علي العمادي علي بن ابراهيم بن عبد الرحمن العمادي: شاعر، من فقهاء دمشق وأعيانها، وممن ولى افتاء الحنفية فيها.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 252
علي العمادي علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عماد الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي صدر صدور دمشق كان مهابا محتشما وقورا عالما علامة نحريرا فقيها أديبا ماهرا حاذقا فائقا ولد في دمشق ليلة الأثنين ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وألف ونشأ بها وقرأ على والده وعميه شهاب الدين وكمال الدين العالمين الفاضلين وعلى جماعة منهم الشيخ محمود الكردي والعالم الشيخ إبراهيم الفتال والفرضي الحيسوب الشيخ رجب القصيفي الميداني وغيرهم وتولى تدريس المدرسة السليمانية في الميدان الأخضر وافتاء الحنفية بدمشق وعزل عنها وسلك بها سلوك سلفه المتقدمين وبالجملة فقد كان من الأعيان الأفاضل مرجعا في الأمور ومحترما ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو الآن في الحضرة الخضرة متعين في نظرائه بالمعالي النضرة فيكاد يشير إليه من يغمض عينيه ومن أرد أن يكون السعد من خدمه فليضع قدمه مكان قدمه فالاقبال كأنما خلق لأجله واليمن في مواطئه بخيله ورجله وهناك جد لو كان بظبة صارم ما تبدا غراره وبشر لو سال بصفحة البدر ما خيف سراره وأنا إذا جئت أصفه ولا أقدر أني أنصفه قلت أعلى الله مكانه وشيد في أفق النباهة أركانه فما زال إلا من يواصل هدوه والجذل بصاحب رواحه وغدوه وله السلامة التي يهنأ بها ويحيى والدنيا التي لم تزل غضة العهد طلقة المحيا وله عندي وراء ذلك وداد برى من الكلف وامتداح لونا له البدر لأنجلى عنه الكلف وهو في الفضل كأبيه وجده وإذا قيس بهما فقد انتهى لأقصى حده وأما أدبه فقد حل من البراعة مكانا عليا وهمي ودقه على ربا الاجادة وسميا ووليا فإذا أجال يراعه ملأ القرطاس بلاغة وبراعه وإذا وشى الصحائف من حبائر بديهته واملأته فكأنما أفاض عليها من أنواره ولألأته وقد اثبت له ما يهيج الأدب ويزينه وإذا وزن به الشعر رجحت موازينه فمنه قوله فيما كتبه إلى الأستاذ الكبير زين العابدين الصديقي يستدعيه لدمشق
قد ألبس الروض أنواعا من الحبر | وتوج الغصن اكليلا من الزهر |
ومدت الأرض وسط الروض جاشية | من الزمرد في مستنزه نضر |
وقام كل خطيب في الرياض شدا | بلحن معبد وقع الناي والوتر |
وفاح نشر عبير في دمشق غدا | يغني بطيب شذا عن عنبر عطر |
كأن عطر غوان قد ضمخن به | أتت به من بخور نسمة السحر |
وراقبت فرصة الأخفاء فانغسلت | كالسحر بين مقر الجن والشعر |
فاستبضعت كل لطف مع لطافتها | واستصحبت كل عرف طيب الأثر |
فقمت أنشق رياها وقلت لها | جودي علي فإني لأت مصطبري |
وخبريني أهذا العرف منشأوه | عن طيب مخبر أم أطيب الخبر |
قالت أعيذك من هذا النباء أما | كفاك رونق هذا العام من خير |
فالشام سامية والأرض نامية | والسحب هامية بالطل والمطر |
من أجل أن امام الوقت أعنى به | زين الأنام وكهف البدو والحضر |
ذاك الامام الذي بالمجد قد بهرت | آيات محتده الزاهي على الزهر |
وابن الامام الذي ما مثله أحد | إذ كان في الغار ثاني سيد البشر |
يروم جلق قصدا أن يشرفها | بالبشر منه فتضحى نزهة البصر |
فقلت أهلا بما أديت من نبأ | أودعت في السمع منه أنضر الدرر |
وصرت ألثم فاها فرحة وهوى | ومنطقا ورده أحلى من الصدر |
فأنجز الوعد لطفا منك سيدنا | فالشام إن جزت صينت عن يد الغير |
فأعين الزهر وسط الروض شاخصة | لكي تراك فتحظى منك بالنظر |
إذا رأيت ليالي الوصل مقبلة | من الحبيب فأحسنها معاملة |
وقل له إن ترم مني منادمة | أصحب نديمك أقداحا مسلسلة |
وأسقه أنت بغياه وطلبته | لتجمع الراح والأفراح ليلته |
ولا تلمه فإن الشرب نشأته | من كف ريم مليح الدل ريقته |
فالراح كالريح نعم القول من نبأ | وقد روته بنو العباس عن ملأ |
وقال اسحقهم ناهيك من فتأ | لا تشرب الراح إلا من يدي رشأ |
الراح كالريح إن مرت عطر | تذكو وتخبث إن مرت على الجيف |
عز هذا العزيز في سلطانه | ومضى والمطال أكبر شأنه |
وأرانا من سحر عينيه هارو | ت وماروت من شبا أجفانه |
فاستمال القلوب نحو محيا | كان سلب العقول من برهانه |
وحبانا من جل ما نتمنى | غن شذا ورده ومن ريحانه |
وأرانا برق الثنايا اختلاسا | خوف واش وحاسد يريانه |
ورأيت الغرام من فيه لما | لاح فرق اللما وضؤ جمانه |
فشهدت المدام في الكون طرا | من لماه والسكر من لمعانه |
وضروب الجمال قد جمعت فيه | وفي شكله وفي ألوانه |
قده كالقضيب من فوق ردف | ذي اهتزاز يميس في أعكانه |
تحت وجه كالروض أودع فيه | كل معنى يروق في ابانه |
خده كالشقيق في اللون والصد | ع كأس الرياض في عنفوانه |
تحت جيده الذي حل فيه | خاله مخنف لجل مكانه |
فافتتنا بقامة وبجيد | وسبانا زمردي هميانه |
وكأنما المصباح وسط حديقة | محفوفة بالورد والنسرين |
بدر بدا تحت السحاب أحاطه | قزح بقوس محكم التكوين |
أو غادة قد ألبست لبهائها | حلل الجمال بديعة التلوين |
أو شادن قد خط تحت جبينه | بالطرة العجماء تحت السين |
باكر صبوحك من فيه مشعشعة | تضئ إن رشفت منه كمصباح |
بيضاء مثل نهار الوصل رؤيتها | وحالة الرشف تكسي لون تفاح |
لأن نسبت در الثغر حالتها | ودنها من عقيق اللون وضاح |
وعاذل قال ما في الراح معتبة | فاستغن عنها بكاسات وأقداح |
فقلت يا جاهلا في الحب معرفتي | إليك عني فلا أصغي إلى اللاحي |
لا أشرب الراح إلا من مقبل من | تقبيل راحته أشهى من الراح |
ما كنت أحتسب قبل نبت عذاره | إن العذار لحسنه تأكيد |
حتى بدا في خده متجعدا | كفتيت مسك لا يلين جديد |
فكان محمر الخدود شقائق | عن لثم أفواه الأنام تحيد |
وكان معوج العذار بصدغه | شرك لحبات القلوب يصيد |
وعاذل قال عقرب لذغت | أحمد نوع الجمال سيده |
قلت عجيب لها أما رهبت | عقرب صدغ رأت محدده |
قالوا رأته وأنت تخبره | ذاك للسع اللقلوب ترصده |
فقلت إذ بان إن عقربكم | لما أتته رأت تأوده |
خافت على قلبها يمزقه | فزحزحته وقبلت يده |
وبقيت في يوم أغر مبشر | بسعادة غراء تطلع في غد |
لتقيم كل مأود وتنيم كل | مسهد وتضم كل مبدد |
ومنذ حللنا مصبحين بروضته | وقابلنا سلسالها بصفائه |
وهب نسيم الغرب يسحب ذيله | بنفحة طيب فاح عرف ذكائه |
وقام للقيانا خطيب هزارها | على فنن يتلو ضروب غنائه |
وأفرشنا فيها الربيع مطارفا | وجر علينا اللهو فضل ردائه |
تراقصت الأغصان في جنباتها | وصفق فوق النهر راحة مائه |
وأسكرنا من طيب راح حديثه | نديم ندامى جملوه برائه |
أكب إلى أن قلدته عقودها | مدامة شمس أشرقت بسمائه |
وجاء لنا يلقى نثير حبابها | فشنف منا السمع عند لقائه |
ورحت ومن أنفاسه بي نشوة | كنشأته بالراح عند جلائه |
خلت سوادا في بياض خد من | أربى على الشموس في إشراقه |
حيرني ثم أضاء ثغره | رأيته الأهداب من عشاقه |
جئت بالذل للزيارة يوما | راجيا محو زلتي وذنوبي |
وتشفعت بابنة ابنة طه | سيد الرسل ملجأ المكروب |
جازما أن أنال منه مرادي | آئيا من عطاه بالمطلوب |
سلوه لماذا يستبيح دم الصب | أيحسب إن الحب فيه من الذنب |
يضل ويهدي من يشاء كما غدا | يميت ويحيى بالتباعد والقرب |
دعا لهواه القلب مرسل صدغه | فراح يلبيه الفؤاد من اللب |
يبيت به جفني القريح مسهدا | ويصبح فيه الطرف أحير من ضب |
بمن جعل الورد الجني مسيجا | بآس عذار طيب نفحه طبي |
كفيت عناءي فيه داوي بلثمه | حريق لظى وجد تسعر في القلب |
ربيب فؤادي إن صبري خانني | وضاق لفرط الوجد فيك فضا رحبي |
يقيك الهي لوعتي وتولهي | بحبك فرج بالاجابة لي كربي |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 3- ص: 196