زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقب بزين العابدين: رابع الائمة الاثنى عشر عند الإمامية، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. يقال له: (علي الأصغر) للتمييز بينه وبين أخيه (علي) الأكبر، المتقدمة ترجمته قبل هذه. مولده ووفاته بالمدينة. أحصى بعد موته عدد من كان يقوتهم سرا، فكانوا نحو مئة بيت. قال بعض أهل المدينة: ما فقدنا صدفة السر الا بعد موت زين العابدين. وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معايشهم ومآكلهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلا إلى منازلهم. وليس للحسين (السبط) عقب إلا منه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 277

زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
رابع أئمة أهل البيت الطاهر صلى الله عليه وسلم
مولده ووفاته عمره ومدفنه
ولد في المدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس أو يوم الأحد لتسع أو خمس أو سبع خلون من شعبان أو منتصف جمادى الثانية أو الأولى سنة 38 أو 37 أو 36 من الهجرة، وتوفي بالمدينة يوم السبت في 12 من المحرم أو 18 أو 19 أو 22 أو 25 منه سنة 95 أو 94 من الهجرة وله 55 سنة أو 56 أو 57 أو 58 أو 59 وأشهر وأيام بحسب اختلاف الأقوال والروايات في تاريخ المولد والوفاة عاش منها مع جده أمير المؤمنين (ع) سنتان أو أكثر ومعه عمه الحسن 12 سنة أو 10 سنين ومع أبيه الحسين 23 أو 24 سنة ومع أبيه بعد عمه الحسن 10 سنين وبعد أبيه 34 أو 33 أو 35 سنة وهي مدة إمامته وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الملك ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطلب (ع).
أمه
قيل اسمها شهربانو أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن أبرويز بن آنو شيروان: وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس. وقال المبرد: اسمها سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل خولة، وقال ابن سعد في الطبقات: اسمها غزالة (وقال المفيد): أمه شاة زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويقال إن اسمها كان شهربانويه والظاهر إن اسمها الأصلي كان كما ذكره المفيد، ثم غير كما ذكره المبرد قيل أخذت في خلافة عمر، ورواه القطب الراوندي بسنده عن الباقر (ع) وإنه أراد بيعها فنهاها علي وقال له: ولكن أعرض عليها إن تختار وأحدا من المسلمين فزوجها به واحسب مهرها من عطائه من بيت المال، فاختارت الحسين بن علي، فأمره بحفظها والإحسان إليها فولدت له خير أهل الأرض في زمانه. وقيل: إن أم زين العابدين (ع) ماتت في نفاسها به، فكفلته بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ لا يعرف أما غيرها، ثم علم إنها مولاته، وكان الناس يسمونها أمه، ثم زوجها فقال ناس: زوج أمه حتى إن بعض ملوك بني أمية أرسل إليه يعاتبه في ذلك، ولم تكن أمه إنما كانت حاضنته، ولم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد علي بن الحسين فرغبوا فيهن.
هو الأكبر أم الأصغر؟
المشهور إن أخاه شهيد كربلاء هو الأكبر وقيل أنه الأصغر.
كنيته
أبو محمد وأبو الحسن قيل وأبو بكر وروى ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر انه يكنى أبا الحسين قال وفي غير هذا الحديث أنه كان يكنى أبا محمد.
لقبه
له ألقاب كثيرة أشهرها: زين العابدين، وسيد العابدين، والسجاد، وذو الثفنات.
نقش خاتمه
في الفصول الأربعة المهمة: وما توفيقي إلا بالله. وقال الكفعمي: لكل غم حسبي الله. وفي حلية الأولياء عن الباقر (ع): القوة لله جميعا وفي رواية عن الباقر ع: العزة لله. وعن الصادق (ع) الحمد لله العلي. وعن الكاظم (ع): خزي وشقي قاتل الحسين بن علي. وعن الرضا (ع) إن الله بالغ أمره. ولعله كان له عدة خواتيم بهذه النقوش.
بوابه
أبو خالد الكابلي وأبو جبلة ويحيى بن أم الطويل المطعمي المدفون بواسط الذي قتله الحجاج.
شاعره
الفرزدق وكثير عزة.
ملوك عصره
يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك.
أولاده
تناسل ولد الحسين من زين العابدين (ع) قال المفيد في الإرشاد وابن الصباغ في الفصول المهمة: كان له من الأولاد خمسة عشر ذكرا وأربع بنات وهم: محمد الباقر أمه فاطمة بنت الحسن السبط تكنى أم عبد الله. الحسن. الحسين الأكبر لم يعقبا أمهم أم ولد. زيد. عمر. أمهما أم ولد. الحسين الأصغر. عبيد الله. سليمان لم يعقب. علي. وهو أصغر ولده خديجة أمهما أم ولد. محمد الأصغر أمه أم ولد. فاطمة. علية. أم كلثوم أمهن أم ولد. وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد عد له عشرة ذكور وسبع بنات فقال: ولد علي الأصغر ابن حسين بن علي: الحسن بن علي درج. والحسين الأكبر درج. والحسين الأكبر درج. ومحمد أبا جعفر الفقيه. وعبد الله وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمر. وزيدا المقتول بالكوفة. وعلي بن علي. وخديجة وأمهم أم ولد. وحسينا الأصغر ابن علي. وأم علي بنت علي وهي علية وأمهما أم ولد. وكلثم بنت علي. وسليمان لا عقب له ومليكة لأمهات أولاد. والقاسم. وأم الحسن وهي حسنة. وأم الحسين. وفاعمة لأمهات أولاد. وفي كشف الغمة: قيل كان له تسعة أولاد ذكور ولم يكن له أنثى وقال ابن الخشاب النحوي في مواليد أهل البيت أنه ولد له ثمانية بنين ولم يكن له أنثى، وهم: محمد الباقر، وزيد الشهيد بالكوفة، وعبد الله، وعبيد الله، والحسن، والحسين، وعلي، وعمر. وقال ابن شهراشوب في المناقب: أبناؤه ثلاثة عشر من أمهات الأولاد إلا اثنين، محمد الباقر، وعبد الله الباهر أمهما أم عبد الله بنت الحسن بن علي وأبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم ومحمد الأصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم والحسن والحسين وعبيد الله توأم ومحمد الأصغر فرد وعلي وهو أصغر ولده وخديجة فرد ويقال لم تكن له بنت ويقال ولدت له فاطمة وعلية وأم كلثوم. وفي عمدة الطالب: أعقب منهم محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلي الأصغر.
صفته في حليته ولباسه
في طبقات ابن سعد الكبير قال أخبرنا الفضل بن دكن حدثنا نضر بن أوس الطائي قال دخلت على علي بن الحسين وعليه سحق ملحفة حمراء وله جمة إلى المنكب مفروق (وبسنده) إن علي بن حسين كان يصبغ بالسواد (وبسنده) عن موسى بن أبي حبيب الطائفي قال رأيت علي بن حسين يخضب بالحناء والكتم ورأيت نعلي علي بن الحسين مدورة الرأس ليس لها لسان أقول الحناء إذا صبغ معها بالكتم كان اللون أسود فلا ينافي ما مر من أنه كان يصبغ بالسواد. (وبسنده) كان لعلي بن حسين كساء خز أصفر يلبسه يوم الجمعة. (وبسنده) رأيت على علي بن حسين كساء خز وجبة خز. (وبسنده) عن أبي جعفر قال ديت لعلي بن حسين مستقة من العراق فكان يلبسها فإذا أراد إن يصلي نزعها (أقول) المستقة بضم الميم وسكون السين وضم التاء أو فتحها فروة طويلة الكمين فارسي معرب (وبسنده) عن أبي جعفر قال كان لعلي بن حسين سبنجونة من ثعالب فكان يلبسها فإذا صلى نزعها (أقول) في القاموس وتاج العروس (السبنجونة) بفتح السين والموحدة وسكون النون ضم الجيم في التهذيب: روي إن الحسن بن علي كانت له سبنجونة من جلود الثعالب كان إذا صلى لم يلبسها قال شمر سالت محمد بن بشار عنها فقال: (فروة من الثعالب معرب آسمان كون) أي لون السماء وسألت أبا حاتم فقال كان يذهب إلى لون الخضرة آسمان جون ونزعها في الصلاة لعدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه في مذهب أهل البيت وكون الثعالب منه (وبسنده) إن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه ويصيف في ثوبين من ثياب مصر أشمونيين بدينار ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول: من حرم زينة الله التي اخرج لعباده ويعتم وينبذ له في السعن في العيدين بغير عكر وكان يدهن أو يتطيب بعد الغسل إذا أراد إن يحرموالسعن بالضم قربه صغيرة تقطع من نصفها وينبذ فيها والعكر الدردي وهو ما خثر ورسب. قال أخبرنا محمد بن ربيعة حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند قال رأيت على علي بن الحسين قلنسوة بيضاء لاطئة. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وعبد الله بن مسلمة وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قالوا حدثنا عن محمد بن هلال قال رأيت علي بن الحسين بن علي يعتم بعمامة ويرخي عمامته خلف ظهره. قال ابن أبي أويس في حديثه شبرا أو فويقة فيما توخيت عمامة بيضاء.
صفته في أخلاقه وأطواره
نقتبسها من مجموع الروايات الآتية والماضية في مناقبه وغيرها وإن لزم بعض التكرير.
كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأورعهم وأعبدهم وأكرمهم وأحلمهم وأصبرهم وأفضحهم، وأحسنهم أخلاقا، وأكثرهم صدقة، وأرأفهم بالفقراء، وأنصحهم للمسلمين، وكان معظما مهيبا عند القريب والبعيد والولي والعدو، حتى إن يزيد بن معاوية لما أمر إن يبايعه أهل المدينة بعد وقعة الحرة على إنهم عبيد رق له لم يستثن من ذلك إلا علي بن الحسين، فأمر إن يبايعه على أنه أخوه وابن عمه. وكان يشبه جده أمير المؤمنين (ع) في لباسه وفقهه وعبادته، وكان يحسن إلى من يسئ إليه. كان هشام بن إسماعيل أمير المدينة يسئ إليه ويؤذيه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد إن يوقف للناس فمر به وسلم عليه وأمر خاصته إن لا يعرض له أحد، وكان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه ويعطيه الدنانير ليلا وهو متستر فيقول لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع ويصبر فلما مات انقطع عنه فعلم أنه هو الذي كان يصله، ولما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة، أراد مروان بن الحكم إن يستودع له فلم يقبل أحد إن يكونوا عنده إلا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى إن تفرق جيش مسرف بن عقبة، وكان يعول أهل بيوت كثيرة في المدينة لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتى مات، وكان يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت فاسأل الله إن يغفر لي وإن لم أكن كما قلت فاسأل الله إن يغفر لك، وحج على ناقته عشرين حجة لم يضربها بسوط، وكان لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتى إذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وقررهم بذنوبهم وطلب منهم إن يستغفروا له الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم ويجزيهم بجوائز وما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أول السنة أو وسطها أعتقهم ليلة الفطر واستبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج فإذا أفاض أعتقهم وأجازهم. وهو الذي علم الزهري كيف ينجو من الدم الذي أصابه وخلصه من ورطة الوقوع في القنوط. وكان لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم إن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجونه ويقول أكره إن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله. وفي كشف الغمة: كان لا يحب إن يعينه على طهوره أحد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره أي يغطيه قبل إن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر، وكان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، وكان يقول لبنيه يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير إن يدوم عليها وكان إذا أتاه السائل قال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وكان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده وعليه السكينة والوقاروقال الصادق (ع) كان إذا مشى كان الطير على رأسه لا يسبق يمينه شماله.
وكان عشية عرفة وغدوة جمع إذا دفع يسير على هنيهة وكان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر وكان يمشي إلى الجمار.
وقال ابن حجر في صواعقه: زين العابدين هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة أصفر لونه فقيل له في ذلك فقال: لا تدرون بين يدي من اقف، وكان عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى أنه سبه رجل فتغافل عنه فقال له إياك أعني فقال وعنك أعرض أشار إلى آية {خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين}.
وفي الخصال بسنده عن الباقر (ع): كان علي بن الحسين (ع) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه فلما توفي فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين، ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه، ولقد نظر (ع) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس فقال ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم أنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى إن يكون سعيدا، وكان يأبى إن يواكل أمه فقيل له يا ابن رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تواكل أمك؟ فقال: إني أكره إن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وقال له رجل يا ابن رسول الله إني لأحبك في الله حبا شديدا فقال اللهم إني أعوذ بك إن أحب فيك وأنت لي مبغض، وسئلت عنه مولاة له فقالت أطنب أو اختصر فقيل لها اختصري فقالت ما أتيته بطعام نهارا قط وما فرشت له فراشا بليل قط. وانتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال إن كنتم صادقين فغفر الله لي وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم. وكان إذا جاء طالب علم قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض إلا سجت له، ولقد كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه إن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمني والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاما حتى يهدأ فيتصدق بمثله، ولقد بكى على أبيه الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله أما إن لحزنك إن ينقضي فقال له ويحك إن يعقوب النبي (ع) كان له إثنا عشر ابنا فغيب الله وأحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني.
وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن الصادق (ع) قال: كان علي بن لحسين يقول ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ أعقبها صبرا وما أجب إن لي بذلك حمر النعم وكان يقول الصدقة تطفئ غضب الرب وكان لا يسبق يمينه شماله وكان يقبل الصدقة قبل إن يعطيها السائل قيل له ما يحملك على هذا فقال لست أقبل يد السائل إنما أقبل يد ربي إنها تقع في يد ربي قبل إن تقع في يد السائل، ولقد كان يمر على المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابته حتى ينحيها بيده عن الطريق، ولقد مر بمجذومين فسلم عليهم وهم يأكلون فمضى ثم قال إن الله لا يحب المتكبرين فرجع إليهم فقال إني صائم وقال اتتوني بهم في المنزل فاتوه بهم فاطعمهم ثم أعطاهم. وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته وفي رواية إنه كان يتصدق بها نفسها فقيل له إنك تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها فلو بعتها فتصدقت بثمنها فقال إني أكره إن أبيع ثوبا صليت فيه.
مناقبه وفضائله
في طبقات ابن سعد: قالوا كان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عليا رفيعا ورعا. وفي مرآة الجنان: مناقبه ومحاسنه كثيرة شهيرة، وحكى المبرد في الكامل إن رجلا من قريش قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوما من أخوالك فقلت أمي فتاة وكأني نقصت من عينه إلى إن قال فأمهلت شيئا حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فسلم عليه ثم نهض فقلت يا عم من هذا؟ قال: هذا الذي لا يسع مسلما إن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قلت من أمه؟ قال فتاة قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت إني لام ولد. وعن محاضرات الراغب وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز: أنه قال عمر بن عبد العزيز يوما وقد قام من عنده علي بن الحسين (ع) من أشرف الناس؟ فقالوا أنتم، فقال كلا فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس إن يكونوا منه ولم يحب إن يكون من أحد. وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عيينة قلت للزهري لقيت علي بن الحسين قال نعم لقيته وما لقيت أحدا أفضل منه والله ما علمت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية فقيل له وكيف ذلك قال لأني لم أر أحدا وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده ولا رأيت أحدا وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته له يداريه.
ونذكر من مناقبه أمورا حسبما يتسع لنا المجال:
(أحدها العلم) قد عرفت قول المفيد أنه قد روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء. قال ولو قصدنا شرح ذلك لطال به الكتاب وتقضى به الزمانوفي مناقب ابن شهراشوب قلما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه قال علي بن الحسين أو قال زين العابدين. وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين (ع) تأمرني إن أجلس إلى خالي علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن الزهري دخلنا على علي بن الحسين ابن علي فقال يا زهري فيم كنتم. قلت: تذاكرنا فاجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شيءواجب إلا شهر رمضان فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب. قال قلت: فسرهن يا ابن رسول الله. قال: أما الواجب فصوم شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين يعني في قتل الخطا لمن لم يجد العتق قال تعالى {ومن قتل غنيا خطأ} وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين، لمن لم يجد إلا طعام قال الله عز وجل {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وصيام حلق الرأس قال الله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} الآية صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا وصوم دم المتعة، لمن لم يجد الهدي. قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} الآية، وصوم جزاء الصيد. قال الله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} الآية، وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة، وأما الذي صاحبه بالخيار، فصوم يوم الاثنين والخميس، وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، ويوم عرقه، ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأما صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وكذلك العبد والأمة وأما صوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وأيام التشويق، ويوم الشك نهينا إن نصومه كرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم" ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا، وليس بفرض وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالامساك، وذلك تأديب من الله عز وجل، وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم قدم أمر بالامساك. وأما صوم الإباحة، فمن اكل وشرب ناسيا من غير عمد، فقد أبيح له ذلك وأجزأه عن صومه، وأما صوم المريض، وصوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه. فقال بعضهم يصوم، وقال قوم لا يصوم وقال قوم إن شاء صام، وإن شاء فطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر والمرض، فعليه القضاء، قال الله عز وجل {فعدة من أيام أخر}.
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده إن الزهري أصاب دما خطا فخرج وترك له وضرب فسطاطا وقال لا يظلني سقف بيت فمر به علي بن حسين فقال يا ابن شهاب قنوطك أشد من ذنبك فاتق الله واستغفره وابعث إلى له بالدية وارجع إلى لك فكان الزهري يقول علي بن حسين أعظم الناس علي منة.  
ثانيهما: الحلم والصفح ومقابلة الإساءة بالاحسان روى الكليني في الكافي بسنده عن علي بن الحسين (ع) في حديث أنه قال ما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافئ بها صاحبها. وفي الإرشاد أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثني محمد بن جعفر وغيره قالوا وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب إن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه قال فقالوا له نفعل ولقد كنا نحب إن نقول له ونقول قال فاخذ نعليه ومشى وهو يقول والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فعلمنا أنه لا يقول شيئا قال فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين (ع) يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا وقلت وقلت فإن كنت قد قلت ما في فانا استغفر الله منه وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قال فقبل الرجل بين عينيه وقال بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به. أخبرني الحسن بن محمد عن جده قال حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع وتسعون سنة قال (أخبرني) به رجل يقال له عبد الله بن محمد قال سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت جارية لعلي بن الحسين (ع) تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن الله يقول والكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل. وأخرجه البيهقي عن علي بن الحسين مثله. وفي مناقب ابن شهراشوب كسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها فقال لها اذهبي فأنت حرة لوجه الله. وفي كشف الغمة كان عنده قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام وقد تحيز الغلام واضطرب أنت حر فإنك لم تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه. وكان له مولى يتولى عمارة ضيعة له فجاء فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا فغاظه ما رأى من ذلك وغمه فقرع المولى بسوط كان في يده وندم على ذلك فلما انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى فجاء فوجده عاريا والسوط بين يديه فظن أنه يريد عقوبته فاشتد خوفه فقال له علي بن الحسين قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله وكانت هفوة وزلة فدونك السوط واقتص مني فقال يا مولاي والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي وأنا مستحق للعقوبة فكيف أقتص منك قال ويحك اقتص قال معاذ الله أنت في حل وسعة فكرر ذلك عليه مرارا والمولى يتعاظم قوله ويجلله فلما لم يره يقتص قال له أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك.
(وروى) الواقدي قال حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي (ع) قال كان هشام بن إسماعيل يسئ جوارنا ولقي منه علي بن الحسين (ع) أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد إن يوقف للناس فقال ما أخاف إلا من علي بن الحسين فمر به علي بن الحسين وقد أوقف عند دار مروان فسلم عليه وكان علي بن الحسين قد تقدم إلى خاصته إن لا يعرض له أحد بكلمة فلما مر ناداه هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه إن زين العابدين (ع) أنفذ إليه وقال أنظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا فنادى هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبد الله بن علي بن الحسين قال لما عزل هشام بن إسماعيل نهانا أبي إن ننال منه ما يكره فإذا أبي قد جمعنا فقال إن هذا الرجل قد عزل وقد أمر بوقفه للناس فلا يتعرض له أحد منكم فقلت يا أبت ولم والله إن أثره عندنا لسيء وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم قال يا بني نكله إلى الله. فوالله ما عرض له أحد من آل الحسين بحرف حتى تصرم أمره.
وفي مرآة الجنان: روي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين العابدين إن كنت كما قلت فاستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك فقام إليه الرجل وقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر لي قال غفر الله لك فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته. وفي البحار: شتم بعضهم زين العابدين صلى الله عليه وسلم فقصده غلمانه فقال دعوه فإن ما خفي عليه منا أكثر مما قال ثم قال له ألك حاجة يا رجل فخجل الرجل فأعطاه ثوبه وأمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول أشهد أنك ابن رسول الله. قال وشتمه آخر فقال يا فتى إن بين أيدينا عقبة كؤودا فإن جزت منها فلا أبالي بما تقول وأن أتحير فأنا شر مما تقول.
وفي المناقب: روي إن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه فلما أجابه في الثالثة قال له يا بني أما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني. وفي حياة الحيوان: كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أتصدق اليوم وأهب عرضي لمن يغتابنيوكفى في حلمه إنه لما قال الشيخ الشامي: الحمد لله الذي لككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم لم يجابهه زين العابدين بسب ولا شتم بل أجابه بلين الكلام وقال هل قرأت القرآن وذكر الآيات الدالة على فضل أهل البيت فتاب ورجع بفضل حلم زين العابدين (ع) وحكمته كما مر في السيرة الحسينية.
ثالثها: الشجاعة وقوة القلب وثبات الجنان وجرأة النفس وأقوى دليل على ذلك قوله للطاغية عبيد الله بن زياد لما أمر به إلى القتل: أبالقتل تهددني أما علمت إن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. وإنه لم يكلم أحدا ممن كان معه في الطريق من الكوفة إلى الشام بكلمة حتى بلغوا الشام وقال محفر بن ثعلبة ما قال فأجابه ما ولدت أم محفر أشر وألأم، وقوله ليزيد وهو في سلطنته وملكه وتسلطه يا ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر واحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار وقوله ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت وما الذي ارتكبت إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد فابشر بالخزي والندامة.
رابعها: الكرم: في كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر للآبي قال ابن الإعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين (ع) إلى نفسه أربع مائة منافية أي من بني عبد مناف وبعولهن إلى إن تفرق جيش مسرف بن عقبة قال وقد حكى عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز. وعن الزمخشري في ربيع الأبرار أنه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة واستباحتها كفل زين العابدين (ع) أربعمائة امرأة مع أولادهن وحشمهن وضمهن إلى عياله وقام بنفقتهن وإطعامهن إلى إن خرج جيش ابن عقبة من المدينة فأقسمت واحدة منهن إنها ما رأت في دار أبيها وأمها من الراحة والعيش الهني ما رأته في دار علي بن الحسينوفي تذكرة الخواص قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين عن الحميدي عن سفيان الثوري قال أراد علي بن الحسين (ع) الخروج إلى الحج والعمرة فاتخذت له أخته سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم وأرسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.
خامسها: كثرة صدقاته (ع) لا سيما في السر روي أنه كان لا يأكل الطعام حتى يبدأ فيتصدق بمثله، وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل. (وبسنده) عن شيبة بن نعامة: لما مات علي بن الحسين وجدوه يقوت مائة أهل البيت بالمدينة. وروى أحمد بن حنبل والصدوق في الخصال عن الباقر (ع) إن علي بن الحسين كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة في كل بيت جماعة.
(وفي الحلية) بسنده عن محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل وفي الحلية بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عينية قال رأى الزهري علي بن الحسين (ع) في ليلة باردة مطرة وعلى ظهره دقيق وهو يمشي فقال يا ابن رسول الله ما هذا قال أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز قال فهذا غلامي يحمله عنك فأبى قال أنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله قال علي لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني فلما كان بعد أيام قال له يا ابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا قال بلى يا زهري ليس هو كما ظننت ولكنه الموت وله أستعد إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى في الخير وكان ذلك الدقيق قد حمله ليتصدق به ويعده زادا لسفر الآخرة. وفي البحار: إنه كان إذا جنه الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى عن قوت له وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قي أما على أبوابهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به وقالوا جاء صاحب الجراب. وعن كتاب سوق العروس عن أبي عبد الله الدامغاني كان علي بن الحسين يتصدق بالسكر واللوز فسئل عن ذلك فقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان يحبه.
وروى أبو نعيم في الحلية وابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي جعفر إن أباه علي بن الحسين قاسم الله عز وجل ماله مرتين، وقال إن الله تعالى يحب المؤمن المذنب التائب (التواب خ ل).
سادسها: إعتاقه العبيد في سبيل الله روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن سعيد بن مرجانة: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فاعتقه.
وروى ابن طاوس في كتاب شهر رمضان المعروف بالإقبال بسنده عن الصادق (ع) كان علي بن الحسين (ع) إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤدبك أتذكر ذلك؟ فيقول بلى يا ابن رسول الله. حتى يأتي على آخرهم ويقررهم جميعا ثم يقوم وسطهم ويقول ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وتجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح فإنه يقول وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون إن يغفر الله لكم، وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقنهم وينادون معه وهو واقف بينهم يبكي ويقول ربنا إنك أمرتنا إن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، إلهي كرمت فاكرمني إذ كنت من سؤالك وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم ثم يقبل عليهم فيقول قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان مني إليكم من سوء ملكة فاني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل، فيقولون قد عفونا عنك يا سيدنا وما أسأت فيقول لهم قولوا اللهم أعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا واعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق فيقولون ذلك فيقول اللهم آمين رب العالمين اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلى أقل أو أكثر، وكان يقول إن الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف عتيق من النار كلا قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثلما أعتق في جميعه وإني لأحب إن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء إن يعتق رقبتي من النار، وما استخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كانت ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال.
سابعها: الفصاحة والبلاغة وفي خطبه بالكوفة والشام والمدينة وغيرها المتقدمة في واقعة كربلاء أوضح دلالة وحسبك في ذلك بالصحيفة الكاملة وما فيها من بديع المعاني وفصيح الألفاظ وبليغ التراكيب وجميل المحاورات ولطيف العبارات التي يعجز الفصحاء والبلغاء عن أمثالها وهي المعروفة بإنجيل آل محمد وتمام الكلام عليها عند ذكر مؤلفاته.
ثامنها: الورع فقد كان أورع أهل زمانه روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن صالح بن حسان قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال لا، قال: ما رأيت أورع منه. وفي مرآة الجنان: روي عن جماعة من السلف إنهم قالوا ما رأينا أورع من علي بن الحسين منهم سعيد بن المسيب.
تاسعها: كثرة بره بأمه في مرآة الجنان: روي إن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له أنا نراك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة فقال أخاف إن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها.
عاشرها: الرفق بالحيوان روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمر بن ثابت: كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة. وروى المفيد في الإرشاد بسنده انه حج مرة فالتاثت عليه الناقة في سيرها (أي أبطأت) فأشار إليها بالقضيب ثم قال لولا القصاص ورد يده عنها وفي رواية إنه رفع القضيب وأشار إليها وقال لولا خوف القصاص لفعلت. (وروي) أنه (ع) حج على ناقة عشرين حجة فما قرعها بسوط.
حادي عشرها: الهيبة والعظمة في صدور الناس قال عبد الملك بن مروان لما دخل عليه: والله لقد امتلأ ثوبي أو قلبي منه خيفة. وقال مسرف بن عقبة لقد ملئ قلبي منه رعبا. وروى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: حج هشام بن عبد الملك قبل إن يلي الخلافة، فأجتهد إن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه. قال: ونصب لهشام منبر فقعد عليه فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه فقال الفرزدق: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين:

وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل قال: حج علي بن الحسين (ع) فاستجهر الناس وتشوفوا له وجعلوا يقولون من هذا من هذا تعظيما له وإجلالا لمرتبته وكان الفرزدق هناك فأنشا يقول:
وأورد سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص رواية الحلية ولكنه ذكر الأبيات بأكثر مما في الحلية ثم قال: قلت لم يذكر أبو نعيم في الحلية إلا بعض هذه الأبيات والباقي أخذته من ديوان الفرزدق. ورواها السبكي في طبقات الشافعية بسنده المتصل إلى ابن عائشة عبد الله بن محمد عن أبيه قال: حج هشام بن عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت فجهد إن يصل إلى الحجر فيستلمه فلم يقدر عليه فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه أهل الشام إذ أقبل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر تنحى له الناس حتى يستلمه فقال رجل من أهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافة إن يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق حاضرا فقال الفرزدق ولكني أعرفه قال الشامي من هو يا أبا فراس فقال الفرزدق وقد توافقت روايتا سبط بن الجوزي والسبكي إلا في أبيات يسيرة وهذا ما ذكراه:
هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة فبعث إليه علي بألف دينار فردها وقال: إنما قلت ما قلت غضبا لله ولرسوله فما آخذ عليه أجرافقال علي: نحن أهل بيت لا يعود إلينا ما أعطينا فقبلها الفرزدق وهجا هش أما فقال:
فأخبر هشام بذلك فأطلقه. ومما مر يعلم إن العز الحقيقي والجاه الصحيح إنما هو للدين والتقوى والعلم لا للملك والقوة والقهر فهذا هشام يحج في خلافة أخيه عبد الملك وبيده القوة والسلطان وحوله وجوه أهل الشام فيروم استلام الحجر الأسود فلا يقدر ولا يعبأ الناس به وبملكه وسلطانه وعلي بن الحسين الذي ليس له سلطان غير سلطان الدين والتقوى والعلم وليس معه خدم ولا حشم يتقدم إلى استلام الحجر فينظر الناس إليه بعين الاجلال والاعظام ويتنحون له عن الحجر حتى يستلمه وفي ذلك عبرة لمن اعتبر.
أخباره وأحواله
روى البرقي في المحاسن أنه بلغ عبد الملك إن سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند علي بن الحسين فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة فأبى عليه فكتب إليه عبد الملك يهدده وإنه يقطع رزقه من بيت المال فأجابه (ع) أما بعد فإن الله أمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون وقال جل ذكره إن الله لا يحب كل خوان فخور فانظر أينا أولى بهذه الآية.
وروى الراوندي في دعوته عن الباقر (ع) إن علي بن الحسين قال مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي ما تشتهي فقلت أشتهي إن أكون ممن لا أقترح على الله ربي ما يدبر لي فقال لي أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حيث قال له جبرئيل هل من حاجة فقال لا أقترح على ربي بل حسبي الله ونعم الوكيل. وروى الصدوق في العيون بسنده عن الصادق (ع) كان علي بن الحسين (ع) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم إن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه وقال لهم هذا علي بن الحسين فوثبوا إليه فقبلوا يده ورجله وقالوا يا ابن رسول الله أردت إن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان أما كنا قد هلكنا؟ فقال إني سافرت مرة مع قوم يعرفونني فاعطوني برسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أستحق فصار كتمان أمري أحب إلي. وفي مناقب ابن شهراشوب قيل له (ع) إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة فقال أكره إن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أعطي مثله وهذه الرواية أقرب للصواب من رواية العيون.
وفي مناقب ابن شهراشوب واحتجاج الطبرسي: لقي عباد البصري علي بن الحسين في طريق مكة فقال له يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحج ولينه وإن الله عز وجل يقول إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون إلى قوله وبشر المؤمنين فقال علي بن الحسين إذا رأينا هؤلاء الذين صفتهم فالجهاد أفضل من الحج.
أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء
وقد مر أكثرها في السيرة الحسينية فاغنى عن إعادتها هنا فلنذكر هنا ما لم يذكر هناك.
كان عمره (ع) يوم كربلاء 24 سنة على الأكثر و22 سنة على الأقل. وقال محمد بن سعد في الطبقات كان علي بن الحسين مع أبيه يطوف كربلاء وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة لكنه كان مريضا ملقى على فراشه وقد نهكته العلة والمرضوكان قد تزوج وولد له الباقر فقد كان عمر الباقر يومئذ أربع سنين أو ثلاث سنين. وجملة من العلماء منهم المفيد يقولون إنه أكبر من أخيه علي شهيد كربلاء هو الأوسط وإنما قيل له الأكبر بالنسبة إلى أخيه الأصغر الذي هو أصغر منهما وقد فصلنا ذلك في ترجمة أخيه علي شهيد كربلاء. وكان زين العابدين (ع) مريضا يوم كربلاء بالذرب فلذلك لم يجاهد وسلم من القتل وانحصر نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة (ع) من الحسينين فيه وفي ذريته. والظاهر إن القائل لأبيه وهما في الطريق إلى كربلاء ألسنا على الحق هو علي الشهيد. فمن أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء ما مر في السيرة الحسينية من قوله إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها إلى آخر الخبر وهو الذي روى خطبة أبيه (ع) لما جمع أصحابه ليلة عاشوراء المتضمنة الإذن لهم في الانصراف وما أجابوه به وتقدمت ولما قتل الحسين (ع) أراد شمر قتل زين العابدين (ع) وهو مريض فدفعه عنه حميد بن مسلم كما مر. وحمله عمر بن سعد مع من حمله من أهل البيت إلى الكوفة وقد نهكته العلة.
بكاؤه على أبيه (ع) وأهل بيته
في حلية الأولياء بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه: فقال: لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشرة رجلا من أهل بيتي قتلى في غزاة واحدة أفترون حزنهم يذهب من قلبي. وفي مناقب ابن شهراشوب عن الصادق (ع) بكى علي بن الحسين على أبيه عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف إن تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. وقال الصدوق في الخصال ولقد بكى على أبيه الحسين (ع) عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال مولى له يا ابن رسول الله أما إن لحزنك إن ينقضي فقال له ويحك إن يعقوب النبي (ع) كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه وأحدا فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني، وروى ابن قولويه في كامل الزيارة بسنده قال أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال يا علي بن الحسين ما إن لحزنك إن ينقضي فرفع رأسه إليه وقال ويلك أو ثكلتك أمك والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حين قال يا أسفا على يوسف وإنه فقد ابنا وأحدا وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي.
إرسال المختار رأس ابن زياد إلى زين العابدين
لما قتل إبراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد على نهر الخازر بعث برأسه ورؤوس أعيان من كان معه إلى المختار فبعث المختار برأس ابن زياد إلى محمد بن الحنفية وإلى علي بن الحسين فادخل عليه وهو يتغدى فقال علي بن الحسين أدخلت علي ابن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى فالحمد لله الذي أجاب دعوتي ثم أمر فرمي به. وفي رواية ابن نما فسجد علي بن الحسين (ع) شكرا لله وقال الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من عدوي وجزى الله المختار خيرا.
وقال ابن قولويه في كامل الزيارة كان علي بن الحسين يميل إلى ولد عقيل فقيل له ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر قال إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي فارق لهم.
أخباره (ع) المتعلقة بوقعة الحرة
وكانت يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 63 من الهجرة والحرة بالفتح أرض ذات حجارة سوداء والحرار كثير في الحجاز وكانت الوقعة في موضع يقال له حرة وأقم نسبة إلى رجل وذلك إن أهل المدينة وفدوا على يزيد بن معاوية بالشام فلما رأوا من أعماله وتهتكه واستهانته بالدين ما رأوا عزموا على خلعه فلما عادوا إلى المدينة أظهروا خلعه وأخرجوا عامله عليها عثمان بن محمد بن أبي سفيان وحصروا بني أمية في دار مروان ثم اخرجوهم من المدينة قال الطبري فوجه يزيد إليهم اثني عشر ألفا مع مسلم بن عقبة المري فإن هلك فالحصين بن نمير السكوني وقال له إذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وادن مجلسه فإنه لم يدخل في شيءمما دخلوا فيه وعلي لا يعلم بشيءمما أوصى به يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة قال وقد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشام آوى إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان وقد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أمية من المدينة كلم عبد الله بن عمر إن يغيب له عنده فأبى ابن عمر إن يفعل وكلم مروان علي بن الحسين وقال يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك قال افعل فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع ثم إن عائشة بنت عثمان زوجة مروان خرجت إلى الطائف فمرت بعلي بن الحسين وهو بمال له إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية إن يشهد شيئا من أمرهم فأرسل زين العابدين ولده عبد الله معها إلى الطائف محافظة عليها فبقي معها حتى انتهت الوقعة فشكر له مروان ذلكوهذا منتهى مكارم الأخلاق والمجازاة على الإساءة بالاحسان ولا عجب إذا جاء الشيءمن معدنه:
أما ما نقله الطبري في ذيل بعض رواياته من قوله وكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين مع صداقة كانت بينهما قديمة فلا يكاد يصح وعداوة مروان لعلي بن الحسين وأهل بيته لا تحتاج إلى بيان فمتى كانت هذه الصداقة القديمة بين مروان وعلي بن الحسين؟ أيوم خرج لحرب جده علي بن أبي طالب مع أهل الجمل أم يوم حاربه بصفين مع معاوية أم يوم قال مروان للوليد في حق الحسين: إنه لا يبايع ولو كنت مكانك لضربت عنقه أم يوم قال له لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج حتى يبايع أو تضرب عنقه وقول الحسين له ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت، وقول مروان لما جئ برأس الحسين (ع):
والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان. كل هذا من أسباب الصداقة بين مروان وعلي بن الحسين!! كلا ولكنهم أهل بيت طبعوا على مكارم الأخلاق وجبلوا على الاحسان لمن أساء إليهم والعفو والصفح عن أعدائهم سجايا خصهم الله بها وطبعهم عليها وميزهم بها عن سائر الخلق وأخرجهم بها عن مجرى العادات. وزين العابدين (ع) هو الذي كان يقول: لو إن قاتل الحسين (ع) استودعني السيف الذي قتل به الحسين لرددته إليه.
ثم إن جيش مسلم بن عقبة غلب على المدينة فأباحها مسلم ثلاثا ودعا الناس للبيعة على إنهم خول عبيد ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء، ثم إن مروان أتى بعلي بن الحسين فاقبل علي يمشي بين مروان وابنه عبد الملك يلتمس بهما عند مسلم الأمان فجاء حتى جلس عنده بينهما فدعا مروان بشراب ليتحرم بذلك من مسلم فأتى له بشراب فشرب منه مروان شيئا يسيرا ثم ناوله عليا، فقال له مسلم: لا تشرب من شرابنا، فامسك، فقال مسلم: إنك إنما جئت تمشي بين هؤلاء لتأمن عندي، والله لو كان الأمر إليهما لقتلتك ولكن أمير المؤمنين أوصاني بك فذلك نافعك عندي فإن شئت فاشرب شرابك الذي في يدك وإن شئت دعونا بغيره قال هذه التي في كفي أريد فشربها ثم قال إلى هاهنا فأجلسه معه وفي رواية لما أتى بعلي بن الحسين إلى مسلم قال من هذا؟ قالوا علي بن الحسين، قال مرحبا وأهلا ثم أجلسه على السرير والطنفسة ثم قال إن أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا وهو يقول إن هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن وصلتك ثم قال لعلي لعل لك فزعوا قال أي والله فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله فرده عليها ومرعند ذكر كرمه وسخائه إنه في وقعة الحرة ضم إليه أربعمائة امرأة منافية وبعولتهن إلى إن تفرق جيش مسلم بن عقبة وفي رواية أربعمائة امرأة مع أولادهن.
ما روى عنه في فنون من العلم
في الضحك
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن علي بن الحسين: من ضحك ضحكة مجمجة من العلم.
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
في حلية الأولياء بسنده عن علي بن الحسين قال التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا إن يتقي تقاة. قيل وما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا إن يفرط عليه أو إن يطغى ورواه ابن سعد في الطبقات بسنده عنه (ع) مثله.
في كتمان العلم
في حلية الأولياء: قال علي بن الحسين من كتم علما أحدا أو اخذ عليه أجرارفدا، فلا ينفعه أبدا.
في الصبر
في حلية الأولياء بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (ع) إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة، قالوا قبل الحساب؟ قالوا نعم، قالوا من أنتم؟ قالوا أهل الفضل، قالوا وما كان فضلكم؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسئ إلينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادي مناد ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون نحن أهل الصبر، قالوا ما كان صبركم؟ قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله عز وجل. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين. ثم ينادي مناد ليقم جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس وهم قليل. فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، قالوا: وبم جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله عز وجل ونتجالس ونتجالس في الله ونتباذل في الله. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين.
(وبسنده) عن العتبي عن أبيه: قال علي بن الحسين وكان من أفضل بني هاشم لابنه: يا بني اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له.
(وبسنده) عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال علام صبرتم؟ قالوا صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله عز وجل. فيقال: صدقتم ادخلوا الجنة.
في العبادة
في حلية الأولياء: كان علي بن الحسين يقول: إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
في القناعة
في الحلية بسنده عن أبي حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين يقول: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس. في استحباب تقبيل الصدقة ومناولتها الفقير بنفسه في الحلية بسنده إن علي بن الحسين كان إذا ناول الصدقة السائل، قبلها ثم ناوله. وروى ابن سعد في الطبقات أنه كان يأتيه السائل فيقوم حتى يناوله ويقول إن الصدقة تقع في يد الله قبل إن تقع في يد السائل.
من روى عن علي بن الحسين (ع) من العلماء
قد أحصى الشيخ الطوسي في كتاب رجاله الرواة عنه (ع) وتجدهم في مطاوي كتابنا هذا كلا في بابه. وفي مناقب ابن شهراشوب روى عنه الطبري وابن البيع وأحمد وابن بطة وأبو داود وصاحب الحلية والأغاني وقوت القلوب وشرف المصطفى وأسباب نزول القرآن والفائق والترغيب والترهيب عن الزهري وسفيان بن عيينة ونافع والأوزاعي ومقاتل والواقدي ومحمد بن إسحاقوالمراد إنهم رووا عنه بالواسطة.
وقال ابن شهراشوب في المناقب: كان بابه يحيى ابن أم الطويل المطعمي. ومن رجاله من الصحابة جابر بن عبد الله الأنصاري وعامر بن واثلة الكناني وسعيد بن المسيب بن حزن وسعيد بن جهان الكناني مولى أم هانئ. ومن التابعين أبو محمد سعيد بن جبير مولى بني أسد ومحمد بن جبير بن مطعم وأبو خالد الكابلي والقاسم بن عوف وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر وإبراهيم والحسن ابنا محمد بن الحنفية وحبيب بن أبي ثابت وأبو يحيى الأسدي وأبو حازم الأعرج وسلمة بن دينار المدني الأقرن القاص. ومن أصحابه أبو حمزة الثمالي بقي إلى أيام موسى (ع) وفرات بن أحنف بقي إلى أيام أبي عبد الله (ع) وجابر بن محمد بن أبي بكر وأيوب بن الحسن وعلي بن رافع وأبو محمد القرشي السدي الكوفي والضحاك بن مزاحم الخراساني أصله من الكوفة وطاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن وحميد بن موسى الكوفي وأبان بن تغلب بن رباح وأبو الفضل سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي وقيس بن رمانة وعبد الله البرقي والفرزدق الشاعر. ومن مواليه شعيب. (وقال المفيد) في الإختصاص: أصحاب علي بن الحسين أبو خالد الكابلي كنكر ويقال اسمه وردان ويحيى بن أم الطويل وسعيد بن المسيب المخزومي وحكيم بن جبير.
مؤلفاته
1-الصحيفة الكاملة في الأدعية تحتوي على أحد وستين دعاء في فنون الخير وأنواع العبادة وطلب السعادة وتعليم العباد كيف يلجأون إلى ربهم في الشدائد والمهمات ويطلبون منه حوائجهم ويعملون بقوله تعالى ادعوني استجب لكم. من التحميد لله تعالى والثناء عليه والشكر له والتذلل بين يديه واللجوء إليه والتضرع والاستكانة له والإلحاح عليه والاعتذار له والرضا بقضائه وطلب التفرع له والصلاة على نبيه محمد وآله صلى الله عليه وسلم وعلى حملة العرش ومصدقي الرسل والصحابة والتابعين ولأبويه وولده وجيرانه وأوليائه وأهل الثغور ولنفسه وخاصته وعلى الشيطان وفي الاستعاذة وطلب الحوائج وطلب المغفرة والعفو والرحمة والستر والوقاية والاستقامة والتوبة وخاتمة الخير والعافية والرزق وقضاء الدين ومكارم الأخلاق والاستخارة واستكشاف الهموم والشدائد والأحزان والبلاء ودفع كيد الأعداء والمحذورات وعند الصباح والمساء والمرض وسماع صوت لرعد وذكر الموت وختم القرآن والنظر إلى الهلال ودخول شهر رمضان ووداعه وفي العيدين والجمع ويوم عرفة وأيام الأسبوع وغير ذلك.
وبلاغة ألفاظها وفصاحتها التي لا تباري وعلو مضامينها وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها وإن هذا الدر من ذلك البحر وهذا الجوهر من ذلك المعدن وهذا الثمر من ذلك الشجر مضافا إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب وتعدد أسانيدها المتصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة إلى زين العابدين (ع) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثم انتقلت إلى أولاده وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنى كما هو مذكور في أولها مضافا إلى ما كان عند الباقر (ع) من نسختها وقد اعتنى بها الناس أتم اعتناء بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها. وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والإبكار والغدوات والأسحار والتضرع إليه تعالى وطلب الحوائج منه والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار واستنسخ منها نسخ لا تعد ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل والمزينة بجداول الذهب على ورق الترمة وما ضاهاه وطبعت على الحجر طبعات كثيرة وشرحها العلماء شروحا عديدة منها شرح الشيخ البهائي المسمى حدائق المقربين وأحسنها شرح السيد على خان المدني الشيرازي صاحب سلافة العصر في أدباء العصر والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة وغيرهما وشرحه مطبوع على الحجر في مجلد كبير وباقي شروحها مطبوعة على الحجر في مجلد واحد.
2-الصحيفة الثانية السجادية جمعها الشيخ محمد بن الحسين بن الحر العاملي نزيل أصفهان واقتصر فيها على ما ليس في الصحيفة الكاملة من الأدعية لكنه فاته منها شيء كثير طبعت مرتين على الحجر وبالحرف.
3-الصحيفة الثالثة السجادية جمعها الميرزا عبد الله الأصفهاني المعروف بالأفندي صاحب رياض العلماء واستدرك فيها ما فات ابن الحر العاملي جامع الصحيفة الثانية طبعت على الحجر.
4-الصحيفة الرابعة السجادية جمعها الميرزا حسين النوري واستدرك فيها ما فات الميرزا عبد الله جامع الصحيفة الثالثة ولكن حيث كانت نسخة الصحيفة الثالثة ناقصة فالاستدراك عليها غير معلوم طبعت على الحجر.
5-الصحيفة الخامسة السجادية جمعها الفقير كاتب هذه السطور واستدرك فيها ما خلت عنه الصحيفة الكاملة وما فات الثانية والثالثة والرابعة ولئن كان الاستدراك على الثالثة غير محقق فالاستدراك على الرابعة محقق.
6-رسالة الحقوق وهذه الرسالة أوردها الصدوق في الخصال بسند معتبر وأوردها الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول وبينهما تفاوت بالزيادة والنقصان وغيرهما. ورواية التحف أطول وقد تزيد عنها رواية الخصال ونحن نوردها برواية تحف العقول فإذا وجدنا ما يخالفها في رواية الخصال ذكرناه بعدها. روى الصدوق في الخصال عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد الأسدي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن خيران بن داهر عن أحمد بن سليمان الجبلي عن أبيه عن محمد بن علي عن محمد بن فضيل عن أبي حمزة الثمالي قال: هذه رسالة علي بن الحسين (ع) إلى بعض أصحابه: اعلم إن لله عز وجل عليك حقوقا الخ. . . وفي تحف العقول: رسالة علي بن الحسين (ع) المعروفة برسالة الحقوق: اعلم رحمك الله إن الله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو حال حلتها خ أهل أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقا ولسمعك عليك حقا وللسانك عليك حقا وليدك عليك حقا ولرجلك عليك حقا ولبطنك عليك حقا ولفرجك عليك حقا فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال ثم جعل لأفعالك عليك حقوقا: لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا ولصدقتك ولهديك عليك حقا ولأفعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الإيمان وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك حق أمك ثم حق أبيك ثم حق ولدك ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى ثم حق مولاك المنعم عليك ثم حق مولاك الجارية نعمته عليك ثم حق ذي المعروف لديك ثم حق مؤذنك بالصلاة ثم حق أمامك في صلاتك ثم حق جليسك ثم حق جارك ثم حق صاحبك ثم حق شريكك ثم حق مالك ثم حق غريمك الذي تطالبه ثم غريمك الذي يطالبك ثم خليطك ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ثم حق مستشيرك ثم المشير عليك ثم مستنصحك ثم الناصح لك ثم حق من هو أكبر منك ثم من هو أصغر منك ثم حق سائلك ثم حق من سألته ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد ثم حق أهل ملتك عامة ثم حق أهل الذمة ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.
1: فأما حق الله الأكبر عليك
فإن تعبده لا تشرك به شيئا فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه إن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منهما. ومثله في الخصال إلى قوله والآخرة.
2: وأما حق نفسك عليك:
فان تستوفيها في طاعة الله وفي الخصال إن تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك.
3: وأما حق اللسان:
فإكرامه عن الخنا وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن شرره مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفي الخصال: وحق اللسان إكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة فيها والبر بالناس وحسن القول فيهم.
4: وأما حق السمع:
فتنزيهه عن إن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله وفي الخصال وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه.
5: وأما حق بصرك:
فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما فإن البصر باب الاعتبار وفي الخصال وحق البصر إن تغمضه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظر به.
6: وأما حق رجليك:
فان لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخف بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا قوة إلا بالله وفي الخصال وحق رجليك إن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك فيهما ولا بد لك إن تقف على الصراط فانظر إن لا تزلا بك فتتردى في النار.
7: وأما حق يدك:
فان لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الأجل ومن الناس اللائمة في العاجل ولا تقبضها عما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل ووجب لها حسن الثواب من الله في الأجل وفي الخصال وحق يدك إن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك.
8: وأما حق بطنك:
فان لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروءة فإن الشبع المنتهي بصاحبه مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروءة وفي الخصال وحق بطنك إن لا تجعله وعاء للحرام ولا تزيد على الشبع.
9: وأما حق فرجك:
فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان وضبطه إذا هم بالجوع والظما وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا به وفي الخصال: وحق فرجك إن تحصنه عن الزنا وتحفظه من إن ينظر إليه.  
ثم حقوق الأفعال
10: فأما حق الصلاة
فان تعلم إنها وفادة إلى الله وانك قائم بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقا إن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب والخائف الراجي المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون أو الإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والرغبة إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق الصلاة إن تعلم إنها وفادة إلى الله عز وجل وانك فيها قائم بين يدي الله عز وجل فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها. ولم يذكر في التحف حق الحج وذكره في الخصال فقال.
وحق الحج
إن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.
11: وأما حق الصوم:
فان تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار وهكذا جاء في الحديث: الصوم جنة من النار فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت إن تكون محجوبا وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترف جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية بالله لم تأمن إن تخرق الحجاب وتخرج منه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: بعد قوله من النار: فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.
12: وأما حق الصدقة
فان تعلم إنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق منك بما استودعته علانية وكنت جديرا إن لا تكون أسررت إليه أمرا أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن إن يكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه كذا لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق الصدقة إن تعلم إنها ذخرك عند ربك عز وجل ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية وتعلم إنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا وتدفع عنك النار في الآخرة.
13: وأما حق الهدي
فان تخلص به الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله واعلم إن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولي بك من التدهقن لان الكلفة والمئونة في المتدهقنين ف أما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما لأنهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق الهدي إن تريد به الله. عز وجل ولا تريد به خلقه ولا تريد به إلا التعرض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.
ثم حقوق الأئمة
14: فأما حق سائسك بالسلطان:
فان تعلم أنك جعلت له فتنة وإنه مبتلي فيك بما جعله الله له عليك من السلطان وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه وتلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تعازه ولا تعانده فإنك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة فيك وكنت خليقا إن تكون معينا له علي نفسك وشريكا له فيما أتى إليك ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق السلطان إن تعلم إلى قوله من السلطان وبعده: وإن عليك إن لا تتعرض لسخطه فتلقى بيديك إلى التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.
15: فأما حق سائسك بالعلم:
فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بان تفرع له عقلك وتحضره فهمك وتذكي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللذات ونقص الشهوات وان تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق سائسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه وإن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس.
16: وأما حق سائسك بالملك:
فنحو من سائسك بالسلطان إلا إن هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فيما دق وحل منك إلا إن يخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فأما حق سائسك بالملك فإن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
ثم حقوق الرعية
17: فأما حق رعيتك بالسلطان:
فان تعلم أنك استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم فما أولى من كفافه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالرحمة والحياطة والأناة وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها إن تكون لله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق رعيتك بالسلطان فإن تعلم إنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب إن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله عز وجل على ما أولاك وعلى ما أتاك من القوة عليهم.
18: وأما حق رعيتك بالعلم:
فان تعلم إن الله قد جعلك لهم خازنا فيما أتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه كنت راشدا وكنت لذلك آملا معتقدا كذا وإلا كنت له خائنا ولخلقه ظالما ولسلبه وغيره معترضا.
19: وأما حق رعيتك بملك النكاح:
فإن تعلم إن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية وكذلك كل واحد منكما يجب إن يحمد الله على صاحبه ويعلم إن ذلك نعمة منه عليه ووجب إن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فإن لها حق الرحمة والموانسة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق الزوجة فإن تعلم إن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم إن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وأن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك إن ترحمها لأنها أسيرك وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها.
20: وأما حق رعيتك بملك اليمين:
فان تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ولا أجريت له رزقا ولكن الله كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه بسيرته فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما نلبس ولا تكلفه ما لا يطيق فإن كرهته خرجت إلى الله منه واستبدلت به ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق مملوكك فإن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك ولم تملكه لأنك صنعته من دون الله ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عز وجل ولا قوة إلا بالله.
21: وأما حق الرحم:
فحق أمك إن تعلم إنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا وإنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت إن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلك وتضحي وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بارقها وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه. وفي الخصال: وأما حق أمك فإن تعلم إنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال إن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحي وتظلك وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه
22: وأما حق أبيك:
فان تعلم أنه أصلك وانك فرعه وانك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم إن أباك أصل النعمة عليك فيه وأحمد الله وأشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.
23: وأما حق ولدك:
فان تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
24: وأما حق أخيك:
فان تعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجي إليه وعزك الذي تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم لخلق الله ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحول بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والإقبال عليه في الله فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه. وفي الخصال: ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له فإن أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله.
25: وأما حق المنعم عليك بالولاء:
فان تعلم أنه أنفق ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العز وأخرجك من سجن القهر ودفع عنك العسر وبسط لك لسان الإنصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحل أسرك وفرغك لعبادة ربك واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولي رحمك في حياتك وموتك وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ومكانفتك في ذات الله فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك. وفي الخصال: وإن نصرته عليك واجبة بنفسك وما احتاج إليه منك ولا قوة إلا بالله.
26: وأما حق مولاك الجارية عليك نعمته:
فان تعلم إن الله جعلك حامية عليه وواقية وناصرا ومعقلا وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه فبالحري إن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه في الأجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقه بعد إنفاق مالك فإن لم تقم بحقه خيف عليك إن لا يطيب لك ميراثه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه فإن تعلم إن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار وإن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك وفي الأجل الجنة. 27: وأما حق ذي المعروف:
عليك فإن تشكره وتذكره معروفة وتنشر له المقالة الحسنة وتكسبه القالة الحسنة خصال وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها. وفي الخصال: ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته.
28: وأما حق المؤذن:
فان تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك وإن كنت في بيتك متهما كذا وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ولا قوة إلا بالله.
29: وأما حق أمامك في صلواتك:
فان تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك وتكلم عنك ولم تتكلم عنه دعا لك ولم تدع له وطلب فيك ولم تطلب فيه وكفاك هم المقام بين يدي الله والمسألة له فيك ولم تكفه ذلك فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان إثما لم تكن شريكه فيه ولم يكن لك عليه فضل فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته فتشكر له على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فإن كان نقص كان به دونك وإن كان تم أما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل فتشكر له على قدر ذلك.
30: وأما حق الجليس:
فان تلين له كنفك وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ولا تقوم إلا بإذنه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك وتنسى زلاته وتحفظ خيراته ولا تسمعه خيرا.
31: وأما حق الجار:
فحفظه غائبا وكرامته شاهدا ونصرته ومعونته في الحالتين جميعا لا تتبع له عورة ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها فإن عرفتها منه عن غير أرادة منك ولا تكلف كنت ما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه. لا تستمع عليه من حيث لا يعلم. لا تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة. تقيل عثرته وتغفر زلته ولا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج إن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: ونصرته إذا كان مظلوما فإن علمت عليه سوء سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه.
32: وأما حق الصاحب:
فان تصحبه بالفضل وما وجدت إليه سبيلا وإلا فلا أقل من الإنصاف وان تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه إلى مكرمة فإن سبقك كافأته ولا تقصر به عما يستحق من المودة تلزم نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما يهم به من معصية ربه ثم تكون عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فإن تصحبه بالتفضل والإنصاف ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية.
33: وأما حق الشريك:
فان غاب كفيته وان حضر ساويته ولا تعزم على حكمك دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتتقي خيانته فيما عز أو هان فإنه بلغنا إن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله.
34: وأما حق المال:
فأن لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه وسببا إلى الله ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحري إن لا يحسن خلافته في تركتك ولا يعمل فيه بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالإثم والحسرة والندامة مع التبعة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فاعمل فيه بطاعة ربك ولا تبخل به.
35: وأما حق الغريم المطالب لك:
فان كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول وطلبت إليه طلبا جميلا ورددته عن نفسك ردا لطيفا ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء معاملته فإن ذلك لؤم ولا قوة إلا بالله.
36: وأما حق الخليط:
فان لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه وان أطمأن إليك استقصيت له على نفسك وعلمت إن غبن المسترسل ربا. وفي الخصال: ولا تخدعه وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره.
37: وأما حق الخصم المدعي:
عليك فإن كان ما يدعي عليك حقا لم تنفسخ في حجته ولم تعمل في إبطال دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة الشهود فإن ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلا رققت به وردعته وناشدته بدينه وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف عداوته لان لفظة السوء تبعث الشر، والخير مقمعة للشر ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فإن كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه وأوفيته حقه وإن كان ما يدعي به باطلا رفقت به ولم تأت في أمره غير الرفق ولم تسخط ربك في أمره.
38: وأما حق الخصم المدعى عليه:
فإن كان ما تدعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: إن كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقه وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عز وجل وتبت إليه وتركت الدعوى.
39: وأما حق المستشير:
فان حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، ليكن ذلك منك في رحمة ولين فإن اللين يؤنس الوحشة وان الغلظ يوحش موضع الأنس وان لم يحضرك له رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللت عليه وأرشدته إليه فكنت لم تأله خيرا ولم تدخره نصحا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم.
40: وأما حق المشير:
عليك فلا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء وتصرف الناس فيها واختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه. ف أما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته فإذا وافقك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والأرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: إن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وان وافقك حمدت الله عز وجل.
41: وأما حق المستنصح:
فأن حقه إن تؤدي إليه النصيحة وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه وليكن مذهبك الرحمة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.
42: وأما حق الناصح:
فان تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك وتفتح له سمعك حتى يفهم عنه نصيحته ثم تنظر فيها فإن كان وفق لها وإلا رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه لم يا لك نصحا إلا أنه أخطأ إلا إن يكون عندك مستحقا للتهمة فلا تعبا بشيء من أمره على كل حال ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وتصغي إليه بسمعك فإن أتى بالصواب حمدت الله وأن لم يوفق رحمته الخ.
43: وأما حق الكبير:
فأن حقه توقير سنه واجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه في طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت وأكرمته بحق إسلامه مع سنه فإنما حق السن بقدر الإسلام ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: توقيره لسنه واجلاله لتقدمه في الإسلام قبلك.
44: وأما حق الصغير:
فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة والمداراة له وترك مما حكته فإن ذلك أدنى لرشده. وفي الخصال: رحمته في تعليمه.
45: وأما حق السائل:
فاعطاؤه إذا تهيأت صدقة وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به والمعاونة له على طلبته وان شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة ولم تعزم على ذلك لم تأمن إن يكون من كيد الشيطان أراد إن يصدك عن حظك ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك تركته بستره ورددته ردا جميلا وان غلبت نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فإن ذلك من عزم الأمور. وفي الخصال: إعطاؤه على قدر حاجته.
46: وأما حق المسؤول:
فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب وجه العذر في منعه وأحسن به الظن واعلم أنه إن منع فماله منع وأن ليس التثريب في ماله وإن كان ظالما فإن الإنسان لظلوم كفار. وفي الخصال: إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله وإن منع فاقبل عذره.
47: وأما حق من سرك الله به وعلى يديه:
فأن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافأة وان لم يكن تعمدها حمدت الله أولا ثم شكرته وعلمت أنه منه توحدك بها وأحببت هذا كذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيرا فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يعتمد ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: إن تحمد الله عز وجل أولا ثم تشكره.
48: وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولي بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق فإن الله يقول: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} إلى قوله {من عزم الأمور} وقال عز وجل: {وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته بتعمد على خطا ورفقت به ورددته بالطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: إن تعفو عنه وان علمت إن العفو يضر انتصرت قال الله تبارك تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل.
49: وأما حق أهل ملتك عامة:
فاضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتالفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن احسانه إلى نفسه احسانه إليك إذ كف عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وأنزلهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه. وفي الخصال: والرحمة لهم وكف الأذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك والصغار بمنزلة أولادك.
50: وأما حق أهل الذمة:
فالحكم فيهم إن تقبل منهم ما قبل الله وكفى بما جعل الله لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم حائل فإنه بلغنا أنه قال من ظلم معاهدا كنت خصمه فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهذه خمسون حقا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين. وفي الخصال: إن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده. وعلى رواية الخصال تكون أحد وخمسين.
المأثور عنه من جوامع الكلم والحكم القصيرة
المحكي منها عن كتاب نثر الدرر
في كشف الغمة والفصول المهمة قال الوزير أبو سعيد منصور بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر: نظر علي بن الحسين زين العابدين (ع) إلى سائل يسال وهو يبكي فقال لو إن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له إن يبكي عليها. وسئل (ع) لم أوتم النبي من أبويه فقال لئلا يوجب عليه حق لمخلوق وقال لابنه يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لن يعدمك مكر حليم أو مفاجأة لئيم. وبلغه (ع) قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال: كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر. وقيل له من أعظم الناس خطرا قال من لم ير الدنيا خطرا لنفسه. قال وروى لنا الصاحب رحمه الله عن أبي محمد الجعفري عن أبيه عن عمه عن جعفر عن أبيه (ع) قال قال رجل لعلي بن الحسين ما أشد بغض قريش لأبيك قال لأنه أورد أولهم النار والزم آخرهم العار. وقيل له يوما كيف أصبحت قال أصبحنا خائفين برسول الله وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به وقال (ع) وقد قيل له ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة فقال أكره إن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أعطي مثله.
الحكم المنقولة من تحف العقول
قال فيه: روي عنه (ع) في قصار هذه المعاني قال ص: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين. وقال: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا. وقال بحضرته رجل اللهم أغنني عن خلقك فقال ليس هكذا إنما بالناس ولكن قل اللهم أغنني عن شرار خلقك. وقال (ع) من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس. وقال لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل. وقال (ع) اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير. وقال (ع) كفى بنصر الله لك إن ترعى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك. وقال (ع) الخير كله صيانة الإنسان نفسه. وقال (ع) لبعض بنيه يا بني إن الله رضيني لك ولم يرضك لي فأوصاك بي ولم يوصني بك، عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة. وقال له رجل ما الزهد؟ فقال الزهد عشرة أجزاء: فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى. وان الزهد في آية من كتاب الله: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم. وقال ع: طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر، وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر. وقال (ع): إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا. وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة. وان أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وان أقربكم من الله أوسعكم خلقا وان أرضاكم عند الله أسعاكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله. وقال (ع) لبعض بنيه: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقال يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك باكلة أو أقل سن ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد إن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فاني وجدته ملعونا في كتاب الله وقال (ع): إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه. وقال: ابن آدم انك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا، يا ابن آدم انك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جل وعز فأعد له جوابا. وقال ع: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بالتفقه. وقال (ع): المؤمن من دعائه على ثلاث: أما إن يدخر له، وأما إن يعجل له، وأما إن يدفع عنه بلاء يريد إن يصيبه. وقال ع: إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر ولا يأتي إذا قام إلى الصلاة اعترض وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر، يمسي وهمه العشاء ولم يصم، وهمه النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط علمه بحلمه يجلس ليعلم وينصت ليسلم، لا يحدث بال أما نة إلا صدقا، ولا يكتم الشهادة للبعداء ولا يعمل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء. إن زكي خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ولا يضره جهل من جهله. ورأى (ع) عليلا قد برئ فقال له يهنئوك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره. وقال (ع): خمس لو رحلتم فيهن لا نفيتموهن كذا وما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي الجاهل إذ سئل عما لا يعلم إن يتعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. وقال ع: يقول الله يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس، ابن آدم اعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس، ابن آدم اجتنب عما حرمت عليك تكن من أورع الناس. وقال (ع): كم من مفتون بحسن القول فيه وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالإحسان إليه وقال يا سوأتاه لمن غلبت أحداته عشراته يريد إن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة، وقال (ع): إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وان الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا والتراب فراشا والمدر وسادا والماء طيبا وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا، اعلموا انه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه وراجع عن المحارم، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها وان لله عز وجل لعبادا قلوبهم معلقة بالآخرة وثوابها، وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين، وكمن رأى أهل النار معذبين فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة وذلك إن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله فطرفهم عن الحرام مغموض وحوائجهم إلى الناس خفيفة قبلوا اليسير من الله في المعاش وهو القوت فصبروا أي أما قصارا لطول الحسرة يوم القيامة. وقال له رجل: إني لأحبك في الله حبا شديدا فنكس رأسه ثم قال: اللهم إني أعوذ بك إن أحب فيك وأنت لي مبغض ثم قال له أحبك الذي تحبني فيه. وقال (ع): إن الله ليبغض البخيل والسائل الملحف. وقال: رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا يأكل ويشرب وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطه يصلى بها نار جهنم. وقال (ع): إن من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الأقتار، والتوسع على قدر التوسع، وانصاف الناس من نفسه وابتداؤه إياهم بالسلام. وقال (ع): ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم وإشغاله نفسه بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته. وقال (ع): نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة. وقال (ع): ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر: من أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته، ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس. وقال (ع): ما من شيءأحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج، وما شيءأحب إلى الله من إن يسال. وقال لابنه محمد (ع): افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان له فقد أصبت موضعه وان لم يكن بأهل كنت أنت له وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره. وقال (ع): مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الأمر العدل خ أهل تمام العز، واستنماء المال تمام المروءة وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا. وقال (ع): سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا.
المنقول من تذكرة ابن حمدون
في كشف الغمة: مما أورده محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه (ع) قال: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة رحمة الله عز وجل. خف الله عز وجل لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك وإذا صليت فصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه وخف الله خوفا ليس بالتعذير. وقال (ع) إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه.
المنقول من تذكرة الخواص
قال (ع) إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وان قوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وان قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الأحرار. وكان يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة وهو غدا جيفة وعجبت لمن شك في الله وهو يرى عجائب مخلوقاته وعجبت لمن يشك في النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى وعجبت لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء.
المنقول من الفصول المهمة
في الفصول المهمة: من كلامه (ع): ضل من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له سفيه يعضده. وقال: أربع لهن ذل: البنت ولو مريم والدين ولو درهم والغربة ولو ليلة والسؤال ولو أين الطريق، وقال (ع) عجيب لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته، وقال (ع) من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم، وقال (ع) إن الجسد إذا لم يمرض أشر ولا خير في جسد يأشر، وقال (ع) من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس وعنه (ع) يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال انتظار الفرج عبادة ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه القليل من العمل.
حكم ومواعظ متفرقة
في حلية الأولياء بالاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين (ع): فقد الأحبة غربة. وروى الشيخ في الأمالي بسنده قيل لعلي بن الحسين كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالى يطلبني بالفرائض والنبي صلى الله عليه وسلم بالسنة والعيال بالقوت والنفس بالشهوة والشيطان بأتباعه والحافظان بصدق العمل وملك الموت بالروح والقبر بالجسد فانا بين هذه الخصال مطلوب.
وفي كشف الغمة سمع رجلا كان يغشاه يذكر رجلا بسوء فقال إياك والغيبة فإنها أدام كلاب النار. وفي حياة الحيوان: مات لرجل ولد مسرف على نفسه فجزع عليه فقال له علي بن الحسين (ع) إن من وراء ولدك خلالا ثلاثا شهادة إن لا إله إلا الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله.
أدعيته
منتخبات من أدعية الصحيفة الكاملة
من دعائه (ع) في التحميد لله عز وجل والثناء عليه
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده الذي قصرت عن رؤيته ابصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا واخترعهم على مشيئته اختراعا ثم سلك بهم طريق أرادته وبعثهم في سبيل محبته لا يملكون تأخيرا عما قدمهم إليه ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخرهم عنه والحمد لله على ما عرفنا من نفسه وألهمنا من شكره وفتح لنا من أبواب العلم بربوبيته ودلنا عليه من الإخلاص له في توحيده وجنبنا من الإلحاد والشك في أمره والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق وأجرى علينا طيبات الرزق وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق فكل خليقته منقادة لنا بقدوته وصائرة إلى طاعتنا بعزته والحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط وجعل لنا أدوات القبض ومتعنا بارواح الحياة وأثبت فينا جوارح الأعمال وغذانا بطيبات الرزق وأغنانا بفضله واقنانا بمنه ثم أمرنا ليختبر طاعتنا ونهانا ليبتلي شركنا فخالفنا عن طريق أمره وركبنا متون زجره فلم يبتدرنا بعقوبته ولم يعالجنا بنقمته بل تأنانا برحمته تكرما وانتظر مراجعتنا برأفته حلما لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به ولم يكلفنا إلا وسعا ولم يجشمنا إلا يسرا ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذرا حمدا لا منتهى لحده ولا حساب لعدده ولا مبلغ لغايته ولا انقطاع إلا مده حمدا يكون وصلة إلى طاعته وعفوه وسببا إلى رضوانه وذريعة إلى مغفرته وطريقا إلى جنته وخفيرا من نقمته وعونا على تأدية حقه ووظائفه.
من دعائه (ع) في الصلاة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللهم فصل على محمد وآل محمد أمينك على وحيك ونجيبك من خلقك وصفيك من عبادك إمام الرحمة وقائد الخير ومفتاح البركة كما نصب لأمرك نفسه وعرض فيك للمكروه بدنه وكاشف في الدعاء إليك حامته وحارب في رضاك أسرته وقطع في إحياء دينك رحمه وأقصى الأدنين على جحودهم وقرب الأقصين على استجابتهم لك ووالى فيك الأبعدين وعادى فيك الأقربين وأدأب نفسه في تبليغ رسالتك وأتعبها بالدعاء إلى ملتك وشغلها بالنصح لأهل دعوتك وهاجر إلى بلاد الغربة ومحل الناي عن موطن رحله وموضع رجله ومسقط رأسه ومأنس نفسه أرادة منه لاعزاز دينك واستنصارا على أهل الكفر بك حتى استتب له ما حاول في أعدائك واستتم له ما دبر في أوليائك فنهد إليهم مستفتحا بعونك ومتقويا على ضعفه بنصرك فغزاهم في عقر ديارهم وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم حتى ظهر أمرك وعلت كلمتك ولو كره المشركون اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك حتى لا يساوي في منزلة ولا يكافأ في مرتبة ولا يوازيه لديك ملك مقرب ولا نبي مرسل وعرفه في له الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته يا نافذ العدة يا وافي القول يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات إنك ذو الفضل العظيم.
من دعائه في الصلاة
على أتباع الرسل والصحابة والتابعين
اللهم وأتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الأرض بالغيب في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولا وأقمت لأهله دليلا من لدن آدم (ع) إلى محمد صلى الله عليه وسلم من أئمة الهدى وقادة أهل التقى على جميعهم السلام فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان اللهم وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحابة والذين ابلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته والذين هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه اللهم وأوصل إلى التابعين لهم باحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا أنت رؤوف رحيم خير جزائك الذين قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم لم يثنهم ريب في بصيرتهم ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم مكانفين وموازرين لهم يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم اللهم وصل على التابعين من يومنا هذا إلى يوم الدين وعلى أزواجهم وعلى ذرياتهم وعلى من أطاعك منهم صلاة تعصمهم بها من معصيتك وتفسح لهم بها في رياض جنتك.
من دعائه (ع) في الصباح والمساء
الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهم بقدرته وجعل لكل واحد منهما حدا محدودا وأمدا ممدودا يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون ذلك لهم جم أما وقوة ولينالوا به لذة وشهوة وخلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم ودرك الأجل في أخراهم بكل ذلك يصلح شإنهم ويبلو أخبارهم وينظر كيف هم في أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع أحكامه ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى اللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا من الاصباح ومتعتنا به من ضوء النهار وبصرتنا به من مطالب الأقوات ووقيتنا فيه من طوارق الآفات أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها بجملتها لك سماؤها وأرضها وما بثثت في كل واحد منهما ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى أصبحنا في قبضتك يحوينا ملكك وسلطانك وتضمنا مشيئتك ونتصرف عن أمرك ونتقلب في تدبيرك ليس لنا من الأمر إلا ما قضيت ولا من الخير إلا ما أعطيت اللهم وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عنيد إن أحسنا ودعنا بحمد وان أسأنا فارقنا بذم اللهم صل على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة اللهم صل على محمد وآله واجزل لنا فيه من الحسنات واخلنا فيه من السيئات واملأ لنا ما بين طرفيه حمدا وشكرا واجرا وذخرا وفضلا وإحسانا اللهم صلى على محمد وآله ويسر على الكرام الكاتبين مؤونتنا واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا اللهم صل على محمد وآله واجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظا من عبادتك ونصيبا من شكرك وشاهد صدق من ملائكتك اللهم صل على محمد وآله واحفظنا فيه من بين أيدينا ومن خلفنا وعن ايماننا وعن شمائلنا ومن جميع نواحينا حفظا عاصما من معصيتك هاديا إلى طاعتك مستعملا لمحبتك اللهم صل على محمد وآله ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير وهجران الشر وشكر النعم وأتباع السنن ومجانبة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام وإجلاله وانتقاض الباطل وإذلاله ونصرة الحق واعزازه وارشاد الضال ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف.
من دعائه (ع) لأهل الثغور
اللهم صل على محمد وآله وحصن ثغور المسلمين بعزتك وأيد حماتها بقوتك واسبغ عطاياهم من جدتك اللهم صل على محمد وآله وكثر عدتهم واشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم وامنع حومتهم وألف جمعهم ودبر أمرهم واعضدهم بالنصر وأعنهم بالصبر والطف لهم في المكر اللهم صل على محمد وآله وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون واجعل الجنة نصب أعينهم حتى لا يهم أحد منهم بالادبار ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار اللهم افلل بذلك عدوهم واقلم عنه اظفارهم اللهم وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى وحزبك الأقوى وحظك الأوفى فلقه اليسر وهئ له الأمر وتوله بالنجح وأفرع عليه الصبر وسهل له النصر وتخير له الأصحاب واستقو له الظهر واسبغ عليه في النفقة ومتعه بالنشاط وأنسه ذكر الأهل والولد وتوله بالعافية وأصحبه السلامة واعفه عن الجبن وألهمه الجرأة وارزقه الشدة وأيده بالنصرة واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك.
دعاؤه (ع) في الاعتذار
من التقصير في حقوق العباد
اللهم إني اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ومن معروف أسدي إلي فلم أشكره ومن مسئ اعتذر إلي فلم أعذره ومن ذي فاقة سألني فلم أوثره ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم استره ومن كل اثم عرض لي فلم جره فصل على محمد وآله واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات وعزمي على ترك ما يعرض لي من السيئات توبة توجب لي محبتك يا محب التوابين آمين رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. من دعائه (ع) في طلب المغفرة لمن ظلمه
اللهم صل على محمد وآله واكسر شهوتي عن كل محرم وازو حرصي عن كل ماثم وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة اللهم وأيما عبد نال مني ما حظرت عليه وانتهك مني ما حجرت عليه فاغفر له ما ألم به مني واجعل ما سمحت به من العفو عنهم وتبرعت به من الصدقة عليهم في أزكى صدقات المتصدقين وأعلى صلات المتقربين وعوضني من عفوي عنهم عفوك حتى يسعد كل واحد منا بفضلك وينجو كل منا بمنك اللهم وأيما عبد من عبيدك أدركه مني درك أو مسه من ناحيتي اذى أو لحقه بي أو بسببي ظلم ففته بحقه أو سبقته بمظلمته فصل على محمد وآله وارضه عني من وجدك واوفه حقه من عندك ثم قني ما يوجب له حكمك وخلصني مما يحكم به عدلك فإن قوتي لا تستقل بنقمتك وان طاقتي لا تنهض بسخطك فإنك إن تكافني بالحق تهلكني وان لا تغمدني برحمتك توبقني.
من دعائه (ع) إذا دخل شهر رمضان
الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من له والحمد لله الذي حبانا بدينه وزيننا بيقينه وسبلنا في سبل احسانه والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام ألفي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات الموفورة والفضائل المشهورة فحرم فيه ما أحل في غيره اعظ أما وحجر فيه المطاعم والمشارب اكراما. ثم فضح ليلة واحدة من لياليه على ليالي ألف شهر وسماها ليلة القدر. اللهم صل على محمد وآله وألهمنا معرفة فضله واجلال حرمته والتحفظ مما حظرت فيه وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك حتى لا نصغي باسماعنا إلى لغو ولا نسرع بابصارنا إلى لهو وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور ولا نخطو باقدامنا إلى محجور وحتى لا تعي بطوننا إلا ما أحللت ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك ثم خلص ذلك كله من رثاء المرائين وسمعة المسمعين لا نشرك فيه أحدا دونك ولا نبتغي فيه مرادا سواك اللهم صل على محمد وآله وقفنا فيه على مواقيت الصلوات الخمس بحدودها التي حددت وفروضها التي فرضت ووظائفها التي وظفت وأوقاتها التي وقت وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها الحافظين لأركانها المؤدين لها في أوقاتها على ما سنه محمد عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله في ركوعها وسجودها وجميع فواصلها على أتم الطهور وأسبغه وأبين الخشوع وأبلغه ووفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبر والصلة وأن نتعاهد جيراننا بالافضال والعطية وأن نخلص أموالنا من الشبهات والتبعات وأن نطهرها باخراج الزكاة وأن نراجع من هاجرنا وأن ننصف من ظلمنا وان نسالم من عادانا حاشا من عودي فيك ولك فإنه العدو الذي لا نواليه والحزب الذي لا نصافيه وان نتقرب إليك فيه من الأعمال الزاكية بما تطهرنا به من الذنوب وتعصمنا فيه مما نستأنف من العيوب حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك إلا دون ما نورد من أبواب الطاعة لك وأنواع القربة إليك.
من دعائه (ع) في وداع شهر رمضان
اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ويا من لا يندم على العطاء ويا من لا يكافئ عبده على السواء منتك ابتداء وعفوك تفضل وعقوبتك عدل إن أعطيت لم تشب عطاءك بمن وان منعت لم يكن منعك تعديا تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك تستر على من لو شئت فضحته وتجود على من لو شئت منعته وكلاهما أهل منك للفضيحة والمنع غير انك بنيت أفعالك على التفضل وأجريت قدرتك على التجاوز وتلقيت من عصاك بالحلم وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم، أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك وسميته التوبة وجعلت على ذلك الباب دليلا من وحيك لئلا يضلوا عنه فقلت تبارك اسمك توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم إن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعي بين أيديهم وبايمإنهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيءقدير فما عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب وإقامة الدليل عليه وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك فقلت تبارك اسمك وتعاليت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وقلت مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وقلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة وما أنزلت من نظائرهن في القرآن من تضاعيف الحسنات اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف وخصائص تلك الفروض شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الأيام والشهور وتخيرته من جميع الأزمنة والدهور وآثرته على كل أوقات السنة بما أنزلت فيه من القرآن والنور وضاعفت فيه من الإيمان وفرضت فيه من الصيام ورغبت فيه من القيام وأجللت فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ثم آثرتنا به على سائر الأمم واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل فصمنا بأمرك نهاره وقمنا بعونك ليله متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك وقد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد وصحبنا صحبة مبرور ثم قد فارقنا عند تمام وقته وانقطاع مدته ووفاء عدده فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا وغمنا وأوحشنا انصرافه عنا ولزمنا له الذمام المحفوظ والحرمة المرعية والحق المقضي فنحن قائلون السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه الأعظم السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيام والساعات السلام عليك من شهر قربت فيه الأمال ونشرت فيه الأعمال وزكيت فيه الأموال السلام عليك من قرين جل قدره موجودا وأفجع فقده مفقودا ومرجو آلم فراقه السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب وقلت فيه الذنوب السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الاحسان السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك وما أسعد من رعى حرمتك بك السلام عليك ما كان أمحاك الذنوب وأسترك لأنواع العيوب السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام السلام عليك غير كريه المصاحبة ولا ذميم الملابسة السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات وغسلت عنا دنس الخطيئات السلام عليك غير مودع برما ولا متروك صيامه أما السلام عليك من مطلوب قبل وقته ومحزون عليه قبل فوته السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا وكم من خير أفيض بك علينا السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك وأشد شوقنا غدا إليك السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه وعلى ماض من بركاتك سلبناه اللهم صل على محمد وآله واجبر مصيبتنا بشهرنا وبارك لنا في يوم عيدنا وفطرنا وأجعله من خير يوم مر علينا أجلبه لعفو وأمحاه لذنب واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن اللهم أنا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمؤمنين عيدا وسرورا ولأهل ملتك مجمعا ومحتشدا من كل ذنب أذنبناه أو سوء أسلفناه أو خاطر شر أضمرناه توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ولا يعود بعدها في خطيئة توبة خصوصا خلصت من الشك والارتياب فتقبلها منا وارض عنا وثبتنا عليها.
من دعائه (ع) في مكارم الأخلاق
اللهم صل على محمد وآل محمد واكفني ما يشغلني الاهتمام به واستعملني بما تسألني غدا عنه واستفرع أيامي فيما خلقتني له وأغنني وأوسع علي في رزقك ولا تفتني بالبطر وأعزني ولا تبتلني بالكبر وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب واجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمن وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر اللهم صل على محمد وآله ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزا ظاهرا إلا أحدثت له ذلة باطنة عند نفسي بقدرها اللهم لا تدع خصلة تعاب مني إلا أصلحتها ولا عائبة أؤنب بها إلا أحسنتها ولا أكرومة في ناقصة إلا أتممتها اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لي يدا على من ظلمني ولسانا على من خاصمني وظفرا بمن عاندني وهب لي مكرا على من كايدني وقدرة على من اضطهدني وسلامة ممن توعدني ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من أرشدني اللهم صل على محمد وآل محمد وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح واجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر وان أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة اللهم صل على محمد وآله وحلني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين في بسط العدل وكظم الغيظ واطفاء النائرة وضم أهل الفرقة واصلاح ذات البين وإفشاء العارفة وستر العائبة ولين العريكة وخفض الجناح وحسن السيرة وسكون الريح وطيب المخالقة والسبق إلى الفضيلة وإيثار التفضل وترك التعيير والافضال على غير المستحق والقول بالحق وان عز واستقلال الخير وان كثر من قولي وفعلي واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي وأكمل ذلك لي بدوام الطاعة ولزوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعملي الرأي المخترع اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني أصول بك عند الضرورة وأسألك عند الحاجة وأتضرع إليك عند المسكنة ولا تفتني بالاستعانة بغيرك إذا اضطررت ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت فاستحق بذلك خذلانك ومنعك واعراضك يا ارحم الراحمين اللهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرا لعظمتك وتفكرا في قدرتك وتدبيرا على عدوك وما أجرى على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سب حاضر وما أشبه ذلك نطقا بالحمد لك وإغراقا في الثناء عليك وذهابا في تمجيدك وشكرا لنعمتك واعترافا بإحسانك وإحصاء لمنتك اللهم صل على محمد وآله ولا أظلمن وأنت مطيق للدفع عني ولا أظلمن وأنت القادر على القبض مني ولا أضلن وقد أمكنتك هدايتي ولا افتقرن ومن عندك وسعي ولا أطغين ومن عندك وجدي اللهم وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى ووفقني للتي هي أزكى واستعملني بما هو أرضى اللهم اسلك بي الطريقة المثلى واجعلني على ملتك أموت وأحيا اللهم صل على محمد وآله ومتعني بالاقتصاد واجعلني من أهل السداد ومن أدلة الرشاد ومن صالحي العباد وارزقني فوز المعاد وسلامة المرصاد اللهم صل على محمد وآله وامنعني من السرف وحصن رزقي من التلف وأصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه اللهم صل على محمد وآله وصن وجهي باليسار ولا تبتذل جاهي بالاقتار فاسترزق أهل رزقك واستعطي شرار خلقك فافتتن بحمد من أعطاني وابتلي بذم من منعني وأنت من دونهم ولي الاعطاء والمنع اللهم صل على محمد وآله وارزقني صحة في عبادة وفراغا في زهادة وعلما في استعمال وورعا في إجمال.
دعاؤه (ع) في الاستعاذة من المكاره
وسئ الأخلاق ومذام الافعال
اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب وغلبة الحسد ضعف الصبر وقلة القناعة وشكاسة الخلق والحاح الشهوة وملكة الحمية متابعة الهوى وسنة الغفلة وتعاطي الكلفة وايثار الباطل على الحق والإصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين والإزراء بالمقلين وسوء الولاية لمن تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا وان نعضد ظالما أو نخذل ملهوفا أو نروم ما ليس لنا بحق أو نقول في العلم بغير علم ونعوذ بك إن ننطوي على غش أحد وان نعجب بأعمالنا ونعوذ بك من سوء السريرة واحتقار الصغيرة وان يستحوذ علينا الشيطان أو ينكبنا الزمان أو يتهضمنا السلطان ونعوذ بك من تناول الاسراف ومن فقدان الكفاف ونعوذ بك من شماتة الأعداء ومن الفقر إلى الأكفاء ومن معيشة في شدة وميتة على غير عدة ونعوذ بك من الحسرة العظمى والمصيبة الكبرى وأشقى الشقاء وسوء المآب وحرمان الثواب وحلول العقاب اللهم صل على محمد وآله وأعذني من كل ذلك برحمتك وجميع المؤمنين والمؤمنات يا أرحم الراحمين.
من دعائه (ع) في طلب التوبة
اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين ويا من لا يجاوزه رجاء الراجين هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب وقادته أزمة الخطايا حتى إذا انفتح له بصر الهدى وتقشعت عنه سحائب العمى فرأى كبير عصيانه كبيرا وجليل مخالفته جليلا فأمك بطمعه يقينا وقصدك بخوفه إخلاصا واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت وأقامت تبعاتها فلزمت لا ينكر يا إلهي عدلك إن عاقبته ولا يستعظم عفوك إن عفوت عنه ورحمته فها أنا ذا قد جئتك مطيعا لأمرك فيما أمرت به من الدعاء متنجزا وعدك فيما وعدت به من الإجابة إذ تقول ادعوني استجب لكم اللهم إني أتوب إليك في مقامي هذا من كبائر ذنوبي وصغائرها وبواطن سيئاتي وظواهرها وسوالف زلاتي وحوادثها توبة من لا يحدث نفسه بمعصية ولا يضمر إن يعود بعدها في خطيئة وقد قلت يا إلهي في محكم كتابك انك تقبل التوبة عن عبادك وتعفو عن السيئات وتحب التوابين فاقبل توبتي كما وعدت واعف عن سيئاتي كما ضمنت وأوجب لي محبتك كما شرطت ولك يا رب شرطي إن لا أعود في مكروهك وضماني إن لا ارجع في مذمومك وعهدي إن جر جميع معاصيك اللهم وانه لا وفاء لي بالتوبة إلا بعصمتك ولا استمساك بي عن الخطايا إلا عن قوتك فقوني بقوة كافية وتولني بعصمة مانعة اللهم وأيما عبد من عبادك تاب إليك وهو في علم الغيب عندك فاسخ لتوبته وعائد في ذنبه وخطيئته فاني أعوذ بك إن أكون كذلك فاجعل توبتي هذه توبة موجبة لمحو ما سلف والسلامة فيما بقي اللهم واني أتوب إليك من كل ما خالف أرادتك أو زال عن محبتك من خطرات قلبي ولحظات عيني وحكايات لساني نوبة تسلم بها من كل جارحة على حيالها من تبعاتك وتأمن مما يخاف المعتدون من اليم سطواتك اللهم إن يكن الندم توبة إليك فانا اندم النادمين وإن يكن الترك لمعصيتك إنابة فانا أول المنيبين وان يكن الاستغفار حطة للذنوب فاني لك من المستغفرين.
منتخبات من غير الصحيفة الكاملة
من دعاء السحر الطويل في شهر رمضان
إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم برضك خرج عن قدرتك بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا أنت لم أدر ما أنت الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وان كنت بطيئا حين يدعوني والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وان كنت بخيلا حين يستقرضني والحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي واخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع فيقضي لي حاجتي والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب لي دعائي والحمد لله الذي ارجوه ولا أرجو غيره ولو رجوت غيره لأخلف رجائي والحمد لله الذي وكلني إليه فاكرمني ولم يكلني إلى الناس فيهينوني والحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني والحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي فربي أحمد شيءعندي وأحق بحمدي أي رب جللني بسترك واعف عن توبيخي بكرم وجهك فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته لا لأنك ون الناظرين إلي واخف المطلعين علي بل لأنك يا رب خير الساترين واحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين يا حليم يا كريم يا حي يا قيوم يا غافر الذنب يا قابل التوب يا عظيم المن يا قديم الإحسان أين سترك الجميل أين عفوك الجليل أين فرجك القريب أين غياثك السريع أين رحمتك الواسعة أين عطاياك الفاضلة أين مواهبك الهنيئة أين صنائعك السنية أين فضلك العظيم أين منك الجسيم أين احسانك القويم أين كرمك يا كريم لسنا نتكل في النجاة من عقابك على أعمالنا بل بفضلك علينا لأنك أهل التقوى وأهل المغفرة تبتدئ بالاحسان نعما وتعفو عن الذنب كرما فما ندري ما نشكر أجميل ما تنشر أم قبيح ما تستر أم عظيم ما أبليت وأوليت أم كثير ما منه نجيت وعافيت وأي جهل يا رب لا يسعه جودك وأي زمان أطول من أناتك فوعزتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت عن بابك ولا كففت عن تملقك لما انتهى إلي من المعرفة بجودك وكرمك يا غفار بنورك تدينا وبفضلك استغنينا وبنعمتك أصبحنا وأمسينا ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللهم منها ونتوب إليك تتحبب إلينا بالنعم ونعارضك بالذنوب خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنا بعمل قبيح فلا يمنعك ذلك من إن تحوطنا بنعمتك وتفضل علينا بآلائك فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك مبدئا ومعيدا سيدي أنا الصغير الذي ربيته وأنا الجاهل الذي علمته وأنا الضال الذي هديته وأنا الوضيع الذي رفعته وأنا الخائف الذي آمنته وأنا الجائع الذي أشبعته وأنا العطشان الذي أرويته وأنا العاري الذي كسوته وأنا الفقير الذي أغنيته وأنا الضعيف الذي قويته وأنا الذليل الذي أعززته وأنا السقيم الذي شفيته وأنا السائل الذي أعطيته وأنا المذنب الذي سترته وأنا الخاطئ الذي أقلته وأنا القليل الذي كثرته وأنا المستضعف الذي نصرته وأنا الطريد الذي آويته أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملأ أنا صاحب الدواهي العظمى أنا الذي على سيده اجترأ أنا الذي عصيت جبار السماء أنا الذي أمهلتني فما ارعويت وسترت علي فما استحييت وعملت بالمعاصي فتعديت وأسقطتني من عينك فما باليت فبحلمك أمهلتني وبسترك سترتني حتى كأنك استحييتني إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا لربوبيتك جاحد ولا بأمرك مستخفف ولا لعقوبتك متعرض ولا بوعيدك متهاون ولكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي وغرني سترك المرخى علي اللهم بذمة الإسلام أتوسل إليك وبحرمة القرآن اعتمد عليك وبحبي النبي الأمي القرشي الهاشمي العربي التهامي المكي المدني أرجو الزلفة لديك فلا توحش استئناس ايماني ولا تجعل ثوابي ثواب من عبد سواك فإن قوما آمنوا بألسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ما أملوا وأنا آمنا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا فأدركنا ما أملنا وثبت رجاءك في صدورنا ولا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب فوعزتك لو انتهرتني ما برحت عن بابك ولا كففت عن تملقك لما ألهم قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك إلى من يذهب العبد إلا إلى مولاه وإلى من يلتجئ المخلوق إلا إلى خالقه إلهي لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك من بين الاشهاد ودللت على فضائحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين الأبرار ما قطعت رجائي منك ولا صرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي أنا لا انسى أياديك عندي وسترك علي في دار الدنيا فمن يكون أسوأ حالا مني إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبري ولم أمهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي وما لي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وقد خفقت عند رأس أجنحة الموت فما لي لا أبكي أبكي لخروج نفسي أبكي لحلول رمسي أبكي لظلمة قبري لضيق لحدي أبكي لسؤال منكر ونكير إياي أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري أنظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي إذ الخلائق في شأن غير شاني لكل أمرء منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها فترة وذلة إلهي ارحمني إذا انقطعت حجتي وكل عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياك لبي إلهي إن عفوت فمن أولى منك بالعفو وان عذبت فمن أعدل منك في الحكم أرحم في هذه الدنيا غربتي وعند الموت كربتي وفي القبر وحدتي وفي اللحد وحشتي وإذا نشرت للحساب بين يديك ذل موقفي وارحمني صريعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي وتفضل علي ممدودا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي وتحنن علي محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي وجد علي منقولا قد نزلت بك وحيدا في حفرتي وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي إلهي أنت الذي تفيض سيبك عللك من لا يسألك وعلى الجاحدين بربوبيتك فكيف سيدي بمن سالك وأيقن إن الخلق لك والأمر إليك إلهي أنت الذي لا يحفيك سائل ولا ينقصك نائل أنت كما تقول وفوق ما نقول اللهم إني أسألك صبرا جميلا وفرجا قريبا وقولا صادقا وأجرا عظيما أسألك يا رب يا من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم اعطني سؤالي في نفسي وأهلي ووالدي وولدي وأهل حزانتي وإخواني فيك وارغد عيشي وأظهر مروءتي وأصلح جميع أحوالي واجعلني ممن أطلت عمره وحسنت عمله وأتممت نعمتك عليه ورضيت عنه وأحييته حياة طيبة في أدوم السرور واسبغ الكرامة وأتم العيش انك تفعل ما تشاء ولا يفعل ما يشاء غيرك ولا تجعل شيئا مما أتقرب به إليك في آناء الليل وأطراف النهار رثاء ولا سمعة ولا شرا ولا بطرا واجعلني لك من الخاشعين اللهم أعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن وقرة العين في الأهل والمال والولد والمقام في نعمك عندي والصحة في الجسم والقوة في البدن والسلامة في الدين إلهي وسيدي وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ولئن طالبتني بجرمي لأطالبنك بكرمك ولئن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار بحبي لك إلهي وسيدي إن كنت لا تغفر إلا لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون وإن كنت لا تكرم إلا أهل الوفاء بك فبمن يستغيث المسيئون إلهي إن أدخلتني النار ففي فلك سرور عدوك وان أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك وأنا والله أعلم إن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك اللهم اعطني بصيرة في دينك وفهما في حكمك وفقها في علمك وورعا يحجزني عن معصيتك وبيض وجهي واجعل رغبتي فيما عندك اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل والهم والجبن والبخل والغفلة والقسوة والذلة والمسكنة والفقر والفاقة وكل بلية والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأعوذ بك من نفس لا تقنع وبطن لا يشبع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع وعمل لا ينفع وصلاة لا ترفع اللهم انك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا إن نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا وأمرتنا إن لا نرد سائلا فلا تردني إلا بقضاء حاجتي وأمرتنا بالاحسان إلى ما ملكت ايماننا ونحن ارقاؤك فأعتق رقابنا من النار.
وفي حلية الأولياء: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك إن تحسن في لوائع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي.
وفي الإرشاد بسنده عن عبد الله بن محمد التميمي قال سمعت شيخا من عبد القيس يقول قال طاوس دخلت الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين (ع) قد دخل فقام يصلي ما شاء الله ثم سجد فقلت رجل صالح من أهل البيت لأستمعن إلى دعائه فسمعته يقول في سجوده: عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك. قال طاوس فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عني.
ما أثر عنه من الشعر
فمنه قوله:
#ونسب إليه ابن شهراشوب في المناقب قوله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 1- ص: 630

زين العابدين اسمه علي بن الحسين

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0

زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أبو الحسن، وقيل: أبو محمد، زين العابدين، روى عن أبيه، وعمه، وابن عباس، وعائشة وأبي هريرة، وجابر، ومسور بن مخرمة، وأم سلمة، وصفية أمي المؤمنين، وسعيد بن المسيب، حضر مصرع والده الشهيد بكربلاء، قدم إلى دمشق، ومسجده بها معروف بالجامع.
ولد سنة ثلاث وثلاثين، توفي سنة أربع وتسعين للهجرة، أمه غزالة سندية، وقيل: سلافة بنت يزدجرد، قال الزمخشري في ’’ربيع الأبرار’’: لما أتى الصحابة بسبي فارس إلى المدينة في خلافة عمر - رضي الله عنه - كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجر - أيضا - فقال له علي: أن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة، قال: كيف الطريق إلى العمل معهن قال: يقومن، ومهما بلغ ثمنهن، قام به من يختارهن، فقومن، وأخذهن علي بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق، وكان ربييه، فأولدها عبد الله ابنه سالما، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد القاسم، فهؤلاء الثلاثة أولاد خالة، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم زين العابدين، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، ففاقوا أهل المدينة، فرغب الناس في السراري، وكان زين العابدين كثير البر بأمه، ولم يكن يأكل معها في صحفة، فقيل له في ذلك؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وكان يقال له: ابن الخيرتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، وخيرته من العجم فارس.
وأخوه علي الأكبر، قتل مع أبيه الحسين، وكان زين العابدين من أحسن أهل بيته طاعة، وأحبهم إلى مروان، وإلى عبد الملك، وكان من دعائه: اللهم، لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
وكان يبجل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت من أهل المدينة، وكان إذا قام إلى الصلاة، أخذته الرعدة، ولا عقب للحسين إلا من زين العابدين.
وهو أحد الأئمة الاثني عشر، وكان من سادات التابعين، وروى له الجماعة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0

زين العابدين علي بن الحسين فمن هذه الطبقة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، زين العابدين، ومنار القانتين، كان عابدا وفيا، جوادا حفيا. وقيل: إن التصوف حفظ الوفاء، وترك الجفاء.

حدثنا سليمان بن أحمد قال: ثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: ثنا العتبي قال: ثنا أبي قال: كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي "

حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن عبد الوهاب قال: ثنا محمد بن إسحاق النيسابوري قال: ثنا محمد بن الصباح قال: ثنا حاتم، يعني ابن إسماعيل، قال: حدثني جعفر، عن أبيه، أن علي بن الحسين قال: يا بني لو اتخذت لي ثوبا للغائط؛ رأيت الذباب يقع على الشيء ثم يقع علي، ثم انتبه فقال: فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه إلا ثوب، فرفضه

حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن الصباح قال: ثنا جرير، عن عمرو بن ثابت قال: كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة

حدثنا أحمد بن جعفر قال: ثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبو معمر [ص:134] قال: ثنا جرير، عن فضيل بن غزوان قال: قال لي علي بن الحسين: «من ضحك ضحكة مج مجة من العلم»

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، ثنا جرير، وثنا أحمد بن علي بن الجارود قال: ثنا أبو سعيد الكندي قال: ثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين قال: «إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر»

حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن عبد الله قال: ثنا أبو بكر بن الأنباري قال: ثنا أحمد بن الصلت قال: ثنا قاسم بن إبراهيم العلوي قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة، وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي، وكان يقول: إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار , وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار

حدثنا محمد بن محمد قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرازي قال: ثنا علي بن رجاء القادسي قال: ثنا عمرو بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي قال: " أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أضرب، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه ودعوت له، فرد علي السلام ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط له فقال: يا أبا حمزة، ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإني اتكأت عليه يوما وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين، مالي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا؛ فهو رزق حاضر يأكل منها البر والفاجر؟ فقلت: ما عليها أحزن؛ لأنه كما تقول، فقال: أعلى الآخرة؛ هو وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر؟ قلت: ما على هذا أحزن؛ لأنه كما تقول، فقال: وما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: ما أتخوف من فتنة ابن الزبير، فقال لي: يا علي، هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثم قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا، ثم غاب عني، فقيل لي: يا علي، هذا

الخضر عليه السلام ناجاك "

حدثت عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عمرو البلوي قال: ثنا يحيى بن زيد بن الحسن قال: حدثني سالم بن فروخ، مولى الجعفريين، عن ابن شهاب الزهري قال: " شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا، ووكل به حفاظا في عدة وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فأذنوا لي، فدخلت عليه وهو في قبة، والأقياد في رجليه، والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري، أتظن أن هذا مما ترى علي وفي عنقي يكربني، أما لو شئت ما كان، فإنه وإن بلغ منك وبأمثالك ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة، قال: فما لبثا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون يطلبونه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا لنراه متبوعا؛ إنه لنازل ونحن حوله لا ننام، نرصده إذ أصبحنا، فما وجدنا بين محمله إلا حديده. قال الزهري: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين، فأخبرته، فقال لي: إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان، فدخل علي فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به. قال: وكان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي قال: ثنا محمد بن تسنيم قال: ثنا الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: «من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس»

حدثنا حبيب بن الحسن قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثنا محمد بن ميمون قال: ثنا سفيان، عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب [ص:136] الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل»

حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو معمر، ثنا جرير، عن شيبة بن نعامة ، قال: كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة، قال جرير في الحديث - أو من قبله - إنه حين مات وجدوا بظهره آثارا مما كان يحمل بالليل الجرب إلى المساكين "

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا جرير، عن عمرو بن ثابت، قال: " لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سوداء بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة "

حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو موسى الأنصاري، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: «كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل»

حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا أبو العباس الثقفي، قال: ثنا محمد بن زكريا، قال: سمعت ابن عائشة، يقول: قال أبي: " سمعت أهل المدينة، يقولون: «ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين»

حدثنا أبو بكر الطلحي قال: أبو حصين الوادعي محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا عاصم بن محمد بن زيد، قال: حدثني واقد بن محمد، عن سعيد بن مرجانة، قال: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فأعتقه "

حدثنا أبو أحمد الغطريفي محمد بن أحمد قال: ثنا أبو خليفة، قال: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، قال: ثنا حماد قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: سمعت علي بن الحسين، واجتمع عليه ناس، فقالوا له ذلك القول، فقال لهم: «أحبونا حب الإسلام لله عز وجل فإنه ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا»

حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، قال: ثنا محمد بن إسحاق السراج، قال: ثنا أبو مصعب قال: إبراهيم بن قدامة وهو ابن محمد بن حاطب عن أبيه،

عن علي بن الحسين، قال: " أتاني نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا، قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبرونني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} اخرجوا فعل الله بكم "

حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا أبو العباس الثقفي، قال: ثنا سعدان بن يزيد، قال: شجاع بن الوليد قال: ثنا خلف بن حوشب، عن علي بن الحسين، قال: «يا معشر أهل العراق، يا معشر أهل الكوفة أحبونا حب الإسلام، ولا ترفعونا فوق حقنا»

حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: ثنا سفيان، قال: قال علي بن الحسين: «ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم»

حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: ثنا محمد بن إشكاب، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا ابن المنهال الطائي، أن علي بن الحسين: كان إذا ناول الصدقة السائل قبله ثم ناوله "

حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: ثنا الحسين بن محمد بن سعيد، قال: ثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا بشر بن بكر، والخصيب بن ناصح، قالا: ثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، قال: سمعت نافع بن جبير، [ص:138] يقول لعلي بن الحسين: " غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه - يعني زيد بن أسلم - فقال: «إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان»

حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا أبو يحيى صاعقة قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هشيم، عن محمد بن عبد الرحمن المديني، قال: كان علي بن الحسين يتخطى حلق قومه حتى يأتي زيد بن أسلم فيجلس عنده، فقال: «إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه»

حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: ثنا عمر بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، قال: ثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين، عن كثرة بكائه، فقال: «لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يذهب من قلبي؟»

حدثنا سليمان بن أحمد قال: ثنا يحيى بن زكريا الغلابي قال: ثنا العتبى قال: حدثني أبي قال: قال علي بن الحسين - وكان من أفضل بني هاشم - لابنه: «يا بني اصبرعلى النوائب ولا تتعرض للحقوق , ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له»

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا الحسن بن المتوكل قال: ثنا أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن سعد، قال: سمع علي بن الحسين: " ناعية في بيته، وعنده جماعة، فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الناعية؟ قال: فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب ونحمده فيما نكره "

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: ثنا محمد بن إسماعيل العسكري العطار، قال: ثنا صهيب بن محمد، قال: ثنا شداد بن علي قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، قال: " إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين [ص:139] أهل الصبر؟ فيقوم ناس من الناس، فيقال: علام صبرتم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله عز وجل، فيقال: صدقتم، ادخلوا الجنة "

حدثنا أحمد بن محمد بن سنان، قال: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن زكريا، قال: أخبرنا ابن عائشة، عن أبيه، قال: " حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه، قال: ونصب لهشام منبر، فقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما
[البحر البسيط]
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... عند الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف ما أنكرت والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... ولا يكلم إلا حين يبتسم "

حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا حفص بن عبد الله الحلواني، قال: ثنا زافر بن سليمان، عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، عن ثابت بن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس فيقال: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: " إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: من أنتم؟ قالوا: أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسي علينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: [ص:140] نحن أهل الصبر، قالوا: ما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله وصبرناها عن معصية الله عز وجل، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، قالوا: وبما جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله عز وجل، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين "

أخبرنا محمد بن أحمد، في كتابه قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا الحجاج بن يوسف قال: ثنا يونس بن محمد، ثنا أبو شهاب، قال: قال الحجاج: أخبرت عن أبي جعفر، أن أباه علي بن الحسين قاسم الله عز وجل ماله مرتين، وقال: «إن الله تعالى يحب المؤمن المذنب التائب»

حدثنا محمد بن أحمد الغطريفي، ثنا محمد بن أحمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا عبد الرحمن بن واقد، ثنا يحيى بن ثعلبة الأنصاري، ثنا أبو حمزة الثمالي، قال: " كنت عند علي بن الحسين فإذا عصافير يطرن حوله يصرخن، فقال: يا أبا حمزة هل تدري ما يقول هؤلاء العصافير؟ فقلت: لا قال: فإنها تقدس ربها عز وجل، وتسأله قوت يومها

حدثت عن أحمد بن موسى بن إسحاق، ثنا أبو يوسف القلوسي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا موسى بن أبي حبيب، عن علي بن الحسين، قال: " التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاه، قيل: ما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى "

وقال علي بن الحسين: «من كتم علما أحدا أو أخذ عليه أجرا رفدا، فلا ينفعه أبدا»

حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن أبي جعفر، قال: " كان في نقش خاتم أبي {القوة لله جميعا} [البقرة: 165] "

أخبرت عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أحمد بن يونس، ثنا مندل بن علي، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين، قال: " لا يقولن [ص:141] أحدكم: اللهم تصدق علي بالجنة، فإنما يتصدق أصحاب الذنوب، ولكن ليقولن: اللهم ارزقني الجنة، اللهم من علي بالجنة "

حدثنا محمد بن عبيد الله الكاتب، ثنا الحسن بن علي بن نصر الطوسي، ثنا محمد بن عبد الكريم، ثنا الهيثم بن عدي، أخبرنا صالح بن حسان، قال: " قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحدا أورع منه "

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عمرو بن محمد الناقد، ثنا سفيان بن عيينة، قال: قال الزهري: «لم أر هاشميا أفضل من علي بن الحسين»

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، ثنا ابن أبي حازم، قال: سمعت أبي حازم، يقول: «ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين»

حدثنا الحسين بن محمد بن كيسان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا علي بن عبد الله، ثنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى، أخبرني أبي، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن عمر بن دينار، قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: علي دين؟ قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهو علي "

أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أحمد البغدادي، في كتابه، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، ثنا عبد الصمد بن محمد، حدثني جعفر بن محمد بن جعفر، ثنا مخلد بن مالك، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: " دخلنا على علي بن الحسين بن علي فقال: يا زهري، فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شيء واجب إلا شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربعة عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب، قال: قلت: فسرهن يا ابن رسول الله، قال: أما الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق - قال تعالى

: {ومن قتل مؤمنا خطأ} الآية، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام، قال الله عز وجل: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89] وصيام حلق الرأس، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} [البقرة: 196] الآية، صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا، وصيام دم المتعة لمن لم يجد الهدي، قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] الآية، وصوم جزاء الصيد، قال الله عز وجل: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] الآية وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة، ثم يقص ذلك الثمن على الحنطة وأما الذي صاحبه بالخيار: فصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأما صوم الإذن: فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، وكذلك العبد والأمة، وأما صوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك نهينا أن نصومه كرمضان - وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، والضيف لا يصوم إلا بإذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم» ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك، وذلك تأديب الله عز وجل وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك، وأما صوم الإباحة: فمن أكل أو شرب ناسيا من غير عمد فقد أبيح له ذلك، وأجزأه عن صومه، وأما صوم المريض وصوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه، فقال بعضهم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر والمرض فعليه القضاء، قال الله عز وجل: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] " أسند علي بن الحسين الكثير وسمع من ابن عباس، وجابر، ومروان، وصفية، وأم سلمة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، أخبرني علي بن الحسين، أن عبد الله بن عباس، حدثه، أخبرني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، قال: بينما هم جلوس ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات الليلة رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإنها لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش، ثم سبحته أهل السماء الذين يلونهم، ثم سبحته أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، ثم يقولون الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيجيبونهم، فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو صحيح، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون، فترمى الشياطين بالنجوم " صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن الأوزاعي، ويونس، ومعقل، وصالح بن كيسان. ورواه عن الزهري، يحيى بن سعيد وزياد بن سعد ومعمر ومحمد بن إسحاق في آخرين

حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا عبيد الله بن محمد العمري، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن أبي بلال، عن محمد بن أبي عتيق، وحدثنا محمد بن أحمد الغطريفي، وأبو عمرو بن حمدان قالا: ثنا الحسن بن سفيان ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن عقيل قالا عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، أن الحسن بن علي، أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أخبره: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: «ألا تصليان؟» قال علي: فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله عز وجل فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:144] حين قلت ذلك له، ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54] " صحيح متفق عليه من حديث الزهري ورواه عن الزهري صالح بن كيسان، ويزيد بن أبي أنيسة، وشعيب بن أبي حمزة، وإسحاق بن راشد في آخرين

حدثنا أبو بحر محمد بن الحسين ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، قال: " أصبت شارفا يوم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا فأنختهما بباب رجل من الأنصار، وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا أستعين به على وليمة فاطمة ومعي رجل من بني قينقاع، وفي البيت حمزة بن عبد المطلب وقينة تغنيه وهي تقول: ألا يا حمز للشرف النواء، فخرج حمزة بالسيف إليهما فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فرأيت منظرا عظيما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي ومعه زيد بن حارثة حتى وقف على حمزة، فتغيظ عليه، فرفع حمزة رأسه، فقال: ألستم عبيد آبائي، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي القهقرى " صحيح متفق عليه من حديث ابن جريج عن الزهري ورواه يونس بن يزيد عن الزهري، فزاد: فطفق يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه

حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا الحسن بن علي بن أبي زياد، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، أن عمرو بن عثمان، أخبره أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر» رواه ابن جريج ومعمر ويونس وسفيان بن عيينة، وهشيم وابن أبي حفصة ومالك بن أنس في جماعة عن الزهري، وقال مالك عن عمرو بن عثمان، عن أسامة، وحدث به قيس بن الربيع عن سفيان بن عيينة

حدثناه سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن القاسم بن مساور، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا قيس بن الربيع، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن [ص:145] زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» كذا حدثنا سليمان بن قيس عن سفيان، وحدثناه محمد بن أحمد بن الحسين، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة مثله

حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عباس الأسفاطي، وعبد الله بن محمد العمري، قالا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وحدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق ، ثنا معمر، قالا: عن ابن شهاب الزهري، عن علي بن الحسين، أن صفية، رضي الله عنها، أخبرته: " أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا تزوره وهو معتكف في المسجد، فحدثته، قالت: ثم قمت، فقام معي - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد - فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» أو قال: «شرا» لفظ معمر، رواه صالح بن كيسان وابن مسافر وعبد الرحمن بن إسحاق وشعيب في آخرين وهو من صحاح حديث الزهري، متفق عليه

حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا محمد بن جعفر الوركاني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أخبرني رجل، من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن عز وجل، فلا يكون لرجل من بني آدم فيه إلا موضع قدميه، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجدا، ثم يؤذن لي فأقول: " يا رب، أخبرني جبريل هذا - وجبريل عن يمين العرش، ووالله ما رآه قط قبلها - إنك أرسلته إلي - وجبريل ساكت لا يتكلم - ثم يؤذن لي في الشفاعة، فأقول: أي رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض، فذلك المقام المحمود " صحيح تفرد بهذه الألفاظ علي بن الحسين لم يروه عنه الزهري، ولا عنه إلا إبراهيم بن سعد، وعلي بن الحسين هو أفضل وأتقى من أن يرويه عن رجل لا يعتمده فينسبه إلى العلم، ويطلق القول به

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 3- ص: 133

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 3- ص: 133