألف دينار، وقال هؤلاء الرجال وهذا المال، فاستخر الله وسر. فسرت إلى حلب وملكته وكانت وقائعي مع الأخشيدية بعد ذلك المعروفة.
مملكة سيف الدولة
الحق إن مملكة سيف الدولة تمتاز بكثرة المدن الهامة مثل حلب وأنطاكية وقنسرين ومنبج وبالس ومعرة النعمان ومعرة مصرين وسرمين وكفر طاب وأفامية وعزاز وحماه وحمص وطرطوس، كما إنها تمتاز بكثرة الثغور التي يطلقون على كثير منها اسم الثغور الجزرية وهي في الواقع ثغور شامية وإنما سميت بالجزرية لان أكثر المرابطين بها من أهل الجزيرة. ومن الثغور الهامة المصيصة وأدنه ومرعش وطرطوس والحدث وزبطرة وملطية وسميساط ورعبان ودلوك. يضاف إلى كل ذلك ديار بكر التي ولد سيف الدولة ثم دفن في إحدى مدنها وهي ميافارقين، وديار مضر التي كانت الرقة عاصمة لها ثم ما تم له فتحه من بلاد أرمنية.
التأليف في ظل سيف الدولة
هناك قصة إهداء أبي الفرج الأصفهاني كتابه الأغاني إلى سيف الدولة وإعطاء سيف الدولة له ألف دينار، ولقد ألف أبو الفرج كتابه بعيدا عن حلب، وإنما قصدها ليهديه إلى الأمير الأديب، ولكن هناك كتبا كثيرة في فنون مختلفة قد ألفها العلماء والأدباء الذين عاشوا في كنف سيف الدولة وفي بلاطه، وقد وصل إلينا بعض هذه الكتب وضاع البعض الآخر مع ما فقد من كنوز التراث العربي في فترات المحن المتكررة.
ففي الطب كان فيما يذكر المؤرخون يقف على مائدة سيف الدولة وقت الأكل أربعة وعشرون طبيبا، وإن دل هذا الخبر على شيء رغم المبالغة الظاهرة فيه فإنما يدل على وفرة الأطباء في حلب في عهد سيف الدولة، وقد شارك بعض هؤلاء الأطباء في الترجمة والتأليف فكان عيسى الرقي الطبيب يترجم من السريانية إلى العربية، وألف الحسين بن كشكرايا كناشه المعروف بالحاوي، وكان طبيبا لعضد الدولة ثم لسيف الدولة.
وفي الهندسة والرياضة والفلك عاش في عصر سيف الدولة ومملكته أبو القاسم الرقي المنجم، والمجتبى الأنطاكي، ودينسيوس بطريرك اليعاقبة، وقيس الماروني ولكل واحد منهم مؤلفات جليلة.
وفي الفلسفة عاش الفارابي في كنف سيف الدولة.
وفي اللغة وعلومها ألف الحسين بن خالويه كتبا كثيرة مثل كتاب أسماء الأسد، وإعراب ثلاثين صورة، وكتاب البديع في القراءات، وكتاب الاشتقاق، وكتاب ليس في كلام العرب، وكتاب اشتقاق خالويه وكتاب الالفات، وشرح مقصورة ابن دريد، وكتاب المذكر والمؤنث، وكتاب الجمل في النحو.
وألف ابن جني كتبا كثيرة أهمها كتاب الخصائص، وسر صناعة الاعراب، والمنصف في شرح تصاريف المازني، كما عدد له ياقوت كثيرا من الكتب التي ضاعت وليس لدينا إلا أسماؤها وألف أبو علي الفارسي أثناء وجوده في حلب كتاب المسائل الحلبية، وكان أبو علي إذا حل في مدينة جلس للدرس، ولقد زار أكثر مدن الشرق الإسلامي وله في كل بلدة حل بها كتاب يضم درسه فيها وما عرض له من مسائل مثل كتاب المسائل البغدادية وكتاب المسائل الشيرازية، وكتاب المسائل البصرية، وكتاب المسائل القصرية، وكتاب المسائل الدمشقية، وكتاب المسائل العسكرية، فضلا عن كتبه الأخرى الكثيرة التي ألفها بعيدا عن حلب.
وفي الجغرافيا ألف ابن حوقل الموصلي كتاب المسالك والممالك. هذا وقد شارك بعض شعراء سيف الدولة في التأليف والتصنيف، فالشاعران الخالديان ألفا وصنفا كتبا كثيرة أهمها كتاب حماسة شعر المحدثين، وكتابا في أخبار أبي تمام ومحاسن شعره، وكتاب أخبار الموصل، وكتابا في أخبار شعر ابن الرومي، وكتاب اختيار شعر البحتري، وكتاب اختيار شعر مسلم بن الوليد وكتاب الديارات وألف السري الرفاء الشاعر كتاب الديرة، وكتاب المحب والمحبوب، وكتاب المشموم والمشروب. وألف كشاجم كتاب أدب النديم وكتاب المصايد والمطارد.
سيف الدولة القائد
لعل من الأمور التي تلفت النظر إلى سيف الدولة القائد المحارب هذه الجرأة التي دفعته إلى إن يغزو الإمبراطورية البيزنطية أكثر من مرة وكان لا يزال في الخامسة والعشرين من عمره، وكيف أوغل بجيشه المحدود العدد في داخل الأراضي البيزنطية فاضطر الدمستق إن يخرج إليه على رأس مائتي ألف جندي مجهزين أحسن تجهيز فانتصر عليهم سيف الدولة وأسر سبعين بطريقا واستولى على سرير الدمستق وكرسيه.
ومن هذه الجرأة أيضا ما قام به من غزو في أرض الروم ولم يكد يمضي على الغزوة السابقة سنتان، وما كان من توغله في أراضي الإمبراطورية ووصوله إلى مواضع لم تطأها قدما مسلم من قبل، وتحديه للإمبراطور ونزوله إلى قلونية.
بل كيف قاد سيف الدولة جيوش أخيه ناصر الدولة وحارب البريديين وانتصر عليهم واسترد منهم بغداد، وطاردهم إلى واسط.
الأباطرة الذين نازلهم سيف الدولة
إن الانتصار على جيش ضعيف تحت قيادة قائد مغمور أمر يسير غير خطير، بل لا يكاد يعد انتصارا، ولكن تعظم قيمة النصر كلما كان العدو خطيرا وجيشه كبيرا وقائده ماهرا، ومن هنا يمكن تقدير انتصارات سيف الدولة حق قدرها، لقد كانت الجيوش البيزنطية التي يواجهها سيف الدولة يربو عددها في الموقعة الواحدة على مائتي ألف محارب أحيانا، وهم بعد ذلك من أجناس مختلفة بين روس وبلغار وروم وصقلب وأرمن وخزر، فجيش البزينطيين على حد قول المتنبي:
فإذا ما نظرنا إلى القادة الذين كانوا يقودون هذه الجيوش وجدناهم الأباطرة البيزنطيين أنفسهم، ومن بين هؤلاء أخطر قائدين عرفتهما بيزنطة ونعني بهما برداس فوكاس ثم أخوه نقفور فوكاس ومن قبلهما قسطنطين ليكابينوس الذي تحداه سيف الدولة في غزواته قبل الملك.
فأما برداس فقد ألقى بسيف الدولة في عدة معارك، وعلى رغم كثافة جيوشه لم يحرز نصرا مشرفا واحدا، بل كان يفقد في كل معركة جانبا كبيرا من جيشه وعددا خطيرا من بطارقته أي قواده ثم اكتمل سوء حظه حينما التقى بسيف الدولة قرب مرعش سنة 342 ه 953 م وفي هذه المعركة جرح برداس في وجهه ووقع ابنه قسطنطين أسيرا في يد سيف الدولة فضلا عن أسرى آخرين من القواد. وكانت هذه المعركة من أكبر ما مر على البيزنطيين من نكبات فبعدها حزن برداس حزنا شديدا على أسر ولده ودخل الدير مترهبا وتسابق شعراء سيف الدولة فوصفوا هذه الحادث الفريدة وصفا بارعا فيقول أبو الطيب المتنبي والخطاب موجه إلى الإمبراطور البيزنطي:
نقفور فوكاس وكان هذا القائد من أمهر وأقسى القواد البيزنطيين، كان قبل توليه القيادة والملك قائدا عاما للقوات البيزنطية البرية والبحرية في الجبهة الغربية وقد نجح فيما أخفق فيه كثير من القواد السابقين حينما استطاع استعادة جزيرة كريت من يد العرب سنة 350 ه أي 961 م.
وكان لنقفور فوكاس أطماع كثيرة أهمها الملك وثانيها استعادة بيت المقدس من أيدي المسلمين، فأما هدفه الأول فقد وصل إليه حينما عقد أواصر صداقة مع زوجة الإمبراطور، رومانوس حتى تزوج أرملته تيوفانو وأعلن نفسه امبراطورا وتسمى باسم نقفور الثاني وكان ذلك سنة 352 ه 963 م.
وكثيرا ما راودته الفكرة الثانية أي فكرة فتح بيت المقدس وقد وضح ذلك جليا حينما فتح طرسوس ووقف على منبرها وخطب قائلا إن هذه البلدة هي التي كانت تعوقه عن الوصول إلى بيت المقدس.
(بعض أخباره ووقائعه)
أشار الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني إلى أكثر وقائع سيف الدولة وحروبه في قصيدته التي يفتخر فيها بقومه وعشيرته وقد مر قسم منها في ترجمة أبي فراس وذكرنا جملة منها في تراجم من تعرض لذكرهم فيها من قومه ونذكر منها هنا ما يتعلق بسيف الدولة ووقائعه قال:
والمراد بهما ابنا عمه سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون وأخوه ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون والمراد بأمير المؤمنين هو المتقي وقد مر خبر استجارته بهما وتلقيبه إياهما بسيف الدولة وناصر الدولة في ترجمة ناصر الدولة في الحسن بن عبد الله بن حمدان ثم قال في مدح سيف الدولة وذكر وقائعه:
قال ابن خالويه: افتتح سيف الدولة ديار بكر سنة 343 وقلدها أبا جعفر الديلمي فعصى وسار فتحصن بارزن فنزل عليه سيف الدولة حتى أنزله قهرا واستباح بلاده والى ذلك أشار أبو فراس بقوله (ونازل منه الديلمي بارزن) قال:
قال ابن خالويه: ملوك بني الجحاف أبو اليقظان الأعلى ابن مسلمة السلمي نازله سيف الدولة في بلده حتى فتحه وهرب إلى بلاد الروم فأمده ملك الروم ببطريق في عشرين ألفا فهزمهم وعاد السلمي فدخل في جملة أصحاب سيف الدولة ورده إلى بلده ورضي عنه. وقصد أبا العز السلمي وأبا سالم فأخذ بلدانهم ثم ردها عليهم فأقرهم عليها فصاروا من جملة أصحابه. قال:
قال ابن خالويه: غزا سيف الدولة في سنة 334 حتى نزل حصن بني زياد، فاقبل الدمستق في ثمانين ألفا حتى أحاط بالعسكر في موضع يقال له سلام، فأشاروا على سيف الدولة بأخذ ما خف والهرب فأبى وناجزهم وهرب الدمستق قال:
(أرسناس) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح السين المهملة ونون وألف وسين أخرى، في معجم البلدان: اسم نهر في بلاد الروم يوصف ببرودة مائه عبره سيف الدولة ليغروا فقال المتنبي:
قال:
قال ابن خالويه أخذت خيل بني نمير من نواحي نصيبين خروفا من غنم راع وسيف الدولة فيها فنهض إليهم فطردهم إلى الدالية قال:
قال ابن خالويه: كانت له وقائع مع الأخشيد وكانت الحروب بينهما سجالا ولما تطاولت الحروب راسله بالصلح فأجاب إليه سيف الدولة وتزوج ابنة الاخشيد ولم يدخل بها قال
في معجم البلدان: جلباط بالضم ناحية بجبل اللكام بين أنطاكية ومرعش كانت بها وقعة لسيف الدولة ابن حمدان بالروم افتخر بها أبو فراس فيما افتخر فقال وأوقع في جلباط وذكر البيت، وفيه: عمق بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره قاف كورة بنواحي حلب وإياه عنى أبو الطيب المتنبي حيث قال مخاطبا سيف الدولة:
وقال أبو العباس الصفري شاعر سيف الدولة يذكر العمق:
وفيه اللكام بالضم وتشديد الكاف ويروى بتخفيفها وهو في شعر المتنبي مخفف فقال:
وهو الجبل المشرف على أنطاكية والمصيصة وطرسوس وتلك الثغور. وفيه: برج الرصاص قلعة ولها رساتيق من أعمال حلب قرب أنطاكية وإياها عنى أبو فراس بقوله: وذكر البيت: قال:
في معجم البلدان بالضم ثم التخفيف وآخره نون بلد بالروم وراء خرشنة بيومين غزاه سيف الدولة وذكره المتنبي في قوله:
وهذا البيت من إسرافات المتنبي في المبالغة لأنه يقول إن هذه الخيل شربت من آلس وهو بلد بالروم فلم يتعد حناجرها حتى أذرى اللقان الغبار في مناخرها يعني إنها سارت من آلس إلى اللقان في مدة هذا مقدارها وبينهما مسافة بعيدة وقد شدده أبو فراس فقال:
والموجود في ديوانه ذكر في البيت كما ذكرناه أولا ولا وجود له بالصفة التي نقلها ياقوت في جميع النسخ التي بأيدينا، قال:
قال ابن خالويه: قوله وأوردها بطن اللقان الخ قال أبو فراس: غزونا مع سيف الدولة وفتحنا حصن العيون سنة 339 وسني إذ ذاك تسع عشرة سنة وأوغلنا في بلاد الروم وفتحنا حصن الصفصاف فقال ابن عمي أبو زهير مهلهل بن نصر بن حمدان في هذه الغزاة أبياتا ذكرت في ترجمته، وأحرقت في هذه الغزاة مدينة خرشنة وصارخة وهزم الدمستق وأخذ من بطارقته عدة عديدة وفي معجم البلدان: صارخة بعد الراء خاء معجمة بلدة غزاها سيف الدولة في سنة 339 ببلاد الروم فعند ذلك قال المتنبي:
قال:
قال ابن خالويه قال أبو فراس غزا عمي قبل سنة 300 فاحرق مدينة خرشنة وصارخة.
في اليتيمة: يقال إن سيف الدولة غزا الروم أربعين غزوة له وعليه فمنها أنه أغار على زبطرة وعرقة وملطية ونواحيها فقتل وأحرق وسبا وانثنى قافلا إلى درب موزار فوجد عليه قسطنطين بن فردس الدمستق فأوقع به وقتل صناديد رجاله وعقب إلى بلدانه وقد تراجع من هرب منها فأعظم القتل وأكثر الغنائم وعبر الفرات إلى بلد الروم ولم يفعله أحد قبله حتى أغار على بطن هنزيط فلما رأى فردس بعد مغزاه وخلو بلاد الشام منه غزا نواحي أنطاكية فأسرى سيف الدولة إليه يطوي المراحل لا ينتظر متأخرا ولا يلوي على متقدم حتى عارضه بمرعش فأوقع به وهزمه وقتل رؤوس البطارقة وأسر قسطنطين بن الدمستق وأصابت الدمستق ضربة في وجهه وأكثر الشعراء في هذه الوقعة:
قال ابن خالويه: قوله ولما وردنا الدرب الخ قال أبو فراس: كل موقف لسيف الدولة شريف وهذه الحالة التي أشرحها كالمعجزة وذلك أنا سرنا معه إلى ديار مضر لأن قبائل كعب شمخت واستفحل أمرها فلما عبرنا الفرات هربوا وأمرني باللحاق بهم وردهم إلى الطاعة ففعلت ذلك وأخذت رهائنهم فكتب إلي أبو محمد الكاتب بحضرة سيف الدولة:
وسرنا ففتحنا بلاد الروم وقدمني ففتحت حصن عرقة، وفي معجم البلدان عرقة بكسر أوله وسكون ثانيه مؤنث عرق بلدة في شرقي طرابلس بينهما أربعة فراسخ وعلى جبلها قلعة لها وكان سيف الدولة بن حمدان قد غزاها فقال أبو العباس الصفري شاعره:
ثم قال عرقة هكذا وجدته مضبوطا بخط بعض فضلاء حلب في شعر أبي فراس بفتح أوله وقال هي من نواحي الروم غزاها سيف الدولة فقال أبو فراس:
(أقول) هذا البيت لا يوجد في نسخ الديوان التي بأيدينا وقد ذكره ياقوت في معجم البلدان في ثلاثة مواضع منه في عرقة وملطية وموزار: قال: وكذا يروى في شعر المتنبي أيضا، قال:
قال وموزار بالفتح ثم السكون وزاي واخره راء حصن ببلاد الروم وقد ذكره أبو فراس فقال:
وقال المتنبي:
ثم قال أبو فراس فيما حكاه عنه ابن خالويه في تتمة الكلام السابق:
وعدنا إلى درب موزار فوجدنا عليه قسطنطين بن الدمستق في الجموع فلم يمكن الخروج منه فعدنا إلى بلاد الروم وكمن لهم سيف الدولة في موضع آخر فقتلنا منهم مقتلة عظيمة قال الشاعر:
ثم قصدنا الفرات فعبرنا فلما وصلنا إلى أرفنين بلغنا خبر الدمستق وخروجه إلى الشام ونادى سيف الدولة بالتاهب وسرنا نطوي المنازل حتى عدنا من سميساط ولحقه سيف الدولة وراء مرعش في ستمائة رجل مجهدين فأوقع بهم وهزمه وأسر قسطنين وقتل البطريق بن الملاين وضرب الدمستق في وجهه ونصرنا عليهم وفي معجم البلدان: ارقنين بالفتح ثم السكون وفتح القاف وكسر النون وياء ساكنة ونون بلد بالروم غزاه سيف الدولة بن حمدان وذكره أبو فراس فقال إلى إن وردنا ارقنين البيت وفي ذلك يقول أبو فراس من قصيدة أخرى:
قال:
وهذا البيت مذكور في اليتيمة ولا ذكر له في نسخ الديوان التي بيدنا، قال في اليتيمة: سار سيف الدولة لبناء الحدث وهي قلعة عظيمة الشأن فاشتد ذلك على ملك الروم فجمع عظماء أهل مملكته وجهزهم بالصليب الأعظم وعليهم فردس الدمستق ثائرا بابنه قسطنطين في عدد لا يحصى حتى أحاطوا بعسكر سيف الدولة والتهبت الحرب واشتد الخطب وساءت ظنون المسلمين ثم أنزل الله نصره فحمل سيف الدولة يخرق الصفوف طلبا للدمستق فولى هاربا وأسر صهره وابن بنته وقتل خلقا كثيرا من الروم وأكثر الشعراء في هذه الواقعة فقال أبو الطيب:
قال:
وهذان البيتان موجودان في معجم البلدان ولا يوجدان في الديوان قال:
الأحيدب جبل وهو الذي يقول فيه المتنبي:
قال ابن خالويه:
بنى سيف الدولة الحدث في سنة 343 والذي في النسخة 333 وهي غير مضمونة الصحة ولكن في معجم البلدان وكامل ابن الأثير 343 وزاحف الدمستق وجموع الروم معه فهزمه وأسر صهره وابن بنته فحبسهم فقال في ذلك أبو فراس: وحسبي بها. . . الأبيات:
ثم قال ابن خالويه: لما لحق الدمستق ما لحقه وأسر ابنه وابن أخيه ومات في حبس سيف الدولة جمع عساكره وقصد الثغور فسار إليه سيف الدولة والتقوا عند الحدث وسيف الدولة نازل عليهم فلما أشرف الدمستق على الأحيدب وهو جبل مطل عليها هال المسلمين ما رأوا وتسللوا عن سيف الدولة وكان في مدة يسيرة ممن بقي معه فحمل عليهم سيف الدولة فيمن ثبت معه وكان له بصيرة فأنزل الله عليه الصبر والنصر فولى الدمستق هاربا وأسر صهره وابن بنته وقرابات له فاستبقاهما سيف الدولة وقتل الباقي ويدل كلام ابن الأثير إن ذلك كان سنة 343 وكذلك قال ياقوت إن خروج سيف الدولة لبناء الحدث كان سنة 343 قال ابن خالويه وما زالت الرسل تتردد بينهما إلى إن أسر أبو فراس سنة 351 فوفق الله من الرأي ما عقد له وضمن للملك أثمان ما بقي من الأسرى بعد ما تفادى من البطارقة وغيرهم ومبلغه 240200 مائتا ألف وأربعون ألف ومائتا دينار رومية وقال:
في معجم البلدان عجب موضع بالشام في شعر عدي بن الرقاع والأشاعر لست اعرف معناه والأشعر من جبال الحجاز.
قال ابن خالويه: أوقع سيف الدولة بطيء وكلب ونفاهم عن جند حمص واسكن البلد نزارا قال:
أبو وائل هو تغلب بن داود بن حمدان بن حمدون ومضى شرح ذلك مع بقية الأبيات في ترجمته قال:
قوله وقد كبر الخطب اليسير، قال ابن خالويه أحدثت بنو كلاب حدثا بنواحي بالس ثم أجفلت فأسرى إليهم سيف الدولة من حلب وأمر أبا فراس إن يعارضه من منبج فعارضه من بالس فلحقه بالجسر فأوقع بهم وملك الحريم والأموال فعف عن الحريم وكساهن والحقهن بأهلهن على المحامل وجاء مطر البلدي فسأله الإبقاء فأجاب قال:
قال ابن خالويه: العرب تدعو سيف الدولة أبا الفيض لفيضه عليهم بالإحسان، وسرنا معه إلى ديار بكر سنة 338 فأقام يمير الناس على طبقاتهم مدة مقامه وكان جده أبو العباس حمدان بن حمدون مار الخليفة المعتضد وحاشيته وقت إصعاده إلى حرب الطولونية قال:
وهذا البيت لا يوجد في نسخ الديوان التي بأيدينا.
في معجم البلدان سمنين بضم أوله وكثيرا ما يروى بالفتح وسكون ثانيه ونون مكسورة وآخره نون أخرى بلد من ثغور الروم وهنزيط بكسر الهاء وسكون النون وكسر الزاي من الثغور الرومية أيضا وذكرهما أبو الطيب أيضا فقال يصف خيل سيف الدولة:
قال:
وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كثرت وقائع سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن الحارث العدوي التغلبي بالعرب في كل ارض فتجمعت نزاريها ويمانيها وتشاكت ما لحقها وتراسلت وانفضت على الاجتماع بسلمية لمقاتلته ومناجزته وأوقعت بعامله بقنسرين وهو الصباح عبد عمارة المخارقي دعي زيد بن جشم فقتلته فنهض سيف الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ الندى بن جعفر ومحمد بن بزيع العقيليان من آل المهنا فهزمهم وقتل وجوههم وسرواتهم واتبع فلهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش فلم يزل يتبعهم ويقتل وياسر حتى ألحقهم بالغور موضع بالشام فلم ينج منهم إلا من سبق به فرسه واتبعهم سيف الدولة حتى لحقهم بتدمر فهتكهم وأهلكهم قتلا وعطشا وانكفأ سائرا إلى بني نمير وهي بالجزيرة فوجدها قد أخذت المهل ولحقته خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم وأحلهم بالجزيرة. فقال أبو فراس يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها:
ومر أكثر هذه القصيدة في ترجمة أبي فراس.
وفي اليتيمة: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال لما كانت الشام بيد الاخشيد ابن محمد طغج سار إليها سيف الدولة فافتتحها وهزم عساكره عن صفين فقال المتنبي:
وقال أبو فراس من قصيدة طويلة وهي الرائية المشهورة:
وهذان البيتان لا يوجدان في نسخ الديوان التي بأيدينا.
وظهر في الغرب رجل (من القرامطة) يعرف بالمبرقع وافتتح مدائن من أطراف الشام وأسر أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وهو خليفة سيف الدولة على حمص وألزمه فداء نفسه بخيل ومال فأسرى سيف الدولة من حلب حتى لحقه في اليوم الثالث بنواحي دمشق فقتله ووضع السيف في أصحابه فلم ينج إلا من سبق فرسه وعاد إلى حلب ومعه أبو وائل وبين يديه رأس الخارجي على رمح، فقال أبو فراس يذكر ذلك:
قال في اليتمية: وهذا من أحسن ما قيل في الرأس المصلوب على الرمح. ومما فيه قول الآخر:
وهذه الواقعة هي التي يقول فيها أبو الطيب من قصيدة:
قال ياقوت: قرأت في تاريخ ألفه أبو غالب بن المهذب المعري إن سيف الدولة بن حمدان لما عبر الفرات سنة 333 ليملك الشام تسامع به الولاة فتلقوه من الفرات وكان فيهم أبو الفتح عثمان بن سعيد والي حلب من قبل الأخشيد فلقيه من الفرات فأكرمه سيف الدولة وأركبه معه وسايره فجعل سيف الدولة كلما مر بقرية سأله عنها فيجيبه حتى مر بقرية فقال ما اسم هذه القرية قال ابرم بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء وميم فسكت سيف الدولة وظن أنه أراد أنه أبرمه وأضجره بكثرة السؤال فلم يسأله سيف الدولة بعد ذلك عن شيء حتى مر بعدة قرى فقال له أبو الفتح يا سيدي وحق رأسك إن اسم تلك القرية أبرم فأسأل من شئت عنها فضحك سيف الدولة وأعجبته فطنته.
وفي خزانة الأدب كان سيف الدولة لا يملك نفسه وكان يأتيه علوي من بعض جبال خراسان كل سنة فيعطيه رسما له جاريا على التأبيد فاتاه وهو في بعض الثغور فقال للخازن أطلق له ما في الخزانة فبلغ أربعين ألف دينار فشاطر الخازن وقبض عشرين ألف دينار إشفاقا من خلل يقع على عسكره في الحرب.
وقيل إن سيف الدولة خرج يوما على جماعة فقال قد عملت بيتا وما احسب أحدا يعمل بيتا آخر إلا إن كان سيدي أبا فراس وأنشدهم:
قال أبو فراس:
قال سامي الكيالي:
(شخصية سيف الدولة)
من البطولات الفذة التي كان لها شأنها الخطير في دفع الغزو البيزنطي عن الأرض العربية بطولة سيف الدولة الحمداني، هذا القائد العربي المغوار الذي وقف وحده في الميدان يحارب جيوش الإمبراطورية البيزنطية الكبرى في فترة كانت الدولة العباسية قد تمزقت شذر مذر. وتهددتها الأطماع من كل طرف وأصبح الحكم بيد الأعراب، وأخذت النزعة الشعوبية تتحكم، وتعمل جهدها للقضاء على العنصر العربي.
في هذه الفترة العصيبة قام سيف الدولة وأسس الدولة الحمدانية في حلب واتخذ من قلعتها الحصينة معقل

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 269

سيف الدولة صاحب حلب ابن حمدان أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0

سيف الدولة ابن حمدان علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون بن الحرب بن لقمان بن راشد أبو الحسن بن أبي الهيجاء التغلبي، سيف الدولة صاحب حلب، ممدوح المتنبي وغيره. أصله من الجزيرة، ونشأ ببغداد، ولقبه الإمام المتقي لله سيف الدولة. كان فارسا بطلا فقيها شاعرا أديبا بليغا. ملك ديار مصر وديار بكر ودمشق وحلب. وكانت حلب دار ملكه ومقر عزه، وله مع الروم أربعون وقعة له وعليه، ومع غيرهم ما لا يحصى. قال سنان بن ثابت:
أحصى من وفد عليه من الأجناد وأصحاب السلطان والكتاب والشعراء وعرب البرية وأصناف الناس، وذلك في عشر الأضحى فكانوا اثني عشر ألفا ومائتين. فأنفذ لكل واحد من الأضحية على قدره من مائة إلى شاة. ولزمه في فداء الأسرى سنة خمس وخمسين وثلاث مائة ست مائة ألف دينار. وكان ذلك خاتمة عمله، لأنه مات بعد ذلك بقليل. واشترى كل أسير من الضعفاء بثلاثة وثمانين دينارا وثلث دينار رومية. فأما الجلة من الأسرى ففادى بهم أسارى عنده من الروم من رؤسائهم. وكانت أخته قد توفيت وخلفت خمس مائة ألف دينار، فصرفها في هذا الوجه، فقال الببغاء:

وكان سيف الدولة بليغا، كتب إلى أبي فراس: كتابي ويدي في الكتاب، ورجلي في الركاب، وأنا أسرع من الريح الهبوب والماء إلى الأنبوب. ومولده ببغداد سنة اثنتين وثلاث مائة، وتوفي سنة ست وخمسين وثلاث مائة بالفالج، وقيل بعسر البول بحلب في شهر صفر. وحمل إلى ميافارقين ودفن عند أمه. وكان قد جمع من نفض الغبار الذي يجتمع عليه أيا الحروب ما جاء منه لبنة بقدر الكف، فأوصى أن يوضع خده عليها في قبره، ففعل به ذلك.
ولما مات سيف الدولة، تولى أمره القاضي أبو الهيثم ابن أبي حصين، وغسله عبد الحميد بن سهل المالكي قاضي الكوفة سبع مرات، أولا بالماء والسدر ثم بالصندل ثم بالذريرة ثم بالعنبر ثم بالكافور ثم بماء الورد ثم بالمسك ثم بماء قراح، ونشف بثوب دبيقي ثمنه خمسون دينارا. وكفن في سبعة أثواب تساوي ألفي دينار، فيها قميص قصب بعد أن صبر بمائة مثقال غاليه ومنوين كافور. وصلى عليه أبو عبد الله الأقساسي العلوي الكوفي وكبر عليه خمسا، وحمل في تابوت إلى ميافارقين.
وملك بعده ابنه سعد الدولة. ويقال إنه في أيامه لقي جندي جنديا من أصحاب سيف الدولة فقال له: كيف أنتم؟ فقال: كيف نحن، وقد بلينا بشاعر كذاب وسلطان خفيف الركاب، يعني بذلك المتنبي في أمداحه لسيف الدولة. وكان سيف الدولة قد استولى أولا على واسط ونواحيها. وتنقلت به الأحوال، فانتزع حلب سنة ثلاث وثلاثين من أحمد بن سعيد الكلابي نائب الإخشيد. وكان إماميا متظاهرا بالتشيع، كثير الأفضال على الطالبيين وأشياعهم ومنتحلي مذاهبهم. وكان ناصر الدولة الحسن أخوه يحب سيف الدولة، وهو أكبر منه. قال: أنفقت من المال مائة ألف دينار حتى يلقب علي سيف الدولة. وكان سيف الدولة يعظم أخاه ناصر الدولة، وله فيه من الأشعار ما تقدم في ترجمة ناصر الدولة.
وعاد سيف الدولة من بعض غزواته وجلس للتهنئة، والشعراء ينشدونه. فدخل رجل من أهل الشام طويل الرقبة كبير الذقن. فأنشده أبياتا مرذولة إلى أن قال منها:
فأمر به سيف الدولة فوجيء في حلقه حتى أخرج. فلما انقضى المجلس، سأل: هل بالباب أحد؟ فقيل: ذلك الشاعر جالس في الدهليز يبكي ويتألم، فأمر بإحضاره وقال له: ما حملك على ما قلته؟ فقال: أيها الأمير، ما أنصفتني لأني أتيتك بكل جهدي أطلب بعض ما عندك، فنالني منك ما نالني. فقال: من يكون هذا نثره يكون ذلك نظمه؟! كم كنت أملت بهذه القصيدة؟ قال: خمس مائة درهم، فقال: أضعفوها له.
وقدم إليه أعرابي رث الهيئة وأنشده:
فأمر له بمائتي دينار من دنانير الصلات، كل دينار عشرة دنانير عليه اسمه وصورته. وطلب رسول سيف الدولة لما قدم الحضرة ببغداد من إبراهيم بن هلال الصابي شيئا من شعره، فكتب معه إليه:
فبعث إليه ثلاث آلاف دينار لكل بيت ألف دينار. وقال الببغا: ما حفظنا على سيف الدولة خرما قط إلا في يوم واحد، فإنه كان في مجلس خلوة ونحن قيام بين يديه، فدخل أبو فراس -وكان بديعا في الحسن- فقبل يده فقال: فمي أحق من يدي.
والناس يسمون عصره وزمانه الطراز المذهب، لأن الفضلاء الذي كانوا عنده، والشعراء الذين مدحوه لم يأت بعدهم مثلهم: خطيبه ابن نباتة، ومعلمه ابن خالويه، وطباخه كشاجم، والخالديان خزان كتبه، والمتنبي والسلامي والوأواء والببغاء وغيرهم شعراؤه. وقد غلط الناس ونسبوا إليه أشعارا ليست له، من ذلك الأبيات التي في وصف قوس قزح، وأولها:
وهي لابن الرومي، ذكرت في ترجمته، وقيل لغيره. وكذا الأبيات التي أولها:
الأبيات ليست له، قيل إنها لعبد المحسن الصوري.
ومن شعره يصف مخدة:
ومنه:
وقيل إنها لغيره. ومن شعره:
ويحكى أن أبا فراس كان يوما بين يديه في نفر من ندمائه، فقال لهم سيف الدولة: أيكم يجيز قولي، وليس له إلا سيدي -يعني أبا فراس- وأنشد:
فارتجل أبو فراس وقال:
فاستحسنه وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألفي دينار. ومن شعره:
ومنه:
ومنه:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0

سيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان، صاحب حلب، مقصد الوفود، وكعبة الجود، وفارس الإسلام، وحامل لواء الجهاد. كان أديبا مليح النظم، فيه تشيع.
ويقال: ما اجتمع بباب ملك من الشعراء ما اجتمع ببابه.
وكان يقول: عطاء الشعراء من فرائض الأمراء.
وقد جمع له من المدائح مجلدان.
أخذ حلب من الكلابي نائب الإخشيذ في سنة ثلاث وثلاثين، وقبلها أخذ واسط، وتنقلت به الأحوال، وتملك دمشق مدة، ثم عادت إلى الإخشيذية، وهزم العدو مرات كثيرة.
يقال: تم له من الروم أربعون وقعة، أكثرها ينصره الله عليهم.
وقيل: إنه في عيد نفذ إلى الناس ضحايا لا تعد كثرة، فبعث إلى اثني عشر ألف إنسان، فكان أكثر ما يبعث إلى الكثير منهم مائة رأس.
وتوفيت أخته فخلفت له خمس مائة ألف دينار، فافتك بجميعها أسرى.
التقاه كافور، فنصر سيف الدولة بظاهر حمص، ونازل دمشق، ثم التقاه الإخشيذ، فهزم سيف الدولة، وأدرك الإخشيذ الأجل بدمشق، فوثب سيف الدولة عليها، ولم ينصف أهلها، واستولى على بعض أرضهم، فكاتب العقيقي والكبراء بعد سنة صاحب مصر، فجاء إليهم كافور.
مولده في سنة إحدى وثلاث مائة، وله غزو ما اتفق لملك غيره، وكان يضرب بشجاعته المثل، وله وقع في النفوس، فالله يرحمه.
مات بالفالج، وقيل: بعسر البول، في صفر سنة ست وخمسين، ولما احتضر أخذ على الأمراء العهد لابنه أبي المعالي. مات يوم جمعة قبل الصلاة، وغسل، ثم عمل بصبر، ومر، ومنوين كافور، ومائة مثقال غالية، وكفن في أثواب قيمتها ألف دينار، وكبر عليه القاضي العلوي خمسا، ولما بلغ معز الدولة بالعراق موته جزع عليه، وقال: أيامي لا تطول بعده، وكذا وقع. ثم نقلوه إلى ميافارقين فدفن عند أمه، وكان قد جمع من الغبار الذي يقع عليه وقت المصافات ما جبل في قدر الكف، وأوصى أن يوضع على خده.
وكانت دولته نيفا وعشرين سنة، وبقي بعده ابنه سعد الدولة في ولاية حلب خمسا وعشرين سنة، وقد أسر ابن عمهم الأمير، شاعر زمانه، أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان، فبقي في قسطنطينية سنوات، ثم فداه سيف الدولة، وكان بديع الحسن، وكان صاحب منبج، ثم تملك حمص، فقتل عن سبع وثلاثين سنة، سنة سبع وخمسين.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 247