عثمان بن عفان عثمان بن عفان بن ابي العاص بن امية، من قريش: امير الامؤمنين، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، واحد العشرة المبشرين. من كبار الرجال الذين اعتز بهم الاسلام في عهد ظهوره. ولد بمكة، واسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنيا شريفا في الجاهلية. ومن اعظم اعماله في الاسلام تجهيزه نصف جيش العسرة بماله، فبذل ثلاث مئة بعير بأقتابها واحلاسها وتبرع بألف دينار. وصارت اليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23هـ ، فافتتحت في ايامه ارمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وافريقية وقبرس؛ واتم جمع القرآن، وكان ابو بكر قد جمعه وابقى ما [ايدي الناس من الرقاع والقراطيس، فلما ولي عثمان طلب مصحف ابي بكر فأمر بالنسخ عنه واحرق كل ماعداه. وهو اول من زاد في المسجد الحرام ومسجد الرسول، وقدم الخطبة في العيد على الصلاة، وامر بالاذان الاول يوم الجمعة. واتخذ الشرطة. وامر بكل ارض جلا اهلها عنها ان يستعمرها العرب المسلمون وتكون لهم. واتخذ دارا للقضاء بين الناس، وكان ابو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد. وروى عن النبي (ص) 146 حديثا. نقم عليه الناس اختصاصه اقاربه من بني امية بالولايات والاعمال، فجاءته الوفود من الكوفة والبصرة ومصر، فطلبوا منه عزل اقاربه، فامتنع، فحصروه في داره يراودونه على ان يخلع نفسهن فلم يفعل، فحاصروه اربعين يوما، وتسور عليه بعضهم الجدار فقتلوه صبيحة عيد الاضحى وهو يقرأ القرآن في بيته، بالمدينة. ولقب بذي النورين لانه تزوج بنتي النبي (ص) رقية ثم ام كلثوم. ومما كتب في سيرته: (عثمان بن عفان - ط) لصادق ابراهيم عرجون بمصر، ومثله للدكتور طه حسين، و (انصاف عثمان - ط) لمحمد أحمد جاد المولى.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 210
عثمان بن عفان (ب د ع) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. يجتمع هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في «عبد مناف». يكنى: أبا عبد الله، وقيل: أبو عمرو وقيل: كان يكنى أولا بابنه عبد الله، وأمه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كني بابنه عمرو.
وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، فهو ابن عمة عبد الله بن عامر، وأم أروى: البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو ذو النورين، وأمير المؤمنين. أسلم في أول الإسلام، دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم، وكان يقول: إني لرابع أربعة في الإسلام.
أخبرنا أبو جعفر بإسناده إلى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه دعا إلى الله، عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر. وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه. فأسلم على يديه- فيما بلغني- الزبير ابن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله- وذكر غيرهم- فانطلقوا ومعهم أبو بكر حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، فآمنوا، فأصبحوا مقرين بحق الإسلام. فكان هؤلاء الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، فصلوا وصدقوا.
ولما أسلم عثمان زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته رقية، وهاجرا كلاهما إلى أرض الحبشة الهجرتين ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة. ولما قدم إليها نزل على أوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت، ولهذا كان حسان يحب عثمان ويبكيه بعد قتله.
قاله ابن إسحاق وتزوج بعد رقية أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن لنا ثالثة لزوجناك. أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي قال: أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، حدثنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو بكر بن مردويه الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن إسحاق المفسر المقرئ، حدثنا محمد ابن إبراهيم بن مردويه، حدثنا علي بن أحمد بن بسطام، أخبرنا سهل بن عثمان، حدثنا النضر بن منصور العنزي، حدثني أبو الجنوب عقبة بن علقمة، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن لي أربعين بنتا زوجت عثمان واحدة بعد واحدة، حتى لا يبقى منهن واحدة. وولد لعثمان ولد من رقية اسمه عبد الله، فبلغ ست سنين، وتوفي سنة أربع من الهجرة.
ولم يشهد عثمان بدرا بنفسه، لأن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مريضة على الموت، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يقيم عندها، فأقام، وتوفيت يوم ورد الخبر بظفر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالمشركين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه وأجره، فهو كمن شهدها.
وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
أخبرنا الخطيب أبو الفضل عبد الله بن أبي نصر قال: أخبرنا نصر بن أحمد أبو الخطاب إجازة إن لم يكن سماعا، أخبرنا أحمد بن طلحة بن هارون، أخبرنا أحمد بن سليمان، حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا علي بن عاصم، حدثني عثمان بن غياث، حدثني أبو عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، إذ استفتح رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشره بالجنة. فقمت ففتحت الباب، فإذا أنا بأبي بكر الصديق، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ودخل، فسلم وقعد، ثم أغلقت الباب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكت بعود في الأرض، فاستفتح آخر، فقال: يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب وبشره بالجنة. فقمت ففتحت، فإذا أنا بعمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ودخل، فسلم وقعد. وأغلقت الباب فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينكت بذلك العود في الأرض إذا استفتح الثالث الباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن قيس، قم فافتح الباب له، وبشره بالجنة على بلوى تكون. فقمت ففتحت الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان وعليه التكلان. ثم دخل فسلم وقعد. أخبرنا أبو منصور بن مكارم، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن صفوان، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن السراج، أخبرنا أبو طاهر هبة الله بن إبراهيم بن أنس، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبيد الله بن طوق، أخبرنا أبو جابر زيد بن عبد العزيز بن حيان، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار، حدثنا المعافى بن عمران، عن شعبة بن الحجاج، عن الحر بن الصياح قال: سمعت عبيد الله بن الأخنس قال: قدم سعيد بن زيد- هو ابن عمرو بن نفيل- فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، والآخر لو شئت سميته، ثم سمى نفسه. قال: وحدثنا المعافى بن عمران، حدثنا سفيان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي طالب، عن سعيد بن زيد أن رجلا قال له: أحببت عليا حبا لم أحبه شيئا قط. قال: أحسنت، أحببت رجلا من أهل الجنة قال: وأبغضت عثمان بغضا لم أبغضه شيئا قط! قال: أسأت، أبغضت رجلا من أهل الجنة، ثم أنشأ يحدث قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم على حراء ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير قال: اثبت حراء، ما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا سعيد ابن منصور، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إبراهيم الأسدي، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة». أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود الثقفي، أخبرنا الحسن بن أحمد وأنا حاضر أسمع، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة (ح) قال أبو نعيم: وحدثنا عبد الله بن الحسن بن بندار، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قالا: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف الجبل، فقال: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان». أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الشافعي الدمشقي، أخبرنا أبو العشائر محمد بن خليل القيسي، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم، حدثنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، حدثنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد بن سليمان البناء بصنعاء، حدثنا إبراهيم بن أحمد اليمامي، حدثنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا سفيان الثوري، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في هذه الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، قال: نزلت في عشرة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن أبي القاسم الحسين بن الحسن الأسدي، أخبرنا جدي أبو القاسم قال: قرأت على أبي القاسم علي بن محمد المصيصي، أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن هارون بن موسى بن عبد الله الغساني، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، حدثنا هلال بن العلاء، حدثنا أبي وعبد الله بن جعفر قالا: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: حدثنا أبو سهلة مولى عثمان قال: قلت لعثمان يوم الدار: قاتل يا أمير المؤمنين! وقال عبد الله: قاتل يا أمير المؤمنين! قال: لا، والله لا أقاتل، وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا، فأنا صائر إليه.
قال: وحدثنا هلال، حدثنا أبي، حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا أبو سفيان، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين، فحدثنا عن عثمان بن عفان، فقال: ذاك امرؤ يدعى في الملإ الأعلى ذا النورين، كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ضمن له بيتا في الجنة. أخبرنا إسماعيل بن عبيد وإبراهيم بن محمد وغيرهما بإسنادهم إلى محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا يحيى بن اليمان، عن شيخ من بني زهرة، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي رفيق، ورفيقي- يعني في الجنة- عثمان. قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن بشر، حدثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: «لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان، كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة قال: فبايع الناس، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم». قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب الثقفي، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني: أن خطباء قامت في الشام، فيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام آخرهم رجل يقال له: مرة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى، فقمت إليه، فإذا هو عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال: نعم.
وروى نحو هذا عن ابن عمر.
قال: وحدثنا محمد بن عيسى، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا العلاء بن عبد الجبار العطار، حدثنا الحارث بن عمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر، وعمر، وعثمان. فقيل: في التفضيل، وقيل: في الخلافة.
أخبرنا أبو ياسر بإسناده عن عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثني أبو قطن، حدثنا يونس، - يعني ابن أبي إسحاق- عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «أشرف عثمان من القصر وهو محصور، فقال: أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله برجله، ثم قال: اسكن حراء، ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وأنا معه، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكة، قال: هذه يدي وهذه يد عثمان، فبايع لي. فانتشد له رجال، قال: أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يوسع لنا هذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة؟ فابتعته من مالي فوسعت به في المسجد. فانتشد له رجال، ثم قال: وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جيش العسرة، قال: من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟ فجهزت نصف الجيش من مالي. فانتشد له رجال. قال: وأنشد بالله من شهد «رومة» يباع ماؤها من ابن السبيل، فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل. فانتشد له رجال».
قال: وحدثنا عبد الله، حدثنا أبي، حدثنا عبد الصمد، حدثنا القاسم- يعني ابن الفضل- حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمار بن ياسر، فقال: إني سائلكم، وإني أحب أن تصدقوني، نشدتكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم، فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم، فبعث إلى طلحة والزبير، فقال عثمان: ألا أحدثكما عنه- يعني عمارا- أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيدي، نتمشى في البطحاء، حتى أتى على أبيه وأمه يعذبون، فقال أبو عمار: يا رسول الله، الدهر هكذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اصبر، ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت.
قال: وحدثنا أبى، حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن يحيى بن سعيد بن العاص: أن سعيد بن العاص أخبره: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان حدثاه: أن أبا بكر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة، فأذن له وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت- قالت عائشة: يا رسول الله، لم أرك فزعت لأبي بكر ولا عمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان رجل حيى، وإني خشيت- إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلى حاجته- وقال الليث: قال جماعة الناس، ألا أستحيى ممن تستحيي منه الملائكة».
خلافته
أخبرنا مسمار بن عمر بن العويس وأبو فرج، محمد بن عبد الرحمن الواسطي وغير واحد، قالوا بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر قبل أن يصاب بأيام بالمدينة، ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف فقال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا حملتما الأرض مالا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة- وذكر قصة قتل عمر رضي الله عنه- قال: فقالوا له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر- أو: الرهط- الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض، فسمى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن- وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له. فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة. وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يغضى عن مسيئهم. وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يأخذ من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم. وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله، أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم. فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي، فسلم عبد الله بن عمر، وقال يستأذن عمر بن الخطاب، فقالت- يعني عائشة-: أدخلوه، فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه.
فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم- قال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن- فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه. فأسكت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي، والله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم. وأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان. فبايعه وبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه.
وبويع عثمان بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين، بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام، قاله أبو عمر.
مقتله
قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة لثمان عشرة- أو: سبع عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، قاله نافع.
وقال أبو عثمان النهدي: قتل في وسط، أيام التشريق.
وقال ابن إسحاق: قتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر ابن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين من متوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الواقدي: قتل يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين.
وقد قيل: إنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة.
وقال الواقدي: حصروه تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حصروه شهرين وعشرين يوما أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد: حدثني أبي، حدثنا إسحاق ابن عيسى الطباع، عن أبي معشر قال: وقتل عثمان يوم الجمعة، لثمان عشرة مضت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا أثنى عشر يوما. وقيل: كانت إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، وأربعة عشر يوما.
قال: وحدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن أبي اليعفور العبدي، عن أبيه، عن أبي سعيد- مولى عثمان بن عفان-: أن عثمان أعتق عشرين مملوكا- يعني وهو محصور- ودعا بسراويل فشدها عليه، ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام، ورأيت أبا بكر وعمر، وقالوا لي: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه، فقتل وهو بين يديه.
أخبرنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم إلى أبي عيسى قال: حدثنا محمود بن غيلان.
حدثنا حجين بن المثنى، حدثنا الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عثمان، إنه لعل الله يقمصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم. وأخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور، أخبرنا أبو مسعود: سليمان، أخبرنا أبو بكر بن مردويه، أخبرنا أبو علي بن شاذان، حدثنا عبد الله ابن إسحاق، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا الفضل بن جبير الوراق، حدثنا خالد بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: «تقتل وأنت مظلوم، وتقطر قطرة من دمك على {فسيكفيكهم الله}. قال: فإنها إلى الساعة لفي المصحف.
ولما حصر عثمان وطال حصرة- والذين حصروه هم من أهل مصر، والبصرة، والكوفة، ومعهم بعض أهل المدينة- أرادوه على أن ينزع نفسه من الخلافة، فلم يفعل، وخافوا أن تأتيه الجيوش من الشام والبصرة وغيرهما ويأتي الحجاج فيهلكوا، فتسوروا عليه فقتلوه رضي الله عنه وأرضاه. وقد ذكرنا كيفية قتله، وخلافته، وجميع فتوحه وأحواله، وما نقموا عليه حتى حصروه، ومن الذي حرض الناس على الخروج عليه في كتاب «الكامل في التاريخ»، فلا نرى أن نطول بذكره هاهنا.
ولما قتل دفن ليلا، وصلى عليه جبير بن مطعم- وقيل: حكيم بن حزام- وقيل: المسور ابن مخرمة- وقيل: لم يصل عليه أحد، منعوا من ذلك. ودفن في حش كوكب بالبقيع، وكان عثمان قد اشتراه وزاده في البقيع. وحضره عبد الله بن الزبير، وامرأتاه: أم البنين بنت عيينة ابن حصن الفزارية، ونائلة بنت الفرافصة الكلبية، فلما دلوه في القبر صاحت ابنته عائشة، فقال لها ابن الزبير: اسكتي وإلا قتلتك. فلما دفنوه قال لها: صيحي الآن ما بدا لك أن تصيحي.
أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده إلى عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: «كان عثمان من أجمل الناس».
وقيل: كان ربعه لا بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه رقيق البشرة، كبير اللحية، أسمر اللون، كثير الشعر، ضخم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين. كان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب، وكان عمره اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ست وثمانون سنة، قاله قتادة. وقيل: كان عمره تسعين سنة.
ورثاه كثير من الشعراء، قال حسان بن ثابت:
من سره الموت صرفا لا مزاج له | فليأت مأدبة في دار عثمانا |
ضحوا بأشمط عنوان السجود به | يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
صبرا، فدى لكم أمي وما ولدت | قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا |
لتسمعن وشيكا في ديارهم: | الله أكبر يا ثارات عثمانا |
يا ليت شعري وليت الطير تخبرني! | ما كان بين علي وابن عفانا |
إن تمس دار بني عفان موحشة | باب صريع وباب محرق خرب |
فقد يصادف باغي الخير حاجته | فيها، ويأوي إليها الجود والحسب |
لعمري لبئس الذبح ضحيتم به | خلاف رسول الله يوم الأضاحيا |
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 825
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 3- ص: 578
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 480
ذو النورين عثمان بن عفان مشهور بها، والمشهور أن ذلك لكونه تزوج ببنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة بعد أخرى.
وروى أبو سعد الماليني بإسناد فيه ضعف عن سهل بن سعد، قال: قيل لعثمان ذو النورين لأنه يتنقل من منزل إلى منزل في الجنة فتبرق له برقتان، فلذلك قيل له ذلك.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 2- ص: 349
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، أمير المؤمنين، أبو عبد الله، وأبو عمر.
وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أسلمت، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح. وكان ربعة، حسن الوجه، رقيق البشرة، عظيم اللحية، بعيد ما بين المنكبين. وقد وصف بأتم من هذا في ترجمة خالته سعدى. وكذا صفة إسلام عثمان.
أسلم قديما، قال ابن إسحاق: كان أبو بكر مؤلفا لقومه، فجعل يدعو إلى الإسلام من يثق به، فأسلم على يده فيما بلغني: الزبير، وطلحة، وعثمان. وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية من عثمان، وماتت عنده في أيام بدر، فزوجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقب ذا النورين.
قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام الجمحي، قال: حدثني أبو المقدام مولى عثمان، قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع رجل بلطف إلى عثمان، فاحتبس الرجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حبسك؟ ألا كنت تنظر إلى عثمان ورقية تعجب من حسنهما»
! وجاء من أوجه متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة، وعده من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة.
وروى أبو خيثمة في «فضائل الصحابة»، من طريق الضحاك، عن النزال بن سبرة: قلنا
لعلي: حدثنا عن عثمان. قال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين.
وروى الترمذي، من طريق الحارث بن عبد الرحمن، عن طلحة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي رفيق، ورفيقي في الجنة عثمان».
وجاء من طرق كثيرة شهيرة صحيحة عن عثمان لما أن حصروه انتشد الصحابة في أشياء، منها: تجهيزه جيش العسرة، ومنها مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عنه تحت الشجرة لما أرسله إلى مكة. ومنها شراؤه بئر رومة وغير ذلك.
وروى عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر.
روى عنه أولاده: عمرو، وأبان، وسعيد، وابن عمه مروان بن الحكم بن أبي العاص، ومن الصحابة ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وأبو هريرة، وغيرهم. ومن التابعين: الأحنف، وعبد الرحمن بن أبي ضمرة، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومحمد بن الحنيفة، وآخرون.
وهو أول من هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته رقية، وتخلف عن بدر لتمريضها، فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وتخلف عن بيعه الرضوان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعثه إلى مكة، فأشيع أنهم قتلوه، فكان ذلك سبب البيعة، فضرب إحدى يديه على الأخرى، وقال: هذه عن عثمان.
وقال ابن مسعود لما بويع: بايعنا خيرنا، ولم نال.
وقال علي: كان عثمان أوصلنا للرحم.
وكذا قالت عائشة لما بلغها قتله: قتلوه، وإنه لأوصلهم للرحم، وأتقاهم للرب.
وقال ابن المبارك في الزهد: أنبأنا الزبير بن عبد الله أن جدته أخبرته- وكانت خادما
لعثمان- وقالت: كان عثمان لا يوقظ نائما من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر.
وكان سبب قتله أن أمراء الأمصار كانوا من أقاربه، كان بالشام كلها معاوية، وبالبصرة سعيد بن العاص، وبمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وبخراسان عبد الله بن عامر، وكان من حج منهم يشكو من أميره، وكان عثمان لين العريكة، كثير الإحسان والحلم، وكان يستبدل ببعض أمرائه فيرضيهم، ثم يعيده بعد إلى أن رحل أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فعزله، وكتب له كتابا بتولية محمد بن أبي بكر الصديق، فرضوا بذلك، فلما كانوا في أثناء الطريق رأوا راكبا على راحلة، فاستخبروه، فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابن أبي سرح ومعاقبة جماعة من أعيانهم، فأخذوا الكتاب ورجعوا وواجهوه به، فحلف أنه ما كتب ولا أذن، فقالوا: سلمنا كاتبك، فخشي عليه منهم القتل، وكان كاتبه مروان بن الحكم، وهو ابن عمه، فغضبوا وحصروه في داره. واجتمع جماعة يحمونه منهم، فكان ينهاهم عن القتال إلى أن تسوروا عليه من دار إلى دار، فدخلوا عليه فقتلوه، فعظم ذلك على أهل الخير من الصحابة وغيرهم، وانفتح باب الفتنة، فكان ما كان، والله المستعان.
وروى البخاري في قصة قتل عمر أنه عهد إلى ستة، وأمرهم أن يختاروا رجلا، فجعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف، فاختار عثمان فبايعوه.
ويقال: كان ذلك يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين.
وقال ابن إسحاق: قتل على رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرا، واثنين وعشرين يوما من خلافته، فيكون ذلك في ثاني وعشرين ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وقال غيره: قتل لسبع عشرة. وقيل لثمان عشرة. رواه أحمد عن إسحاق بن الطباع، عن أبي معشر.
وقال الزبير بن بكار: بويع يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
وقتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة بعد العصر، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب كان عثمان اشتراه فوسع به البقيع. وقتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وأشهر على الصحيح المشهور. وقيل دون ذلك. وزعم أبو محمد بن حزم أنه لم يبلغ الثمانين.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 377
ذو النورين عثمان بن عفان.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0
أمير المؤمنين عثمان عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي القرشي الأموي، أمير المؤمنين، أبو عبد الله، وأبو عمرو، ذو النورين، أحد السابقين الأولين، صاحب الهجرتين، وزوج الابنتين، هاجر برقية إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ليمرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له بسهم من بدر، وأجرة، وزوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم.
كان لا بالطويل، ولا بالقصير، حسن الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، تخضب بالصفرة، وشد أسنانه بالذهب.
قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يوما، وكذا قال خليفة، وغيره.
وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة يوم الجمعة، وزاد غيره: بعد العصر، ودفن بالبقيع، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وهو الصحيح، قيل: دفن بثيابه في دمائه ولم يغسل، وقيل: صلى عليه مروان ونائلة وأم البنين زوجتاه، هما اللتان دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره، ولحدوا له، وغيبوا قبره، وتفرقوا.
وكانت نائلة مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، وخطبها معاوية بالشام فأبت.
وقيل: إن تخلفه عن بدر، لأنه كان مريضا بالجدري.
وأما تخلفه عن بيعة الرضوان بالحديبية، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجهه إلى مكة في أمر لا يقوم به غيره من صلح قريش على أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة، فلما أتاه الخبر الكاذب بقتل عثمان، جمع أصحابه، ودعاهم إلى البيعة، فبايعوه على قتال أهل مكة، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان يومئذ بإحدى يديه على الأخرى، ثم أتى الخبر بأنه لم يقتل.
قال ابن عمر: يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لنفسه.
وعثمان معدود في بدر، والحديبية لذلك، ولما زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم، قال: لو كان عندي غيرها لزوجتكها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’سألت ربي عز وجل ألا يدخل النار أحدا صاهر إلي أو صاهرت إليه’’ وارتج أحد وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم،: ’’أثبت فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان’’.
وعثمان - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، ولم يعلم أن أحدا أرسل سترا على ابنتي نبي غيره.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان عثمان أوصلنا للرحم، وكان من الذين أمنوا ثم اتقوا، وأحسنوا، والله يحب المحسنين.
واشترى عثمان بئر رومة، وكانت ركية ليهودي يبيع للمسلمين ماؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين، يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة، فأتى عثمان ليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، فجعله للمسلمين، فقال له عثمان: إن شئت جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم، ولك يوم، قال: بل لك يوم، ولي يوم، فكان إذا كان يوم عثمان، استقى المسلمون ما يكفيهم يومين، فلما رأى ذلك اليهودي، قال: أفسدت علي ركيتي فاشتر النصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم’’.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’من يزيد في مسجدنا فاشترى عثمان موضع خمس سواري، فزاده في المسجد، وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا، وأتم الألف بخمسين فرسا، وذلك في غزوة تبوك’’.
وقال محمد بن سيرين: كان عثمان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن. وكثر المال في زمانه على المسلمين حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونخلة بألف درهم، وقام عمرو بن العاص إلى عثمان، وهو يخطب فقال: يا عثمان، إنك قد ركبت بالناس المهامة وركبوها، فتب إلى الله وليتوبوا، قال: فالتفت إليه عثمان، وقال: وإنك هنا يا ابن النابغة، ثم رفع يديه، واستقبل القبلة؟ وقال: أتوب إلى الله، اللهم أنا أول تائب إليك.
وقال الحسن: سمعت عثمان يقول: يا أيها الناس، ما تنقمون علي، وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا.
قال الحسن: وشهدت مناديه ينادي: يا أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون فيأخذونها وافرة، يا أيها الناس، اغدوا على أرزاقكم، فيغدون فيأخذونها منه، حتى والله سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسواتكم، فيأخذون الحلل، واغدوا على السمن والعسل.
قال الحسن: أرزاق دارة، وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن يخاف مؤمنا إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق ولكنهم لم يصبروا، وسلوا السيف مع من سل، فصار عن الكفار مغمدا وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة.
وقال موسى بن طلحة: أتينا عائشة: نسألها عن عثمان، فقالت: اجلسوا أحدثكم عما جئتم له، إنا عتبنا على عثمان في ثلاث خلال، فلم تذكرهن، فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب بالصابون، اقتحموا عليه العقر الثلاثة: حرمة البلد الحرام، والشهر الحرام، وحرمة الخلافة، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرحم، وأتقاهم لربه.
وقال الزبير بن عبد الله أخبرتني جدتي، وكانت خادمة لعثمان، قالت: كان لا يوقظ نائما من أهله، إلا أن يجده يقظان، فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر.
وقال ابن عمر: أذنب عثمان ذنبا عظيما يوم التقى الجمعان بأحد، فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه.
وقتل عثمان بالمدينة يوم الجمعة، لثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين للهجرة، وكان أول من دخل عليه الدار محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال: دعها يا ابن أخي، فو الله لقد كان أبوك يكرمها، فاستحيا وخرج، ثم دخل رومان بن سرحان، رجل أزرق، قصير، محدود، ومعه خنجر، فاستقبله به، وقال: على أي دين أنت يا نعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين. قال: كذبت، وضربه على صدغه الأيسر، فقتله، فخر - رضي الله عنه - وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها، ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة، فكشف عن ذراعيها، وقبض على السيف، فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان معه سيف يقال له: رباح: أعني على هذا، وأخرجه عني، فضربه الغلام بالسيف فقتله، وأقام عثمان يومه ذلك مطروحا إلى الليلة.
وقيل: أن الذي قتله محمد بن أبي بكر، ضربه بمشقص.
وقيل: بل قتله سودان بن حمران، وقيل: بل رومان اليماني، وقيل غيره. وقيل: إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته يهزها، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن أبي سرح، ما أغنى عنك ابن عامر!
قال ابن عبد البر: وأكثرهم يروى أن قطرة أو قطرات من دمه سقطت على المصحف على قوله: {فسيكفيكهم ....}.
وقال كنانة مولى صفية بنت حيي: شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش مخرجين بالدم محمولين، كانوا يدرؤون عن عثمان: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، فقيل له: هل ندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ قال: معاذ الله، وقال أبو هريرة: إني لمحصور مع عثمان في الدار، فرمى رجل منا، فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلا، قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك، فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي، قال أبو هريرة: فرميت السيف لا أدري أين هو حتى الساعة.
وكان معه في الدار ممن يريد الدفع عنه: عبد الله بن عمرو وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن علي، وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم في طائفة، منهم المغيرة بن الأخنس، وقتل يومئذ قبل عثمان.
وعن مالك: أن عثمان لما قتل ألقي على المزبلة ثلاثة أيام.
وفيه يقول حسان بن ثابت:
من سره الموت صرفا لا مزاج له | فليأت مأدبة في دار عثمانا |
ضحوا بأشمط عنوان السجود به | يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
لتسمعن وشيكا في دياركم | الله أكبر يا ثارات عثمانا |
إن تمس دار بني عفان موحشة | باب صريح وباب محرق خرب |
فقد يصادف وباغي الخير حاجته | فيها ويأوي إليها الجود والحسب |
فكف يديه ثم أغلق بابه | وأيقن أن الله ليس بغافل |
وقال لأهل الدار لا تقتلوهم | عفا الله عن ذنب امرئ لم يقاتل |
فكيف رأيت الله ألقى عليهم الـ | ـعداوة والبغضاء بعد التواصل |
وكيف رأيت الخير أدبر بعده | على الناس إدبار السحاب الجوافل |
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى | وأي ذبح حرام ويحهم ذبحوا |
وأي سنة كفر سن أولهم | وباب شر على سلطانهم فتحوا |
ماذا أرادوا أضل الله سعيهم | بسفك ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا |
فإن كنت مأكولا فكن خير أكل | وإلا فأدركني ولما أمزق |
غنى النفس يغني النفس حتى يكفها | وإن عظها حتى يضر بها الفقر |
وما عسرة فاصبر لها إن تتابعت | بباقية إلا سيتبعها يسر |
فمرحبا بالقائلين عدلا | وبالصلاة مرحبا وأهلا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 20- ص: 0
سيرة ذي النورين عثمان رضي الله عنه:
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الشيخين.
قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن جيش.
روى عنه بنوه: أبان وسعيد وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيسن وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم.
أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو.
وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم فهاجر برقية إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليها في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم.
ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين، سنة أربع من الهجرة.
وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل، ولا بالقصير، حسن الوجه كبير اللحية أسمر اللون عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب.
وعن أبي عبد الله مولى شداد، قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم -أي خفيفه- طويل اللحية، حسن الوجه.
وعن عبد الله بن حزم، قال: رأيت عثمان فما رأيت ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه.
عن الحسن قال: رأيته وبوجهه نكتات جدرى، وإذا شعره قد كسا ذراعيه.
وعن السائب، قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخا أجمل منه.
وعن أبي ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان فقال: لقد اختبأت عند ربي عشرا:
إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعتيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرتب بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط.
وعن ابن عمر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم".
وعن عائشة نحوه إن صحا.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: "يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، وعلى مثل صحبتها". أخرجه ابن ماجه.
ويروى عن أنس أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا أبو أيم، ألا أخو أيم يزوج
عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء".
وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان "ذا النورين"؛ لأنا لا نعلم أحدا أغلق بابه على ابنتي نبي غيره.
وروى عطية، عن أبي سعيد، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان.
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم". رواه أحمد في "مسنده" وغيره.
وفي "مسند أبي يعلى"، من حديث عبد الرحمن بن عوف أنه جهز جيش العسرة بسبع مائة أوقية من ذهب.
وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبع مائة وخمسين ناقة، وخمسين فرسا، يعني في غزوة تبوك.
وعن حبة العرني، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عثمان تستحييه الملائكة".
وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه، قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها: رومة، وكان يبيع منها القرية بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبيعها بعين في الجنة"؟ فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك. فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عينا في الجنة إن اشتريتها؟ قال: "نعم".
قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين.
وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا سول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة"؟. رواه مسلم.
وروي نحوه من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس.
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان".
وعن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان". أخرجه الترمذي.
وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه".
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلا من بني سليم، قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلا ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلكن فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإني أشهد لقد رأيت منظرا، وشهدت مشهدا لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.
وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة.
وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر.
وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه.
وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر.
وقال ربعي عن حذيفة: قال لي عمر بمنى: من ترى الناس يولون بعدي؟ قلت: قد نظروا إلى عثمان.
وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو:
إن الأمير بعده ابن عفان
وحججت مع عثمان فكان الحادي يحدو:
إن الأمير بعده علي
وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الاقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الاسقف فقال: هل تجدونا في كتبكم؟ قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم. قال: كيف تجدني؟ قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد قال عمر: الله أكبر، قال: فالذي بعدي؟ قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه. قال عمر: يرحم الله ابن عفان. قال: فالذي من بعده؟ قال: صدع -وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ- من حديد فقال عمر: وادفراه وادفراه. قال: مهلا يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء.
وقال حماد بن زيد: لئن قلت: إن عليا أفضل من عثمان لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا.
وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، قال: كان نقش خاتم عثمان "آمنت بالذي خلق فسوى".
وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقى ولم نأل.
وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: رأيت عثمان نائما في المجد ورداؤه تحت
رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام.
وعن حيم بن عباد قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي -يعني بالبندق- فأمر عثمان رجلا فقصها وكسر الجلاهقات.
وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة.
وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر.
وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار.
وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس، فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون: قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيرا ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلا رجلا، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.
وروى رجل، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي في المصاحف: لو لم يصنعه عثمان لصنعته.
وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئا.
وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا".
وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق". قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان.
ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة.
وروى نحو عن ابن عمر.
وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وإني صابر نفسي عليه.
أبو سهلة وثقه أحمد العجلي.
وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي، قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من أصحابه عند موته؟ قالت: معاذ الله إلا أنه سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده.
وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت عليا يقول: الله قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس، فقال: صدق يقول: الله قتل عثمان ويقتلني معه.
قلت: قد كان علي يقول: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم: "لتخضبن هذه من هذه".
وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن عليا قال: إني لارجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين}.
ورواه عبد الله بن الحارث عن علي.
وقال مطرف بن الشخير: لقيت عليا، فقال: يا أبا عبد الله ما بطأ بك، أحب عثمان؟ ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب.
وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: لو انقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقا.
وقال هشام: حدثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو، قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة، قتل مظلوما، أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد.
وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي، قال: كنت في سمر عند ابن عباس، فقال: لأحدثنكم حديثا: إنه لما كان من أمر هذا الرجل -يعني عثمان- ما كان قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في حجر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}.
وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان -وكان أميرا على صنعاء- بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد، فصار ملكا وجبرية، من غلب على شيء أكله.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي -وكان بدريا- لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك.
قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوما وكذا قال خليفة بن خياط، وغيره.
وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة. زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو الصحيح.
وقيل: عاش ستا وثمانين سنة.
وعن عبد الله بن فروخ، قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل. رواه عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند". وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل.
وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال جبير بن مطعم: اطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء. ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان نائلة، وأم البنين، وهما دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره ولحدوا له وغيبوا قبره وتفرقوا.
ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشرة رجلا والأول أثبت.
وروي أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها فأبت.
وقال فيها حسان بن ثابت:
قتلتم ولي الله في جوف داره | وجئتم بأمر جائز غير مهتدي |
فلا ظفرت ايمان قوم تعاونوا | على قتل عثمان الرشيد المسدد |
وقال كعب بن مالك:
يا للرجال لأمر هاج لي حزنا | لقد عجبت لمن يبكي على الدمن |
إني رأيت قتيل الدار مضطهدا | عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن |
وقال بعضهم:
لعمر أبيك فلا تكذبن | لقد ذهب الخير إلا قليلا |
لقد سفه الناس في دينهم | وخلى ابن عفان شرا طويلا |
الحوادث في خلافة ذي النورين عثمان:
سنة أربع وعشرين: بيعة عثمان:
دفن عمر -رضي الله عنه- في أول المحرم، ثم جلسوا للشورى، فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلا قال قبل الشورى: إن بايعتم لعثمان أطعنا، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا.
وقال المسور بن مخرمة: جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال: ما ذاقت عيناي كثير نوم منذ ثلاث ليال فادع لي عثمان وعليا والزبير وسعدا، فدعوتهم، فجعل يخلو بهم واحدا واحدا يأخذ عليه، فلما أصبح صلى صهيب بالناس، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه، إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان.
وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أخبرني المسور أن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، قال: فوالله ما رأيت رجلا بذ قوما أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأيا ولا يطؤون عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا، وذكر الحديث إلى أن قال: فتشهد وقال: أما بعد يا على فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار.
وعن أنس قال: أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري، فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم.
وفي زيادات "مسند أحمد" من حديث أبي وائل، قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا! قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت. ثم عرضت ذلك على عثمان، فقال: نعم.
وقال الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة.
ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ فقال: علي، وقال لعلي خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال: عثمان، ثم دعا الزبير، فقال: إن لم أبايعك فمن تشير علي؟ قال: علي أو عثمان، ثم دعا سعدا، فقال: من تشير علي؟ فأما أنا وأنت فلا نريدها. فقال: عثمان، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان، ثم نودي "الصلاة جامعة" وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه، فصعد المنبر ووقف طويلا يدعو سرا، ثم تكلم فقال: أيها الناس إني قد سأتلكم سرا وجهرا على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان، قم إلي يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده، وقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا. ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فقال: قم يا عثمان فأخذ بيده في موقف علي، فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم نعم قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده، ثم قال: اللهم اشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان.
فازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية، وقعد عبد الرحمن مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما}.
فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة.
ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان محبوسا في دار سعد، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفينة والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، فقال بعضهم: قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم؟! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان، إنما تم هذا ولا سلطان لك، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي.
قلت: والهرمزان هو ملك تستر، وقد تقدم إسلامه، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر، فجاء عمار بن ياسر فدخل على عمر، فقال: حدث اليوم حدث في الإسلامن قال: وما ذاك؟ قال: قتل عبيد الله الهرمزان، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون علي به، وسجنه.
قال سعيد بن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفينة، رجل من الحيرة، والهرمزان، معهم خنجر له طرفان مملكة في وسطه، فجلسوا مجلسا فأثارهم دابة فوقع الخنجر، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فقتل الهرمزان، وجفينة، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استخلف عثمان قال له علي: أقد عبيد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ما له ولي غيري، وإني قد عفوت ولكن أديه.
ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف قال: لا إله إلا الله. وأما جفينة فكان نصرانيا، وكان ظئرا لسعد بن أبي وقاص أقدمه إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم، وليعلم الناس الكتابة.
وفيها: افتتح أبو موسى الأشعري الري، وكانت قد فتحت على يد حذيفة، وسويد بن مقرن، فانتقضوا.
وفيها: أصاب الناس رعاف كثير، فقيل لها: سنة الرعاف، وأصاب عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى. وحج بالناس عبد الرحمن بن عوف.
وفيها: عزل عثمان عن الكوفة المغيرة بن شعبة وولاها سعد بن أبي وقاص.
وفيها: غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه، فسبى وغنم ورجع.
وفيها: جاشت الروم حتى استمدت أمراء الشام من عثمان مددا فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى ارض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصونا كثيرة.
وفيها: ولد عبد الملك بن مروان الخليفة.
سنة خمس وعشرين:
فيها: عزل عثمان سعدا عن الكوفة واستعمل عليها الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي، أخو عثمان لأمه، كنيته أبو وهب، وله صحبة ورواية. روى عنه: أبو موسى الهمداني، والشعبي.
قال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميرا أتاه سعد، فقال: أكست بعدي أو استحمقت بعدك؟ قال: ما كسنا ولا حمقت ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم. وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعدا وولى الوليد بن عقبة، فذكر حضين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعا وهو سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم!
ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى بردغة، فقتل وسبى.
وفيها: انتقص أهل الإسكندرية، فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم، فرد عثمان السبي إلى ذمتهم، وكان ملك الروم بعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتقض أهلها -غير المقوقس- فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عنوة غير المدينة، فإنها صلح.
وفيها: عزل عثمان عمرا عن مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
والصحيح أن ذلك في سنة سبع وعشرين، واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له.
ويقال: فيها ولد يزيد بن معاوية.
وحج بالناس عثمان رضي الله عنه.
سنة ست وعشرين:
فيها: زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه، واشترى الزيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس، وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم.
وفيها: فتحت سابور، أميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاث مائة ألف.
وقيل: عزل عثمان سعدا عن الكوفة؛ لأنه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله، وقد كان الوليد عاملا لعمر على بعض الجزيرة، وكان فيه رفق برعيته.
سنة سبع وعشرين:
فيها: غزا معاوية قبرس فركب البحر بالجيوش، وكان معه عبادة بن الصامت، وزوجة عبادة أم حرام "سوى ت" بنت ملحان الأنصارية خالة أنس، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة -رحمها الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها، وبشرها بالشهادة، فقبرها بقبرس يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها: أنس بن مالك وعمير بن الأسود العنسي، ويعلى بن شداد بن أوس وغيرهم.
وقال داود بن أبي هند: صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبع وعشرين أهل أرجان على ألفي ألف ومائتي ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفا.
وقال خليفة: فيها عزل عثمان عن مصر عمرا وولى عليها عبد الله بن سعد، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسبيلطة على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل: في مائة وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا.
قال مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب، قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألفن فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا. واختلفت الناس على عبد الله بن أبي سرح، فدخل فسطاطا له فخلا فيه، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت إلى ابن أبي سرح فندب لي الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارسا وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامدا له، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه وولى مبادرا، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبرت وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم.
وقال خليفة: حدثنا من سمع ابن لهيعة يقول: حدثنا أبو الأسود، قثال: حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار.
وقال غيره: سبوا وغنموا، فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وفتح الله إفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام حسنت طاعتهم.
وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله علهم وأخذ خمس الخمس بأمر عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضر فسطاطا في موضع القيروان ووفدوا وفدا، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال: أنا نفلته، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه قال: فهو رد وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم. قالوا: فاعزله عنا.
فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا. فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلها اسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك.
وروى سيف بن عمر، عن أشياخه، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع بن الحصين، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر، وسلام فعن كعب، قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة قال: فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها، ففتحها الله على المسلمين، وزاد في سلطان المسلمين مثل إفريقية. ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية، حتى أمر هشام فمنع البربر أرضهم.
ولما نزع عثمان عمرا عن مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الله بن سعد فأمره أن يمضي إلى إفريقية، وندب عثمان الناس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمس مائة ألف دينار وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاث مائة قنطار ذهبا، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد فقالوا: ما عندنا مال نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل عام، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا.
وعن يزيد بن أبي حبيب، قال: كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقولك إن عمرو بن العاص كسر الخراج، وكتب عمرو: إن عبد الله بن سعد أفسد علي مكيدة الحرب فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف وولي عبد الله الخراج والجند، فقدم عمرو مغضبا، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطنا، فقال له عثمان: ما حشو جبتك؟ قال: عمرو قال: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره؟
وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالا من مصر وحشد فيه فدخل عمرو، فقال عثمان: هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك؟ قال عمرو: إن فصالها هلكت.
وفيها: حج عثمان بالناس.
سنة ثمان وعشرين:
قيل: في أولها غزوة قبرس، وقد مرت فروى سيف، عن رجاله، قالوا: ألح معاوية في إمارة عمر عليه في غزو البحر وقرب الروم من حمص، فقال عمر: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح ديوكهم أحب إلي من كل ما في البحر، فلم يزل بعمر حتى كاد أن يأخذ بقلبه، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر وراكبه، فكتب إليه: إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير، إن ركد حرق القلوب، وإن تحرك أراع العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، وهم فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق.
فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: والله لا أحمل فيه مسلما أبدا.
وقال أبو جعفر الطبري: غزا معاوية قبرس فصالح أهلها على الجزية.
وقال الواقدي: في هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم.
وفيها: تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها.
وفيها: غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالحهم مثل صلح حذيفة.
وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى.
سنة تسع وعشرين:
فيها: عزل عثمان أبا موسى عن البصرة بعبد الله بن عامر بن كريز، وأضاف إليه فارس.
وفيها: افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمته عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي أحد الأجواد؛ وكل منهما رأى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان على إصطخر قتال عظيم قتل فيه عبيد الله بن معمر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عنوة وقلعة شيراز، وقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى فخرج منها في مائة ألف وسار فنزل مرو، وخلف على إصطخر أميرا من أمرائه في جيش يحفظونها. فتقب المسلمون المدينة فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم، وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج الدم من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانيا فأكثر فيهم القتل لكونهم نقضوا الصلح.
وفيها: انتقضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص فافتتحها.
وفيها: غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي فأتى أصبهان، ويقال: افتتح أصبهان سارية بن زنيم عنوة وصلحا.
وقال أبو عبيدة: لما قدم ابن عامر البصرة قدم عبيد الله بن معمر إلى فارس، فأتى أرجان فأغلقوا في وجهه، وكان عن يمين البلد وشماله الجبال والأسياف وكانت الجبال لا تسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف -يعني السواحل- الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة، فيمر فيها مارا ففعلوا، ومضى حتى انتهى إلى النوبندجان فافتتحها، ثم نقضوا الصلح، ثم سار فافتتح قلعة شيراز، ثم سار إلى جور فصالحهم وخلف فيهم رجلا من تميم، ثم انصرف إلى إصطخر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فساق ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عنوة فقتل منها أربعين ألفا يعدون بالقصب، ثم خلف عليهم مروان بن الحكم أو غيره، ورد إلى إصطخر وقد قتلوا عبيد الله بن معمر فافتتحها عنوة ثم مضى إلى فسا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كرمان. ثم إنه توجه نحو خراسان على المفازة فأصابهم الرمق فأهلك خلقا.
وقال ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عثمان يأمره أن يولي هرم بن حيان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي، والخريت بن راشد على كور فارس، وفرق خراسان بين ستة نفر: الأحنف بن قيس على المروين، وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ، وخالد بن زهير على هراة، وأمير بن أحمد اليشكري على طوس، وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور.
وفيهاك زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعه وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عده من حجارة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب.
وحج عثمان بالناس وضرب له بمنى فسطاط، وأتم الصلاة بها وبعرفة، فعابوا عليه ذلك فجاءه علي، فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر، ثم أنت صدرا من ولايتك فقال: رأي رأيته.
وكلمه عبد الرحمن بن عوف، فقال: إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعا لهذا، وإني قد اتخذت بمكة زوجة. فقال عبد الرحمن: ليس هذا بعذر. قال: هذا رأي رأيته.
سنة ثلاثين:
فيها: عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة بسعيد بن العاص، فغزا سعيد طبرستان، فحاصرهم فسألوه الأمان، على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، فقتلهم كلهم إلا رجلا واحدا، يفتي نفسه بذلك.
وفيها: فتحت جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئا كثيرا، وافتتح ابن عامر في هذا القرب بلادا كثيرة من أرض خراسان.
قال داود بن أبي هند: لما افتتح ابن عامر أرض فارس سنة ثلاثين، هرب يزدجرد بن كسرى فأتبعه ابن عامر، مجاشع بن مسعود السلمي، ووجه ابن عامر، فيا ذكر خليفة، زياد بن الربيع الحارثي إلى سجستان فافتتح زالق وناشروذ، ثم صالح أهل مدينة زرنج على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب، ثم توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فلقي أهل هراة فهزمهم.
ثم افتتح ابن عامر أبرشهر -وهي نيسابور- صلحا، ويقال: عنوة. وكان بها فيما ذكر غير خليفة ابنتا كسرى بن هرمز. وبعث جيشا فتحوا طوس وأعمالها صلحا. ثم صالح من جاءه من أهل سرخس على مائة خمسين ألفا وبعث الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق.
وبعث أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف.
وسار الأحنف بن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم هزم الله المشركين، وكان النصر.
ثم سار الأحنف على بلخ، فصالحوه على أربع مائة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها ورجع. وفتحت هراة ثم نكثوا.
وقال ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشا إلى مرو فصالحوا وفتحت صلحا.
ثم خرج ابن عامر من نيسابور معتمرا وقد أحرم منها، وساتخلف على خراسان الأحنف بن قيسن فلما قضى عمرته أتى عثمان -رضي الله عنه- واجتمع به، ثم إن أهل خراسان نقضوا وجمعوا جمعا كثيرا وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقاتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة.
ثم قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قتل عثمان، وكذا معاوية على الشام.
ولما فتح ابن عامر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية.
وقال أبو يوسف القاضي: أخرجوا من خزائن كسرى مائتي ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف.
ذكر من توفي في سنة ثلاثين:
جبار بن صخر بن أمية بن خنساء، أبو عبد الرحمن الأنصار السلمي.
شهد بدرا والعقبة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصا إلى خيبر، توفي بالمدينة وله ستون سنة.
الطفيل بن الحارث بن المطلب المطلبي -فيما قاله سعيد بن عفير- وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث. كان من السابقين الأولين. شهد بدرا.
عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري.
كان على الخمس يوم بدر، يكنى أبا الحارث، وقيل: أبا يحيى، وصلى عليه عثمان، وهو أخو أبي ليلى المازني.
معمر بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال القرشي، أبو سعد الفهري، وقيل: اسمه عمرو، كذا سماه ابن إسحاق وغيره، وهو بدري قدم الصحبة.
مسعود بن ربيعة، وقيل: ابن الربيع أبو عمير القاري، والقرارة حلفاء بني زهرة. شهد بدرا وغيرها، وعاش نيفا وستين سنة تقدم.
سنة إحدى وثلاثين:
قال أبو عبد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أن نيسابور فتحت صلحا، وكان فتحها في سنة إحدى وثلاثين. ثم روى بإسناده إلى مصعب بن أبي الزهراء أن كنار صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة يدعوهما إلى خراسان، ويخبرهما أن مرو قد قتل أهلها يزدجرد. فندب سعيد بن العاص الحسن بن علي
وعبد الله بن الزبير لها، فأتى ابن عامر دهقان، فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة. فأخذ به على قومس، واسرع إلى أن نزل على نيسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهر ثم فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضا، وكان ابن خالة عثمان. ويقال: تفل النبي صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير.
وفيا قال خليفة: أحرم عبد الله بن عامر من نيسابور، واستخلف قيس بن الهيثم وغيره على خراسان، وقيل: إن ذلك كان في السنة الماضية.
وفيها: غزوة الأساود، فغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة.
سنة اثنتين وثلاثين:
فيها: كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية.
وتوفي فيها: سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي، حليف بني عبد شمس.
وكان أسن من عمه عكاشة، هاجر هو وأبوه وشهدا بدرا، توفي أبوه والنبي صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة، وكان سنان من سادة الصحابة، قال الواقدي: هو أول من بايع تحت الشجرة.
الطفيل بن الحارث بن المطلب، فيها في قول، وقد ذكر.
وأخوه الحصين توفي بعده بأربعة أشهر، وقد شهدا بدرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام".
سنة ثلاث وثلاثين:
وفيها: كانت غزوة قبرس -قاله ابن إسحاق وغيره- وغزوة إفريقية، وأمير الناس عبد الله بن سعد بن أبي سرح. قاله الليث.
وفيها قال خليفة: جمع قارن جمعا عظيما بباذغيس وهراة، وأقبل في أربعين ألفا فترك قيس بن الهيثم البلاد وهرب، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقتل وسبى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان. ثم وجه ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فصالحه صاحب زرنج وبقي بها حتى حوصر عثمان.
قال خليفة: وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرأة من أرض الروم.
قال: وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج.
سنة أربع وثلاثين:
فيها: وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان فولاه عليهم، ثم إنه بعد قليل رد إليهم على الإمرة سعيد بن العاص فخرجوا ومنعوه.
وفيها: كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.
سنة خمس وثلاثين:
فيها: غزوة ذي خشب، وأمير المسلمين عليها معاوية.
وفيها: حج بالناس وأقام الموسم عبد الله بن عباس.
مقتل عثمان:
وفيها: مقتل عثمان -رضي الله عنه: خرج المصريون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة.
قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب غلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد. فقام علي فقال: أنا. فقال عثمان: أنت أقربهم رحما فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله -يعني كونه جمع الأمة على مصحف- وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة الفن وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرؤوا على أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فها أنا ذا، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة.
وقال محمد بن سعد: قالوا: رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي -واسمه مالك بن الحارث- ويزيد بن مكنف، وثابت بن قيسن وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور، وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم فرحل سعيد أيضا إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله. فخرج الأشتر من ليلته في نفرن فسرى عشرا إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر فقال: هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان الأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة. فخرج الناس فعسكروا بالجرعة، فأقبل سعيد حتى نزل العذيب، فجهز الأشتر غليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه. فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع. وصعد الأشتر منبر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل وقال: يا أبا موسى اصعد. فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم فأجابه الناس وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر أهل الكوفة:
تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب | وأمر علينا الأشعري لياليا |
فقال عثمان: نعم وشهورا وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجترئ عليه.
وعن الزهري قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئا، وإنه لأحب إليهم من عمر؛ لأن عمر كان شديدا عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك.
قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحا زاهدا، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله بن عامر، نزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص.
وقال القاسم بن الفضل: حدثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: دعا عثمان ناسا من الصحابة فيهم عمار فقال: إني سائلكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكتوا، فقال: "لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتا بني أمية حتى يدخلوها".
وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام، فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر؟ فأرسل إليه: تخلفت عن بدر؛ لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت.
وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس، فقال علي: والله لو أمرني أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل.
وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى سودان بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجعه الغافقي فتكلم، وأطاف به خالد بن ملجم، وعبد الله بن رزين، وأشباه لهم، فصرف لهم القول، فلم يجدهم يجيبون إلى شيء ما يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئا حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلوا بما نريد، ونظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيما في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل، فقال: لست هناك.
قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله مهم، وشكوا عمرا واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوما وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمرا على الصلاة. فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد، وكتبا إلى عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل. ثم جمع مصر لابن أبي سرح.
وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان.
وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، قال: قدم عمار بن ياسر من مصر وأبي شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء. فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين، والتاليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا؟! فأهوى عمار إلى عمامته وغضب فنزعها، وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه. فقال سعد: "إنا لله وإنا إليه راجعون" ويحك حين كثرت شيبتك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا. فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد. فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات. حتى خرج عمار من الباب، فأقبل علي سعد يبكي حتى أخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر". فقد دله وخرف.
وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره.
وحج معاوية، فقيل: إنه لما رأى لين عثمان واضطراب أمره، قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فأهل الشام على الطاعة فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي. قال: فأبعث إليك جندا. قال: أنا أقتر على جيران رسول الله الأرزاق بجند تساكنهم! قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين قال: حسبي الله ونعم الوكيل.
وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد. ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى، فأقره عثمان.
ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه. فتوفوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ومن بني زهرة، فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة؟ قالوا: ثلاثة قالا: فكيف تصنعون؟ قالوا: نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قد قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه.
فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك، وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا، فأما عمار فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركة بي، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لا تلزمه، وأما ابن سارة فغنه يتعرض للبلاء.
وأرسل إلى المصريين والكوفيين ونادى: الصلاة جامعة -وهم عنده في أصل المنبر- فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله، فاقتلوه".
وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذا.
قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذاك؟ قالوا: نعم.
قال: وقالوا: كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أفكذاك؟ قالوا: نعم.
وقالا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك؟ قالوا: نعم
وقالوا: استعملت لأحداث. ولم استعمل إلا مجتمعا مرضيا، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولي من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه. وإني إنما نفلته خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذاك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم. فأما حبهم فلم يوجب جورا، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي، ولا استحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى.
قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربع مائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداء.
وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوحان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم.
وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وابن محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي.
فأما أهل مصر فكانوا يشتهون عليا، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون طلحة، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من أهل مصر، ونزل عمتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعليا، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى، فرجعا. فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم.
فأتى المصريون عليا وهو عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم، وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك.
فذه القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بم، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها، وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا، بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن.
ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي -رضي الله عنه- فقال: ما ردكم بعد ذهابكم؟ قالوا: وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا. وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم فعلم الناس أن ذلك مكر منهم.
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فساروا إليه على الصعب والذلول، وبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج، وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو.
فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب قال: يا هؤلاء الغزاء الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيئ إلا بالحسن. فقام محمد بن مسلمة، فقال: أنا أشهد بذلك، فاقعده حكيم بن جبلة فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب. فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه، فاحتمل وأدخل الدار.
وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر.
قال: واستقتل أناس: منهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا إلى منازلهم.
وقال عمرو بن دينار عن جابر قال: بعثنا عثمان خمسين راكبا، وعلنيا محمد بن مسلمة حتى أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا -يعني المصحف- يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في هذا، يعني المصحف، فقال: محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا.
وقال الواقدي: حدثني ابن جريج، وغيره عن عمرو عن جابر أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن البياع، فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا قصبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء. إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القوم ثانية، ونازلوا عثمان وحصروه.
قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري.
وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد فذكر طرفا من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فبينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا عليا فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا قال: والله لا أقوم معكم قالوا: فلم كتبت إلينا؟ قال: والله ما كتبت إليكم. فنظر بعضهم إلى بعض، وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان، فقالوا: أكتبت فينا بكذا؟ فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين -يعني شاهدين- أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم على الخاتم. فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق. وحصروه في القصر.
وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم عليا فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم. فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة.
وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمدا قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
وقال سلام: سمعت الحسن، قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل، فقال: أسألك كتاب الله. فقال: ويحك أليس معك كتاب الله! قام: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أديم السماء.
وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام، قال: بينما عثمان يخطب، فقام رجل فنال نه، فوذأته فاتذأ، فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلا، فإنه من شيعته، فقلت له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح.
وذأته: زجرته وقمعته. وقالوا لعثمان "نعثلا" تشبيها له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية، والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة.
وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة.
وقال غيره: ثم إنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيود فضعوهما.
وقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم. فدعيا له، كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكما الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس يها ماء عذب غير بئر رومة، قال: "من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها". فاشتريتها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنت تمنعوني اليوم أن أصلي فيها؟ قالا: اللهم نعم قال: أنشدكما الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك وعليه أبو بكر وعم وأنا فقال: "اسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان". قالا: اللهم نعم فقال: الله أكبر شهدا ورب الكعبة أني شهيد.
ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل.
وعن ابن عمر، قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفسا". فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت رجلا ولا كفرت.
قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلا -إذا دخل إليه الرجل- سمع كلام من على البلاط، فدخل يوما فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله.
وقال سهل السراج، عن الحسن قال عثمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدوا جميعا أبدا، ولا يقتسمون فيئا جميعا أبدا، ولا يصلون جميعا أبدا.
وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى؟ فقال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة. فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه.
وقال الحسن: حدثني وثاب، قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر، فقال: ما يريد الناس؟ قالك إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك. فقال: ما كت لخلع سربالا سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص.
وقال حميد بن هلال: حدثنا عبد الله بن مغفل، قال: كان عبد الله بن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما هاجوا بعثمان قال: يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها فصلح ذات بينهم حتى يهريقوا دم سبعين ألفا، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهريقوا دم أربعين ألفان وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان: قال: فلم ينظرو فيما قال، وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراق والزم منبر رسول الله، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا تراه أبدا. فقال من حول علي: دعنا نقتله. قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح.
قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله بن سلام في أرض أشتريها، فقال بعد ذلك: هذه رأس أربعين سنة، وسيكون بعدها صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان؟ قال: ألم تر إلى الخوراج كيف يتأولون القرآن على السلطان؟
ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور، فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك. فقال: دونك عطاءك -وكان واجدا عليه- فقال: ليس هذا يوم ذاك. ثم خرج ابن عمر إليهم فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعا أبدا، ولم تجاهدوا عدوكم جميعا أبدا، ولم تقتسموا فيئكم جميعا أبدا إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون نقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر.
وعن أبي جعفر القارئ، قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان ستة مائة: رأسهم كنانة بن بشر، وابن عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم بن جبلة، وكانوا يدا واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلا قتل ندموا على ما ضيعوا في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين.
وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل | وإلا فأدركني ولما أمزق |
والبيت لشاعر من عبد القيس.
الطبي: موضع الثدي من الخيل.
وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك مسلوب.
وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت عليا فقلت: يا عم أهلكتنا الحجارة فقام معي، فلم يزل يرمى حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك.
وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به.
وعن أبي إدريس الخولاني، قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه فقال له سعد:
أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضى صلح الأمر قال: فأنت رسولي إليه فأتاه فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشترلأصحابه: أين يريد هذا؟ قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا. فدخلوا عليه فقتلوه.
وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر قالوا لعثمان -يعني الذين عنده في الدار- ائذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل.
أبو حبيبة هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة.
وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه. وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبي، عن مسور بن مخرمة "ح" وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. "ح" وحدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشا سريعا. فلما قدم على معاوية ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، ومعاوية بن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشرا. فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش؟ قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط فقال: عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيرا، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك. فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشا فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما شعر بي أحد، فوالله ما هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام. فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبه. فأسرع معاوية راجعا. ورد المسور يريد المدينة فلقي معاوية بذي المروة راجعا، وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له.
فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانيا إلى معاوية لينجده، فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه، فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان.
وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة وأبي عثمان، قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري قال: أنت لها وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف وقال: إن قدمت يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحدا أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر. وبعث يزيد بن شجعة في ألف على البغال، يقودون
الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي قتلوه فيه، فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة.
وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة بن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالا: إما أن تخرج فتقاتلهم، فإن معك عددا وقوة، وإما أن تخرق لك بابا سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء.
وقال نافع عن ابن عمر: أصبح عثمان حدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: "أفطر عندنا غدا"، فأصبح صائما، وقتل من يومه.
وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحدا يتهم عليا في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا.
ومن وجه آخر، عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان، فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح.
وخرج الآخرون.
وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبع مائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها.
وروي أن الحسن بن علي ما راح حتى جرح.
وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل الله لك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبدا، فدخلوا عليه وهو صائم وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير.
وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاث مائة من الأنصار، فدخل على عثمان، فقال: هذه الأنصار بالباب. فقال: أما القتال فلا.
وقال أبو صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: طاب الضرب. فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعا وأنا معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلا واحدا، فكأنما قتلت الناس جميعا. فانصرفت ولم أقاتل.
وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالاك نعالجه قبل أن تقدم الأمداد.
وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملكا ثم دعا بسراويل، فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام، وقال: أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: "اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة". ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه.
وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويحل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلا، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك. فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي. قال: فأا رأيته استعدى رجلا من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه.
وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا ابن أخي دع لحيتي فإنك لتجذب ما يعز على أبيك أن تؤذيها. فرأيته كأنه استحيى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا ارجعوا ألا ارجعوا. قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: "اللهم لا يطلب بدمي غيرك"، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته.
وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: أفرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان السيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها.
وقيل: الذي قتله رجل يقال له: حمار.
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته، وقال: يا نعثل قد أخزاك الله فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين. فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان قال: يا ابن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت. فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمود حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات، وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه.
وعن المغيرة قال: حروه اثنين وعشرين يوما، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار.
وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى إليه بالسيف، فاتقاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئا ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده.
وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة بن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله.
وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد، قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}.
وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أول قطرة قطرت من دمه على: {فسيكفيكهم الله} فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب وهو وسهيل المرى، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على {فسيكفيكهم الله} قال: فإنها في المصحف ما حكت.
وقال محمد بن عيسى بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ قال: قتل مظلوما، ومن خذله كان معذورا، ومن قتله كان ظالما، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة؛ لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجيج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود وأبي ذر وعمار فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده فأبى أن يقبل، وضرب بعض من أتاه ممن شكاه فقتله.
فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم، فقال: إنما يسألونك رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما، فاعزله، واقض بينهم فقال: اختاروا رجلا أوله فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح. فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعا فسألوه فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاؤوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوته تتقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد من عنده من الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعليا، والزبير، وسعدا، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضبا وحنقا أعوان أبي ذر، وابن مسعود، وعمار.
وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل على عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال: هذا الغلام والبعير لك؟ قال: نعم، قال: فهذا كتابك؟ فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به! وعرفوا أنه خط مروان وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضابا، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم.
وحاصره أولئك حتى منعوه الماء، فأشرف يوما، فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماء. فبلغ ذلك عليا، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ عليا أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحدا يصل إليه.
وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبناءهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما راى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أحل الدار؛ لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته، قال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة، فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما فوجوده مذبوحا.
وبلغ عليا وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا -وقد ذهبت عقولهم- ودخلوا فرأوه مذبوحا، وقال علي: كيف قتل وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله. فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة. فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى عليا، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه.
وخرجت عائشة اكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان، فقال: من قتله؟ قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر فسأله علي، فقال: تكذب، قد والله دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل اللذين قتلاه.
وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أما من بايعنا منكم فلا يحول بيننا
وبين قصاص. فقال عمار: أما دم عثمان فلا فقال: يا ابن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهن، ولا تقتص من دم عثمان! فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة.
وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم -يعني عليا عن عثمان- قال: فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر! قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر.
وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهيت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار.
وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا.
وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع عليا يقول: والله ما قتلت -يعني عثمان- ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثا. وجاء نحوه عن علي من طرق، وجاء عنه أنه لعن قتلة عثمان.
وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك:
فكف يديه ثم أغلق بابه | وأيقن أن الله ليس بغافل |
وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم | عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل |
فكيف رأيت الله صب عليهم الـ | ـعداوة والبغضاء بعد التواصل |
وكيف رأيت الخير أدبر بعده | عن الناس إدبار النعام الجوافل |
ورثاه حسان بن ثابت بقوله:
من سره الموت صرفا لا مزاج له | فليأت مأدبة في دار عثمانا |
ضحوا بأشمط عنوان السجود به | يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت | قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا |
ليسمعن وشيكا في دياهم: | الله أكبر يا ثارات عثمانا |
فصل: فيه ذكر من توفي في خلافة عثمان تقريبا
أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري، أخو عبادة، وكلاهما قد شهد بدرا.
وأوس هو زوج المجادلة في زوجها خولة -ويقال لها: خويلة- بنت ثعلبة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي.
أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري، ويقال: اسمه أنيس، فربما صغر.
شهد بدرا والمشاهد. توفي في خلافة عثمان أوس بن خولى من بني الحبلى.
أنصاري شهد بدرا. وهو الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبره. توفي قبل مقتل عثمان.
الجد بن قيس. يقال: إنه تاب من النفاق وحسن أمره.
الحطيئة الشاعر، أبو مليكة العبسي، قيل: اسمه جرول.
عاش دهرا في الجاهلية وصدرا في الإسلام، ودخل على عمر وأنشده:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه | لا يذهب العرف بين الله والناس |
وكان جوالا في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولا بخيلا، ركب مرة ليفد على الملوك، فقال لأهله:
عدي السنين إذا خرجت لغيبة | ودعي الشهور فإنهم قصار |
زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي المتكلم بعد الموت. له صحبة ورواية، قتل أبوه يوم أحد.
قال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة توفي زمن عثمان، فسجي بثوب ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أربع سنين وبقيت سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس.
قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسجى بثوب فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم، فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق.
قال ابن عبد البر: هذا هو الذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك، وذلك أنه غشي عليه وأسري بروحه، ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام في أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم مات لوقته. رواه ثقات الشاميين عن النعمان بن بشير.
سلمان بن ربيعة الباهلي، يقال: له صحبة.
وقد سمع من عمر، روى عنه: أبو وائل، والصبي بن معبد، وعمرو بن ميمون. وكان بطلا شجاعا فاضلا عابدا، ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم ولي زمن عثمان غزو أرمينية فقتل ببلنجر، وقيل: بل الذي قتل بها أخوه عبد الرحمن، وقيل: إن الترك إذا قحطوا يستسقون بقبر سلمان، وهو مدفون عندهم، وقد جعلوا عظامه في تابوت. روى له مسلم.
عبد الله بن سراقة بن المعتمر العدوي.
له صحبة ورواية. شهد أحدا وغيرها وقال الزهري: إنه شهد بدرا. روى عنه عبد الله بن شقيق وعقبة بن وساج وغيرهما. وروى أيضا عن أبي عبيدة، وهو أخو عمرو.
وقيل: إن الذي روى عن أبي عبيدة وروى عنه عبد الله بن شقيق في الدجال أزدي شريف من أهل دمشق. قاله الغلابي وغيره.
عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري النجاري المالكي، شهد بدرا.
قال الواقدي: لم يبق له عقب، وتوفي في زمن عثمان.
عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي.
قال ابن عبد البر: شهد بدرا.
وقال أبو نعيم: شهد أحدا، والخندق، وهو الذي نهش فرقاه عمارة بن حزم. استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان.
وعن القاسم بن محمد قال: جاءت جدتان إلى أبي بكر فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل رجل من بني حارثة قد شهد بدرا: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها، فجعله أبو بكر بينهما.
وقد ورد أن هذا غزا في خلافة عثمان.
عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس القرشي العدوي، بدري كبير، وهو أخو عبد الله.
روى عامر بن ربيعة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا عمرو بن سراقة -وكان لطيف البطن طويلا -فجاع، فانثنى صلبه، أخذنا صفيحة من حجارة فربطناها على بطنه، فمشى يوما، فجئنا قوما فضيفونا، فقال عمرو: كنت أحسب الرجلين تحمل البطن فإذا البطن يحمل الرجلين!
عروة بن حزام، أبو سعيد.
شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مهاصر. خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقرة، وزوجها بابن عم آخر غني فهلك في محبتها عروة.
ومن قوله فيها:
وما هو إلا أن أراها فجاءة | فأبهت حتى ما أكاد أجيب |
وأصرف عن رأي الذي كنت أرتئي | وأنسى الذي أعددت حين تغيب |
عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري، من قيس غيلان، واسم عيينة حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عيناه فسمي عيينة.
ويكنى أبا مالك، وهو سيد بني فزارة وفارسهم.
قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: أجدبت بلاد آل بدر، فسارعيينة في نحو مائة بيت من آله حتى أشرف على بطن نخل فهاب النبي صلى الله عليه وسلم، فورد المدينة ولم يسلم ولم يبعد، وقال: أريد أدنو من جوارك فوادعني فوادعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، فلما فرغت انصرف عيينة إلى بلادهم فأغار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، قال له الحارث بن عوف: ما جزيت محمدا سمنت في بلاده ثم غزوته!؟
وقال الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عقبة بن سلمة، عن عمه إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: أغار عيينة في أربعين رجلا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عشرين لقحة فساقها وقتل ابنا لأبي ذر كان فيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم إلى ذي قرد فاستنقذ عشر لقاح وأفلت القوم بالباقي، وقتلوا حبيب بن عيينة، وابن عمه مسعدة، وجماعة.
الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري، عن ابن المسيب قال: كان عيينة بن حصن أحد رؤوس الأحزاب فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى الحارث بن عوف: أرأيتما إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة، أترجعان بمن معكما؟ فرضيا بذلك، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب لهم الصلح جاء أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عين الهجرس اقبض رجليك، والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم خضبتك بالرمح، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان أمر من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، متى طعمتم هذا منا وقال السعدان كذلك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شق الكتاب". فشقه فقال عيينة: أما والله للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة، فقال عاد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا! ستعلم أينا أجزع، والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم. فرجعا وهما يقولان: والله ما نرى أنا ندرك منهم شيئا.
قال الواقدي: فلما انكشف الأحزاب رد عيينة إلى بلاده، ثم أسلم قبل الفتح بيسير.
ابن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن علي بن سليم، عن الزبير بن خبيب، قال: أقبل عيينة بن حصن، فتلقاه ركب خارجين من المدينة، فسألهم فقالوا: الناس ثلاثة: رجل أسلم فهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام ويظهر لقريش أنه معهم، قال: ما يسمي هؤلاء؟ قال: يسمون المنافقين. قال: ما في من وصفتم أحزى من هؤلاء، اشهدوا أنني منهم.
ثم ساق ابن سعد قصة طويلة بلا إسناد في نافق عيينة يوم الطائف، وفي أسره عجوزا يوم هوازن يلتمس بها الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة، ثم غاب عنه، ونزله إلى خمسين، فامتنع ثم لم يزل به إلى أن بذل فيها عشرة من الإبل، فغضب وامتنع، ثم جاءه فقال: يا عم أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم أمرا أنكد، وأقبل يلوم نفسه فقال الفتى: أنت صنعت هذا: عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحبها بواجد، فأخذتها من بين من ترى، فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبي فأخطأها من بينهم الكسوة، فهلا كسوتها؟ قال: لا والله. فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص.
وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة من الغنائم مائة من الإبل.
الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة -رضي الله عنها، قالت: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: من هذه الحميراء؟ قال: "هذه عائشة بنت أبي بكر". فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس: ابنة جمرة؟ قال: "لا"، فلما خرج قلت: يا رسول الله من هذا؟ قال: "هذا الحمق المطاع".
قال ابن سعد: قالوا: وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق قال ابن عباس: فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك! فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه.
المدائني عن عامر بن أبي محمد قال: قال عيينة لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة، فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم.
المدائني عن عبد الله بن فائد، قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان فدخل عيينة على عثمان بلا إذن، فعتبه عثمان فقال: ما كنت أرى أنني أحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: ادن فأصب من العشاء قال: إني صائم، قال: تصوم الليل! قال: إني وجدت صوم الليل أيسر علي!
قال المدائني: ثم عمي عيينة في إمرة عثمان.
أبو الأشهب، عن الحسن قال: عاتب عثمان عيينة، فقال: ألم أفعل ألم أفعل وكنت تأتي عمر ولا تأتينا؟! فقال: كان عمر خيرا لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا.
قطبة بن عامر، أبو زيد الأنصاري السلمي، شهد بدرا والعقبتين.
قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة الأنصاري، أحد بني مالك بن النجار.
قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري، وخالفه الأكثر وقيل: هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي.
وقال ابن ماكولا: إنه شهد بدرا، روى عنه ابنه سليم، وقيس بن أبي حازم.
وله حديث في الركعتين بعد الفجر.
لبيد بن ربيعة العامري، الشاعر المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل".
قال مالك: بلغني أن لبيدا عمر مائة وأربعين سنة، ويكنى أبا عقيل.
قال ابن أبي حاتم: بعث الوليد بن عقبة إلى منزل لبيد عشرين جزورا فنحرت.
وقيل: إنه توفي سنة إحدى وأربعين.
المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، ممن بايع تحت الشجرة. روى عنه: ابنه سعيد بن المسيب.
محمد بن جعفر بن أبي طالب، أبو القاسم الهاشمي.
ولدته أسماء بنت عميس بالحبشة في أيام هجرة أبويه إليها وتوفي شابا.
قال أبو أحمد الحاكم: إنه تزوج بأم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب.
وقال ابن عبد البر: إنه استشهد بتستر، فالله أعلم.
قال جرير بن حازم: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى أباه جعفرا أمهل ثلاثا لا يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم". ثم قال: "ادعوا لي بني أخي"، فجيء بنا كأننا أفرح فأمر بحلاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: "أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي"، ثم أخذ بيدي فأشالها، وقال: "اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه". ثلاثا، ثم جاءت أمنا أسماء، فذكرت يتمنا، فقال: "العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة"!
منقذ بن عمرو الأنصاري، أحد بني مازن بن النجار.
كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله. وهو الذي كان يغبن في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بعت فقل: لا خلابة".
نعيم بن مسعود، أبو سلمة الغطفاني الأشجعي.
أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل بين الأحزاب، وكان يسكن المدينة. وله عقب روى عنه ابنه سلمة.
أبو خزيمة بن أوس بن زيد، أحد بني النجار.
شهد بدرا والمشاهد، وهو الذي وجد زيد بن ثابت معه الآيتين من آخر سورة براءة. توفي زمن عثمان.
أبو ذؤيب الهذلي، خويلد بن خالد، الشاعر المشهور.
أدرك الجاهلية وأسلم في خلافة الصديق، وكان أشعر هذيل، وكانت هذيل أشعر العرب. ومن شعره:
وإذا المنية أنشبت أظفارها | ألفيت كل تميمة لا تنفع |
وتجلدي للشامتين أريهم | أني لريب الدهر لا أتضعضع |
توفي غازيا بإفريقية في خلافة عثمان، وقد شهد سقيفة بني ساعدة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
أبو زبيد الطائي الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر النصراني.
أنشد عثمان قصيدة في الأسد بديعة فقال له: تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جبانا، وكان أبو زبيد يجالس الوليد بن عقبة.
أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري.
قديم الإسلام يقال: إنه هاجر إلى الحبشة وقد شهد بدرا والمشاهد بعدها. وهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمهما برة بنت عبدا لمطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي سبرة، وبين سلمة بن سلامة بن وقش.
قال الزبير بن بكار: لا نعلم أحدا من أهل بدر رجع إلى مكة فنزلها، غير أبي سبرة فإنه سكنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وولده ينكرون ذلك. وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه.
أبو لبابة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية الأنصاري، اسمه بشير، وقيل: رفاعة.
رده النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر من الروحاء، فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره وكان من سادة الصحابة. توفي في خلافة عثمان وقيل: في خلافة علي، وقيل: في خلافة معاوية، هو أحد النقباء ليلة العقبة.
روى عنه: ابناه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن كعب بن مالك، وسلمان الأغر، ورواية بعض هؤلاء عنه مرسلة لعدم إدراكهم إياه.
أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة، تقدم في سنة إحدى وعشرين، وتوفي في خلافة عثمان.
اسمه خالد، وقيل: شيبة وقيل: هشيم، وقيل: مهشم وهو أخو أبي حذيفة.
كان صالحا زاهدا، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه أسلم يوم الفتح، وذهبت عينه يوم اليرموك.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 2- ص: 449
عثمان بن عفان وثالث القوم القانت ذو النورين، والخائف ذو الهجرتين، والمصلي إلى القبلتين، هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، كان من الذين {آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا} [المائدة: 93]، فكان ممن {هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} [الزمر: 9]، غالب أحواله الكرم والحياء، والحذر والرجاء، حظه من النهار الجود والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبشر بالبلوى، ومنعم بالنجوى، وقد قيل: «إن التصوف الإكباب على العمل، تطرقا إلى بلوغ الأمل»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا خلاد بن يحيى، ثنا مسعر، ثنا أبو عون الثقفي، عن محمد بن حاطب، قالوا: ذكروا عثمان بن عفان، فقال الحسن بن علي: ’’الآن يجيء أمير المؤمنين، قال: فجاء علي، فقال علي: ’’كان عثمان من الذين {آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} [المائدة: 93]’’
حدثنا أبو بكر بن موسى البابسيري، ثنا عمر بن الحسن، ثنا ابن شبة، ثنا أبو خلف صاحب الحرير، عن يحيى البكاء، عن ابن عمر: ’’{أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} [الزمر: 9] قال: هو عثمان بن عفان’’
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عمرو الربيعي، ثنا زكريا بن يحيى المنقري، ثنا الأصمعي، ثنا عبد الأعلى السامي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عثمان أحيا أمتي وأكرمها»
حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا عمر بن أيوب، ثنا أبو معمر، ثنا هشيم، عن الكوثر بن حكيم، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشد أمتي حياء عثمان بن عفان»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الصمد، ثنا أبو جميع، ثنا الحسن، قال، وذكر عثمان وشدة حيائه، فقال: «إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا طاهر بن عيسى، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا ابن لهيعة، ثنا الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، أن عبد الله بن عمر، قال: ’’ثلاثة من قريش أصبح الناس وجوها، وأحسنها أخلاقا، وأثبتها حياء، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح’’
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا حماد بن خالد، ثنا الزبير بن عبد الله، عن جدة له يقال لها: زهيمة، قالت: «كان عثمان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعة من أوله»
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا أبو علقمة الفروي عبد الله بن محمد، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي، قال: قال أبي: ’’لأغلبن الليلة على المقام، قال: فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينما أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي، فإذا هو عثمان بن عفان، قال: فبدأ بأم القرآن فقرأ حتى ختم القرآن، فركع وسجد ثم أخذ نعليه، فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا ’’ رواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف، نحوه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا أسد بن موسى، ثنا سلام بن مسكين، عن محمد بن سيرين، قال: قالت امرأة عثمان بن عفان حين أطافوا به يريدون قتله: «إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن»
حدثنا أبو أحمد الغطريفي، وسليمان بن أحمد، قالا: حدثنا أبو خليفة، ثنا حفص بن عمر الحوضي، ثنا الحسن بن أبي جعفر، ثنا مجالد، عن الشعبي، قال: لقي مسروق الأشتر، فقال: مسروق للأشتر: «قتلتم عثمان؟» قال: نعم قال: «أما والله لقد قتلتموه صواما قواما»
حدثنا الحسين بن علي، ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا محمود بن خداش، ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس بن مالك، قال: قالت امرأة عثمان بن عفان حين قتلوه: «لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليلة بالقرآن في ركعة» كذا قال أنس بن مالك، ورواه الناس فقالوا: أنس بن سيرين قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله تعالى عنه مبشرا بالمحن والبلوى، ومحفوظا فيها من الجزع والشكوى، يتحرز من الجزع بالصبر، ويتبرر في المحن بالشكر، وقد قيل: «إن التصوف الصبر على مرارة البلوى، ليدرك به حلاوة النجوى»
حدثنا محمد بن معمر، ثنا محمود بن محمد المروزي، ثنا حامد بن آدم، ثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عثمان بن غياث، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط، إذ جاء رجل فاستفتح الباب، فقال: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فإذا هو عثمان، فأخبرته فقال: الله المستعان’’
حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا همام، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، ومحمد بن عبيد الحنفي، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حش من حيشان المدينة فاستأذن رجل خفيض الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فأذنت له وبشرته فإذا هو عثمان، فقرب بحمد الله حتى جلس’’
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبد الله بن رسته، ثنا هريم بن عبد الأعلى، ثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أبي الحجاج، عن أبي موسى، قال: جاء رجل فاستأذن مرة، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة في بلوى»، فقال عثمان: أسأل الله صبرا’’
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قال قيس بن أبي حازم: حدثني أبو سهلة، أن عثمان، ’’ قال يوم الدار حين حصر: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، فأنا صابر عليه، قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم، يعني اليوم الذي قال: «وددت أن عندي بعض أصحابي فشكوت إليه»، فقيل له: ألا ندعو لك أبا بكر؟ فقال: «لا»، قيل: عمر؟ قال: «لا»، قيل: فعلي؟ قال: «لا»، فدعي له عثمان، فجعل يناجيه ويشكو إليه، ووجه عثمان يتلون’’
حدثنا أحمد بن شداد، ثنا عبد الله بن أحمد بن أسيد، قال: سمعت أحمد بن سنان، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: ’’كان لعثمان شيئان ليس لأبي بكر ولا عمر مثلهما: «صبره على نفسه حتى قتل مظلوما، وجمعه الناس على المصحف» وكان بالمال إلى رضاء الله متوصلا، وببذله لعباد الله متنفلا، ولحظ نفسه منه متقللا، وفي لباسه، وتطاعمه متعللا، وقد قيل: «إن التصوف ابتغاء الوسيلة، إلى منتهى الفضيلة»
حدثنا محمد بن إسحاق، ثنا إبراهيم بن سعدان، ثنا بكر بن بكار، ثنا عيسى بن المسيب، ثنا أبو زرعة، عن أبي هريرة، قال: ’’اشترى عثمان بن عفان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة’’
حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، وحدثنا فاروق الخطابي، ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا حجاج بن نصير، قالا: ثنا سكن بن المغيرة، عن الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب السلمي، قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة، فقال عثمان: علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها، قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بيده يحركها: «ما على عثمان ما عمل بعد هذا»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا رجاء بن مصعب الأذني، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثني عامر الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان يوم جيش العسرة جائيا وذاهبا، فقال: «اللهم اغفر لعثمان ما أقبل وما أدبر، وما أخفى وما أعلن، وما أسر وما أجهر» قال: محمد بن إسحاق: ما حفظت من الشعبي إلا هذا الحديث الواحد
حدثنا محمد بن علي بن نصر الوراق، ثنا يوسف بن يعقوب الواسطي، ثنا زكريا بن يحيى، دحمويه، ثنا عمر بن هارون البلخي، عن عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير، مولى سمرة، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة، فجاء عثمان بألف دينار فنثرها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولى، قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقلب الدنانير وهو يقول: «ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم» رواه ضمرة، عن، ابن شوذب، فقال: عن كثير بن أبي كثير، مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن عبد الرحمن بن سمرة
حدثنا محمد بن عمر بن مسلم، ثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، ثنا عبد الحميد بن عبد الله الحلواني، ثنا حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ’’لما جهز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة جاء عثمان بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تنس لعثمان، ما على عثمان ما عمل بعد هذا»
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا محمد بن الصباح، حدثنا سفيان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: «حمل عثمان على ألف فيها خمسون فرسا في غزوة تبوك»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا أبو جعفر، عن يونس، عن الحسن، قال: «رأيت عثمان نائما في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد، وهو أمير المؤمنين»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا أسد بن موسى، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود، عن عبيد الله، عن عبد الملك بن شداد بن الهاد، قال: «رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ثمنه أربعة دراهم، أو خمسة دراهم، وريطة كوفية ممشقة»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الله بن عيسى أبو خلف الخزاز، ثنا يونس بن عبيد، أن الحسن، سئل عن القائلين في المسجد فقال: «رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد، وهو يومئذ خليفة» قال: «ويقوم وأثر الحصى بجنبه» قال: ’’فيقال: هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين’’
حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد، حدثني جعفر بن محمد بن الفضل، ثنا محمد بن حمير، ثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، «أن عثمان، كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت»
ثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا شيبان، ثنا محمد بن راشد، ثنا سليمان بن موسى، أن عثمان بن عفان، دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح، فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أثرا قبيحا، فحمد الله إذ لم يصادفهم، وأعتق رقبة’’
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثني ابن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم، عن فرات بن سليمان، عن ميمون بن مهران، أخبرني 1131الهمداني «أنه رأى عثمان بن عفان، وهو على بغلة وخلفه عليها غلامه نائل، وهو خليفة»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن بكر، ثنا علي بن مسعدة، قال: سمعت عبد الله بن الرومي، قال: بلغني أن عثمان، قال: «لو أني بين الجنة والنار، ولا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير»
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أنهم كانوا مع عثمان رضي الله تعالى عنه في الدار، فقال: «وايم الله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، وما ازددت للإسلام إلا حياء»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا سفيان الثوري، عن الصلت بن دينار، عن عقبة بن صهبان، قال: سمعت عثمان بن عفان، يقول: «ما أخذته بيميني منذ أسلمت»، يعني ذكره
حدثنا فاروق الخطابي، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا علي بن عبد الله المديني، ثنا هشام بن يوسف، ثنا عبد الله بن بحير، عن هانئ، مولى عثمان، قال: «كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته»
حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا حريث بن السائب، حدثني الحسن، حدثني حمران بن أبان، أن عثمان بن عفان، حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل شيء سوى جلف هذا الطعام والماء العذب وبيت يظله فضل ليس لابن آدم فيه فضل»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، ثنا سليمان بن عطاء الجزري، ثنا مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة، قال: ’’عدنا مع عثمان رضي الله تعالى عنه مريضا، فقال له عثمان: قل: لا إله إلا الله، فقالها، فقال: والذي نفسي بيده لقد رمى بها خطاياه فحطمها حطما، فقلت: أشيء تقوله، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله هذا هي للمريض فكيف هي للصحيح؟ فقال: «هي للصحيح أحطم»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 55
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 55
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي القرشي الأموي يكنى أبا عبد الله، وأبا عمرو، كنيتان مشهورتان له. وأبو عمر وأشهرهما. قيل: إنه ولدت له رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنا، فسماه عبد الله، واكتنى به، ومات ثم ولد له عمرو، فاكتني به إلى أن مات رحمه الله. وقد قيل: إنه كان يكنى أبا ليلى.
ولد في السنة السادسة بعد الفيل. أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر إلى أرض الحبشة فارا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول خارج إليها، وتابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة، ولم يشهد بدرا لتخلفه على تمريض زوجته رقية- كانت عليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف عليها، هكذا ذكره ابن إسحاق.
وقال غيره: بل كان مريضا به الجدري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع، وضرب له بسهمه وأجره. فهو معدود في البدريين لذلك، وماتت رقية في سنة اثنتين من الهجرة حين أتى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه يوم بدر.
وأما تخلفه عن بيعة الرضوان بالحديبية فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجهه إلى مكة في أمر لا يقوم به غيره من صلح قريش، على أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمرة، فلما أتاه الخبر الكاذب بأن عثمان قد قتل جمع أصحابه، فدعاهم إلى البيعة، فبايعوه على قتال أهل مكة يومئذ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان حينئذ بإحدى يديه الأخرى، ثم أتاه الخبر بأن عثمان لم يقتل، وما كان سبب بيع الرضوان إلا ما بلغه صلى الله عليه وسلم من قتل عثمان وروينا عن ابن عمر أنه قال: يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من يد عثمان لنفسه. فهو أيضا معدود في أهل الحديبية من أجل ما ذكرناه.
زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه: رقية ثم أم كلثوم، واحدة بعد واحدة، وقال: إن كان عندي غيرهما لزوجتكها. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سألت ربي عز وجل ألا يدخل النار أحدا صاهر إلي أو صاهرت إليه. وقال سهل بن سعد: ارتج أحد، وكان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان. وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض.
روى يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر، وعبد العزيز بن أبي سلمة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم سكت، فقيل: هذا في التفضيل. وقيل في الخلافة. وقيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذا النورين؟ قال: لأنه لم يعلم أن أحدا أرسل سترا على ابنتي نبي غيره.
وقال ابن مسعود- حين بويع بالخلافة: بايعنا خيرنا ولم نأل. وقال علي بن أبي طالب: كان عثمان أوصلنا للرحم، وكان من الذين آمنوا {ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} واشترى عثمان رضي الله عنه بئر رومة، وكانت ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشترى رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة، فأتى عثمان اليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم. فجعله للمسلمين، فقال له عثمان رضي الله عنه: إن شئت جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يوم ولك يوم. قال: بل لك يوم ولي يوم. فكان إذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين: فلما رأى ذلك اليهودي قال: أفسدت علي ركيتي، فاشتر النصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد في مسجدنا، فاشترى عثمان رضي الله عنه موضع خمس سوار، فزاده في المسجد. وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا، وأتم الألفين بخمسين فرسا، وجيش العسرة كان في غزوة تبوك.
وذكر أسد بن موسى، قال: حدثني أبو هلال الراسبي، قال: حدثنا قتادة، قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا.
قال: وحدثنا أبو هلال، قال: حدثنا محمد بن سيرين أن عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل بركعة يقرأ القرآن فيها كله.
قال: وأخبرنا سلام بن مسكين، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: قالت امرأة عثمان- حين أطافوا به يريدون قتله: إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيى الليل بركعة يجمع فيها القرآن.
حدثنا ضمرة، عن السدي، عن السري بن يحيى، عن ابن سيرين، قال: كثر المال في زمن عثمان حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف درهم، ونحلة بألف درهم.
قال: وحدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن سالم، عن ابن عمر، قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء، ولو فعلها عمر ما عتبوا عليه.
قال: وحدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن جده علقمة بن وقاص أن عمرو بن العاص قام إلى عثمان وهو يخطب الناس فقال: يا عثمان، إنك قد ركبت بالناس المهامه وركبوها منك، فتب إلى الله عز وجل وليتوبوا. قال: فالتفت إليه عثمان، فقال: وإنك لهناك يا بن النابغة! ثم رفع يديه واستقبل القبلة وقال: أتوب إلى الله، اللهم إني أول تائب إليك.
وأخبرنا مبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن يقول: سمعت عثمان يخطب وهو يقول: يا أيها الناس، ما تنقمون علي! وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا. قال الحسن: وشهدت مناديا ينادى: يا أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم، فيغدون، ويأخذونها وافية. يا أيها الناس، اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافية، حتى والله سمعته أذناي يقول: اغدوا على كسواتكم، فيأخذون الحلل.
واغدوا على السمن والعسل. قال الحسن: أرزاق دارة وخير كثير، وذات بين حسن، ما على الأرض مؤمن إلا يوده وينصره ويألفه، فلو صبر الأنصار على الأثرة لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق، ولكنهم لم يصبروا، وسلوا
السيف مع من سل، فصار عن الكفار مغمدا، وعلى المسلمين مسلولا إلى يوم القيامة.
وكان عثمان رضي الله عنه رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، رقيق البشرة، كبير اللحية عظيمها، أسمر اللون، كثير الشعر، ضخم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.
وروى سفيان بن عيينة، عن مسعر، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى ابن طلحة، قال: أتينا عائشة رضي الله عنها نسألها عن عثمان، فقالت: اجلسوا أحدثكم عما جئتم له: إنا عتبنا على عثمان رضي الله عنه في ثلاث خصال - ولم تذكرهن- فعمدوا إليه حتى إذا ماصوه كما يماص الثوب بالصابون اقتحموا عليه الفقر الثلاثة: حرمة البلد الحرام، والشهر الحرام، وحرمة الخلافة، ولقد قتلوه وإنه لمن أوصلهم للرحمن وأتقاهم لربه أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، وأخبرنا عبد الله بن محمد ابن أسد، حدثنا محمد بن مسرور العسال، حدثنا أحمد بن معتب، حدثنا الحسين بن الحسن، قالا: أخبرنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا الزبير بن عبد الله أن جدته أخبرته- وكانت خادمة لعثمان- قالت: كان عثمان رضي الله عنه لا يقيم و لا يوقظ نائما من أهله إلا أن يجده يقظانا فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر.
وذكر أسد، أنبأنا عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس ابن أبي حازم، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي بعض أصحابي، فقلت: أبو بكر؟ قال: لا. فقلت: عمر؟ قال: لا. فقلت: بن عمك علي؟ قال: لا فقلت: عثمان؟ قال: نعم. فلما جاء قال لي بيده، فتنحيت، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يساره، ولون عثمان رضي الله عنه يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر قيل له: ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا، وأنا صابر نفسي عليه.
وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: أشرف عليهم عثمان وهو محصور، فقال: السلام عليكم. فمار عليه أحد. فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة من مالي، وجعلت فيه رشائي كرشاء رجل من المسلمين؟ فقيل: نعم. قال: فعلام تمنعوني عن مائها، وأفطر على الماء المالح، ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت كذا وكذا من أرض فزدته في المسجد، فهل علمتهم أن أحدا منع أن يصلي فيه قبلي! قال ابن عمر: أذنب عثمان ذنبا عظيما يوم التقى الجمعان بأحد، فعفا الله عنه عز وجل، وأذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه. وسئل ابن عمر عن علي وعثمان رضي الله عنهما، فقال للسائل: قبحك الله! تسألنى عن رجلين كلاهما خير متى، تريد أن أغص من أحدهما وأرفع من الآخر.
وقال علي رضي الله عنه: من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان، والله ما أعنت على قتله، ولا أمرت ولا رضيت. وبويع لعثمان رضي الله عنه بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاثة أيام باجتماع الناس عليه. وقتل بالمدينة لعثمان عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكره المدائني، عن أبي معشر، عن نافع.
وقال المعتمر عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي: قتل عثمان رضي الله عنه في وسط أيام التشريق. وقال ابن إسحاق: قتل عثمان رضي الله عنه على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين سنة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الواقدي: قتل عثمان يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة يوم التلبية سنة خمس وثلاثين. وقد قيل: إنه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة.
وقد روى ذلك عن الواقدي أيضا.
وقال الواقدي: وحاصروه تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما، وكان أول من دخل الدار عليه محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال له: دعها يا بن أخي، والله لقد كان أبوك يكرمها، فاستحيا وخرج، ثم
دخل رومان بن سرحان- رجل أزرق قصير محدود، عداده في مراد، وهو من ذي أصبح، معه خنجر فاستقبله به، وقال: على أي دين أنت يا نعثل؟
فقال عثمان: لست بنعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين. قال: كذبت، وضربه على صدغه الأيسر، فقتله فخر، وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة جسيمة، ودخل رجل من أهل مصر معه السيف مصلتا، فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة فكشفت عن ذراعيها، وقبضت على السيف، فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان- يقال له رباح ومعه سيف عثمان: أعني على هذا وأخرجه عني. فضربه الغلام بالسيف فقتله، وبقي عثمان رضي الله عنه يومه مطروحا إلى الليل، فحمله رجال على باب ليدفنوه، فعرض لهم ناس ليمنعوهم من دفنه، فوجدوا قبرا قد كان حفر لغيره، فدفنوه فيه، وصلى عليه جبير بن مطعم.
واختلف فيمن باشر قتله بنفسه، فقيل: محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص.
وقيل: بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره، كان الذي قتله سودان بن حمران. وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة. وقيل: بل إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها، وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر، فقال: يا بن أخى أرسل لحيتي، فو الله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني. فيقال: إنه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلى من كان معه، فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.
وأكثرهم يروي أن قطرة أو قطرات من دمه سقطت على المصحف على قوله جل وعلا: فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.
وقال أسد: حدثنا محمد بن طلحة، قال: حدثنا كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب، قال: شهدت مقتل عثمان، فأخرج من الدار أمامى أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين، كانوا يدرءون عن عثمان رضي الله عنه: الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم.
وقال محمد بن طلحة: فقلت له: هل ندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ قال: معاذ الله! دخل عليه، فقال له عثمان: يا بن أخي، لست بصاحبي. وكلمه بكلام، فخرج ولم يند بشيء من دمه، قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصر، يقال له جبلة بن الأيهم. ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول: أنا قاتل نعثل.
وروى سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: إني لمحصور مع عثمان رضي الله عنه في الدار. قال: فرمي رجل منا، فقلت: يا أمير المؤمنين، الآن طاب الضراب، قتلوا منا رجلا، قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك، فإنما تراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي، لا أدري أين هو حتى الساعة. وكان معه في الدار من يريد الدفع عنه: عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن الزبير، والحسن بن على،
وأبو هريرة، ومحمد بن حاطب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، ومروان بن الحكم في طائفة من الناس، منهم المغيرة بن الأخنس فيومئذ قتل المغيرة بن الأخنس.
قتل قبل قتل عثمان رضي الله عنه وذكر ابن السراج، قال: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن أبي جعفر الأنصاري، قال: دخلت مع المصريين على عثمان، فلما ضربوه خرجت أشتد حتى ملأت فروجي عدوا، حتى دخلت المسجد، فإذا رجل جالس في نحو عشرة، عليه عمامة سوداء، فقال: ويحك! ما وراءك! قلت: قد والله فرغ من الرجل، فقال: تبا لكم آخر الدهر! فنظرت فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، حدثنا الأعناقي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا عبد الملك بن الماجشون، عن مالك، قال: لما قتل عثمان رضي الله عنه ألقي على المزبلة ثلاثة أيام، فلما كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا، فيهم حويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام. وعبد الله بن الزبير، وجدي، فاحتملوه، فلما صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن: والله لئن دفنتموه هنا لنخبرن الناس غدا، فاحتملوه، وكان على باب، وإن رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتى صاروا به إلى حش كوكب، فاحتفروا له، وكانت عائشة بنت عثمان رضي الله عنهما معها مصباح في جرة، فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال
لها ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي فيه عيناك، قال: فسكتت فدفن، قال مالك: وكان عثمان رضي الله عنه يمر بحش كوكب فيقول: إنه سيدفن هاهنا رجل صالح.
أخبرني خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسر بمصر، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا حفص بن غياث، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أرادوا أن يصلوا على عثمان رضي الله عنه فمنعوا، فقال رجل من قريش- أبو جهم بن حذيفة: دعوه، وقد صلى الله عز وجل عليه، وصلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
واختلف في سنه حين قتلوه، فقال ابن إسحاق: قتل وهو ابن ثمانين سنة.
وقال غيره: قتل وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: بن تسعين سنة، وقال قتادة: قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ست وثمانين سنة. وقال الواقدي: لا خلاف عندنا أنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو قول أبي اليقظان. ودفن ليلا بموضع يقال له حش كوكب، وكوكب: رجل من الأنصار، والحش: البستان.
وكان عثمان رضي الله عنه قد اشتراه وزاده في البقيع، فكان أول من دفن فيه، وحمل على لوح سرا.
وقد قيل: إنه صلى عليه عمرو بن عثمان ابنه وقيل: بل صلى عليه حكيم بن حزام. وقيل: المسور بن مخرمة. وقيل: كانوا خمسة أو ستة، وهم جبير بن مطعم، وحكيم بن حزام. وأبو جهم بن حذيفة، وتيار بن مكرم، وزوجتاه: نائلة، وأم البنين بنت عيينة، ونزل في القبر أبو جهم وجبير، وكان حكيم و وجتاه أم البنين ونائلة يدلونه، فلم دفنوه، غيبوا قبره، رضي الله تعالى عنه.
قال ابن إسحاق: كانت ولايته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما.
وقال غيره: كانت خلافته إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما. وقيل: ثمانية عشر يوما. قال حسان بن ثابت الأنصاري:
من سره الموت صرفا لا مزاج له | فليأت مأدبة في دار عثمان |
ضحوا بأشمط عنوان السجود به | . يقطع الليل تسبيحا وقرآنا |
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت | قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا |
ليسمعن وشيكا في دياركم | الله أكبر يا ثارات عثمانا |
إن تمس دار بني عفان موحشة | باب صريع وباب مخرق خرب |
فقد يصادف باغي الخير حاجته | فيها ويأوي إليها الجود والحسب |
قتلتم ولي الله في جوف داره | وجئتم بأمر جائر غير مهتدي |
فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا | على قتل عثمان الرشيد المسدد |
يا للرجال لأمر هاج لي حزنا | لقد عجبت لمن يبكي على الدمن |
إني رأيت قتيل الدار مضطهدا | عثمان يهدى إلى الأجداث في كفن |
يا قاتل الله قوما كان أمرهم | قتل الإمام الزكي الطيب الردن |
ما قاتلوه على ذنب ألم به | إلا الذي نطقوا زورا ولم يكن |
فكف يديه ثم أغلق بابه | وأيقن أن الله ليس بغافل |
وقال لأهل الدار لا تقتلوهم | عفا الله عن ذنب امرئ لم يقاتل |
فكيف رأيت الله ألقى عليهم | العداوة والبغضاء بعد التواصل |
وكيف رأيت الخير أدبر بعده | على الناس إدبار السحاب الحوافل |
إن الخلافة لما أظعنت ظعنت | من يثرب إذ غير الهدى سلكوا |
صارت إلى أهلها منهم ووارثها | لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا |
لعمري لبئس الذبح ضحيتم به | وخنتم رسول الله صلى الله في قتل صاحبه |
وعطشتم عثمان في جوف داره | شربتم كشرب الهيم شرب حميم |
فكيف بنا أم كيف بالنوم بعد ما | أصيب ابن أروى وابن أم حكيم |
قتل ابن عفان الإمام | وضاع أمر المسلمينا |
وتشتتت سبل الرشاد | لصادرين وواردينا |
فانهض معاوي نهضة | تشفى بها الداء الدفينا |
أنت الذي من بعده | ندعو أمير المؤمنينا |
ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحى | وأي ذبح حرام ويلهم ذبحوا |
وأي سنة كفر سن أولهم | وباب شر على سلطانهم فتحوا |
ماذا أرادوا أضل الله سعيهم | بسفك ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا |
لعمر أبيك فلا تكذبن | لقد ذهب الخير إلا قليلا |
لقد سفه الناس في دينهم | وخلى ابن عفان شرا طويلا |
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 1037
عثمان بن عفان
رحمه الله ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي. وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمها أم حكم. وهي البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. وكان عثمان في الجاهلية يكنى أبا عمرو. فلما كان الإسلام ولد له من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام سماه عبد الله واكتنى به فكناه المسلمون أبا عبد الله. فبلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك على عينيه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة. فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته عثمان بن عفان. وكان لعثمان. رضي الله عنه. من الولد. سوى عبد الله ابن رقية. عبد الله الأصغر درج. وأمه فاختة بنت غزوان بن جابر بن نسيب بن وهيب بن زيد بن مالك بن عبد بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. وعمرو. وخالد. وأبان. وعمر. ومريم. وأمهم أم عمرو بنت جندب بن عمرو ابن حممة بن الحارث بن رفاعة بن سعد بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غنم بن دهمان ابن منهب بن دوس من الأزد. والوليد بن عثمان. وسعيد. وأم سعيد. وأمهم فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وعبد الملك بن عثمان درج. وأمه أم البنين بنت عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري. وعائشة بنت عثمان. وأم أبان. وأم عمرو وأمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. ومريم بنت عثمان. وأمها نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من كلب. وأم البنين بنت عثمان. وأمها أم ولد وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.
ذكر إسلام عثمان بن عفان. رضي الله عنه:
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن صالح عن يزيد بن رومان قال: خرج عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله على أثر الزبير بن العوام فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله. فآمنا وصدقا فقال عثمان: يا رسول الله قدمت حديثا من الشام فلما كنا بين معان والزرقاء فنحن كالنيام إذا مناد ينادينا أيها النيام هبوا فإن أحمد قد خرج بمكة. فقدمنا فسمعنا بك. وكان إسلام عثمان قديما قبل دخول رسول الله ص. دار الأرقم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن حارث التيمي عن أبيه قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين. فقال عثمان: والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
قالوا: فكان عثمان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية. ومعه فيهما جميعا امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [وقال رسول الله ص. إنهما لأول من هاجر إلى الله بعد لوط.]
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الجبار بن عمارة قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. قال محمد بن عمر وأخبرنا موسى بن يعقوب الزمعي عن محمد بن جعفر بن الزبير قالا: لما هاجر عثمان إلى المدينة نزل على أوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت في بني النجار.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة خط لعثمان بن عفان داره اليوم. ويقال إن الخوخة التي في دار عثمان اليوم وجاه باب النبي الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج منه إذا دخل بيت عثمان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف. وآخى بين عثمان وأوس بن ثابت أبي شداد بن أوس. ويقال أبي عباده سعد بن عثمان الزرقي.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن المسور بن رفاعة عن عبد الله بن مكنف بن حارثة الأنصاري قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته رقية. وكانت مريضة فماتت. رضي الله عنها. يوم قدم زيد بن حارث للمدينة بشيرا بما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر.
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه وأجره في بدر فكان كمن شهدها.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: وقال غير ابن أبي سبرة: وزوج رسول الله ص. عثمان بن عفان بعد رقية أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فماتت عنده. [فقال رسول الله. ص: لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عائذ بن يحيى عن أبي الحويرث قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع عثمان بن عفان.
واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على المدينة في غزوته إلى غطفان بذي أمر بنجد.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن موسى بن سعد مولى أسد بن عبد العزى عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال سمعته يقول: ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث أتم حديثا ولا أحسن من عثمان بن عفان. إلا أنه كان رجلا يهاب الحديث.
ذكر لباس عثمان:
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عتبة بن جبيرة عن الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد: أنه رأى عثمان بن عفان على بغلة له. عليه ثوبان أصفران. له غديرتان.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك قالا: أخبرنا ابن ذئب عن عبد الرحمن بن سعد مولى الأسود بن سفيان قال: رأيت عثمان بن عفان وهو يبني الزوراء. على بغلة شهباء مصفرا لحيته. لم يقل ابن أبي فديك على بغلة شهباء وقاله يزيد.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: حدثني الحكم بن الصلت قال حدثني أبي قال: رأيت عثمان بن عفان يخطب وعليه خميصة سوداء وهو مخضوب بحناء.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شريك بن عبد الله قال: حدثني شيخ من الحاطبيين عن أبيه قال: رأيت على عثمان قميصا قوهيا على المنبر.
قال: أخبرنا هشيم بن بشير عن حصين عن عمرو بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: رأيت على عثمان بن عفان ملاءة صفراء.
قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن موسى ابن طلحة قال: رأيت عثمان بن عفان وعليه ثوبان ممصران.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن ثابت بن عجلان عن سليم أبي عامر قال: رأيت على عثمان بن عفان بردا يمانيا ثمن مائة درهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ابن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد ابن المعلى قال: حدثني الأعرج عن محمد بن ربيعة بن الحارث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعون على نسائهم في اللباس الذي يصان ويتجمل به. ثم يقول: رأيت على عثمان مطرف خز ثمن مائتي درهم. فقال هذا لنائلة كسوتها إياه فأنا ألبسه أسرها به.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة. وعروة بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان. وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن صفة عثمان فلم أر بينهم اختلافا قالوا: كان رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل. حسن الوجه. رقيق البشرة. كبير اللحية عظيمها. أسمر اللون. عظيم الكراديس. بعيد ما بين المنكبين.
كثير شعر الرأس. يضفر لحيته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا واقد بن أبي ياسر أن عثمان كان يشد أسنانه بالذهب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا واقد بن أبي ياسر عن عبيد الله بن دارة: أن عثمان كان قد سلس بوله عليه فداواه ثم أرسله. فكان يتوضأ لكل صلاة.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عثمان تختم في اليسار.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن عمر بن سعيد قال: كان عثمان بن عفان إذا ولد له ولد دعا به وهو في خرقة فيشمه. فقيل له: لم تفعل هذا؟ فقال: إني أحب إن أصابه شيء أن يكون قد وقع له في قلبي شيء. يعني الحب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسحاق بن يحيى عن عمه موسى بن طلحة قال: رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة عليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن وهو يتحدث يسأل الناس عن أسعارهم وعن قدامهم وعن مرضاهم. ثم إذا سكت المؤذن قام يتوكأ على عصا عقفاء فيخطب وهي في يده. ثم يجلس جلسة فيبتدئ كلام الناس فيسائلهم كمسألته الأولى. ثم يقوم فيخطب. ثم ينزل ويقيم المؤذن.
قال: أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرني محمد بن قيس عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يحدث الناس. يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار.
قال: أخبرنا محمد بن ربيعة عن أم غراب عن بنانة قالت: كان عثمان يتنشف بعد الوضوء.
قال: أخبرنا محمد بن ربيعة عن أم غراب عن بنانة أن عثمان كان يتمطر.
قال: أخبرنا محمد بن ربيعة عن أم غراب عن بنانة قالت: كان عثمان إذا اغتسل جئته بثيابه فيقول لي: لا تنظري إلي فإنه لا يحل لك. قالت وكنت لامرأته.
قال: أخبرنا محمد بن ربيعة عن أم غراب عن بنانة أن عثمان كان أبيض اللحية.
قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن علي بن مسعدة عن عبد الله الرومي قال: كان عثمان يلي وضوء الليل بنفسه. قال فقيل له: لو أمرت بعض الخدم فكفوك. فقال: لا. الليل لهم يستريحون فيه.
[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب بن خالد قال: أخبرنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصدق أمتي حياء عثمان]. قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا سليم بن أخضر قال: حدثني ابن عون عن محمد قال: كان أعلمهم بالمناسك ابن عفان. وبعده ابن عمر.
قال: أخبرنا روح بن عبادة وعفان بن مسلم قالا: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} النحل: 76. قال: عثمان بن عفان.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: رأيت عثمان ينام في المسجد متوسدا رداءه.
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي قال: حدثني عبد الرحيم عن هشام بن عروة عن أبيه أن عثمان بن عفان لم يتشهد في وصيته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عمرو بن عثمان بن هانئ عن عبيد الله ابن دارة قال: كان عثمان رجلا تاجرا في الجاهلية والإسلام وكان يدفع ماله قراضا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر وشبل بن العلاء عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أن عثمان دفع إليه مالا مضاربة على النصف.
ذكر الشورى وما كان من أمرهم: قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال: كان عمر بن الخطاب وهو صحيح يسأل أن يستخلف فيأبى. فصعد يوما المنبر فتكلم بكلمات وقال: إن مت فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين فارقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: علي بن أبي طالب. ونظيره الزبير بن العوام. وعبد الرحمن بن عوف. ونظيره عثمان بن عفان. وطلحة بن عبيد الله.
ونظيره سعد بن مالك. ألا وإني أوصيكم بتقوى الله في الحكم والعدل في القسم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الأزهري عن أبي جعفر قال: قال عمر بن الخطاب لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم فإن كان اثنان واثنان فارجعوا في الشورى. وإن كان أربعة واثنان فخذوا صنف الأكثر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا هشام بن سعد وعبد الله بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا صنف عبد الرحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني الضحاك بن عثمان بن عبد الملك بن عبيد عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع أن عمر حين طعن قال: ليصل لكم صهيب ثلاثا وتشاوروا في أمركم والأمر إلى هؤلاء الستة. فمن بعل أمركم فاضربوا عنقه.
يعني من خالفكم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن موسى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعة فقال: يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الآن مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فلا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم. اللهم أنت خليفتي عليهم.
ذكر بيعة عثمان بن عفان. رحمه الله:
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني مالك بن أبي الرجال قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: وافى أبو طلحة في أصحابه ساعة قبر عمر فلزم أصحاب الشورى. فلما جعلوا أمرهم إلى عبد الرحمن بن عوف يختار لهم منهم لزم أبو طلحة باب عبد الرحمن بن عوف بأصحابه حتى بايع عثمان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سعيد المكتب عن سلمة بن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي قال: أول من بايع لعثمان عبد الرحمن ثم علي بن أبي طالب.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمر بن عميرة بن هني مولى عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده قال: أنا رأيت عليا بايع عثمان أول الناس ثم تتابع الناس فبايعوا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أيها الناس إن أول مركب صعب. وإن بعد اليوم أياما. وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها. وما كنا خطباء وسيعلمنا الله.
قال: أخبرنا أبو معاوية قال: أخبرنا الأعمش عن عبد الله بن سنان الأسدي قال: قال عبد الله حين استخلف عثمان: ما ألونا عن أعلى ذي فوق.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم الفضل بن دكين قالوا: أخبرنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: قال عبد الله حين استخلف عثمان: استخلفنا خير من بقي ولم نأله.
قال: أخبرنا حجاج بن محمد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: شهدت عبد الله بن مسعود في هذا المسجد ما خطب خطبة إلا قال أمرنا خير من بقي ولم نأل.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل أن عبد الله بن مسعود سار من المدينة إلى الكوفة ثمانيا حين استخلف عثمان بن عفان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات فلم نر يوما أكثر نشيجا من يومئذ. وإنا اجتمعنا أصحاب محمد فلم نأل عن خيرها ذي فوق. فبايعنا أمير المؤمنين عثمان فبايعوه.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عثمان بن محمد الأخنسي قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد عن أبيه قالا: بويع عثمان ابن عفان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين. فاستقبل لخلافته المحرم سنة أربع وعشرين.
قال محمد بن عمر: قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة في حديثه: فوجه عثمان على الحج تلك السنة عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس سنة أربع وعشرين.
ثم حج عثمان في خلافته كلها بالناس عشر سنين ولاء إلا السنة التي حوصر فيها فوجه عبد الله بن عباس على الحج بالناس. وهي سنة خمس وثلاثين.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن عثمان بن عفان استعمله على الحج في السنة التي قتل فيها سنة خمس وثلاثين. فخرج فحج بالناس بأمر عثمان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال: لما ولي عثمان اثنتي عشرة سنة أميرا يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئا. وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان شديدا عليهم. فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم. ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر. وكتب لمروان بخمس مصر. وأعطى أقرباءه المال. وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها. واتخذ الأموال. واستسلف من بيت المال وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما وإني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور عن أبيها قال: سمعت عثمان يقول: أيها الناس إن أبا بكر وعمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما وإني تأولت فيه صلة رحمي.
ذكر المصريين وحصر عثمان رضي الله عنه:
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أم الربيع بنت عبد الرحمن بن محمد بن مسلمة عن أبيها قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يحيى بن عبد العزيز عن جعفر بن محمود. عن محمد بن مسلمة قال: وأخبرنا محمد ابن عمر قال: حدثني ابن جريج وداود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن المصريين لما أقبلوا من مصر يريدون عثمان ونزلوا بذي خشب دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اذهب إليهم فارددهم عني وأعطهم الرضى وأخبرهم أني فاعل بالأمور التي طلبوا ونازع عن كذا بالأمور التي تكلموا فيها. فركب محمد بن مسلمة إليهم إلى ذي خشب. قال جابر وأرسل معه عثمان خمسين راكبا من الأنصار أنا فيهم. وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس البلوي. وسودان بن حمران المرادي. وابن البياع. وعمرو بن الحمق الخزاعي. لقد كان الاسم غلب حتى يقال جيش عمرو بن الحمق. فأتاهم محمد بن مسلمة فقال: إن أمير المؤمنين يقول كذا ويقول كذا. وأخبرهم بقوله فلم يزل بهم حتى رجعوا. فلما كانوا بالبويب رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان فأخذوا متاعه ففتشوه فوجدوا في قصبة من رصاص فيها كتاب في جوف الإدارة في الماء إلى عبد الله بن سعد أن افعل بفلان كذا وبفلان كذا من القوم الذين شرعوا في عثمان. فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خشب فأرسل عثمان إلى محمد بن مسلمة فقال: اخرج فارددهم عني. فقال: لا أفعل. قال فقدموا فحصروا عثمان.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه عن سفيان بن أبي العوجاء قال: أنكر عثمان أن يكون كتب الكتاب أو أرسل ذلك الرسول. وقال: فعل ذلك دوني.
قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن الأصم قال: كنت فيمن أرسلوا من جيش ذي خشب. قال فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجعلوا آخر من تسألون عليا. أنقدم؟ قال فسألناهم فقالوا: اقدموا. إلا عليا قال: لا آمركم فإن أبيتم فبيض فليفرخ.
ذكر ما قيل لعثمان في الخلع وما قال لهم: قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا جرير بن حازم قال: أخبرني يعلى بن حكيم عن نافع قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: قال لي عثمان وهو محصور في الدار: ما ترى فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس؟ قال قلت: ما أشار به عليك؟ قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي فإن خلعت تركوني وإن لم أخلع قتلوني. قال قلت: أرأيت إن خلعت تترك مخلدا في الدنيا؟ قال: لا. قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا. قال قلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا. قلت: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه. لا تخلع قميصا قمصكه الله.
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا عمر بن أبي خليفة قال: حدثتني أم يوسف بن ماهك عن أمها قالت: كانوا يدخلون على عثمان وهو محصور فيقولون: انزع لنا. فيقول: لا أنزع سربالا سربلنيه الله ولكن أنزع عما تكرهون.
[قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا طلحة بن زيد الجزري أو الشامي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: إن الله كساك يوما سربالا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه لظالم].
[قال: أخبرنا أبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: أخبرنا قيس قال: أخبرني أبو سهلة مولى عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: وددت أن عندي بعض أصحابي. فقالت عائشة: فقلت يا رسول الله أدعو لك أبو بكر. فأسكت فعرفت أنه لا يريده. قلت: أدعو لك عمر. فأسكت فعرفت أنه لا يريده. قلت: أدعو لك عليا. فأسكت فعرفت أنه لا يريده. فقلت: فأدعو لك ابن عفان. قال: نعم.
فلما جاء أشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباعدي. فجاء عثمان فجلس إلى النبي ص. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له. ولون عثمان يتغير. قال قيس فأخبرني أبو سهلة قال: لما كان يوم الدار قيل لعثمان ألا تقاتل؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وإني صابر عليه. قال أبو سهلة فيرون أنه ذلك اليوم].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان بن حرب قالا: أخبرنا حماد بن زيد. أخبرنا يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل قال: كنت مع عثمان في الدار وهو محصور. قال وكنا ندخل مدخلا إذا دخلناه سمعنا كلام من على البلاط. قال فدخل عثمان يوما لحاجة فخرج منتقعا لونه فقال: إنهم ليتوعدونني بالقتل آنفا. قال قلنا:
يكفيكهم الله يا أمير المؤمنين. قال: ولم يقتلونني [وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس. فو الله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام قط. ولا تمنيت أن لي بديني بدلا منذ هداني الله. ولا قتلت نفسا. ففيم يقتلونني]؟.
قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا حفص بن أبي بكر قال: أخبرنا هياج بن سريع عن مجاهد قال: أشرف عثمان على الذين حاصروه فقال: يا قوم لا تقتلوني فإني وال وأخ مسلم. فو الله إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت أصبت أو أخطأت. وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعا أبدا ولا تغزو جميعا أبدا ولا يقسم فيؤكم بينكم. قال فلما أبوا قال: أنشدكم الله هل دعوتم عند وفاة أمير المؤمنين بما دعوتم به. وأمركم جميعا لم يتفرق وأنتم أهل دينه وحقه فتقولون إن الله لم يجب دعوتكم أم تقولون هان الدين على الله. أم تقولون إني أخذت هذا الأمر بالسيف والغلبة ولم آخذه عن مشورة من المسلمين. أم تقولون إن الله لم يعلم من أول أمري شيئا لم يعلم من آخره؟ فلما أبوا قال: اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا. قال مجاهد فقتل الله منهم من قتل في الفتنة. وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفا فأباحوا المدينة ثلاثا يصنعون ما شاءوا لمداهنتهم.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو ابن عثمان قال: حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة أن عثمان ابن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم طلحة؟ قالوا: نعم.
قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار آخى بيني وبين نفسه؟ فقال طلحة: اللهم نعم. فقيل لطلحة في ذلك فقال: نشدني. وأمر رأيته ألا أشهد به؟.
[قال: أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي ويزيد بن هارون قالا: أخبرنا العوام بن حوشب عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي جعفر محمد بن علي قال: بعث عثمان إلى علي يدعوه وهو محصور في الدار فأراد أن يأتيه. فتعلقوا به ومنعوه. قال فحل عمامة سوداء على رأسه وقال هذا أو قال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به. والله لا أرضى قتله ولا آمر به].
قال: أخبرنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: حدثني راشد بن كيسان أبو فزارة العبسي أن عثمان بعث إلى علي وهو محصور في الدار أن ائتني. فقام علي ليأتيه. فقام بعض أهل علي حتى حبسه وقال: ألا ترى إلى ما بين يديك من الكتائب؟ لا تخلص إليه. وعلى علي عمامة سوداء فنقضها على رأسه ثم رمى بها إلى رسول عثمان وقال: أخبره بالذي قد رأيت. ثم خرج علي من المسجد حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة فأتاه قتله فقال: اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله.
قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: أخبرنا جعفر بن برقان قال: أخبرنا ميمون بن مهران قال: لما حوصر عثمان بن عفان في الدار بعث رجلا فقال: سل وانظر ما يقول الناس. قال: سمعت بعضهم يقول قد حل دمه. فقال عثمان: ما يحل دم امرئ مسلم إلا رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل رجلا فقتل به. قال وأحسبه قال هو أو غيره: أو سعى في الأرض فسادا. [قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال: لما أرادوا أن يقتلوا عثمان أشرف عليهم فقال: علا م تقتلونني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل قتل رجل إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فإنه يقتل. ورجل زنى بعد إحصانه فإنه يرجم. ورجل قتل رجلا متعمدا فإنه يقتل].
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن علقمة بن وقاص قال: قال عمرو بن العاص لعثمان وهو على المنبر: يا عثمان إنك قد ركبت بهذه الأمة نهابير من الأمر فتب وليتوبوا معك. قال فحول وجهه إلى القبلة فرفع يديه فقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك. ورفع الناس أيديهم.
قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي من بني عامر بن لؤي قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمرو بن العاص أنه قال لعثمان: إنك ركبت بنا نهابير وركبناها معك. فتب يتب الناس معك. فرفع عثمان يديه فقال: اللهم إني أتوب إليك.
قال: أخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال: وحدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيود فضعوهما.
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنا أنصارا لله مرتين. قال فقال عثمان: أما القتال فلا.
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة قال: قال عثمان يوم الدار: إن أعظمكم عني غناء رجل كف يده وسلاحه.
ذكر من دفن عثمان. ومتى دفن. ومن حمله. ومن صلى عليه. وعلى أي شيء حمل. ومن نزل في قبره. ومن تبعه. وأين دفن.
رضي الله عنه: قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال: لما حج معاوية نظر إلى بيوت أسلم شوارع في السوق فقال: أظلموا عليهم بيوتهم أظلم الله عليهم قبورهم قتلة عثمان.
قال نيار بن مكرم: فخرجت إليه فقلت له إن بيتي يظلم علي وأنا رابع أربعة حملنا أمير المؤمنين وقبرناه وصلينا عليه. فعرفه معاوية فقال: اقطعوا البناء لا تبنوا على وجه داره. قال ثم دعاني خاليا فقال: متى حملتموه ومتى قبرتموه ومن صلى عليه؟ قلت: حملناه. رحمه الله. ليلة السبت بين المغرب والعشاء. فكنت أنا وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة العدوي. وتقدم جبير بن مطعم فصلى عليه.
فصدقه معاوية. وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن محمد ابن يوسف قال: خرجت نائلة بنت الفرافصة تلك الليلة وقد شقت جيبها قبلا ودبرا ومعها سراج وهي تصيح: وا أمير المؤمنيناه! قال فقال لها جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا فقد رأيت الغواة الذين على الباب. قال فأطفأت السراج وانتهوا إلى البقيع فصلى عليه جبير بن مطعم وخلفه حكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة ونيار ابن مكرم الأسلمي ونائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة امرأتاه. ونزل في حفرته نيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة وجبير بن مطعم. وكان حكيم بن حزام وأم البنين ونائلة يدلونه على الرجال حتى لحدوا له وبني عليه وغبوا قبره وتفرقوا.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك عبد الملك بن حسين النخعي عن عمران بن مسلم بن رياح عن عبد الله البهي أن جبير بن مطعم صلى على عثمان في ست عشر رجلا بجبير سبعة عشر.
قال ابن سعد: الحديث الأول. صلى عليه أربعة. أثبت.
قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال: حدثني عم جدتي الربيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه قال: كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي. حملناه على باب. وإن رأسه ليقرع الباب لإسراعنا به. وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما. حتى واريناه في قبره في حش كوكب.
قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: حمل عثمان بن عفان أربعة: جبير بن مطعم وحكيم بن حزام ونيار بن مكرم الأسلمي وفتى من العرب. فقلت له: الفتى جد مالك بن أبي عامر. فقال لم يسم لي. قال والعثمانيون أعرف مني بتلك الحرمة وأرعاهم لها.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا معتمر بن سليمان سمعت أبي يقول أخبرنا أبو عثمان أن عثمان قتل في أوسط أيام التشريق.
قال أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال: لقد رأيتني وإن عمر موثقي وأخته على الإسلام. ولو ارفض أحد فيما صنعتم بابن عفان كان حقيقا.
ذكر ما قال أصحاب رسول الله. ص:
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا محمد بن أبي أيوب عن حميد بن أبي هلال عن عبد الله بن عكيم قال: لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان. قال فيقال له: يا أبا معبد أو أعنت على دمه؟ فقال: إني لأعد ذكر مساويه عونا على دمه.
قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا ليث عن زياد بن أبي مليح عن أبيه عن ابن عباس قال: لو أجمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا الصعق بن حزن قال: أخبرنا قتادة عن زهدم الجرمي قال: خطب ابن عباس فقال لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء.
قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: أخبرنا جعفر بن برقان قال: حدثني العلاء بن عبد الله بن رافع عن ميمون بن مهران قال: لما قتل عثمان. قال حذيفة هكذا وحلق بيده يعني عقد عشرة. فتق في الإسلام فتق لا يرتقه جبل.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان. وكان أميرا على صنعاء. وكانت له صحبة.
بكى فطال بكاؤه ثم قال هذا حين أنزعت خلافة النبوة من أمة محمد وصار ملكا وجبرية. من غلب على شيء أكله.
قال: وأخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال: أخبرنا وهيب بن خالد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن ثمامة بن عدي بمثله سواء قال: وكان من قريش.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا يحيى بن سعيد قال: قال أبو حميد الساعدي لما قتل عثمان. وكان ممن شهد بدرا: اللهم إن لك علي ألا أفعل كذا ولا أفعل كذا ولا أضحك حتى ألقاك.
قال: أخبرنا أبو معاوية قال: أخبرنا الأعمش عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة إذا ذكر ما صنع بعثمان بكى. قال فكأني أسمعه يقول هاه هاه ينتحب.
قال: أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا فطر بن خليفة عن زيد بن علي أن زيد بن ثابت كان يبكي على عثمان يوم الدار.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا اليمان بن المغيرة قال: أخبرنا إسحاق ابن سويد. حدثني من سمع حسان بن ثابت يقول:
وكأن أصحاب النبي عشية= بدن تنحر عند باب المسجد#أبكي أبا عمرو لحسن بلائه | أمسى رهينا في بقيع الغرقدقال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا سلام بن مسكين قال: أخبرنا مالك ابن دينار: أخبرني من سمع عبد الله بن سلام يقول يوم قتل عثمان اليوم هلكت العرب. |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 3- ص: 39
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.
قتل يوم الجمعة في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو صائم. قال الواقدي: كان ابن اثنتين وثمانين سنة، وقال قتادة: ابن تسع أو ثمان وثمانين؛ وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا أياما.
وكان من كبار الفقهاء رضي الله عنه؛ روى سهل بن أبي خيثمة أنه كان من المفتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه دعا رجالا من المهاجرين والأنصار، دعا عمر وعثمان وعليا وع الرحمن ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، فمضى أبو بكر على ذلك، ثم ولي عمر فكان يدعو هؤلاء النفر.
وروي أن جارية سوداء رفعت إلى عمر رضي الله عنه فخفقها بالدرة خفقات وقال: أي لكاع زنيت؟ قالت: من مرعوش بدرهمين، تخبر بصاحبها الذي صنع بها ومهرها الذي أعطاها، فقال عمر: ما ترون؟ وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن، فقال علي: أن ترجمها، وقال عبد الرحمن: أرى مثل ما رأى أخوك، فقال لعثمان: ما ترى؟ قال: أراها تستهل بالذي صنعت لا ترى به بأسا وإنما حد الله تعالى على من علم أمر الله عز وجل، قال: صدقت، فرد على الجماعة وأسقط الحد وبين العلة وهو أنها تجهل ما صنعت فلا يجب عليها الحد.
وأيضا فإن عمر رضي الله عنه جعله في الشورى واختاره المسلمون للخلافة ولا يختار للخلافة إلا إمام مجتهد. وروى ابن عون عن ابن سيرين قال: كانوا يرون أعلم الناس بالمناسك عثمان بن عفان، ولأنه ما من حادثة حدثت في الفرائض وغيرها إلا وله فيها قضية مرضية وحكومة ماضية.
دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 40
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وكان له ثلاث كنى أبو عمرو وأبو عبد الله وأبو ليلى وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها البيضاء أم حكيم بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف استخلف عن شورى من ستة أنفس على وعبد الرحمن وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسادس القوم عثمان رضه الله عنه وعنهم أجمعين على حسب ما تقدم ذكرنا ذلك في كتاب الخلفاء فمضى عثمان بن عفان لازما للدين الصحيح وان لوثه الناس ببعض اللوث في حياته الذي قد عداه الله عن حقيقته إلى أن حوصر يوم الجمعة لليلة مضت من ذي القعدة وبقى في الحصار تسعة وأربعين يوما يذود عنه علي بن أبي طالب في بنى هاشم وطلحة والزبير فيمن اطاعهما من قريش إلى أن تسلق عليه سودان بن حمران المرادي بالليل ومعه مشقص فوجأه وهو يقرأ سورة البقرة فوقعت أول قطرة من دمعه على قوله فسيكفيكهم الله وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما ودفن بين المغرب والعشاء وصلى عليه جبير بن مطعم وذلك ليلة السبت لثنتى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة ودلته في قبره نائلة وأم البنين
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 23
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، القرشي، أبو عمرو، ويقال أيضا: أبو عبد الله، الأموي، رضي الله عنه.
قال ابن أبي أويس، عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن ابن شهاب: ولي ثنتي عشرة سنة، حجها كلها، إلا سنتين.
مات سنة أربعٍ وثلاثين.
قال إسماعيل: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبي الزناد، أن عامر بن سعد ابن أبي وقاصٍ أخبره، سمع عثمان بن عفان، رضي الله عنه، يقول: ما يمنعني أن أحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا أكون من أوعى أصحابه عنه، ولكنى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار.
وهو ختن النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية، وأم كلثوم، رضي الله عنهما، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 6- ص: 1
عثمان بن عفان
أمير المؤمنين وأمه هي أروى بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم كان أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بست سنين روى السري بن يحيى عن ابن سيرين أن المال كثر في زمن عثمان حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف ونخلة بألف درهم ذبح صبرا في ذي الحجة سنة 35 وله نيف وثمانون سنة ع
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي المدني كنيته أبو عبد الله
ويقال أبو عمر وأمه أروى بنت كريز وأم أروى أم حكيم وهي البيضاء عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية فكان أول من هاجر معها إلى أرض الحبشة ثم هاجر بها إلى المدينة فمرضت حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر فتخلف عثمان عن بدر لعلتها وضرب له نبي الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فلما ماتت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم فكانت عنده ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى أهل مكة فبايع النبي صلى الله عليه وسلم الناس ثم قال صلى الله عليه وسلم إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير من أيديهم شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأخبر أن الملائكة تستحي منه جهز جيس العسرة من خالص ماله واشترى بئر رومه فجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين كان من القانتين بآيات الله آناء الليل ساجدا وقائماً حذرا لآخرته ورجاء لرحمة ربه عز وجل يحيى بالقرآن فجل لياليه في ركعة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته من بعده فلما أن ولي كان خيرا لخيره وأمير البررة أخبر الله جل ثناؤه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أنه مع أصحابه حين وقوع الفتنة على الحق فكان كذلك إلى أن قتل شهيدا رضوان الله عليه
قال عمرو بن علي قتل يوم الجمعة لاثنتين عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وقال قتادة إن عثمان بن عفان قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة
روى عنه حمران بن أبان في الوضوء وعمرو بن سعيد بن العاص في الوضوء وأبو أنس الأصبحي مالك في الوضوء وزيد بن خالد الجهني وعبيد الله الخولاني ومحمود بن لبيد في الصلاة وعبد الرحمن بن أبي عمرة وعبد الرحمن بن يزيد صلى بهم أربع ركعات بمنى في القدر وعبد الله بن شقيق في الحج وأبان بن عثمان وسعيد بن العاص وسعيد بن المسيب في الحج ومالك بن أوس
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 2- ص: 1
ذو النورين أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص الأموي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 17
(ع) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى أمير المؤمنين ذو النورين - رضي الله عنه -.
قال ابن الحذاء: يكنى أيضا أبو محمد.
وذكر محمد بن يوسف بن عبد الله الشافعي في كتابه ’’ بغية الطالبين ’’: قيل له: ذو النورين؛ لأنه لم يتزوج بنتي نبي غيره، وقيل: لأنه كان يختم القرآن في القيام، فكان القرآن نورا، وقيام الليل نورا، وقيل: لأنه كان له سخاءان، أحدهما في الإسلام والآخر في الجاهلية، وقيل: لأن له كنيتين، وقيل: لأنه إذا دخل الجنة برقت له بريقان وقال - صلى الله عليه وسلم -: ’’ وددت أن لو كانت لي ألف بنتا كلما ماتت بنت عنده زوجته أخرى ’’.
وذكر العسكري عن الجهمي ولد لعثمان من رقية: عبد الله، فكناه به النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، وقتل آخر ذي الحجة [ق 99 / ب] وبعضهم يقول في أيام النحر ويستشهدون بقول الشاعر:
عثمان إذ قتلوه وانتهكوا دمه | صبيحة ليلة النحر |
وكأن أصحاب النبي عشية | بدن تنحر عند باب المسجد [ق 100 / أ] |
أبكي أبا عمرو لحسن بلائه | أمسى رهينا في بقيع الغرقد |
أحسن زوجين رأى إنسان | رقية وزوجها عثمان |
غني النفس يغني النفس حتى يكفها | وإن مسها حتى يضر بها الفقر |
وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها | بكائنة إلا سيتبعها يسر |
مرحبا بالقائلين عدلا | وبالصلاة مرحبا وأهلا |
عثمان إذ قتلوه وانتهكوا دمه | صبيحة ليلة النحر |
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها | من الحرام ويبقى الإثم والعار |
تبقى عواقب سوء من مغبتها | لا خير في لذة من بعدها النار |
وأي شيء لا يحب ولده | حتى الحبارى ترن عنده |
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 9- ص: 1
عثمان بن عفان بن أبي العاص
رضوان الله عليه
دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، نا أبو صالح كاتب الليث، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخب سبعون جزءاً، فجزءٌ في الجن والإنس، وتسعةٌ وستون في البربر»
حدثنا بشر بن موسى، نا أبو عبد الرحمن، المقري، نا كهمس بن الحسن، عن مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير قال: قال عثمان بن عفان وهو يخطب على منبره: إني محدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة بقيام ليلها، وصيام نهارها»
حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار، نا آدم بن أبي إياس العسقلاني، نا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه»
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1
عثمان بن عفان (ع)
أمير المؤمنين، أبو عمرو الأموي، ذو النورين.
جمع الأمة على مصحفٍ، وافتتح نوابه إقليم خراسان والمغرب.
قتله سودان بن حمران يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة سنة خمسٍ وثلاثين، وله بضعٌ وثمانون سنة. رضي الله عنه.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي:
يكنى أبا عمرو، وأبا عبد الله، وأبا ليلى، أمير المؤمنين ذو النورين، لكونه صاهر النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه. ولا يعلم أحد تزوج ابنتى نبى غيره، على ما قال المهلب بن أبي صفرة.
بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقال: «ألا أستحيى ممن تستحيى منه الملائكة! »، هاجر إلى الحبشة، وهو أول من خرج إليها، ثم إلى المدينة، ولم يشهد بدرا لتخلفه على تمريض زوجته رقية، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم له بسهمه وأجره.
وبايع عنه في بيعة الرضوان، وهو السبب فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قريش في الصلح عام الحديبية لعظم قدره عندهم، فبلغه أنه قتل. فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وبايعهم على قتال أهل مكة، وبايع عنه.
وكان كثير أفعال الخير، اشترى بئر رومة وسبلها للمسلمين، وجهز جيش العسرة من ماله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن له الجنة على ذلك، ووسع مسجد المدينة، ومسجد مكة، وهو الذي أمر بتحويل الساحل من الشعيبة - ساحل مكة القديم - إلى ساحلها اليوم، وهو جدة، لما سئل في ذلك.
وكان يحيى الليل بركعة يقرأ فيها القرآن كله، وبويع بالخلافة بعد عمر بن الخطاب. وكثرت الفتوحات في خلافته، واتسعت الدنيا على الصحابة. حتى كانت الفرس تشترى بمائة ألف، وكان البستان بالمدينة يباع بأربعمائة ألف. وعمرت المدينة بالخيرات والأموال، وجبى إليها خراج الممالك، وصار لعثمان مال عظيم، وألف مملوك، فنقم عليه ذلك جماعة من الأشرار، مع ولايته الولايات الجليلة لأقاربه، وهموا بعزله، وساروا لمحاصرته، وحصروه أياما كثيرة، حتى منعوه أن يصلى في المسجد، وأن يشرب من بئر رومة، وتسور عليه ثلاثة من شرارهم بيته، فذبحوه، والمصحف على يده، وقطرت من دمه عليه قطرة أو قطرات، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وقيل قتل يوم الأربعاء، وله تسعون سنة. وقيل ثمان وثمانون سنة. وقيل اثنتان وثمانون سنة. ودفن خفية بموضع من البقيع يقال له: حش كوكب، وأكثر الناس في قتله من المراثى. وكانت خلافته رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة إلا أياما.
وكان رجلا ربعة، ليس بالقصير ولا بالطويل، حسن الوجه، رقيق البشرة، كبير اللحية والشعر، أسمر اللون، صخم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.
وتفرقت الكلمة بعده، وماج الناس، واقتتلوا، حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا على ما قيل، وأخباره رضي الله عنه في الخير كثيرة.
وكان قتله أول وهن في الإسلام على الأمة، بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 5- ص: 1
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عمرو
ويقال أبو عبد الله كان ختن النبي صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية وأم كلثوم له صحبة وهجرة روى عنه بن عباس وعبد الله بن جعفر وزيد بن ثابت وزيد بن خالد وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو قتادة وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وسلمة بن الأكوع والمغيرة بن شعبة وأبو ثور الفهمي وعبد الله بن الزبير والسائب بن يزيد وطارق بن شهاب وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ومحمود بن لبيد والمسور بن مخرمة والربيع بنت معوذ بن عفراء.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 6- ص: 1