ابن جني عثمان بن جني الموصلي، ابو الفتح: من ائمة الادب والنحو، وله شعر. ولد بالموصل وتوفى ببغداد، عن نحو 65 عاما. وكان ابوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الازدي الموصلي. من تصانيفه رسالة في (من نسب إلى امه من الشعراء - خ) و (المبهج - ط) في اشتقاق اسماء رجال الحماسة، و (المحتسب - خ) في شواذ القراآت، و (سر الصناعة - خ) في اللغة، و (الخصائص) في اللغة، كبير، طبع منه مجلد واحد، و (اللمع - خ) في النحو، و (التصريف الملوكي - ط) و (التنبيه - خ) في شرح ديوان الحماسة، و (اعراب ابيات ما استصعب من الحماسة - خ) و (المقتضب من كلام العرب - ط) رسالة، وغير ذلك وهو كثير. وكان المتنبي يقول: ابن جني اعرف بشعري مني.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 204

ابن جني اسمه عثمان بن جني.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 263

أبو الفتح عثمان بن جني ولد في الموصل قبل سنة 330 وتوفي ببغداد في 28 صفر سنة 392 ودفن في مقبرة الشونيزي من مقابر بغداد عند قبر أستاذه وشيخه الشيخ أبي علي الفارسي. وقد نشأ في الموصل ثم سار إلى حلب والشام وبلاد فارس وسكن بعد ذلك بغداد إلى إن توفي فيها.
كان أبوه (جني) مملوكا روميا لسليمان بن فهد بن أحمد الآزري الموصلي وأصبح من جند سيف الدولة بن حمدان. ويقال إن لفظة (جني) تعريب لكلمة (كني) بالكاف الفارسية وهي كلمة رومية.
كان عثمان بن جني من طبقة الشريفين المرتضى والرضي وكان من جملة مشايخ السيد الرضي في الأدب، وقد أثنى عليه علماء الرضي في الأدب واللغة والبلاغة وقالوا عنه: أنه كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف وعلمه بالتصريف أقوى وأكمل من علمه بالنحو. وكان إماما في العربية قرأها والأدب على الشيخ أبي علي الفارسي وكيفية اتصاله بشيخه هذا: هو أنه قعد في الجامع بالموصل للإقراء فاجتاز بحوزة تدريسه أبو علي الفارسي فرآه في حلقته والناس حوله يشتغلون عليه وهو يقرؤهم النحو وهو شاب فسأله أبو علي عن مسالة في التصريف فقصر فيها فقال له تزببت وأنت حصرم فسال عثمان عنه فقيل له: هذا أبو علي الفارسي فلازمه من يومه لمدة 40 سنة وترك حلقته تلك واعتنى بالتصريف لديه. فما أحد أعلم منه بالتصريف ولا أقدم بأصوله وفروعه ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه. فلما مات أبو علي تصدر أبو الفتح عثمان بن جني في مجلسه ببغداد فأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي. وذكره الباخرزي في دمية القصر فقال عنه: ليس أحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح الشكلات ما له. فقد وقع عليها من ثمرات الأعراب ولا سيما في علم الأعراب. ومن تأمل مصنفاته وقف على بعض صفاته، فروي أنه كشف الغطاء عن شعره وما كنت أعلم أنه ينظم القريض أو يسبغ ذلك الجريض حتى قرأت له مرثيته في المتنبي أولها:

وخاتمتها:
وقال أبو الحسن الطرائفي:
كان أبو الفتح عثمان بن جني يحضر بحلب عند المتنبي كثيرا ويناظره في شيء من النحو غير أنه لم يقرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه. وكان المتنبي يعجب بأبي الفتح وذكائه وحذقه ويقول في أبي الفتح: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس وقد التحق عثمان هذا حقبة من الزمن ببلاط سيف الدولة في حلب. كما بقي زمنا ملازما لعضد الدولة البويهي فيما كان هذا في فارس (شيراز). وكان لابن جني من الولد ثلاثة على وغال وعلاء وكلهم أدباء فضلاء قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم منهم معددون في الصحيحي الضبط وحسني الخط.
وقد امتلأت المعاجم وكتب الأدب بقصائده ونظمه. وقد روى ابنه عال قصيدة طويلة لأبيه أولها:
إلى إن يقول:
أما مؤلفاته فكثيرة نذكر هنا فهرستها نقلا عن الإجازة التي كتبها بخطه ونقلها ياقوت في معجم الأدباء ثم نتبعها بأسماء مؤلفاته التي لم يأت على ذكرها في الإجازة أو الفها بعد تاريخ الإجازة: قال:
(بسم الله الرحمن الرحيم: قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر أدام الله عزه إن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري أيد الله عزه، عنده منها كتابي الموسوم بالخصائص وحجمه ألف ورقه. وكتابي التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري رحمه الله وحجمه خمسمائة ورقة بل يزيد على ذلك. وكتابي في تفسير وتصريف أبي عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني وحجمه خمسمائة ورقة. وكتابي في شرح مستغلق أبيات الحماسة واشتقاق أسماء شعرائها ومقداره المقصور والمحدود عن يعقوب بن إسحاق السكيت وحجمه أربعمائة ورقة. وكتابي في تعاقب العربية وأطرف به وحجمه مائتا ورقة، وكتابي في تفسير ديوان المتنبي الكبير وهو ألف ورقة ونيف، وكتابي في تفسير معاني هذا الديوان وحجمه مائة ورقة وخمسون ورقة. وكتابي اللمع في العربية وإن كان لطيفا، وكذلك كتابي مختصر التصريف على إجماعه، وكتابي مختصر العروض والقوافي، وكتاب الألفاظ المهموزة، وكتابي في اسم المفعول المعتدل العين من الثلاثي على إعرابه في معناه وهو المقتضب، وما بدأت بعمله من كتاب تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب أيضا أعان الله على إتمامه، وكتاب ما خرج عني من تأييد المذكرة عن الشيخ أبي علي أدام الله عزه وكتابي في المحاسن في العربية وإن كان ما جرى أزال يدي عنه حتى شذ عنها ومقداره ستمائة ورقة، وكتابي النوادر الممتعة في العربية وإن كان ما جرى أزال يدي عنه حتى شذ عنها ومقداره ستمائة ورقة، وكتابي النوادر الممتعة في العربية وحجمه ألف ورقه. وقد شذ أيضا أصله عني. فان وقعا كلاهما أو شتى منهما فهو لاحق بها أجزت روايته هنا، وكتاب ما أحضرنيه الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي وغير ذلك مما هذه حاله وصورته، فليرو أدام الله عزه ذلك عني أجمع إذا أصبح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده وما صح عنده أيده الله من جميع رواياتي مما سمعته من شيوخي رحمهم الله وقرأته عليهم بالعراق والموصل والشام وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها. مبارحا له فيه منفوعا به بإذن الله. وكتب عثمان بن جني بيده حامدا الله سبحانه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. والحمد لله حق حمده عودا على بدء).
ومن كتبه ما لم تتضمنه هذه الإجازة كتب المحتسب في علل شواذ القراءات) و(تفسير أرجوزة أبي نواس) و(تفسير قصائد العلويات الثلاث للشريف الرضي) كل واحدة في مجلد. وهي قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم بن نصر الدولة أولها:
وفيها قصيدته التي رثي بها الصاحب بن عباد أولها:
ومنها قصيدته التي رثى بها الصابي أولها:
وكتاب (البشرى والظفر) صنفه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقة في تفسير بيت من شعر عضد الدولة:
وكتب (رسالة في حصر الأصوات ومقادير المدات) كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدار 16 ورقة بخط ولده عال و(المذكر والمؤنث) و(المنتصف) و(مقدمات أبواب التصريف) و(النقض على ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطئته) و(المغرب في شرح القوافي) و(الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام) و(الوقف والابتداء) و(الفرق) و(المعاني المجردة) و(الفائق) و(الخطيب) و(الأراجيز) و(ذي القدر في النحو) و(شرح الفصيح) و(شرح الكافي في القوافي) و(التعاقب) و(التلقين) و(التذكرة الأصبهانية).
هذا وكان عثمان بن جني فاقدا لإحدى عينيه يقول في صديق له:
وكذا يقول:
وكان له غلام بعين واحدة كذلك وفيه يقول:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 138

ابن جني النحوي أبو الفتح عثمان بن جني

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0

أبو الفتح النحوي عثمان بن جني، أبو الفتح النحوي. الإمام. العلامة. من أحذق النحاة.
وكان أكمل علومه التصريف. ولم يتكلف أحد ولم يتكلم أدق من كلامه في التصريف. مولده قبل الثلاثين والثلاث ماية. وتوفي سنة اثنتين وتسعين وثلاث ماية. وخلف من الأولاد: عليا، وعاليا، والعلاء، وكلهم أدباء فضلاء، قد خرجهم والدهم، وسمعهم، وحسن خطوطهم -وهم معدودون في صحيحي الضبط وحسني الخطوط. وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الموصلي، وكان أعور، ومن شعره في ذلك:

اجتاز أبو علي الفارسي بالموصل، فمر بالجامع وأبو الفتح يقرئ النحو وهو شاب فسأله أبو علي مسألة في التصريف، فقصر فيها أبو الفتح، فقال له: زببت قبل أن تحصرم! فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة، واعتنى بالتصريف. ولما مات أبو علي تصدر ابن جني مكانه ببغداد، وأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي. وجرى بينه وبين أبي نصر بشر بن هارون كلام في معنى شيطان يقال له: العوار أو العدار، وإذا لقي إنسانا وطئه فقال له ابن جني: بودك لو لقيك فإنه كان لأمنيتك دواء! فقال أبو نصر:
وكان يوما يتحدث بحضرة أبي الحسين القمي الكاتب، وكانت لأبي الفتح عادة إذا تحدث أن يميل بشفتيه ويشير بيده فبقي القمي شاخصا إليه، فقال أبو الفتح: ما لك تحدق إلي وتكثر التعجب مني؟ قال: شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث ويقول ببوزه كذا وبيده كذا بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجلة يفعل ما يفعله مولانا! فامتعض أبو الفتح وقال: ما هذا القول - أعزك الله - ومتى رأيتني أمزح معك فتمزح معي بمثل هذا! فلما رآه أبو الحسين قد استشاط غضبا، قال: المعذرة إليك أيها الشيخ عن أن أشبهك بالقرد وإنما شبهت القرد بك! فضحك أبو الفتح، وقال: ما أحسن ما اعتذرت! وعلم أنها نادرة تشيع فكان أبو الفتح يتحدث بها دائما! واجتاز يوما بأبي الحسين المذكور في الديوان وبين يديه كانون فيه نار والبرد شديد، فقال له أبو الفتح: تعال أيها الشيخ إلى النير! فقال: أعوذ بالله! وقال ابن الزمكدم الموصلي يهجو ابن جني:
ووجد بخط ابن جني على ظهر كتاب المحتسب في علل القراءات الشاذة، أخبرني بعض من يعتادني للقراءة علي والأخذ عني، قال، رأيتك في منامي جالسا في مجلس لك على حال كذا وبصورة كذا، وذكر من الحلية والشارة جميلا، وإذا رجل له رواء ومنظر وظاهر نبل وقدر قد أتاك فحين رأيته أعظمت مورده، وأسرعت القيام له فجلس في صدر مجلسك وقال لك: إجلس! فجلست! فقال: كذا - شيئا ذكره؛ ثم قال لك: أتمم كتاب الشواذ الذي عملته فإنه كتاب يصل إلينا. ثم نهض فلما ولى سألت بعض من كان معه عنه، فقال: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه! ذكر هذا الرائي هذه الرؤيا لي، وقد من نواحي هذا الكتاب أميكنات تحتاج إلى معاودة نظر وأنا على الفراغ منها. وبعده ملحق في الحاشية بخطه أيضا: ثم عاودتها فصحت بلطف الله ومشيئته. ولما مات أبو الفتح رثاه الشريف الرضي بقصيدة عدتها تسعة وخمسون بيتا منها:
تصانيف أبي الفتح ابن جني: كتاب الخصائص وهو كتاب نفيس إلى الغاية، فيه لباب النحو، وكتاب سر الصناعة وهو من أحسن ما صنفه وجوده، وكتاب تفسير أشعار هذيل مما أغفله السكري، وكتاب تفسير تصريف المازني، وشرح مستغلق الحماسة واشتقاق أسماء شعرائها، وشرح المقصور والممدود لابن السكيت، وتعاقب العربية قال ابن جني: وأطرف به.
وشرح ديوان المتنبي شرحين: كبيرا وصغيرا، كتاب اللمع، كتاب مختصر التصريف، مختصر العروض والقوافي والحروف المهموزة، كتاب في اسم المفعول المعتل العين من الثلاثي، تفسير المذكر والمؤنث لابن السكيت، كتاب تأييد التذكرة لأبي علي الفارسي، كتاب محاسن العربية، وكتاب النوادر الممتعة في العربية ألف ورقة، كتاب ما أحضره الخاطر من المسائل المنثورة، وكتاب المحتسب في تعليل شواذ القراءات وهو جيد إلى الغاية، كتاب تفسير أرجوزة أبي نواس، كتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضي، كتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة، مقداره خمسون ورقة في تفسير بيت واحد من شعر عضد الدولة، وهو:
رسالة في مدد الأصوات ومقادير المدات، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المنتصف، مقدمات أبواب التصريف، النقض على ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطئته، المغرب في شرح القوافي، كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام، كتاب الوقف والابتداء، كتاب الفرق، كتاب المعاني المحررة، كتاب الفائق، كتاب الخطيب، كتاب مختار الأراجيز، كتاب ذي القد في النحو، كتاب شرح الفصيح، كتاب الكافي في القوافي، كتاب التنبيه في إعراب الحماسة، كتاب المهذب، كتاب التبصرة، يقال إن الشيخ أبا إسحاق أخذ منه أسماء كتبه فإنه له التنبيه والمهذب واللمع، والتبصرة. ومن شعر ابن جني:
ومنه:
ومنه:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19- ص: 0

عثمان بن جني أبو الفتح النحوي: وكان جني أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي: من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وصنف في ذلك كتبا أبر بها على المتقدمين وأعجز المتأخرين، ولم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف، ولم يتكلم أحد في التصريف أدق كلاما منه، ومات لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، في خلافة القادر، ومولده قبل الثلاثين وثلاثمائة؛ وهو القائل:

وحدث غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن قال: حدثني أبي قال: كان من كتاب الانشاء في أيام عضد الدولة وبعدها في أيام صمصام الدولة ابنه كاتب يعرف بأبي الحسين القمي، قال: وشاهدته في ديوان الإنشاء يكتب بين يدي جدي أبي إسحاق لما ولاه صمصام الدولة، فاتفق أن حضر يوما عند جدي أبي إسحاق أبو الفتح عثمان بن جني النحوي في الديوان، وجلس يتحدث مع جدي تارة ومعي- إذا اشتغل جدي- أخرى، وكانت له عادة في حديثه بأن يميل بشفته ويشير بيده، فبقي أبو الحسين القمي شاخصا ببصره يتعجب منه، فقال له ابن جني: ما بك يا أبا الحسين تحدق إلي النظر وتكثر مني التعجب؟ قال: شيء طريف، قال: ما هو؟
قال شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث ويقول ببوزه كذا وبيده كذا بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجلة يفعل مثل ما يفعل مولاي الشيخ، فامتعض أبو الفتح وقال: ما هذا القول يا أبا الحسين أعزك الله؟ ومتى رأيتني أمزح فتمزح معي أو أمجن فتمجن بي؟! فلما رآه أبو الحسين قد حرد واشتاط وغضب قال: المعذرة أيها الشيخ إليك وإلى الله تعالى عن أن أشبهك بالقرد وإنما شبهت القرد بك، فضحك أبو الفتح وقال: ما أحسن ما اعتذرت!! وعلم أبو الفتح أنها نادرة تشيع فكان يتحدث بها هو دائما.
قال: واجتاز أبو الفتح يوما وأبو الحسين في الديوان وبين يديه كانون فيه نار، والبرد شديد، فقال له أبو الحسين: تعال أيها الشيخ إلى النير فقال: أعوذ بالله، والنير هو صماد البقر.
وذكره أبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي في «دمية القصر» فقال: ليس
لأحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ما له، ولا سيما في علم الاعراب، فقد وقع منها على ثمرة الغراب. ومن تأمل مصنفاته، وقف على بعض صفاته، فو ربي إنه كشف الغطاء عن شعره، وما كنت أعلم أنه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك الجريض، حتى قرأت له مرثية في المتنبي أولها:
منها:
وحدث أبو الحسن الطرائفي قال: كان أبو الفتح عثمان بن جني يحضر بحلب عند المتنبي كثيرا ويناظره في شيء من النحو من غير أن قرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه، وكان المتنبي يقول في أبي الفتح: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس.
وسئل المتنبئ بشيراز عن قوله:
فقال: لو كان صديقنا أبو الفتح حاضرا لفسره.
وحدث أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري في «كتاب النورين»: وقال بعض أهل العصر وهو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي:
وكان أبو الفتح ابن جني ممتعا باحدى عينيه، فلذلك يقول في صديق له:
وحدثت أنه صحب أبا علي الفارسي أربعين سنة، وكان السبب في صحبته له أن أبا علي اجتاز بالموصل، فمر بالجامع وأبو الفتح في حلقة يقرئ النحو وهو شاب، فسأله أبو علي عن مسألة في التصريف فقصر فيها، فقال له أبو علي: زببت قبل أن تحصرم، فسأل عنه فقيل له: هذا أبو علي الفارسي، فلزمه من يومئذ واعتنى بالتصريف، فما أحد أعلم منه به، ولا أقوم بأصوله وفروعه، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه. فلما مات أبو علي تصدر أبو الفتح في مجلسه ببغداد فأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي.
وكان لابن جني من الولد علي وعال وعلاء، وكلهم أدباء فضلاء قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم، فهم معدودون في الصحيحي الضبط وحسن الخط.
ومن «كتاب سر السرور» لأبي الفتح ابن جني:
وأنشد له:
قرأت بخط أبي علي ابن إبراهيم الصابئ: ولأبي نصر بشر بن هارون في ابن جني النحوي، وقد جرى بينه وبينه في معنى شيطان يقال إنه يظهر بالراية اسمه العدار، وإذا لقي إنسانا وطئه، فقال له ابن جني: بودك لو لقيك فإنه إن كان لأمنيتك، فقال أبو نصر:
ونقل من خط أبي الفتح ابن جني خطبة نكاح من إنشائه: الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض، ذي العزة والعلاء، والعظمة والكبرياء، مبتدع الخلق على غير مثال، والمشهود بحقيقته في كل حال، الذي ملأت حكمته القلوب نورا، فاستودع علم الأشياء كتابا مسطورا، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته، واغترقت أرجاء الفكر بسطة ملكوته؛ أحمده حمد معترف بجزيل نعمه، وأخاطبه ملتبسا بسني قسمه، وأعاطيه وأومن به في السر والعلن، واستدفع بقدرته ملمات الزمن، وأستعينه على نوازل الأمور، وادارأه في نحر كل محذور، وأشهد شهادة تخضع لعلوها السموات وما أظلت، وتعجز عن حملها الأرضون وما أقلت، إنه مالك يوم البعث والمعاد، والقائم على كل نفس بالمرصاد، وأن لا معبود سواه، ولا إله إلاه، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، وبجل وكرم، عبده المنتخب، وحجته على العجم والعرب، ابتعثه بالحق إلى أوليائه ضياء لامعا، وعلى المراق من أعدائه شهابا ساطعا، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها، وانتحى مناهج الرشد وقصدها، مستسهلا ما يراه الأنام صعبا، ومستخصبا ما يرعونه بينهم جدبا. يغافس أهل الكفر والنفاق، ويمارس البغاة وأولي الشقاق، بقلب غير مذهول، وعزم غير مفلول، يستنجز الله صادق وعده، ويسعى في خلود الحق من بعده، إلى أن وطد بواني الدين وأرساها، وشاد شرف الاسلام وأسماها، فصرم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفقا حميدا، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيدا، صلى الله عليه ما ومض في الظلام برق، أو نبض في الأنام عرق، وعلى الخيرة المصطفين من آله، والمقتدين بشرف فعاله.
وإن مما أفرط الله تعالى به سابق حكمه، وأجرى بكونه قلم علمه، ليضم بوقوعه متباين الشمل، ويزم به شارد الفرع إلى الأصل، أن فلان بن فلان، وهو كما يعلم من حضر، من ذوي الستر وصدق المختبر، مسجوح الخليقة، مأمون الطريقة، متمسك بعصام الدين، آخذ بسنة المسلمين، خطب للأمر المحموم، والقدر المحتوم، من فلان بن فلان الظاهر العدالة والعفاف، أهل البر وحسن الكفالة والكفاف، عقيلته فلانة بنت فلان خيرة نسائها، وصفوة آبائها، في زكاء منصبها، وطيب مركبها، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا فليشهد على ذلك أهل مجلسنا، وكفى بالله شهيدا (ثم تقريرهما) ثم يقال: لاءم الله على التقوى كلمتيكما، وأدم بالحسنى بينكما، وخار لكما فيما قضى، ولا ابتزكما صالح ما كسا. وهو حسبنا وكفى.
قرأت بخط الشيخ أبي منصور موهوب بن الخضر الجواليقي رحمه الله، أنشدنا الشيخ الامام أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي قال: أنشدنا عال بن عثمان بن جني، قال أنشدنا أبي لنفسه:
حدث أبو الحسن الطرائفي ببغداد قال: كان أبو الفتح عثمان بن جني في حلب يحضر عند المتنبي الكثير ويناظره في شيء من النحو من غير أن قرأ عليه ديوان شعره إكبارا لنفسه عن ذلك، وكان المتنبي يعجب بأبي الفتح وذكائه وحذقه ويقول: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس؛ وسئل أبو الطيب بشيراز عن قوله:
فقال: لو كان صديقنا أبو الفتح ابن جني حاضرا فسره. قلت: وتفسيره أن لفظة إنسان خمسة أحرف إذا كانت مكبرة، فإذا صغر قيل أنيسيان، فزاد عدد حروفه وصغر معناه، فيقول للممدوح ان عدوك الذي له ابنان فيكاثرك بهما كانا زائدين في
عدده ناقصين من فضله وفخره لأنهما ساقطان خسيسان كياءي أنيسيان تزيدان في عدد الحروف وتنقصان من معناه.
قرأت بخط الشيخ ابي منصور ابن الجواليقي قال لنا أبو زكرياء: رأيت بخط ابن جني، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرميسيني عن أبي بكر محمد بن هارون الروياني عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: قرأ علي أعرابي «طيبى لهم وحسن مآب» فقلت: «طوبى»، فقال: «طيبى» فقلت ثانيا: «طوبى»، فقال:
«طيبى» فلما طال علي قلت «طوطو»، فقال: الأعرابي: «طي طي»، أما ترى إلى هذه النحيزة ما أبقاها وأشد محافظة هذا البدوي عليها حتى إذا استكره على تركها فأبى إلا إخلادا إليها، ونحو ذلك قال عمار الكلبي وقد أنشد بعض أهل الأدب بيتا قاله، وهو:
فقيل له: لا يقال مزعوج، إنما يقال مزعج، فجفا ذلك عليه وقال يهجو النحويين:
قال ابن جني: وعلى نحو ذلك فحضرني قديما بالموصل أعرابي عقيلي جوثي تميمي يقال له محمد بن العساف الشجري، وقلما رأيت بدويا أفصح منه فقلت له يوما، شغفا بفصاحته والتذاذا بمطاولته وجريا على العادة معه في إيقاظ طبعه واقتداح زند فطنته: كيف تقول: «أكرم أخوك أباك». فقال كذاك، فقلت له:
أفتقول «أكرم أخوك أبوك» فقال: لا أقول «أبوك» أبدا؛ قلت فكيف تقول:
«أكرمني أبوك» فقال: كذاك، قلت ألست تزعم أنك لا تقول «أبوك» أبدا؟ فقال:
أيش هذا، اختلفت جهتا الكلام. فهل قوله «اختلفت جهتا الكلام» إلا كقولنا نحن «هو الآن فاعل وكان في الأول مفعولا» فانظر إلى قيام معاني هذا الأمر في أنفسهم وإن لم تطع به عبارتهم.
أخبرني أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ «ولا الليل سابق النهار» فقلت له: ما أردت؟ قال:
أردت «سابق النهار». فقلت له: فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن، أي أقوى وأفصح. ففي هذه الحكاية من فقه العربية ثلاثة أشياء: أحدها أنهم قد يراعون من معانيهم ما ننسبه إليهم ونحمله عليهم، والثاني أنهم قد ينطقون بالشيء وفي أنفسهم غيره، ألا ترى أنه لما نص أبو العباس عليه واستوضح ما عنده قال: «أردت كذا» وهو خلاف ما لفظ به، والثالث أنهم قد ينطقون بالشيء غيره أقوى منه استلانة وتخفيفا، ألا تراه كيف قال: لو قلته لكان أوزن، أي أقوى وأعرب.
قال ابن جني: وسألت الشجري صاحبنا هذا الذي قد مضى ذكره، قلت له:
كيف يا أبا عبد الله تقول: «اليوم كان زيد قائما» فقال: كذلك، فقلت: فكيف تقول «اليوم ان زيدا قائم» فأباها البتة، وذلك أن ما بعد «إن» لا يعمل فيما قبلها لأنها إنما تأتي أبدا مستقبلة قاطعة لما قبلها عما بعدها وما بعدها عما قبلها.
قلت له يوما ولابن عم له يقال غصن، وكان أصغر منه سنا وألين لسانا: كيف تحقران «حمراء» ؟ فقالا: «حميراء»، قلت: «فصفراء» ؟ قالا: «صفيراء» قلت: «فسوداء» ؟ قالا «سويداء»، واستمررت بهما في نحو هذا فلما استويا عليه دسست بين ذلك «علباء» فقلت «فعلباء» ؟ فأسرع ابن عمه على طريقته فقال
«عليباء»، وكاد الشجري يقولها معه، فلما هم بفتح الباء استرجع مستنكرا فقال: اه «عليبي» وأشم الضمة دائما للحركة في الوقف وتلك عادة له.
قال ابن جني: فسألته يوما يا أبا عبد الله كيف تجمع محرنجما؟ وكان غرضي من ذلك أن أعلم ما يقوله أيكسر فيقول حراجم أم يصحح فيقول محرنجمات، فذهب هو مذهبا غير ذين فقال: وايش فرقه حتى أجمعه، وصدق، وذلك أن المحرنجم هو المجتمع، يقولها مارا على شكيمته غير محس لما أريده منه، والجماعة معي على غاية الاستغراب لفصاحته، قلت له: فدع هذا، إذا أنت مررت بابل محرنجمة، وأخرى محرنجمة، وأخرى محرنجمة، تقول مررت بابل ماذا؟ فقال، وقد أحس الموضع: يا هذا هكذا أقول: مررت بابل محرنجمات، وأقام على الصحيح البتة استيحاشا من تكسير ذوات الأربعة لمصاقبتها ذوات الخمسة التي لا سبيل إلى تكسيرها لا سيما إذا كان فيها زيادة، والزيادة قد تعتد في كثير من المواضع اعتداد الأصول، حتى إنها لتلزم لزومها نحو كوكب وحوشب وضيون وهزنبران ودودرى وقرنفل، وهذا موضع يحتاج إلى إصغاء إليه وإرعاء عليه، والوقت لتلاحمه وتقارب أجزائه مانع منه، ويعين الله فيما يليه على المعتقد المنوي فيه بقدرته.
وسألته يوما كيف تجمع سرحانا؟ فقال سراحين، قلت: فدكانا، قال دكاكين، قلت: فقرطانا، قال: قراطين، قلت: فعثمان، قال: عثمانون، قلت: هلا قلت عثامين كما قلت سراحين وقراطين؟ فأباها البتة وقال: أيش ذا، أرأيت انسانا يتكلم بما ليس من لغته، والله لا أقولها أبدا، استوحش من تكسير العلم إكبارا له لا سيما وفيه الألف والنون اللتان بابهما فعلان الذي لا يجوز فيه فعالين نحو سكران وغضبان.
فهرست كتب ابن جني:
كتب ابن جني إجازة بما صورته. بسم الله الرحمن الرحيم: قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصر- أدام الله عزه- أن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري- أيد الله عزه:
عنده منها كتابي الموسوم بالخصائص وحجمه ألف ورقة. وكتابي التمام في تفسير
أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري رحمه الله وحجمه خمسمائة ورقة بل يزيد على ذلك. وكتابي في سر الصناعة وهو ستمائة ورقة.
وكتابي في تفسير تصريف أبي عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني وحجمه خمسمائة ورقة. وكتابي في شرح مستغلق أبيات الحماسة واشتقاق أسماء شعرائها ومقداره خمسمائة ورقة. وكتابي في شرح المقصور والممدود عن يعقوب بن إسحاق السكيت وحجمه أربعمائة ورقة. وكتابي في تعاقب العربية وأطرف به وحجمه مائتا ورقة. وكتابي في تفسير ديوان المتنبي الكبير وهو ألف ورقة ونيف. وكتابي في تفسير معاني هذا الديوان وحجمه مائة ورقة وخمسون ورقة. وكتابي اللمع في العربية وان كان لطيفا. وكذلك كتابي مختصر التصريف على إجماعه. وكتابي مختصر العروض والقوافي. وكتاب الألفاظ المهموزة. وكتابي في اسم المفعول المعتل العين من الثلاثي على إعرابه في معناه وهو المقتضب. وما بدأت بعمله من كتاب تفسير المذكر والمؤنث ليعقبوب أيضا أعان الله على إتمامه. وكتاب ما خرج عني من تأييد التذكرة عن الشيخ أبي علي أدام الله عزه. وكتابي في المحاسن في العربية وإن كان ما جرى أزال يدي عنه حتى شذ عنها ومقداره ستمائة ورقة. وكتابي النوادر الممتعة في العربية وحجمه ألف ورقة، وقد شذ أيضا أصله عني فإن وقعا كلاهما أو شيء منهما فهو لا حق بما أجزت روايته هنا. وكتاب ما أحضرنيه الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي وغير ذلك مما هذه حاله وصورته. فليرو-
أدام الله عزه- ذلك عني أجمع إذا صح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده، وما صح عنده أيده الله من جميع رواياتي مما سمعته من شيوخي رحمهم الله وقرأته عليهم بالعراق والموصل والشام وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها مباركا له فيه منفوعا به بإذن الله؛ وكتب عثمان بن جني بيده حامدا لله سبحانه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
والحمد لله حق حمده عودا على بدء.
ومن كتبه ما لم تتضمنه هذه الاجازة: كتاب المحتسب في شرح الشواذ .
وكتاب تفسير أرجوزة أبي نواس. وكتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضي كل واحدة في مجلد وهي: قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم بن ناصر الدولة أولها:
ومنها قصيدته التي رثى بها الصاحب بن عباد وأولها:
وقصيدته التي رثى بها الصابئ وأولها:
وكتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقة في تفسير بيت واحد من شعر عضد الدولة:
وكتاب رسالة في مدد الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدارها ست عشرة ورقة بخط ولده عالي. كتاب المذكر والمؤنث. كتاب المنتصف. كتاب مقدمات أبواب التصريف. وكتاب النقض على ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطئته. كتاب المغرب في شرح القوافي. كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام. كتاب الوقف والابتداء. كتاب الفرق. كتاب المعاني المجردة. كتاب الفائق. كتاب الخطيب. كتاب مختار الأراجيز. وكتاب ذي القد في النحو. وكتاب شرح الفصيح. وكتاب شرح الكافي في القوافي .
وجد على ظهر نسخة ذكر ناسخها أنه وجد بخط أبي الفتح عثمان بن جني، رحمه الله، على ظهر نسخة «كتاب المحتسب في علل شواذ القراءات»: أخبرني بعض من يعتادني للقراءة علي والأخذ قال: رأيتك في منامي جالسا في مجلس لك على حال كذا وبصورة كذا، وذكر من الجلسة والشارة جملا وإذا رجل له رواء ومنظر وظاهر نبل وقدر قد أتاك، فحين رأيته أعظمت مورده وأسرعت القيام له، فجلس في صدر مجلسك وقال لك: اجلس، فجلست، فقال كذا (شيئا ذكره) ثم قال لك: أتمم كتاب الشواذ الذي عملته فإنه كتاب يصل إلينا، ثم نهض، فلما ولى سألت بعض من كان معه عنه فقال: علي بن أبي طالب عليه السلام، ذكر هذا الرائي لهذه الرؤيا لي، وقد بقيت من نواحي هذا الكتاب أميكنات تحتاج إلى معاودة نظر وأنا على الفراغ منها. وبعده ملحق في الحاشية بخطه أيضا: ثم عاودتها فصحت بلطف الله ومشيئته. تمت الحكاية.
وقرأت بخط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الرحيم السلمي، أنشدني الرئيس أبو منصور ابن دلال، قال أنشدنا أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي، قال أنشدني أبو العباس محمد بن الفضل بن محمد القصباني النحوي البصري بها لابن الزمكدم الموصلي يهجو أبا الفتح ابن جني النحوي:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1585

أبو عثمان بن جني
وأما أبو الفتح عثمان بن جني النحوي، فإنه كان من حذاق أهل الأدب، وأعلمهم بعلم النحو والتصريف.
صنف في النحو والتصريف كتباً أبدع فيها؛ كالخصائص، والمنصف، وسر الصناعة، وصنف كتاباً في شرح القوافي، وفي العروض، وفي المذكر والمؤنث، إلى غير ذلك.
ولم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف، فإنه لم يصنف أحد في التصريف، ولا تكلم فيه أحسن ولا أدق كلاماً منه.
وكان أبوه جني مملوكاً رومياً لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، وكان يقول الشعر ويجيده، فمنه:

ومن شعره أيضاً في العتب على صديق له:
وإنما قال: ’’خشيت على عيني الواحدة’’، لأنه كان أعور.
وأخذ عن أبي علي الفارسي؛ وصحبه أربعين سنة وكان سبب صحبته إياه أن أبا علي الفارسي كان قد سافر إلى الموصل، فدخل إلى الجامع، فوجد أبا الفتح عثمان بن جني يقرأ النحو وهو شاب، وكان بين يديه متعلم وهو يكلمه في قلب الواو ألفاً، نحو ’’قام’’ و’’قال’’، فاعترض عليه أبو علي، فوجه مقصراً، فقال له أبو علي: زببت قبل أن تحصرم، ثم قام أبو علي ولم يعرفه ابن جني، فسأل عنه، فقيل له: هذا أبو علي الفارسي النحوي، فأخذ في طلبه، فوجده ينزل إلى السميرية، يقصد بغداد، فنزل معه في الحال، ولزمه وصاحبه من حينئذ إلى أن مات أبو علي وخلفه ابن جني، ودرس النحو ببغداد بعده، وأخذ عنه، وكان تبحر ابن جني في علم التصريف؛ لأن السبب في صحبته أبا علي وتغربه عن وطنه، ومفارقة أهله مسألة تصريفية، فحمله ذلك على التبحر والتدقيق فيه.
وأخذ عنه أبو القاسم الثمانيني وأبو أحمد عبد السلام البصري، وأبو الحسن علي بن عبد الله السمسي، وغيرهم.
وتوفي ابن جني يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة في خلافة القادر بالله تعالى.

  • مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 244

  • دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 287

  • مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 228

أبو الفتح عثمان بن جني
صاحب أبي علي الفارسي، قرأ عليه ’’ الكتاب ’’، وغيره.
وله مصنفات؛ منها كتاب ’’ سر صناعة الإعراب ’’، وكتاب ’’ شرح تصريف أبي عثمان المازني ’’، وكتاب يلقب ب ’’ المحتسب ’’، وكتاب ’’ الخصائص ’’.
ومن كتبه الصغار: ’’ اللمع ’’، و’’ التصريف الملوكي ’’.
وله كتاب ’’ الفسر ’’ تكلم فيه على شعر المتنبي.
توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
وتوفي إلى رحمة الله تعالى:

  • هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة - مصر-ط 2( 1992) , ج: 1- ص: 24

عثمان بن جني
أبو الفتح، الموصلي، الإمام الأوحد، البارع المقدم، ذو التصانيف المشهورة الجليلة، والاختراعات العجيبة.
و’’جني’’ أبوه: مملوك لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي.
أخذ العربية عن أبي علي الفارسي، لازمه أربعين سنة سفرا وحضرا. ومن
أحسن ما وضع: ’’الخصائص’’، وكان المتنبي يقول: ابن جني أعرف بشعري مني.
ورثي المتنبي بقصيدة منها:

توفي سنة 392

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 38

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 194