الواسطي علي بن إبراهيم بن علي بن معتوق الواسطي، يعرف بابن الثردة: من عقلاء المجانين. كان واعظا، يقول الشعر. أصله من واسط. نشأ ببغداد، وسكن دمشق فجلس للوعظ، ثم اختلط، ووضع في المارستان، وكان ينظم الشعر الجيد في حال اختلاله، وتوفي في المارستان.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 251
ابن الثردة الواعظ علي بن إبراهيم بن علي بن معتوق بن عبد المجيد بن وفاء، علاء الدين أبو الحسن الواسطي الأصل، البغدادي المنشأ، المعروف بابن الثردة الواعظ.
سألته عن مولده، فقال: بكرة الاثنين، ثاني عشرين شعبان، سنة سبع وتسعين وستمائة.
قدم إلى دمشق مرات، ووعظ بها بالجامع الأموي، ثم إنه حصل له خلط سوداوي، فتغير حاله، وكان يدعي في هذه الحالة أنه كانت له ببغداد كتب تقدير ألفي مجلدة، وأن جماعة من التجار الذين قدموا إلى دمشق اغتصبوها وأخذوها منه، ولم يلق من يساعده على ذلك، وكان ذلك كله من مخيلة السوداء، فساءت حاله وأضرت به، والتحق بعقلاء المجانين، وكان يتخذ كارة يحملها تحت إبطه لا يفارقها ليلا ولا نهارا، بحيث إنه كان إذا دخل إلى الطهارة يكون جالسا، وهي تحت إبطه، وكلما وجد خيطا أو حبلا شدها به، فلا تزال في نمو وزيادة، وهو حاملها، وكان يقول: لو دفع لي فيها ألف دينار، ما بعتها.
وكان ينظم الشعر الجيد في هذه الحالة، وعلق عني أشياء وعلقت عنه، وكان إذا دفع إليه أحد شيئا من دراهم أو غيرها يقول: من أنت؟ أظن عندك شيئا من كتبي فأنت تبرطلني على ذلك، ولا يقبل لأحد شيئا إلا بعد الجهد.
وكنت أراه فأتألم له، وأتوجع لما أصابه، وآخر الأمر لما زادت تلك الكارة، وثقلت، أبطل حملها، ثم إنه مرض، وحمل إلى المارستان النوري، فطالت علته، وتوفي - رحمة الله تعالى- في أول ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة، وكتب قصيدة إلى الأمير سيف الدين كافل السلطنة بدمشق، يشكو فيها خصومه، وهي:
يا نائب السلطان لا تك غافلا | عن قتل قوم للظواهر زوقوا |
قوم لهم وقع وذكر في الورى | ويرى عليهم للمهابة رونق |
وإذا رأوا شيئا عليه تحيلوا | في أخذه وتأولوا وتملقوا |
ما هم تجار بل لصوص كلهم | فأمر بهم أن يقتلوا أو يشنقوا |
ألمين دأبهم إذا ما حدثوا | ما فيهم من في كلام يصدق |
مرقوا من الدين الحنيف بأسرهم | كالسهم ظل من الرمية يمرق |
كم أستغيث وكم أصيح وأشتكي | منهم إليك وكم لقلبي أحرقوا |
سدوا علي الطرق بغيا منهم | أني اتجهت وللأعادي أذلفوا |
وأتوا بمالي من لآمة طبعهم | نحو الشآم وبينهم قد فرقوا |
وأراك لا تجدي لديك شكاية | إلا كأنك حائط لا ينطق |
ماذا جوابك حين تسأل في غد | عنهم ورأسك من حياتك مطرق |
ما أنت راع والأنام رعية | وإذا ركبت لك الملوك تطرق |
كن منصف المظلوم من غرمائه | فالبغي مصرعه وفعل موبق |
وأكشف ظلامه من شكا من خصمه | فالحق حق واضح هو مشرق |
لا تعف عن قوم سعوا بفسادهم | في الأرض بغيا منهم وتحرقوا |
وانصب لهم شرك الردى إن أنجدوا | أو أتهموا أو أشأموا أو أعرقوا |
لا تبترق منهم وإن هم أسرجوا | أو ألجموا أو أرعدوا أو أبرقوا |
ومتى ظفرت بمفسد لا تبقه | فبقاؤه للناس ضر مقلق |
واكفف أكف الظالمين عن الورى | ليكف عنك الله شرا يطرق |
لا زلت سيفا للأعادي قاطعا | ورؤوسهم مهما حييت تحلق |
وبقيت في مجد رفيع لا يهي | وبنود نصرك عاليات تخفق |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
علي بن إبراهيم بن علي ابن معتوق بن عبد المجيد بن وفا، علاء الدين أبو الحسن الواسطي الأصل البغدادي المنشأ، الواعظ المعروف بابن الثردة، بالثاء المثلثة والراء والدال.
قدم إلى دمشق مرات ووعظ بها، وأخذ من فضتها وذهبها، ولكنه في المرة الأخيرة تغيرت حاله، وتغبت سماء عقله وغزاله، فالتحق بعقلاء المجانين، وسلك من الهذر في أفانين، وكان يثوب إليه عقله في بعض الأوقات، وتكون منادمته ألذ من الأقوات، فينشد الأشعار الرائقة له ولغيره، ويبذر الحب لسقوط طيره، ثم يعاود الاختلال والاختلاط، وينخل، إذ ينخل من الرباط. رأيته في هذه الحالة وهو يجاري القاضي شهاب الدين بن فضل الله بيتا فبيتا، ويسبق إلى نظم البيت حتى إخاله كميتا.
وابتدأ بعمل كارة صغيرة يحملها تحت إبطه، ويجتهد عليها بكل جهده وضبطه. وهو يزيدها في كل يوم مما يراه مطرحا في الطرق، إما خيطا أو حبلا ويديره عليها كالنطق، وتلك في كل يوم تنمو وتزيد، وهو يقاسي من حملها العذاب الشديد، حتى إنه يكون في الطهارة وهو يكابد حملها، وما ينكر حملها. ولما كان آخر وقت ضعف عن حملها فألقاها، وعجز عن ضمها ومعالجة شقاها.
وأصبح ابن الثردة طعام الدود، وشخصه المنتصب وهو تحت الأرض ممدود.
وتوفي رحمه الله تعالى بالبيمارستان النوري في أول شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبع مئة.
وسألته عن مولده، فقال: في ثاني عشري شعبان سنة سبع وتسعين وست مئة.
وكان في هذا الاختلاط يدعي أنه كانت له ببغداد كتب تقدير الألفي مجلد، وأن جماعة من التجار الذين قدموا إلى دمشق اغتصبوها وأخذوها منه، ولم يلق من يساعده على ذلك.
وكان ذلك من مخيلة السوداء، فساءت حاله وأضرت به، وأخذه الولع الزائد في هذه الكارة، ويطلبها الناس منه فيقول: لو دفع لي فيها ألف دينار ما أبعتها. وكان قد أتى إلى بعض الحكام وادعى عنده، وهو في هذه الحالة، على التجار الذين أخذوا كتبه، فقال له القاضي: يا شيخ علاء الدين، قولك دعوى، ألك بينة تشهد بذلك؟ فقال له: كيف يكون لي بينة، وقد صفعوك منها بمئتي مجلد، يعني دفعوها برطيلا، فضحك القاضي والحاضرون منه.
وعلق عني أشياء من نظمي، وعلقت عنه. وقال لي يوما: أنشدني هذين البيتين اللذين لك في الجناس، وأنا قد حفظتهما، ولكن أشتهي أسمعهما منك لأرويهما بالسماع. فأنشدته لنفسي:
أتاني كتاب فيه أن محبتي | تلاشت كما قيل أي تلاشي |
فيا قبح ما قد ضم جانب طرسه | فضائح واش في فضاء حواشي |
يا نائب السلطان لا تك غافلا | عن قتل قوم للظواهر زوقوا |
قوم لهم وقع وذكر في الورى | ويرى عليهم في المهابة رونق |
وإذا رأوا شيئا عليه تحيلوا | في أخذه وتأولوا وتملقوا |
ما هم تجار بل لصوص كلهم | فأمر بهم أن يقتلوا أو يشنقوا |
المين دأبهم إذا ما حدثوا | ما فيهم من في كلام يصدق |
مرقوا من الدين الحنيف بأسرهم | كالسهم ظل من الرمية يمرق |
كم أستغيث وكم أضج وأشتكي | منهم إليك وكم لقلبي أحرقوا |
سدوا علي الطرق بغيا منهم | أني اتجهت وللأعادي أذلقوا |
وأتوا بمالي من لآمة طبعهم | نحو الشآم وبينهم قد مزقوا |
وأراك لا تجدي إليك شكاية | إلا كأنك حائط لا ينطق |
ماذا جوابك حين تسأل في غد | عنهم ورأسيك من حيائك مطرق |
ما أنت راع والأنام رعية | وإذا ركبت، لك الملوك تطرق؟ |
كن منصف المظلوم من غرمائه | فالبغي مصرعة وفعل موبق |
واكشف ظلامة من شكا من خصمه | فالحق حق واضح هو مشرق |
لا تعف عن قوم سعوا لفسادهم | في الأرض بغيا منهم وتجوقوا |
وانصب لهم شرك الردى إن أنجدوا | أو أتهموا أو أشأموا أو أعرقوا |
لا تنبرق منهم وإن هم أسرجوا | أو ألجموا أو أرعدوا أو أبرقوا |
ومتى ظفرت بمفسد لا تبقه | فبقاؤه للناس ضر مقلق |
واكفف أكف الظالمين عن الورى | ليكف عنك الله شرا يطرق |
لا زلت سيفا للأعادي قاطعا | ورؤوسهم مهما حييت تحلق |
وبقيت في مجد رفيع لا يهي | وبنود نصرك عاليات تخفق |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 249