ابن حزم علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد: عالم الاندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام. كان في الاندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم (الحزمية). ولد بقرطبة. وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف على العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين فقيها حافظا يستنبط الاحكام من الكتاب والسنة، بعيدا عن المصانعة. وانتقد كثيرا من العلماء والفقهاء، فتمالأوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى بادية لبلة (من بلاد الاندلس) فتوفي فيها. رووا عن ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو 400 مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. وكان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. أشهر مصنفاته (الفصل في الملل والأهواء والنحل - ط) وله (المحلى - ط) في 11 جزءا، فقه، و (جمهرة الانساب - ط) و (الناسخ والمنسوخ - ط) و (الإحكام لأصول الأحكام - ط) ثماني مجلدات، و (إبطال القياس والرأي - خ) و (المفاضلة بين الصحابة - ط) رسالة اشتمل عليها كتاب (ابن حزم الأندلسي - ط) لسعيد الأفغاني، و (مداواة النفوس - ط) رسالة في الأخلاق، و (طوق الحمامة - ط) أدب، وغير ذلك.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 254
ابن حزم الظاهري الإمام: أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
ابن حزم الظاهري علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي الإمام الحافظ العلامة، أبو محمد، الفارسي الأصل الأندلسي القرطبي.
أبوه وجده خلف أول من دخل الأندلس، ولد أبو محمد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وتوفي سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وسمع من جماعة، أولهم: ابن الجسور:
كان إليه المنتهى في الحفظ، والذكاء وكثرة العلم، وكان شافعي المذهب، ثم انتقل إلى القول نبغي القياس، والقول بالظاهر، وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه، زاهدا بعد الرياسة التي كانت لأبيه وله من الوزارة وتدبير الملك، جمع من الكتب شيئا كثيرا، لاسيما من كتب الحديث، وكان له وفور حظ من البلاغة والشعر والسير والأخبار، وقد جمع الحميدي شعره على حروف المعجم، ووزر أبوه للمنصور محمد بن أبي عامر مدبر دولة المؤيد، وللمظفرين المنصور، ووزر أبو محمد هذا للمستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام، ثم إنه نبذ الوزارة وأقبل للعلوم، واشتغل أول أمره بالمنطق، وبرع فيه وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي القرطبي المعروف بابن الكتاني، وكان شاعرا طبيبا مات بعد الأربعمائة، وسأل بعض الحاضرين يوما سؤالا، فأجيب فيه فاعترض أبو محمد فيه، فقال له ليس هذا العلم من منتحلاتك، فقام ودخل منزله، وعكف، ولم يكن إلا بعد أشهر قريبة حتى خرج وناظر أحسن مناظرة.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام مثل ’’المحلى’’ لابن حزم، و’’المغني’’ للشيخ الموفق.
وقد بالغ أبو بكر ابن العربي، رحمة الله تعالى- في الحط على الظاهرية في كتاب ’’العواصم والقواصم’’ وأكثر فيه من الحط على ابن حزم.
وذكر له يوما أجل المصنفات الموطأ، فأنكر ذلك وقال: أولى الكتب بالتعظيم: الصحيحان، وكتاب سعيد بن السكن، و’’المنتقى’’ لابن الجارود، و’’المنتقى’’ لقاسم بن أصبغ، ثم بعد هذه الكتب: كتاب أبي داود والنسائي ومصنف قاسم بن أصبغ و’’مصنف’’ الطحاوي، و’’مسند’’ البزار، و’’مسند’’ ابن أبي شيبة و’’مسند’’ أحمد ، و’’مسند’’ ابن راهوية، و’’مسند’’ الطيالسي و’’مسند’’ أبي العباس النسوي، و’’مسند’’ ابن سنجر، و’’مسند’’ عبد الله بن محمد المسندي، و’’مسند’’ يعقوب بن شيبة، و’’مسند’’ ابن المديني، و’’مسند’’ ابن أبي عزرة وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفا، وللعطرة نصا، ثم بعد ذلك الكتب التي فيها كلامه - عليه السلام - وكلام غيره، مثل ’’مصنف’’ عبد الرزاق، و’’مصنف’’ ابن أبي شيبة، و’’مصنف’’ بقي بن مخلد، وكتاب محمد بن نصر المروزي، وكتابي ابن المنذر الأكبر والأصغر، ثم ’’مصنف’’ حماد بن سلمة، و’’مصنف’’ سعيد بن منصور، و’’مصنف’’ وكيع، ومصنف الفريابي، و’’موطأ’’ مالك، و’’موطأ’’ ابن أبي ذئب، و’’موطأ’’ ابن وهب، و’’مسائل’’ أحمد بن حنبل، وفقه أبي عبيد، وفقه أبي ثور.
ومن تصانيف أبي محمد بن حزم: كتاب الإيصال، إلى فهم كتاب الخصال، الجامعة لجمل شرائع الإسلام، في الواجب والحلال والحرام، والسنة والإجماع، أورد فيه قول الصحابة فمن بعدهم في الفقه، والحجة لكل قول وهو كبير.
و’’الإحكام لأصول الأحكام’’ في غاية التقصي.
وكتاب ’’الملل والنحل’’، وكتاب ’’إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم مما لا يحتمل التأويل’’، وهو كتاب لم يسبق إليه، و’’التقريب لحد المنطق’’ والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية.
وقال الغزالي: قد وجدت كتابا في أسماء الله تعالى، ألفه أبو محمد بن حزم الأندلسي يدل على عظم شأنه، وسيلان ذهنه.
وكتاب ’’الصادع في الرد على من قال بالتقليد’’ و’’شرح أحاديث الموطأ’’، و’’الجامع في صحيح الحديث، باختصار الأسانيد’’ والتلخيص والتخليص، في المسائل النظرية ومنتقى الإجماع، و’’كشف الالتباس لما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس’’، وله كتاب ضخم في أجزاء ضخمة فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي، وما انفرد به كل واحد منهم، وله كتاب ’’المجلى’’ وشرحه ’’المحلى’’، ولم يكمله، وكمله تلميذه ابن خليل، رأيت هذه التكملة من ثلاث مجلدات، بخط ابن خليل عند ابن سيد الناس.
وله كتاب ’’نقط العروس’’ جمع فيه كل غريبة، وهو كثير الفائدة، وله ’’حجة الوداع’’ جودها وطولها، وله ’’سيرة النبي صلى الله عليه وسلم’’ وكتاب ’’الإمامة والسياسة’’، وكتاب ’’أخلاق النفس’’.
ناظر الفقيه أبا الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب صاحب كتاب ’’المنتقى’’، ولما انقضت بينهما المناظرة، قال أبو الوليد: اعذروني؛ فإني كانت أكثر مطالعتي على سرج الحراس، فقال ابن حزم: اعذروني، فإني أكثر مطالعتي كانت، على منابر الذهب والفضة، يعني: أن الغني أمنع للاشتغال من الفقر.
وروى عنه ابن العربي أنه قال: بلغت ستة وعشرين سنة، وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات، فشهدت جنازة لرجل كبير من إخوان أبي، فدخلت المسجد قبل صلاة العصر، والخلق فيه، فجلست ولم أركع، فقال لي أستاذي الذي رباني بإشارة أن قم صل تحية المسجد، فلم أفهم، فقال لي بعض المجاورين: أبلغت هذه السن، ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة، فقمت وركعت، فلما عدنا من الجنازة، دخلت المسجد مشاركة لأهل الميت فبادرت بالركوع، فقيل لي: اجلس اجلس، فليس هذا وقت صلاة، فانصرفت وقد خزيت، ولحقني ما هانت به نفسي علي، وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني، فقصدته وأعلمته بما جرى واسترشدته في قراءة العلم، فدلني على كتاب، ’’الموطأ’’ لمالك، فبدأت به عليه قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم ثم تتابعت قراءتي عليه، وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة.
وقال أبو رافع الفضل بن علي بن أحمد بن حزم ولد الإمام المذكور: إن مبلغ تواليف والدي الحديث والفقه والأصول والملل والنحل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارضين نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة، وهذا شيء لم يعهد إلا لمحمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفا، فقد حسبت أيام حياته وتصانيفه فجاءت لكل يوم أربع عشرة ورقة.
وكان شديد الشناع بذيء اللسان في حق مخالفه حتى قال ابن العريف: خلق الله سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين.
قال أبو مروان بن حيان في بعض وصف ابن حزم: وله في تلك الفنون كتب كثيرة غير أنه لم يخل فيها من غلط وسقط لجراءته على التسور على الفنون، ولاسيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زال هنالك، وضل في سلوك تلك المسالك، وخالف أرسطاطاليس واضعة مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض.
ثم قال: ولم يك يلطف صدعه عنده بتعريض ولا يرقه بتدريج، بل يضحك به معارضه صك الجندل، وينشقه متلفعة إنشاق الخردل، فنفرت عنه القلوب، ووقعت به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فتمالئوا على بغضه، ورد أقواله، فأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، فأقصته الملوك عن قربهم، وبلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع إلى ما أرادوا به يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون الملامة يحدثهم ويفقههم ويدارسهم ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون من العلم وفر بعيد وكان قد أحرق بعض مصنفاته بإشبيلية ومزقت وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالمشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم، وانحرافه عن سواهم من قريش حتى نسب إلى النصب ومن شعره يصف ما أحرق ابن عباد من كتبه:
فإن تحرقوا لا تحرقوا الذي | تضمنه القرطاس بل هو في صدري |
يسير معي حيث استقلت ركائبي | وينزل إن أنزل ويدفن في قبري |
دعوني من إحراق رق وكاغد | وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري |
وإلا فعودوا في المكاتب بدأة | فكم دون ما تبغون لله من ستر |
أنا الشمس في جو السماء منيرة | ولكن عيبي أن مطلعي لغرب |
ولو أنني من جانب الشرق طالع | لجد على ما ضاع من ذكري |
ولي نحو أكناف العراق صبابة | ولا عزو أن يستوحش الكلف الصب |
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم | فحينئذ يبدو التأسف والكرب |
فكم قائل أغفلته وهو حاضر | وأطلب عنه ما يجيء به الكتب |
هنالك يذري أن للبعد غصة | وأن كساد العلم آفته القرب |
فوا عجبا من غاب عنهم تشوقوا | له ودنو المرء من دارهم ذنب |
وإن مكانا ضاق عني لضيق | وإن زمانا لم أنل خصبه جدب |
وإن رجالا صنعوني لصنيع | وإن زمانا لم أنل خصبه جدب |
ولكن لي في يوسف خير أسوة | وليس على من بالنبي ائتسى ذنب |
يقول مقال الحق والصدق | إنني حفيظ عليم ما على صادق عتب |
كأنك بالزوار لي قد تبادروا | وقيل لهم أودى علي بن أحمد |
فيا رب محزون هناك وضاحك | وكم أدمع تذرى وخد مخدد |
عفا الله عني يوم أرحل ظاعنا | عن الأهل محمولا إلى ضيق ملحد |
وأترك ما قد كنت مغتبطا به | وألقى الذي آنست منه بمرصد |
فواراه حتى إن كان زادي مقدما | ويا نصبي إن كنت لم أتزود |
لا يشتمن حاسد إن نكبة عرضت | فالدهر ليس على حال بمترك |
ذو الفضل كالتبر طورا تحت ميفعة | وتارة قد يرى تاجا على ملك |
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي | فروحي عندكم أبدا مقيم |
ولكن للعيان لطيف معنى | له سأل المعاينة الكليم |
وذي عذل فيمن سباني حسنه | يطيل ملامي في الهوى ويقول |
أفي حسن وجه لاح لم تر غيره | ولم ندر كيف الجسم أنت قتيل؟ |
فقلت له أسرفت في اللوم عاذلي | وعندي رد لو أردت طويل |
ألم تر أني ظاهري وأنني | على ما بدا حتى يقوم دليل |
يقول أخي شجاك رحيل جسم | وروحك ما له عنا رحيل |
فقلت له: المعاين مطمئن | لذا طلب المعاينة الخليل |
أقمنا ساعة ثم ارتحلنا | وما يغني المشوق وقوف ساعة |
كأن الشمل لم يك ذا اجتماع | إذا ما شتت البين اجتماعه |
من عذيري من أناس جهلوا | ثم ظنوا أنهم أهل النظر؟! |
عرضن للذي تحب بحب | ثم دعه يروضه إبليس |
أين وجه قول الحق في نفس سامع | ودعه فنور الحق يسري ويشرق |
سيؤنسه رفقا وينسى نفاره | عما نسى القيد الموثق مطلق |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، القرشي الأندلسي الإمام العلامة، يكنى أبا محمد، مات فيما ذكره صاعد بن أحمد الجياني في «كتاب أخبار الحكماء» في سلخ شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة. قال:
وكتب إلي بخط يده أنه ولد بعد صلاة الصبح في آخر يوم من شهر رمضان سنة ثلاث
وثمانين وثلاثمائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة إلا شهرا.
قال: وأصل آبائه من قرية منت ليشم من إقليم الزاوية من عمل أونبة من كورة لبلة من غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا فيها جاها عريضا. وكان أبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم أحد العلماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر ووزراء ابنه المظفر بعده والمدبرين لدولتيهما، وكان ابنه الفقيه أبو محمد وزيرا لعبد الرحمن المستظهر بالله بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثم لهشام المعتد بالله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن فعني بعلم المنطق وألف فيه كتابا سماه «كتاب التقريب لحدود المنطق» بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف، واستعمل فيه مثلا فقهية وجوامع شرعية، وخالف أرسطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط، وأوغل بعد هذا في الاستكثار من علوم الشريعة حتى نال منها ما لم ينله أحد قط بالأندلس قبله، وصنف فيه مصنفات كثيرة العدد شرعية المقصد معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهبه الذي ينتحله وطريقه الذي يسلكه، وهو مذهب داود بن علي بن خلف الأصبهاني ومن قال بقوله من أهل الظاهر ونفاة القياس والتعليل.
قال: ولقد أخبرني ابنه الفضل المكني أبا رافع أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفا، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه فكان لكل يوم أربع عشرة ورقة.
ثم قال: ولأبي محمد ابن حزم بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
ذكر أن ابن حزم اجتمع يوما مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتاب «المنتقى» و «الاستغناء» وغيرهما من التواليف، وجرت
بينهما مناظرة، فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرني فإن أكثر مطالعتي كانت على سرج الحراس؛ قال ابن حزم: وتعذرني أيضا فإن أكثر مطالعتي كانت على منائر الذهب والفضة، أراد أن الغنى أمنع لطلب العلم من الفقر.
قرأت بخط أبي بكر محمد بن طرخان بن يلتكين بن بجكم، قال الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي الأندلسي: توفي الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بقريته، وهي من غرب الأندلس على خليج البحر الأعظم في شهر جمادى الأولى من سنة سبع وخمسين وأربعمائة، والقرية التي له على بعد نصف فرسخ من أونبه يقال له متليجم، وهي ملكه وملك سلفه من قبله.
قال: وقال لي أبو محمد ابن العربي: إن أبا محمد ابن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبه ثم انتقل إلى قرطبة وولي فيها الوزارة ابنه أحمد ثم ابنه علي الإمام، وأقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستا وعشرين سنة وقال:
إنني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات.
قال: قال لي الوزير أبو محمد ابن العربي أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والحفل فيه، فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه- يعني الذي رباه- باشارة- أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه السن ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟! وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاما، قال: فقمت وركعت وفهمت إذن إشارة الأستاذ إلي بذلك؛ قال، فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركة للأحياء من أقرباء الميت دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي اجلس اجلس ليس هذا وقت صلاة، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي، وقلت للأستاذ، دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله ابن دحون، فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألته الابتداء بقراءة العلم واسترشدته فدلني على «كتاب الموطأ» لمالك بن أنس رضي الله عنه، فبدأت به عليه
قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة.
قال: وقال لي الوزير الإمام أبو محمد ابن العربي: صحبت الشيخ الإمام أبا محمد علي بن حزم سبعة اعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من «كتاب الفصل» وهو يشتمل على ست مجلدات من الأصل الذي قرأنا منه، فيكون الفائت نحو السدس. وقرأنا من «كتاب الإيصال» أربع مجلدات من كتاب الإمام أبي محمد ابن حزم في سنة ست وخمسين وأربعمائة، ولم يفتني من تواليفه شيء سوى ما ذكرته من الناقص وما لم أقرأه من «كتاب الإيصال»، وكان عند الإمام أبي محمد ابن حزم كتاب الإيصال في أربع وعشرين مجلدة بخط يده وكان في غاية الادماج.
قال: وقال لي الوزير أبو محمد ابن العربي: وربما كان للإمام أبي محمد ابن حزم شيء من تواليفه ألفه في عير بلده في المدة التي تجول فيها بشرق الأندلس فلم أسمعه، ولي بجميع مصنفاته ومسموعاته إجازة منه مرات عدة كثيرة؛ آخر ما كان بخط البجكمي رحمه الله.
وأورد له صاحب «المطمح» أشعارا منها:
وذي عذل فيمن سباني حسنه | يطيل ملامي في الهوى ويقول |
أمن حسن وجه لاح لم تر غيره | ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل |
فقلت له أسرفت في اللوم فاتئد | فعندي رد لو أشاء طويل |
ألم تر أني ظاهري وأنني | على ما بدا حتى يقوم دليل |
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا | فجائعه تبقى ولذاته تفنى |
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة | تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا |
إلى تبعات في المعاد وموقف | نود لديه أننا لم نكن كنا |
حصلنا على هم وإثم وحسرة | وفات الذي كنا نلذ به عنا |
حنين لما ولى وشغل بما أتى | وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا |
كأن الذي كنا نسر بكونه | إذا حققته النفس لفظ بلا معنى |
ولي نحو أكناف العراق صبابة | ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب |
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم | فحينئذ يبدو التأسف والكرب |
هنالك تدري أن للبعد قصة | وأن كساد العلم آفته القرب |
لا تشمتن حاسدي إن نكبة عرضت | فالدهر ليس على حال بمترك |
ذو الفضل كالتبر طورا تحت ميقعة | وتارة قد يرى تاجا على ملك |
لئن أصبحت مرتحلا بشخصي | فروحي عندكم أبدا مقيم |
ولكن للعيان لطيف معنى | له سأل المعاينة الكليم |
أنا العلق الذي لا عيب فيه | سوى بلدي وأني غير طاري |
تقر لي العراق ومن يليها | وأهل الأرض إلا أهل داري |
طووا حسدا على أدب وفهم | وعلم ما يشق له غباري |
فمهما طار في الآفاق ذكري | فما سطع الدخان بغير نار |
وان تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي | تضمنه القرطاس بل هو في صدري |
يسير معي حيث استقلت ركائبي | وينزل إن أنزل ويدفن في قبري |
دعوني من إحراق رق وكاغد | وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري |
وإلا فعودوا في المكاتب بدأة | فكم دون ما تبغون لله من ستر |
كأنك بالزوار لي قد تبادروا | وقيل لهم أودى علي بن أحمد |
فيا رب محزون هناك وضاحك | وكم أدمع تذرى وخد مخدد |
عفا الله عني يوم أرحل ظاعنا | عن الأهل محمولا إلى ضيق ملحد |
وأترك ما قد كنت مغتبطا به | وألقى الذي آنست منه بمرصد |
فوارا حتي إن كان زادي مقدما | ويا نصبي إن كنت لم أتزود |
أنا الشمس في جو السماء منيرة | ولكن عيبي أن مطلعي الغرب |
ولو أنني من جانب الشرق طالع | لجد على ما ضاع من ذكري النهب |
ولي نحو أكناف العراق صبابة | ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب |
فإن ينزل الرحمن رحلي فيهم | فحينئذ يبدو التأسف والكرب |
فكم قائل أغفلته وهو حاضر | وأطلب ما عنه تجيء به الكتب |
هنالك تدري أن للبعد قصة | وأن كساد العلم آفته القرب |
فواعجبا من غاب عنهم تشوقوا | له ودنو المرء من دارهم ذنب |
وإن مكانا ضاق عني لضيق | على أنه فيح مذاهبه سهب |
وإن رجالا ضيعوني لضيع | وإن زمانا لم أنل خصبه جدب |
ولكن لي في يوسف خير أسوة | وليس على من بالنبي اتسى ذنب |
يقول مقال الحق والصدق «إنني | حفيظ عليم» ما على صادق عتب |
يقول أخي شجاك رحيل جسم | وروحك ما له عنا رحيل |
فقلت له المعاين مطمئن | لذا طلب المعاينة الخليل |
عرضن للذي تحب بحب | ثم دعه يروضه إبليس |
أبن قول وجه الحق في نفس سامع | ودعه فنور الحق يسري ويشرق |
سيؤنسه رفقا وينسى نفاره | كما نسي القيد الموثق مطلق. |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1650
ابن حزم:
الإمام الأوحد البحر ذو الفنون والمعارف أبو محمد؛ علي ابن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي -رضي الله عنه- المعروف بيزيد الخير نائب أمير المؤمنين أبي حفص عمر على دمشق الفقيه الحافظ المتكلم الأديب الوزير الظاهري صاحب التصانيف فكان جده يزيد مولى للأمير يزيد أخي معاوية. وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحابة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام؛ المعروف بالداخل.
ولد أبو ممد بقرطبة في سنة أربع وثمانين وثلاث مائة.
وسمع: في سنة أربع مائة وبعدها من طائفة منهم: يحيى بن مسعود بن وجه الجنة؛ صاحب قاسم بن أصبغ فهو أعلى شيخ عنده ومن أبي عمر أحمد بن محمد بن
الجسور ويونس بن عبد الله بن مغيث القاضي وحمام بن أحمد القاضي ومحمد بن سعيد بن نبات وعبد الله بن ربيع التميمي وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد وعبد الله بن محمد بن عثمان وأبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي وعبد الله بن يوسف بن نامي وأحمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ. وينزل إلى أن يروي عن، أبي عمر بن عبد البر وأحمد بن عمر بن أنس العذري. وأجود ما عنده من الكتب سنن النسائي يحمله عن، ابن ربيع عن، ابن الأحمر عنه. وأنزل ما عنده صحيح مسلم بينه وبينه خمسة رجال وأعلى ما رأيت له حديث بينه وبين وكيع فيه ثلاثة أنفس.
حدث عنه: ابنه أبو رافع الفضل وأبو عبد الله الحميدي ووالد القاضي أبي بكر بن العربي وطائفة. وآخر من روى عنه مروياته بالإجازة أبو الحسن شريح بن محمد.
نشأ في تنعم ورفاهية ورزق ذكاء مفرطا وذهنا سيالا وكتبا نفيسة كثيرة وكان والده من كبراء أهل قرطبة؛ عمل الوزارة في الدولة العامرية وكذلك وزر أبو محمد في شبيبته وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على الاعتناء بالمنطق ويقدمه على العلوم فتألمت له فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل عديم النظير على يبس فيه وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول.
قيل: إنه تفقه أولا للشافعي ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث والقول بالبراءة الأصلية واستصحاب الحال وصنف في ذلك كتبا كثيرة وناظر عليه وبسط لسانه وقلمه ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب بل فجج العبارة وسب وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث إنه أعرض عن، تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها ونفروا منها وأحرقت في وقت واعتنى بها آخرون من العلماء وفتشوها انتقادا واستفادة وأخذا ومؤاخذة ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين فتارة يطربون ومرة يعجبون ومن تفرده يهزؤون. وفي الجملة فالكمال عزيز وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وكان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل ويحسن النظم والنثر. وفيه دين وخير ومقاصده جميلة ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكبا على العلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار.
قال أبو حامد الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابا ألفه أبو محمد بن حزم الأندلسي يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه.
وقال الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار؛ أخبرني ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربع مائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
قال أبو عبد الله الحميدي: كان ابن حزم حافظا للحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر مدبر دولة المؤيد بالله بن المستنصر المرواني ثم وزر للمظفر ووزر أبو محمد للمستظهر عبد الرحمن بن هشام ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على العلوم الشرعية وعني بعلم المنطق وبرع فيه ثم أعرض عنه. قلت: ما أعرض عنه حتى زرع في باطنه أمورا وانحرافا عن، السنة قال: وأقبل على علوم الإسلام حتى نال من ذلك ما لم ينله أحد بالأندلس قبله.
وقد حط أبو بكر بن العربي على أبي محمد في كتاب "القواصم والعواصم" وعلى الظاهرية فقال: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم نفهمه تلقوه من إخوانهم الخوارج حين حكم علي -رضي الله عنه- يوم صفين فقالت: لا حكم إلا لله. وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم نشأ وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن، العلماء ما لم يقولوا تنفيرا للقلوب منهم وخرج عن، طريق المشبهة في ذات الله وصفاته فجاء فيه بطوام واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل فإذا طالبهم بالدليل كاعوا1، فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرئاسة بما كان عنده من أدب، وبشبه كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه، ويحمونه، بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشرك، وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتي منهم طافحة ونار ضلالهم لافحة فقاسيتهم مع غير أقران وفي عدم أنصار إلى حساد يطؤون عقبي تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكشر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم أو تشغيب بهم، وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه "نكت الإسلام" فيه دواهي، فجردت عليه نواهي وجاءني آخر برسالة في الاعتقاد فنقضتها برسالة الغرة والأمر أفحش من أن ينقض. يقولون: لا قول إلا ما قال الله ولا نتبع إلا رسول الله فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد ولا بالاهتداء بهدي بشر. فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل وإنما هي سخافة في تهويل فأوصيكم بوصيتين: أن لا تستدلوا عليهم وأن تطالبوهم بالدليل فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب عليك وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا. فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله فحق ولكن أرني ما قال. وأما قولهم: لا حكم إلا لله. فغير مسلم على الإطلاق بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره فيما قاله وأخبر به. صح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإذا حاصرت أهل حصن فلا تنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك". وصح أنه قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء... " الحديث.
قلت: لم ينصف القاضي أبو بكر -رحمه الله- شيخ أبيه في العلم، ولا تكلم فيه
بالقسط وبالغ في الاستخفاف به وأبو بكر فعلى عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد ولا يكاد فرحمهما الله وغفر لهما.
قال اليسع ابن حزم الغافقي وذكر أبا محمد فقال: أما محفوظه فبحر عجاج وماء ثجاج يخرج من بحره مرجان الحكم وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم لقد حفظ علوم المسلمين وأربى على كل أهل دين وألف الملل والنحل وكان في صباه يلبس الحرير ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير. أنشد المعتمد، فأجاد وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد. وحدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب ثم سأل الحاضرين مسألة من الفقه جووب فيها فاعترض في ذلك فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك فقام وقعد ودخل منزله فعكف ووكف منه وابل فما كف وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة وقال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب.
قلت: نعم من بلغ رتبة الاجتهاد وشهد له بذلك عدة من الأئمة لم يسغ له أن يقلد كما أن الفقيه المبتدئ والعامي الذي يحفظ القرآن أو كثيرا منه لا يسوغ له الاجتهاد أبدا فكيف يجتهد وما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ وكيف يطير ولما يريش؟ والقسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدث الذي قد حفظ مختصرا في الفروع وكتابا في قواعد الأصول وقرأ النحو وشارك في الفضائل مع حفظه لكتاب الله وتشاغله بتفسيره وقوة مناظرته فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيد وتأهل للنظر في دلائل الأئمة فمتى وضح له الحق في مسألة وثبت فيها النص وعمل بها أحد الأئمة الأعلام كأبي حنيفة مثلا أو كمالك أو الثوري أو الأوزاعي أو الشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق فليتبع فيها الحق ولا يسلك الرخص وليتورع ولا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد فإن خاف ممن يشغب عليه من الفقهاء فليتكتم بها ولا يتراءى بفعلها فربما أعجبته نفسه وأحب الظهور فيعاقب. ويدخل عليه الداخل من نفسه فكم من رجل نطق بالحق وأمر بالمعروف فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده وحبه للرئاسة الدينية فهذا داء خفي سار في نفوس الفقهاء كما أنه داء سار في نفوس المنفقين من الأغنياء وأرباب الوقوف والترب المزخرفة وهو داء خفي يسري في نفوس الجند والأمراء والمجاهدين فتراهم يلتقون العدو ويصطدم الجمعان وفي نفوس المجاهدين مخبآت وكمائن من الاختيال وإظهار الشجاعة ليقال والعجب، ولبس القراقل المذهبة، والخوذ المزخرفة والعدد المحلاة على نفوس متكبرة وفرسان متجبرة وينضاف إلى ذلك إخلال بالصلاة وظلم للرعية وشرب للمسكر فأنى ينصرون؟ وكيف لا يخذلون؟ اللهم: فانصر دينك ووفق عبادك. فمن طلب العلم للعمل كسره العلم وبكى على نفسه ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق واختال وازدرى بالناس وأهلكه العجب ومقتته الأنفس {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} أي: دسسها بالفجور والمعصية. قلبت فيه السين ألفا.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام وكان أحد المجتهدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين.
قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين.
وثالثهما: "السنن الكبير" للبيهقي.
ورابعها: التمهيد لابن عبد البر. فمن حصل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها، فهو العالم حقا.
ولابن حزم مصنفات جليلة أكبرها كتاب "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال" خمسة عشر ألف ورقة وكتاب "الخصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام" مجلدان وكتاب "المجلى" في الفقه مجلد وكتاب "المحلى في شرح المجلى بالحجج والآثار" ثماني مجلدات كتاب حجة الوداع مائة وعشرون ورقة كتاب قسمة الخمس في الرد على إسماعيل القاضي مجلد كتاب "الآثار التي ظاهرها التعارض ونفي التناقض عنها" يكون عشرة آلاف ورقة لكن لم يتمه كتاب "الجامع في صحيح الحديث" بلا أسانيد كتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية كتاب ما انفرد به مالك وأبو حنيفة والشافعي مختصر الموضح لأبي الحسن بن المغلس الظاهري مجلد كتاب اختلاف الفقهاء الخمسة مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وداود كتاب التصفح في الفقه مجلد كتاب التبيين في هل علم المصطفى أعيان المنافقين ثلاثة كراريس كتاب الإملاء في شرح الموطأ ألف ورقة كتاب الإملاء في قواعد الفقه ألف ورقة أيضا كتاب در القواعد في فقه الظاهرية ألف ورقة أيضا كتاب الإجماع مجيليد كتاب الفرائض مجلد كتاب الرسالة البلقاء في الرد على عبد الحق بن محمد الصقلي مجيليد كتاب الإحكام لأصول الأحكام مجلدان كتاب "الفصل في الملل والنحل" مجلدان كبيران كتاب الرد على من اعترض على الفصل له مجلد كتاب اليقين في نقض تمويه المعتذرين عن، إبليس وسائر المشركين مجلد كبير كتاب الرد على ابن زكريا الرازي مائة ورقة كتاب الترشيد في الرد على كتاب الفريد لابن الراوندي في اعتراضه على النبوات مجلد كتاب الرد على من كفر المتأولين من المسلمين مجلد كتاب مختصر في علل الحديث مجلد كتاب التقريب لحد المنطق بالألفاظ العامية مجلد كتاب الاستجلاب مجلد كتاب نسب البربر مجلد كتاب نقط العروس مجيليد وغير ذلك.
ومما له في جزء أو كراس: "مراقبة أحوال الإمام" "من ترك الصلاة عمدا" "رسالة المعارضة" "قصر الصلاة" رسالة التأكيد ما وقع بين الظاهرية وأصحاب القياس فضائل الأندلس والعتاب على أبي مروان الخولاني رسالة في معنى الفقه والزهد مراتب العلماء وتواليفهم التلخيص في أعمال العباد الإظهار لما شنع به على الظاهرية زجر الغاوي جزآن النبذ الكافية النكت الموجزة في نفي الرأي والقياس والتعليل والتقليد مجلد صغير الرسالة اللازمة لأولي الأمر مختصر الملل والنحل مجلد الدرة في ما يلزم المسلم جزآن مسألة في الروح الرد على إسماعيل اليهودي الذي ألف في تناقض آيات النصائح المنجية الرسالة الصمادحية في الوعد والوعيد مسألة الإيمان مراتب العلوم بيان غلط عثمان بن سعيد الأعور في المسند والمرسل ترتيب سؤالات عثمان الدارمي لابن معين عدد ما لكل صاحب في مسند بقي تسمية شيوخ مالك السير والأخلاق جزآن بيان الفصاحة والبلاغة رسالة في ذلك إلى ابن حفصون مسألة هل السواد لون أو لا الحد والرسم تسمية الشعراء الوافدين على ابن أبي عامر شيء في العروض مؤلف في الظاء والضاد التعقب على الأفليلي في شرحه لديوان المتنبي غزوات المنصور بن أبي عامر "تأليف في الرد على أناجيل النصارى".
ولابن حزم "رسالة في الطب النبوي"، وذكر فيها أسماء كتب له في الطب منها: "مقالة العادة " و"مقالة في شفاء الضد بالضد" و"شرح فصول بقراط" وكتاب "بلغة الحكيم" وكتاب "حد الطب" وكتاب "اختصار كلام جالينوس في الأمراض الحادة" وكتاب في "الأدوية المفردة"، و"مقالة في المحاكمة بين التمر والزبيب" و"مقالة في النخل" وأشياء سوى ذلك.
وقد امتحن لتطويل لسانه في العلماء، وشرد عن وطنه، فنزل بقرية له وجرت له أمور وقام عليه جماعة من المالكية، وجرت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرات ومنافرات،
ونفروا منه ملوك الناحية فأقصته الدولة وأحرقت مجلدات من كتبه وتحول إلى بادية لبلة في قرية.
قال أبو الخطاب ابن دحية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان وأصابه زمانة وعاش ثنتين وسبعين سنة غير شهر.
قلت: وكذلك كان الشافعي رحمه الله يستعمل اللبان لقوة الحفظ فولد له رمي الدم.
قال أبو العباس ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
وقال أبو بكر محمد بن طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله ابن محمد يعني والد أبي بكر بن العربي: أخبرني أبو محمد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة فدخل المسجد فجلس ولم يركع فقال له رجل: قم فصل تحية المسجد.
وكان قد بلغ ستا وعشرين سنة. قال: فقمت وركعت فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس ليس ذا وقت صلاة وكان بعد العصر قال: فانصرفت وقد حزنت وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون. قال: فقصدته وأعلمته بما جرى فدلني على موطأ مالك فبدأت به عليه وتتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحوا من ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة. ثم قال ابن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب "الفصل" وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب "الإيصال" أربع مجلدات في سنة ست وخمسين وأربع مائة وهو أربعة وعشرون مجلدا ولي منه إجازة غير مرة.
قال أبو مروان بن حيان: كان ابن حزم رحمه الله حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة وله كتب كثيرة لم يخل فيها من غلط لجراءته في التسور على الفنون لا سيما المنطق فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في سلوك المسالك وخالف أرسطاطاليس واضع الفن مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض ومال أولا إلى النظر على رأي الشافعي وناضل عن، مذهبه حتى وسم به فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ ثم عدل إلى قول أصحاب الظاهر فنقحه وجادل عنه وثبت عليه إلى أن مات وكان يحمل علمه هذا ويجادل عنه من خالفه على استرسال في طباعه ومذل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريض ولا بتدريج بل يصك به من عارضه صك الجندل وينشقه إنشاق الخردل فتنفر عنه القلوب وتوقع به الندوب حتى استهدف لفقهاء وقته فتمالؤوا عليه وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عن، الدنو منه فطفق الملوك يقصونه عن، قربهم ويسيرونه عن، بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره: بلدة من بادية لبلة وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة يحدثهم ويفقههم ويدارسهم حتى كمل من مصنفاته وقر بعير لم يعد أكثرها باديته لزهد الفقهاء فيها حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية وأكثر معايبه زعموا عند المنصف جهله بسياسة العلم التي هي أعوض وتخلفه عن، ذلك على قوة سبحه في غماره وعلى ذلك فلم يكن بالسليم من اضطراب رأيه ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه إلى أن يحرك بالسؤال فيتفجر منه بحر علم لا تكدره الدلاء وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده لصحة إمامتهم حتى لنسب إلى النصب.
قلت: ومن تواليفه: كتاب تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وقد أخذ المنطق أبعده الله من علم عن: محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه فزلزله في أشياء ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل البشعة في الأصول والفروع وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين. وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه ورأيته قد ذكر قول من يقول: أجل المصنفات الموطأ. فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم صحيحا البخاري ومسلم وصحيح ابن السكن ومنتقى ابن الجارود والمنتقى لقاسم بن أصبغ ثم بعدها كتاب أبي داود وكتاب النسائي والمصنف لقاسم بن أصبغ "مصنف أبي جعفر الطحاوي".
قلت: ما ذكر "سنن ابن ماجه" ولا "جامع أبي عيسى"؛ فإنه ما رآهما، ولا أدخلا إلى الأندلس إلا بعد موته.
ثم قال: و"مسند البزار" و"مسند ابني أبي شيبة" و"مسند أحمد بن حنبل" ومسند إسحاق ومسند الطيالسي و"مسند" الحسن بن سفيان و"مسند ابن سنجر" و"مسند عبد الله ابن محمد المسندي" و"مسند يعقوب بن شيبة" و"مسند علي بن المديني" و"مسند ابن أبي غرزة" وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرفا، ثم الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره مثل مصنف عبد الرزاق ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد وكتاب محمد بن نصر المروزي وكتاب ابن المنذر الأكبر والأصغر ثم مصنف حماد بن سلمة وموطأ مالك بن أنس وموطأ ابن أبي ذئب وموطأ ابن وهب ومصنف وكيع ومصنف محمد بن يوسف الفريابي ومصنف سعيد بن منصور ومسائل أحمد بن حنبل وفقه أبي عبيد وفقه أبي ثور.
قلت: ما أنصف ابن حزم؛ بل رتبة الموطأ أن يذكر تلو الصحيحين مع سنن أبي داود والنسائي لكنه تأدب وقدم المسندات النبوية الصرف وإن للموطأ لوقعا في النفوس ومهابة في القلوب لا يوازنها شيء.
كتب إلينا المعمر العالم أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون من مدينة تونس عام سبع مائة عن، أبي القاسم أحمد بن يزيد القاضي عن، شريح بن محمد الرعيني أن أبا محمد بن حزم كتب إليه قال: أخبرنا، يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود أخبرنا، قاسم بن أصبغ حدثنا، إبراهيم ابن عبد الله حدثنا، وكيع عن، الأعمش عن، أبي صالح عن، أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة".
أخرجه مسلم1 عن، أبي سعيد الأشج عن، وكيع.
وبه: قال ابن حزم: حدثنا، أحمد بن محمد الجسوري حدثنا، محمد بن عبد الله بن أبي دليم حدثنا، محمد بن وضاح حدثنا، أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا، يزيد بن هارون أخبرنا، حميد عن، بكر بن عبد الله المزني عن، ابن عمر قال: إنما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج وأهللنا به معه فلما قدم قال: "من لم يكن معه هدي فليحلل". فأحل الناس إلا من كان معه هدي، وكان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هدي، ولم يحل.
وبه: قال ابن حزم: حدثني أحمد بن عمر العذري حدثنا، عبد الله ابن الحسين بن عقال حدثنا، عبيد الله بن محمد السقطي حدثنا، أحمد ابن جعفر بن سلم حدثنا، عمر بن محمد الجوهري حدثنا، أحمد بن محمد الأثرم حدثنا، أحمد بن حنبل حدثنا، هشيم أخبرنا، حميد حدثنا، بكر بن عبد الله سمعت أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبي بالحج والعمرة جميعا. قال بكر: فحدثت بذلك ابن عمر فقال: لبى بالحج وحده.
وقع لنا هذا في مسند أحمد فأنا وابن حزم فيه سواء.
وبه: إلى ابن حزم فيما أحرق له المعتضد بن عباد من الكتب يقول:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي | تضمنه القرطاس بل هو في صدري |
يسير معي حيث استقلت ركائبي | وينزل إن أنزل ويدفن في قبري |
دعوني من إحراق رق وكاغد | وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري |
وإلا فعودوا في المكاتب بدأة | فكم دون ما تبغون لله من ستر |
كذاك النصارى يحرقون إذا علت | أكفهم القرآن في مدن الثغر |
وبه لابن حزم:
أشهد الله والملائك أني | لا أرى الرأي والمقاييس دينا |
حاش لله أن أقول سوى ما | جاء في النص والهدى مستبينا |
كيف يخفى على البصائر هذا | وهو كالشمس شهرة ويقينا |
فقلت مجيبا له:
لو سلمتم من العموم الذي | نعلم قطعا تخصيصه ويقينا |
وترطبتم فكم قد يبستم | لرأينا لكم شفوفا مبينا |
ولابن حزم:
مناي من الدنيا علوم أبثها | وأنشرها في كل باد وحاضر |
دعاء إلى القرآن والسنن التي | تناسى رجال ذكرها في المحاضر |
وألزم أطراف الثغور مجاهدا | إذا هيعة ثارت فأول نافر |
لألقى حمامي مقبلا غير مدبر | بسمر العوالي والرقاق البواتر |
كفاحا مع الكفار في حومة الوغى | وأكرم موت للفتى قتل كافر |
فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها | ولا تجعلني من قطين المقابر |
ومن شعره:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا | فجائعه تبقى ولذاته تفنى |
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة | تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا |
إلى تبعات في المعاد وموقف | نود لديه أننا لم نكن كنا |
حنين لما ولى وشغل بما أتى | وهم لما نخشى فعيشك لا يهنا |
حصلنا على هم وإثم وحسرة | وفات الذي كنا نلذ به عنا |
كأن الذي كنا نسر بكونه | إذا حققته النفس لفظ بلا معنى |
وله على سبيل الدعابة وهو يماشي أبا عمر بن عبد البر وقد رأى شابا مليحا فأعجب ابن حزم فقال أبو عمر: لعل ما تحت الثياب ليس هناك فقال:
وذي عذل فيمن سباني حسنه | يطيل ملامي في الهوى ويقول |
أمن حسن وجه لاح لم تر غيره | ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل؟ |
فقلت له: أسرفت في اللوم فاتئد | فعندي رد لو أشاء طويل |
ألم تر أني ظاهري وأنني | على ما بدا حتى يقوم دليل |
أنشدنا أبو الفهم بن أحمد السلمي أنشدنا ابن قدامة أنشدنا ابن البطي أنشدنا أبو عبد الله الحميدي أنشدنا أبو محمد علي بن أحمد لنفسه:
لا تشمتن حاسدي إن نكبة عرضت | فالدهر ليس على حال بمترك |
ذو الفضل كالتبر طورا تحت ميفعة | وتارة في ذرى تاج على ملك |
وشعره فحل كما ترى وكان ينظم على البديه ومن شعره:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة | ولكن عيبي أن مطلعي الغرب |
ولو أنني من جانب الشرق طالع | لجد على ما ضاع من ذكري النهب |
ولي نحو أكناف العراق صبابة | ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب |
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم | فحينئذ يبدو التأسف والكرب |
هنالك يدرى أن للبعد قصة | وأن كساد العلم آفته القرب |
وله:
أنائم أنت عن، كتب الحديث وما | أتى عن، المصطفى فيها من الدين |
كمسلم والبخاري اللذين هما | شدا عرى الدين في نقل وتبيين |
أولى بأجر وتعظيم ومحمدة | من كل قول أتى من رأي سحنون |
يا من هدى بهما اجعلني كمثلهما | في نصر دينك محضا غير مفتون |
قال ابن حزم في تراجم أبواب صحيح البخاري: منها ما هو مقصور على آية إذ لا يصح في الباب شيء غيرها ومنها ما ينبه بتبويبه على أن في الباب حديثا يجب الوقوف عليه لكنه ليس من شرط ما ألف عليه كتابه ومنها ما يبوب عليه ويذكر نبذة من حديث قد سطره في موضع آخر ومنها أبواب تقع بلفظ حديث ليس من شرطه ويذكر في الباب ما هو في معناه.
وقال في أول الإحكام: أما بعد | فإن الله ركب في النفس الإنسانية قوى مختلفة فمنها عدل يزين لها الإنصاف ويحبب إليها موافقة الحق قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} وقال: {كونوا قوامين بالقسط} ومنها غضب وشهوة يزينان لها الجور؛ ويعميانها عن، طريق الرشد" قال تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم}. وقال: {كل حزب بما لديهم فرحون} فالفاضل يسر بمعرفته والجاهل يسر بما لا يدري حقيقة وجهه وبما فيه وباله ومنها فهم يليح لها الحق من قريب وينير لها في ظلمات المشكلات فترى به الصواب ظاهرا جليا ومنها جهل يطمس عليها الطريق ويساوي عندها بين السبل فتبقى النفس في حيرة تتردد وفي ريب تتلدد ويهجم بها على أحد الطرق المجانبة للحق تهورا وإقداما قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}] ومنها قوة التمييز التي سماها الأوائل المنطق فجعل لها خالقها بهذه القوة سبيلا إلى فهم خطابه وإلى معرفة الأشياء على ما هي عليه وإلى إمكان التفهم فبها تكون معرفة الحق من الباطل ومنها قوة العقل التي تعين النفس المميزة على نصرة العدل فمن اتبع ما أناره له العقل الصحيح نجا وفاز ومن عاج عنه هلك قال تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}. فأراد بذلك العقل أما مضغة القلب فهي لكل أحد فغير العاقل هو كمن لا قلب له. |
وكلام ابن حزم كثير ولو أخذت في إيراد طرفه وما شذ به لطال الأمر.
قال أبو القاسم بن بشكوال الحافظ في الصلة له: قال القاضي صاعد بن أحمد: كتب إلي ابن حزم بخطه يقول: ولدت بقرطبة في الجانب الشرقي في ربض منية المغيرة قبل طلوع الشمس آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة بطالع العقرب وهو اليوم السابع من نونير.
قال صاعد: ونقلت من خط ابنه أبي رافع أن أباه توفي عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربع مائة فكان عمره إحدى وسبعين سنة وأشهرا رحمه الله.
ومن نظم أبي محمد بن حزم:
لم أشك صدا ولم أذعن بهجران | ولا شعرت مدى دهري بسلوان |
أسماء لم أدر معناها ولا خطرت | يوما علي ولا جالت بميداني |
لكنما دائي الأدوا الذي عصفت | علي أرواحه قدما فأعياني |
تفرق لم تزل تسري طوارقه | إلى مجامع أحبابي وخلاني |
كأنما البين بي يأتم حيث رأى | لي مذهبا فهو يتلوني ويغشاني |
وكنت أحسب عندي للنوى جلدا | داء عنا في فؤادي شجوها العاني |
فقابلتني بألوان غدوت بها | مقابلا من صباباتي بألوان |
وممن مات مع ابن حزم في السنة: الحافظ أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي والفقيه أبو القاسم سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج قاضي الجماعة بقرطبة والحافظ عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النخشبي وشيخ العربية أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان ببغداد ومسند الوقت أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي والمحدث أبو سعيد محمد بن علي بن محمد الخشاب النيسابوري والوزير عميد الملك محمد بن منصور الكندري.
ولابن حزم:
قالوا تحفظ فإن الناس قد كثرت | أقوالهم وأقاويل الورى محن |
فقلت: هل عيبهم لي غير أني لا | أقول بالرأي إذ في رأيهم فتن |
وأنني مولع بالنص لست إلى | سواه أنحو ولا في نصره أهن |
ولا أنثني لمقاييس يقال بها | في الدين بل حسبي القرآن والسنن |
يا برد ذا القول في قلبي وفي كبدي | ويا سروري به لو أنهم فطنوا |
دعهم يعضوا على صم الحصى كمدا | من مات من قوله عندي له كفن |
ومولد أبي جعفر في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاث مائة.
وسمع أبا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، فكان خاتمة أصحابه.
والقاضي أبا محمد بن معروف، وإسماعيل بن سويد ومحمد بن أخي ميمي وعيسى بن الوزير وأبا طاهر المخلص.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب وأبو علي البرداني وتمرتاش بن بختكين والقاسم بن طاهر المعقلي ومحمد بن مطر العباسي وأبو سعد المبارك بن علي المخرمي الفقيه وأبو الحسن بن الزاغوني وأبو عبد الله الحميدي وأبو الغنائم النرسي وأبو بكر قاضي المرستان وأبو الفتح عبد الله بن البيضاوي ومحمد بن الفرج المعلم وهبة الله بن محمد الرفيلي ومحمد بن محمد السلال وأبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموي ومحمد بن أحمد الطرائفي ومحمد بن علي بن الداية وأبو تمام أحمد بن محمد بن المختار الهاشمي؛ نزيل نيسابور وخلق كثير.
وكان صحيح الأصول كثير السماع جميل الطريقة.
قال أبو الفضل بن خيرون: كان ثقة صالحا.
وقال أبو سعد السمعاني: سمعت إسماعيل بن الفضل الحافظ يقول: أبو جعفر ثقة محتشم.
قلت: توفي في تاسع جمادى الأولى سنة خمس وستين وأربع مائة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 373
ابن حزم
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. م سنة 456 هـ رحمه الله وتعالى.
العلامة المشهور. له: جمهرة أنساب العرب. طبع عام 1382 هـ بتحقيق عبد السلام هارون. نشر دار المعارف بمصر.
دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 100
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الفارسي، أبو محمد الطاهري.
روى عن: القاضي يونس بن عبد الله، وأبي بكر بن همام بن أحمد القاضي، وجماعة.
قال الحميدي: كان حافظاً عالماً بعلوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً، ذا فضائل وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات كثير، وسمع سماعاً جماً، وأول سماعه من ابن الجسور قبل الأربعمائة، ثم ذكر جملة من أسماء تواليفه ثم قال: وما رأينا مثله في ما اجتمع له، مع الذكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النفس والبدن، وكان له من الأدب والشعر نفس واسع، وباع طويل، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير وقد جمعناه على حروف المعجم.
وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعةً في علوم اللسان، ووفور حظ من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار. وأخبرني ابنه أبو رافع الفضل بن علي أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تواليفه نحو أربعمائة مجلد يشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة، وقد كتب إلي ابن حزم يقول بخطه: ولدت بقرطبة في الجانب الشرقي في ربض منية المغيرة قبل طلوع الشمس،
وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح، آخر ليلة الأربعاء، آخر يوم من شهر رمضان المعظم، وهو اليوم السابع من نونبر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، بطالع العقرب، ونقلت من خط ابنه أبي رافع أن أباه توفي رحمه الله عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة، فكان عمره رحمه الله إحدى وسبعين سنة وعشرة أشهر وتسعة وعشرين يوماً.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 7- ص: 1
ابن حزم الإمام العلامة الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف الفارسي الأصل اليزيدي الأموي مولاهم القرطبي الظاهري
كان أولا شافعياً ثم تحول ظاهريا وكان صاحب فنون وورع وزهد وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار
له المحلى على مذهبه واجتهاده وشرحه المحلى والملل
والنحل والإيصال في فقه الحديث وغير ذلك
آخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن شريح بن محمد مات في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 435
والحافظ أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 132
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، أبو محمد الفارسي
مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب وأصله من قرية ’’منت ليشم’’ من عمل
أونبة من كورة لبلة من غرب الأندلس. كان أبوه وزيرا للمنصور بن أبي عامر ثم للمظفر بعده.
إمام في الفنون. وزر هو بعد أبيه للمظفر، ثم ترك الوزارة، وأقبل على التصنيف ونشر العلم. ومن تصانيفه: كتاب التقريب في بيان حدود الكلام وكيفية إقامة البرهان في كل ما يحتاج إليه منه، وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس برهانا، وكتاب الأخلاق والسير، صغير، وكتاب الفصل بين النحل والملل وكتاب الدرة في الاعتقاد، صغير، ورسالة التوقيف على شارع النجاة باختصار الطريق، وكتاب التحقيق في نقض كلام الرازي، وكتاب التزهيد في بعض كتاب الفريد، وكتاب اليقين في النقض على عطاف في كتابه عمدة الأبرار، وكتاب النقض على عبد الله الصقلي، وكتاب زجر العاوي وإخسائه ودحر الغاوي وإخزائه، وكتاب رواية أبان بن يزيد العطار عن عاصم في القراءات، وكتاب الرد على من قال: إن ترتيب السور ليس من عند الله، بل هو فعل الصحابة رضي الله عنهم، وكتاب الإحكام لأصول الأحكام، وكتاب النبذ في الأصول، وكتاب النكت الموجزة في إبطال القياس والتعليل والرأي وكتاب النقض على أبي العباس بن سريج، وكتاب الرد على المالكية في الموطأ خاصة، وكتاب الرد على الطحاوي في الاستحسان، وكتاب صلة الدامع الذي ابتدأه أبو الحسن بن المفلس، وكتاب الخصال في المسائل المجردة وصلته، في الفتوح والتاريخ والسير، وكتاب الاتصال في شرح كتاب الخصال نحو أربعة آلاف ورقة، وكتاب المحلي وشرحه كتاب المعلي في شرح المحلي بإيجاز.
وكتاب حجة الوداع، صغير، ورسالة في التلخيص، في تلخيص الأعمال وكتاب مراتب العلماء وكتاب مراتب التواليف، واختصار كتاب العلل للباجين والتاريخ الصغير في أخبار الأندلس وكتاب الجماهر في النسب، ورسالة في النفس، ورسالة في الطب، ورسالة في النساء، ورسالة في الغناء، وكتب الإعراب عن كشف الالتباس الموجود في مذاهب أصحاب الرأي والقياس، وكتاب القواعد في المسائل المجردة على طريقة ’’ أصحاب الظاهر، نحو ثلاثة آلاف ورقة وكتاب تأليف الأخبار المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ظاهرها التعارض ونفي التناقض عنها، نحو عشرة آلاف ورقة، ورسالة الاستحالات، وكتاب في الألوان، ورسالة في الروح والنفس، ورسالة في مراعاة أحوال الإمام، ورسالة في فضل الأندلس وذكر علمائها وتواليفهم، ورسالة الكشف عن حقيقة البلاغة وحسن الاستعارة في النظم والنثر، وكتاب غلط أبي عمرو في كتاب المسند والمرسل، وكتاب في العروض، صغير، وكتاب طوق الحمامة نحو ثلاثمائة ورقة، عارض كتاب الزهرة لأبي بكر بن داود، وكتاب دعوة الملل في أبيات المثل، فيه أربعون ألف بيت، وكتاب التعقيب على ابن الإفليلي في شرح المتنبي وكتاب في الوعد والوعيد، ورسالة الإيمان، وكتاب الإجماع.
جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 40
دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 200
ابن حزم
الإمام، العلامة، الفقيه، الحافظ، أحد الأعلام، أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الفارسي الأصل، الأموي، اليزيدي، القرطبي، الظاهري، صاحب التصانيف.
ولد بقرطبة سنة أربعٍ وثمانين وثلاث مئة.
وسمع من أبي عمر أحمد بن الجسور، ويحيى بن مسعود بن وجه الجنة، ويونس بن عبد الله القاضي، وحمام بن أحمد القاضي، ومحمد بن سعيد بن نبات، وعبد الله بن ربيع التميمي، وعبد الله بن محمد بن عثمان، وأبي عمر الطلمنكي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، وعبد الله بن يوسف بن نامي، وخلقٍ سواهم.
روى عنه: أبو عبد الله الحميدي - فأكثر - وابنه أبو رافع الفضل، وطائفة. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن شريح بن محمد.
وأول سماعه في سنة أربع مئة.
وكان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ، والاطلاع على العلوم، وكان أولاً شافعياً، ثم صار ظاهرياً فجتهداً، وصنف كتباً كثيرة منها: كتاب ’’الإيصال’’ وهو كتاب كبير، وكتاب ’’الإحكام لأصول الأحكام’’ وكتاب ’’المجلى’’ في الفقه، مجلد، وشرحه هو ’’المحلى’’ في ثمان
مجلدات، وكتاب ’’الفصل في الملل والنحل’’ وكتاب ’’ [إظهار] تبديل اليهود والنصارى للكتابين: التوراة والإنجيل’’. وكتاب ’’التقريب لحد المنطق والمدخل إليه’’، وكتاب ’’الصادع في الرد على من قال بالتقليد’’، وكتاب ’’شرح أحاديث الموطأ’’، وكتاب ’’الجامع’’ في صحيح الحديث باختصار الأسانيد، وكتاب ’’التلخيص والتخليص’’ في المسائل النظرية، وكتاب ’’كشف الالتباس لما بين الظاهرية وأصحاب القياس’’ وكتاب فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي جمهور العلماء وما انفرد به كل واحدٍ، ولم يسبق إلى ما قاله، وغير ذلك.
قال أبو الحسن بن القطان: أبو محمد بن حزم الحافظ الفقيه على مذهب أهل الظاهر، برع في الفقه والحديث، والتاريخ والآداب، وهو من بيتٍ وزارة، ووزر بنفسه لبعض ملوك الأندلس، ثم تخلى لطلب العلم والانفراد له.
وقال صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة، مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، ومعرفته بالسير والأخبار، أخبرني ولده الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربع مئة مجلد تحتوي على نحوٍ من ثمانين ألف ورقة.
وقال الحميدي: كان أبو محمدٍ حافظاً للحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علومٍ جمة، عاملاً بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفسٌ واسع، وباع طويل، ما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
وقال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر أحمد من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر ثم وزر للمظفر بن المنصور، ووزر أبو محمد للمستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام، ثم نبذ الوزارة وأقبل على العلم، وبرع في المنطق، ثم أعرض عنه، وأقبل على علوم الإسلام فنال ما لم ينله أحد.
وقال أبو حامد الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتاباً ألفه محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه.
وقال اليسع بن حزم الغافقي: أما محفوظ أبي محمدٍ فبحرٌ
عجاج، وماء ثجاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ من علوم المسلمين، وأربى على أهل كل دين، وألف ’’الملل والنحل’’، كان أولاً يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير، مدح المعتمد فأجاد، وقصد بلنسية، وبها المظفر أحد الأطواد، حدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا، ويتعجب، ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفقه جووب عليه، فاعترض فيه، فقال بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك. فقام وقعد، ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابلٌ فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع، فناظر أحسن مناظرة، قال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد، ولا أتقيد بمذهب.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام مثل ’’المحلى’’ لابن حزم، و’’المغني’’ للشيخ الموفق.
وقال أبو الخطاب بن دحية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان، وأصابه زمانة، وعاش اثنتين وسبعين سنة إلا شهراً.
وقال أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي: أخبرني ابن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازةً، فدخل المسجد، فجلس ولم يركع، فقال له رجلٌ: قم فصل تحية المسجد، وكان ابن ست وعشرين سنة.
قال: فقمت وركعت، فلما رجعنا من الجنازة جئت المسجد، فبادرت بالتحية، فقيل لي: اجلس اجلس، ليس هذا وقت صلاةٍ - يعني بعد العصر - فانصرفت حزيناً, وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون، فقصدته، وأعلمته بما جرى علي، فدلني على ’’الموطأ’’، فبدأت به عليه قراءةً، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره ثلاثة أعوام، وبدأت بالمناظرة.
ثم قال ابن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب ’’الفصل’’، وقرأنا عليه من كتاب ’’الإيصال’’ سبع مجلدات في سنة ست وخمسين، وهو أربعة وعشرون مجلداً.
وقال أبو مروان بن حيان: كان ابن حزم حامل فنونٍ من حديثٍ وفقه وجذل ونسب وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله كتبٌ كثيرة لم يخل فيها من غلطٍ لجرأته في التسور على الفنون لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك، وضل في سلوك المسالك، وخالف أرسطو واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض، ومال أولاً في النظر إلى الشافعي وناضل عنه حتى وسم به، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدل إلى الظاهر، فنقحه، وجادل عنه، ولم [يك] يلطف صدعه بما عنده بتعريضٍ ولا بتدريجٍ، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه إنشاق الخردل، فتنفر عنه القلوب، وتقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فتمالؤوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو منه، فطفق الملوك يقصونه، ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره, وهي بلدة من بادية لبلة، وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجعٍ، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده، من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يسمعهم ويفقههم ويدارسهم، [حتى] كمل من مصنفاته وقر بعير لم يجاوز أكثرها عتبة باديته لزهد الفقهاء فيها، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية، ومزقت علانية، وأكبر معايبه - زعموا - عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أعوص من إتقانه، وتخلفه عن ذلك على قوة
سبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه إلى أن يحرك بالسؤال، فتفجر منه بحر علم، لا تكدره الدلاء.
قال ابن حيان: وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم، واعتقاده لصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب.
وقد ذكر لابن حزم قول من يقول: أجل المصنفات ’’المؤطأ’’.
فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم ’’الصحيحان’’ و’’صحيح’’ سعيد بن السكن، و’’المنتقى’’ لابن الجارود، و’’المنتقى’’ لقاسم بن أصبغ [ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، و’’مصنف’’ قاسم بن أصبغ] و’’مصنف’’ الطحاوي، و’’مسند’’ البزار، و’’مسند’’ ابن أبي شيبة، و’’مسند’’ أحمد بن حنبل، و’’مسند’’ ابن راهويه، و’’مسند’’ الطيالسي، و’’مسند’’ الحسن بن سفيان، و’’مسند’’ ابن سنجر، و’’مسند’’ عبد الله بن محمد المسندي، و’’مسند’’ يعقوب بن شيبة، و’’مسند’’ علي بن المديني، و’’مسند’’ ابن أبي غرزة، وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفاً، ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره مثل ’’مصنف’’ عبد الرزاق، و’’مصنف’’ أبي بكر بن أبي شيبة، و’’مصنف’’ بقي بن مخلد، وكتاب
محمد بن نصر المروزي، وكتاب أبي بكر بن المنذر الأكبر والأصغر، ثم ’’مصنف’’ حماد بن سلمة، و’’مصنف’’ سعيد بن منصور، و’’مصنف’’ وكيع، و’’مصنف’’ الفريابي، و’’موطأ’’ مالك بن أنس، و’’موطأ’’ ابن أبي ذئب، و’’موطأ’’ ابن وهب، و’’مسائل’’ أحمد بن حنبل، وفقه أبي عبيد، وفقه أبي ثور.
قلت: أبو محمد بن حزم من بحور العلوم، له اختيارات كثيرة حسنة، وافق فيها غيره من الأئمة، وله اختياراتٌ انفرد بها في الأصول والفروع، وجميع ما انفرد به خطأ، وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة، وقد تكلم فيه القاضي أبو بكر بن العربي، وأبو بكر بن مفوز وغيرهما، وبالغ بعضهم في الحط عليه، وقد جرى بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرة، ووقع بينهما منافرة.
قال أبو بكر بن العربي، في كتاب ’’القواصم والعواصم’’ وقد ذكر الظاهرية: هي أمةٌ سخيفة، تسورت على مرتبة ليست لها، وتكلمت بكلامٍ لم تفهمه، تلقفوه من إخوانهم الخوارج حيث تقول: لاحكم إلا لله، وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيفٌ كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل، واستقل بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة، يضع ويرفع، ويحكم
ويشرع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا، تنفيراً للقلوب عنهم، وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله وصفاته، فجاء فيه بطوام، واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدليل كاعوا، فيتضاحك مع أصحابه منهم، وعضدته الرياسة بما كان عنده من أدبٍ، وبشبهٍ كان يوردها على الملوك، فكانوا يحملونه ويحمونه بما كان يلقي إليهم من شبه البدع والشرك.
ثم أطال ابن العربي في الحط على ابن حزم والظاهرية بما فيه نظر، وقد نوقش عليه، والله يحب الإنصاف.
قلت: وقد طالعت أكثر كتاب ’’الملل والنحل’’ لابن حزم فرأيته قد ذكر فيه عجائب كثيرة ونقولاً غريبة، وهو يدل على قوة ذكاء مؤلفه وكثرة اطلاعه، لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد، لا يثبت من معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق والحق، وسائر الأسماء عنده لا تدل على معنى أصلاً كالرحيم والعليم والقدير ونحوها، بل العلم عنده
هو القدرة، والقدرة هي العلم، وهما عين الذات، ولا يدل العلم على معنى زائد على الذات المجردة أصلاً، وهذا عين السفسطة والمكابرة، وكان ابن حزم في صغره قد اشتغل في المنطق والفلسفة، وأخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي، وأمعن في ذلك فتقرر في ذهنه بهذا السبب معاني باطلة، ثم نظر في الكتاب والسنة فوجد ما فيهما من المعاني المخالفة لما تقرر في ذهنه فصار في الحقيقة حائراً في تلك المعاني الموجودة في الكتاب والسنة، فروغ في ردها روغان الثعلب، فتارة يحمل اللفظ على غير معناه اللغوي، ومرة يحمل ويقول: هذا اللفظ لا معنى له أصلاً، بل هو بمنزلة الأعلام، وتارة يرد ما ثبت عن المصدوق، كرده الحديث المتفق على صحته في إطلاق لفظ الصفات، وقول الذي كان يلزم قراءة {قل هو الله أحدٌ} لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها، ومرة يخالف إجماع المسلمين في إطلاق بعض الأسماء على الله عز وجل، وفي كلامه على اليهود والنصارى ومذاهبهم وتناقضهم فوائد كثيرة، وتخليط كثير، وهجومٌ عظيم، فإنه رد كثيراً من باطلهم بباطلٍ مثله، كما رد على النصارى في التثليث بما يتضمن نفي الصفات، وكثيراً ما يلعن ويكفر ويشتم جماعة ممن نقل كتبهم كمتى ولوقا ويوحنا وغيرهم، ويقذع في القدح فيهم إقذاعاً بليغاً، وهو في الجملة لون غريبٌ وشيء عجيب، وقد تكلم على نقل القرآن والمعجزات وهيئة العالم بكلامٍ أكثره مليح حسن.
ومما عيب على ابن حزم فجاجة عبارته، وكلامه في الكبار.
قال أبو العباس بن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
وقال أبو بكر محمد بن طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي: توفي ابن حزم بقريته، وهي على خليج البحر الأعظم في جمادى الأولى سنة سبعٍ وخمسين وأربع مئة.
وقال غيره: مات ليومين بقين من شعبان سنة ست وخمسين، وهذا هو الصواب.
وفيها: مات مفتي الحنفية ببخارى العلامة شمس الأئمة أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الحلواني، صاحب التصانيف، في شعبان. والعلامة المتكلم أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي. ومسند بغداد أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن حسنون النرسي، وله تسعون سنة. ومحدث نيسابور المفيد أبو سعيد محمد بن علي بن محمد النيسابوري الخشاب، في عشر الثمانين.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 3- ص: 1
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب أبو محمد
أصله من الفرس وجده الأقصى في الإسلام اسمه يزيد مولى ليزيد بن أبي سفيان كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير المماليك، متواضعاً ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة في كل ما تحقق به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً وسمع سماعاً جماً، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور، قبل به من العلوم، وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات شيئاً كثيراً وسمع سماعاً جماً، وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور، قبل الأربعمائة، وألف في فقه الحديث كتاباً كبيراً سماه كتاب ’’الإيصال إلى فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام وسائر الأحكام على أوجبه القرآن والسنة والإجماع’’ أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين في مسائل الفقه والحجة لكل طائفة عليها والأحاديث الواردة في ذلك من الصحيح والسقم بالأسانيد وبيان ذلك كله وتحقيق القول فيه، وله كتاب ’’الإحكام لأصول الأحكام’’ في غاية التقصي وإيراد الحجاج، وكتاب ’’الفصل في الملل والأهواء والنحل’’، وكتاب في الإجماع ومسائل على أبواب الفقه، وكتاب مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض، وكتاب ’’إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل’’ وهذا مما سبق إليه، وكذلك كتاب ’’التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية’’ فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب المخرقين به طريقة لم يسلكها أحد قبله في ما علمنا.
مولده في ليلة الفطر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بقرطبة، ومات بعد الخمسين وأربعمائة، وكان له في الآداب والشعر نفس واسع وباع طويل قال: وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه وشعره كثير قال: وقد جمعناه على حروف المعجم ومنه:
هل الدهر إلا ما عرفناه وأدركناه | فجائعه تبقى ولذاته تفنى |
إذا أمكنت فيه مسرة ساعة | تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا |
إلى تبعات في المعاد وموقف | نود لديه أننا لم تكن كنا |
حصلنا على هم وإثم وحسرة | وفات الذي كنا نلذ به عنا |
حنين لما ولى وشغل بل أتى | وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا |
كأن الذي كنا نسر بكونه | إذا حققته النفس لفظ بلا معنى |
ولي نحو أكتاف العراق صبابة | ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب |
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم | فحينئذ يبدو التأسف والكرب |
فكم قائل أغفلته وهو حاضر | وأطلب ما عنه تجيء به الكتب |
هنالك يدري أن للبعد قصة | وأن كساد العلم آفته القرب ومنها في الاعتذار عن المدح لنفسه: |
ولكن لي في يوسف خير أسوة | وليس علي من بالنبي أئتسي ذنب |
يقول وقال الحق والصدق إنني | حفيظ عليم ما على صادق عتب |
منأى من الدنيا علوم أبثها | وأنشرها في كل باد وحاضر |
دعاء إلى القرآن والسنن التي | تنسى رجال ذكرها في المحاضر |
أين وجه قول الحق في نفس سامع | ودعه فنور الحق يسري ويشرق |
سيؤنسه رفقاً فينسى بفاره | كما نسى القيد الموثق مطلق |
لئن أصبحت مرتجلاً بشخصي | فروحي عندكم أبداً مقيم |
ولكن للعيان لطيف معنى | له سأل المعانيه الكليم |
يقول أخي شجاك رحيل جسم | وروحك ما له عنك رحيل |
فقلت له المعاين مطمئن | لذا طلب المعاينة الخليل |
دار الكاتب المصري - القاهرة - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 1