الشريف المرتضى علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم، أبو القاسم، من أحفاد الحسين بن علي بن أبي طالب: نقيب الطالبيين، وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر. يقول بالاعتزال. مولده ووفاته ببغداد. له تصانيف كثيرة، منها (الغرر والدرر - ط) يعرف بأمالي المرتضى، و (الشهاب في الشيب والشباب - ط) و (الشافي في الإمامة - خ) و (تنزيه الانبياء - ط) و (الانتصار - ط) فقه، و (المسائل الناصرية - ط) فقه، و (تفسير القصيدة المذهبة - ط) شرح قصيدة للسيد الحميري، و (إنقاذ البشر من الجبر والقدر - ط) و (أوصاف البروق) و (ديوان شعر) يقال: إن فيه عشرين ألف بيت. وكثير من مترجميه يرون أنه هو جامع (نهج البلاغة - ط) لا أخوه الشريف الرضي، قال الذهبي: وهو - أي المرتضى - المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة، ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 278
الشريف المرتضى علي ابن الحسين ولد سنة 355 وتوفي سنة 436 ودفن أولا في داره ثم نقل إلى جوار جده الحسين، هو أبو القاسم علي ابن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الملقب بالمرتضى ذي المجدين علم الهدى كان نقيب الطالبيين وكان إماما في علم الكلام والأدب والشعر وله ديوان شعر كبير وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسيع في الاطلاع على العلوم. وذكره ابن بسام في أواخر الذخيرة فقال كان هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق واليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها صاحب مدارسها وجامع شاردها وآنسها وكانت ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره إلى تأليف في الدين وتصانيف مما يشهد أنه فرع تلك الأصول ومن أهل ذلك البيت الجليل وملح الشريف المذكور وفضائله كثيرة انتهى. وعن الصفدي أنه قال في الوافي بالوفيات كان فاضلا ماهرا أديبا متكلما. وعن السيوطي في الطبقات عن ياقوت عن أبي القاسم الطوسي أن المرتضى توحد في علوم كثيرة مجمع على فضله مثل الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب من النحو والشعر ومعانيه واللغة وغير ذلك وله تصانيف، وعن السيد علي خان الشيرازي في كتاب الدرجات الرفيعة أنه قال كان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه وأما والدة الشريف فهي فاطمة بنت الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الأصم وهو أبو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي أم أخيه أبي الحسن الرضي رضي الله عنهما، وكان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وجاها وكرما إلى غير ذلك قرأ هو وأخوه الرضي على ابن نباته صاحب الخطب وهما طفلان ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس سره وكان المفيد رأى في منامه إن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين (عليه السلام) صغيرين فسلمتهما إليه وقالت علمهما الفقه فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام إليها وسلم عليها فقالت له أيها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقص عليها المنام وتولى تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.
وكان نحيف الجسم حسن الصورة وكان يدرس في علوم كثيرة ويجري على تلامذته رزقا فللشيخ أبي جعفر الطوسي كل شهر اثنا عشر دينارا وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير، وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد فاحتال يهودي على قوت يحفظ به نفسه فخطر له يوما مجلس المرتضى فاستأذنه إن يقرأ عليه شيئا من علم النجوم فإذن له وأمر له بجائزة تجري عليه كل يوم فقرأ عليه برهة ثم أسلم على يده وكان قد وقف قرية على كاغد الفقهاء، وتولى نقابة النقباء وإمارة الحج والمظالم بعد أخيه الرضي أبي الحسن وهو منصب والدهما وفي تاريخ إتحاف الورى بأخبار أم القرى في حوادث سنة تسع وثمانين وثلاثمائة قال فيها حج الشريفان المرتضى والرضي فاعتقلهما في أثناء الطريق ابن الجراح الطائي فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما. انتهى كلام صاحب الدرجات الرفيعة باختصار وقال العلامة في الخلاصة والشيخ الطوسي في الفهرست في حقه على ما حكي عنهما: متوحد في علوم كثيرة مجمع علي فضله متقدم في علوم مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب من النحو والشعر واللغة وغير ذلك وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت وقال الشيخ الطوسي في حقه أيضا أكثر أهل زمانه أدبا وفضلا متكلم فقيه جامع للعلوم كلها مد الله في عمره وعن الشيخ أبي جعفر محمد بن يحيى بن مبارك بن مقبل الغساني الحمصي أنه قال قد كان شيخنا عز الدين أحمد بن مقبل يقول لو حلف إنسان أن السيد المرتضى كان أعلم بالعربية من العرب لم يكن عندي آثما ولقد بلغني عن شيخ من شيوخ الأدب بمصر أنه قال والله إني استفدت من كتاب الغرر مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه وغيره من كتب النحو انتهى وعن العلامة الطباطبائي في فوائده الرجالية عظيما وصنف كتابا يقال له الثمانين وعمره ثمانون سنة وثمانية أشهر وعن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى أنه قال في حقه بلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قلد نقابة الشرفاء شرقا وغربا وإمارة الحج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبقي على ذلك ثلاثين سنة انتهى وهي مدة حياته بعد أخيه الرضي ومن العجب أنه مع تقلده لهذه الأعمال ومزاولته لتلك الإشغال وحوزه تلك الأموال برز منه هذه المصنفات التي أكثرها عقليات وهذا من أعظم الكرامات ومصنفاته عديدة تستفيد الناس بها في كل زمان قال العلامة الطباطبائي وكتبه كلها أصول وتأسيسات غير مسبوقة بمثال من كتب من تقدمه.
قال الدكتور عبد الرزاق محيي الدين:
كان مما انتهيت إليه في تقدير المرتضى في ثقافته الأدبية أنه كان في طليعة المفسرين للقرآن الكريم بالرأي من الشيعة فقد كان غالبهم مفسرين بالأثر من قبل ذلك، وانه كان من سابقيهم دعوة إلى فتح باب الاجتهاد في الفقه، وأسبقهم تأليفا في الفقه المقارن، وأنه كان واضع الأسس لأصول الفقه لديهم، ومجلى الفروق بينها وبين أصول العقائد لدى الشيعة وسواهم، وأنه في علم الحديث كان أول من نادى الشيعة برفض شطر كبير من الحديث وبخاصة ما كان من خبر الآحاد فيها، وكان لعمله هذا فضل كبير في تمحيص أحاديث أهل البيت وفحصها، وأنه في علم الكلام كان قرن القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة وشيخهم الذي إليه انتهت زعامتهم في القديم والحديث، وأنه في جماع ذلك كان يعتبر مجدد المذهب الشيعي الإمامي وباعثه في القرن الرابع الهجري.
ولقد رأيت في المرتضى أديبا ناقدا يعتبر في طليعة الناقدين، وأديبا ناثرا يعد من خيرة الأدباء المترسلين، وأديبا شاعرا، يسلك به في الشعراء الآليين الذين يملكون المادة الصالحة، والآلة المرهفة، ولا يملكون القدرة على الانتفاع بهما من أجل تحويلها إلى بضاعة تدخل سوق الأدب فتصيب حظا بالغا من تقدير ورواج.
ويبدو من مؤلفات السيد المرتضى وبخاصة ما كان منها أديبا أنه كان قوي الحافظة، كثير الرواية والأخذ، وأنه بما أخذه من كتب القدماء، وبما رواه عن أساتذته لا يقل شانا عن المبرد وأبي علي القالي وابن الأنباري وأمثالهم، فقد وقف الرجل فيما قرأناه من آماليه وغيره على كثير من مأثور الأصمعي وابن السكيت وأحمد ابن عبيد وأبي بكر العبدي. قرأ تاريخ الطبري والبلاذري وأبي مخنف واقتبس من كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، والكامل للمبرد، وديوان الحماسة للبحتري، وترجم لكثير من شعراء المعتزلة والجبرية، وأطال في قصص المعمرين وأئمة الخوارج.
مناقشة ما ادعي على السيد المرتضى ويقول الدكتور محيي الدين:
1 - حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي: إن أبا الحسن علي بن أحمد بن علي الفالي الأديب كان له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها، فوجد فيها أبياتا بخط بائعها:
أنست بها عشرين حولا وبعتها | لقد طال وجدي بعدها وحنيني |
وما كان ظني إنني سأبيعها | ولو خلدتني في السجون ديوني |
ولكن لضعف وافتقار وصبية | صغار عليم تستهل شؤوني |
فقلت ولم أملك سوابق عبرة | مقالة مكوي الفؤاد حزين: |
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك | كرائم من رب بهن ضنين |
أعلمت من حملوا على الأعواد | أرأيت كيف خبا ضياء النادي |
إن لم تكن من أسرتي وعشيرتي | فلأنت أعلقهم يدا بودادي |
الفضل ناسب بيننا إن لم يكن | شرفي مناسبه ولا ميلادي |
ما كان يومك يا أبا إسحاق | إلا وداعي للمنى وفراقي |
لولا حمامك ما اهتدى هم إلى | قلبي ولا نار إلى إحراقي |
وسلبت منك أجل شطري عيشتي | وفجعت منك بأنفس الأعلاق |
لما رأيتك فوق صهوة شرجع | بيد المنايا أظلمت آفاقي |
وكأنني من بعد ثكلك ذو يد | جذاء أو غصن بلا إيراق |
ومودة بين الرجال تضمهم | وتلفهم خير من الأعراق |
من ذا نضاعنا شعار جمالنا | ورمى هلال سمائنا بمحاق؟ |
وقول زارني فوددت إني | وقيت بمهجتي من كان قاله |
ذكرت به التصابي والغواني | وأيام الشبيبة والبطالة |
وكيف ألوم أما لمت دهرا | ضللت به فاطلع لي هلاله |
غفرت به ذنوب الدهر لما | أتى كفى وأعلقها وصاله |
وما أنا مصطف إلا خليلا | رضيت على تجاربه خلاله |
أبا القاسم استمتع بها نبوية | تراجع عنها الناس فيما توغلوا |
محاسن إن سارت فقد سار كوكب | بذكرك، أو طارت فقد طار أجدل |
تحدث عنها الناطقون وأصبحت | بها العيس تحدي والسوابق تصهل |
سما للعلى قوم سواك فلم تنل | سماؤك، حتما إن باعك أطول |
أ لست من القوم استخفت سيوفهم | رقاب عدا كانت على الموت تثقل! |
تؤدي فروض الشعر ما قيل فيكم | وفي الناس أما جازكم يتنفل |
نحمس من آثاركم وعلاكم | وننسب من أحلامكم ونغزل |
لك الخير! ظني في اعتلاقك عاذري | فلا تتركن يا حر وعدك يعذل |
لعمري! وبعض الريث خير مغبة | ولكن حساب الناس لي فيك أعجل |
تشبث بها أكرومة في إنها | كتاب يوفى في يديك مسجل |
فوالله ما أدرى! هل الدهر عارف | بفضلك إلهاما أم الدهر يغفل |
لك يا منازل في القلوب منازل | أقفرت أنت وهن منك أواهل |
وإذا أتتك مذمتي من ناقص | فهي الشهادة لي باني كامل |
أودى فليت الحادثات كفاف | مال المسيف وعنبر المستاف |
الطاهر الآباء والأبناء والآراب | والأثواب والآلاف |
ولقيت ربك فاسترد لك الهدى | ما نالت الأيام بالاتلاف |
وساقاك أمواه الحياة مخلدا | وكساك شرخ شبابك الأفواف |
أبقيت فينا كوكبين سناهما | في الصبح والظلماء ليس بخافي |
قدرين في الإرداء بل مطرين في | الأجداء بل قمرين في الأسداف |
رزقا العلاء فأهل نجد كلما | نطقا الفصاحة مثل أهل دياف |
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما | خطط العلى بتناصف وتصافي |
حلفا ندى سبقا وصلى الأطهر | المرضى فيا لثلاثة أحلاف |
أنتم ذوو النسب القصير فطولكم | باد على الكبراء والأشراف |
والراح إن قيل ابنة العنب اكتفت | باب عن الأسماء والأوصاف |
ما زاع بيتكم الرفيع وإنما | بالوجد أدركه خفي زحاف |
ويخال موسى جدكم لجلاله | في النفس صاحب سورة الأعراف |
يا مالكي سرح القريض أتتكما | منى حولة مسنتين عجاف |
لا تعرف الورق اللجين وإن تسل | تخبر عن القلام والخذراف |
وأنا الذي أهدى أقل بهارة | حسنا لأحسن روضة مئناف |
أوضعت في طرق التشرف ساميا | بكما ولم أسلك طريق العافي |
يا سائلي عنه فيما جئت تسأله | إلا هو الرجل العاري من العار |
لو جئته لرأيت الناس في رجل | والدهر في ساعة والأرض في دار |
وطرقنني وهنا بأجواز الربا | وطروقهن على النوى تخييل |
في ليلة وافى بها متمنع | ودنت بعيدات وجاد بخيل |
يا ليت زائرنا بفاحمة الدجى | لم يأت إلا والصباح رسول |
فقليله وضح الضحى مستكثر | وكثيرة غلس الظلام قليل |
تجاف من الأعداء بقيا فربما | كفيت فلم تجرح بناب ولا ظفر |
ولا تبر منهم كل عود تخافه | فان الأعادي ينبتون من الدهر |
بيني وبين عواذلي | في الحب أطراف الرماح |
أنا خارجي في الهوى | لا حكم إلا للملاح |
مولاي يا بدر كل داجية | خذ بيدي قد وقعت في اللجج |
حسنك ما تنقضي عجائبه | كالبحر حدث عنه بلا حرج |
بحق من خط عارضيك ومن | سلط سلطانها على المهج |
مد يديك الكريمتين معي | ثم ادع لي من هواك بالفرج |
قل لمن خده من اللحظ دام | رق لي من جوانح فيك تدمى |
يا سقيم الجفون من غير سقم | لا تلمني إن مت منهن سقما |
أنا خاطرت من هواك بقلب | ركب البحر فيك أبا وأما |
ضن عني بالنزر إذ أنا يقظان | وأعطى كثيرة في المنام |
والتقينا كما اشتهينا ولا عيب | سوى إن ذاك في الأحلام |
وإذا كانت الملاقاة ليلا | فالليالي خير من الأيام |
جزعت لو خطات المشيب وإنما | بلغ الشباب مدى الكمال فنورا |
والشيب إن فكرت فيه مورد | لا بد يورده الفتى إن عمرا |
يبيض بعد سواده الشعر الذي | إن لم يزره الشيب واراه الثرى |
وقد علم المغرور بالدهر أنه | وراء سرور المرء في الدهر غمه |
وما المرء إلا نهب يوم وليلة | تخب به شهب الفناء ودهمه |
وكان بعيدا عن منازعة الردى | فألقته في كف المنية أمه |
ألا إن خير الزاد ما سد فاقه | وخير تلادي الذي لا أجمه |
وان الطوى بالعز أحسن بالفتى | إذا كان من كسب المذلة طعمه |
إذا كان أدنى العيش ليس بحاصل | لذي اللب في الدنيا بغير متاعب |
فكيف بأعلى العيش في عالم البقا | لذي الجهل مع تقصيره في المطالب |
يا خليلي من ذؤابة قيس | في التصابي رياضة الأخلاق |
عللاني بذكرهم تطرباني | واسقياني دمعي بكأس دهاق |
وخذا النوم من جفوني فاني | قد خلعت الكرى على العشاق |
ولما تفرقنا كما شاءت النوى | تبين ود خالص وتودد |
كأني وقد سار الخليط عشية | أخو جنة مما أقوم واقعد |
يا للرجال لفجعة جذمت يدي | ووددت لو ذهبت علي برأسي |
ما زلت احذر وردها حتى أتت | فحسوتها في بعض ما أنا حاسي |
ومطلتها ضمنا فلما صممت | لم يثنها مطلي وطول مكاسي |
لله عمرك من قصير طاهر | ولرب عمر طال بالادناس |
ومنذ عرفت الحزم ثم أدرعته | لباسا جميلا ما تراني أهزل |
ولا غزل لي بالحسان شمائلا | فعما قليل يندم المتغزل |
ولا عذل يحتل سمعي لأنني | ثناءيت عما حل فيه المعذل |
وما زال هذا الدهر منذ قطعته | بغير الخنا يلقي علي واحمل |
أبيت قبولا بذله ولو إنني | قبلت الذي يعطيه ما كان يبذل |
لحا الله قوما بت فيهم مضيعا | أعل بأنواع الغرور وانهل |
يقولون ما لا يفعلون تعاطيا | واني ممن لا يقول ويعمل |
وتخرجني الأقوال فيهم تكذبا | فيا ليتهم قالوا ولم يتقولوا |
هم قدموا من لا فضيلة عنده | وما أخروا إلا الذي هو أكمل |
وقد عشت فيمن ليس ينفق عندهم | ولا يجتبى إلا الذي هو أجمل |
أصبت بفكر في الأمور أجيله | ويعجبني في المشكلات التأمل |
وأعشق إبكار المعاني أثيرها | وما العشق في القوام إلا التخيل |
وما غرني في هذه الدار مهمل | تزور المنى أوطانه وهو مقبل |
قل لمعز بالصبر وهو خلي | وجميل العذول ليس جميلا |
ما جهلنا إن السلو مريح | لو وجدنا إلى السلو سبيلا |
ألا يا نسيم الريح من أرض بابل | تحمل إلى أهل الخيام سلامي |
وقل لحبيب فيك بعض نسيمة | أما إن أن سطيع رجع كلام |
وإني لأرضى إن أكون بأرضكم | على إنني منا استفدت سقامي |
سرى طيف سعدي طارقا فاستفزني | هويا وصحبي بالفلاة هجود |
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي | لعل خيالا طارقا سيعود |
فردت جوابا والدموع بوادر | وقد إن للشمل المشتت ورود |
فهيهات من لقيا حبيب تعرضت | لنا دون لقياه مهامه بيد |
يا عصب الله ومن حبهم | مخيم ما عشت في صدري |
ومن أرى ودهم وحده | زادي إذا وسدت في قبري |
وهو الذي أعددته جنتي | وعصمتي في ساعة الحشر |
حتى إذا لم يك لي ناصر | من أحد كان بكم نصري |
أقلني ربي بالذين اصطفيتهم | وقلت لنا هم خير من أنا خالق |
وان كنت قد قصرت سعيا إلى التقى | فاني بهم ما شئت عندك لاحق |
هم أنقذوا لما فزعت إليهم | وقد صممت نحوي النيوب العوارق |
وهم جذبوا ضبعي إليهم من الأذى | وقد طرقت بأبي الخطوب الطوارق |
ولولاهم ما زدت في الدين حظوة | ولا اتسعت فيه علي المضائق |
ولا سيرت فضلي إليها مغارب | ولا طيرته بينهن مشارق |
ولا صيرت قلبي من الناس كلهم | لهم وطنا تاوي إليه الحقائق |
اطرحوا النهج فلم يحفلوا | بما لكم في محكم الذكر |
واستلبوا إرثكم منكم | من غير حق بيد العسر |
كسرتم الدين ولم تعلموا | وكسرة الدين بلا جبر |
فيا لها مظلمة أولجت | على رسول الله في القبر |
وهو الذي ما كان دين ظاهر | في الناس لولا رمحه وحسامه |
وهو الذي لا يقتضى في موقف | إقدامه نكص به إقدامه |
ووقى الرسول على الفراش بنفسه | لما أراد جمامه أقوامه |
ثانيه في كل الأمور وحصنه | في النائبات وركنه ودعامه |
لله در بلائه ودفاعه | واليوم يغشى الدارعين قتامه |
وكأنما أجم العوالي غيله | وكأنما هو بينها ضرغامه |
طلبوا مداه ففاتهم سبقا إلى | أمد يشق على الرجال مرامه |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 213
الشريف المرتضى أخو الرضي اسمه علي بن الحسين.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
الشريف المرتضى علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موس بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو القاسم الرتضى، علم الهدى، نقيب العلويين، أخو الشريف الرضي، ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، توفي سنة ست وثلاثين وأربعمائة، كان فاضلا ماهرا أديبا متكلما، له مصنفات جمة على مذهب الشيعة.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان رأسا في الاعتزال، كثير الاطلاع والجدال.
قال ابن حزم في ’’الملل والنحل’’: ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا: أن القرآن مبدل، زيد فيه، ونقص منه، حاشى علي بن الحسين بن موسى، وكان إماميا، فيه تظاهر بالاعتزال، ومع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول، وكفر من قاله، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسي، وأبو القاسم الرازي، وقد اختلف في كتاب نهج البلاغة: هل هو وضعه أو وضع أخيه الرضى، وحكى عنه ابن برهان النحوي: أنه سمعه ووجهه إلى الحائط، يعاتب نفسه، ويقول: أبو بكر وعمر وليا فعدلا واسترحما فرحما، فأنا أقول: ارتدا بعد أن أسلما، قال فقمت وخرجت، فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه، وكان ابن برهان قد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه - رحمه الله تعالى- وكان يدخل عليه من أملاكه في كل سنة أربع وعشرون ألف دينار.
قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: دخلت على ألكيا أبي الحسين يحيى بن الحسين العلوي الزيدي، وكان من نبلاء أهل البيت ومن المحمودين في صناعة الحديث وغيره من الأصول والفروع، فذكر بين يديه يوما الإمامية فذكرهم أقبح ذكر، وقال: لو كانوا من الدواب، لكانوا الحمير، ولو كانوا من الطيور لكانوا الرخم، وأطنب في ذمهم، وبعد مدة دخلت على المرتضى، وجرى ذكر الزيدية والصالحية: أيهما خير؟ فقال: يا أبا الفضل، تقول أيهما خير، ولا تقول أيهما شر؟ فتعجبت من إمامي الشيعة في وقتهما ومن قول كل واحد منهما في مذهب الأخر.
فقلت: قد كفيتما أهل السنة الوقيعة فيكما.
قيل: إن المرتضى اطلع يوما من روشنة فرأى المطرز الشاعر، وقد انقطع شراك نعله، وهو يصلحه فقال له: فديت ركائبك: أشار إلى قصيدته التي أولها:
سرى مغرما بالعيس ينتجع الركب | يسائل عن بدر الدجى الشرقا والغربا |
على عذبات الجزع من ماء تغلب | غزال يرى ماء القلوب له شربا |
إذا لم تبلغني إليكم ركائبي | فلا وردت ماء ولا رعت العشبا |
يا خليلي من ذؤابة قيس | في التصابي مكارم الأخلاق |
غنياني بذكرهم تطرباني | واسقياني دمعي بكأس دهاق |
وخذا النوم من جفوني فاني | قد خلعت الكرى على العشاق |
وطرقنني وهنا بأجواز الربى | وطروقهن على النوى تخييل |
في ليلة وافى بها متمنع | ودنت بعيدات وجاد بخيل |
يا ليت زائرنا بفاحمة الدجى | لم يأت إلا والصباح رسول |
فقليله وضح الضحى مستكثر | وكثيره غبش الظلام قليل |
ما عابه وبه السرور زواله | فجميع ما سر القلوب يزول |
وزارت وسادي في الظلام خريدة | أراها الكرى عيني ولست أراها |
تمانع صبحا أن أراها بناظري | وتبذل جنحا أن أقبل فاها |
ولما سرت لم تخش وهنا ضلالة | ولا عرف العذال كيف سراها |
فماذا الذي من غير وعد أتى بها | وماذا على بعد المزار هداها |
وقالوا عساها بعد زورة باطل | تزور بلا ريب فقلت عساها |
تجاف عن الأعداء فربما | كفيت فلم تجرح بناب ولا ظفر |
ولا تبر منهم كل عود تخافه | فإن الأعادي ينبتون مع الدهر |
بيني وبين عواذلي | في الحب أطراف الرماح |
أنا خارجي في الهوى | لا حكم إلا للملاح |
مولاي يا بدر كل داجية | خذ بيدي قد وقعت في اللجج |
حسنك ما تنقضي عجائبه | كالبحر حدث عنه بلا حرج |
بحق من خط عارضيك ومن | سلط سلطانها على المهج |
مد يديك الكريمتين معي | ثم ادع لي من هواك بالفرج |
قل لمن خده من اللحظ دام | رق لي من جوانح فيك تدمي |
يا سقيم الجفون من غير سقم | لا تلمني أن مت منهن سقما |
أنا خاطرت في هواك بقلب | ركب البحر فيك إما وإما |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
الشريف المرتضى علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو القاسم المرتضى، علم الهدى نقيب العلويين أخو الشريف الرضي. ولد سنة خمس وخمسين وثلاث مائة وتوفي سنة ست وثلاثين وأربع مائة. وكان فاضلا ماهرا أديبا متكلما، له مصنفات جمة على مذهب الشيعة.
قال الخطيب: كتبت عنه. وكان رأسا في الاعتزال، كثير الاطلاع والجدال. قال ابن حزم في الملل والنحل: ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل، زيد فيه ونقص منه حاشا علي بن الحسين بن موسى، وكان إماميا فيه تظاهر بالاعتزال، ومع ذلك فإنه كان ينكر هذا القول، وكفر من قاله، وكذلك صاحباه: أبو يعلى الطوسي وأبو القاسم الرازي. وقد اختلف في كتاب في كتاب نهج البلاغة هل هو وضعه أو وضع أخيه الرضي. وحكى عنه ابن برهان النحوي أنه سمعه ووجهه إلى الحائط يعاتب نفسه ويقول: أبو بكر وعمر وليا فعدلا واسترحما فرحما، أفأنا أقول ارتدا بعد أن أسلما؟!! قال: فقمت وخرجت، فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه.
وكان ابن برهان قد دخل عليه في مرضه الذي مات فيه رحمه الله تعالى، وكان يدخل عليه من أملاكه في كل سنة أربعة وعشرون ألف دينار. قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: دخلت على الكيا أبي الحسين يحيى بن الحسين العلوي الزيدي، وكان من نبلاء أهل البيت ومن المحمودين في صناعة الحديث وغيره من الأصول والفروع، فذكر بين يديه يوما الإمامية فذكرهم أقبح ذكر وقال: لو كانوا من الدواب لكانوا الحمير، ولو كانوا من الطيور لكانوا الرخم، وأطنب في ذمهم. وبعد مدة دخلت على المرتضى وجرى ذكر الزيدية والصالحية أيهما خير، فقال: يا أبا الفضل، تقول أيهما خير ولا تقول: أيهما شر، فتعجبت من إمامي الشيعة في وقتهما، ومن قول كل واحد منهما في مذهب الآخر، فقلت: لقد كفيتما أهل السنة الوقيعة فيكما.
قيل إن المرتضى اطلع يوما من روشنه فرأى المطرز الشاعر وقد انقطع شراك نعله وهو يصلحه فقال له: فديت ركائبك وأشار إلى قصيدته التي أولها:
سرى مغربا بالعيس ينتجع الركبا | يسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا |
على عذبات الجذع من ماء تغلب | غزال يرى ماء القلوب له شربا |
إذا لم تبلغني إليكم ركائبي | فلا وردت ماء ولا رعت العشبا |
يا خليلي من ذؤابة قيس | في التصابي مكارم الأخلاق |
غنياني بذكرهم تطرباني | واسقياني دمعي بكأس دهاق |
وخذا النوم من جفوني فإني | قد خلعت الكرى على العشاق |
وطرقنني وهنا بأجواز الربا | وطروقهن على النوى تخييل |
في ليلة وافى بها متمنع | ودنت بعيدات وجاد بخيل |
يا ليت زائرنا بفاحمة الدجى | لم يأت إلا والصباح رسول |
فقليله وضح الضحى مستكثر | وكثيره غبش الظلام قليل |
ما عابه -وبه السرور- زواله | فجميع ما سر القلوب يزول |
وزارت وسادي في الظلام خريدة | أراها الكرى عيني ولست أراها |
تمانع صبحا أن أراها بناظري | وتبذل جنحا أن أقبل فاها |
ولما سرت لم تخش وهنا ظلالة | ولا عرف العذال كيف سراها |
فماذا الذي من غير وعد أتى بها | وماذا على بعد المزار هداها؟ |
وقالوا: عساها بعد زورة باطل | تزور بلا ريب فقلت: عساها |
تجاف عن الأعداء بقيا فربما | كفيت فلم تجرح بناب ولا ظفر |
ولا تبر منهم كل عود تخافه | فإن الأعادي ينبتون من الدهر |
بيني وبين عواذلي | في الحب أطراف الرماح |
أنا خارجي في الهوى | لا حكم إلا للملاح |
مولاي يا بدر كل داجية | خذ بيدي قد وقعت في اللجج |
حسنك ما تنقضي عجائبه | كالبحر حدث عنه بلا حرج |
بحق من خط عذاريك ومن | سلط سلطانها على المهج |
مد يديك الكريمتين معي | ثم ادع لي من هواك بالفرج |
قل لمن خده من اللحظ دام: | رق لي من جوانح فيك تدمى |
يا سقيم الجفون من غير سقم | لا تلمني إن مت منهن سقما |
أنا خاطرت في هواك بقلب | ركب البحر فيك أما وأما |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 21- ص: 0