زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقب بزين العابدين: رابع الائمة الاثنى عشر عند الإمامية، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. يقال له: (علي الأصغر) للتمييز بينه وبين أخيه (علي) الأكبر، المتقدمة ترجمته قبل هذه. مولده ووفاته بالمدينة. أحصى بعد موته عدد من كان يقوتهم سرا، فكانوا نحو مئة بيت. قال بعض أهل المدينة: ما فقدنا صدفة السر الا بعد موت زين العابدين. وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معايشهم ومآكلهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلا إلى منازلهم. وليس للحسين (السبط) عقب إلا منه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 277
زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
رابع أئمة أهل البيت الطاهر صلى الله عليه وسلم
مولده ووفاته عمره ومدفنه
ولد في المدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس أو يوم الأحد لتسع أو خمس أو سبع خلون من شعبان أو منتصف جمادى الثانية أو الأولى سنة 38 أو 37 أو 36 من الهجرة، وتوفي بالمدينة يوم السبت في 12 من المحرم أو 18 أو 19 أو 22 أو 25 منه سنة 95 أو 94 من الهجرة وله 55 سنة أو 56 أو 57 أو 58 أو 59 وأشهر وأيام بحسب اختلاف الأقوال والروايات في تاريخ المولد والوفاة عاش منها مع جده أمير المؤمنين (ع) سنتان أو أكثر ومعه عمه الحسن 12 سنة أو 10 سنين ومع أبيه الحسين 23 أو 24 سنة ومع أبيه بعد عمه الحسن 10 سنين وبعد أبيه 34 أو 33 أو 35 سنة وهي مدة إمامته وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الملك ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطلب (ع).
أمه
قيل اسمها شهربانو أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن أبرويز بن آنو شيروان: وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس. وقال المبرد: اسمها سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل خولة، وقال ابن سعد في الطبقات: اسمها غزالة (وقال المفيد): أمه شاة زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويقال إن اسمها كان شهربانويه والظاهر إن اسمها الأصلي كان كما ذكره المفيد، ثم غير كما ذكره المبرد قيل أخذت في خلافة عمر، ورواه القطب الراوندي بسنده عن الباقر (ع) وإنه أراد بيعها فنهاها علي وقال له: ولكن أعرض عليها إن تختار وأحدا من المسلمين فزوجها به واحسب مهرها من عطائه من بيت المال، فاختارت الحسين بن علي، فأمره بحفظها والإحسان إليها فولدت له خير أهل الأرض في زمانه. وقيل: إن أم زين العابدين (ع) ماتت في نفاسها به، فكفلته بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ لا يعرف أما غيرها، ثم علم إنها مولاته، وكان الناس يسمونها أمه، ثم زوجها فقال ناس: زوج أمه حتى إن بعض ملوك بني أمية أرسل إليه يعاتبه في ذلك، ولم تكن أمه إنما كانت حاضنته، ولم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد علي بن الحسين فرغبوا فيهن.
هو الأكبر أم الأصغر؟
المشهور إن أخاه شهيد كربلاء هو الأكبر وقيل أنه الأصغر.
كنيته
أبو محمد وأبو الحسن قيل وأبو بكر وروى ابن سعد في الطبقات عن أبي جعفر انه يكنى أبا الحسين قال وفي غير هذا الحديث أنه كان يكنى أبا محمد.
لقبه
له ألقاب كثيرة أشهرها: زين العابدين، وسيد العابدين، والسجاد، وذو الثفنات.
نقش خاتمه
في الفصول الأربعة المهمة: وما توفيقي إلا بالله. وقال الكفعمي: لكل غم حسبي الله. وفي حلية الأولياء عن الباقر (ع): القوة لله جميعا وفي رواية عن الباقر ع: العزة لله. وعن الصادق (ع) الحمد لله العلي. وعن الكاظم (ع): خزي وشقي قاتل الحسين بن علي. وعن الرضا (ع) إن الله بالغ أمره. ولعله كان له عدة خواتيم بهذه النقوش.
بوابه
أبو خالد الكابلي وأبو جبلة ويحيى بن أم الطويل المطعمي المدفون بواسط الذي قتله الحجاج.
شاعره
الفرزدق وكثير عزة.
ملوك عصره
يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك.
أولاده
تناسل ولد الحسين من زين العابدين (ع) قال المفيد في الإرشاد وابن الصباغ في الفصول المهمة: كان له من الأولاد خمسة عشر ذكرا وأربع بنات وهم: محمد الباقر أمه فاطمة بنت الحسن السبط تكنى أم عبد الله. الحسن. الحسين الأكبر لم يعقبا أمهم أم ولد. زيد. عمر. أمهما أم ولد. الحسين الأصغر. عبيد الله. سليمان لم يعقب. علي. وهو أصغر ولده خديجة أمهما أم ولد. محمد الأصغر أمه أم ولد. فاطمة. علية. أم كلثوم أمهن أم ولد. وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد عد له عشرة ذكور وسبع بنات فقال: ولد علي الأصغر ابن حسين بن علي: الحسن بن علي درج. والحسين الأكبر درج. والحسين الأكبر درج. ومحمد أبا جعفر الفقيه. وعبد الله وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمر. وزيدا المقتول بالكوفة. وعلي بن علي. وخديجة وأمهم أم ولد. وحسينا الأصغر ابن علي. وأم علي بنت علي وهي علية وأمهما أم ولد. وكلثم بنت علي. وسليمان لا عقب له ومليكة لأمهات أولاد. والقاسم. وأم الحسن وهي حسنة. وأم الحسين. وفاعمة لأمهات أولاد. وفي كشف الغمة: قيل كان له تسعة أولاد ذكور ولم يكن له أنثى وقال ابن الخشاب النحوي في مواليد أهل البيت أنه ولد له ثمانية بنين ولم يكن له أنثى، وهم: محمد الباقر، وزيد الشهيد بالكوفة، وعبد الله، وعبيد الله، والحسن، والحسين، وعلي، وعمر. وقال ابن شهراشوب في المناقب: أبناؤه ثلاثة عشر من أمهات الأولاد إلا اثنين، محمد الباقر، وعبد الله الباهر أمهما أم عبد الله بنت الحسن بن علي وأبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم ومحمد الأصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم والحسن والحسين وعبيد الله توأم ومحمد الأصغر فرد وعلي وهو أصغر ولده وخديجة فرد ويقال لم تكن له بنت ويقال ولدت له فاطمة وعلية وأم كلثوم. وفي عمدة الطالب: أعقب منهم محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر وعلي الأصغر.
صفته في حليته ولباسه
في طبقات ابن سعد الكبير قال أخبرنا الفضل بن دكن حدثنا نضر بن أوس الطائي قال دخلت على علي بن الحسين وعليه سحق ملحفة حمراء وله جمة إلى المنكب مفروق (وبسنده) إن علي بن حسين كان يصبغ بالسواد (وبسنده) عن موسى بن أبي حبيب الطائفي قال رأيت علي بن حسين يخضب بالحناء والكتم ورأيت نعلي علي بن الحسين مدورة الرأس ليس لها لسان أقول الحناء إذا صبغ معها بالكتم كان اللون أسود فلا ينافي ما مر من أنه كان يصبغ بالسواد. (وبسنده) كان لعلي بن حسين كساء خز أصفر يلبسه يوم الجمعة. (وبسنده) رأيت على علي بن حسين كساء خز وجبة خز. (وبسنده) عن أبي جعفر قال ديت لعلي بن حسين مستقة من العراق فكان يلبسها فإذا أراد إن يصلي نزعها (أقول) المستقة بضم الميم وسكون السين وضم التاء أو فتحها فروة طويلة الكمين فارسي معرب (وبسنده) عن أبي جعفر قال كان لعلي بن حسين سبنجونة من ثعالب فكان يلبسها فإذا صلى نزعها (أقول) في القاموس وتاج العروس (السبنجونة) بفتح السين والموحدة وسكون النون ضم الجيم في التهذيب: روي إن الحسن بن علي كانت له سبنجونة من جلود الثعالب كان إذا صلى لم يلبسها قال شمر سالت محمد بن بشار عنها فقال: (فروة من الثعالب معرب آسمان كون) أي لون السماء وسألت أبا حاتم فقال كان يذهب إلى لون الخضرة آسمان جون ونزعها في الصلاة لعدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه في مذهب أهل البيت وكون الثعالب منه (وبسنده) إن علي بن الحسين كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه ويصيف في ثوبين من ثياب مصر أشمونيين بدينار ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول: من حرم زينة الله التي اخرج لعباده ويعتم وينبذ له في السعن في العيدين بغير عكر وكان يدهن أو يتطيب بعد الغسل إذا أراد إن يحرموالسعن بالضم قربه صغيرة تقطع من نصفها وينبذ فيها والعكر الدردي وهو ما خثر ورسب. قال أخبرنا محمد بن ربيعة حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند قال رأيت على علي بن الحسين قلنسوة بيضاء لاطئة. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وعبد الله بن مسلمة وإسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس قالوا حدثنا عن محمد بن هلال قال رأيت علي بن الحسين بن علي يعتم بعمامة ويرخي عمامته خلف ظهره. قال ابن أبي أويس في حديثه شبرا أو فويقة فيما توخيت عمامة بيضاء.
صفته في أخلاقه وأطواره
نقتبسها من مجموع الروايات الآتية والماضية في مناقبه وغيرها وإن لزم بعض التكرير.
كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأورعهم وأعبدهم وأكرمهم وأحلمهم وأصبرهم وأفضحهم، وأحسنهم أخلاقا، وأكثرهم صدقة، وأرأفهم بالفقراء، وأنصحهم للمسلمين، وكان معظما مهيبا عند القريب والبعيد والولي والعدو، حتى إن يزيد بن معاوية لما أمر إن يبايعه أهل المدينة بعد وقعة الحرة على إنهم عبيد رق له لم يستثن من ذلك إلا علي بن الحسين، فأمر إن يبايعه على أنه أخوه وابن عمه. وكان يشبه جده أمير المؤمنين (ع) في لباسه وفقهه وعبادته، وكان يحسن إلى من يسئ إليه. كان هشام بن إسماعيل أمير المدينة يسئ إليه ويؤذيه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد إن يوقف للناس فمر به وسلم عليه وأمر خاصته إن لا يعرض له أحد، وكان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه ويعطيه الدنانير ليلا وهو متستر فيقول لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع ويصبر فلما مات انقطع عنه فعلم أنه هو الذي كان يصله، ولما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة، أراد مروان بن الحكم إن يستودع له فلم يقبل أحد إن يكونوا عنده إلا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى إن تفرق جيش مسرف بن عقبة، وكان يعول أهل بيوت كثيرة في المدينة لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتى مات، وكان يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت فاسأل الله إن يغفر لي وإن لم أكن كما قلت فاسأل الله إن يغفر لك، وحج على ناقته عشرين حجة لم يضربها بسوط، وكان لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتى إذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وقررهم بذنوبهم وطلب منهم إن يستغفروا له الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم ويجزيهم بجوائز وما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أول السنة أو وسطها أعتقهم ليلة الفطر واستبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج فإذا أفاض أعتقهم وأجازهم. وهو الذي علم الزهري كيف ينجو من الدم الذي أصابه وخلصه من ورطة الوقوع في القنوط. وكان لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم إن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجونه ويقول أكره إن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله. وفي كشف الغمة: كان لا يحب إن يعينه على طهوره أحد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره أي يغطيه قبل إن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر، وكان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، وكان يقول لبنيه يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير إن يدوم عليها وكان إذا أتاه السائل قال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وكان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده وعليه السكينة والوقاروقال الصادق (ع) كان إذا مشى كان الطير على رأسه لا يسبق يمينه شماله.
وكان عشية عرفة وغدوة جمع إذا دفع يسير على هنيهة وكان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر وكان يمشي إلى الجمار.
وقال ابن حجر في صواعقه: زين العابدين هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة أصفر لونه فقيل له في ذلك فقال: لا تدرون بين يدي من اقف، وكان عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى أنه سبه رجل فتغافل عنه فقال له إياك أعني فقال وعنك أعرض أشار إلى آية {خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين}.
وفي الخصال بسنده عن الباقر (ع): كان علي بن الحسين (ع) يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه فلما توفي فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين، ولقد خرج ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه، ولقد نظر (ع) يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس فقال ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم أنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى إن يكون سعيدا، وكان يأبى إن يواكل أمه فقيل له يا ابن رسول الله أنت أبر الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تواكل أمك؟ فقال: إني أكره إن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وقال له رجل يا ابن رسول الله إني لأحبك في الله حبا شديدا فقال اللهم إني أعوذ بك إن أحب فيك وأنت لي مبغض، وسئلت عنه مولاة له فقالت أطنب أو اختصر فقيل لها اختصري فقالت ما أتيته بطعام نهارا قط وما فرشت له فراشا بليل قط. وانتهى ذات يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال إن كنتم صادقين فغفر الله لي وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم. وكان إذا جاء طالب علم قال مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الأرض إلا سجت له، ولقد كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه إن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمني والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاما حتى يهدأ فيتصدق بمثله، ولقد بكى على أبيه الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله أما إن لحزنك إن ينقضي فقال له ويحك إن يعقوب النبي (ع) كان له إثنا عشر ابنا فغيب الله وأحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني.
وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن الصادق (ع) قال: كان علي بن لحسين يقول ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ أعقبها صبرا وما أجب إن لي بذلك حمر النعم وكان يقول الصدقة تطفئ غضب الرب وكان لا يسبق يمينه شماله وكان يقبل الصدقة قبل إن يعطيها السائل قيل له ما يحملك على هذا فقال لست أقبل يد السائل إنما أقبل يد ربي إنها تقع في يد ربي قبل إن تقع في يد السائل، ولقد كان يمر على المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابته حتى ينحيها بيده عن الطريق، ولقد مر بمجذومين فسلم عليهم وهم يأكلون فمضى ثم قال إن الله لا يحب المتكبرين فرجع إليهم فقال إني صائم وقال اتتوني بهم في المنزل فاتوه بهم فاطعمهم ثم أعطاهم. وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته وإذا انقضى الصيف تصدق بكسوته وفي رواية إنه كان يتصدق بها نفسها فقيل له إنك تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها فلو بعتها فتصدقت بثمنها فقال إني أكره إن أبيع ثوبا صليت فيه.
مناقبه وفضائله
في طبقات ابن سعد: قالوا كان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عليا رفيعا ورعا. وفي مرآة الجنان: مناقبه ومحاسنه كثيرة شهيرة، وحكى المبرد في الكامل إن رجلا من قريش قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب فقال لي يوما من أخوالك فقلت أمي فتاة وكأني نقصت من عينه إلى إن قال فأمهلت شيئا حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) فسلم عليه ثم نهض فقلت يا عم من هذا؟ قال: هذا الذي لا يسع مسلما إن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قلت من أمه؟ قال فتاة قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما علمت إني لام ولد. وعن محاضرات الراغب وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز: أنه قال عمر بن عبد العزيز يوما وقد قام من عنده علي بن الحسين (ع) من أشرف الناس؟ فقالوا أنتم، فقال كلا فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس إن يكونوا منه ولم يحب إن يكون من أحد. وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عيينة قلت للزهري لقيت علي بن الحسين قال نعم لقيته وما لقيت أحدا أفضل منه والله ما علمت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية فقيل له وكيف ذلك قال لأني لم أر أحدا وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده ولا رأيت أحدا وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته له يداريه.
ونذكر من مناقبه أمورا حسبما يتسع لنا المجال:
(أحدها العلم) قد عرفت قول المفيد أنه قد روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء. قال ولو قصدنا شرح ذلك لطال به الكتاب وتقضى به الزمانوفي مناقب ابن شهراشوب قلما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه قال علي بن الحسين أو قال زين العابدين. وروى المفيد في الإرشاد بسنده عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين (ع) تأمرني إن أجلس إلى خالي علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن الزهري دخلنا على علي بن الحسين ابن علي فقال يا زهري فيم كنتم. قلت: تذاكرنا فاجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شيءواجب إلا شهر رمضان فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب. قال قلت: فسرهن يا ابن رسول الله. قال: أما الواجب فصوم شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين يعني في قتل الخطا لمن لم يجد العتق قال تعالى {ومن قتل غنيا خطأ} وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين، لمن لم يجد إلا طعام قال الله عز وجل {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وصيام حلق الرأس قال الله تعالى {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} الآية صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا وصوم دم المتعة، لمن لم يجد الهدي. قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} الآية، وصوم جزاء الصيد. قال الله عز وجل {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} الآية، وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة، وأما الذي صاحبه بالخيار، فصوم يوم الاثنين والخميس، وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، ويوم عرقه، ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأما صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وكذلك العبد والأمة وأما صوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وأيام التشويق، ويوم الشك نهينا إن نصومه كرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم" ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا، وليس بفرض وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالامساك، وذلك تأديب من الله عز وجل، وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا اكل من أول النهار ثم قدم أمر بالامساك. وأما صوم الإباحة، فمن اكل وشرب ناسيا من غير عمد، فقد أبيح له ذلك وأجزأه عن صومه، وأما صوم المريض، وصوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه. فقال بعضهم يصوم، وقال قوم لا يصوم وقال قوم إن شاء صام، وإن شاء فطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر والمرض، فعليه القضاء، قال الله عز وجل {فعدة من أيام أخر}.
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده إن الزهري أصاب دما خطا فخرج وترك له وضرب فسطاطا وقال لا يظلني سقف بيت فمر به علي بن حسين فقال يا ابن شهاب قنوطك أشد من ذنبك فاتق الله واستغفره وابعث إلى له بالدية وارجع إلى لك فكان الزهري يقول علي بن حسين أعظم الناس علي منة.
ثانيهما: الحلم والصفح ومقابلة الإساءة بالاحسان روى الكليني في الكافي بسنده عن علي بن الحسين (ع) في حديث أنه قال ما تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافئ بها صاحبها. وفي الإرشاد أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثني محمد بن جعفر وغيره قالوا وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب إن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه قال فقالوا له نفعل ولقد كنا نحب إن نقول له ونقول قال فاخذ نعليه ومشى وهو يقول والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فعلمنا أنه لا يقول شيئا قال فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين (ع) يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا وقلت وقلت فإن كنت قد قلت ما في فانا استغفر الله منه وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قال فقبل الرجل بين عينيه وقال بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به. أخبرني الحسن بن محمد عن جده قال حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع وتسعون سنة قال (أخبرني) به رجل يقال له عبد الله بن محمد قال سمعت عبد الرزاق يقول: جعلت جارية لعلي بن الحسين (ع) تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن الله يقول والكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل. وأخرجه البيهقي عن علي بن الحسين مثله. وفي مناقب ابن شهراشوب كسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها فقال لها اذهبي فأنت حرة لوجه الله. وفي كشف الغمة كان عنده قوم أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام وقد تحيز الغلام واضطرب أنت حر فإنك لم تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه. وكان له مولى يتولى عمارة ضيعة له فجاء فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا فغاظه ما رأى من ذلك وغمه فقرع المولى بسوط كان في يده وندم على ذلك فلما انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى فجاء فوجده عاريا والسوط بين يديه فظن أنه يريد عقوبته فاشتد خوفه فقال له علي بن الحسين قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله وكانت هفوة وزلة فدونك السوط واقتص مني فقال يا مولاي والله إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي وأنا مستحق للعقوبة فكيف أقتص منك قال ويحك اقتص قال معاذ الله أنت في حل وسعة فكرر ذلك عليه مرارا والمولى يتعاظم قوله ويجلله فلما لم يره يقتص قال له أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك.
(وروى) الواقدي قال حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي (ع) قال كان هشام بن إسماعيل يسئ جوارنا ولقي منه علي بن الحسين (ع) أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد إن يوقف للناس فقال ما أخاف إلا من علي بن الحسين فمر به علي بن الحسين وقد أوقف عند دار مروان فسلم عليه وكان علي بن الحسين قد تقدم إلى خاصته إن لا يعرض له أحد بكلمة فلما مر ناداه هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه إن زين العابدين (ع) أنفذ إليه وقال أنظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا فنادى هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبد الله بن علي بن الحسين قال لما عزل هشام بن إسماعيل نهانا أبي إن ننال منه ما يكره فإذا أبي قد جمعنا فقال إن هذا الرجل قد عزل وقد أمر بوقفه للناس فلا يتعرض له أحد منكم فقلت يا أبت ولم والله إن أثره عندنا لسيء وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم قال يا بني نكله إلى الله. فوالله ما عرض له أحد من آل الحسين بحرف حتى تصرم أمره.
وفي مرآة الجنان: روي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين العابدين إن كنت كما قلت فاستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك فقام إليه الرجل وقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر لي قال غفر الله لك فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته. وفي البحار: شتم بعضهم زين العابدين صلى الله عليه وسلم فقصده غلمانه فقال دعوه فإن ما خفي عليه منا أكثر مما قال ثم قال له ألك حاجة يا رجل فخجل الرجل فأعطاه ثوبه وأمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول أشهد أنك ابن رسول الله. قال وشتمه آخر فقال يا فتى إن بين أيدينا عقبة كؤودا فإن جزت منها فلا أبالي بما تقول وأن أتحير فأنا شر مما تقول.
وفي المناقب: روي إن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه فلما أجابه في الثالثة قال له يا بني أما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني. وفي حياة الحيوان: كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أتصدق اليوم وأهب عرضي لمن يغتابنيوكفى في حلمه إنه لما قال الشيخ الشامي: الحمد لله الذي لككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم لم يجابهه زين العابدين بسب ولا شتم بل أجابه بلين الكلام وقال هل قرأت القرآن وذكر الآيات الدالة على فضل أهل البيت فتاب ورجع بفضل حلم زين العابدين (ع) وحكمته كما مر في السيرة الحسينية.
ثالثها: الشجاعة وقوة القلب وثبات الجنان وجرأة النفس وأقوى دليل على ذلك قوله للطاغية عبيد الله بن زياد لما أمر به إلى القتل: أبالقتل تهددني أما علمت إن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. وإنه لم يكلم أحدا ممن كان معه في الطريق من الكوفة إلى الشام بكلمة حتى بلغوا الشام وقال محفر بن ثعلبة ما قال فأجابه ما ولدت أم محفر أشر وألأم، وقوله ليزيد وهو في سلطنته وملكه وتسلطه يا ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر واحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار وقوله ويلك يا يزيد إنك لو تدري ما ذا صنعت وما الذي ارتكبت إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد فابشر بالخزي والندامة.
رابعها: الكرم: في كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر للآبي قال ابن الإعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين (ع) إلى نفسه أربع مائة منافية أي من بني عبد مناف وبعولهن إلى إن تفرق جيش مسرف بن عقبة قال وقد حكى عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز. وعن الزمخشري في ربيع الأبرار أنه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة واستباحتها كفل زين العابدين (ع) أربعمائة امرأة مع أولادهن وحشمهن وضمهن إلى عياله وقام بنفقتهن وإطعامهن إلى إن خرج جيش ابن عقبة من المدينة فأقسمت واحدة منهن إنها ما رأت في دار أبيها وأمها من الراحة والعيش الهني ما رأته في دار علي بن الحسينوفي تذكرة الخواص قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين عن الحميدي عن سفيان الثوري قال أراد علي بن الحسين (ع) الخروج إلى الحج والعمرة فاتخذت له أخته سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم وأرسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.
خامسها: كثرة صدقاته (ع) لا سيما في السر روي أنه كان لا يأكل الطعام حتى يبدأ فيتصدق بمثله، وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل. (وبسنده) عن شيبة بن نعامة: لما مات علي بن الحسين وجدوه يقوت مائة أهل البيت بالمدينة. وروى أحمد بن حنبل والصدوق في الخصال عن الباقر (ع) إن علي بن الحسين كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة في كل بيت جماعة.
(وفي الحلية) بسنده عن محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل وفي الحلية بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عينية قال رأى الزهري علي بن الحسين (ع) في ليلة باردة مطرة وعلى ظهره دقيق وهو يمشي فقال يا ابن رسول الله ما هذا قال أريد سفرا أعد له زادا أحمله إلى موضع حريز قال فهذا غلامي يحمله عنك فأبى قال أنا أحمله عنك فإني أرفعك عن حمله قال علي لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني فلما كان بعد أيام قال له يا ابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا قال بلى يا زهري ليس هو كما ظننت ولكنه الموت وله أستعد إنما الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى في الخير وكان ذلك الدقيق قد حمله ليتصدق به ويعده زادا لسفر الآخرة. وفي البحار: إنه كان إذا جنه الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى عن قوت له وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قي أما على أبوابهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به وقالوا جاء صاحب الجراب. وعن كتاب سوق العروس عن أبي عبد الله الدامغاني كان علي بن الحسين يتصدق بالسكر واللوز فسئل عن ذلك فقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان يحبه.
وروى أبو نعيم في الحلية وابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي جعفر إن أباه علي بن الحسين قاسم الله عز وجل ماله مرتين، وقال إن الله تعالى يحب المؤمن المذنب التائب (التواب خ ل).
سادسها: إعتاقه العبيد في سبيل الله روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن سعيد بن مرجانة: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فاعتقه.
وروى ابن طاوس في كتاب شهر رمضان المعروف بالإقبال بسنده عن الصادق (ع) كان علي بن الحسين (ع) إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال يا فلان فعلت كذا وكذا ولم أؤدبك أتذكر ذلك؟ فيقول بلى يا ابن رسول الله. حتى يأتي على آخرهم ويقررهم جميعا ثم يقوم وسطهم ويقول ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وتجد كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح فإنه يقول وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون إن يغفر الله لكم، وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقنهم وينادون معه وهو واقف بينهم يبكي ويقول ربنا إنك أمرتنا إن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، إلهي كرمت فاكرمني إذ كنت من سؤالك وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم ثم يقبل عليهم فيقول قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان مني إليكم من سوء ملكة فاني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل، فيقولون قد عفونا عنك يا سيدنا وما أسأت فيقول لهم قولوا اللهم أعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا واعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق فيقولون ذلك فيقول اللهم آمين رب العالمين اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلى أقل أو أكثر، وكان يقول إن الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف عتيق من النار كلا قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثلما أعتق في جميعه وإني لأحب إن يراني الله وقد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء إن يعتق رقبتي من النار، وما استخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة إذا كانت ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال.
سابعها: الفصاحة والبلاغة وفي خطبه بالكوفة والشام والمدينة وغيرها المتقدمة في واقعة كربلاء أوضح دلالة وحسبك في ذلك بالصحيفة الكاملة وما فيها من بديع المعاني وفصيح الألفاظ وبليغ التراكيب وجميل المحاورات ولطيف العبارات التي يعجز الفصحاء والبلغاء عن أمثالها وهي المعروفة بإنجيل آل محمد وتمام الكلام عليها عند ذكر مؤلفاته.
ثامنها: الورع فقد كان أورع أهل زمانه روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن صالح بن حسان قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال لا، قال: ما رأيت أورع منه. وفي مرآة الجنان: روي عن جماعة من السلف إنهم قالوا ما رأينا أورع من علي بن الحسين منهم سعيد بن المسيب.
تاسعها: كثرة بره بأمه في مرآة الجنان: روي إن زين العابدين كان كثير البر بأمه فقيل له أنا نراك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل معها في صحفة فقال أخاف إن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها.
عاشرها: الرفق بالحيوان روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمر بن ثابت: كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة. وروى المفيد في الإرشاد بسنده انه حج مرة فالتاثت عليه الناقة في سيرها (أي أبطأت) فأشار إليها بالقضيب ثم قال لولا القصاص ورد يده عنها وفي رواية إنه رفع القضيب وأشار إليها وقال لولا خوف القصاص لفعلت. (وروي) أنه (ع) حج على ناقة عشرين حجة فما قرعها بسوط.
حادي عشرها: الهيبة والعظمة في صدور الناس قال عبد الملك بن مروان لما دخل عليه: والله لقد امتلأ ثوبي أو قلبي منه خيفة. وقال مسرف بن عقبة لقد ملئ قلبي منه رعبا. وروى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: حج هشام بن عبد الملك قبل إن يلي الخلافة، فأجتهد إن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه. قال: ونصب لهشام منبر فقعد عليه فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه فقال الفرزدق: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين:
هذا ابن خير عباد الله كلهم | هذا التقي النقي الطاهر العلم |
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته | والبيت يعرفه والحل والحرم |
يكاد يمسكه عرفان راحته | ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
إذا رأته قريش قال قائلها | إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
إن عد أهل التقي كان أئمتهم | أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله | بجده أنبياء الله قد ختموا |
وليس قولك من هذا بضائره | العرب تعرف ما أنكرت والعجم |
يغضي حياء ويغضى من مهابته | فلا يكلم إلا حين يبتسم |
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته | والبيت يعرفه والحل والحرم |
هذا ابن خير عباد الله كلهم | هذا التقي النقي الطاهر العلم |
يكاد يمسكه عرفان راحته | ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
يغضي حياء ويغضى من مهابته | فما كلم إلا حين يبتسم |
أي الخلائق ليست في رقابهم | لأولية هذا أو له نعم |
من يعرف الله يعرف أولية ذا | فالدين من بيت هذا ناله الأمم |
إذا رأته قريش قال قائلها | إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته | والبيت يعرفه والحل والحرم |
هذا ابن خير عباد الله كلهم | هذا التقي النقي الطاهر العلم |
يكاد يمسكه عرفان راحته | ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم |
إذا رأته قريش قال قائلها | إلى مكارم هذا ينتهي الكرم |
إن عد أهل التقى كانوا ذوي عدد | أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله | بجده أنبياء الله قد ختموا |
وليس قولك من هذا بضائره | العرب تعرف من أنكرت والعجم |
يغضي حياء ويغضي من مهابته | فما يكلم إلا حين يبتسم |
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت | عنها الأكف وعن إدراكها القدم |
من جده دان فضل الأنبياء له | وفضل أمته دانت له الأمم |
ينشق نور الهدى عن صبح غرته | كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم |
مشتقة من رسول الله نبعته | طابت عناصره والخيم والشيم |
الله شرفه قدما وفضله | جرى بذاك له في لوحة القلم |
كلتا يديه غياث عم نفعهما | يستوكفان ولا يعروهما العدم |
سهل الخليقة لا تخشى بوادره | يزينه اثنان حسن الخلق والكرم |
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا | رحب الفناء أريب حين يعتزم |
ما قال لا قط إلا في تشهده | لولا التشهد كانت لاؤه نعم |
عم البرية بالإحسان فانقشعت | عنه الغيابة لا هلق ولا كهم |
من معشر حبهم دين وبغضهم | كفر وقربهم ملجأ ومعتصم |
لا يستطيع جواد بعد غايتهم | ولا يدانيهم قوم وإن كرموا |
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت | والأسد أسد الشري والرأي محتدم |
لا ينقص العسر بسطا من أكفهم | سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا |
يستدفع السوء والبلوى بحبهم | ويسترب به الإحسان والنعم |
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم | في كل بدء ومختوم به الكلم |
يأبى لهم إن يحل الذم ساحتهم | خيم كريم وأيد بالندى هضم |
أي الخلائق ليس في رقابهم | لأولية هذا أو له نعم |
من يعرف الله يعرف أولية ذا | الدين من بيت هذا ناله الأمم |
أيحسبني بين المدينة والتي | إليها قلوب الناس يهوى منيبها |
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد | وعينا له حولاء باد عيوبها |
ملكنا فكان العفو منا سجية | فلما ملكتم سال بالدم أبطح |
وحسبكم هذا التفاوت بيننا | وكل إناء بالذي فيه ينضج |
يا حبذا بردك في اليدين | ولونك الأحمر في الخدين |
كأنما حف بوردتين | شفيت نفسي من دم الحسين |
نحن بنو المصطفى ذوو غصص | يجرعها في الأنام كاظمنا |
عظيمة في الأنام محنتنا | أولنا مبتلى وآخرنا |
يفرح هذا الورى بعيدهم | ونحن أعيادنا مأتمنا |
والناس في الأمن والسرور وما | يأمن طول الزمان خائفنا |
وما خصصنا به من الشرف الطائل | بين الأنام آفتنا |
يحكم فينا والحكم فيه لنا | جاحدنا حقنا وغاصبنا |
لكم ما تدعون بغير حق | إذا ميز الصحاح من المراض |
عرفتم حقنا فجحدتمونا | كما عرف السواد من البياض |
كتاب الله شاهدنا عليكم | وقاضينا الاله فنعم قاض |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 1- ص: 630
زين العابدين اسمه علي بن الحسين
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أبو الحسن، وقيل: أبو محمد، زين العابدين، روى عن أبيه، وعمه، وابن عباس، وعائشة وأبي هريرة، وجابر، ومسور بن مخرمة، وأم سلمة، وصفية أمي المؤمنين، وسعيد بن المسيب، حضر مصرع والده الشهيد بكربلاء، قدم إلى دمشق، ومسجده بها معروف بالجامع.
ولد سنة ثلاث وثلاثين، توفي سنة أربع وتسعين للهجرة، أمه غزالة سندية، وقيل: سلافة بنت يزدجرد، قال الزمخشري في ’’ربيع الأبرار’’: لما أتى الصحابة بسبي فارس إلى المدينة في خلافة عمر - رضي الله عنه - كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجر - أيضا - فقال له علي: أن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة، قال: كيف الطريق إلى العمل معهن قال: يقومن، ومهما بلغ ثمنهن، قام به من يختارهن، فقومن، وأخذهن علي بن أبي طالب، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، وأخرى لولده الحسين، وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق، وكان ربييه، فأولدها عبد الله ابنه سالما، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمد القاسم، فهؤلاء الثلاثة أولاد خالة، وكان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم زين العابدين، وسالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، ففاقوا أهل المدينة، فرغب الناس في السراري، وكان زين العابدين كثير البر بأمه، ولم يكن يأكل معها في صحفة، فقيل له في ذلك؟ فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وكان يقال له: ابن الخيرتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، وخيرته من العجم فارس.
وأخوه علي الأكبر، قتل مع أبيه الحسين، وكان زين العابدين من أحسن أهل بيته طاعة، وأحبهم إلى مروان، وإلى عبد الملك، وكان من دعائه: اللهم، لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
وكان يبجل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت من أهل المدينة، وكان إذا قام إلى الصلاة، أخذته الرعدة، ولا عقب للحسين إلا من زين العابدين.
وهو أحد الأئمة الاثني عشر، وكان من سادات التابعين، وروى له الجماعة.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
زين العابدين علي بن الحسين فمن هذه الطبقة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، زين العابدين، ومنار القانتين، كان عابدا وفيا، جوادا حفيا. وقيل: إن التصوف حفظ الوفاء، وترك الجفاء.
حدثنا سليمان بن أحمد قال: ثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: ثنا العتبي قال: ثنا أبي قال: كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي "
حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن عبد الوهاب قال: ثنا محمد بن إسحاق النيسابوري قال: ثنا محمد بن الصباح قال: ثنا حاتم، يعني ابن إسماعيل، قال: حدثني جعفر، عن أبيه، أن علي بن الحسين قال: يا بني لو اتخذت لي ثوبا للغائط؛ رأيت الذباب يقع على الشيء ثم يقع علي، ثم انتبه فقال: فما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه إلا ثوب، فرفضه
حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا محمد بن الصباح قال: ثنا جرير، عن عمرو بن ثابت قال: كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة
حدثنا أحمد بن جعفر قال: ثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبو معمر [ص:134] قال: ثنا جرير، عن فضيل بن غزوان قال: قال لي علي بن الحسين: «من ضحك ضحكة مج مجة من العلم»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، ثنا جرير، وثنا أحمد بن علي بن الجارود قال: ثنا أبو سعيد الكندي قال: ثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين قال: «إن الجسد إذا لم يمرض أشر، ولا خير في جسد يأشر»
حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن عبد الله قال: ثنا أبو بكر بن الأنباري قال: ثنا أحمد بن الصلت قال: ثنا قاسم بن إبراهيم العلوي قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة، وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي، وكان يقول: إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار , وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار
حدثنا محمد بن محمد قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرازي قال: ثنا علي بن رجاء القادسي قال: ثنا عمرو بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي قال: " أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أضرب، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه ودعوت له، فرد علي السلام ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط له فقال: يا أبا حمزة، ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإني اتكأت عليه يوما وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين، مالي أراك كئيبا حزينا؟ أعلى الدنيا؛ فهو رزق حاضر يأكل منها البر والفاجر؟ فقلت: ما عليها أحزن؛ لأنه كما تقول، فقال: أعلى الآخرة؛ هو وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر؟ قلت: ما على هذا أحزن؛ لأنه كما تقول، فقال: وما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: ما أتخوف من فتنة ابن الزبير، فقال لي: يا علي، هل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، ثم قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا، ثم غاب عني، فقيل لي: يا علي، هذا
الخضر عليه السلام ناجاك "
حدثت عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عمرو البلوي قال: ثنا يحيى بن زيد بن الحسن قال: حدثني سالم بن فروخ، مولى الجعفريين، عن ابن شهاب الزهري قال: " شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا، ووكل به حفاظا في عدة وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فأذنوا لي، فدخلت عليه وهو في قبة، والأقياد في رجليه، والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري، أتظن أن هذا مما ترى علي وفي عنقي يكربني، أما لو شئت ما كان، فإنه وإن بلغ منك وبأمثالك ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة، قال: فما لبثا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون يطلبونه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا لنراه متبوعا؛ إنه لنازل ونحن حوله لا ننام، نرصده إذ أصبحنا، فما وجدنا بين محمله إلا حديده. قال الزهري: فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين، فأخبرته، فقال لي: إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان، فدخل علي فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به. قال: وكان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: ثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي قال: ثنا محمد بن تسنيم قال: ثنا الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين يقول: «من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس»
حدثنا حبيب بن الحسن قال: ثنا عبد الله بن صالح قال: ثنا محمد بن ميمون قال: ثنا سفيان، عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين يحمل جراب [ص:136] الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل»
حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو معمر، ثنا جرير، عن شيبة بن نعامة ، قال: كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة، قال جرير في الحديث - أو من قبله - إنه حين مات وجدوا بظهره آثارا مما كان يحمل بالليل الجرب إلى المساكين "
حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا جرير، عن عمرو بن ثابت، قال: " لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سوداء بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة "
حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبو موسى الأنصاري، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: «كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا أبو العباس الثقفي، قال: ثنا محمد بن زكريا، قال: سمعت ابن عائشة، يقول: قال أبي: " سمعت أهل المدينة، يقولون: «ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين»
حدثنا أبو بكر الطلحي قال: أبو حصين الوادعي محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا عاصم بن محمد بن زيد، قال: حدثني واقد بن محمد، عن سعيد بن مرجانة، قال: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فأعتقه "
حدثنا أبو أحمد الغطريفي محمد بن أحمد قال: ثنا أبو خليفة، قال: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، قال: ثنا حماد قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: سمعت علي بن الحسين، واجتمع عليه ناس، فقالوا له ذلك القول، فقال لهم: «أحبونا حب الإسلام لله عز وجل فإنه ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا»
حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، قال: ثنا محمد بن إسحاق السراج، قال: ثنا أبو مصعب قال: إبراهيم بن قدامة وهو ابن محمد بن حاطب عن أبيه،
عن علي بن الحسين، قال: " أتاني نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا، قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبرونني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} اخرجوا فعل الله بكم "
حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا أبو العباس الثقفي، قال: ثنا سعدان بن يزيد، قال: شجاع بن الوليد قال: ثنا خلف بن حوشب، عن علي بن الحسين، قال: «يا معشر أهل العراق، يا معشر أهل الكوفة أحبونا حب الإسلام، ولا ترفعونا فوق حقنا»
حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: ثنا سفيان، قال: قال علي بن الحسين: «ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم»
حدثنا أبو بكر بن مالك، قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: ثنا محمد بن إشكاب، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا ابن المنهال الطائي، أن علي بن الحسين: كان إذا ناول الصدقة السائل قبله ثم ناوله "
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: ثنا الحسين بن محمد بن سعيد، قال: ثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا بشر بن بكر، والخصيب بن ناصح، قالا: ثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الرحمن بن حبيب بن أردك، قال: سمعت نافع بن جبير، [ص:138] يقول لعلي بن الحسين: " غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه - يعني زيد بن أسلم - فقال: «إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: ثنا أبو يحيى صاعقة قال: ثنا سعيد بن سليمان، قال: ثنا هشيم، عن محمد بن عبد الرحمن المديني، قال: كان علي بن الحسين يتخطى حلق قومه حتى يأتي زيد بن أسلم فيجلس عنده، فقال: «إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه»
حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: ثنا عمر بن الحسن، قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد، قال: ثنا الحسين بن عبد الرحمن عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين، عن كثرة بكائه، فقال: «لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يذهب من قلبي؟»
حدثنا سليمان بن أحمد قال: ثنا يحيى بن زكريا الغلابي قال: ثنا العتبى قال: حدثني أبي قال: قال علي بن الحسين - وكان من أفضل بني هاشم - لابنه: «يا بني اصبرعلى النوائب ولا تتعرض للحقوق , ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له»
حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا الحسن بن المتوكل قال: ثنا أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن سعد، قال: سمع علي بن الحسين: " ناعية في بيته، وعنده جماعة، فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الناعية؟ قال: فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب ونحمده فيما نكره "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: ثنا محمد بن إسماعيل العسكري العطار، قال: ثنا صهيب بن محمد، قال: ثنا شداد بن علي قال: ثنا إسرائيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، قال: " إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين [ص:139] أهل الصبر؟ فيقوم ناس من الناس، فيقال: علام صبرتم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله عز وجل، فيقال: صدقتم، ادخلوا الجنة "
حدثنا أحمد بن محمد بن سنان، قال: ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن زكريا، قال: أخبرنا ابن عائشة، عن أبيه، قال: " حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه، قال: ونصب لهشام منبر، فقعد عليه، فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، فقال الفرزدق: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما
[البحر البسيط]
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... عند الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف ما أنكرت والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... ولا يكلم إلا حين يبتسم "
حدثنا سليمان بن أحمد، قال: ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا حفص بن عبد الله الحلواني، قال: ثنا زافر بن سليمان، عن عبد الحميد بن أبي جعفر الفراء، عن ثابت بن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين، قال: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من الناس فيقال: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: " إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم، قالوا: من أنتم؟ قالوا: أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسي علينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون: [ص:140] نحن أهل الصبر، قالوا: ما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله وصبرناها عن معصية الله عز وجل، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل ذلك، قالوا: وبما جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله عز وجل، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين "
أخبرنا محمد بن أحمد، في كتابه قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا الحجاج بن يوسف قال: ثنا يونس بن محمد، ثنا أبو شهاب، قال: قال الحجاج: أخبرت عن أبي جعفر، أن أباه علي بن الحسين قاسم الله عز وجل ماله مرتين، وقال: «إن الله تعالى يحب المؤمن المذنب التائب»
حدثنا محمد بن أحمد الغطريفي، ثنا محمد بن أحمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا عبد الرحمن بن واقد، ثنا يحيى بن ثعلبة الأنصاري، ثنا أبو حمزة الثمالي، قال: " كنت عند علي بن الحسين فإذا عصافير يطرن حوله يصرخن، فقال: يا أبا حمزة هل تدري ما يقول هؤلاء العصافير؟ فقلت: لا قال: فإنها تقدس ربها عز وجل، وتسأله قوت يومها
حدثت عن أحمد بن موسى بن إسحاق، ثنا أبو يوسف القلوسي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا موسى بن أبي حبيب، عن علي بن الحسين، قال: " التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاه، قيل: ما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى "
وقال علي بن الحسين: «من كتم علما أحدا أو أخذ عليه أجرا رفدا، فلا ينفعه أبدا»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن أبي جعفر، قال: " كان في نقش خاتم أبي {القوة لله جميعا} [البقرة: 165] "
أخبرت عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أحمد بن يونس، ثنا مندل بن علي، عن عمر بن عبد العزيز، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين، قال: " لا يقولن [ص:141] أحدكم: اللهم تصدق علي بالجنة، فإنما يتصدق أصحاب الذنوب، ولكن ليقولن: اللهم ارزقني الجنة، اللهم من علي بالجنة "
حدثنا محمد بن عبيد الله الكاتب، ثنا الحسن بن علي بن نصر الطوسي، ثنا محمد بن عبد الكريم، ثنا الهيثم بن عدي، أخبرنا صالح بن حسان، قال: " قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحدا أورع منه "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عمرو بن محمد الناقد، ثنا سفيان بن عيينة، قال: قال الزهري: «لم أر هاشميا أفضل من علي بن الحسين»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبو معمر، ثنا ابن أبي حازم، قال: سمعت أبي حازم، يقول: «ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين»
حدثنا الحسين بن محمد بن كيسان، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا علي بن عبد الله، ثنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى، أخبرني أبي، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن عمر بن دينار، قال: دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: علي دين؟ قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهو علي "
أخبرنا أبو بكر بن محمد بن أحمد البغدادي، في كتابه، وحدثني عنه عثمان بن محمد العثماني، ثنا عبد الصمد بن محمد، حدثني جعفر بن محمد بن جعفر، ثنا مخلد بن مالك، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: " دخلنا على علي بن الحسين بن علي فقال: يا زهري، فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شيء واجب إلا شهر رمضان، فقال: يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها، عشرة منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربعة عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب، قال: قلت: فسرهن يا ابن رسول الله، قال: أما الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين - يعني في قتل الخطأ، لمن لم يجد العتق - قال تعالى
: {ومن قتل مؤمنا خطأ} الآية، وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام، قال الله عز وجل: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89] وصيام حلق الرأس، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} [البقرة: 196] الآية، صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا، وصيام دم المتعة لمن لم يجد الهدي، قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] الآية، وصوم جزاء الصيد، قال الله عز وجل: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} [المائدة: 95] الآية وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة، ثم يقص ذلك الثمن على الحنطة وأما الذي صاحبه بالخيار: فصوم يوم الإثنين والخميس، وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأما صوم الإذن: فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، وكذلك العبد والأمة، وأما صوم الحرام: فصوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك نهينا أن نصومه كرمضان - وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام، والضيف لا يصوم إلا بإذن صاحبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم» ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك، وذلك تأديب الله عز وجل وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك، وأما صوم الإباحة: فمن أكل أو شرب ناسيا من غير عمد فقد أبيح له ذلك، وأجزأه عن صومه، وأما صوم المريض وصوم المسافر فإن العامة اختلفت فيه، فقال بعضهم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في السفر والمرض فعليه القضاء، قال الله عز وجل: {فعدة من أيام أخر} [البقرة: 184] " أسند علي بن الحسين الكثير وسمع من ابن عباس، وجابر، ومروان، وصفية، وأم سلمة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، أخبرني علي بن الحسين، أن عبد الله بن عباس، حدثه، أخبرني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، قال: بينما هم جلوس ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات الليلة رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإنها لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش، ثم سبحته أهل السماء الذين يلونهم، ثم سبحته أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، ثم يقولون الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيجيبونهم، فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه فهو صحيح، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون، فترمى الشياطين بالنجوم " صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن الأوزاعي، ويونس، ومعقل، وصالح بن كيسان. ورواه عن الزهري، يحيى بن سعيد وزياد بن سعد ومعمر ومحمد بن إسحاق في آخرين
حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا عبيد الله بن محمد العمري، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن أبي بلال، عن محمد بن أبي عتيق، وحدثنا محمد بن أحمد الغطريفي، وأبو عمرو بن حمدان قالا: ثنا الحسن بن سفيان ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن عقيل قالا عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، أن الحسن بن علي، أخبره أن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أخبره: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: «ألا تصليان؟» قال علي: فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله عز وجل فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:144] حين قلت ذلك له، ولم يرجع إلي شيئا، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54] " صحيح متفق عليه من حديث الزهري ورواه عن الزهري صالح بن كيسان، ويزيد بن أبي أنيسة، وشعيب بن أبي حمزة، وإسحاق بن راشد في آخرين
حدثنا أبو بحر محمد بن الحسين ثنا محمد بن يونس الكديمي، ثنا أبو عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنهم، قال: " أصبت شارفا يوم بدر، وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا فأنختهما بباب رجل من الأنصار، وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا أستعين به على وليمة فاطمة ومعي رجل من بني قينقاع، وفي البيت حمزة بن عبد المطلب وقينة تغنيه وهي تقول: ألا يا حمز للشرف النواء، فخرج حمزة بالسيف إليهما فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فرأيت منظرا عظيما، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فخرج يمشي ومعه زيد بن حارثة حتى وقف على حمزة، فتغيظ عليه، فرفع حمزة رأسه، فقال: ألستم عبيد آبائي، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي القهقرى " صحيح متفق عليه من حديث ابن جريج عن الزهري ورواه يونس بن يزيد عن الزهري، فزاد: فطفق يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه
حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، ثنا الحسن بن علي بن أبي زياد، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، أن عمرو بن عثمان، أخبره أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر» رواه ابن جريج ومعمر ويونس وسفيان بن عيينة، وهشيم وابن أبي حفصة ومالك بن أنس في جماعة عن الزهري، وقال مالك عن عمرو بن عثمان، عن أسامة، وحدث به قيس بن الربيع عن سفيان بن عيينة
حدثناه سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن القاسم بن مساور، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا قيس بن الربيع، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن [ص:145] زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» كذا حدثنا سليمان بن قيس عن سفيان، وحدثناه محمد بن أحمد بن الحسين، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة مثله
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عباس الأسفاطي، وعبد الله بن محمد العمري، قالا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، وحدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق ، ثنا معمر، قالا: عن ابن شهاب الزهري، عن علي بن الحسين، أن صفية، رضي الله عنها، أخبرته: " أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا تزوره وهو معتكف في المسجد، فحدثته، قالت: ثم قمت، فقام معي - وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد - فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا» أو قال: «شرا» لفظ معمر، رواه صالح بن كيسان وابن مسافر وعبد الرحمن بن إسحاق وشعيب في آخرين وهو من صحاح حديث الزهري، متفق عليه
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا محمد بن جعفر الوركاني، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن علي بن الحسين، أخبرني رجل، من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن عز وجل، فلا يكون لرجل من بني آدم فيه إلا موضع قدميه، ثم أدعى أول الناس فأخر ساجدا، ثم يؤذن لي فأقول: " يا رب، أخبرني جبريل هذا - وجبريل عن يمين العرش، ووالله ما رآه قط قبلها - إنك أرسلته إلي - وجبريل ساكت لا يتكلم - ثم يؤذن لي في الشفاعة، فأقول: أي رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض، فذلك المقام المحمود " صحيح تفرد بهذه الألفاظ علي بن الحسين لم يروه عنه الزهري، ولا عنه إلا إبراهيم بن سعد، وعلي بن الحسين هو أفضل وأتقى من أن يرويه عن رجل لا يعتمده فينسبه إلى العلم، ويطلق القول به
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 3- ص: 133
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 3- ص: 133