تقي الدين السبكي علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن، تقي الدين: شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفاظ المفسرين المناظرين. وهو والد في سبك (من أعمال المنوفية بمصر) وانتقل إلى القاهرة ثم إلى الشام. وولى قضاء الشام سنة 739هـ ، واعتل فعاد إلى القاهرة، فتوفي فيها. من كتبه (الدر النظم) في التفسير، لم يكمله، و (مختصر طبقات الفقهاء) و (إحياء النفوس في صنعة إلقاء الدروس) و (الإغريض، في الحقيقية والمجاز والكناية والتعريض) و (التمهيد فيما يجب فيه التحديد - ط) في المبايعات والمقاسمات والتمليكات وغيرها، و (السيف الصقيل - ط) رأيته بخطه في 25 ورقة في المكتبة الخالدية بالقدس، في الرد على قصيدة نونية تسمى (الكافية) في الاعتقاد، منسوبة إلى ابن القيم، و (المسائل الحلبية وأجوبتها - خ) في فقه الشافعية، و (السيف المسلول على من سب الرسول - خ) و (مجموعة فتاوي - ط) و (شفاء السقام في زيارة خير الأنام - ط) و (الابتهاج في شرح المنهاج - خ) فقه. ورأيت (مجموعة - خ) بخطه في مجلد ضخم، تشتمل على رسائل كثيرة له، منها (الأدلة في إثبات الأهلة) و (الاعتبار ببقاء الجنة والنار) وفتاوي، وغير ذلك. واستوفي ابنه (تاج الدين) أسماء كتبه، وأورد ما قاله العلماء في وصف أخلاقه وسعة علمه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 302

قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن مسوار بن سوار بن سليم الشيخ الإمام العالم العلامة العامل الورع الناسك الفريد البارع المحقق المدقق المفنن المفسر المقرئ المحدث الأصولي الفقيه المنطقي الخلافي النحوي اللغوي الأديب الحافظ، أوحد المجتهدين، سيف المناظرين، فريد المتكلمين، شيخ الإسلام حبر الأمة، قدوة الأئمة، حجة الفضلاء، قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي المصري السبكي الشافعي الأشعري، الحاكم بالشام. أما التفسير فيا إمساك ابن عطية ووقوع الرازي معه في رزية. وأما القراءات فيا بعد الداني وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني. وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر وعي الخطيب لما أن يذاكر. وأما الأصول فيا كلال حد السيف وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف. وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب. وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينيه وانبهار الأبهري وغطاء كشفه بيمينه. وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي. وأما النحو فالفارسي ترجل يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسلامة. وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة. وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها وذهب إلى أهله يتمطى. وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه. وخرج من قشره هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، وإطلاع على معارف أخر وفوائد متى تكلم فيها قلت: بحر زخر، إذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحبة:

وتصانيفه تشهد لي بما ادعيت وتؤيد ما أتيت به ورويت. فدونك وإياها ورشف كؤوس حمياها، وتناول نجومها إن وصلت إلى ثرياها.
ولد أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وست مائة، وقرأ القرآن العظيم بالسبع. واشتغل بالتفسير والحديث والفقه والأصولين والنحو والمنطق والخلاف العميدي، والفرائض، وشيء من الجبر والمقابلة. ونظر في الحكمة وشيء من الهندسة والهيئة، وشيء يسير من الطب. وتلقى كل ما أخذه من ذلك عن أكثر أهله، ممن أدركه من العلماء الأفاضل. فمن مشاهير شيوخه في القراءات: تقي الدين الصائغ، وفي التفسير علم الدين العراقي، وفي الحديث الحافظ شرف الدين الدمياطي، وبه تخرج في الحديث. وأخذ باقي العلوم عن جماعة غيرهم، فالفقه أخذه عن الإمام نجم الدين ابن الرفعه. والأصول أخذها عن علاء الدين الباجي، والنحو عن العلامة أثير الدين أبي حيان، وغير ذلك عن غيرهم.
ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، فمن مشاهير أشياخه في الرواية: ابن الصواف وابن جماعة والدمياطي وابن القيم وابن عبد المنعم وزينب. هؤلاء بمصر والإسكندرية، والذين بالشام: ابن الموازيني وابن مشرف والمطعم وغيرهم. والذين بالحجاز: رضي الدين إمام المقام وغيره. وصنف كثيرا إلى الغاية، من ذلك:
الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، عمل منه مجلدين ونصفا، وتكملة المجموع في شرح المهذب، ولم يكمل. والابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، بلغ فيه يؤمئذ. والتحقيق في مسألة التعليق، ردا على العلامة تقي الدين ابن تيمية في الطلاق. وكان الناس قد عملوا عليه ردودا ووقف عليها، فما أثنى على شيء منها غير هذا، وقال: هذا رد فقيه. وكتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام ردا عليه أيضا في إنكاره سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وسبع مائة من أوله إلى آخره، وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظما:
ورفع الشقاق في مسألة الطلاق، والرياض الأنيقة في قسمة الحديقة، ومنبه الباحث في حكم دين الوارث، ولمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق. وإبراز الحكم من حديث رفع القلم. وإحياء النفوس في حكمة وضع الدروس، وكشف القناع في إفادة لو للامتناع. وضوء المصابيح في صلاة التراويح، ومسألة كل وما عليه تدل، ومسألة ضع وتعجل، لما وقف عليها الفاضل سراج الدين عبد اللطيف ابن الكويك كتب عليها، ونقلته من خطه:
والرسالة العلائية، والتحبير المذهب في تحرير المذهب، والقول الموعب في القضاء بالموجب، ومناسك أولى ومناسك أخرى. وبيع المرهون في غيبة الديون، وبيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط. ونور الربيع من كتاب الربيع، والرقم الأبريزي في شرح التبريزي. وعقود الجمان في عقود الرهن والضمان، وطليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر. والسيف المسلول على من سب الرسول، والسهم الصائب في بيع دين الغائب، وفصل المقال في هدايا العمال. والدلالة على عموم الرسالة، والتهدي إلى معنى التعدي. والنقول البديعة في أحكام الوديعة. وكشف الغمة في ميراث أهل الذمة، والطوالع المشرقة في الوقوف على طبقة بعد طبقة، وحسن الصنيعة في حكم الوديعة، وأجوبة أهل طرابلس، وتلخيص التلخيض وتاليه، والابهاج في شرح المنهاج في الأصول، ورفع الحاجب في شرح ابن الحاجب في الأصول. والقراءة خلف الإمام، والرد على الشيخ زين الدين ابن الكتاني. وكشف اللبس في المسائل الخمس، ومنتخب طبقات الفقهاء. وقطف النور في دراية الدور. والغيث المغدق في ميراث ابن المعتق. وتسريح الناظر، في انعزال الناظر، والملتقط في النظر المشترك، وغير ذلك.
ومن مسموعاته الحديثية: الكتب الستة والسيرة النبوية، وسنن الدارقطني ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أسامة، ومسند الدارمي ومسند عبد ومسند العدني، ومسند الشافعي، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي يعلى، والشفاء للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي، وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير. ولقد شاهدت منه أمورا ما أكاد أقضي العجب منها من تدقيق وتحقيق ومشاحة في ألفاظ المصنفين، وما ينظر فيه من أقوال الفقهاء وغيرهم.
والذي أقول فيه: إنه أي مسألة أخذها وأراد أن يملي فيها منصنفا فعل. ولم أر من اجتمعت فيه شروط الاجتهاد غيره، نعم والعلامة ابن تيمية. إلا أن هذا أدق نظرا وأكثر تحقيقا، وأقعد بطريق كل فن تكلم فيه، وما في أشياخه مثله. وكان الأمير سيف الدين الجابي الدوادار لا يكاد يفارقه، ويبيت عنده في القلعة ليالي، ويقيم أياما. ولما توفي قاضي القضاة جلال الدين القزويني بالشام، جاء الخبر ونحن بالقاهرة في خدمة الأمير سيف الدين تنكز سنة تسع وثلاثين، فطلب السلطان الملك الناصر محمد قاضي القضاة عز الدين ابن جماعة وطلبه، وطلب الشيخ شمس الدين ابن عدلان، فلما حضروا قال له:
يا شيخ تقي الدين، قد وليتك قضاء القضاة بالشام. وألبس تشريفه وخرج صحبة نائب الشام، وكنت في خدمته في الطريق، فالتقطت الفوائد وجمعت الفرائد وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد، ووددت أن النوى لم تلق لها عصا، وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصى.
وباشر القضاء بصلف زاد، ومشى ما حال عن جادة الحق ولا حاد. منزه النفس عن الحطام، منقادا إلى الزهد بخطام، مقبلا على شأنه في العلم والعمل، منصرفا إلى تحصيل السعادة الأبدية، فما له في غيرها أمل. ناهيك به من قاض، حكمه في هذا الأقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال علالة السامر. ليس في بابه من يقول لخصم: هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهات. ومات الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله وهو يعظمه ويختار أكبر الجوهر للثناء عليه وينظمه:
طلبت منه ذكر شيء من حاله ومولده وتصانيفه لأستعين بذلك على هذه الترجمة، فكتب مسموعاته وأشياخه ومصنفاته، ولم يكتب شيئا من نظمه، فكتبت إليه:
فكتب الجواب:
جمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط أذا رمقته العيون قالت: هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله. صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها، وملك زمانها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضاربا فيه بالسهم المصيب، مشمرا فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقدا ذكاء، مع ارتياض وارتياد إلى من هو عن ذلك كله بمعزل. ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئا مما نظم. ولعمري، لقد استسمن ذا ورم. ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبة من المسائل، على تبلد خاطر وكلال قريحة، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيحة، فأبى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون لي منظوم ومنثور!!؟
غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها: إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها وأقول: دعها تبلغ من أمانيها. فنظمت ما يستحيى من ذكره ويستحق أن يبالغ في ستره. ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه -حسب ما أمرت- نبذا، وأقطع لك منه فلذا، فمن ذلك في سنة ست وسبع مائة:
ومن ذلك سنة أربع عشرة يرثي الباجي من أبيات:
ومن ذلك في سنة عشر:
ومن ذلك في سنة ثمان عشرة حين رد على ابن تيميمة في الطلاق، وقد أكثر ابن تيميمة من الاحتجاج بيمين ليلى:
ومنه في معنى قول امرئ القيس:
#وما ذرفت عيناك... البيت.
قلت: ليس لهذه القوافي خامس فيما أظن. وتلطف في القافية الثالثة حتى تركبت معه، وأمتزجت من كلمتين: وقيب، لغة في قاب، وفيها معنى أدبي مما يمتحن به الأدباء في قول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك... البيت
لأن الأصمعي قال فيه: ما هو باد لكل أحد، وهو أن عينيها سهمان ضربت بهما في قلبه المقتل الذي هو أعشار، أي مكسر من قولهم: برمة أعشار إذا كانت كذلك. وأما ابن كيسان فقال: ما هو أدق من هذا المعنى فقال: ضربت بسهميك اللذين هما من سهام الميسر لتملكي أعشار القلب، وهي جميع ما يخص الميسر من القداح. فالمعلى له سبعة أسهم، والرقيب له ثلاثة أسهم، فيستغرق السهمان جميع الأعشار. وهذا وإن كان دقيقا، وفيه غوص، ففيه تعسف وتأويل فيه بعد. وأما هذا الذي نظمه قاضي القضاة، فهو صريح في هذا المعنى.
ونقلت من خطه قال: أحضر لي كتاب لابن تيمية في الرد على ابن مطهر الحلي في تصنيفه في الرفض، فقلت فيه وقد صرح ابن تيمية بحوادث لا أول لها بذات الباري تعالى:
ونقلت منه ما نظمه في رجب سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة:
ونقلت منه له:
ونقلت منه له:
قلبه العليل: نومك، والصحيح: نؤمك، مهموزا من الأم وهو القصد. وصحة أصل الكمون يجيء: كم مؤن، وركبت أنا مغلطة من مغالطات المنطق، ونظمتها شعرا وكتبت بها إليه، وهي:
#وعلمك للأنام هدى ونور فكتب الجواب في ليلته وفرع عليه ثلاثة أجوبة:
وأنشدني من لفظه ما كمل به الأبيات القديمة المشهورة:
وقال لي: نظمت بيتا مفردا من ثمان عشرة سنة، وزدت عليه الآن في هذه السنة، وكانت سنة سبع وأربعين وسبع مائة. وأنشدنيهما من لفظه، وهما:
فأعجباني وقلت: في مادتهما دون مدتهما، إلا أن بيتيه أحسن وأصنع من قولي:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0